رؤى نحوية وصرفية تجديدية - 2

06/07/2013

مركز الرأي للدراسات

اعداد : حسني عايش

تموز 2013

يقول الدكتور عودة الله منيع القيسي في كتابه "رؤى –نحوية وصرفية- تجديدية" وهو أربعة أجزاء قام على تغيير لنظرية النحو العربي وفلسفته. إن النحو الغربي يقوم على نظرية مشوَّشة ويخلط الجمل التي لا إعراب لها (وإنما عليها حركات فقط) بالجمل التي عليها حركات وتُعرب، لا يفرق بين النوعين ويتمسك بإعرابين للجملة الواحدة، إذا جاءا من قبيلتين. وهذا.. ضلال، لأن اللغة التي يراد لها أن تكون ذات – نظام واحد – يجب وجوباً ألا تعرب الجملة فيها إعرابين مختلفين، وإنما يسقط أضعف الإعرابين، ولا يبقى إلا إعراب القبيلة الأفصح – كقبيلة قريش؛ لأن فلسفة حركات الإعراب أنها تفيد معنى- فإذا تعددت الحركات على الكلمة الواحدة في الجملة الواحدة بطلت الغاية من حركات الإعراب، فبطلت بذلك حركات أواخر الكلمات المعتمدة جملة ً!!

لقد وَجَدْتُ لغةَ العرب – شعراً ونثراً – ونحواً وصرفاً.. فيها ما لا يصحّ. فكان قبوله انحرافاً من اللغويين والنحويين – القدامى والمحدثون- عن الصورة المثلى؛ لأن اللغة التي يُراد لها – النّمُوُّ والتطوُّرُ– لا بُدّ من أن تقوم على (نظام) واحد مطّرد، خالٍ من الشذوذ وكثرة الاستثناء.

والحق أن جامعي اللغة – من لغويين ونحويين قصّروا، مرتين: مرّةً حين جمعوا كل ما وصلوا إليه من الكلمات- ما كان فصيحاً وما كان يعتريه الضعف- ومرةً، حين وضعوا قواعدها في النْحو والصرف، ممثلةً في كتاب – سِيبَوَيْهِ - قبل أن يكتمل جمع اللغة؛ فسيبوَيْهِ توفي عام (185هـ) واللغةُ لم يكتمل جمعها (أو يُقارب) إلا مع نهاية القرن الثالث. ومن جاؤوا بعده لم يغيروا ولم يضيفوا، بل جمدوا على كتاب سيبوَيْهِ.

نتج عن ذلك خطآن كبيران: الأول = أنهم أكثروا من جَمْعِ ألفاظ غير فصيحة، لمجرد أنها رُوِيَت عن عرب البادية، وفي عرب البادية من ليس بكامل الفصاحة، فرداً، أو فخذاً من قبيلة. فما جعل الله كل البشر الذين يتكلمون لغة واحدة.. متساوين كلهم في الفصاحة؛ وإلا.. لكان كل بدويّ = قَيَّس ابنَ ساعدةَ – الإياديّ – ولكان كل إسلامي، في المئة الأولى، الإمامَ عليّاً، أو سحبان وائل بل ليست كل القبائل ا لتي أخذت عنها الفصحى – متساويةً – في الفصاحة. وإلاّ.. لما أجمع العلماء على أن لهجة قريش، (قبل الإسلام، وحتى نهاية المئة الأولى من الإسلام) هي أفصح لهجات العرب، قاطبةً التي أُخِذَتْ عنها الفصحى، وإلى جانبها ستُّ لهجات ليست متساوية في الفصاحة – فهي (لهجات القبائل) ليست مقدّسة بحيثُ يجب أخْذُ اللهجة بحذافيرها.

ولذا .. فعثمان ابن جني - ت 392هـ - أكبر فقيه لغوي.. لم يُصِبْ، عندما قال، في كتابه (خصائص اللغة – وسرّ العربية): (اختلافُ اللغاتُ، وكلُّها حجّة)(1). فلهجات القبائل الستّ أو السبع – فيها ثلاث صفات، من حيثُ الألفاظ: صفتان مقبولتان ألْفاظُهما، وصفة لا يؤخذ من ألفاظ القبائل منها إلا ما كان يجري على – سليقة/ الفصحى المستخلصة من ألفاظ هذه القبائل.

