الهلال الشيعي حقائق وتداعيات

19/10/2017


محمود ذوقان المطر

 

• لقد حذرت القيادة السياسية الأردنية بحكمتها وبصيرتها المعهودة دائما» منذ عام 2004 من خطورة تبلور ما يسمى بالهلال الشيعي الممتد من بحر قزوين شرقا « وحتى الشواطئ الشرقية للبحر المتوسط غربا», حيث لم يرد في خلد جمهور الناس في أرجاء الوطن العربي أن الظروف السياسية والإستراتيجية ستّحول هذا المصطلح السياسي إلى واقع حقيقي ملموس على الارض, فمنذ احتلال العراق للكويت عام 1990 وتداعياته المقيتة بدأت التغييرات السياسية والجيوبوليتكية تتغير في إقليم الشرق الأوسط, ثم جاءت بعدها أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتقلب موازين القوى الدولية لصالح النفوذ الايراني, حيث تخلصت تماما» من ألد خصمين تقليديين المتمثل في إنهاء حكم حركة طالبان في افغانستان وتدمير وسحق نظام البعث الذي كان يقود جمهورية العراق, وأخيرا» وبعد تطور أحداث الربيع العربي إلى حروب أهلية وطائفية طاحنة في سوريا والعراق واليمن وبالتوازي مع ظهور عصابات التطرف والإرهاب وإجماع الموقف الدولي على محاربتها والقضاء عليها، تبلور موقف إستراتيجي جديد له معطيات ونتائج خطيرة أهمها انها وسعت من دائرة النفوذ والسيطرة الإيرانية والقوى المتحالفة معها على دول الهلال العربية, وعليه فإن البيئة الدولية والإقليمية وما حدث فيها منذ عام 1990 قد خدمت أهداف وطموحات إيران الإستراتيجية التوسعية وقدمت لهّم إنتصارات متعددة وعلى طبق من ذهب دون بذل خسائر بشرية ومادية مقارنة مع حربها الطويلة مع نظام صدام حسين في عقد الثمانينات.

 

• وهنا لا بد لنا وبعيدا» عن النظرة الطائفية أن نطّلع على حقائق مهمه يمكن من خلالها التعرف على طريقة التفكير الإيراني الموصوفة بالدهاء ومحاولاته المستميتة للسيطرة على دول الهلال العربية ( العراق, سوريا, لبنان ) وحتى يمكننا الولوج في النهاية إلى عمق مطامع إيران التوسعية وغاياتها من هذه التدخلات غير المسبوقة بدول المنطقة, وحتى نصل إلى تقييم متدرج ومفيد فلا بد لنا أن نجيب على ثلاثة اسئلة كبيرة مهمة, أولها: ما هي المزايا الإستراتيجية الجغرافية للهلال الشيعي الموعود والتي من الممكن أن تستغلها ايران لتؤسس حلم الأمبرطورية الشيعية المنتظر؟ , وثانيها: كيف تم إدارة معركة الإرهاب والتطرف خلال الثلاث سنوات الماضية والتي أدت إلى مزيد من السيطرة والهيمنة الإيرانية على دول الهلال المفترض؟, وثالثهما: ما النتائج الإستراتيجية المتوقعة إذا تمكنت إيران والقوى المتحالفة معها من إكمال السيطرة والهيمنة على كامل جغرافية الهلال الشيعي المفترض؟.

 

