المصالح الإقليمية وراء التعنت الروسي في الملف السوري

01/08/2012

مركز الرأي للدراسات

اعداد : زيد نفاع

آب 2012

هكذا يبدأ الانسان بالتفكير عندما يلتفت من حوله ويرى ما يجري في الدول المجاورة للاردن من مجازر وويلات ، حصلت وتحصل ذهب ضحيتها مئات الاف لا بل الملايين . وإذا ما توقفنا عند هذه النقطة لفترة من الوقت وتمحصنا جيدا في حيثيات وخفايا الامور إذاً من الصعب ان نفهم ماذا يحدث في الجوار لا بل في الاقليم والعالم بأسره .
الجشع والطمع من خلال السعي لتحقيق المصالح وأمن إسرائيل كانت السبب الرئيس في قتل مليوني عراقي وتحليق مليارات الدولارات فوق البحار .

وهنا ، يرى المرء ان المجازر والحروب والدمار اصبحت تهيمن وتسيطر على العالم العربي : تدمير البنية التحتية وترويع الناس وهدر وكبح الطاقات الانتاجية وقتل العلماء وتهجير الاقليات وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية والاقلية.

والسؤال هنا لمصلحة من وبتخطيط من قبل من تتم كل هذه الامور التي تحتاج الى دقة في التحليل؟

في لقاء لنخبة من كبار السياسيين دار الحديث عن آخر الاحداث والاوضاع والتطورات على الساحة في سوريا . وأخذ الجميع يتحدث عن السيناريوهات المحتملة. وإذا باحد الاشخاص يشرح وجهة نظره حيال الموقف الروسي اتجاه الاوضاع في سوريا وسبب التعنت الروسي واستخدام الفيتو ثلاثة مرات ، هذا الفيتو الذي يتمنى العرب أن يتم استخدامه دائما لصالح القضية الفلسطينية .

وبالعودة للحديث عن الموقف الروسي قال ان روسيا ستبقى على موقفها الداعم للرئيس السوري ونظامه كون سوريا المعقل المسيحي الارثوذكسي الاخير في هذه المنطقة . وان روسيا لن تسمح بان ينهار النظام في سوريا للحفاظ على هذا الارث المتبقي كونها متعصبة اتجاه الكنيسة الارثوذكسية وداعمة للنظام الحليف في سوريا ومن غير المؤكد دعمها للاشخاص بقدر دعمها للنظام.

وبالعودة لجوهر القضية ،علينا العودة الى ما بعد حرب الخليج الثانية عام 1991 . ولنتذكر معا الأحداث، عندما قامت الولايات المتحدة الامريكية بقصف وتدمير يوغسلافيا (الحليف الاكبر لروسيا التي يتواجد فيها اكبر نسبة مسيحيين ارثوذكس في اوروبا بعد روسيا)، ناهيك عن علمنا بأن يوغسلافيا هي التي اوقفت المد والزحف العثماني الإسلامي الى اوروبا ، ومع كل هذا لم يشفع لها ان تقف روسيا بوجه امريكا للدفاع عن حليفتها .

وهنا يطرح السؤل مرةً أخرى : لماذا تدعم روسيا سوريا اذن ؟

واستمرت امريكا في قصف يوغسلافيا الى ان استسلمت ، وقسمت الى دول . وكان الهدف الرئيسي ، هو تليمع صورتها امام العرب والمسلمين في خلق دولة اسلامية داخل يوغسلافيا تدعى (كوسوفو) . ولكي يقول الامريكان للعرب والمسلمين في نهاية المطاف : نحن لا نعادي أو نكره الاسلام والعرب ؛ انظروا لقد اقمنا لكم دولة اسلامية في اكبرتجمع اورثوذكسي في قلب اوروبا بعد روسيا .

وتطرق أحد السياسيين أثناء الحديث عن المباحثات التي يجريها الاتحاد الاوروبي ، وبدعم وتخطيط امريكي ، للبحث عن موارد طاقة بديلة للموارد الروسية من كل من قطر وشمال العراق لتغطية احتياجات القارة العجوز.

