الشريف الحسين بن علي.. بطل الثورة العربية وقائدها

23/06/2016

 د.هيثم إبراهيم عريقات

مركز الرأي للدراسات

حزيران 2016

تمهيد

إن من أهم ما اختص الله به هذه الأمة الإسلامية، وفضلها على غيرها من الأمم، آل البيت وهم سلالة رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- هذه السلالة النقية، هم معيار ما يصح من أحوال الأمة العربية والإسلامية. وهذا المقال يعنى بالثورة العربية الكبرى، وبطلها ورجلها سليل الدوحة الهاشمية الزكية، الشريف الحسين بن علي صانع ورجل الثورة العربية الكبرى طيب الله ثراه، وهي التي نهضت بالأمة وقادت مسيرة تقدمها وازدهارها، التي لم يعطها كاتبو التاريخ بعد مرور مئة عام حقها وذلك من خلال تقديمها للأجيال المتعاقبة بشكل أوسع وأوضح ، استدعى هذا لوضع الحقائق التاريخية في نصابها ومكانها الحقيقي، ومن أجل أن نقدم للأجيال عرضاً عن نقطة تحول مهمة في تاريخ الأمة، إذ يعتبر هذا التحول انطلاقة لبناء نهضة الأمة وتقدمها، وليحافظ على تاريخ ومكانة الدين الإسلامي والعرب.

*الظروف والتداعيات:
لقد كانت الدولة العثمانية دولة خلافة إسلامية، ويسودها المذهب الحنفي وتنتشر فيها الطرق الصوفية، وحوت أقطاراً كثيرة، منها العربية وغيرها , وكان العرب والأتراك وغيرهم إخوة منسجمين وتحت ظل الدولة العثمانية، لا يشوب علاقاتهم أي خلاف أو فرقة أو تميز حتى بدايات القرن التاسع عشر.
وكانت بدايات القرن التاسع عشر الميلادي شهود تحولات وتبدلات في أحوال الدولة العثمانية، وبدا الفساد ينخر جسمها، ولقد أسمتها الدول الغربية ( بالرجل المريض) تمهيداً للانقضاض عليها والاستيلاء على ممتلكاتها وخيراتها؛ وَمِمّا زاد من تأزم هذه الأحوال وتفاقمها؛ ومما مهد للثورة العربية الكبرى ما يأتي:
1- ضعف الدولة العثمانية، وانفصال الأقاليم والولايات عنها، دون أن تحرك الدولة ساكنا.
2- ابتعاد الأتراك (الجمعية القومية التركية) عن الدين الإسلامي وأحكامه، التي كانت تجمع الممالك العثمانية، تحت راية واحدة، وتوحدها تحت شعار وراية الإسلام.

3- الابتعاد عن الدين الإسلامي عند الأتراك وتفشي العلمانية في الأتراك في الحكم، وظهور الجمعيات التركية العنصرية التي أدت إلى ظهور الأحقاد والعداء بين الأتراك وغيرها كالعرب.

4- ظهور ظلم الأتراك (الجمعية القومية التركية) جليا، بقتل وإعدام زعماء العرب وصلبهم على يد جمال باشا والقائد العسكري للأتراك في سوريا، ولم يكتف بذلك القتل والإعدام، بل شتت الأسر العربية الكبرى، وساق الحرائر من النساء إلى الأناضول تحت ستار النفي.

5- محاصرة الأسطول الإنجليزي لسواحل البحر الأحمر، مما أدى إلى المجاعات، وظهور الضائقة الاقتصادية؛ بسبب تعطيل فريضة الحج التي كادت تودي بأهل مكة الذين كانوا يعتمدون على موسم الحج وقوافل الحجيج في معايشهم وأرزاقهم.

6- الاعتقاد السائد في ذلك الوقت بانتصار الإنجليز وحلفائهم، وأن الدائرة ستدور على الأتراك والألمان، وتنقرض الدولة التركية، وتقع بلاد العرب تحت الاستعمار الأوروبي.

7- اعتقاد الشريف الحسين بن علي بخروج الاتحاديين الأتراك عن الإسلام ووجوب قتالهم .
8- أمل الشريف الحسين بن علي في إقامة الدولة العربية الكبرى.

