د.هزّاع المجالي
لقد تطورت ظاهرة الفساد تطوراً كبيراً ولم يعد يقتصر مفهومها على رشوة أو اختلاس موظف بسيط، بل باتت أكثر تعقيداً وتنظيماً وانتشاراً واحترافية، وأصبحت تؤثر بشكل فعال على اقتصاد الدول.
على الرغم من خطورة جريمة الفساد فلم يتفق العالم على تعريف محدد لجريمة الفساد، ويعود ذلك لتداخل توصيف جريمة الفساد مع توصيف جرائم أخرى مثل جرائم السرقة والنصب والاختلاس واساءة الأمانة وغيرها من الجرائم، ومن الجدير بالذكر أن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2003، لم تضع تعريفاً جامعاً مانعاً للفساد تتفق عليه جميع الدول، في حين استقر الأمر الاتفاق على تعريف شامل وواسع للموظف العمومي الفقرات (أ ب ج، من المادة 2).
لذلك نجد أن الأنظمة والتشريعات الأردنية، حالها حال الدول الأخرى، قد خلت من تعريف مباشر للفساد، بل أنها أيضاً اختلفت على تعريف جامع للموظف العام يتفق وما جاء في تعريف الدستور الأردني للموظف العام المادة (76) سواء كان ذلك في نظام الخدمة المدنية أو في قانون العقوبات أو حتى في الأحكام القضائية.
إن الفساد كان ومازال آفة مجتمعية تواجه كل الدول من دون استثناء ذلك أن الفساد ظاهرة اجتماعية نفسية ترتبط برغبة إنسانية في الحصول على مكاسب مادية أو معنوية من دون وجه حق شرعي، وهو يعلم بانها غير مشروعة ويعاقب عليها القانون، وعليه يمكننا أن نعرف الفساد بانه: عمل لا أخلاقي وغير قانوني يقوم به الشخص بقصد الحصول على منفعة شخصية.
أنواع الفساد الإداري
يتعلق الفساد الإداري بمجمله بالانحرافات السلوكية الإدارية المخالفة للقواعد والأحكام التي تنظم العمل في الإدارة العامة. إن جميع مؤسسات الدولة باختلاف مسمياتها تخضع عند نشأتها لقوانين تهدف إلى تنظيم أعمالها، والأصل أن القوانين وما يتبعها من أنظمة وتعليمات تستند إلى مبادئ العدالة والانصاف وتهدف إلى تحقيق المنفعة العامة وخدمة المواطنين (حقوق) في مقابل التزام المواطنين بتأدية ما يترتب عليهم من (واجبات) مثل: الضرائب والرسوم فتكون المصلحة مشتركة قائمة على تحقيق المنفعة العامة وعلى قاعدة التوازن بين الحقوق والواجبات.
عندما يصبح هناك خلل أو انحراف لدى الإدارة والعاملين في تطبيق مفهوم منظومة الحقوق على حساب الواجبات، فان ذلك بلاشك يؤدي إلى الانحراف عن المسار الصحيح ويفرز مجموعة من السلوكيات المخالفة تؤدي إلى الاضرار بالمنفعة العامة لصالح المنفعة الخاصة.
إن الفساد الإداري له أشكال وأنواع مختلفة مثل الفساد المالي والفساد الأخلاقي والفساد الاجتماعي، وعلى الرغم من أن الفساد الإداري والمالي يعدّان وجهان لعملة واحدة فكليهما فساد يؤديان إلى الاضرار بالمال العام وبالمنظومة الإدارية والاقتصادية للدولة، سوف نضع معيار (المنفعة المادية) كأساس للفصل بينهما، فالفساد الذي يتم من دون تقاضي منافع مالية سوف نعدّه فساداً إدارياً، بينما الفساد الذي يتم مقابل منفعة مالية سوف نصنفه بانه فساد مالي، وهنا سوف نحاول بإيجاز استعراض تلك الأنواع أو الأشكال من الفساد حتى يستطيع القارئ التمييز بينهما.
