المقاربات الاساسية في الاقتصاد الاردني

01/02/2012

محاضرة الدكتور خالد الوزني في مركز "الرأي" للدراسات

" المقاربات الأساسية في الاقتصاد الأرني "

 

قال الخبير والمحلل الاقتصادي د.خالد الوزني إن "أفضل هوية للاقتصاد الأردني هي الهوية المختلطة التي يكون فيها دور للحكومة والقطاع الخاص معاً في مناحي الإنتاج المختلفة".

وتأتي أهمية تكريس هذه الهوية، بحسب الوزني، في ظل أن الأردن بات في العشرية الأخيرة أكثر ارتباطاً بالاقتصاد العالمي، وأن ارتفاع أسعار النفط أصبح يمثل مشكلة حقيقية لميزان المدفوعات والموازنة العامة للدولة.

ورأى الوزني في محاضرة بعنوان "الاقتصاد الأردني: مقاربات أساسية نحو تحديد الهوية"، استضافة فيها مركز "الرأي"للدراسات وأدارها مدير وحدة الدراسات والأبحاث في المركز الباحث هادي الشوبكي، أن التخاصية من التجارب الناجحة في تحقيق أهداف معينة، رغم أن هناك ملاحظات حولها بشأن التنازل عن الملكية الكاملة وإدخال الشريك الاستراتيجي.

وأكد الوزني الذي يرأس مجلس إدارة شركة "إسناد" للاستشارات، أن قطاع الخدمات بأشكاله المختلفة يجب أن يبقى ضمن استثمارات القطاع الخاص، على أن تبقى الحكومة المشرّع والمراقب، ليس للاستثمار فقط، وإنما لنوعية الاستتمار.

وحول موضوع الهيئات المستقلة، قال الوزني الذي عمل مديراً عاماً للضمان الاجتماعي ومديراً عاماً لدائرة الجمارك، إنه مع إلغاء الوزارات وإبقاء هذه الهيئات، فإنشاء الهيئة المستقلة هدفه القيام بدور مستقل ومنظم، والأساس هو "إلغاء الوزارة". لكننا أنشأنا الهيئة وأبقينا على الوزارة بدلاً من نقل موظفي الوزارة وتدريبهم وإرسالهم إلى الهيئة.

وأشاد الوزني، المدير الأسبق للدائرة الاقتصادية في الديوان الملكي، بالقطاع الخاص الذي وصفه بـ"الوطني"، مستدركاً أننا منفّرون للاستثمار الوطني قبل الأجنبي، وأننا جَلَدنا المستثمر المحلي. ولهذا السبب، فإن كل الصناعات الوطنية المعروفة توسعت خارج الأردن وأبقت على مصانع صغيرة تقليدية لدينا.

المحاضرة التي تابعها عدد من الخبراء والمختصين والأساتذة الجامعيين والمعنيين بشؤون المال والاستثمار والاقتصاد الوطني، شهدنت مداخلات وتعقيبات ثرية حول طروحات الوزني ومقارباته، وقام المحاضر بالرد عليها، رغم أن سؤال "هوية الاقتصاد الأردني" بدا معلّقاً بلا إجابة، وسط آراء متضاربة تجاه النموذج الذي ينبغي اتباعه في الأردن.

أدار الندوة : هادي الشوبكي

أعدها للنشر : جعفر العقيلي

كانون الثاني 2012

wazani

تالياً أبرز وقائع المحاضرة:

الوزني: مقاربات للهوية الاقتصادية الأردنية

في بداية حديثه حول الاقتصاد الأردني وتحديد الهوية، أشار د.خالد الوزني إلى أن الحديث عن الاقتصاد الأردني يستدعي النظر إلى بعض الحقائق المهمة، ومنها أن هذا الاقتصاد مثل حتى عام 1999 مرآة اقتصادية لما يحدث في المنطقة، بيد أن الفترة اللاحقة شهدت ربط هذا الاقتصاد بالاقتصاد العالمي، إضافة للارتباط العضوي باقتصاد المنطقة بغية التوازن في الانكشاف الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل والارتباط الاقتصادي.

ذلك أن الاقتصاد الأردني حتى نهاية العام 1999 كان اقتصاد منطقته بالدرجة الأولى، حتى إن البعض نعته في فترة الفورة النفطية بالاقتصاد النفطي الوحيد الذي لا ينتج نفطاً، فعندما كانت المنطقة تنعم بالازدهار جراء ارتفاع أسعار النفط كان هذا الاقتصاد يزدهر، وعندما يحدث تراجع في أسعار النفط وتنكمش اقتصادات المنطقة كان يعاني اقتصادنا من كساد مماثل.

وأضاف الوزني: في العشرية الجديدة انقلبت الصورة، فقد بات الاقتصاد الأردني أكثر ارتباطاً بالاقتصاد العالمي، وبات ارتفاع أسعار النفط يشكل مشكلة حقيقية لميزان المدفوعات والموازنة العامة للدولة.

وتابع: من الإنصاف القول إن اقتصادنا كان صامداً منذ تأسيس الإمارة حتى هذه اللحظة أمام الصدمات الخارجية والداخلية كافة التي واجهها، فلم يشهد عشرية واحدة أو حتى سنوات خمس دون أن يمر بتحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية تتعلق بالمنطقة أو بالداخل، ورغم حرب 1967 وحرب الخليج الثانية والأزمة المالية العالمية وأحداث الربيع العربي، ظلّ هذا الاقتصاد قادراً على الصمود، وقادراً على إدارة نفسه وإدارة الأزمات. وأوضح الوزني أن هناك استقراراً جيداً في السياسات الاقتصادية وفي سياسات سعر الصرف وفي السياسة النقدية، وأن مما يُذْكَر للاقتصاد الأردني في تاريخه الحديث على الأقل، أنه لم يشهد إلا أزمة واحدة للدينار، وقد تعامل معها بسرعة وبحكمة وكفاءة.

ولفت إلى الدور المحوري للقطاع الخاص، مبيناً أن علينا الاعتراف بأن الاقتصاد الأردني اعتمد بشكل كبير على قطاع خاص وطني ساهم مع الحكومة في التنمية الاقتصادية والتشغيل والتوظيف وتحقيق النمو، رغم أن الدراسات تشير إلى استثمارات حكومية سابقة في ما يتعلق بالبنية التحتية من اتصالات وكهرباء ومياه، وكذلك في الصناعات الأساسية في مجال البوتاس والفوسفات، لكن احتياجات تلك المشاريع من رؤوس الأموال واستثمارات ضخمة حال دون مساهمة فاعلة للقطاع الخاص الوطني في هذه الاستثمارات منذ بداياتها.

وأشاد الوزني بالقطاع الخاص الذي وصفه بـ"الوطني"، والذي نفخر به في كل نواحي الحياة الاقتصادية من صناعات وبنوك وخدمات سياحية وصحية. وقال إن الاقتصاد الأردني كان منكشفاً للإقليم، وهذا ما جعله مرآة في فترة من الفترات لغاية العام 1999، ثم أصبح بعد ذلك مرآة للجانبين، الاقتصاد الإقليمي والاقتصاد العالمي، ففي العام 2008 كان السؤال: هل تأثرنا بالأزمة العالمية أم لا؟ والحقيقة التي لا مناص عنها أننا سنتأثر بما يحدث إقليمياً وعالمياً بأي تطورات اقتصادية سواء كانت سلبية أم إيجابية في ظل الروابط الأمامية والخلفية التي تحكم علاقات اقتصادنا بالمنطقة والعالم.