9- وعد الإنجليز للشريف الحسين بن علي بإقامة الدولة العربية الكبرى، وتنصيب الشريف الحسين بن علي خليفة على العرب والمسلمين .
10- تطلع العرب إلى الحرية، والخلاص من الظلم، بعد شنق جمال باشا لزعماء الحركة العربية ومفكريها بتهمة ( الخيانة العظمى) وكان قائداً للجيش الرابع، وحاكما عاما لسوريا.
11- تذمر القبائل البدوية في الحجاز من تشغيل الأتراك لسكة الحديد في الحجاز، لأنها تقطع عليهم أرزاقهم في نقل متاع الحجاج، والاعتياش من ذلك.
وعند النظرة العميقة في أسباب الثورة العربية الكبرى نجد أن الثورة العربية الكبرى قد استمدت أصولها من مصدرين أساسيين هما:
الأول: الوعي القومي العربي، فمثلا في حق العرب أن تكون لهم دولتهم المستقلة الخاصة بهم.
ثانيا: مرتبط بالأصل الأول، ومتفرع عنه، وهو فساد الإدارة العثمانية التي كانت تقودها جمعيات القومية التركية، وبخاصة في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية.
وحدد الشريف الحسين بن علي ومن خلال ميثاق دمشق على خلع دولة القوميين الأتراك (الطورانيون) الذين انقلبوا وسيطروا على الدولة العثمانية، ولقد كانت طموحات العرب في الحرية والاستقلال والانفصال عن الدولة العثمانية تتزايد كلما ظهرت سياسة الإرهاب والقمع العثماني والاستبداد التركي. للأسباب السابقة وغيرها انطلقت الثورة العربية الكبرى صباح التاسع من شهر شعبان سنة ١٣٣٤هـ ، الموافق العاشر من حزيران سنة ١٩١٦م.
فقبيل فجر هذا اليوم، أطلق الشريف الحسين بن علي الرصاصة الأولى بقيام الثورة العربية الكبرى ضد حكم الاتحاديين؛ لتحقيق الوحدة والحريّة والحياة الفضلى، فكانت ثورة التغيير والنهضة وإيذاناً باستعادة الروح العربية لهويتها وسيادتها، وسابق عزها ومجدها، وسعت الثورة إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية للثورة وهي: الحرية، النهضة والوحدة . واستطاعت الثورة تحرير الحجاز وشرق الأردن وفلسطين وسوريا والعراق بقيادة الأمراء : علي، وعبدالله، وفيصل، وزيد، أبناء الشريف الحسين بن علي خلال الفترة من عام ١٩١٦م - ١٩١٨م، وبمبايعة أمراء العرب الذين انضموا إلى جيش الثورة.

النتائج
ثمة عدة نتائج ظاهرة للعيان للثورة العربية الكبرى من أهمها:
1- أوجدت حالة جديدة بين العرب، وبدأت من خلالها مسيرة نهضة العرب.
2- سحق جيش الثورة القوات التركية في الحجاز وأسر 7200 جندي و 187 ضابطا.
3- كان لانتصار الثورة في الحجاز الأثر في شل معنويات الجيش التركي في فلسطين وشرقي الاردن وتعزيز القوات البريطانية.
4- اشتراك جيش الثورة العربية في معارك شرقي الأردن وسوريا ودعم القوات البريطانية في إحراز النصر وهزيمة الألمان والأتراك.
5- إبراز القضية العربية إلى حيز الوجود وعلى مستوى عالمي وانتزاع اعتراف الدول الكبرى بها.
6- بعث فكرة القومية العربية وتبلورها حتى أصبحت عقيدة حية متطورة تتفاعل مع الأحداث.
7- إعادة وحدة العرب الروحية وخلق تاريخ قومي لم يكن له وجود منذ سقوط الدولة العباسية في منتصف القرن الثالث عشر.
8- تحقيق رسالة الثورة بتأسيس الدولة العربية على أساس الشورى حين بويع الحسين بن علي بالملك في 5 ـ 11 ـ 1916 فإنه بدأ بانشاء مجلس الشورى (مجلس شورى الخلافة) الذي بدأ مهامه بمجلس نيابي لدولة حديثة نحو السيادة والاستقلال التام.

نتائج خفيّة
ورغم أن الشعوب العربية لم تجن ثمار الثورة العربية الكبرى، بسبب ضرب بريطانيا بوعودها للعرب بعرض الحائط، وإصدار «وعد بلفور» الذي يضمن لليهود إقامة وطن قومي على حساب السكان الفلسطينيين، رغم ذلك كله، فهناك نتائج خفية وجوهرية للثورة العربية الكبرى، لم تخطر على بال أحد، وهي صيانة الشرف العربي والإسلامي، معجزة للرسول العربي الهاشمي – صلى الله عليه وسلم، وتكريماً لآل البيت الكرام، ومنهم الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه، ويظهر هذا في هذه الرواية عن العابد الزاهد الشيخ حسين الحجازي نزيل المسجد الأقصى المبارك، والعابد المجاور لقبة الصخرة المشرفة، وضريح الشهيد الشريف الحسين بن علي في باحات المسجد الأقصى المبارك ، حيث سئل عما في الثورة العربية من أسرار ونفع للمسلمين، فأجاب قائلاً « إن الإنجليز والكفار يحبون الفتك بالعرض العربي، فأنقذ الله الشرف العربي بثورة الشريف التقي النقي، الشريف الحسين بن علي، كرامة للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، واستطرد الشيخ حسين الحجازي قائلاً: «تصور لو أن الإنجليز قد احتلوا ديار العرب والمسلمين عنوة، ودون حدوث الثورة العربية الكبرى، تصور كم من الفظائع سوف يعملون».