أولاً: الفساد الإداري
ان القوانين والأنظمة والرقابة لا تكفي وحدها لضبط سلوكات الموظف فلا بد من تعزيز المنظومة القانونية بمجموعها الادبيات والقيم السلوكية، المستمدة من الأعراف الاجتماعية والدين والتربية والأخلاق والأدب وغيرها من القيم الاجتماعية التي تعزز من حسن قيام الموظف بمهامه على أفضل وجه، وسوف نحاول هنا التسليط على أهم اسباب الفساد الإداري على شكل نقاط منها:
1- استغلال ثغرات القانون
في كثير من الأحيان يستغل العاملون في المؤسسات بعض الثغرات القانونية للاستفادة منها في تحقيق مصالح شخصية أو فئوية أو عرقية لاسيما فيما يتعلق بالصلاحيات الممنوحة لهم وفقاً لمسميات مثل: «السلطة التقديرية أو المصلحة العامة، الاستثناءات»، و التي نصت عليها القوانين والأنظمة لغأيات محددة.
2- استغلال وسائل التكنولوجيا
رغم ان التكنولوجيا أصبحت في عصرنا جزءا رئيسيا من عمل الإدارات في مؤسسات الدولة وتعتمد عليها بشكل كبير لما لها من فوائد توفير الجهد والوقت والمال، ولكن لم يمنع من تفشي ظاهرة الفساد(جرائم الكمبيوتر/الحاسوب) التي أصبحت الآن من أشد وأخطر الجرائم التي تواجه الدول حتى المتقدمة منها، فليس من السهل اثباتها وهي عالمية أي بمعنى يمكن ارتكابها من دولة إلى دولة أخرى.
3- الواسطة والمحسوبية
وهذا النوع يعدّ أكثر أشكال الفساد انتشاراً وتاثيراً على المستوى الإداري والمالي للدولة، إلا أنه لا ينظر إليها الكثيرين على المستوى الاجتماعي بانها جريمة فساد، بل وسيلة يستخدمها الناس لدى المتنفذين والعاملين في الإدارة لقضاء حاجاتهم حتى وإن كانت مخالفة للقانون.
4- الفساد الاخلاقي
لابد من التاكيد على أن الانحراف السلوكي لدى الأفراد ليس بالضرورة ذو طابع جرمي، ولكنه في كثير من الأحيان يكون انعكاسا لواقع بيئة اجتماعية وثقافية، فمن كان لديه طباع مثل: العدائية، والتعصب، الأهمال، المحسوبية، المحاباة، وعدم احترام القيم الاجتماعية والقانونية لابد أن ينعكس ذلك على عمله، وعلى زملائه العاملين معه وعلى علاقاته بمتلقي الخدمة (المواطنين).
ثانياً- الفساد المالي
يمكن تعريفه بانه: استغلال أو إهمال للقانون للحصول على مكاسب مادية أو معنوية بطرق غير شرعية للحصول على منفعة شخصية، يشير تقرير منظمة الشفافية العالمية الصادر عام 2005 أن حجم الفساد المالي في العالم العربي يقدر (بثلاثمئة بليون دولار)، وأن حجم الفساد في العالم يقدر (بألف بليون دولار)، أي أن ثلث الفساد العالمي تقريباً مركزه الوطن العربي وحده، فكيف لو شمل التقرير أنواع الفساد الأخرى الأخلاقية والبيئية والإدارية والتعسف في استغلال السلطة وغيرها من أشكال الفساد الأخرى، وسوف نحاول قدر الامكان تسليط الضوء على بعض أنواع الفساد المالي وفقاً للأهمية على سبيل المثال وليس الحصر.
1- الرشوة: تعدّ الرشوة من أكثر أنواع الفساد المالي التي تتم بطريقة غير مشروعة وقد جرم المشرع الأردني الرشوة في قانون العقوبات في المواد «من170 إلى173».
2- المحسوبية والواسطة: وتتم لاغراض منفعة شخصية مادية على حساب المنفعة العامة خلافاً لاحكام القوانين والأنظمة، ويمكننا القول إن المحسوبية والواسطة والرشوة الأكثر انتشاراً وهي محرك رئيس لأشكال الفساد بأنواعه كافة.
