إعاده هيكلة رواتب القطاع العام المدني بين المشروع والتطبيق وتقرير ديوان المحاسبة

مركز الرأي للدراسات

مازن الساكت

أيار 2015

لقد جاء مشروع اعادة هيكلة الرواتب في القطاع العام المدني محصلة دراسات وجهد وكان لي شرف قيادته لواقع الرواتب في الخدمة المدنية والقطاع العام المدني,بهدف تصحيح التشوهات التي اصابت واقعها, نتيجة غياب وجود سياسات لإدارة الرواتب كأحد أهم أدوات إدارة الموارد البشرية, ونتيجة اعتماد سياسة إتخاذ قرارات جزئية لفئات أو دوائر أو زيادات مقطوعة من قبل الحكومات المتعاقبة بتأثيرات غلاء المعيشة أو ضغط نقابات وفئات وظيفية أو مقترحات من قبل الوزير المعني بتلك الدائرة كما تزايدت مستويات الرواتب في المؤسسات المستقلة والامتيازات بمبررات إستقطاب الكفاءات وخصوصية وطبيعة عمل المؤسسات,والتي وإن كان قسم كبير منها مبررات صحيحة إلا أن التطبيق في غياب وجود المعايير والمتابعة والأشراف أدى الى تحولها في الكثير من الحالات الى مجرد توظيف برواتب مرتفعة لفئات وظيفية لا تختلف في معظم الحالات عن تلك التي في الخدمة المدنية إلا بالرواتب والامتيازات ,وباتت مواقعها الإشرافية وامتيازاتها والتوظيف فيها مكانا لواسطة اصحاب النفوذ والمواقع ولابنائهم وأقاربهم.

 

وكمثال بارز على هذه الحالات أن احدى تلك المؤسسات كان يعمل فيها 80 موظفا» منهم 40 مديرا» ورئيس قسم ووحدة. برواتب تساوي وتفوق راتب الوزير العامل.

 

لقد أساءت هذه الممارسات التي لم يشر إليها تقرير ديوان المحاسبة الى سياسات المرونة والخصوصية المطلوبة لعمل بعض المؤسسات بل حتى بروز مواقف نطالب بوقفها وضرورة إتخاذ إجراءات لوضع معايير لها والإشراف عليها ورقابتها.

وقبل أن أضع بعض الملاحظات ماجاء في تقرير ديوان المحاسبة لعام 2014 وما تبعه في وسائل الأعلام ,حول هيكلة الرواتب لابد أن أشير الى ان ديوان الخدمة المدنية الذي تشرفت برئاسته قدم مشروعا لإعادة الهيكلة بشكل جزئي وبكلفة قدرت بحوالي 36 مليون دينار طبق في عام 2007,وكان أول إجراء يتعامل مع الرواتب الاساسية للموظفين وزيادتها والتي بقيت ثابتة لمدة 20 عاما» رغم ماطرأ من زيادات على العلاوات لفئات معينة, غير أن الرواتب الاساسية هي ما يتم حساب التقاعد بناء عليها وما يعنيه ذلك من تدن للرواتب التقاعدية للموظف, وتدني رواتب أغلب الفئات الوظيفية في الخدمة المدنية بمن فيهم الأمناء العامين في ذلك الوقت.

 

لقد كانت هيكلة الرواتب وهيكلة المؤسسات مشروعين ,التزمت بهما حكومة دولة د, معروف البخيت التي تشرفت بعضويتها كوزير لتطوير القطاع العام أمام مجلس النواب وقدمت تلك المشاريع في وقت قياسي , هو 1-4-2011 وبكلفة لاتتعدى 14 ألف دينار هي مكافات موظفين بذلوا جهودا هائلة لإنجازها بكفاءة عالية وذلك كان بدل طرح عطاءات لهذه المشاريع التي كانت ستكلف 4,5 مليون لمشروع إعاده هيكلة الرواتب و 1,5 مليون لمشروع إعادة هيكلة المؤسسات.

