ليس هكذا ندافع عن الرسول

05/12/2012

مركز الرأي للدراسات

اعداد : حسني عايش

كانون اول 2012

يقول المفكـِّر الفرنسي الشهير فرنسوا ريفل (مات حديثاً): «يواجه الكتاب الغربيون منذ مائتي سنة حتى اليوم القضية إياها: هل يمكن أن ينشأ انسجام أو تلاق حضاري بين الحضارة الإسلامية والديموقراطية والتسامح والتنوع وحتى الحوار العقلاني التي – دونها – لا يمكن تصور الحرية الثقافية؟ «.

لقد أعيد طرح هذا السؤال ثانية في شباط سنة 1989 عندما أمر آية الله الخميني بقتل سلمان رشدي– المواطن البريطاني المسلم من أصل هندي – بتهمة التجديف على الله في رواتيه « آيات شيطانية» وأمر جميع المسلمين – أينما كانوا – بتنفيذ أمره.**

ويضيف ريفل: «لم توجه الفتوى بقتل الكاتب فقط، بل تعدته لتشمل كل شخص شارك – مباشرة أوبصورة غير مباشرة– في تداول الكتاب من طابعين وناشرين ومترجمين وباعة وموظفي بريد وناقلين وناقدين...»

ويتساءل ريفل منذهلاً: «هل يجب علينا احترام عقائد الآخرين؟ نعم، لكن ليس كل العقائد يجب أن تحترم. وهل يجب علينا أن نكون حساسين لمشاعر أصحاب الأديان الأخرى؟ نعم، لكن بشرط أن لا تعطيهم تلك المشاعر الحق في التحرك لقتل الذين لا يشاركونهم الاعتقاد ولا حتى أولئك الذين يسيئون إليها ويسخرون منها «.

لقد أصبح التسامح عند المسيحية هو القاعدة منذ مدة طويلة. إن كثيراً من الأدب الغربي، والمسرح الغربي، والسينما معادٍ للمسيحية بل مجنون أو كافر من وجهة نظرها كما تجلى في فيلم الإغواء الأخير للمسيح الذي أساء إليه وإلى المسيحية أشد الإساءة، لكن يبدو أن الإسلام ليس جزءاً من العالم الحديث. يريد الإسلام أن يحصل على الفوائد الاقتصادية من الغرب وأن يرفض في الوقت نفسه قواعده الثقافية والأخلاقية والقانونية. إن ضيق الصدر هو الفيلق الرئيس في الإسلام. ويدّعي المسلمون أن لهم الحق في تطبيق المعايير التي يرغبون في وضعها وبوسائل عنيفة. إن مصدر الإزعاج الإسلامي مطالبة المسلمين بأن يكون للدولة دين، وأن يكون الإسلام فقط. إنه يريد أن يحصل على ميزة فقدتها الكنيسة الكاثوليكية منذ قرون وهي عقاب غير المؤمن خارج نطاق القانون».

إن المسلمين ينظرون للامتيازات او التنازلات التي نعطيها لهم في بلادنا كانتصارات للإسلام علينا أو نعرّض أنفسنا للهجمات الإرهابية. والقول أن الإرهابيين مجرد حفنة منهم دليل على الجهل وعدم الكفاءة، لأن الإرهابيين حفنة دائماً، والمجرمون الكبار دائماً قلـّة أيضاً، فلماذا نتركهم وشأنهم؟ إن تأثير القلـَّة قاطع حتى وإن كانت الأكثرية ضدها، وإذا كان يوجد مسلمون معتدلون فأين هم؟ هل نحن أمام ديموقراطية إسلامية أم إرهاب إسلامي؟ (من كتاب الديموقراطية هي الحلّ).

لقد أعيد طرح السؤال نفسه بعد أحداث أيلول سنة 2001 وكانت الإجابة عنه مدمرة للمسلمين ثم أعيد طرحه بعد الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول – صلى الله عليه وسلم – وملأ المسلمون العالم غضباً وصراخاً ومرت الرسوم واستقرت. وها هو السؤال يطرح مرّة أخرى بالفيلم المسيء إليه. لقد ظلت – لأشهر– مقاطع عدة من الفيلم تظهر في يوتيوب دون أن يهتم مسلم بذلك، فما الذي حدث لتقوم قيامة المسلمين فجأة عليه؟ من الذي نكش الموضوع الآن وولع الجمهور المتعطش لمثل ذلك؟ إن الغضب والاحتجاج وقتل الأبرياء «على الرّيحة» أي من المسلمين الذين لم يقرؤوا الكتاب ولم يشاهدوا الرسوم ولم يطلعوا على الفيلم، مضحك للمراقب.

