إضاءات على مشروع قانون الاستثمار الجديد

09/10/2012

مركز الرأي للدراسات

اعداد : د. محمود عبابنه

تشرين أول 2012

بعد مرور تسع سنوات على صدور قانون الاستثمار السابق سيء الذكر رقم 68 لسنة 2003 ومرور سبعة عشر عاماً على قانون تشجيع الاستثمار رقم 16 لسنة 1995 الأسوأ ذكراً وصيتاً، تم تقديم مشروع قانون الاستثمار الجديد لسنة 2012 لرئاسة الوزراء تمهيداً لعرضه على مجلس النواب المعطل بسبب عدم توفر النصاب.

وقبل حوالي ثلاث سنوات تقدمنا بدراسة منشورة عن حزمة تشريعات الاستثمار بين المأمول منها والواقع الذي تراوحه، وتضمنت الدارسة الإشارة إلى مواطن الضعف والثغرات في السياسة الاستثمارية المستندة إلى عدد من القوانين المتداخلة والمتعددة، وما زال القانون الساري رقم 68 لعام 2003 مستنكفاً عن منح الإعفاءات والحوافز للمستثمرين وهو يعهد بها إلى القانون رقم 16 لعام 1995 بالرغم من النص على إلغائه لعدم مسايرته للمرحلة الحالية وطبيعة الاستثمار، حيث أن المادة 27 من قانون الاستثمار لعام 2003 تنص على استمرار العمل بالأحكام الواردة في القانون الملغي فيما يتعلق بالحوافز والإعفاءات لحين وضع أنظمة تصدر استناداً لقانون الاستثمار لعام 2003 وما زالت هذه الأنظمة في مرحلة الولادة المتعسرة والتي لن تتم بمجيء قانون الاستثمار المتوقع صدوره .

وأشرنا إلى قانون تشجيع الاستثمار والمفترض بدايةً أن نستنتج من اسمه أنه يتضمن نصوصاً تحتوي خططاً وبرامجاً لتشجيع الاستثمار، وفي الحقيقة هو أبعد ما يكون عن اسمه، ففي إحدى نصوصه قانون يتحدث عن الهيكل الإداري لمؤسسة تشجيع الاستثمار وصلاحيات المدير في تعيين الموظفين وهذه النصوص لا علاقة لها لا بالتشجيع ولا بالاستثمار .

إلا أن الحديث عن ضرورة توفير الاستقرار التشريعي لحركة الاستثمار قد أثمر بإخراج مشروع قانون الاستثمار الجديد لعام 2012، ومن ديباجته ونصوصه هو قانون واحد وموحد لمعالجة حركة الاستثمار ومشاريعه ابتداءً من التسجيل والترخيص وتقديم التسهيلات وفرض أو استثناء الحوافز و انتهاءً بالإعفاءات الجمركية والضريبية، ونأمل أن يضع حد للإرباكات التشريعية أمام المستثمر ومسايرة التشريعات الجديدة ذات العلاقة بتجربة الاستثمار .

مشروع القانون الجديد حاول توحيد المرجعيات التي يتعامل معها المستثمرون وتفعيل دور النافذة الاستثمارية، بعد أن تم في مشروع القانون اندماج مؤسسة تشجيع الاستثمار والمؤسسة الأردنية للمشاريع الاقتصادية وهيئة المناطق التنموية كلها تحت مظلة واحدة سميت "هيئة تنمية وتشجيع الاستثمار" والتي سيكون لها شخصية قانونية وإدارية مستقلة. وفي الحقيقة فأن هيئة المناطق التنموية هي المحور الرئيس في هذا التجمع لأن واقع النصوص يفضي إلى أن القانون الجديد يحمل بصمات قانون المناطق التنموية .

