أ.د. رامي عويس
تعد التصنيفات العالمية للجامعات من أهم الوسائل التي يتم من خلالها الحكم على المستويات الأكاديمية في قطاع التعليم العالي وفقاً لمعايير وشروط يتم تحديدها بموضوعية علمية. ويعمد كل نظام تصنيفي لوضع ترتيب تسلسلي للجامعات لبيان مدى توافر االشروط العلمية والبحثية الضابطة لجودة البيئة التعليمية على مستوى عالمي، ليتم نشر نتائج التصنيفات العالمية التي تتضمن ترتيب الجامعات سنوياً على مستوى العالم لبيان مدى تطوّرها والنقلات النوعية التي تحدث في مسيرتها العلمية والأكاديمية.
هناك العديد من التصنيفات العالمية للجامعات، اهمها ثلاثة تتباين وفق معايير التقييم ونقاط الثقل والمفاضلة وهي؛ تصنيف التايمز للجامعات العالمية والذي تنشره مجلة التايمز البريطانية التي تُعنى بشؤون الجامعات والترتيب العالمي لها وفق معايير شموولية، و تصنيف كيو إس الذي تنشره مؤسسة كواكوارلي سيموندز البريطانية، بالإضافة للتصنيف الأكاديمي للجامعات العالمية
يعد تصنيف التايمز البريطاني أحد أبرز التصنيفات العالمية موضوعية وشفافية في الحكم على مستوى الجامعات في العالم، ونستطيع تعريف تصنيف التايمز بأنه القائمة السنوية النهائية التي تشمل أفضل الجامعات في العالم بعد تقييمها وفقاً لعدة معايير. ويصدر هذا التصنيف عن مجلة التايمز البريطانية التي تأسست عام 2004 وذاع صيتها عالمياً نتيجة تحريها النزاهة والموضوعية في الطرح والتقييم، وقد تم تطوير و إعداد منهجية شاملة و متوازنة خاصة بتصنيفات المجلة بالتشاور مع الجامعات الرائدة في العالم والتي تحظى بثقة الطلبة والأكاديميين، بالاضافة الى الاخذ بأراء الادارات الجامعية والصناعة والحكومات سعياً لتوفير المقارنات الأكثر شموليةً ودقة.
يوجد شروط محددة للجامعات ذات الطابع البحثي (شروط أهلية) التي يسمح لها بدخول سباق تصنيف التايمز العالمي، إذ يتم استبعاد الجامعات التي لا تطرح برامج بكالوريوس وتلك التي تقتصر في نشاطها التدريسي على مجال معرفي ضيق أو لديها مستوى من الأعمال البحثية يقل عن 200 بحث علمي سنوياً محكم ومنشور ويستثنى من هذا الشرط الجامعات المتخصصة في حقول معينة مثل الهندسة والفنون والعلوم الإنسانية والتي تسجل اعمال بحثية منشورة بشكل كبيراً رغم انخفاض المنتوج البحثي العام للجامعة.
وهنا لا بد من معرفة ماهيّة معايير التقييم وفق تصنيف التايمز وكيفية احتساب النتائج، إذ تنقسم معايير التقييم الرئيسية لتصنيف التايمز لخمسة معايير يتفرع عنها ثلاثة عشرة مؤشراً فرعياً تُفصّل عناصر تقييم دقيقة لكل معيار وتتفاوت في النسب المعطاه لكل منها لينحصر التصنيف بتقييم المؤشرات التالية:
1. الاستشهادات العلمية: وهو دلالة على التأثير البحثي للجامعة والذي يشغل ثقلاً في التصنيف بنسبة تبلغ 30 %،حيث يتم من خلال هذا المؤشر حساب العدد الكلي للاستشهادات الخاصة في أبحاث الجامعة المنشورة والموثقة وتحديد مجالات تلك الأبحاث لتكوين صورة شمولية عن نوعية الأبحاث الأكثر استشهاداً من قبل الباحثين في العالم
2. الأبحاث: ويضم العدد، السمعة، الدخل المتأتي منها، ويشغل هذا المؤشر بجزئياته ما نسبته 30% من مجموع النقاط الكلي للتقييم على النحو التالي:
• العدد: يتم من خلال هذا المؤشر قياس إنتاجية الجامعة البحثية كمّاً وفق معادلة حسابية مدروسة تتضمن عدد الأبحاث العلمية المنشورة في مجلات عالمية محكمة وعدد أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعة بالإضافة لمجالات البحث، ويشكل هذا المؤشر نسبة 6% من مجموع النقاط الكلي.
• السمعة: يتم قياس هذا المؤشر الفرعي من خلال عمل استبيانات سنوية بما يفوق 20000 استبياناً ويتم من خلالها استقصاء السمعة الأكاديمية للجامعة مقارنة بمثيلاتها من الجامعات العالمية، وتخصص لها ما نسبته 18% من مجموع النقاط الكلي.
