الأمن الأوروبي تحت مظلة الناتــــو

16/09/2013

مركز الرأي للدراسات

اعداد : عارف مرشد

ايلول 2013



اقتنعت الولايات المتحدة الأميركية في نهاية الأربعينات بأولوية مسؤوليتها عن النظم الرأسمالية ومهمتها في مواجهة المعسكر الاشتراكي. الأمر الذي جعل الخطط الاستراتيجية الأميركية تنبع في حقيقة الأمر من طبيعة التفكير العسكري الأميركي على النطاق الدولي. وبما أن دول أوروبا الغربية لا تستطيع بمفردها مجابهة المعسكر الاشتراكي فإن اسناد الولايات المتحدة للقوة العسكرية كان ضرورة حيوية للإبقاء على النظم الليبرالية.

ومع التطورات الجديدة في العلاقات الدولية بتفكك الاتحاد السوفياتي تغيرت الموازين التي خططت الولايات لها، ومن هنا نشأ التساؤل الآتي: ما أهمية حلف شمال الأطلسي للأمن الأوروبي بعد هذه التطورات؟

بداية نذكر أنه برز داخل الولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي تجاه استمرارية الوجود الأميركي في القارة الأوروبية المتمثل في حلف شمال الأطلسي تياران، التيار الأول: يدعو إلى عدم جدوى استمرارية الولايات المتحدة في تحمل الأعباء الكبيرة والنفقات الضخمة التي تسخرها في سبيل توفير الحماية العسكرية لأوروبا، بل واجب عليها التركيز على القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها الشعب الأميركي، ويُعرف هذا التيار بـ «التيار الانعزالي».

والتيار الثاني: يدعو أنصاره إلى الإبقاء على الحلف وأن تبقى الولايات القائد البارز لهذا الحلف لما يمثلة من أهمية للولايات المتحدة بما أنها أصبحت الدولة العظمى الوحيدة على الساحة الدولية، الأمر الذي يعني زيادة مسؤولياتها تجاه العالم والمزيد من الحضور والتواجد في المناطق الحيوية من العالم.

ويستند أنصار هذا التيار إلى المجموعة من الحجج أهمها:

أ‌- النجاح الذي أحرزته الولايات المتحدة في حرب الخليج الثانية باعتمادها على قواعدها وقواتها العسكرية المرابطة في غرب أوروبا، وقد كان ذلك من أهم الدواعي للاحتفاظ بعلاقة التحالف الأطلسية لتغطية ما سمي «بعمليات خارج النطاق».

ب- ما أثبتته الوقائع التاريخية من أن ما يضر بمصلحة بلدان غرب أوروبا ويكون تحدي حقيقي لهذه البلدان، هو بالضرورة يعرض المصالح الأميركية عاجلا أم أجلا للخطر، وأكبر دليل على ذلك الحربين العالميتين والحرب الباردة.

• إن هناك دافع اقتصادي لأهمية حلف الناتو للولايات المتحدة، فقد تكيف الاقتصاد الأميركي في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية على الإنفاق العسكري المتزايد، فقطاع الإنتاج العسكري يعمل ويعيش في محيط أنشطة وشركات صناعية عملاقة، وهذه الشركات تعتمد اعتماداً كبيراً على العقود التي يعقدها البنتاغون معها لإنتاج كثير من السلع والمعدات الحربية، فالإنتاج العسكري مهم جداً ولن تستغني عنه الشركات الأميركية العسكرية لمجرد التغير في المواقف السوفياتية.

وفي ما يخص العلاقة الأمنية الأميركية - الأوروبية، فإنه يبدو مستغربا-للوهلة الأولى- في ضوء كافة المتغيرات التي تشهدها الساحة الأوروبية حالياً أن تحتفظ العلاقة الأمنية الأطلسية بجورها دونما تعديل، إذ إن تلك المتغيرات الاستراتيجية الطارئة تستدعي اتخاذ قرارات سياسية راديكالية وغير هامشية تعيد صياغة العلاقة الأميركية-الأوروبية الأطلسية على أسس جديدة.

