العرب ومشروعات الإصلاح المستوردة

19/09/2012

مركز الرأي للدراسات

اعداد : المحامي خالد العموش

ايلول 2012

يبدو من غير المنطقي إغفال نقاط الضعف التي توهن العرب، دافعة بهم إلى موقع متأخر في الركب الحضاري، إلا أنه من غير المقبول أن يتم البحث عن الخروج من الواقع المتردي عبر مشروعات مفروضة من القوى الكبرى التي ترفع شعارات وعناوين كبيرة، لا تدفعها وتحركها لطرح مشروعاتها فحسب بل ومحاولة فرضها بالقوة، عبرمصالحها في الهيمنة على المنطقة العربية والاستيلاء على ثرواتها.

ما من منطقة في العالم اكتسبت أهمية لدى الدول العظمى، ولاسيما في سعيها إلى فرض سيطرتها وسياساتها، كما هي الحال مع منطقتنا، وبدا ذلك واضحاً في الإرباك حتى في اختيار الاسم، فجميع الأسماء مقبولة عدا اسمها الحقيقي الوطن العربي، وكأن هناك عداءاً تاريخياً مع الاسم الحقيقي لهذه المنطقة، فتارة هي الشرق الأدنى وأخرى هي الشرق الأوسط إلى أن لحقت التعبير الأخير مواصفات أخرى مثل جديد وكبير وواسع وأكبر، وهنا تدخل الجغرافيا فيمتد هذا الشرق من المغرب العربي إلى المشرق العربي، ثم يصبح شمال أفريقيا والشرق الأوسط ليضم تركيا وإيران حتى يصل أخيراً إلى اندونيسيا بدءاً من موريتانيا.

وحيرة الغرب (وأميركا) تجاه المنطقة العربية لم تكن في الاسم والصفة والجغرافيا فحسب، بل كانت أيضاً في كيفية التعامل مع شعوب المنطقة وكيفية رسم مستقبل المنطقة بمعزل عن شعوبها، فكان لا بد من ابتداع الطرق والأساليب لتفكيكها.

موقف الغرب من مشاريع الوحدة العربية

ومن هنا يمكن فهم لماذا وقف الغرب في وجه مشروع «محمد علي» في توحيد مصر وبلاد الشام، وكذلك موقفه من أول وحدة حديثة بين بلدين عربيين هما أيضاً مصر وسورية و فهم الوعد الذي منح للصهيونية بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين عام 1917 ونكوث الحلفاء عن وعدهم للعرب بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، وإبدالهم ذاك الوعد باتفاقية سايكس بيكو.

وقد تحكم أمران اساسيان في موقف الغرب والولايات المتحدة من العرب إلى جانب الموقع الاستراتيجي الذي تتميز به المنطقة العربية خلال قرن من الزمن:

الأول: الالتزام بحماية إسرائيل بعد زرعها في فلسطين والحفاظ على أمنها واستمراريتها وتأمين قبولها في نسيج المنطقة وتخصيصها بدور رئيس في رسم سياساتها.

الثاني: كان دائماً في الحسبان وهو وجود احتياطات النفط الهائلة.

وبالعودة إلى بدايات القرن الماضي نجد أن ظهور مصطلح الشرق الأوسط كان على يد بريطانيا، حيث يعود صكه إلى صاحب تأثير نظرية القوة البحرية في التاريخ الضابط البحري (الفرد ما هان)، وقد شاع استعمال هذا المصطلح وتوسع بفضل الصحافي البريطاني (فالغين شروك) من خلال مقالاته الصحفية في صحيفة التايمز اللندنية بين عامي 1902 ـ 1903 تحت مسمى المسألة الشرق أوسطية، حيث ركز فيها على الأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة في الدفاع عن الهند درة التاج البريطاني آنذاك.

وقد أضافت الولايات المتحدة لرؤية وفلسفة الامبراطورية البريطانية حول الشرق الأوسط ما يتسق مع نظرتها وما تتمتع به من فائض قوة غير مسبوقة، حيث صارت تعتبر العالم كله مجالاً حيوياً لمصالحها ولم تعد تراعي ولو من باب اللباقة الدبلوماسية حدود الدول وسيادتها ولا القانون الدولي الناظم للعلاقات الدولية، ونشير هنا إلى ما كتبه (جون ايكنبري) أستاذ الجيو سياسية في جامعة جورج تاون في مجلة فورين أفيزر، إذ قال: «إن الآراء السائدة الآن في إدارة بوش الإبن تعتبر في صيغتها المتطرفة رؤية نيوليبرالية تعطي الولايات المتحدة لنفسها حق تحديد المعايير وتعيين الأخطار واستخدام القوة وفرض العدالة «.

