كيف يحوّل تواطؤ الأطباء في أميركا مع صناعة الأدوية الأطفال إلى أحياء أموات !

24/11/2011

 مركز الرأي للدراسات

اعداد : حسني عايش

24/11/2011

في دراسة قوية له عن هذا التواطؤ وأثره التدميري على صحة الأطفال والشباب في أميركا، وربما في العالم كله. (CP .June 16-30, 2011, vol.18, No.12) يجعلنا الكاتب والباحث الأميركي جيد بيكمان (Jed Beckman) نصاب بالذهول من حجم هذا التواطؤ ومن تدميره لصحة الأطفال والشباب النفسية والعقلية والجسمية في أميركا جرّاء وصف أدوية نفسية لهم هي أصلا ً خاصة بالراشدين.

يبدأ الكاتب والباحث كلامه فيقول: «تصوّر عالـَماً يُعطى فيه جميع الأطفال تقريبا ً الذين يعانون من أزمات وجودية ترتبط – عادة– بالمراهقة اتوماتيكياً جرعات ثقيلة من الأدوية النفسية الخاصة بالراشدين التي يمكن أن تعيق نموه ادمغتهم وتدمّر أجسادهم.

والحقيقة أن هذا العالـَم موجود وهو عالمنا الحالي حيث يُعطى الأطفال في أميركا أدوية نفسية مدمرة، ظل يُعتقد أنها الملجأ الأخير لعلاج أمراض نفسية (مهلكة) للراشدين هدفها السيطرة على مدى واسع من المشكلات السلوكية والانفعالية عندهم.

إن عدد الأطفال والشباب الذين يعطون الأدوية النفسية من الجيل الثاني التي لم تعد أصلا ً لعلاجهم بها، في ازدياد. كما يمكن لتغيرات في سلوك المؤسسات النفسية والصحة العقلية الراعية للأطفال والشباب الذين يعانون من الأمراض أو الاضطرابات النفسية والعقلية أن تحوّل هذا النهر من المداواة أو المعالجة – المتواطئة – إلى فيضان.
إن هذا التحوّل ناجم – على الأقل جزئيا ً – عن التوسع في تعريف فيما يعتبره الطب المؤسسي اضطرابا ً عقليا ً حسب الكتيب التشخيصي والإحصائي الخاص بالاضطرابات العقلية: (Diagnostic and Statistical manna of mental Disorders, DSM-V) الذي تنشره جمعية الطب النفسي الأميركية:(American Psychiatric Association:APA) الذي يشمل تعريفاً أوسع للذهان [اضطراب عقلي يتم باختلال أو انقطاع الصلة بالواقع] والشيزوفرنيا أو الفصام (انشطار الشخصية ) مما يضع كثيرا ً من الناس – وبخاصة الأطفال – تحت طائلة هذا المرض أو ذاك عند زيارة هذا الطبيب أو ذاك. إن مزيداً من التشخيص لكل ٍ منهم يعني مزيداً من العلاج الذي يتخذ – في هذه الحالة – شكل الأدوية النفسية المتداولة في السوق.

عندما تكتسح موجة العلاج النفسي المجتمع والحياة، يصبح من المعقول التساؤل فيما إذا كان ذلك علامة على اضطراب اجتماعي أم لا. إن ذلك صحيح بصورة خاصة عندما يُعطي الأطفال أدوية قلما يتخذون القرارات الخاصة بعلاجهم بها. وفي حالتهم هذه يجب أن نعتبر أنفسنا مسؤولين عما يصيب أجسادهم.
إن ذلك – في الحقيقة – نمط مألوف عندنا في هذه الأيام، ففي تسعينيات القرن الماضي شنّت شركات صناعة الأدوية حملة أدت إلى زيادة مبيعات الأدوية النفسية الخاصة بالاكتئاب. ومن أجل تحقيق ذلك كان عليها زيادة أعداد الناس الذين ينظرون إلى أحزانهم باعتبارها شذوذاً بحاجة إلى مراجعة الطبيب وليس مجرد أمر طبيعي واحد من الطيف الانفعالي الواسع.