وتوقّف الوزني عند التخاصية في الأردن التي رأى أنها من التجارب الناجحة في تحقيق أهداف معينة، رغم أن هناك ملاحظات عديدة حول آلية تنفيذ هذه التجربة، خاصة ما يتعلق بالتنازل عن الملكية الكاملة وإدخال الشريك الاستراتيحي، وفي ما يتعلق بأسعار حقوق الملكية أيضاً.

وأكّد أن دور الدولة مهم في استقرار الاقتصاد الوطني، وهو دور استمر من خلال الإنتاج في السابق، ومن خلال الرقابة والتنظيم بعد عملية التخاصية، خاصة في مجالات تنظيم قطاع الاتصالات والنقل والكهرباء وغيرها.

واستعرض الوزني مراحل تطور الاقتصاد الأردني، إذ مر هذا الاقتصاد بمرحلة عدم استقرار في فترة 1967-1973 التي شهدت اضطرابات مختلفة، وفي فترة 1974-1982 شهد مرحلة ازدهار بسبب انتعاش أسعار النفط وحصول الأردن على مساعدات كبيرة، إضافة إلى ازدهار منطقة الخليج واستيعابها للعمالة الأردنية، والتحويلات التي حدثت نتيجة ذلك، حتى إن هذا الاقتصاد وللمرة الأولى في تاريخه يبلغ متوسط النمو الحقيقي له ما يزيد على 11 % ، وهو ما لم نشهده بعد ذلك نهائياً.

أما المرحلة التالية فقد اتسمت بالتراجع نتيجة تراجع أسعار النفط وحالة الكساد في المنطقة خلال الفترة 1983-1988، إلى أن انتهينا في 1988-1989 بأزمة اقتصادية خانقة أدت إلى تخفيض سعر العملة بنحو 50 % من قيمتها، وحدوث حالة من الاضطرابات انتهت إلى ضرورة تصويب الاختلالات عن طريق برامج تصحيح مختلفة من خلال 3 مراحل بين الفترة 1989-1999 مع صندوق النقد والبنك الدولي، وتم الانتهاء منها في العام 2004، وكان من الممكن المحافظة على مكتسبات التصحيح الذي تم عبر علاج مرير وقاس، بيد أن التشوهات الاقتصادية والهيكلية عادت للظهور مرة أخرى مع بداية 2006 واستمرت حتى 2010.

وأوضح الوزني أن المرحلة الأخيرة شهدت ارتباطنا بالاقتصاد العالمي بدلاً من الانكشاف على الاقتصاد الإقليمي عبر آليات مختلفة، وهي المرحلة الأخيرة التي نمر بها وتتضمن تحولات جديدة وعمليات إعادة هيكلة وتثبيت للهوية الاقتصادية.

أما أهم المقومات التي حدثت منذ العام 1999 فقد تبلورت بحسب الوزني، في تغيير الدور الاقتصادي للدولة نحو الدور الرقابي والتشريعي والإدارة الكلية للسياسات بدلاً من الدور الإنتاجي، إذ بدأت الدولة تنسحب من عمليات الإنتاج الخدمي أو الصناعي منذ نهاية عام 1990، وتبلورت أول اتفاقية خصخصة بنهاية 1999-2000 مع "الاتصالات الأردنية" ووجود شريك استراتيجي يملك حصة جوهرية (46 %) من حصص الملْكية في الاتصالات، وقد تحولت ملْكية هذا المرفق المهم إلى شركة "أورانج" الفرنسية، ثم توالت عمليات خصخصة في مرافق صناعية أو استخراجية مثل الفوسفات والإسمنت والبوتاس وبعض المراكز الخدمية كالكهرباء والمياه، وتم التوجه نحو إعادة هيكلة اقتصادية وتحرر اقتصادي وتسهيل انتقال رؤوس الأموال أكثر مما سبق، عبر قوانين استثمار مختلفة تساعد على جذب الاستثمارات التي همها الأساسي ليس فقط توليد النمو والدخل، وإنما توفير فرص العمل التي أصبحت الدولة غير قادرة على توفيرها بسبب انسحابها من العملية الإنتاجية وعدم التوسع في الخدمات.
وخلال ذلك، تم التوجه نحو اقتصاد المعرفة وتكنولوجيا المعلومات، فقد انضم الأردن لمجموعة من الاتفاقيات المهمة في مجال التجارة الخارجية وحرية التجارة والملْكية الفكرية، وحدثت إصلاحات تشريعية مختلفة عبر قوانين مؤقتة وغير مؤقتة، وتم السعي نحو تنافسية الاقتصاد واستقطاب رأس المال الأجنبي الذي استُقطب في أكثر من موضع مثل خدمات الاتصالات والبنية التحتية والفوسفات والبوتاس.

ورأى الوزني أن متطلبات الاندماج استدعت انضمامنا إلى منظمة التجارة العالمية، وثم توقيع الاتفاقية في العام 2000، ثم جرى توقيع اتفافية الشراكة الأوروبية، واتفاقيات تجارة حرة مع الولايات المتحدة وكندا، واتفاقية تتعلق بالإقليم بشأن المناطق المؤهلة، واتفاقية التجارة العربية الحرة الكبرى، واتفاقيات تأهيل محلي تساعد على تجهيز البنية الاستثمارية الجاذبة.

ورغم أن المبادرات تمت بوجود القطاع الخاص، إلا أن ذلك لم يستمر، فقد كان هناك ملتقى اقصادي أول في العام 2000، وثانٍ في العام 2001، وملتقى اقتصادي ثالث في نهاية العام 2002، وكان هدفها إشراك حقيقي للقطاع الخاص في عملية صنع السياسات (إذا صح التعبير).

إلا أن ذلك توقف تماماً منذ نهاية العام 2003، رغم وجود ضرورة لتوسيع مشاركة القطاع الخاص وخلق منتدى سياسات يدعم الجانب الاقتصادي للسياسات، فقد ارتأت الحكومات المتعاقبة في ذلك منافساً لها في دورها، فأوقفت كل الملتقيات، وانتهت إلى عدم إشراك القطاع الخاص إلا بجلسات هنا وهناك في بعض الجوانب المبتورة والمجتزأة.
وناقش الوزني الموضوع الاقتصادي ضمن ثلاثة مقاربات: هيكل الناتج المحلي، تقسيم العمل واستغلال الموارد.

وبدأ حديثه حول هيكل الناتج المحلي الإجمالي وتوليد الدخل، بقوله إن هناك قطاعاً رئيسياً مولداً للدخل ومسيطراً على تركيبة ذلك الهيكل هو قطاع الخدمات، ثم تليه القطاعات الأخرى، فما نسبته 67 % من الاقتصاد الوطني مبني على الخدمات، لذا يجب أن ننظر إلى المقاربة الأساسية المتمثلة في ملْكية قطاع الخدمات نظراً لسيطرته على 67 % من الناتج، وفي الوقت نفسه عدم إهمال تطوير ما تبقى بما يتناسب ومتطلبات التنمية الاقتصادية.