 

لقد بني المشروع وفق برنامج محوسب لادارة الرواتب انجزه مبرمجو ديوان الخدمة,ولا أبالغ اذا قلت أنه يتفوق على ماهو موجود في القطاعين العام والخاص من حيث الشمولية والدقة.

 

ولقد بذلت جهود ميدانية وفنية لجمع المعلومات وتدقيقها وتصنيفها لواقع الموارد البشرية بهدف دراسة واقعها؛ووضع وتنفيد خطط ادارة الموارد البشرية بشكل علمي.

 

وفي ضوء هذه المقدمة يمكن وضع التوضيحات التالية :

 

اولا»: إن مشروع إعادة الهيكلة إستهدف بشكل أساسي التشوهات في واقع رواتب الخدمة المدنية,ثم بعد ذلك ادخل اليه رواتب المؤسسات المستقلة.

 

ثانيا»:ان كلفة المشروع المقدره(82,5)مليون دينار هي كلفة هيكلة رواتب العاملين في مؤسسات الخدمة المدنية.

 

ثالثا»:وهذا يعني ان كلفة زيادة الرواتب التقاعدية العسكرية والمدنية والتي بلغت حوالي91 مليونا وفق التقرير هي قرار حكومي ليس له علاقة بمشروع اعادة الهيكله ولا يجوز ان تحسب تكاليفه على المشروع ومناقشة مدى صحته وألية تنفيذه هو موضوع اخر يتعلق بضعف الرواتب التقاعدية مع إزدياد مستويات وغلاء المعيشه بمرور سنوات على تقاعد الموظف.وهو موضوع كنت اقترح دائما» ضرورة معالجته,وخاصة من خلال زيادات سنوية أسوة برواتب العاملين ؛وليس ردة فعل على مطالبات الاوضاع الصعبه للمتقاعدين بعد مرور سنوات على تقاعدهم.

 

رابعا»:إن الكلف التي تحققت نتيجة خضوع الحكومات لمطالبات المعلمين برفع العلاوة من 70% الى 100% رغم رفع الرواتب الاساسيه التي جعلت من ال 70% قيمه اعلى من قيمة 100% من الرواتب السابقه. واعادة منح غير المعلمين في وزارة التربية التي كان يبلغ عدد موظفيها 104الاف نفس.

 

علاوةن المعلم يعكس ما هو مقر في مشروع الهيكله والذين يشكلون حوالي 35 الف موظف ؛ رتب على الموازنة عشرات الملايين لم تكن ضمن مشروع هيكلن الرواتب في القطاع العام بل هو أعاد شكلا»من اشكال الخلل والتشوهات في الرواتب ؛ حيث بهذا القرار عاد المحاسب مثلا «في وزارن التربين والتعليم يتقاضى راتبا»يفوق راتب المحاسب في كل وزارات ودوائر الخدمن المدنين بما فيها وزارن المالية.

 

خامسا»: إن قرارات زيادات نسب العلاوات الفنيه والمكافات هي مرة اخرى وبغض النظر عن مبرراتها هي عودة لمنهجية القرارات الجزئيه والخضوع للمطالب النقابيه ومطالب بعض الوزراء لوزاراتهم ؛وهي ليست ضمن مشروع اعادةة الهيكله ؛بل هي ما جاء المشروع لتصحيحها بسبب ما تخلفه تراكميتها من تشوهات ؛وحرمان للفئات التي لانقابات لها من عدالة المنهجيه الشموليه للرواتب والعلاوات.

 

سادسا»: لقد هدفت الهيكله الى إنصاف الاف الموظفين وتحفيز الاستخدام الامثل للمؤهلات والكفات فعلى سبيل المثال: فإن وظائف الدبلوم والبكالوريس لتخصصات مثل الأشعه والمختبرات والحاسوب والتحليل المالي والمساحه كانت تتقاضى على الاكثر 20% علاوة فنية او هي بدون علاوة ؛ لذلك اوضحت الدراسات نقصا» شديدا»في هذه التخصصات كما في وزارة الصحه مقابل زيادة كبيرة في وظائف لا علاقة لمؤهلات شاغليها بعمل الدائرة.