إن إلقاء نظرة فاحصة على نصوص مشروع القانون الجديد وتحليل نصوصه تشير إلى إنجاز مثمن لأحد أسباب إعداد مشروع القانون تتمثل بالخلاص دون رجعة من قانون الاستثمار القديم، وقانون تشجيع الاستثمار لعام 1995، وتوحيد الحزمة التشريعية الاستثمارية في قانون واحد، إلا أن عدداً من الثغرات والتحفظات ما زالت تطفو على السطح وعلى ما يبدو أن المساهمين بوضع القانون وان كانوا من ذوي القدرة القانونية إلا أن الجهات المختصة بحركة الاستثمار لم يكن لهم دوراً محورياً يذكر في صياغته، وإذا صح القول بأن المشروع ورد الى المؤسسة مكتوباً في البريد الالكتروني، فإن هناك مشكلة لدينا في آلية إعداد وتصميم مشاريع القوانين المتخصصة في قطاعات معينة والتي تتطلب خبرة العاملين في القطاع المعني لإخراج مشروع قانون يتجاوز العقبات التطبيقية السابقة ويلبي الحاجات ويلحق بالمستجدات، ومع وافر التقدير للجان الصياغة والخبراء فإن إبداء بعض الملاحظات لا يخلو من فائدة عند مناقشة مشروع القانون أمام مجلس النواب القادم، ومن أهم هذه الملاحظات:

_ اقتصار الإعفاءات الضريبية على المناطق التنموية .

وبتفحص نصوص مشروع قانون الاستثمار يستنتج المرء أنه ينظم الاستثمار في المناطق التنموية وكأنها الأصل وأن الاستثناء هو الاستثمار في باقي أنحاء البلاد، وعندما تقررت الإعفاءات الضريبية على مؤسسات الاستثمار في داخل المناطق التنموية غاب عن ذهن مشرعي القانون ان هناك استثمارات قد تجري خارج هذه المناطق، ومن المستحسن تشجيع الاستثمار في المناطق الأقل حظاً البعيدة عن العاصمة لإنعاش الوضع الاقتصادي لها، وبالتالي فإن عدم إعفاء هذه المشاريع من الضريبة هو توجه غير محمود، للقضاء على جيوب الفقر وتخفيض نسب البطالة التي تنادي به الحكومات المتعاقبة والتي لا نجد لها صدىً. ويبدو أن الاعتبار المتقدم هو الذي أدى بمشروع القانون إلى تقرير الإعفاءات الضريبية للمشاريع الاستثمارية على ضوء صدور قرار قانون ضريبة الدخل لعام 2010 داخل المناطق التنموية وفي حالات تم تخفيض نسب هذه الإعفاءات داخل هذه المناطق، وبالتالي فإن الاستثمار خارج هذه المناطق سيخضع لفرض الضرائب وبنفس السوية سواء كان الاستثمار في عبدون أو الطفيله أو عجلون وهذا مأخذ كبير على مشروع القانون والذي من المفترض أن يراعي المناطق الأقل حظاً ويتضمن سياسة تخفيض معدلات الفقر التي بلغت 13.3 % واتساع رقعته إلى أكثر من 26 جيباً في مختلف محافظات المملكة وكذلك تخفيض معدلات البطالة التي بلغت 13.1 %.

أما في ما يتعلق بالرسوم الجمركية فقد أجيزت الإعفاءات للمؤسسات المسجلة لدى هيئة المناطق التنموية، وبالتالي فإن الإعفاء الجمركي على الموارد والمعدات والآلات والتجهيزات وتأثيث أي مؤسسة أو مشروع استثماري خارج المناطق التنموية وفي المناطق الأقل حظاً لا يستفيد من هذه الإعفاءات علما أن الإعفاءات الجمركية المتوقع منحها للمشاريع المسجلة داخل المناطق التنموية ستكلف الخزينة أكثر من خمسين مليون دينار.

_ الروتين وإطالة أمد الإجراءات.

