الأردن في قمة دول عدم الإنحياز

01/09/2012


مركز الرأي للدراسات

اعداد : طاهر حمدي كنعان

آب 2012

أن تكون صغيراً هو من مقومات الجمال « ، يقول المثل الأوروبي. ومشاركة الاردن، البلد الصغير، في قمة دول عدم الانحياز بوفد يرأسه سمّو الأمير الحسن بن طلال ، فرصة تاريخية لإثبات أن صغر حجم الدولة المشاركة، حتى ولو لم يكن من مقومات الجمال، فهو من مقومات الفعالية والتأثير . فرئاسة الأمير الهاشمي قد تكون واحدة من العوامل المؤثرة في إنجاح هذا المؤتمر واستعادة أرضية المصالحة والتضامن نحو أهداف مشتركة بين دول عدم الأنحياز عموماً ، والدول العربية والاسلامية على وجه الخصوص.

ذلك لأن رئاسة الأمير الهاشمي هذا الوفد تأتي في حقبة زمنية بالغة الحساسية والحرج في تاريخ الدول العربية والاسلامية، فهذه الحقبة الحرجة، على حد وصف ديكنز للمرحلة المبكرة من الثورة الفرنسية، مرشحة لأن تكون أفضل الأزمنة، أو أن تكون أشدّ الأزمنة رداءة، وفق إحتمالات تبدو متساوية . هي أفضل الأزمنة في حال نجح الحراك الشعبي الراهن للشعوب العربية في التغيير الاصلاحي لنظام الحكم في كل بلد عربي لبناء الدولة الديمقراطية المدنية المكرّسة لخدمة جماع مواطنيها، لا طائفة أو عشيرة أو عرق. وقد تمسي الحقبة الراهنة أكثر الأزمنة رداءة، إذا تمكن أعداء ذلك الحراك الشعبي من إغراق الشعوب العربية في الصراعات الطائفية أو المذهبية أو القبلية أوالعرقية، وما قادت وتقود إليه هذه الصراعات من إحباط لمشروع الدولة الديمقراطية المدنية القومية ، وتحويلها إلى دولة فاشلة تتناهبها الولاءات دون – الوطنية، من طائفية ومذهبية وغيرها.

في الصميم من تلك الصراعات تصوير إيران - البلد المضيف لقمة عدم الإنحياز، بأنها المارد الشرير الذي يتمثل شرّه في صور شيطانية أهمها ما يلي:

أولاً ، السعي للسيطرة على دول عربية ، لا سيما في دول الخليج العربية.

ثانياً ، السعي لنشر المذهب الشيعي في دول مجاورة لإيران، لا سيما دول الخليج العربية.

ثالثاً ، السعي لامتلاك القدرة النووية.

في دحض صحة تلك الصور الشيطانية ، نحاجج بما يلي:

إن كل دولة قوية تسعى إلى إسقاط ظلال قوتها ونفوذها على علاقتها مع الدول الأخرى لا سيما المجاورة . تركيا، إيران، مصر في زمن قوة سابق، كل منها مارست إسقاطاًّ لظلال القوة والنفوذ تسبب في توتر مع الدول المجاورة. لكن هذا شيْ، والفعل العدواني الشديد الأذى شيء آخر، لا سيما إذا بلغ درجة التهديد الوجودي كما هو الحال في التهديد الإسرائيلي للمصير الفلسطيني والأردني خصوصاً والمصير العربي بوجه عام. لذلك لا يجوز التردد في إدانة أي زعم بتشابه أو تكافؤ بين إسرائيل بصفتها عدونا الوجودي، وبين سلوك عدائي من إيران أو أي دولة أخرى حتى لو صح أنه حصل.

وما حصل في علاقة إيران بالدول العربية المجاورة لها، هو أن أفعال العداء، حتى لو بدرت من الطرفين، فإنها بلا شك كانت أشد وطأة وأفدح في الأذى من جانب الدول العربية التي أدخلت العراق وإيران في أتون حرب السنوات الثماني التي ذهب ضحيتها مئات الآلاف من القتلى والجرحى العراقيين والإيرانيين .

أما فيما يتعلق بهدف نشر المذهب الشيعي فهو إذا صحّ وجوده فإنه يبطل هدف السعي للسيطرة السياسة، لأن تغيير المذهب لا يكون إلا بالتبشير والإقناع، ولا ينجح التبشير والإقناع إذا اقترن بأفعال العدوان.

أما سعي إيران لامتلاك القدرة النووية، فينبغي أن يكون مطلباً عربياً وإسلامياً لتحييد الإبتزاز النووي الإسرائيلي قدر الإمكان. وقد أثبت التاريخ الحديث أن توازن الرعب هو أنجح العوامل في تثبيت السلام. واحتكار إسرائيل القدرة النووية هو أقوى العوامل التي تعزز التوتر وتقصي الاستقرار عن المنطقة.