وبخلق دوافع أخلاقية ملتبسة عند الاطباء وبحيث يشخصون المرضى المكتئبين ويعالجونهم بأدويتها، غيرت فايزر، وإيلي ليلي وغيرهما من شركات صناعة الأدوية إلى الأبد الطريقة التي ننظر بها إلى الحزن الشديد، وجعلت الأدوية المضادة للإكتئاب أكثر الأدوية مبيعاً في تاريخ البشرية.

فحتى سنة 2005م كانت مبيعات أدوية الاكتئاب أكثر الأدوية مبيعاً في السوق الأمريكي، فقد تجاوز عدد وصفاتها (Prescriptions) ماية وثمانية عشر مليوناً، منها أحد عشر مليوناً للأطفال دون سن الثامنة عشرة. أما القصة المشابهة التي يمكن روايتها فتتعلق باضطراب نقص الانتباه والمنشطات التي تعطى للشباب الأمريكي. ومثلما حدث مع الاكتئاب، حدث مع اضطراب نقص الانتباه، فتشخيصه جعلنا نفكر بطريقة مختلفة عما هو عادي من بين طيف الخبرة الإنسانية الواسع، فقد صار الصغار( المشكلجية ) يعتبرون شواذاً ويعطون عقار أو دواء الريتالين (Ritalin) أو الديرال (Adderall) بمعدلات بلغت عنان السماء عما كان عليه الأمر في تسعينيّات القرن الماضي وأوائل الألفية الثالثة.

الآثار الخاصة بأدوية

لقد ازداد إنتاج هذه المنشطات بين سنتي 1990 – 1999م باكثر من ألفين في المئة، ففي سنة 1998م كتبت اربعة آلاف وصفة من الريتالين للأطفال دون سن السنتين، وتجاوز ما يُعطى للبنين ثلاثة أضعاف ما يعطى للبنات.

يجب اعتبار هذه الوصفات الفجائية الوبائية قضية صحية عامة، والنظر إليها كقضية سياسية مثلما هي قضية علاج سريري، وبخاصة لتأثر ميدان الطب النفسي بأولئك الأطباء الذين يسعون للربح. إنهم يؤثرون علينا جميعاً، وكذلك على طريقة رؤيتنا لأنفسنا ولأطفالنا. إنهم يغيرون الطريقة التي تعالج بها المدرسة مشكلات الأطفال السلوكية، ومن ذلك زيادة المدرسة للأطفال المحولين إلى الأطباء النفسيين أولاً.

كانت أخبار الأدوية الخاصة بالاكتئاب واضطراب الانتباه مع بداية الألفية الثالثة، أخباراً قديمة في ميزانيات شركات صناعة الأدوية ـ فقد انتهت فترة براءتي الاختراع لكليهما وانفتح السوق لشركات صناعة الأدوية المقلـّدة (Generic) لبيع نسخ منها بسعر أقل، وبالتالي إخراج الشركات المبتكرة لها من المعادلة. ولكنها التفت على ذلك بإنتاج طبقة جديدة واعدة من الأدوية (جيل ثانٍ) يمكن أن تضاعف أرباحها. وقد أصبحت هذه الأدوية الجديدة أكثر الأدوية مبيعاً في أميركا. فقد بلغت مبيعاتها 14.6 بليون دولار في أميركا وحدها. وبهذه الطبقة الجديدة من الأدوية حافظت الشركات على براءة الاختراع وسيطرت على قسم ٍ كبير من سوق الأدوية. وحتى لا تنتهي فترة البراءة تتقدم الشركة الصانعة إلى وكالة الغذاء والدواء الأميركية بطلب تسجيل جديد أو إضافي للدواء بحجة ظروف جديدة تؤكد الحاجة إلى التوسع في استخدامه (لأمراض أخرى) بما في ذلك شموله للأطفال.