وأهم هذه الأسس إعادة صياغة استراتيجية الحلف ومنظومة قيمه العسكرية ليتحول إلى هدف أعم يستدعي تعوق وظائفه السياسية على مسؤولياته الأمنية والدفاعية، ومن أهم هذه الخطوات لتحقيق هذا الهدف الأعم هي زيادة الإسهام الأوروبي في القيادة العليا للناتو بأوروبا مع توازي في التقليص المزمع للتواجد العسكري الأميركي في القارة.

وبناء على ذلك ازداد الضغط من جانب الأوروبيين بعد حل حلف وارسو لإخراج القوات الأميركية على مراحل وبخاصة الأسلحة النووية، وصار الأوروبيون يعتمدون على قواتهم العسكرية للدفاع عن أنفسهم، ولكن ما لبث أن اكتشفوا أن ذلك قد يكون تسرع في الرأي ناتج عن تسارع الأحداث نفسها، فهم في حقيقة الأمر ما زالو بحاجة إلى علاقة أمنية مع الولايات المتحدة.

وذلك يرجع إلى أمرين:

أ‌- أنه في الوقت الحاضر لا توجد في أوروبا بنية أمنية بديلة، فاتحاد أوروبا الغربية لا يستطيع الإرتقاء في مستوى تجهيزاته وقدراته الوظيفية ليحل محل حلف الأطلسي في الوقت الحاضر، هذا بالإضافة إلى أنه لا يوجد اتفاق أوروبي حتى الآن لتفعيل إطار أمني يحل محل حلف الناتو، حتى أن فكرة إنشاء قوة عسكرية أوروبية مستقلة قد أثارت عدة تساؤلات داخلية وخارجية، متعلقة بمن يتولى مسؤولية بناء القوة العسكرية الأوروبية؟ ومن يحدد وظائفها؟ ووفق أي معايير؟ وكيف ستنظر الولايات المتحدة إلى مثل هذه القوة العسكرية بمعزل عن التنافس معها؟

ب- انشغال الإتحاد الأوروبي في عملية إكمال الوحدة السياسية بين أعضاءه، في الوقت الذي يوفر حلف شمال الأطلسي فيه غطاء أمني موثوق في قوته لأعضاءه، وقد يعتبر ذلك أيضا نوع من المشاركة من قبل الدول الأوروبية للسياسة الخارجية الأميركية من أجل إبقاء هذا الغطاء الأمني على أوروبا، في الوقت الذي تستطيع به الولايات المتحدة أن تحقق بعض التنازلات الاقتصادية لها من قبل الدول الأوروبية التي تقوم بحمايتها.
فالولايات المتحدة تدرك مدى حاجة حلفائها الأوروبيين لضماناتها النووية ويقبلون أن يكون للولايات المتحدة صوت في القرارات المتعلقة بالأمن الأوروبي، فهم يفضلون علاقة أمنية مع الولايات المتحدة على أن لا يكون فيها لواشنطن الدور المسيطر.


وبالتالي نستنتج أن محاولة فصل الولايات المتحدة عن أوروبا الغربية في تحالفهما الأطلسي كانت من أهم أهداف الاتحاد السوفياتي، إلا أنه اتضح أن الإرتباط الأمني بين طرفي التحالف هو أوثق من أن يحله انهيار الاتحاد السوفياتي، وأن استمرارية هذا التحالف هي قضية محسومة لصالح الأمن الأوروبي، فالأمن الأوروبي تحت مظلة الناتو يبدو في المدى المنظور أكثر الأمور تقبلاً واتساعا شريطة تكيفه مع الواقع الأوروبي الحالي الذي يحتم الأخذ بمبدأ «المشاركة في الأعباء واتخاذ القرار».