بل نقول أكثر من ذلك . فإذا كان هناك تهديد من نوع ما مرتبط بالميل الطبيعي لدى إيران كقوة إقليمية لإسقاط ظلال من قوتها ونفوذها على الخليج العربي ودوله، فهو ليس التهديد الأكثر خطورة. التهديد الحقيقي بل الوجودي لهذه الدول هو التغيير الجاري في تكوينها السكاني، الذي يوشك أن يحسم الخلاف التقليدي بين العرب والإيرانيين في كون الخليج هو «عربي» أم «فارسي «، يحسمه ليس في صالح أي منهما، بل في أن هذا الخليج هو بالفعل وبالمقياس المادي البشري أجدر أن يسمّى الخليج الهندي أو الآسيوي!.

من الصعب لكلمات قليلة في مقال فردي كهذا المقال أن تدحض الانطباعات والقناعات والإدراكات التي ما برحت تبشر بها، خلال السنوات الماضية، عدة أجهزة من الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع في المنطقة العربية، رسالتها المهنية مكرّسة لخدمة أجندة إسرائيل والصهيونية العالمية بصور مباشرة وغير مباشرة، عن طريق ترويج المبالغات والأكاذيب التي تمثل المسلمين الشيعة كشياطين، وتذكي لهيب العداء بين المسلمين الشيعة والمسلمين السنة، ساعية إلى إغراق الطرفين في صراع مذهبي دموي يحّول الدين الإسلامي الحنيف من قوة مباركة لتوحيد المجتمع إلى قوة باغية لتدميره. يغذي ذلك تفسير جاهل وظلامي بالغ الضلال لمقاصد الدين والشريعة، وإحياء لخلافات سياسية حدثت في عصور غابرة من تاريخ المسلمين، وإسقاط هذه الخلافات بمنتهى السخف، بل بمنتهى اللؤم وسوء النية، على حياة المسلمين الراهنة.

لكن خير من يتفهم هذه الكلمات القليلة ويدرك صحتها وسلامة المنطق الذي تستند إليه، هو سمّو الأمير الحسن وأعضاء الوفد الأردني الأكفاء، كما سبق وأدرك سلامة هذا المنطق المغفور له الملك الراحل الحسين بن طلال، الذي تعامل مع المسلمين الشيعة في إيران وفي كل مكان على أنهم شيعة آل البيت، وأنه عميد آل البيت ، فكان أن تجاوب معه بحماس أركان القيادة الإيرانية، وأصبحوا يخاطبونه بإبن العمّ، وكان أن ابتنى الملك الراحل لدى القيادة الإيرانية للهاشميين وللأردن رصيداً ضخماً من حسن النيّة والحرص على المصالح المتبادلة.

إن هذا الرصيد من النية الحسنة بين إيران، البلد المضيف لقمة عدم الإنحياز، وبين الأردن، الذي بناه الاستثمار الحصيف للملك الراحل، يجب أن يكون موضوع تنمية وتكثير وتعزيز من قبل الأمير الهاشمي والوفد المرافق له، ليس فقط لتعزيز قيم الصداقة والمصالح المتبادلة بين الدولتين، وهو هدف نبيل في حد ذاته، ولكن للتعاون مع إيران وسائر المشاركين في قمة عدم الإنحياز لإنقاذ سوريا من المصير المظلم الذي لا بدّ وأن تقود إليه الأحداث المأساوية الجارية فيها، التي يجمع المحللون العارفون أنها سوف لا تنتهي بإنتصار نظام بشار الأسد على المعارضة، ولا بإنتصار العصابات المسلحة على الجيش العربي السوري، بل ستنتهي باستنزاف قدرات وموارد الطرفين إلى الدرجة التي تحوَل سوريا إلى دولة فاشلة، وتقودها إلى مصير تعيس يفوق في تعاسته مصير العراق.

إن ممارسة الحكمة، كل الحكمة الممكنة، في إدارة التشابكات التي تحوك الأزمة السورية وشائجها مع المصلحة الوطنية الأردنية، ناهيك عن المصلحة القومية العربية العليا، هي واجب مستحقّ على القيادة الأردنية . وهذه الحكمة تقتضي في الحد الأدنى الحرص الشديد على عدم « الانحياز» إلى أحد الطرفين، بل لعلنا نطمع في حكمة تسعى إلى أكثر من ذلك الحدّ الأدنى، وهي حكمة التحرّك النشط في المساحة التي تتيحها قمة عدم الإنحياز لتكوين جبهة من إيران وتركيا والهند والبرازيل والدول الأخرى الشريفة القصد، تفرض على كل من النظام السوري والمعارضة الشعبية الشريفة، مسارات الحلول السياسية والتسويات التصالحية، فرضاَ لا هوادة فيه، ولا تباطؤ في إنجازه.