وتشمل طبقة الأدوية الجديدة أو أدوية الجيل الثاني: سيروكويل(Seroquil) ورزبيريدون (Rispiridone) وأبيليفاي (Abilify) وكلوزاريل (Clozaril) وجيودون (Geodon) وزبريكسا (Zeprrexa) وغيرها، وذلك حسب أسمائها في السوق لا اسمائها العلمية.

ظـُنّ ابتداءً أن هذه الأدوية أقل ضرراً من أدوية الجيل السابق المتدنية الشيوع مثل الليثيوم (Lithium) لأنها كانت مجرد مواد كيماوية جراحية خاصة بفصوص المخ الجبهية التي يمكن أن تفاقم مشكلات المرضى النفسيين وبخاصة الميّالين إلى الانتحار. وقد تبيّن –بمرور الوقت– أن الأدوية الجديدة خطيرة كالقديمة، ولكن بطرق خبيثة، لأنها تقيد نشاط مناطق الدماغ التي تحتوي على أعلى الوظائف العقلية كالإبداع والابتكار، وتـُبلـِّد عواطف المرضى وتجعلهم طيِّعين أو مستسلمين لتعليمات المؤسسات الراعية. لقد تبيّن أنها تقلـّص حجم الدماغ الكلـّي وتتسبب في تلفه، ويمكن أن تعيق نمو الدماغ، أو توقفه نهائيا ً.

وبما أن هذه الأدوية جديدة نسبياً، فقد بدأنا نرى الآن فقط البيانات طويلة المدى التي تبين أن المرضى الذين يستخدمونها يفقدون قسماً كبيراً من حجم الدماغ، وأنها تؤثر على المناطق التي تتحكم بوظائف الدماغ العليا بالذات، جنبا ً إلى جنب آثار جانبية أخرى مدمرة طيلة الحياة يتطلـّب بعضها تعاطفاً إنسانيا ً – غير علمي – لإدراكه تماماً.
إن بعض الآثار الجانبية خطِرٌ جداً، ولكن غير قابل للتنبؤ به حتى الآن، فهذه الأدوية يمكن أن تتسبب باضطرابات في الجهاز العصبي، وتخلق أعراضاً شبيهة بأعراض مرضى الباركنسون.

أما أكثر الآثار الجانبية لها شيوعاً فسرعة الزيادة في الوزن المؤدية إلى مرض السمنة. نعم. يمكن تبرير ذلك بالقول: إنه ثمن بسيط يُدفع مقابل (الاستقرار أو الخمول العقلي) ولكننا نفهم صحة أجسامنا وأهميتها لحسن عيشنا وتقديرنا لذواتنا. تصور مثلا ً أن فتاة عادية في مدرسة الثانوية تعاني من مشكلات عاطفية زاد وزنها– بالدواء النفسي– ثلاثين رطلاً (12 كغم تقريباً) إلى خمسين رطلاً في ثلاثة أسابيع ، أليست صدمة كبيرة لها ومانعاً للشفاء قد لا يمكن التغلب عليه. فما بالك إذا ازدادت الفرصة للإصابة بمرض أوعية القلب الدموية. إن السمنة المفروضة كيماوياً يمكن أن تتسبب بأفظع الضرر بأجسامهم وعلى إحساسهم بأنفسهم.
عندما يبدأ مريض في تعاطي هذه الأدوية فإنه سيصبح صعباً أوخطيراً عليه التوقف السريع عن استخدامها. ليتوقف يحتاج إلى الإقامة في المستشفى. وعادة ً يستمر المريض في تعاطي الدواء. وإذا تعاطاه مبكراً فإنه يظل يطلبه طيلة حياته.