في كل مرة تتصرف جماهير المسلمين بالأسلوب نفسه وفي الوقت غير الملائم، ويسيئون إلى الإسلام أكثر مما يسيء أعداءهم إليه، فتكون النتيجة خدمة اسرائيل وتبييضاً لصفحتها الملطخة بدماء الشعب الفلسطيني، فلا تدري هل رتبوا ذلك لذلك أم أننا نولـِّع مع أول نكشة فلا نفكر ولا نطيل النظر في الأمور لاختيار رد الفعل المناسب. نعم، يحق للمسلمين الغضب والاحتجاج ضد كل إساءة نحوهم أو نحو دينهم، ولكن بأسلوب حضاري وتوقيت ملائم يجعلان العالم يسمع ويفهم ويؤيد ويشارك، فنرد على ريفل –مثلاً–

ونقول: هل نحترم دولاً تحرم الشك في أرقام المحرقة أو انتقاد الصهيونية أو إسرائيل دون خلق العالم كله؟! ولكننا نندهش عندما نرى من يتصدّى منهم – مثل جارودي – لهذه الحالة الشاذة دون ان يطلب مساعدةً منا؟

لقد استفاد سلمان رشدي من فتوى الإمام الخميني ولا يزال فاشتهر واشتهر كتابه واشتد الطلب عليه، الذي لم يكن ليهتم به أحد لولا الفتوى وما تلاها. وكذلك اشتهر رسام الكاريكاتير وما رسم بسبب الضجّة الإسلامية عليهما فطلبهما كل واحد في العالم. ويشتهر الفيلم التافة الآن وينتشر، وكأن أمثال هؤلاء يقولون... إذا كانت استجابات المسلمين على هكذا استفزازات هكذا، فسنتسفزهم كل يوم.

لو فكرنا وتأملنا في هذا الرّد الصبياني من الغضب والاحتجاج لما ساقتنا جهات متطرفة أو مأجورة أو مأمورة إليه، ولما أحرجنا نحو خمسماية مليون مسلم يعيشون كأقليات في بلدان غير مسلمة، ولتركنا الأمر لمسلمي أمريكا ليعالجوا المسألة وهم قادرون بالوسائل والأساليب المتاحة هناك.

لقد شوشنا عليهم وحشرناهم في الزاوية، بعد أن أظهرت الاحتجاجات العنيفة المسلمين كأتباع للقاعدة عندما رفعوا علمها وشعاراتها على سفارات أمريكا، وقتلوا السفير الأمريكي في لبيبا وثلاثة من موظفيه، وأحرقوا سفارة ألمانيا في الخرطوم.

إن معنى ذلك أن جمهرة المسلمين تؤيد القاعدة وتبارك إرهابها الذي لا يميز بين مسلم وغير مسلم وكما تجلى في أحد هتافاتها:

اسمع اسمع، يا أوباما : أمتنا كلها أسامة

أفنفلح بعد ذلك في حماية الأقليات المسلمة في العالم وحتى حماية الأقلية المسلمة في بورما من الاضطهاد؟

والحقيقة أن الأنظمة العربية والمسلمة المعادية للقاعدة رسمياً والإسلاميين عموماً في قرارة نفسها، هي التي أنتجت مثل هؤلاء المتطرفين بمزايدتها إسلامياً عليهما في المناهج السلفية القاعدية في المدارس وكليات الشريعة والجامعات والإذاعات والتلفزيونات والصحافة وبعثات الحج... حيث تحوّل كثير من المعلمين والمعلمات في المدارس... والأساتذة والأستاذات في كليات الآداب والعلوم والطب والهندسة ورؤساء جامعات وصحفيين وصحفيات وكتـَّاب... إلى مشايخ أو دعاة أو فقهاء يتصدرون المنابر والقنوات التلفزيونية، ويؤلفون الكتب السلفية في أمور الدين لأنها أربح من أفضل الكتب في أمور الآداب والعلوم والطب والهندسة... الكل يسبح مع التيار مع أن الإبداع والإبتكار يأتيان من السباحة عكسه.

كانت تلك الأنظمة تأمل إنتاج مسلمين مؤيدين لها وعلى شاكلتها وقياسها، وإذا بها تفاجأ بهم يرفعون علم القاعدة في وجهها، وقد أدلجتهم بالإسلام السلفي القاعدي. أما المعتدل منهم فقد انغمس في بزنس الدين كونه أقوى وأربح قطاع اقتصادي الآن.

كنا لا نقف كثيراً عندما نلتقي بلـُحى هنا وهناك باعتبارها لـُحى فنية أو دينية أو طبية أو كسولة لنفاجأ بتحولها الى لـُحى سياسية طويلة عريضة مخيفة لا قصيرة خفيفة لطيفة.

** في قضية سلمان رشدي وكتابه بدأت الحملة عليه شيعية ثم كرت، أما في قضية الفيلم المسيئ فقد بدأت سنية ثم كرّت.