الروتين وبطء إجراءات الترخيص وتضارب الصلاحيات والبت بالشكاوى والطعون من أهم شكاوى المستثمرين ومراقبي حركة الاستثمار، ورغم أن مشروع القانون يشير من طرف خفي إلى نقل النافذة الاستثمارية إلى هيئة المناطق التنموية وتفعيلها بحيث تكون نقطة البداية والنهاية لمنح التراخيص إلا أن لجنة التراخيص المركزية يجب أن تجتمع بوزارة البيئة، ولا نعرف فيما إذا حلت وزارة البيئة محل وزارة الصناعة والتجارة بالتعامل مع قضايا ومشاريع الاستثمار، ومن جهة أخرى فإن المفوضين بالنافذة الاستثمارية دون صلاحيات ففي مواضيع يجب أن تكون هذه الصلاحيات مسندة لهم وفي أحيان أخرى يملكون صلاحيات لا تخول التشريعات الموجودة تفويضها لهم، وعلى صعيد تجذير الروتين وإطالة مدد المراجعة لا بد من الموافقات الأمنية وقد كان الأحرى تفويض النافذة الاستثمارية مخاطبة الدوائر الأمنية مباشرة دون اللجوء إلى مخاطبة وزارة الداخلية لتقوم الأخيرة وبعد تسجيل الطلب في الصادر والوارد بمخاطبة الدوائر الأمنية ثم تتلقى الإجابة وبعدها تقوم بمخاطبة مؤسسة تشجيع الاستثمار، في حين أن الروتين عالي الضغط يتمثل بإعطاء صلاحية التنسيب بالإعفاءات الضريبية والمزايا والحوافز لوزيرين هما وزير الصناعة والتجارة ووزير المالية، وللمرء أن يتصور كيف يتعامل وزير المالية مع الإعفاءات وهو الموكل بتنمية أموال الخزينة كيفما كان. كما يخيل لنا كم من المرات سينتقل الأمر لمجلس الوزراء للاستماع لوجهات النظر لكل من الوزيرين.

_ عدم الاستفادة من الاتفاقية الدولية للدعم وإجراءات التعويض.

التشريعات والاتفاقيات الدولية تتضمن أحكاماً خاصة تتعلق بالاستثمار سواءاً من حيث الحوافز المنظمة والضمانات وعلاقة المستثمر بالدولة الحاضنة للاستثمار، وهذا يتم عكسه في نصوص مشروع قانون الاستثمار وعلى سبيل المثال لا الحصر هناك الاتفاقية الدولية للدعم وإجراءات التعويض الصادرة بموجب اتفاقية التجارة العالمية التي تضمنت إلغاء الدعم المخصص لمؤسسة أو شركة دون أخرى وقد يترتب على ذلك شكاوى تقدم للقضاء من قبل المنافسين حول المنتج نفسه إلا أن الاتفاقية وبالمادة 8/2/1/ب، وضعت استثناءات أجازت فيها الدعم ومن هذه الحالات أن تثبت الدولة أنها تقدم إعفاءات وحوافز في منطقة تكون فيها نسبة البطالة والفقر عالية، فإذا حرصت الاتفاقية الدولية على مراعاة التجمعات الفقيرة ودعم مكافحة البطالة فلماذا يستنكف قانون الاستثمار عن ذلك ويقتصر بالإعفاءات على المناطق التنموية فقط .

_الهيكل التنظيمي في مشروع القانون.

