27/06/2013
مركز الرأي للدراسات
اعداد: محمد أبو غوش
حزيران 2013
تفرض أحداث الشرق الأوسط نفسها على الجميع وبما لا شك فيه أن العالم العربي يعيش في صراع مستمر سواءاً كان الصراع العربي الاسرائيلي أو الصراع العربي– العربي في أجواء تسودها الفوضى ويغلب عليها سيطرة غير العرب على شؤونهم، فقد كشف ما يسمى بالربيع العربي عن مأزق الأمن القومي العربي في ظل التدمير الشامل للقدرات العسكرية العربية واستنزافها في صراعات داخلية وبخاصة في ليبيا واليمن وسوريا والعراق ومصر كما أظهرت النتائج في الانتخابات الرئاسية العربية في دول «الربيع» عن تضاؤل نسبة تمثيل تيار القومية العربية على حساب تيارات دينية أو قوميات أجنبية وأقليات لا تمثل الجسد العربي بالكامل وصاحب ذلك انفتاح في المجال السياسي على الغرب لجماعات ودول كانت تعد من الدول المعادية، والآن بات من المشروع طرح التساؤل حول الأمن القومي العربي ومدى قدرة الجماعات العربيه الحاكمة (حديثي الولاده) في تشكيل مجال سياسي واقتصادي وعسكري يؤمن للعرب مجتمعين الأمن القومي، فهل يستطيع تيار الإخوان المسلمون في مصر مثلاً أن تلعب دوراً في توجيه مستقبل العرب نحو ثقافة الأمن القومي العربي؟ أم أن مصر ستساعد في تدمير ما تبقى من قوى عربية تستطيع الوقوف أمام التهديد الاسرائيلي والمطامع الغربية؟ تحت مسميات وشعارات حزبية دينية، وهل سقوط الأنظمة التسلطية العربية سيحمل معه أبعاد الأمن المنشود أم العكس؟
ان المفاهيم النظرية للامن القومي العربي ومبادئها الأساسية كمذهب سياسي واقتصادي وفلسفي لا يمكن ان يتحقق إلا بالعرب مجتمعين، فما يسمى بالربيع العربي جعل الأمن القومي العربي مستباحا كما حدث في اليمن وتونس وسوريا والعراق ولاننا فقدنا القدرة على الرد وأهدرنا امكانياتنا في العقاب واصبحت آمال العرب معلقه بضمانات يعطيها الغير ولما في ذلك من مخاطر ماحقة للوجود العربي على أي ساحة مستقبلا ولا يمكن الاستناد لتلك الضمانات لتحقيق الأمن العربي المنشود إلا بالضمان الذاتي وهذا بالطبع لن يتحقق إلا عن طريق القدرة الذاتية، فمثلا علاقة الولايات المتحدة الاميركية مع دول الخليج العربي كافة ليست علاقات صداقة ومعاملة بالمثل ولكنها أصدق بان تكون علاقة الاستقطاب والحماية ليس من اسرائيل وانما من العرب انفسهم وكما ان علاقة أميركا مع اسرائيل ونظامها المستقر هي علاقة مصالح مشتركة وانا لا اعتقد ان الولايات المتحدة تحترم اسرائيل وديمقراطيتها الزائفة وانما السياسة الواضحة والمصلحة المحدودة، واما الأمن القومي العربي فلا يمكن حمايتة بالبوليس الدولي أو بالقوات المتعددة الأطراف والأجناس أو بالاراضي المنزوعة السلاح أو بالأراضي التي تحدد فيها القوات أو باستراتيجية «التوافق الاستراتيجي» وقوات التدخل السريع وبضمانات عدم الاعتداء، فهذا كله ليس فيه أمن أو ضمان وانما هي مشاكل مؤجلة وأوضاع غير طبيعية وأحزاب دينية وعصابات دينية مشوهة خلقيا وادوات صناعية للامن الزائف يسمى (الأمن الصناعي) وأمن كاذب مجرد وهم وخيال.