3- الفساد في العطاءات والمشاريع: الفساد في العطاءات والمشاريع ومن امثلة هذا الفساد التحايل والتلاعب في طرح المشاريع واحالتها على جهات أو شركات أو أشخاص بعينهم خلافاً للقوانين سواء من حيث القيمة أو المواصفات (الكمية والنوعية والجودة) للحصول على مقابل مادي.
4- الابتزاز المالي: وهذا النوع يتم عندما يقوم موظف بابتزاز طالب الخدمة مالياً مستغلاً إما حاجته أو مخالفته للقانون مقابل الحصول على مطلبه.
5- التزوير: ويتم عند قيام الموظف بتزوير أي من الوثائق الرسمية بأشكالها وأنواعها كافة بهدف جعلها مطابقة للقانون مقابل مادي وقد عرف المشرع الأردني التزوير في المادة (260) من قانون العقوبات على أنه «تحريف مفتعل للحقيقة في الوقائع والبينات التي يراد إثباتها بصك أو مخطوط يحتج بهما، نجم أو يمكن أن ينجم عنه ضرر مادي أو معنوي واجتماعي».
ثالثاً- اسباب انتشار جريمة الفساد.
وسوف نحاول هنا وبايجاز التحدث عن اسباب الفساد على شكل تعداد وعلى سبيل المثال وهي كما يلي:
1. ضعف المنظومة القانونية التي يقوم عليها عمل المؤسسة.
2. عدم الاستقرار الإداري والتغير المستمر غير المبرر والمدروس دون حاجة.
3. عدم وجود الرؤية الواضحة والتخطيط المستقبلي لعمل الإداراة.
4. ضعف الهيكل الإداري سواء من حيث الاتساع والتشعب و العكس صحيح.
5. التشدد أو التراخي (الروتين) في تطبيق القوانين والأنظمة وانجاز العمل تعدّ وجهان لعملة واحدة.
6. ضعف أو غياب الرقابة الداخلية في أشكالها كافة.
7. ضعف الكفاءة العلمية والخبرات تلعب دوراً في تفشي الفساد في الإدارة.
8. الاستعداد النفسي وضعف الوازع الديني والاخلاقي لدى الموظف.
9. عدم وجود العدالة في رواتبهم ومكتسباتهم الوظيفية.
10. ضعف اجراءات معاقبة مرتكبي جريمة الفساد.
11. الترهل الإداري وغياب الرؤية الواضحة والتخطيط.
رابعاً:- الحلول لمكافحة ظاهرة الفساد الإداري
1- تفعيل دور الاجهزة الرقابية في مكافحة جرائم الفساد.
2- اعادة النظر والتحديث المستمر للقوانين والأنظمة.
3- الرغبة والإرادة السياسية الجادة للدولة في مكافحة آفة الفساد.
4- التحديث المستمر للتشريعات والأنظمة القانونية.
5- اعادة النظر في الهيكل المالي لرواتب العاملين في القطاع العام.
6- اعادة النظر في المسطرة القانونية الواردة في المادة (145) في نظام الخدمة المدنية المتعلقة بالاجراءات التأديبية بحق الموظف المرتكب لافعال مخالفة للقوانين والأنظمة.
7- الاطلاع ونقل تجارب الدول المتقدمة في مجال محاربة ومكافحة الفساد.
6- تفعيل دور مؤسسات الرقابية للدولة لتقوم بدور أكبر في مكافحة الفساد.
7- تفعيل دور الرقابة الإعلامية بكافة أشكالهالتسليط الضوء على جرائم الفساد.
8- مدونات السلوك الوظيفي التي تعبر عن منظومة القيم المتعلقة بالصدق والأمانة والإخلاص والمهنية في العمل.
9- تبسيط إجراءات العمل وسرعة انجاز المعاملات إلى الحد الذي لا يتيح للموظف سهولة التلاعب بها.