• الدخل: ويقصد به الدخل السنوي المتأتي للجامعة من خلال الأبحاث العلمية التي تُجرى فيها ويشكل هذا المؤشر ما نسبته ٦٪ من مجموع النقاط الكلي ويقيس نسبة الدخل البحثي وفق معادلة رياضية تشمل عدة متغيرات أهمها عدد أعضاء هيئة التدريس في الجامعة، والوضع الاقتصادي والدخل القومي في الدولة، والقوة الشرائية، ومجال البحث حيث أن الدعم المالي يتفاوت بين الحقول المعرفية إذ يرتفع مستوى الدعم المقدم للبحوث العلمية مقارنة بالبحوث الأدبية والاجتماعية والفنية.
3. البيئة التعليمية، ويتم من خلالها تقييم واقع حال البيئة الجامعية باستخدام عدة مؤشرات فرعية بنسبة 30% من نقاط التصنيف وتأتي على النحو التالي:
• نتائج استبيانات شركة ثومبسون رويترز لقياس السمعة البحثية والتعليمية للجامعات والتي تشكل ما نسبته 15 % من نسبة التقييم يتم حسابها بجمع نتائج استبيانات بحثية عالمية يشارك بها علماء وباحثون من كل أنحاء العالم بما يفوق 20000 استبياناً.
• عدد شهادات الدكتوراة الممنوحة من قبل الجامعة مع الأخذ بعين الاعتبار عدد أعضاء الهيئة التدريسية إضافة لتنوع التخصصات في الجامعة من خلال معادلة رياضية تأخذ تلك المتغيرات بعين الاعتبار، ليشغل هذا المؤشر نسبة 6% من التصنيف.
• نسبة أعضاء هيئة التدريس إلى الطلبة والتي تشكل نسبة 4.5%.
• نسبة طلبة الدراسات العليا إلى طلبة البكالوريوس التي تعكس نشاط البيئة البحثية في الجامعة، حيث وجد أن العلاقة طردية بين عدد طلبة الدراسات العليا والنشاط البحثي في الجامعة، ويشكل هذا المؤشر ما نسبته 2.25٪ من مجموع نقاط التصنيف الكلي.
• دخل وميزانية الجامعة بما نسبتة2.25 ٪ من مجموع نقاط التصنيف مقارنة بعدد أعضاء هيئة التدريس الكلي مع مراعاة القوة الشرائية في كل دولة ووضعها الإقتصادي.
4. النظرة العالمية للجامعة ويشكل هذا المؤشر ما نسبته 7.5 % من مجموع النقاط الكلي للتصنيف، ويحدد هذا المؤشر كفاءة الجامعة في استقطاب الطلبة والباحثين والمدرسين الأجانب وفقاً للتفصيل التالي:
• 2.5٪ من النقاط تحددها نسبة الطلبة المحليين للطلبة الأجانب وهومعيار يتم من خلاله قياس كفاءة الجامعة في استقطاب الطلبة من شتى دول العالم.
• 2.5٪ من النقاط تحدد من خلال نسبة أعضاء هيئة التدريس الأجانب إلى المواطنين للدلالة على قدرة الجامعة لاستقطاب الكفاءات العلمية عالمياً.
• 2.5٪ من النقاط يتم حسابها وفق معادلة رياضية لقياس نسبة وجود باحثين من جامعات عالمية ضمن الأبحاث المنشورة من قبل اعضاء هيئة التدريس في مجلات عالمية علمية محكمة.
5. الدخل المالي الناتج عن التعاون مع القطاع الصناعي: الإبداع ويشكل ما نسبته 2.5% من مجموع النقاط الكلي للتصنيف ويحمل هذا المؤشر مدلولات مهمة حول نشاط وفاعلية نقل المعلومات في الجامعة وتوافر عناصر الربط مع الصناعة مما يعزز رغبة الجهات الصناعية في الدولة باستقاء المعرفة من الجامعة والتعاون معها في جو من الثقة الخلاقة كدليل على كفاءة الجامعة ومقدرتها على استقطاب الدعم المادي من القطاع الصناعي، ويتم حساب هذا المؤشر من خلال معادلة تدخل فيها نسبة دخل الجامعة من الدخل الصناعي إلى عدد أعضاء هيئة التدريس في الجامعة.