لقد عمل القطاع الخاص والدولة جنباً إلى جنب منذ تأسيس الدولة، كما يؤكد الوزني، وكان لهما دور مشترك في تنمية الاقتصاد، بيد أن هناك مقولة تشير إلى أن 60 % من الناتج المحلي تولده الحكومة، ورغم أن هذه النسبة صحيحة، إلا أن الواقع يشير إلى أنها لا تساهم سوى بـِ 14 % فقط فالقطاع الخاص له دور أكبر في الاقتصاد الوطني. وعند النظر إلى الموارد الأساسية لتحديد من يستطيع أن يستغلها أكثر؛ الحكومة أم القطاع الخاص، لا بد من الفصل بين الموارد البشرية والموارد الطبيعية.

وتساءل الوزني: ما المقاربة السليمة لهوية الاقتصاد الوطني في ظل التقسيم الهيكلي السابق؟ هل هو قطاع عام حكومي تسيطر عليه الحكومة مثلاً، ما يعني التأميم والعودة إلى الفكر الاشتراكي أو الشيوعي بوصفه الأنسب للاقتصاد الوطني، أم لا بد من وجود توازن؟

وتابع: قطاع الخدمات مسيطر على الناتج المحلي الإجمالي، وأقل مشاركة له تبلغ نسبتها 65 % عبر تاريخ المملكة، هذا القطاع يشتمل على جزء مهم يمثله منتجو الخدمات الحكومية، وهو جزء متمم وليس بديلاً للقطاع الخاص. وعند الحديث عن قطاع الخدمات، فإن الحديث يكون عن الخدمات المالية، وخدمات الصحة والتعليم والنقل والسياحة وتجارة التجزئة والجملة، فمنذ تأسيس المملكة إما أن الحكومة اشتركت مع القطاع الخاص مثلما حدث في قطاعَيّ الصحة والتعليم، أو أنها لم تكن جزءاً مهماً فيها مثلما حدث في القطاع المالي وقطاع السياحة. بمعنى أن الحكومة لم تتملك بنوكاً في الأردن، باستثناءات متخصصة كحالة بنك الإنماء الصناعي والبنك التعاوني، فالحكومة هي المساند الأساسي لقيام الخدمات والرقيب على تقديمها بشكل أفضل.

وأكد الوزني أن قطاع الخدمات بأشكاله المختلفة يجب أن يبقى ضمن استثمارات القطاع الخاص، على أن تبقى الحكومة المشرّع والمراقب ليس للاستثمار فقط، وإنما لنوعية الاستثمار.

وأوضح أن الأردن لا يعيبه أن فيه 26 بنكاً منها 10 بنوك أجنبية، تقوم بواجبها بشكل سليم، لكن ما قد يعيب الأردن أن لا يقوم البنك المركزي -كجهة تمثل الحكومة- بدوره الرقابي على البنوك والتأكد من أنها تقوم برفد التمويل المناسب، وعدم التأثير على حقوق المساهمين والمتعاملين مع هذا القطاع المهم. ويأتي دور الدولة الأهم بحسب الوزني، في أن لا تنشئ بنكاً، بل أن تمنع البنوك من التغول على المستهلك لخدماتها، بفرض العمولات والرسوم والفوائد المجحفة عليهم، أو عدم قيامها بتمويل المشاريع الحيوية المولدة للدخل والمحركة لعجلة الاقتصاد.

وتطرق الوزني إلى موضوع الجامعات، إذ لا يمنع القطاع الخاص أن يكون مستثمراً في الجامعات، ولكن التعليم قطاع ذو خصوصية، لأنه مصنع المورد الوحيد في الأردن، ألا وهو المورد البشري، فأي إخلال في نوعية المخرجات هو تنازل عن دور الدولة المتمثل في الحفاظ على نوعية التعليم لدينا وتنميته وتطويره.

المقاربة هنا هي وجود دور مهم للدولة في التعليم، لا بالتنازل عن ملكية المدارس والجامعات الحكومية، بل في الحفاظ عليها وتحسينها، إضافة إلى دور أهم في التعليم الخاص بأن تضمن النوعية وأن تُجبر التعليم الخاص على تخريج نوعيات مطلوبة للاقتصاد الوطني.

فالحكومة لأنها حكم وخصم في التعليم، لا تطبق أفضل معايير التعليم. المقاربة هنا أن تكون الحكومة متشدّدة في هذا الجانب، فنحن لا نريد من الحكومة أن تستثمر وتبني جامعات، ولنترك القطاع الخاص يفعل ذلك، على أن تكون وظيفة الدولة المراقبة عليه بنوعية الخريج ومن يدرّس هذا الخريج. فالحكومة عليها أن تُعلّم، ولكن ليس عليها أن تنشئ جميع الجامعات في المملكة وتكون هي المستثمر الوحيد فيها.

وأكّد الوزني أن علينا أن نعترف بالتخاصية، فتخاصية الاتصالات كانت مطلوبة شئنا أم أبينا، فقد كانت الاتصالات في وضع مزرٍ وكانت عبئاً على خزينة الدولة. لكن التخاصية في الاتصالات بحاجة إلى شريك استراتيجي، وهو ما كان ضرورياً لإحداث تحسينات في هذا القطاع.

وتحّدث الوزني عن عملية التخاصية في هذا القطاع: أولاً حصل عطاء وطُرح على أفضل المتقدمين، وكان من نصيب شركة الاتصالات الفرنسية، وبدأت الشركة بالربح، ولم يعد هذا القطاع عبئاً على خزينة الدولة، والأهم من ذلك أنها رغم التخلص من بعض الموظفين، فتحت وظائف كثيرة بدءاً من بائعي خطوط الهواتف وانتهاءً بالمهندسين المعينين في قطاعات وشركات اتصالات مختلفة.

واستغرب الوزني ممّن يطالب الحكومة ببيع باقي حصتها والتنازل عن نصيبها في الأرباح الطائلة التي بدأت الشركة في تحقيقها بعد التخاصية، بعد أن كانت تشكل ضغوطاً على موازنة الدولة سنوياً. فإذا كانت الخزينة اليوم تحصل على 24 % على شكل ضرائب دخل من الشركة (بحدود 24 مليون ضرائب) فلماذا لا تُبقي على حصتها لتضاف إلى نسبة الضرائب نسبة أخرى هي الحصة من توزيعات الأرباح سنوياً والتي وصلت إلى نحو 100 مليون سنوياً على مدى السنوات القليلة الماضية.