• وحتى لا نطيل على القارئ الكريم في إجابتنا على السؤال الاول حول المزايا الإستراتيجية فاننا لن ندخل في عالم الأرقام حول إثبات هذه الحقائق لان المقال لا يتسع لها وهي بنفس الوقت مزايا يعرفها الكثير من جمهور القراء والمثقفين في أرجاء الوطن العربي الكبير, وعودة على صلب الموضوع فأن الميزة الإستراتيجية الأولى لجغرافية الهلال هي في وفرة الطاقة, ويكفي هنا أن نعرف بأنّ العراق يعد من دول الصف الأول في انتاج النفط ويملك أكبر احتياطي نفطي في العالم بعد السعودية، وحتى إيران نفسها تصدر كميات كبيرة من النفط وتحتل المركز الرابع عالميا» في احتياطي النفط, ناهيك عن سوريا حيت تنتج كميات كافية للاستهلاك الداخلي ولم تكن تستورد من الخارج, وهناك ايضا» إنتاج جيد من الغاز والمصادر المعدنية الأخرى غير الكميات المتوقع اكتشافها خاصة في شرق المتوسط, وبالنتيجة فإنّ هذا الهلال يعد من أغنى المناطق الجغرافية عالميا» في الطاقة, أما الميزة الثانية فتكمن في وفرة المياة فجميع دول الهلال تتوفر فيها كميات كافية من مصادر المياة وتعد من أغنى دول الإقليم مقارنة بالأردن ودول الخليج العربي, ولديها الإمكانيات الكبيرة في إستخدامها لخدمة الصناعات الثقيلة سواء كانت عسكرية أو مدنية وحتى في انتاج الطاقة النووية المستهلك الأكبر للمياة, اما الميزة الاستراتيجية الثالثة فتكمن في إتساع وخصوبة المساحات الجغرافية الصالحة للانتاج الزراعي والحيواني وإلى ما يزيد عن الاكتفاء الذاتي وبكميات لا تقل أهمية عن موارد الطاقة خاصة مع توفر مصادر مائية كافية تسهم في رفع سقوف الانتاج, أما الميزة الإستراتيجية الرابعة فهي توفر قدرا «جيدا» من التكنولوجيا الصناعية خاصة في دولة المركز ( إيران ) تستطيع تطويرها وبصورة متسارعة بسبب وجود الموارد المالية الضخمة المتوفرة في دول الهلال وقدرتها العالية على توطين التكنولوجيا وشرائها من مصادر مختلفة, والاهم هنا ومن خلال الإطلاع المختصر على هذه المزايا الإستراتيجية المهمه والتي تعرف إيران أهميتها أنها مزايا يمكن لإيران إستغلالها للإرتقاء والوصول سريعا» الى مصاف الدول العظمى أو على الأقل تكون القوة الكاسحة ومركز الثقل الإستراتيجي في إقليم الشرق الأوسط, خاصة» إذا تمكنت من الحصول على الخيار النووي والتي لا تزال تعمل جاهدة» للحصول عليه وعلى الرغم من التوصل للإتفاق النووي الأخير والذي يعتقد الكثير من الخبراء والباحثين أنه لن يوقف إيران من السعي لإمتلاك هذه القدرة كونه يرتبط ارتباطا «وثيقا» مع تكنولوجية التصنيع العسكري والذي لا يزال جانبا «غامضا» وغير خاضع للمراقبة والتفتيش الدولي مثلما كان في العراق, يجب علينا أن نعي وندرك أنّ الطموح الايراني يمكن له أن يتحقق اذا ما أستطاعت إستكمال هيمنتها على دول الهلال المفترض وأصبح لها اليد الطولى عليه, يساعدها في ذلك القوي والتيارات الموجودة في هذه الدول والتي تدين بالولاء والطاعة للولي الفقيه من ناحية أو لرد الجميل لها لوقفتها معهم خلال السنوات الماضية من ناحية اخرى.

 

• أما فيما يتعلق في إدارة معركة الإرهاب والتطرف والتي نحاول فيها الإجابة على السؤال الثاني فإن النتائج منها كانت كارثية وتعدت ما خلفته أحداث الحادي عشر من سبتمبر لصالح النفوذ الإيراني, فبالرغم من أهمية القضاء على عصابات التطرف والإرهاب وتجنيب الأمة مخاطر الدخول في حقبة ظلامية إلا ان كل عمليات التحالف سواء كانت في العراق أو سوريا قد أدت دورها في خدمة المشروع الإيراني والقوى المتحالفة معها, مع إدراكنا الكامل أنه لولا طيران دول التحالف وخبراتها القتالية لما استطاعت المليشيات الإيرانية ولا حتى الجيش العراقي او السوري استعادة مدينة واحدة من قوى الإرهاب والتطرف, وهنا نعتقد بأن التحالف أصطف خلف لافتة مكافحة الإرهاب والتطرف دون النظر للبدائل المستقبلية بعد تلاشي غبار المعركة, فمثلا لماذا لم تترك المليشيات والقوى المتحالفة مع النظام الايراني تواجه مصيرها مع الإرهابيين حتى تصل لدرجة التوسل والركوع بطلب النجدة والدعم من دول التحالف, وعندها يمكن التوقيع على اتفاقيات أمنية ملزمة تمنع هذه القوى من فرض السيطرة والنفوذ لصالح الدولة الإيرانية, وايضا» هل كان العالم عاجزا عن توحيد العديد من الفصائل المعتدلة إسلامية وغير إسلامية على الارض السورية ودعمها بغية تحقيق أدنى معدلات التوازن بالموقف الاستراتيجي مع قوات النظام خدمة لتحقيق السلام في سوريا المبني على توازن الردع ولمنع إيران من التفرد في النفوذ على الأرض السورية, الكثير منا يعتقد أن إدارة معركة الإرهاب والتطرف شابها الكثير من الأخطاء الإستراتيجية وعدم استشراف المستقبل, وأنه من المؤسف حقا» أن الأمور لا تزال تسير بنفس الوتيرة رغم إنهيار قوى التطرف والإرهاب وأصبحت قوى هامشية ليس لها موازين إستراتيجية على الأرض, وحتى نتفهم هذا الأمر الخطير جيدا» فإنه من الواجب علينا أن نفهم التصريحات الإيرانية الأخيرة حول أن الجيش السوري والمليشيات التابعة له ستقوم بإقتحام الرقة رغم أن معظم اجزاء هذه المحافظة تحت سيطرة مليشيات كردية غير محسوبة على قوى التطرف والإرهاب, إن الامر ليس المقصود به قوى التطرف والإرهاب وأنما هي رغبة في الهيمنة والسيطرة فمعركة البوكمال والرقه يقصد بها من المنظور الإيراني وجود اتصال بري حدودي مع العراق لفتح المجال وحرية الحركة لها عبر العراق إلى سوريا ثم لبنان خدمة لطموحاتها التوسعية في المستقبل.