والصفتان المقبولتان هما: ما جاء من الألفاظ ممثلاً للمعنى، مع فروق بسيطة. مثال إحدى الصفتين: أن تأتيَ صفات (أو ما كان من الكلمات غير صفات) على وزن – (فعلانَ/ فَعْلى) – مثلاً – وأخرى على وزن – (فعلانَ/ فعلانةٍ). مثالُ الأولى: فَرحانُ/ فَرْحى – ومثال الثانية: نَدْمانُ/ نَدْمانةٌ. فهذه كلها.. فصيحة، وإن اختلف الوزن الصرفّي، في المؤنث. (ولا قيمةَ لاعتبار نحاة البصرة للنوع الثاني الذي على وزن (فعلانةٍ) بأنه – شاذٌّ – لأنهم اعتبروا كل ما لم يكثر شاذّاً، فبَنوْا قواعدَهم على – الأعمّ الأغلب- وهذا .. خطأ من ناحيتين: الأولى: أن الصحة في الألفاظ لا تعتمد على الكثرة والقلّة، وإنما تعتمد على استقامتها مع سليقة الفصحى. والثانية: أن اللغة عندما صنع سِيبَوَيْهِ كتابَهُ لم يكن قد جُمع منها أكثر من ثُلثيْها. ولذا .. عَدّ نُحاة البصرة، وهم فرس (ما عدا الخليل ابن أحمد الفراهيدي الذي لم يوافقهم على معيارهم هذا) – كلّ ما كان قليلاً.. شاذّاً، بَيْدَ.. أن هذا القليل وُجد منه الكثير، بعد أن تم جَمْع معظم اللغة (لأنني أعتقد أن قرابة – 10% لم يجمع،. فصيغةُ (فعلانةٌ) التي عدّوها شاذة، في أيامهم، ورد منها في الكتب، بعد ذلك، أكثر من عشرين كلمة.

ومثال الصفة الثانية: وهي نوعان: النوع الأول: ما تماشى مع سليقة الفصحى، وإن اختلفت حركة على حرف من الكلمة- حركتان، مثال ذلك : رَغوة اللبن – رِغوتُهُ – رُغوتُهُ لأن كل اختلاف في حركة الراء هو راجع إلى اختلاف الصوت بين قبيلة وقبيلة.
والنوعا الثاني.. مثل: كَفَلَ يكفَل/ و- كَفَلَ يكفُل، فقد فُتِحت – الفاءُ (عين الفعل) في الماضي والمضارع، في المرّة الأولى، وفتحت في الماضي، وضُمّت في المضارع، في المرة الثانية. وهذا.. ناتج عن لهجتين، ولكن تماشيا مع سليقة الفصحى. ولا ينكر من ذلك إلاّ ما يؤدى فيه اختلاف الحركة إلى اختلاف المعنى، مثل: فرْقٍ- بسكون الراء – و – فَرَقٍ – بفتح الراء. فالأولى .. تعني: التمييز بين شيئين.

أما الثانية فتعني: شِدّة الخوف.

أمّا النوع الثالث من ألفاظ بعض القبائل...

الذي يجب أن يُطَّرَحَ من الفصحى، حتى تظلّ ذات نظام واحد مُطّرد فهو ما خالف سليقة الفصحى، مثال ذالك.. الفعل الذي تكسَر فيه - ياء - المضارعة، أو تاؤها، أو نونها – كأن يُقال: يِِعْلم، تِعلم، نِعلم – بالكسر- إلى جانب النطق الفصح – بفتح – الياء، والتاء، والنون.

ومن أمثلتة أيضاً: صقر – سقر – زقر – فاللفظ الفصيح – حقاً – هو (الصقر)- أما السقر، والزقر – فهما لهجتان انحرفتا عن الفصحى، لبعد موطن أهليهما عن مركز الفصاحة، وهي مكّة، أو لقلة اختلاطهم بمركز الفصاحة.. فلا يُعتدّ بهاتين اللهجتين؛ لأنهما منحرفتان عن سليقة الفصحى.

هذا .. من الخطأ في اعتماد اللغويين والنحويين الألفاظَ التي انحرفت عن سليقة الفصحى.


أمّا في النحو

.. فكان انحراف النحاة عن سليقة الفصحى، وعن النظام الواحد ا لمطّرد – أنهم اعتمدوا شيئين خاطئين، كان يجب للأول منهما أن يطرح من النحو، وأن يحول إلى الدراسة الأنثروبولوجية.

وهو – اعتماد إعرابين – لقبيلتين – لجملة واحدة أوتركيب واحد.