بموجب مشروع القانون فإن مجلس هيئة تنمية وتشجيع الاستثمار يتكون من خمسة مفوضين دائمين بمن فيهم رئيس المجلس، ولرئيس الوزراء زيادة العدد ليصبح سبعة أعضاء ومدة العضوية للأعضاء المفوضين أربع سنوات، ومن المتوقع أن يكونوا معينين بالدرجة العليا، كما يتضمن القانون مجلساً أعلى للاستثمار برئاسة رئيس الوزراء ويضم بعضويته أحد عشر عضواً، ومن مهامه خلق البيئة الاستثمارية الملائمة، ويجتمع كل شهر وبالتالي فإن هناك ما لا يقل عن خمسة عشر زعيماً استثمارياً بالإضافة إلى الوزراء وأعضاء اللجان المتعددة لإدارة السياسة الاستثمارية وإعطاء الموافقات والتراخيص وفرض الإعفاءات وتهيئة البيئة الاستثمارية، ويسير من خلفهم ربما مئات الموظفين من الهيئات المستقلة التي اندمجت تحت مظلة الهيئة، ولنا أن نتخيّل الآثار التي ستنتج عن هذا الدمج القسري وعن أوضاع الموظفين وامتيازاتهم وكفاءاتهم كما لنا أن نتخيل عدد السيارات والمكافآت التي ستصرف من الخزينة للمفوضين وأعضاء المجلس الأعلى ولجنة التراخيص واللجنة الحكومية بالنظر في الاعتراضات ولجنة الحوافز ورواتبهم التي بلا شك ستثقل كاهل الخزينة التي نأمل أن نغذيها من عوائد الاستثمار وقد كان من المستحسن أن يتقلص هذا العدد من كبار موظفي الاستثمار إلى النصف أو الاستغناء عن تشكيلة المجلس الأعلى للاستثمار أو الحد من عدد أعضائه .

ناهيك عن الهيكل التنظيمي الذي تعامل مع البنية الاستثمارية من حيث البنية التحتية، والمطور، والإيرادات، والبيئة، (...إلا أنه لم يتطرق إلى عملية ترويج الاستثمار ومن المستحسن أن تأخذ النافذة الاستثمارية امتداداتها إلى المحافظات وتعمل ضمن مكاتب وزارة الصناعة والتجارة منها وبصلاحيات مطلقة ولا نعود إلى الموال القديم بضرورة مراجعة الوزارة التي ينتمي إليها المندوب في النافذة الاستثمارية وأن يتم إنهاء دور ساعي البريد الذي كانت النافذة تقوم به .

أما الأهداف فهي غير موجودة بنصوص صريحة حيث أن نصوص القانون لم تعكس سياسة واضحة للتعامل مع البنية الاستثمارية بشكل شمولي، فقد اعتبرت حركة الاستثمار مقصورة على المناطق التنموية فقط وتركت للعديد من الأنظمة والتعليمات واستمرار العمل بالأنظمة القديمة لحين صدور الجديدة التي ستحل محلها لتنظيم أمور هامة على صعيد الاستثمار، وهذه الأنظمة عرضة للتبديل من قبل مجلس الوزراء في أي لحظة، فكيف سنوفر الطمأنينة للمستثمر الذي يرغب بوجود استقرار تشريعي يدفعه للمجيء إلى الأردن والاستثمار فيه؟!

وإذا كان الهدف الرئيس لحركة الاستثمار هو التنمية الاقتصادية وتوزيع عوائد الاستثمار على التجمعات السكانية الأردنية أينما كانت مع إعطاء أولوية للتجمعات الفقيرة، فماذا فعلنا لإخراج المستثمرين أو جذبهم للاستثمار في جنوب وشمال الأردن خارج المناطق التنموية؟، إن إعداد القانون بناء على أن الاستثمار هو للمناطق التنموية فقط المحددة بمناطق معينة بمساحات مسورة لا يمكن أن تستوعب كل مشاريع الاستثمار، كما أن الاستثمار في المناطق التنموية بحاجة إلى مراجعة وإعادة نظر فالمناطق التنموية التي تم صرف أكثر من 70 مليون دينار لإنشائها لم تستقطب شيئاً يذكر من المشاريع الاستثمارية ولا يكفي أن نقول أنها ناجحة، بعد أن وفرت ما لا يزيد عن 300 فرصة عمل فقط، مقارنة مع عشرات الملايين التي صرفت، ولنا في المنطقة التنموية في إربد خير مثال والدليل وجود شركة واحده فقط تعمل بمجال IT وCall Center فهل هذا دليل نجاح؟!.