يرجع جزء من ذلك إلى عدم معرفة الآثار الخاصة بأدوية الجيل الثاني تماماً على الأجساد النامية، وبخاصة أجساد الأطفال، فالأدوية مسجلة في وكالة الغذاء والدواء أي موافق عليها لاستخدام الراشدين، غير أنها سرعان ما صارت توصف للأطفال والشباب. لقد سجلت لعلاج الشيزوفرينا والاضطرابات الثنائية القطبية أو الجنون المتقطع (Bipolar disorder)، إلا أنها مع ذلك توصف خارج هذا النطاق (Off-label) لأعراض مثل الهياج، والقلق، والسلوك المفرط، أو الاستحواذي، ومتلازمة توريث (Tourett›s Syndrome) ... عند الأطفال.
لا تطلب وكالة الغذاء والدواء الأميركية تجربة هذه الأدوية على الأطفال قبل أن تعطى خارج النص (off-label) أي خارج نطاق ما سُجِّل الدواء من أجله.

تقيد حالة خارج النص (off-label) جهود الشركة الصانعة في التسويق لا إنها لا تستطيع تسويق الدواء لأحوال أو ظروف [طبية لم يسجل أو يوافق على الدواء مسبقاً من أجلها.

يفيد تقرير صدر سنة 2009م أن خمسمائة ألف طفل ومراهق في أميركا تعاطوا هذه الأدوية. كما تضاعف عدد الأطفال دون سن الخامسة الذين وصفت لهم هذه الادوية بين سنتي 2000-2007م، كما وجدت مسوح العون الطبي (Medicaid) أن عدد الأطفال دون سن الثامنة عشر الذين وصفت لهم هذه الأدوية قد تضاعف بين سنتي 2000-2006م، وأنه كان من بين المتعاطين الجدد لهذه الأدوية واحد وأربعون في المائة وصفت لهم بدون تشخيص موافق عليه لعلاجهم بها، وسبعة وسبعون في المائة وصف لهم الدواء «أبيلفاي» بدون تشخيص يتطلب هذا الدواء.

تقول معلمة متخصصة في التربية الخاصة في نيويورك – عملت كثيراً في هذا الميدان تعليمياً وسريريا ً– : أنّ كل طفل من ذوي الحاجات الخاصة في إحدى برامج الإقامة التي عملت فيها كان لديه تشخيص يفيد أنه مصاب بمرض الجنون المتقطع (أو اضطراب القطبية الثنائية (Bipolar disorder: وهو مرض ينشأ مبكراً إجمالاً أو في أواسط العشرينيات من العمر. وقد أعطوا بعض هذه الأدوية لهذا المرض، مع أنه مرض ناجم عن مركب جيني وراثي قوي ومباشر – بوجهٍ عام – من شخص يعاني من اضطرابات نفسية. وتعلـّق المعلمة على التشخيص والعلاج فتقول: «إما أن ما علـّموه لنا عن هذا المرض كان خطأ ً، أو أنه أسيء تشخيص هؤلاء الأطفال».

لا يأتي انتشار الأدوية النفسية عند الشباب من اهتمام والديهم بهم أكثر مما ينبغي. بل يأتي من ممارسات مؤسسية تستهدف الشباب الأكثر هشاشة وهامشية، وتـُعطى للأطفال الصغار (اللقطاء والأيتام...) في مراكز الرعاية فيها أكثر كثير مما يعطى لأقرانهم خارجها. لقد أفادت دراسة حديثة أجرتها جامعة روتجرز الأميركية أن هؤلاء الأطفال يعطون ما مقداره تسعة أضعاف ما يعطى لأقرانهم خارجها. [وكأن هدف مؤسسات الرعاية هي إخماد هؤلاء الأطفال والقضاء على جذوة الحركة والنشاط عندهم لأنها تزعج العاملين فيها وتقلق راحتهم. وتستخدم هذه الأدوية بكثافة في مراكز الأحداث الجانحين. لقد ذكرت إحدى الصحف في ولاية فلوريدا أن قسم الأحداث فيها إشترى 300 ألف قرص من هذه الأدوية في سنتين لما مجموعه 2300 حدث. وقد كانت مشتريات القسم من دواء سيروكريل ضعف مشترياته دواء إيبوبروفين (Ibuprofen). ليس للشباب في هذه الأحوال المرضية – حق مشروع– برفض العلاج، وليس لديهم من يدافع عنهم. إنهم تحت السيطرة التامة للدولة التي تلقي بأكوام المال في خزانة شركات صناعة هذه الأدوية.