وأمّا الثاني.. فكان يجب أن يُعامل على غير ما عاملوه عليه. وهو الجمل الوصفية الأنماطية؛ فهي جمل عليها حركات يقاس عليها، ولكن، لا إعرابَ لها.

أما الجمل الأولى.. فمثالُها أن القرشيين يقولون: (ليس الطِّيُب إلا المسكَ) – بفتح الكاف في المسك، وأمّا التميميّين فيقولون: (ليس الطيبُ إلى المسكُ) – بضمّ الكاف في المسك. والحركة الأولى – على المسك – إعرابُها بيِّنٌ، وهو أنها خبر (ليس) منصوب. أمّا الثانية فقد تكلفوا لها إعراباً، فاعتبروا أن التقدير: ليس الطيبُ إلا هو المسكُ. فأضافوا – هو – تكلّفاً. والنظرة الصحيحة التي تتفق مع بقاء اللغة ذات نظام واحد مطّرد – ومع الغاية من الإعراب – توجب اطراح نُطق التميميين، والإبقاء – فقط – على نُطق القرشيين. والغاية من حركات الإعراب هو (التفريق) بين المعاني المتكافئة أو المتماثلة اللفظ. (مع غايتيْن أُخريين وضعهما في كتابه "رُؤىً - نحوْية وصرفية - تجديدية" وهو المقصود من هذا العرض، وهما : التفريقُ بين الجمل – المحركة اللا معربة، والجمل المعربة – ثم .. اطرادُ النسق، في قيام الحركات على أواخر الكلمات في الجمل التي يُميّز بين معانيها، ولو لم يكن حركات.
وإذن.. إذا أبقينا فتحة على الكاف في كلمة – المسك– وعلى الضمة، من دون أن يتغير التركيب، وسياق اللفظ فيه.. فقد أبطلنا الغاية من النحو؛ لأن الفتحة، على آخر الكلمة، لها دلالة.. تختلف عن دلالة الضمّة، وعن دلالة الكسرة.

الجملُ الوصفية الأنماطية

اللغويّ الغربيّ – دوسيسير – اعتبر الجمل كلها وصفية. واللغوي الغربي الآخر- تشومسكي – اعتبر الجمل كلها – تحليلّية. واللغويون العرب المعاصرون.. قرأوا – لهذا، وهذا، فتبنّى فريق منهم فهْم الأول للغة – وتبنّى فريق آخر فهمَ الثاني للغة!!

.. وهؤلاء، وهؤلاء – ليسوا على صواب؛ لأن اللغة العربية – فيها النوعان من الجمل؛ فمعظم جملها تحليلي (وأضاف القيسي إليه صفةً أخرى، وهي: نماذجي) وأقلّ جملها وصفيّ (وأضاف إليه صفةً أخرى، هي: أنماطي). إذن.. ليس صحيحاً أن جمل العربية كلها – تحليلية نماذجية – ولا كلها – وصفية أنماطية.

ولكنْ، ما الذي ينبني على هذا – الفرق – عنده؟ ينبني عليه أن الجمل التحليلية النماذجية.. مُعْرَبَةٌ – وأن الجمل الوصفية الأنماطية.. لا إعرابَ لها، ولكن عليها حركات يقاسُ عليها. مثلاً: النمط = ما أفعلَ الشيْء = بفتح اللام والهمزة – لا يُعربَ، وإنما يقاس عليه ما لا يحصى من الجمل ! مثل: ما أجملَ الربيعَ! – ولكن، لماذا القياس وليس الإعراب؟

لأن هذا النوع من الجمل – لا إعرابَ به، في الحقيقة – وإنما أعربه النحاة – تكلفاً- أي: ركبّوا عليه إعراباً وهو لا إعرابَ له، فعقدوا بذلك هذا النمط السهل، وصعّبوه على طلاب العلم، بل وعلى علماء النحو؛ لأن الذي لا يتماشى مع فطرة الإنسان ومعاني العقل.. يتعقد فهمه على الناس، ويُنسى، بسرعة، من عقولهم.

وبهذا الإعراب المتكلف لما لا إعرابَ له أخطأ النحاة خطأ ً فادحاً، وانحرفوا بحركات الإعراب عن غايتها كما يقول الدكتور عودة الله القيسي في كتابه، وهي التفريق النحْويّ بين المعاني. وإلاّ.. فما الفرق في المعنى النحوي بين: (ما أجملَ الربيعَ) – و(ما أطيبَ الفاكهةَ)؟! – خاصةً أن هذا النوع من الجمل الوصفي الأنماطي ثابت الرُّتبة، أي: ذو قالب.. ثابت. فلا تقدم – الربيعَ– مثلاً – على –أجملَ– ولا تقدم –الفاكهةَ– على –أطيبَ.