وتجمع بيانات التصنيف التي سبق ذكرها بحيث تقوم الجامعات بتسجيل بياناتها بمصداقية معززة بوثائق رسمية في نظام خاص وتخضع لرقابة تامة تقوم فيها مؤسسة عالمية مرموقة هي PricewaterhouseCoopers (PWC)، يتم بعدها إعداد قواعد بيانات تفصيلية وتحسب تالياً نقاط لكل جامعة في كل معيار من المعايير الأساسية وتجمع في جداول خاصة تؤهل الجامعات البالغ عددها 26368 حول العالم للدخول في سباق التصنيف العالمي. تأهل هذا العام، وفقاً لشروط الاهلية من تلك الجامعات التي قدمت طلباً للمشاركة في التصنيف ما عدده 2150 جامعة، قام فريق العمل في مجلة التايمز بتصنيف قواعد البيانات الخاصة بـها من خلال تحليل ما يقارب المليون معلومة بيانية تخص كل جامعة وقد بلغ معدل وصول المجلة لوسائط الإعلام العالمية في عام 2016، نحو 700 مليون شخص.
أصدرت مجلة التايمز الترتيب العالمي للجامعات لعام 2018 من خلال قائمة بأفضل 1000 جامعة على مستوى العالم، جاءت جامعة أكسفورد في المركز الأول للسنة الثانية على التوالي، في حين صعدت جامعة كامبريدج من المركز الرابع إلى المركز الثاني، ووفقاً للتصنيف تحتل الجامعات الأوروبية نصف عدد أفضل 200 جامعة، خاصة بعد انضمام ألمانيا وإيطاليا، واسبانيا، بالاضافة الى هولندا التي سجلت حضوراً لافتاً في التصنيف،.وثمة اتجاه ملحوظ آخر يتمثل في استمرار تسجيل الصين ارتفاعاً ملحوظاً لجامعاتها حيث تعتبر موطناً لجامعتين تقعان ضمن أعلى ثلاثين جامعة في العالم هما بكين وتشينغهوا، مما يشير إلى أن التزام الدولة في عملية ربط استثماراتها مع الصناعة قد عزز النتائج السنوية للتصنيف. وعلى النقيض من ذلك، فإن خمسي المعاهد والجامعات الأمريكية التي كانت تقع في المراكز ال 200 الأولى (29 من أصل 62) أخلت أماكنها في التصنيف مسجلة تراجعاً فادحاً. هذا وقد شمل جدول النتائج الخاص بتصنيف التايمز البريطاني 77 بلداً، جاءت فيه جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية ضمن أعلى 500 جامعة على مستوى العالم. ومما يعزز مصداقية تقييم التايمز هو توافق نتائجه واتساقها مع نتائج التصنيفات العالمية الاخرى، ففي ذات الوقت الذي تقدمت فيه جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية في تصنيف التايمز تقدمت كذلك في تصنيف ال QS، ويعزى تفاوت مقدار قفزة الجامعة بين التصنيفين لاختلاف الاوزان التي تعطى للمعايير المعتمدة فيهما وتباينها. أحتلت جامعة العلوم والتكنولوجيا المرتبة الثالثة على المستوى العربي مناصفة مع قطر بعد أن حققت قفزة متميزة في ظل وجود تنافسية عالية مع الجامعات العربية على الرغم مما يتوفر للعديد منها من دعم حكومي ووفرة في ميزانياتها خاصة تلك الموجودة في الخليج العربي فوضعت بصمة عالمية وعربية مشهودة تعود لتميزها على مدى سنوات طويلة في عدة جوانب بحثية وعلمية وأكاديمية واحتضانها لصفوة من الباحثين بالاضافة لسياسات الابتعاث لخريجيها الاوائل على مدى عقود طويلة.
وليكون الطرح موضوعياً بما يتعلق بتصنيف التايمز مقارنة مع التصنيفات الأخرى نستطيع القول بأن هذه التصنيفات العالمية هي عبارة عن نماذج تحمل عدة جوانب إيجابية وأخرى قابلة للتحسين فعلى سبيل المثال يعاني تصنيف شنغهاي العالمي من أعتماده على معايير تركز على قوة الجامعة في مجال البحث العلمي مع إغفال جانب جودة التعليم وعدم التركيز على استقراء آراء الخريجين والاكاديمين لنجده يعاني من ثبوت الترتيب مع تغيرات طفيفة على النتائج. كذلك يعاني نظامي التايمزو الكيو أس من الاعتماد على نتائج الاستبيانات بنسب متفاوتة جاءت في التايمز بما يساوي 32% بينما في الكيو اس هي 50% لكن كلاهما يمنح المراقب نظرة شاملة عن جودة التعليم في الجامعة.
يستطيع القارئ استناداً الى ما تقدم بناء تصور كامل عن تصنيف التايمز العالمي للجامعات، يتضح من خلاله مدى دقة هذا التصنيف وموضوعيته في القياس وشمولية مؤشراته المعيارية مما يجعله تصنيفاً موثوقاً عالمياً يقدم صورة حقيقة عن جودة التعليم في الجامعات ويسلط الضوء على نقاط الضعف والقصور في أدائها.
* مساعد رئيس جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية لشؤون التصنيفات العالمية للجامعات والاعتمادات الدولية