شباب أميركا

كأن الحكومة الأميركية في سعيها لعلاج الشباب المهمش بإسهاب: الشباب الذين يخضعون لسيطرة الدولة رسمياً، تخفف من فقر والديهم المدقع من خلال الضمان الاجتماعي، الذي رُتب على نحو ٍ يجعل من الصعب تأهيل الفرد لاستحقاقه دخلا ً إضافيا ً بدون وجود عوق ما في الأسرة. بمعنى أن الحصول على دعم من الضمان لتلبية حاجة يخلق متطلبا ً إجبارياً عند الوالدين لوصف أطفالهم بإحدى الأمراض النفسية، وبذلك يحصلون على الضمان. [وكأن الضمان يروج الأدوية خدمة ً للشركات الصانعة. ففي ولاية ماساتشوستس تستطع الأسرة الفقيرة ذات الطفلين الحصول على ستمائة دولار في الشهر كحد أعلى دعما ً لها لمكافحة المرض بينما يدفع الضمان الاجتماعي ضعف هذا المبلغ. أما أسهل طريقة للحصول على هذا الدخل الإضافي فهي الإفصاح عن وجود طفل أو أكثر في الأسرة معوّق(جسميا ً أو نفسيا ً أو عقليا ً).

إن طلب العون من الضمان الاجتماعي صعب بدون طفل تحت العلاج. وحسب إحدى الصحف تسلم 1.2 مليون طفل وطفلة متدني الدخل في طول البلاد وعرضها شيكات من الضمان الاجتماعي ادعى 53% أي 640.000 طفل وطفلة منهم أنهم يعانون من عوق عقلي. أما أكثر الاضطرابات النفسية المدّعاة للحصول على الدعم فهو اضطراب نقص الانتباه.

توصف الأدوية النفسية خارج النص لمدى واسع من الاضطرابات أو الحالات النفسية مما يجعل قسما ً كبيرا ً منهم يتعاطونها باستمرار. وما أن يصبح واضحا ً أن ارتفاع استهلاك الشباب للأدوية النفسية مرتفع بسياسة الدولة لا باختيار المرضى، فإن المسألة لا تحتاج إلى ضرب في الرمل أو إلى نمذجة ما للتنبؤ اننا على حافة أو في بداية عقرنة (من العقار) أو مدوية (من الدواء) غير مسبوق لشباب أميركا.

يجب أن ننظر في إجراءات هذه السياسة وفي الأعمال التي توسع التدفق المنتظم للأطفال على العيادات النفسية لاستشارة طبية لا تزيد عن ربع ساعة، وتحويل هذا التدفق إلى نهر كبير قادر على كنسنا جميعا ً أمامه باستثناء الأطفال الليني العريكة والأطفال المحظوظين المتروكين لوالديهم الموثوقين باجتياز العلاج الصحيح لهم.
إن أعلى سلطة مسؤولة عن هذه السياسة والممارسة الخاصة بالطب النفسي في أميركا هو كتيب التشخيص والإحصاء للإضطرابات العقلية المشار إليه سابقاً، الذي تموّله وتنشره جمعية الطب النفسي الأميركية (APA). ويلخص هذا الكتيب التعريفات الرسمية (عنده وفي نظره) التي يستخدمها أو يجب ان يستخدمها الأطباء بشأن الاضطرابات العقلية لتشخيص المرضى جميعا ً بموجبها.