أمّا الجمل التحليلية النماذجية .. فهي – المُعْرَبَةُ. لأننا إذا قلنا: (كلّمَ سالماً خالدٌ) – مثلا ً- اختلف معناها عن قولنا: (كلّم خالداً سالمٌ). لأن الذي كلم الآخر، في الأولى، هو: خالدٌ، ولأن الذي كلم الآخر، في الثانية، هو: سالم. فحركات الإعراب هي التي عيّنت المتكلّم- بكسر اللام – وهو الفاعل. من المكلّم – بفتح اللام- وهو المفعول. وهذا هو النوع من الجمل الذي يعرب – وَحْدَهُ- على أن نؤكّد أن الإعراب، للجمل المعرْبة، لا يجوز فيه سوى الاطراد، ولا يجوز بحالٍ من الأحوال أن تُعرب بعض ألفاظ التركيب الواحد، وهي في – سياق واحد- إعرابان مختلفان، لأن ذالك يبطل الغاية من النحوْ.

إذن.. الجمل - عند المؤلف، وفي حقيقتها – نوعان: جمل تحليلية نماذجية، وهي – مُعْرَبَةٌ – وجمل وصفية أنماطية، وهي جمل غير مُعْرَبةٍ، وإنما عليها حركات – ثابتة، ويُقاس على تركيبها الثابت القالب.


ما الذي إنبنى على ذلك؟

إنبنى على ذلك.. أن الحركات، عند جميع النحاة، نوعان: حركات إعراب، وعلامات بناء. ولكنها – عند القيسي، بناءَاً على التقسيم للجمل الذي عمله، (لا تنظيرياً، وإنما اعتماداً على التحديق في طبيعة اللغة)- هي ثلاثة أنواع: حركات إعراب- وعلامات بناء – والنوع الثالث هو – علامات ثبات. لأن حركات الإعراب واضحة، من رفع ونصب وجر. ولأن علامات البناء واضحة، وهي حركات تُخفي وراءها حركات. مثلاً: عندما نقول: كيفَ حالك؟ - فإعرابُها: (كيف): اسم استفهام مبني على الفتح – في محل – رفع – خبر، وحالُ: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة.

والكاف: ضمير متصل مبني على الفتح، في محل جرٍّ مضاف إلي (حالُ). إذن – (كيف) – بناؤها على الفتح، وإعرابها هو الضمّ.


أمّا علامات الثبات.. فهي واضحة...

ولكنها تختلف عن علامات البناء، وعن حركات الإعراب؛ فحركات الإعراب.. لها دلالةٌ على المعنى، وعلامات البناء تخفي وراءها حركات إعراب. أمّا علامات – الثبات- فهي مختلفة عن كلا النوعين السابقين، فليست حركاتٍ – كلُّ حركة بمفردها- تدلّ على معنى نحْويّ، وليست علامات تخفي حركات إعراب- وإنما هي نوع ثالث – جُمْلتُها – عندما تكون من حركتين – تدل على معنىً عامٍّ؛ فجملة – ما أجملَ الربيعَ! – مثلاً – تدل الحركتان – وهما فتحتان على اللام وعلى العين - على معنى التعجب. ولذا.. فهاتان الحركتان تفرقان بين هذه العبارة هنا – وبينها – في حركات أخرى، عند الاستفهام، ففي الاستفهام نقول: ما أجملُ الربيعِ؟ - فنضمّ اللام ونكسر الميمَ – وهما – هنا – حركتا إعراب.

ولكنْ، كيف حكمنا بأن حركتيْ التعجب هما حركتا – ثبات؟

لكي يزيد القيسي الأمر وضوحاً وتأكيداً وصحّةً – عاد إلى فضْل بيانٍ عن (أفْعَلَ) والاسم الذي يتصل بها، نقلاً من كتابه: [رُؤَىً- نحْويّةٌ وصرفية- تجديديةٌ - الجزءَ الثالثَ.

(ما أفعَلَ الشيْءَ) عبارةٌ محايدةٌ أنماطيةٌ أو خاصةٌ:

إضافات للقيسي في موضوع الصرف

ما خصّ الألفاظَ، فيما سبق، كان في موضوع – الصرف من الجمل – التحليلية النماذجية وما خصّ التراكيبَ والجملَ وإعرابَ ما له إعراب والاكتفاء بحركات ما له حركات من الجمل الوصفية الأنماطية هو في موضوع النحْو.