وقال الوزني: الآن تحصل الحكومة على 24 مليون ضرائب، فماذا لو حصلت على 50 مليون دنيار إضافية على شكل حصة الدولة من الأرباح السنوية؟ "الاتصالات" صافي أرباحها 100 مليون سنوياً بعد دفع الضرائب.. أليس الأولى أن تحصل خزينة الدولة على 56 مليون دينار، والشريك موجود ولم يطلب منها بيع بقية حصتها. فكيف يتم البيع والتنازل عن الحقوق يهذا الشكل؟ وبماذا استُخدمت هذه الأموال؟ كل عوائد التخاصية (نحو 2400 مليون) لم يبق منها سوى 50 مليوناً في البنك المركزي. المقاربة هنا بحسب الوزني أن يكون هناك شريك استراتيجي في الإدارة، ولا مانع أن يكون له حصة في الملْكية، لأننا بحاجة إليه، فهو سيقوم بتطوير اقتصادنا، ولكن الأهم المحافظة على حصة محورية للحكومة في مثل هذا الوضع.

وتابع الوزني في سياق متصل: لسنا بحاجة لأحد يقنعنا أن "الفوسفات الأردنية" بحاجة إلى شريك استراتيجي، الأردن ثالث دولة في إنتاج الفوسفات وخامس دولة في تصديره، فإذا كنا بحاجة للأموال فنحن بحاجة إلى شريك مالي بحصة قليلة، وبحاجة إلى خصخصة الإدارة نظراً لوجود أعباء إدارية لا مالية فقط، ومن الواضح أن ما قام به الشريك هو تحسين الإدارة لا غير دون حتى أي إضافات ظاهرة على العملية الإنتاجية، والنتيجة أن الشركة بدأت بتحقيق أرباح طائلة لم تستفد منها الدولة بشكل محوري، بسبب انخفاض الضرائب ورسوم التعدين في هذه الصناعة. وعليه يجب إعادة النظر في حقوق الدولة في هذين الأمرين مع ضرورة الإصرار على عدم بيع ما تبقى من حصة الدولة في الشركة مهما كان الثمن المدفوع.

أما القطاعات الأخرى التي تتعلق بموضوع الصناعة، مثل صناعة الورق الصحي والصناعات الاستخراجية ومكملاتها، فهي صناعات أردنية تستحق الدعم والمساندة من قبل السياسات الحكومية في ظل انفتاح الأسواق والإغراق، خاصة وأن تلك الصناعات مشغّل مهم للقوى العاملة الأردنية ويمكن دعمها بشتى الوسائل حتى في ظل حرية التجارة واتفاقيات منظمة التجارة العالمية، ويمكن دعم تلك الصناعات عن طريق قوانين حماية الإنتاج الوطني وعدم الإغراق التي لم تفعَّل بشكل جوهري، كما يمكن دعمها في مجال البحث والتطوير كي تطوّر هذه الصناعات وتكون قادرة على الوقوف على أقدامها.

قطاع الزراعة يحتاج هو الآخر إلى التخطيط والتمويل، وبرأي الوزني فإن القطاع الخاص أَوْلى به، على أن يكون هناك دعم له مثلما تفعل الدول المتقدمة. فقطاع الزراعة ليس مظلوماً في مسألة المياه فحسب، بل هو مظلوم أيضاً في التخطيط، فإذا ارتفعت أسعار منتج معين، كما حدث للبندورة، يتوجه جميع المزارعين إلى زراعته حتى تفيض به الأسواق ويبدأ المزارعون بالمطالبة بفتح أسواق خارجية أو يقومون باعتصامات، لأن الأمر حدث دون أي تخطيط، ودون تدخل وزارة الزراعة في سياسات توعوية حمائية للمزارع، وفي توجيهه نحو زراعات أنسب وتعويضه عن أي خسائر مالية، بالإضافة إلى تقديم الدعم النقدي له، لأنه لا بد من وجود الزراعة حتى ولو خسرت الدولة وربح المزارع. فاليابان وأميركا مثلاً تدعمان المزارع بعشرات الأضعاف، حتى تسيطرا على القمح.

وكشف الوزني أن القطاع الوحيد الذي مُنِع من الدخول ضمن اتفاقية منظمة التجارة العالمية والتجارة الحرة من قبل أميركا والدول الأوروبية والمتقدمة هو قطاع الزراعة، فهو قطاع غير محرر، ومسموح فيه الدعم، لأن تلك الدول تعي أهمية الزراعة وأن تأكل مما تزرع وتقوم بدعم المزارع وتريد أن تبقي على الزراعة في بلادها.
وبخصوص تقسيم العمل بين القطاعين العام والخاص، أوضح الوزني أن القطاع العام ينفق بين الميزانية والخدمات الحكومية ما يوازي 40-60 % من الناتج المحلي الإجمالي. بيد أن النظر إلى الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي يجب أن يكون من خلال المساهمة في القيمة المضافة، وهو عبارة عمّا تقدمه الخدمات الحكومية، ويشكل 14 %. وما تبقى تتقاسمه القطاعات المشتركة الحكومية والخاصة، مثلاً قطاع الصحة بعضه حكومي وبعضه خاص، ولا تصل نسبة مساهمة الحكومة في الناتج المحلي الإجمالي إلى 40 %.

وفضّل الوزني أن تركز الحكومة على منع التغول على المستهلك، أو تغوّل مستثمر على مستثمر، أو إغراق المستثمر الوطني، بمعنى تفضيل مستثمر خارجي على مستثمر داخلي والمطلوب بحسبه، زرع فكر وثقافة أن الموظف الحكومي يحصل على راتبه من المواطن ومن القطاع الخاص. وهو ما يساعد على تميز أداء الخدمات الحكومية، وعلى الانتعاش، إذ يجب أن يعرف الموظف الحكومي أنه عندما يعطل مستثمراً، فإنما يعطِّل شخصاً سيوفر وظائف للمواطنين، ويجب أن يعرف أنه يعطّل صاحب العمل، لأن من يدفع راتبه هو من يدفع ضرائب الدخل والمبيعات، فهو الأولى أن يحصل على خدمة متميزة.

وطالب الوزني الحكومة بالتركيز على تحصيل أموالها وتحقيق إيراداتها بشكل سليم، وأن تكون العمود الفقري لعملية الاستثمار، فالحكومة التي تسعى إلى التشريع والتنظيم وضبط الإيقاع العام أقوى من الحكومة التي تقرر أن تكون جزءاً من العملية الإنتاجية وتشوه هذه العملية بما تقدمه في الخدمات أو الصناعة.

ورأى أن القطاع الخاص هو الأقدر على خلق الوظائف إذا أتيحت له الفرصة أن يستغل الموارد المتاحة، وذلك بسبب الإمكانات المالية له سواء أكان أردنياً أم غير أردني. وهو أقدر على خلق مصالح متشابكة في المنطقة والعالم، فرجال القطاع الخاص لديهم مصالح متشابكة مع دول المنطقة أو دول الخليج وغيرها، إذا كان لديهم مشروع حيوي منتج يستطيعون تجميع الاستثمارات المطلوبة، وبالتالي يخففون على الحكومة عبء الاقتراض، وعبء الاستثمار غير المجدي بسبب سوء الإدارة.

وبيّن الوزني أن المقاربة التي لها علاقة بحالة تقسيم هيكل الناتج المحلي الإجمالي وحالة تقسيم العمل بين الحكومة والقطاع الخاص، تشير إلى أن أفضل هوية للاقتصاد الأردني هي الهوية المختلطة التي يكون فيها دور مهم للحكومة والقطاع الخاص في مناحي الإنتاج المختلفة.