أميركا ومشروع الشرق الأوسط الكبير

لقد صيغت الخطوط العريضة لمشروع الشرق الأوسط الكبير استناداً إلى مجموعة من النقاط التي استقاها من تقريري التنمية البشرية الأول والثاني (2002 و2003) وأشار إلى إحصائيات تصف الوضع الحالي للمنطقة وتركز على العرب أولاً وأخيراً، ويبدأ النص بالقول: «يمثل الشرق الأوسط الكبير تحدياً وفرصة فريدة للمجتمع الدولي، حيث ساهمت النواقص الثلاثة التي حددها كتاب العرب لتقريري الأمم المتحدة حول التنمية البشرية العربية في خلق الظروف التي تهدد المصالح الوطنية لكل أعضاء مجموعة الثماني، حيث ستشهد المنطقة زيادة في الإرهاب والجريمة الدولية والهجرة غير المشروعة».

واعتبر المشروع أن هذه الإحصائيات تضع المنطقة عند مفترق طرق، مؤكداً أن البديل هو الطريق إلى الإصلاح عبر تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح وبناء مجتمع معرفي وتوسيع الفرص الاقتصادية.

ولكن لو حاولنا أن ننسى أو نتناسى قليلاً من هو صاحب هذا المشروع وما هو تاريخه وما هو حجم ما هدمه من قيم داخل العلاقات الدولية وداخل المجتمعات وأن نتناسى ديكتاتوريته الفاقعة في ميدان العلاقات الدولية ودعمه اللامحدود للإرهاب الصهيوني، ومآثره الكبيرة في العراق، وركزنا على ما جاء في هذا المشروع الذي يستهدف الهوية العربية، عاملاً على إلغائها وتغييبها لوجدنا:

ـ أن ما ورد فيه من أن الشرق الأوسط بات يشكل خطراً على مجموعة الثماني خاصة في مجال الإرهاب والجريمة الدولية والهجرة غير المشروعة، لا سند له من الحقيقة، فهذه الأخطار موجودة في رحم الحياة السياسية للمجتمع الغربي والأميركي، فعلى سبيل المثال الهجرة غير المشروعة تأتي من بلدان عديدة لا علاقة لها جغرافياً بالشرق الأوسط الكبير كالشرق الآسيوي وبلدان أمريكا اللاتينية مثلاً، وكذلك فإن الجريمة المنظمة تبدو واضحة داخل المجتمعات الغربية، ولاسيما المجتمع الأميركي أكثر من وجودها في المجتمعات النامية عامة، ومجتمعات المنطقة على وجه الخصوص.

أما الإرهاب فما هو إلا مشجب جاهز لتعليق كل الموبقات العالمية عليه، علماً أن الإرهاب بات ظاهرة داخلية متعلقة في نسيج المجتمعات الغربية وليس وافداً عليها.

– يقوم المشروع على فكرة فرض الحل دون مجرد استشارة أصحاب الشأن فيه ولو من باب جبران الخاطر، وهذا ليس استعلاءاً مقيتاً على أصحاب المكان المراد إصلاحه فحسب، بل هو أيضاً إنتاج فج لمنطق الاستعمار الذي يمركز العالم حول ذاته ويتستر خلف شعارات براقة وكاذبة.

– إن المشروع أسقط عمداً قضية الصراع العربي الصهيوني بأبعاده الإنسانية والحضارية والاقتصادية والسياسية وتأثيراتها، كما أسقط المشروع قضية احتلال العراق بكل مآسيها على المنطقة وتفتيتها لنسيج تماسكها السياسي والاجتماعي وتقدمها المعرفي، وهذا ما يؤكد مرامي أصحاب هذا المشروع من تعويم القضيتين في إطار خلق مشكلة أكبر اسمها الشرق الأوسط الكبير، وبدل أن يقوم على حل حقيقي ومواجهة فعالة للأزمتين ونتائجهما الخطيرة على المنطقة والعالم قفز عليهما قفزة بهلوانية مقصودة.