إن جمعية الطب النفسي الأميركي والكتيب (الخامس) والهيئة المشرفة عليه مملوكون جميعا ً لشركات صناعة الأدوية. لقد أفصح سبعون في المائة من اعضاء الهيئة عن علاقات مالية مباشرة لهم مع شركات هذه الصناعة، التي تخصص ملايين الدولارات سنويا ً للجمعية بحجة مواصلة التعليم المستمر الذي يقوم به أطباء هذه الجمعية.
لقد اعترفت فايزر سنة 2009م بالذنب لتزييفها ماركات الأدوية وبخاصة المتعلقة بالدواء الجديد: جيودون (Geodon). كما دفعت رشاوي وقدمت ضيافات باذخة للأطباء الراغبن في الترويج لهذا الدواء.

تعامل الجمعية التعريفات ومعايير التشخيص الواردة في الكتيب (DSM) كإنجيل وتستغلها لنيل الموافقة أو التصديق على استخدامات النص (On-Label) الخاص بهذه الأدوية قبل إطلاقها في السوق. وبحجة استخدام هذه الأدوية الواسع، تستخدمها دائرة الضمان الاجتماعي ومؤسسات الرعاية الرسمية للأطفال والأحداث.
صدر الكتيب الرابع سنة 1994م. أما الكتيب الخامس الذي سيحل محله فسيصدر في أيار سنة 2013م ولكن بتوسع في المراجعات وبإضافة اضطرابات نفسية جديدة بما في ذلك: (Psychosis Risk Disorder) وهو – رسميا ً– مرض يشبه الشيزوفرينيا. وسوف تعطى لمرضى لم يصابوا بعد به ولكن يمكن أن يصابوا به. وهي طريقة للتدخل في العلاج النفسي قبل أن ينفجر الاضطراب النفسي: ضربة وقائية، اليس كذلك؟!

لقد أفصح سبعة من الأحد عشر عضوا ً من مجموعة العمل الخاصة بالاضطرابات النفسية الواردة أسماؤهم في الكتيب الخامس عن روابط مالية قوية بالصناعة الدوائية في السنوات الأخيرة. إن لرئيس اللجنة أو الهيئة المشرفة عليه وهو وليم كاربنتر عشر استشارات (أو حسابات) منذ سنة 2004م ولشركات مثل أسترازنيكا ( الصانعة لدواء سيروكويل) التي دفنت الدراسات الأولية الدالة على انتشار زيادة الوزن نتيجة استخدام الجيل الجديد من الأدوية، ومع برلستول مايرز سكويب (صانعة دواء أبيلفاي) ذات الحصة الأكبر من السوق، ومع جانسين(صانعة دواء إكسبلون (Xepilon) ومع جونسون أند جونسون (صانعة دواء ريزبيردال) ومع إلي ليلي ( صانعة دواء زبريكسا) ومع ميرك (عدة أدوية ومنها أدوية جديدة تماما ً) ومع فايزر (صانعة دواء جيودون) وهلمّ جرّا. ويملك كاربنتر نفسه براءات اختراع خاصة بالمحتجزين وتشخيص الشيزوفرينيا في المراحل المبكرة.
تتعرض جميع هذه الشركات لقضايا قوية في المحاكم ولا سيما ما يخص الأدوية الجديدة، ولإخفائها دراسات تبيّن الآثار الجانبية لها، ولتسويقها لها بصورة غير شريفة، وللأضرار التي تلحق بالمرضى نتيجة استخدامها.

يرى أطباء سريريون كثر ضرورة مساعدة المصاب بالمرض الجديد المذكور ليكون على وعي بإمكانية الانهيار النفسي. ويشير آخرون إلى دراسات تبين أن عشرة في المائة فقط من المرضى المصابين بهذا النوع من الشيزوفرينيا يتعرضون لاضطراب نفسي عاصف. فيما يرى آخرون أنه يجب عدم اعتبار الاضطرابات النفسية أو النظر إليها كأمراض جديّة ولكن كمدى واسع من الخبرات والسلوكات التي يمكن أن تشمل الأعراض الأخف التي تقع ضمن هذا المرض. ولكن لأن القرار في يد الأطباء أولا ً، وليس بيد واضعي السياسة الصحية والطبية، فإنه قلما يناقش كعنوان من عناوين الصحة العامة.