أما المقاربة المتعلقة بالموارد البشرية، فعلينا كما يرى الوزني، الإقرار بأن حجم المشاركة الفاعلة يصل إلى 25 % من السكان (حوالي مليون ونصف المليون)، والفرصة السكانية لن تتحقق إلا بين العامين 2030-2050، فما زالت أمامنا فرصة كبيرة من القادمين الجدد إلى سوق العمل، إذ تشير الدراسات إلى أن السوق بحاجة إلى خلق ما بين 70 و100 ألف فرصة عمل خلال السنوات الخمس القادمة، يضاف إليها 200 ألف فرصة عمل في حالة بطالة كاملة، لذا لا بد من وجود مخرج لتوظيف هذه الكفاءات التي هي الوقود الأساسي لحصول النمو والتنمية في الاقتصاد، وخلافاً لذلك، ستكون وقوداً للاعتصامات والاضطرابات والمشاكل الاجتماعية.

فالقطاع العام بحسب الوزني، غير قادر على استيعاب 100 ألف موظف. إنه قادر على استيعاب 10-20 % من هذا الرقم، وما يزيد عليه يعدّ بطالة مقنّعة.

المطلوب كما يوضح الوزني إعادة النظر في التقاعد المدني، فالاستيداع والتقاعد يجب أن يُوْقَفنا، لأن مثل هذا التوجّه سيشكّل كلفة مالية لا إنتاجية، بخاصة حين يكون الموظف في ريعان شبابه، ويستطيع أن يعطي للبلد. ونظراً لعدم قدرة القطاع العام على استيعاب العمالة، أصبحنا بحاجة إلى دور القطاع الخاص، لذا علينا أن نسهّل الإجراءات لهذا القطاع لخلق وظائف داخل الاقتصاد الوطني، وأهم من ذلك ما قامت به العديد من دول العالم بما فيها الولايات المتحدة الأميركية في مجال المبادرات والمشاريع الصغيرة والمتوسطة التي باتت تمثل أكثر من 70 % من حجم الاقتصاد المحلي لمعظم الدول المتقدمة. فما يسمى "المبادرات الصغيرة ومتوسطة الحجم" التي لم نُعِرْها أي انتباه، هي القادرة على خلق وظائف بشكل مستمر ودائم في أي اقتصاد يسعى إلى بث روح المبادرة، وخاصة في ظل اقتصاد شبابي مثل الحالة الأردنية، بيد أن المطلوب دوماً هو إيجاد سبل التمويل المناسب والمبادرة.

وفي هذا السياق فإن لدينا 250 مليون دولار مقدمة من مؤسسة عبر البحار للاستثمار الأميركية، و100 مليون من مؤسسة التمويل الدولية، و50 مليوناً من خلال وكالة التنمية الأميركية. ولكننا ما زلنا نتفاوض بشأنها معهم دون تقدم يُذكر منذ نحو العامين!. هذا ما يعني أن 400 مليون دولار جاهزة لتشغيل الشباب في الأردن، والقطاع الخاص أقدر على استيعاب مثل هذه الفرص.

وأكّد الوزني أن الموارد الطبيعية تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة، مثل مشاربع استخراج الصخر الزيتي والفوسفات والبوتاس، كما تحتاج إلى روابط أمامية وخلفية في الإنتاج، بدءاً من استخراج المادة الخام وحتى بيعها في السوق العالمية.

والمقاربة في هذا الموضوع كما يرى الوزني، تتجلّى في استغلال الموارد، أي أن يكون هناك دور للقطاع الخاص في استغلال هذه الموارد، وللدولة الحق في المتابعة والمراقبة وفي تحصيل حقوق التنقيب والتعدين وجميع الرسوم والضرائب التي تغذي خزينة الدولة بالموارد الحقيقية المستمرة والمستدامة جراء السماح للقطاع الخاص باستثمار أراضي المملكة وتحقيق الربح منها.

عطية: ساسيات الدولة الاقتصادية تجاه القطاع الخاص الاردني

وسأل الباحث عبدالله عطية مدير الدراسات في غرفة تجارة عمان، حول موضوع الهوية، قائلاً إننا في الأردن بدأنا الانخراط في العولمة وإجراءات التصحيح في بداية التسعينيات، لكننا فقدنا البوصلة، فحتى في عملية الإصلاح الاقتصادي لا بد من وجود ضوابط ومعايير لعملية الإصلاح الاقتصادي، ومع المبادرات العالمية والعولمة جاءت السرعة على حساب الدقة وجودة الإجراءات.

وأضاف عطية: الأثمان الاجتماعية الباهظة التي دفعناها بسبب العولمة شكلت نقطة لإعادة التفكير بمعنى الاقتصاد الاجتماعي، فالعولمة لا تعرف الرحمة، وقد سرنا في خطوات متقدمة تجاهها وعدّلنا التشريعات، ولكن النتائج الاقتصادية والاجتماعية ضعيفة.

وتساءل: في موضوع الهوية؛ هل تعتقد أن هناك عودة إلى نظرية الستينيات، وهو النهج الذي قدمته الدول التي أرادت تطبيق الخصخصة؟ وفي موضوع الخصخصة، هناك تركيز في السياسة الحكومية على منح الإعفاءات للاستثمارات الأجنبية، كأن القطاع الخاص الأردني في الاستثمارات المحلية لا يوجد له أي دور في هذا الدعم، وهو يعاني من أعباء ضريبية وأوضاع سيئة.. ألا تستحق مؤسسات هذا القطاع التي تبلغ أكثر من 170 ألف مؤسسة نهجاً آخر في سياسة الدولة الاقتصادية؟

وأضاف: الأسعار تتجه نحو الارتفاع، ونحن نتأثر بصدمات، ما يؤدي إلى رفع تكاليف الإنتاج، وبالتالي اتساع الفجوة وازدياد الصعوبات الاقتصادية.

وحول موضوع التعليم قال عطية إن الاختلالات كبيرة في ما يتعلق بجودة التعليم وكلفته والحق في التعليم.

حناينة: خصخصة التعليم على اسس غير تجارية

قال د.شهاب حنانية (مدير استثمار) إن خصخصة التعليم لا تعني بالضرورة ملكية شركات مساهمة عامة أو خاصة، لأن ذلك يخضع المؤسسات التعليمية إلى معايير مالية ومحاسبية تتمثل في مقياس العائد على الموجودات، إذ إنها مؤشرات غير دقيقة لاحتساب جدوى الاستثمار في التعليم.

وأشار إلى أهمية وجود آلية أخرى أكثر حساسية، لخصخصة التعليم في الأردن غير المقياس التجاري (المالي) لرفد المؤسسات التعليمية وبما يسمح للمؤسسات غير الربحية والجمعيات بالتوسع في الاستثمارات في قطاع التعليم للنهوض به ضمن محددات الجهات الرقابية.