أسهمت فكرة «الربيع العربي» في تبلور فكرة التغيير في حقول السياسة والاقتصاد والاجتماع العربي لبعض الدول الغربية مدعومة من اسرائيل بهدف زعزعة الأمن القومي العربي بشكله الضعيف لتحقيق ما تبقى من البرنامج الصهيوني العالمي بهدم الاقصى وحل ما تبقى من القضية الفلسطينيه وقضية اللاجئين بعيدا عن اي تهديد يذكر لاي جيش عربي أو حتى إسلامي، وزرع الفوضى الخلاقة داخل المجتمعات العربية عن طريق المساعدة بمجيء الاخوان المسلمين إلى الحكم في مصر والمحاولة في سوريا والاحزاب الدينية في ليبيا وتونس واليمن، والفتنة الطائفية في العراق، والحوار مع طالبان، ودعم المجهود الحربي لما يسمى (الجهاديين) وتسليمهم دفة السلطه لاثارة الفتن الطائفيه والنعرات القبيلة ما بين القوميات العربية وتهديد أمن الجوار فيما بعد، وعادة ما ينتهي الصراع الداخلي أو الحروب الأهلية لمصلحة طبقة جديدة من التجار والدكتاتوريين يديرون سياسة واقتصاد الدولة، فالقصد من مجيء الاخوان المسلمين للحكم في مصر بمساعدة ومساندة وصمت الغرب ما هو إلا لضرب الوحدة القومية المصرية بحيث تقوم فوضى عارمة احتجاجا على سياسات الاخوان داخليا واستنكار وشجب ما يحدث في مصر خارجيا، فاصبحت وحدة مصر وسلطتها المركزيه مهدده بالحركات الاقليمية المعادية للاخوان و بالشركات المتعددة الجنسيات التي تتجاهل الحدود السياسية والقومية لمصر، وبذلك تدب الفوضى وتكون الساحة فارغة تماما امام اسرائيل واذا كان هذا لا يقنع اصحاب الشعارات البراقة، إذن فلماذا الحديث عن الوطن البديل والكنفدرالية وتغيير الأنظمة ودعم العصابات المسلحة «الجهادين» عسكريا في سوريا وبالتالي دعمهم في العراق واثارة الفوضى في مصر ولبنان وليبيا والسودان، وهذا ما أكدته جريدة يديعوت احرنوت الاسرائيليه عندما قالت «دع العرب يقتلون انفسهم في هدوء» وكذلك عندما صرح رئيس الوزراء الاسرائيلي بنجامين نتنياهو «ان التخلص من النظام في سوريا هي مصلحة اسرائيليه خالصه»، ألم تكن لعبة الأمم واضحة بجلاء في المشهد الليبي من خلال تصرفات النيتو والغرب أليست اللعبه واضحه في سوريا والتدخل والدعم للطرفيين لاطالة امد القتال! أليست أميركا هي من تركت العراق عند انسحابها يقف على شفا حفرة من النار؟، لقد ظهرت ملامح نظرية التقوقع داخل الحدود السياسيه للعرب وخصائصها وتحت وهم احترام ارادات الشعوب وخارج الحدود القوميه، أم ان العرب قد دخلوا فعلاً في ردهة «الزهايمر» ونسوا انهم اخوة في الدم والدين؟ فالحل في دول ما يسمى الربيع العربي ليست بالبندقية والعبوات الناسفة وانما بصناديق الاقتراع وإرادة الشعوب للتغيير، كما أن تشكل الديمقراطية وتبلورها لم يكن في فترة زمنية وتاريخية واحدة، بل أخذ الفكر الديمقراطي ردحا من الزمان حتى تبلورت ملامحه، ولكن بعض العرب أمام ضغوط هائلة اقليمية مادية وعالمية سياسيا لا تحترم الحدود السياسية الافقية والعامودية لتغير الواقع عن طريق تغيير النظم الحاكمة تحت مسمى نشر الديمقراطية.
ومن هذا المنطلق تبدو بلورة تعريف واضح ودقيق لمفهوم ما يحدث للعرب والعالم العربي أمراً صعبا. فالمفاهيم السياسيه والاجتماعية العربية تتصف بعدم الثبات لأنها ترتبط بالسلوك الفردي للحاكم أو الحزب الذي يتسم بالتغير والتحول، ولكن لا يعنى ذلك أبدا اتخاذ موقف اللإراديه وجعل «اكبر حكم فينا هو الخنجر» فإن كان للديمقراطية أركانٌ تُعرف من خلالها وتنتفي بانتفائها فإن أهمية الحرية السياسية وانتمائتها وأولويتها تمثل الأساس المتين الذي يقوم عليه صرح النظرية القومية فالدول العربية في معظمها عشائرية الانتماء، للذكورية مكانة كبيرة في المجتمع من حيث العادات والتقاليد والعقيدة تتسم بكل أنواع السيطرة والاستبداد، وكما ان تسلط الدولة والجماعات والاحزاب الدينية على رأي الفرد هو سيد الموقف، فأين يمكن صناعة الديمقراطية في بلاد ترهن ارادتها للغرب أو الشرق، إذا كانت الديمقراطية هنا غاية بذاتها؟
ومن وجه نظري لا أجد أي دليل لوجود تجليات للفكر الديمقراطي في الفكر الفلسفي والقانوني والاقتصادي والسياسي والاجتماعي العربي، فكيف طرحت الديمقراطيه نفسها في سياق حضاري جد مختلف من خلال الربيع العربي؟ مع أن الإسلام يتعارض من حيث المبدأ والمضمون والتطبيق مع الديمقراطية، ولكن خلط الأوراق واطلاق المسميات لتفسير المهرجانات التي تقوم في العالم العربي لفرض التيار الديني العربي كنوع من الخلاص من النظم الحاكمة وسمي مجازا بالربيع العربي.