إنّ إضافة التشخيص يجعل المدى السكاني الخاضع له من الناس الذين يعانون من الاضطرابات النفسية، وبخاصة من الصغار والفتيان والفتيات الذي يكون التشخيص الشيزوفريني أو الثنائي القطبية لهم، سابقا ً لأوانه. لكن الحوافز لإخضاع الأطفال للتشخيص موجودة أصلا ً في الضمان الاجتماعي، ومؤسسات رعاية الأحداث والأطفال الاصغار، والآباء والأمهات من الموضة القديمة.

سيؤدي حتما ً تبني – لجنة الكتيب – مرض الشيزوفريني الجديد إلى انفجار في المعدلات المرتفعة أصلا ً من الأدوية النفسية المعطاة للأطفال. وستضفي إضافة التشخيص إلى العلاج شرعية رسمية أكبر على هذه الأدوية الجديدة واستخدام الأطفال لها.

شركات صناعة الأدوية

وبدورها تقوم البراءات التي تحصل عليها شركات صناعة الأدوية على الأحوال أو الظروف التي وافقت عليها وكالة الغذاء والدواء. وتستمر البراءة لعدد محدد من السنوات، تستطيع شركات صناعة الأدوية المقلدة (Generic) بعدها صناعتها وبيعها بأسعار أقل، لكن إذا استطاعت الشركة صاحبة الدواء الأصلي إقناع الوكالة بإضافة استخدام آخر له، فإن فترة الاختراع تـُمدد. ومن ذلك النظر فيها لاستخدامها في علاج الأطفال (Pediatric Use). و إذا قـُبـِل طلب النظر في الطلب تمدد فترة براءة الاختراع ثلاث سنوات أخرى، تحاول الشركة الصانعة خلالها إثبات أنه صالح للأطفال، وإذا تمّ لها ذلك مُدّد لها حصريا ً لعشر سنوات أخرى إذا سمح بوصف الدواء للأطفال. لقد رخص دواءي سيروكويل وجيودون تحت هذا العنوان بعد انتهاء فترة البراءة. وقد حذرت الوكالة فايزر من الانتهاكات الصارخة في تجاربها للحصول على موافقة مماثلة للدواء جيودون.

يوجد حافز مالي قوي لصنـّاع الأدوية لتسجيل أدويتهم تحت بند الأطفال. وهو حافز سيقوى بإضافة المرض الشيزوفريني الجديد في كتيب (DSM) غير أنه إذا لم تتم الموافقة على ذلك فإن هذه الأدوية تظل باقية لعلاج عدد كبير من الأطفال بها. حاليا ً يتم وصفها للأطفال خارج النص (Off –label) أي لأغراض لم تحدد عندما سجل الدواء، مثل إدارة السلوك. لم يجر تجريب هذه الأدوية على الأطفال قبل إطلاقها في السوق، ولم يوافق على أي ٍ منها كعلاج للأطفال.

إذا حصلت الشركات على الموافقة لذلك سوف تسوّق هذه الأدوية مباشرة إلى الأطفال ووالديهم عبر الأطباء ووسائل الإعلام، فدواء مثل أبيلفاي يسوّق أصلا ً بالتلفزيون والمطبوعات، مع أنه دواء خطر.
وإذا تمّ تمرير كل أو بعض التغييرات المؤسسية أو النظام الطبي النفسي ستصبح الأدوية النفسية التي طالما اعتبرت خطرة جدا ً والملجأ الأخير في العلاج للأمراض المستعصية أو القاتلة، شائعة في حياة أطفالنا.

واضح إذن أنه توجد قوى تعمل لتوسيع آفاق هذه الأدوية بين الناس وبخاصة بين الصغار والفتيان والفتيات والشباب، وإنه لمن الصعب على مراقب خارجي إقتفاء أثر قنوات تأثيرها، لكن الدافع واضح وهو الربح الخام. إنه ليس الأربعة عشر بليون دولارفقط من المبيعات، بل الدخل الكبير من المال الذي ستحصل عليه شركات التأمين ودور الرعاية إذا عولج المرضى نفسيا ً وليس بالتدخل العلاجي (Therapeutic) الذي يخاطب الأبعاد الاجتماعية والنفسية للمرض العقلي.