وأضاف: إن دور المؤسسات المستقلة في إدارة الاقتصاد مهم جداً، كونها تمثل الجهة الرقابية على أداء القطاع الاقتصادي، وهي الفيصل بين مزودي الخدمة والمستخدمين، وبذلك تنأى مؤسسات الدولة (الوزارة) عن أن تكون الخصم والحكم الوقت نفسه. وإن المؤسسات المستقلة تمثل دور المنظم للقطاع الاقتصادي، بعيداً عن المعايير السياسية وبرنامج الحكومة خلال فترة الإدارة، حيث يبقى برنامج الحكومة هو الهدف في تطبيق برنامج اقتصادي وسياسي خلال مرحلة تسلم السلطة.

الحافظ: نحن بحاجة إلى قوى بشرية تفهم معنى الاستثمار

أشار وزير المالية الأسبق سليمان الحافظ إلى أن توفير البيئة الاستثمارية، لا يعني فقط وضع قانون، أو إنشاء هيئة مسؤولة عن تطبيق هذا القانون. فنحن بحاجة إلى قوى بشرية تفهم معنى الاستثمار حتى لا يقع المستثمر في معاناة مراجعة الدوائر المختصة لإنجاز معاملاته.

وأضاف: لا ندّعي أن لدينا بيئة استثمارية مكتملة، فلدينا أربع مسائل أساسية تؤثر في الاقتصاد سلباً: الطاقة التي كلفتنا حتى العام الماضي 3.25 مليار دينار وتشكل حوالي 26 % من استيرادنا؛ ومشكلة المياه، وهي أساسية، وحلّها مرتبط بحلّ مشكلة الطاقة، فنحن نطمح بتوليد الكهرباء عن طريق المفاعل النووي الذي يحتاج إلى مياه؛ وعجز الموازنة للدولة الذي ليس في منأى عن البيئة الاستثمارية؛ والمديونية، فكلما ارتفعت المديونية زاد العبء علينا. ففي العام 2011 كان العبء كفوائد على المديونية حوالي 500 مليوناً، وفي العام 2012 سيصبح 548 مليوناً, وبالتالي فإن زيادة المديونية سوف تؤثر في مستوى الائتمان، وفي حجم الاقتراض من الخارج، وفي مستوى طمأنينة المستثمر.

وتابع الحافظ: امتصاص البطالة ومعالجة جيوب الفقر ومعالجة الموازنة والمديونيتين الداخلية والخارجية، كل هذه عوامل مؤثرة، ولا بد أن نفكر بشكل جدي لتنفيذ برنامج تصحيح اقتصادي ومالي، دون أن ننتظر البنك الدولي.

وقال إن الجميع فرحوا عندما أُعلن أن الأردن تخرج في منظومة صندوق النقد الدولي في العام 2004 لكن، يا ليتنا لم نتخرّج منه!.. كنا مثل طالب يتخرج بشهادة دكتوراه ولا يعرف شيئاً عن تخصصه، لقد تخرجنا في صندوق النقد الدولي ولكننا لم نُدِرْ شؤوننا الاقتصادية بالشكل المطلوب، علماً أنه لو تكوّن لدينا فريق ممتاز على مدار العقد الأخير لاستطاع وضع برنامج اقتصادي دون مساعدة صندوق النقد الدولي.

الحضرمي: غياب الفريق الاقتصادي

وتساءل أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية عمر الخضري عن غياب الفريق الاقتصادي الحكومي عن هذه الندوة، ودعا إلى تسجيل وقائعها وتعليقات المشاركين، وإرسالها إلى الجهات المعنية ومراكز صناعة القرار للنظر فيها وبتوصياتها.

المدادحة: تغيير الذهنية البشرية

وقال الخبير الاقتصادي علي المدادحة إن الأردن جزء من الاقتصاد العالمي، وقد قمنا بتبني برنامج التصحيح الاقتصادي وتخرجنا في العام 2004، لكن كأننا لم نفعل شيئاً، فلو غيّرنا في الذهنية البشرية لأنجزنا شيئاً. وأضاف أن المطلوب تغيير الذهنية البشرية للإنسان، وبالتالي أن يقوم المجتمع بتغيير ذهنيته، ثم يأتي دور الدولة، فالمدرسة الليبرالية مدرسة من دون أي ضوابط أو رقابة.

ادبيس: المشكلة تكمن في الإدارة

وقال الاقتصادي إبراهيم محمد ادبيس: لا بد أن يكون التركيز على استمرار قطاع الخدمات، لأن المنافسة في قطاع الصناعة صعبة مع دول الخليج بسبب انخفاض سعر البترول وقلّة تكلفة الأيدي العاملة الآسيوية. واستعاد ادبيس مقولة لمفكر ألمانيا جاء فيها: "خذوا تجارتنا وصناعتنا وأموالنا واتركوا لنا الإدارة، وسنعيدها خلال 10 سنوات". بمعنى أن المشكلة تكمن في الإدارة.

قراعين: دور صندوق البحث العلمي

وتساءل الخبير في قطاع البنوك عيسى قراعين: أين دور صندوق البحث العلمي في تشجيع الاقتصاد؟ إذ يجب أن يكون له دور مهم ومشاركة فعالة في جميع النواحي، لأن الأبحاث العلمية تساعد في تحسين الاقتصاد الوطني. فعندما تكون المعلومات متوفرة ستشجع المبادرة، تساعد على عملية التنافس الحر والشريف بين جميع القطاعات.

خرما: عدم وجود برلمان يراقب الحكومات

وقال الباحث في الشأن الاقتصادي مصطفى حجو خرما: نحن نعلم أن في الأردن كفاءات كثيرة، ولكن عندما يصل شخص إلى مركز المسؤولية نسمع منه أن كل شيء يجب أن يُصلح، ثم تمتلئ جيوبه ويرحل. لذلك فإن الأمل بظهور إصلاح يبدو مستحيلاً. وردّ خرما ذلك إلى عدم وجود برلمان يراقب الحكومات، وإلى أن البنوك تتغول على المواطنين، مشيراً إلى أنه كتب رسالة لرئيس وزراء سابق حول الفقراء ومحدودي الدخل الذين يدفعون فائدة تصل إلى 30-40 %. فأخبروه أن الرسالة أُحيلت إلى البنك المركزي ثم ردّ عليها البنك بقوله إنه لا علاقة له في الموضوع. فمَنْ له علاقة في الموضوع إذن؟

الصبيحي: البحث عن هوية اقتصادية للدولة

وقال الباحث موسى الصبيحي مدير المركز الإعلامي في مؤسسة الضمان الاجتماعي: ما نراه في المرحلة الحالية أن الدولة تتصارع مع ذاتها ومع رموزها في إطار بحثها عن هوية اقتصادية للدولة، فالشعب الأردني يبحث عن هوية اقتصادية، ولم تستطع الحكومات جميعها تحديد هوية واضحة للشعب الأردني، والشعب مستعد لتحمل نتائج سلبية من شظف العيش إذا اقتنع أن برامج التحول الاقتصادي ربما تسهم في الخروج من الأزمة.