وهنا .. أراد أن يضيف شيئاً عن الصرف – وهو أنه غيّر في كتابه الذي ذكرناه – آنفاً – كثيراً من مصطلحات الصرف غير الواضحة غيَّرها بمصطلحات متعاقبة مع المعنى الصرفي والاشتقاق الصرفي.

ثم .. وجد أن تدريس الصرف على النحْو الذي يدرس عليه وهو: تحفيظ الطلاب القواعد الصرفية، واختبارهم بها، هو غفلةٌ ما بعدها غفلة، وانحراف عن المنهج السليم ما بعده انحراف؛ لأن الصرف من (فطرة) اللغة، فكما يتعلم المرْءُ من الصغر ألفاظ اللغة.. يتعلم صِيَغها، حتى العامّيُّ لا يجهل ذلك؛ فالعاميّ يقول، وهو يتكلم، وعلى البداهة: (طلال.. محزون) – عندما يكون الحزن، طارئاً عليه. ولكنه يقول: (طلال حزين) عندما يكون الحزن متغلغلاً في أعماقه. ويقول: (فلان.. صادق)- عندما يتعلق الكلام بخبر واحد وطارئ يروى عنه. ولكن يقول: (فلان..صدوق) – عندما يتعلق الأمر بمجمل سلوكه، في مجال الأخبار.

يتساءل القيسي فيقول: فإذا كان العاميّ لا يخطئ باستعمال الصيغ الصرفية – كما لا يخطئ باستعمال الألفاظ .. فلماذا نُعذّب الطلاب، بتعليمهم الصيغ الصرفية – تعليماً تفصيلياً، ونحفظهم إياها، ونمتحنهم بها؟؟ - إن هذا فعل – عبثيّ – كالذي يحاول أن يعلم ابن العاشرة المشيَ العاديَّ، وهو يمشي من تسع سنوات، بل يركض... !!

في النحْو

إضافةً إلى ما أشار إليه من تغييرات – مفصلية – فقد غير كثيراً من مصطلحات النحو، إلى جهة الأيسر والأسهل والأصح والأفصح مفاهيم بحيثُ غيّر مالا يقل عن ثلاثين في المائة من النحو في - الكتاب لسيبويه -وهو عمدة النحو العربي- كل ذلك في كتابه الذي أشرنا إليه، وهو مرةً أخرى رُؤَىً – نَحْوِيّةٌ وصرْفيّةٌ – تجديديّة وهو مكون من أربعة أجزاء.

لقد بنى المؤلف كتابه على ثمانية وعشرين فكرة واثنتي عشر هدفاً بدءاً من الاعتباطية والعشوائية في الجمع وانتهاءاً بمراجع البحث، تستحق التأمل والتفكير من اللغويين والنحويين لأنها تبرر ما ذهب إليه ومن ذلك أن الكلمة عنده تقسم إلى ستة أقسام لا إلى ثلاثة، وان أنواع الجمل خمسة لا إثنين أو ثلاثة، كما تحدث عن افتقار العربي لملكات الشك والنقد وبين الفرق بين التخصص الأكاديمي الرسمي والتخصص الأكاديمي الموسوعي وكيف أساء سيبَويه إلى الأستاذ خليل بن أحمد الفراهيدي في تحويره لمنهجه، وبين أن النداء مرفوع ومنصوب وليس مبنياً، وجاء بعشرة أسباب لولوج لغويات ضعيفة إلى الفصحى، وغلب نحو الكوفيين على نحو البَصْريين، وتحدث في فلسفة النحو. وإلى جانب هذا الكتاب يجب أن يقرأ كتابه الصغير: آراء وأفكار لغوية بين ابن خلدون والمرجاني وبين نعوم تشوميسكي.

لقد ظهرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب التجديدي الذي يتكون من أربعة أجزاء سنة 2011م، دون أن نسمع أو نقرأ عن هذا الفتح اللغوي والنحوي أنه خضع للتقييم في مجمع اللغة العربية، أوفي أقسام اللغة العربية في الجامعات، أو في وزارة التربية والتعليم، وكأنه لا كرامة لمجدد أو مبدع عند زملائه، ربما لأنهم يفضلون المجدد أو المبدع القادم من الخارج لأنه لا ينافسهم ولا ينافسونه.