– ينظر المشروع إلى المنطقة نظرة اقتصادية جغرافية عامة تلغي الخصوصيات والتجارب والأبعاد التاريخية لكل بلد على حدة ولكل منظومة إقليمية على حدة، حيث يدخل بلداناً مثل (باكستان ـ أفغانستان ـ إيران إضافة لإسرائيل) إلى المنطقة العربية ذات السمات والخصائص المميزة لها بهدف تذويب الهوية العربية وهوية هذه المجتمعات بابتكار هوية شرق أوسطية تضمن سيطرة إسرائيل وهيمنتها على المنطقة.

– يفترض المشروع أن هذه المنطقة فارغة سياسياً وأنها من منطلق الفكر الاستعماري القديم تستطيع أن تملأ هذا الفراغ ضاربة عرض الحائط بشعوب المنطقة وتطلعاتهم، وقد حاول سابقاً ايزنهاور في أواخر الخمسينيات وفشل، وكانت بريطانيا قد حاولت قبله إجبار شعوب المنطقة للانضواء عبر ما يدعى حلف بغداد وفشلت أيضاً، ويبدو أن الغرب وعلى رأسه أميركا لم تستطع حتى الآن أن تقتنع بالإقلاع عن النظرة الفوقية، وهو يعتقد أنه لا يزال قادراً على فرض قراراته على الشعوب والأمم.

ورغم اتفاق الغرب في الغايات والأهداف، إلا أن الموقف الأوروبي، لاسيما من خلال المبادرات المطروحة من فرنسا وألمانيا وكذلك الاتحاد الأوروبي يدل على أن أوروبا ينتابها الشك في المشروع الأميركي، ولهذا فإنها تتقدم بمبادرات أخرى، فالأوروبيون عموماً يشكّون بجدية الولايات المتحدة تجاه المسألة الديمقراطية، كما أنهم يعتقدون أن الهدف الحقيقي لواشنطن هو الهيمنة الأميركية على المنطقة والاستفراد بثرواتها.

موقف أوروبا من الشرق الأوسط الكبير

من هنا يمكن فهم وثيقة الاستراتيجية الأوروبية تجاه العالم العربي التي أعدتها المفوضية الأوروبية مع الممثل الأعلى للسياسة الخارجية (خافير سولانا)، حيث تستند الوثيقة إلى تقرير مسهب يتناول مستقبل العلاقات الأوروبية ـ العربية والتحديات التي يواجهها العرب، مؤكداً على حاجتهم إلى التنمية والإصلاح، كما يتطرق إلى إمكانية مساهمة المجموعة الأوروبية في معالجة المشكلات الناجمة عن تلك التحديات خاصة في مجال متابعة الإصلاح.

ويشير التقرير إلى ضرورة إيجاد حل نهائي للصراع العربي الإسرائيلي، ومن هنا نجد أن المشروع الأميركي يلتقي مع المبادرات الأوروبية في:

ـ ضرورة الإصلاح في منطقة الشرق الأوسط الكبير.

ـ ضرورة التحول من الكلام والبيانات إلى العمل.

كما يتضمن المشروع الإصلاحي في الشرق الأوسط والذي وضعته فرنسا وألمانيا النقاط التالية:

ـ إن كل مبادرة للشرق الأوسط يجب أن تستجيب لحاجات وتطلعات المنطقة.

ـ الترحيب بشراكة مع واشنطن والتعاون معها حول مبادرتها.

ـ ضرورة بلورة مقاربة مستقلة عن المشروع الأميركي.

– العمل مع الدول المعنية وإشراكها عن طريق الحوار والتحفيز مع الأخذ بالاعتبار حقائق كل بلد والهوية الخاصة به.

ورغم الخلاف الواضح بين نظرتي أوروبا وأميركا إلى المنطقة، إلا أنه يجب عدم الرهان على خلاف أميركي – أوروبي تجاه المنطقة العربية، إذ أن الخلاف في النهاية ينصب على حجم النفوذ والمصالح المحققة لكل منهما، لهذا فإن المسألة تتعلق بالآليات وليس المبدأ.

لا شك أن مجتمعاتنا العربية بحاجة إلى الإصلاح بكل اتجاهاته السياسية والاقتصادية والعلمية، ولكن يجب أن ترتكز على مجموعة من المقومات النابعة من حاجة المجتمعات العربية للإصلاح وضرورته بعيداً عن المشاريع الاستعمارية التي تقدم هنا أو هناك.