وأضاف: كل رئيس حكومة يأتي بفريق اقتصادي وبنظرية مختلفة، ونرى حالات تناقض شديدة جداً، وحكومات مع الخصخصة وأخرى ضدها، حكومات مع تحرير السوق وأخرى مع التدخل الحكومي، حكومات تدفع باتجاه دعم المواد الأساسية وأخرى مضادة، ولدينا مجلس اقتصادي واجتماعي ليس له أي دور، أحياناً تفعّله حكومات وتنوّمه أخرى، بمعنى أن لدينا مجموعة كبيرة من التناقضات.

وتابع الصبيحي: في 2010 قام المعهد الجمهوري في أميركا بإجراء دراسة لتحديد أولويات الأردنيين، وجاء فيها أن 10 % يريدون الإصلاح السياسي، بينما 50 % طالبوا بالإصلاح الاقتصادي و33 % محاربة الفساد، فالقضية الاقتصادية هي الأساسية المحورية. لذا لا بد من الاهتمام الكبير بها، لأنها السبب الكامل وراء حراك الشارع، كما لا بد من ضبط هذا الحراك وتوجيهه بشكل صحيح، إلا إذا عالجنا القضية الاقتصادية بشكل واضح.

ودعا الصبيحي إلى إنشاء هيئة حكماء اقتصاديين في الأردن للخروج من هذه الأزمة. وأضاف: الحكومات السابقة كانت مع إنشاء المؤسسات والهيئات والمجالس، والآن الحكومة الحالية تحاول لملمة هذه المؤسسات وخرجت علينا بموضوع الهيكلة. بوصفه لمصلحة الشعب الأردني، فإذا كان هذا لمصلحة الشعب ويحلّ المشكلة الاقتصادية، فأنا مستعد لقبول تقليص راتبي وتحمّل ذلك.

فريحات: الحفاظ على أموال الدولة يتطلب الحرية والديمقراطية

وقال ينال فريحات (من القطاع الخاص): ركّز د.خالد على موضوع الخصخصة، وهو موضوع مهم، وقال إن الحكومة باعت موارد الدولة. نحن لا نستطيع تأميم القطاع الخاص لعدم وجود أموال، ولأن أسعار الشركات ارتفعت، لذا كان المقترح بزيادة الضرائب، لرفد خزينة الدولة.

وتساءل: كيف يمكن أن نوازن المسألة؟ فالشركة عندما جاءت إلى الأردن كان لديها دراسة جدوى اقتصادية للربح بمقدار معين، أي أن رفع الضرائب سيزيد الأسعار وكلفة الخدمات، ثم تقول الحكومة إنها خفضت ضريبة الاتصالات والبنوك للمساهمة في تعزيز الاقتصاد.. فهل توجد معادلة لضبط هذا الأمر؟

ورأى فريحات أنه من المستحيل حدوث الإصلاح الاقتصادي في ظل البيئة الحالية، لأن الإصلاح السياسي هو المهم، فنحن بحاجة إلى دولة ديمقراطية وحرية، للحفاظ على أموال الدولة وتحقيق حاكمية للمال العام، وإعادة الاعتبار للموارد الطبيعية، ثم سننظر إلى شكل الدولة أو شكل الاقتصاد في الدولة؛ هل هو ليبرالي كامل أم ليبرالي أم مختلط؟
وأضاف: عام 1999 كان مفصلياً لتغيير دور الدولة الاقتصادي، إذ أصبح دوراً رقابياً تشريعياً، يقول الوزني إن مساهمة القطاع الحكومي ليس 40-60 % وإنما 14 % لأنها قيمة مضافة، وإذ بالدولة تتخلى عن دورها في الإنتاج ولم تعد هناك قيمة مضافة، والدولة تحصل على الضرائب من المواطنين والشركات، فهل المطلوب فقط دور رقابي وتشريعي؟

وتابع: مثلما توجد على الشركات مسؤولية اجتماعية، هناك دور اجتماعي للدولة مقابل هذه الضرائب. على سبيل المثال، في دول الخليج لا توجد ضرائب، لكن الدولة تستغل موارد الأرض، وبالتالي تحرم المواطنين من دورهم السياسي مقابل إعطائهم مكارم وامتيازات، نحن للأسف نحصل على ما نستحقه، فالدولة تستغل الموارد وتبيعها، وتفرض الضرائب علينا أيضاً.

زوانة: سوء استخدام السلطة التنفيذية لأموال الشعب

وتحدث الكاتب ريان زوانة عن قضية المالية العامة، فمنذ فرض ضريبة المبيعات تغير دور المواطن، وتغير هيكل المالية العامة، وأصبح المواطن يدفع الضريبة مباشرة عندما يشتري أي سلعة، وهناك سلع مستثناة، وضريبة المبيعات لدينا التي تبلغ 16 % ، من أعلى نسب الضرائب في جميع البلدان التي تطبق هذه الضريبة.

وتابع: على الرغم من أن المواطن يقوم بدوره تماماً، فإن هيكل المالية العامة خلال السنوات العشر الأخيرة أدى إلى عجز ومديونية، وتشوه في هيكل الدولة وهيكل المؤسسات، أي أن المواطن يدفع ما عليه، بينما هناك سوء استخدام من قبل السلطات التنفيذية لأموال الشعب.

ولفت إلى قضية أخرى، هي استمرار دور السلطة التنفيذية "السيئ" في كل القطاعات الاقتصادية. ففي الطاقة مثلاً لدينا مشكلة، وأيضاً الكهرباء والطاقة والغاز المصري، وهناك صراع على موضوع "النووي" داخل البلد، حتى شارع الجامعة لا نستطيع إدارته! لا أحد يتطرق إلى سوق العمل، هناك حوالي 400 ألف إلى نصف مليون فرصة عمل داخل الاقتصاد الأردني، 80 % منها يذهب لغير الأردنيين، بالتالي علينا أن نفكر لماذا تزيد البطالة؟ ولماذا يزداد الفقر؟ قطاعات التعليم والمياه والسياحة، أيضاً فيها مشاكل.

وحول موضوع الخصخصة، قال زوانة: الخصخصة ليست سيئة، وهي أيضاً ليست "مسطرة"، فقد تعثرنا بالخصخصة وضاع مردودها على الرغم من تجيير الاقتصاد الأردني والمواطن لحساب شركات الاتصالات التي لم نأخذ منها ضرائب. نحن نلوم المواطن عندما يقول: أريد أن أؤمم. لنضع الرجل المناسب في المكان المناسب، لا يوجد إصلاح سياسي وإصلاح اقتصادي كلّ على حدة.. إنهما يسيران بعضهما مع بعض، لذا علينا تحقيق الإصلاح بمفهومه الشامل.

أبو عناب : هل يوجد حل لهذه المعضلة؟

ورأى المهندس راضي أبو عناب أن المستقبل قد يكون "معتماً"، وأن هناك قلفاً من "إفلاس كبير"، داعياً إلى إيجاد حل لما دعاه "هذه المعضلة" عبر مشروع الإصلاح.

عرابي: بناء جديد لمؤسساتنا الأكاديمية والتعليمية

وقال الأستاذ الجامعي محمود حسين عرابي إننا بحاجة إلى بناء جديد لمؤسساتنا الأكاديمية والتعليمية في الأساس، فقد أصبح الطلب منصبّاً على خريجي الجامعات الغربية، وأصبح العالم العربي منسياً.