* الحسين بن علي
ومهما يكن من أمر فإن الشريف الحسين بن علي هو رجل وبطل وسيد وقائد الثورة العربية الكبرى، وقد أقدم على ثورته استجابة لدعوة العرب والمسلمين لإقامة خلافة عربية إسلامية نقية من الشوائب. حيث تكررت الدعوة لرئاسة أشراف مكة لحركة الإستقلال العربي قبل الشريف الحسين بن علي في عدة مناسبات، فقد دعا عبد الرحمن الكواكبي في كتابة (أم القرى)، إلى عقد مؤتمر في مكة عام 1898م- 1316ه، برئاسة أحد رجال مكة؛ لتدارس أحوال المسلمين، ووضع وسائل نهضتهم، مؤكداً على المكانة التي يجب أن يحتلها العرب في الإسلام بفضل لغتهم، وشرف نسبهم قائلاً: « إن عرب الجزيرة هم المؤهلون لإعادة مجد الإسلام؛ لأن العناية الإلهية قد حمتهم من الفساد الخلقي الذي أصاب الأتراك». وهكذا بزغ قمر نجد وقمر الحجاز الشريف الحسين بن علي، قائداً للثورة العربية الكبرى، وموجهاً لها، ومدافعاً عن الأمة العربية والإسلامية، وعن مقدساتها، ونفي وضحى بملكة فداءً لعروبتها. وقد صدق الشريف الملك المفدى عبد الله الثاني ابن الحسين، القائل في ذكرى الثورة العربية الكبرى « لقد نفي جدنا وضحى بملكه فداء عروبتها، وأنفق آخر ما يملكه لإعمار المسجد الأقصى المبارك، حتى وصفوه بصديق الأقصى في حياته، وجار الأقصى في مماته». والحمد لله رب العالمين أن الدوحة العربية المصطفوية الهاشمية لازالت أنوارها الساطعة كثيرة للأمة العربية والإسلامية، طريقا للهدى والرشاد والإصلاح والتسامح والإخاء وإغاثة الملهوث، وتصون شرف الأمة ومقدساتها بهبة ربانية تتمثل بالوصاية على المقدسات في مدينة القدس الشريف، وصدق صاحب الجلالة وصاحب الوصاية الأجل الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، حيث يقول صادقاً « وما زال الهاشميون يقومون بمسؤولياتهم وواجباتهم تجاه المقدسات في القدس الشريف». وفي أواخر ديسمبر كانون الأول من عام 1916 تم تنصيب الشريف الحسين بن علي، ملك العرب وذلك بدعم من اشراف الجزيرة العربية والثوار، ‏امتاز الشريف الحسين بن علي، بالكرم والجود والطيب المعاملة وطيب الأصل فهو حفيد رسولنا الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- هذا الكرم وهذا الجود الذي كان سمة الشريف الحسين بن علي في حياتي العامة، ‏حيث كان يقوم بتوزيع المواد الغذائية والذهب في كل مكان وكان يقوم أيضا بتوجيه أبنائه لمساعدة الناس وتقديم العون والمال لهم وهذا من الكرم وطيب المنبت والأخلاق في التعامل الإسلامي الذي تبناه الشريف الحسين في حياته ودفع القبائل الموجودة في شمال الحجاز لمبايعته.
إن الثورة العربية الكبرى هي أهم حدث في تاريخ العرب والمسلمين المعاصر. وأن هذه الثورة الميمونة المباركة هي أساس النهضة العربية الحديثة، وأساس تقدم الأمة وازدهارها وحضارتها، كما أن الشريف الحسين بن علي، هو بطل هذه الثورة وقائدها إلى شط الأمان، ولقد ضحى الشريف الحسين بكامل ما يملك، وبنفسه الشريفة في سبيل رفعة أمته وتحررها واستقلالها، وإعادة سابق عزها لها، كما أن الشريف الحسين بن علي خدع، وغدر به المستعمر، وفارق الحياة، إلا أن رحيله عنا بالجسد قد عوضنا الله عن ذلك، بوجوده بيننا بشكل دائم بالروح يستنهض الأمة للقيام بالثورة عزة وكرامة لهذه الأمة.
لقد تم الاستعانة لتوثيق معلومات هذا المقال بعدد من المراجع:
1- نشرة للدكتور هيثم إبراهيم عريقات، بعنوان الشريف الحسين بن علي رجل الثورة العربية الكبرى.
2- الثورة العربية الكبرى، د. أمين السعيد، مكتبة مدبولي، القاهرة، دون تاريخ للطباعة، ح1/ من ص 124-125.
3- مقابلة الأستاذ الدكتور حسين الدراويش، أستاذ البلاغة والإعجاز القراني في جامعة القدس، في بيته يوم الأربعاء 25-5-2016م الساعة الثالثة مساءً.
4- http://revfacts.blogspot.com/2011/05/1916.html
5- كتاب أم القرى، عبد الرحمن الكواكبي، المطبعة المصرية، الأزهر، 1931.
6- خطاب صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله للشعب الأردني بمناسبة عيد استقلال المملكة الأردنية الهاشمية السبعين، والثورة العربية الكبرى، في 24-5-2016.