تخلق ممارسة التمرين الرأسمالي في هذه الحالة نظاما ً اجتماعيا ً يؤكد أن الأطفال الأفقر والأكثر تهميشا ً سيعاملون طبيا ً بطريقة تدمر إبداعهم وتعيق نموهم العقلي. ومن المحتمل أن يؤثر ذلك على فرصهم كشبان وشابات أو كراشدين يدافعون عن أنفسهم ويقاومون الظلم عندما يستدعي الأمر ذلك».
وهكذا نرى كم هو مرعب وخطير بيع الأطباء أنفسهم لشركات الأدوية، وخروجهم عن سكة يمين أبوقراط، وسقوطهم في هاوية أخلاقية. كما هو مرعب كذلك توسيع تعريف المرض وبحيث يدخل الإنسان العادي تحت هذا التعريف ويصبح مريضا ً، ويشخص على هذا الأساس. يجعل هذا الاتجاه جميع الناس مرضى، ولا يترك للمناعة فرصة للمقاومة أو لدعم القوى المؤيدة لها، لأنه بدلاً من إخضاع الدواء لمصلحة الإنسان صار الإنسان يخضع للدواء ويتم البحث عن مرض أو ضحية له.

لقد لخّص أحد المعلقين على هذه الحالة قفال:
«For every ill, there is a pill, and for every new pill, there is a new disease as well»
في أوروبا (القديمة) الأولوية للإنسان، لذلك يكون الطب مجانيا ً أو شبه مجاني للمواطنين. أما في أميركا (الجديدة) فالأولوية للمال، فالمال هو الله والدولار رسوله. وهو أيضا ً أو بداهة مبدأ شركات الأدوية ذات اللوبي القوي الذي ينفق سنويا ً الملايين لشراء قرارات الوكالة والإدارة والكونجرس لصالحه. ولذلك يجب أن نحذر وندقق في ممارساتهم فلا تغرّنا ظواهرها، ولا نتبناها فورا ً بحجة أن أميركا متقدمة أو سبّاقة إلى التقدم في كل شيء، يجب أن نطلع على ما يقوله النقاد هناك في هذا الموضوع أو ذاك أولا ً.

وفي الأردن وغيره يوجد أطباء على شاكلة الأطباء الأميركيين المباعين لشركات صناعة الأدوية. وعليه تأكد أن طبيبك لا يغرقك بالأدوية لكل علـّة أو سحابة مرض، ولا بأدوية نفسية من وراء ظهرك.

مرض أو اضطراب القطبية الثنائية النفسي (Bipolar disorder) مرض عقلي شديد يتكون من حالات من الجنون المتقطع ذي الانفعال الشديد، أو المزاج السريع الإشتعال والانتقال من حالة إلى عكسها (ثنائي القطبية)، المصاحب بالأحكام اللاعقلانية، والحمق والتهور وصعوبة النوم السويّ، والإحساس بانعدام القيمة والشعور بالذنب. يصيب هذا المرض كلا الجنسين بالتساوي، ويكثر بين الأقارب الذي يعاني أحدهم أو بعضهم منه. هدف العلاج السيطرة على الجنون واستقرار المزاج المتقلب.(مترجم)

متلازمة توريت: اضطراب عصبي يتميز بحركات متكررة غير إرادية بما في ذلك اهتزازات متعددة في العنق. وأحيانا ً تقلـّصات صوتية وجهية لا إرادية مثل النخر والسعال كالنباح التي قد يصاحبها صدور كلمات فاحشة. يسمى أحياناً بمرض توريت. وتوريت طبيب أعصاب فرنسي إسمه جورج توريت، ولد سنة 1857م وتوفي سنة 1904م، وهو أول من وضع وصفا ً لهذا المرض (سنة 1885م).