ردود الوزني

وردّ الوزني على أسئلة الحضور وتساؤلاتهم وتعقيباتهم بقوله إن علينا أن نعترف أن الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، شهدت وجود رجال أعمال وتسلّموا وزارات دون التورط في ما يُدعى "إمارة وتجارة"، فقد كان لديهم ثقافة في خدمة الوطن وهم في مواقع المسؤولية، لا خدمة أنفسهم وإجراء صفقات في ما بعد.
وتابع: المؤسسات الخاصة تحتاج إلى عناية ورقابة خاصة وحوافز. الحافز هنا كما أراه يتعلق بتشغيل القوى العاملة أكثر من حافز الضريبة الذي أقف ضده.

وأضاف الوزني: نحن منفرون للاستثمار الوطني قبل الأجنبي، وجَلَدنا المستثمر المحلي. كل الصناعات الوطنية المعروفة توسعت خارج الأردن وأبقت على مصانع صغيرة تقليدية لدينا، فبعضها لديه اليوم مصانع في مصر والإمارات والسعودية، وكان يمكن أن تكون في الأردن وأن تصدّر منه. وهناك تشوهات لم نتعامل معها حتى في قضايا الاستثمار المشترك في المنطقة العربية وفي اتفاقيات التجارة الحرة مع دول المنطقة ودول العالم بشكل عام، وهذا أضر بالصناعات المحلية بشكل كبير.

وأوضح الوزني أننا إذا أردنا مستثمرين في قطاع التعليم، علينا وضع ضوابط مهنية عالية حتى لا نخسر في موردنا الأساس وهو الإنسان. هنا يأتي دور الدولة بالضوابط في الربح والإنفاق على التعليم، وأن تراقب الحكومة على نوعية الخريج وتُقفل المدارس التي دون المستوى، ولكن هذا يجب أن ينطبق أيضاً على الجامعات والمدارس الحكومية، وإلا يجب إغلاق جميع المدارس الحكومية، لأن مستوى التعليم الذي نشهده، هو عبارة عن "محو أمية" وليس تعليماً أو تربية.

وحول موضوع الهيئات المستقلة، قال الوزني إنه مع إلغاء الوزارات وإبقاء الهيئات المستقلة، فإنشاء الهيئة المستقلة هدفه القيام بدور مستقل ومنظم (مثل هيئة قطاع الاتصالات) والأساس هو إلغاء الوزارة، لكننا أنشأنا الهيئة وأبقينا على الوزارة بدلاً من نقل موظفي الوزارة وتدريبهم وإرسالهم إلى الهيئة. والدليل أن أحد الوزراء تسلّم الوزارة وأبقى الهيئة فارغة ريثما يجري التغيير الحكومي ليعود إلى الهيئة مرة أخرى.

ومن الأمثلة التي قدمها الوزني أن لدينا هيئة تنظيم قطاع نقل ووزارة نقل أيضاً، وهذا ينم عن تضخم في الجسم الحكومي.

وحول موضوع الهيكلة، قال الوزني: أصبحنا نلقي باللوم على المؤسسات العريقة التي خدمت الأردن مثل الضمان الاجتماعي والبنك المركزي وسوق الأوراق المالية، ونقول إنها هي التي خرّبت الوطن.

وتابع: بدلاً من رفع راتب الموظف الحكومي إلى مستوى راتب الموظف في الضمان الاجتماعي، هناك توجّه لتخفيض مستوى رواتب الضمان الاجتماعي إلى مستوى الوزارات الأخرى. الأساس أن تُحسّن مستوى موظف الحكومة حتى يعيش بأفضل معيشة، من باب ما يسمى بـِ"الهيكلة". وأوضح: يجب أن يكون الجسم الحكومي رشيقاً لننظر كم وزارة في بريطانيا وأميركا. في الكويت هناك 15 وزارة في الدستور، فلماذا ناتجهم المحلي أفضل من ناتجنا المحلي؟ أشكّ أن يكون السبب في النفط وحده.

وبيّن الوزني أننا عندما "تخرّجنا" في برامج التصحيح الاقتصادي في العام 2004 يبدو أننا حصلنا على "توجيهي" فقط في صندوق النقد الدولي، والآن نحتاج إلى بكالوريوس وماجستير ودكتوراه.. يجب أن يستمر معنا الصندوق ويعلّمنا لأنه إذا تركنا سنقع. وهذا ما أثبتته التجربة بعد أن تجرعنا مرارة الدواء.

وقال: لقد وافق المواطن في العام 1989 على تخفيض 50 % من دخله بسبب تخفيض العملة والتضخم، وظل المواطن في هذه التجربة المريرة 14 عاماً حتى العام 2004، ثم بدأ القائمون على الشأن الاقتصادي منذ العام 2005 بانتهاج سياسات اقتصادية مشكوك في أهدافها حتى العام 2010، إلى أن أدخلونا في نفق مظلم، والمعضلة أنهم يتساءلون الآن عن سبب خروج المواطن إلى الشارع!.

وتابع الوزني: تعرفون أن الجامعات كانت تأخذ من الحكومة 45 مليون دينار، تُقتطع من فاتورة الكهرباء والماء وغيرها من الرسوم التي يدفعها المواطن كل يوم، وتتوزع على 7 جامعات، والآن المبلغ نفسه يتوزع على 13 جامعة، ولكن ما تجمعه الدولة من المواطنين على شكل رسوم جامعات في حقيقة الأمر هو تقريباً 420 مليون دينار، فلو أنها تعطي للجامعات نصف هذا المبلغ لكنا في وضع أفضل بكثير على صعيد استقطاب أساتذة الجامعات ووسائل التعليم ومجانية التعليم وغيرها.

وأوضح الوزني أن النظام في الصين هو نظام السوق الاشتراكية التي سمحت بدور للقطاع الخاص ضمن الضوابط الموجودة هناك. وتابع: قطاع الخدمات لا يحتاج إلى نفط حتى يصبح متميزاً، بل يحتاج إلى إدارة سليمة واستغلال أفضل للموارد البشرية، وليس عيباً أن يكون الاقتصاد في الأردن اقتصاداً خدمياً، لكن العيب ألاّ نعرف كيف ندير هذا الاقتصاد الخدمي.

وأكّد الوزني أن هناك أهمية لصندوق البحث العلمي وربط الصناعة مع الجامعات، لافتاً إلى أن القطاع الخاص عليه أن يؤمن بدور الأستاذ الجامعي في البحث والتعليم.

واتفق الوزني مع الصبيحي، في أن الإصلاح السياسي مهم حتى نستطيع محاسبة أي شخص، لكن الإصلاح الاقتصادي إن لم يكن موازياً للإصلاح السياسي يجب ألاّ يتأخر عنه، وأننا لا نريد أن تنسحب الدولة من التعليم والصحة، بل عليها دور اجتماعي في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين.

 

يمكنكم متابعة جزء من هذه المحاضرة ادناه

{flv}wazaini{/flv}