 

سابعا»: لقد كان ضمن كلفة 82 مليون تطبيق معادله جديدة على التقاعد المدني تستهدف منح تقاعد معقول لعيش كريم للموظف وبكلفة قدرت بحوالي 15 مليون دينار على 10سنوات هي المدة المتوقعه لأحالة هؤلاء الموظفين وعددهم 35 ألف موظف على التقاعد.

 

ثامنا»:لقد وضع المشروع ضرورة التعامل مع بند المكافات في الوزارات والدوائر؛التي لم تستطع لافي ديوان الخدمه المدنيه ولا حتى عندما كنت وزيرا» لتطويرالقطاع العام الحصول على ارقام حقيقيه لها رغم المطالبات المتعدده.

 

ورغم ان تلك المكافات باتت في العديد من المؤسسات تمنح للجميع كجزء من الراتب بدل ان تكون أداة لتحفير الاداء والانتاجيه ؛ وهوما جاء مشروع اعادة الهيكله لتصحيحه.غير ان القرارات التي جاءت في تقرير ديوان المحاسبه تظهر عوده للنهج الذي كان احد أسباب تشوه الرواتب وإضعاف ادوات رفع كفاءة الاداء.

 

تاسعا»:إن أحد أهم قرارات المشروع هو ضرورة تنظيم واقع الموارد البشريه في المؤسسات وتحديد مسماهم الوظيفي الفعلي, غير أن التطبيق شهد العديد من تغيير هذه المسميات لمنح علاوة أعلى للموظف بدون حق.

 

إن الحديث حول مشروع هيكلة الرواتب يطول وهو بارقام موجودة في وثائق المشروع الاساسي وما يفترض أن يحققه من تحسين وعادل لمعظم الفئات الوظيفيه في الدوله ويمكن العوده الى تفاصيل المشروع والى شرح ملخص عنه في المؤتمر الصحفي الذي عقدته حول مشروع إعادة الهيكله.

 

لقد كانت هناك مواقف معارضه للمشروع بما في ذلك داخل الحكومه وخاصه من وزارة الماليه ووزارة التخطيط واستمر النقاش حوله ما يزيد على خمسة اجتماعات كامله لمجلس الوزراء وقيل حينها ان المشروع سيكلف 450 مليونا ؛وهذا تقدير لا صحة له ولم يطرح اثبات علمي له.

 

انني ممن يوافقون على ان الرواتب والتقاعد عبء كبير في الموازنه العامه غير ان هذا العنوان لا يجوز ان يطرح مقابل منهجيه منصفه وعادله لادارة الرواتب والعلاوات , وجعلها أداه لادارة الموارد البشريه ورفع كفاءتها؛ بل يجب ان يكون اساسا» لوقف الإرتجال والاخطاء والقرارات غير المدروسه والتعيينات خارج جدول التشكيلات وغياب المعايير والرقابه في المؤسسات المستقله والتضخم في بعض الوزارات والمؤسسات كوزارتي الاشغال والزراعه وسلطة العقبه واعادة تنظيم واقع الموارد البشريه في وزارات الصحه والاوقاف والمياه والمساءله حول عدم وجود صندوق للتقاعد المدني من الاقتطاعات التي كانت تتم من الراتب.

 

كما أن موضوع البلديات لم يكن بالمطلق ضمن برنامج إعادة الهيكله وإن كان واقع البلديات يتطلب برنامجا» مماثلا» مترافقا» مع وقف التضخم الحاصل في البلديات وأمانة عمان التي هي دستوريا» هيئات مدنيه.

 

ان اخر ما يمكن ان يقال في هذه المناسبه هو أهمية الاهتمام الحكومي, بأشخاص الوزراء والأمناء العاملين بموضوع الاداره كأحد أهم عوامل النجاح ورفع كفاءه الاداء وتحقيق العداله ؛وبوجود منهجيه المساءله والمحاسبه التي غابت لسنوات طويله.

 

إن طرح موضوع إعادة الهيكلة بهذا الشكل هو ظلم لمنهجية الاصلاح والتطوير الحقيقية في القطاع العام وخلط وتبرير لأخطاء قرارات جاءت الهيكلة لتصحيحها ووقفها.