ومن هنا يبدأ فهم هذا الصراع ، المباحثات التي لم تتوقف مع قطر والاكراد في شمال العراق لمد انابيب الغاز من كلا البلدين عبر سوريا وتركيا مرورا في بلغاريا ورومانيا الى ان يتم ايصالها بشبكة الانابيب التي تغذي القارة العجوز.

وهذا الامر الذي لن تسمح به روسيا في يوم من الايام على ان يتم الاستغناء عن موارد طاقاتها من قبل القارة العجوز، وهذا يعود لسببين رئيسيين نقف للحظة عندهما.

الأول : أنه في حال نجح المخطط هذا يعني خسارة تقدر بمئات المليارات المتدفقة سنويا على روسيا من اوروبا .

الثاني : أن لا ننسى أن الحرب الباردة لا تزال قائمة بين الولايات المتحدة الامريكية وروسيا ولو انه تم الاتفاق على حلها ورقيا بصفقة يعرفها الجميع تمت أنذآك بين الرئيسيين الامريكي رونالد ريغن والسوفيتي ميخائيل جورباتشوف .

المصالح الاقتصادية وفرض القوة والهيمنة لن تنهي بسهولة هذا النزاع والارث التاريخي .

والدليل على ذلك عندما قامت الولايات المتحدة الامريكية بنشر الدرع الصاروخي في كل من التشيك وبولندا ، تحسباً لاي خطر ايراني حسب مزاعمها، مانعت روسيا بشدة ذلك القرار ، منوهة ان هذا يهدد الامن القومي الاستراتيجي لروسيا ، وان روسيا ستتخذ الاجراءات التي ترها مناسبة بحق من يهدد أمنها .

وبالفعل اخذت روسيا على عاتقها المبادرة في قطع امدادات الطاقة لاكثر من مرة في اصعب اوقات فصل الشتاء الذي يمتاز بقصوة برودته في اوروبا محذرة امريكا واوربا معا عدم العبث والاستهتار بأمنها وبقدراتها.

وهنا ، يتطلب ألامر ان نقف عند هذه الاحداث والمعطيات وان لا يعتقد أي كان ان الفيتو الروسي جاء بدافع من العواطف الجياشة اوعرض للعضلات من اجل النظام او الرئيس السوري اوحتى من أجل مسيحيي سوريا وكنيستهم الاورثوذكسية كما يعتقد الكثيرون.

إذاً الامور أكثر تعقيدا !!!

عدة اجتماعات تجري بين الفرقاء واصحاب المصالح للبحث والاتفاق عليها .

روسيا وأمريكا من جهة ؛ وبين روسيا والصين من جهة أخرى. مصالح مشتركة واخرى متنافرة ، ابار النفط في كازاخستان ودارفور ، الملف الايراني ، القضية الفلسطينية ، المديونية الامريكية للصين. بالاضافة الى فرضية : "ماذا لو لم يتوقف الربيع العربي خلف اسوار سوريا "؟

الاسابيع القادمة مليئة بالاسرار والمفاجئات لا احد يعلم عن الصفقات التي تحاك في الخفاء وما يدور في الكواليس وما هو الثمن الباهض لمثل هذة الصفقات .

كل هذا يأتي في غضون التحضيرات للانتخابات الامريكية التي لا تستطيع بسببها الادارة الامريكية فعل اي شيئ في الوقت الراهن خشيةً من ان ينعكسّ ذلك سلباً على الداخل الامريكي ويؤثر على مجرى الانتخابات .

إذاً السيناريوهات غائبة عن المشهد السياسي. والمجتمع الدولي غير قادر على منع اندلاع حرب اهلية في سوريا ؛ فإن إحتمالية أن تنشب حرب اقليمية قد تشتعل في اي لحظة وتشعل معها المنطقة بأكملها.

وفي النهاية اعود الى البداية بالقول ان الجشع والطمع وأمن إسرائيل يبقى هو ما يحدد مستقبل المنطقة برمتها .

غراب ٌ يعلو فوق سماء العرب تعدد الاموات والسبب واحد