 

• إن النتائج الإسترتيجية المستخلصة من الموقف الراهن والمتعلقة بإجابتنا على السؤال الإخير لها علاقة مباشرة مع تطور الأحداث بخاصة في سوريا والعراق ويبدو لنا أن ملامح النتيجة الإستراتيجية الأولى والمتعلقة باستكمال السيطرة والهيمنة على دول الهلال الشيعي أصبحت قاب قوسين أو أدنى والأمر فقط يتعلق بعامل الوقت حيث يتم قضم المساحات والأراضي من قبل القوى المتحالفة مع إيران خاصة» مع إنهيار القوة العسكرية للأكراد في شمالي العراق والذي تبين أنها كانت عبارة عن نمر من ورق تطايرت أشلاؤه مع هبوب أول العاصفة, ولا ريب هنا ان عمليات استكمال السيطرة ستستمر إلا إذا أصطدمت المنطقة بحروب جديدة توقف هذا التقدم وتغير واقع الحال, وهذا الأمر ليس مستبعدا» ومؤشراته بدت تلوح في الأفق, اما النتيجة الاستراتيجية الثانية فلها علاقة بمدى الامال والطموحات العربية للتعامل السياسي والاقتصادي والاجتماعي مع دول الهلال العربية والذي أعتقد جازما» أنه لن يكون تعاملا إيجابيا مبنياً على رغبات الطرفين بل سيكون محكوما» برغبات الدولة الايرانية وحسب ما تقتضيه أجندتها الراغبة في تنفيذها بخاصة الموضوع الطائفي والذي يشكل حجر الأساس في تعاملها مع العالم العربي لنشر أفكار ومبادئ المذهب الشيعي, أما النتيجة الاستراتيجية الرابعة فتتعلق باحتمالية نقل ثقل المعركة إلى اليمن وعلى إعتبار أن معركة العراق وسوريا قد شارفت على الإنتهاء, وهذا معناه خلق تهديد استراتيجي كبير لمركز الثقل الاستراتيجي السياسي والإقتصادي والديني العربي المتمثل بالمملكة العربية السعودية وقد يغدون قادرين على حسم معركة اليمن لصالحهم من خلال توحيد الجهود وعمليات التزويد بالأسلحة وبتوجيهات ايرانية, وبالنتيجة سيتورط العالم العربي بالتعامل مع البدر الشيعي بعد أن كان هلالا, اما النتيجة الاخيرة والحاسمة فلها علاقة بالوضع الراهن الذي توصلت اليه ايران والذي لن يقف عند حدود الهلال الشيعي المفترض بل سيزداد عبثها وتدخلها بالدول العربية المجاورة بخاصة دول الخليج العربي بسبب المكون الشيعي فيها والذي يدين بالولاء والطاعة للولي الفقيه, وهذا الأمر ليس بحاجة الى إثبات لأن له شواهد وسوابق كثيرة عانت منها العديد من الدول العربية, ولكن التطور الأهم هنا أنه مع الزيادة في توفر الموارد المالية وغير المالية التي توصلت اليها إيران حتى الوقت الراهن سيدفعها إلى التخريب وإرسال الأسلحة وشراء الذمم من خلال الخلايا النائمة المنتشرة في كافة الدول العربية وسيكون التهديد مختلفا» هذه المرة وسيصل الى درجة ان يكون وجوديا» للعديد من الدول.

 

• وفي الختام نقول إن طرحنا لهذا الموضوع ليس لأجل الخلاف العقدي مع إخواننا الشيعة ولا تحيزا» لعرق دون آخر بل لادراكنا الكامل بان الدولة الايرانية تخفي مشروعا«توسعياً» عنصريا» للسيطرة واقصاء الآخر وانطلاقا من قوميتها الفارسية وهي تستخدم أفكار ومبادئ المذهب الشيعي كحجة وذريعة للوصول للغايات والطموحات المنشودة, وأكبر دليل على ذلك عدم إكتراثها وإهتمامها لمقتل عشرات الالوف من ابناء المذهب الشيعي في سوريا والعراق واليمن وتستخدمهم كوقود نار في معاركها المختلفة, ووصل الامر بها إلى جلب فقراء الشيعة من مختلف أرجاء الارض بخاصة من افغانستان والباكستان مقابل المال ليقاتلوا في سوريا والعراق واليمن دون الإكثراث لنهايتهم ومصيرهم المحسوب, لقد تطور الأمر وأصبح مرعبا مأساوياً», ويجب علينا أن لا نبني الطموحات والامال كشعوب وحكومات على وعود الاستقرار ونهاية حروب الإرهاب, فمن مأمنة يؤتى الحذر ويجب علينا دائما» أن يكون لدينا خيارات سياسية وإستراتيجية متعددة نستخدمها في الزمان والمكان المطلوبين للحفاظ على أوطاننا خاصة في الاردن الدولة التي تقع على شفا جرف هارٍ من لهيب النار, حمى الله الاردن وأهله بلد الصابرين القابضين على الجمر وندعو الله العلي العظيم أن يحفظ قيادته وتبقى راياته الهاشمية فوق القمم.