حفل إشهار «جدلية السيادة والقانون الدولي»

05/02/2019

رأى رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز أنّه ما من سيادة كاملة للدول؛ إذا عرّفنا السيادة من منظور أنّها سيطرة الدولة؛ وحتى على صعيد السيادة الجزئيّة ألمح الفايز إلى تأثر الدول بمستجداتها الداخليّة والإقليمية والعالميّة، ممثلاً بتأثر بريطانيا على سبيل المثال بالسياسة الأميركية، هذا كلّه فضلاً عن تدخل منظمات المجتمع المدني التي ترتبط بالخارج.
وتساءل الفايز، في رعايته مساء أمس في مركز الرأي للدراسات حفل إشهار كتاب الدكتور عمر الحضرمي"جدلية السيادة والقانون الدولي: فضاءات المطلق وقيود الإلزام»، عن نماذج الديمقراطيات السائدة في مدى انسجامها مع ديمقراطيات دول أخرى، مناقشاً النموذج الغربي ومدى صلاحيته أو مواتاته لبلادنا ودول المنطقة.
وأكّد، في الحفل الذي أداره مدير وحدة الدراسات في المركز هادي الشوبكي، أنّ ثقافة المجتمع الأردني هي ثقافة مميزة، في عدم تجاذبها بين طوائف أو قبليات معينة، كما هي الحال في دول تشهد ثقافتها المجتمعية ذلك.
وبارك الفايز، الذي كتب مقدّمة الكتاب، جهد الباحث الدكتور عمر الحضرمي في توافره على كثير من الدراسات والمؤلفات التي دارت كلّها في سياقات السياسة وحقولها، معتبراً مؤلفه «جدلية السيادة والقانون الدولي» تفسيراً دقيقاً لتلك الجدلية القائمة بين مفهومي السيادة والقانون الدولي التي خلقت مجموعة من النظريات، وولّدت حُزماً من الحوارات التي وصلت في كثير منها إلى درجة التناحر والصراع، ليس على المستوى النظري فقط، بل في تطوّر هذه النزاعات لتصل إلى الاحتراب بكل الوسائل.
واستذكر الفايز مزاملته للمؤلف الحضرمي في وزارة الخارجيّة ومواجهتهما تحديات وأزمات صعبة مفروضة كموظفينِ وكوزارة وكدولة، مبيّناً إرهاصات حديثهما وتداولهما لمواضيع السيادة والقانون الدولي ودور الأردن في الفعل السياسي العربي، وحماية قواعد القانون الدولي، لتكون هذه الأزمات سبباً في أن يفكرا معاً في عمل أدبيات العمل السياسي وكيفيّة توظيفها في ما يقومان به من عمل. وتحدث الفايز عن انتقال الحضرمي إلى سلك التعليم في الجامعة الأردنية، معتزاً بجهده ومؤازراً مثابرته على مؤلفاته القيّمة.
وقال إنّ السيادة مثّلت مفهوماً سياسياً ذا أبعاد قانونية، إذ تعتبر كما رأى، من العناصر التي يمثل شرط وجودها التكييف القانوني للدولة، كما يرتبط مفهوم السيادة بمفهوم الاستقلال والحريّة في التصرف على الصعيدين الداخليّ والخارجي.
ورأى الفايز أنّه ولمّا كانت عضوية المجتمع الدولي أحد ضرورات حياة الدولة، فقد اعتبر الفقهاء أنّ الاعتراف بالدولة الوليدة هو الدرب الوحيد الذي يفضي إلى قبولها عضواً في المجتمع الدولي، ومع تحقيق ذلك، فعلى الدولة أن تحترم القانون الدولي الذي يحقق لها القبول، وبالتالي حسن التعامل مع الكيانات السياسية الدولية الأخرى، ليكون الكتاب المحتفى بإشهاره ضمن السياقات الضرورية في الدراسات السابقة في هذا المجال.
وختم الفايز بتأكيده دور الصحف في الجانب التنويري والفكري والثقافي، متخذاً من «الرأي» نموذجاً ناصعاً، من خلال مركز الرأي للدراسات الذي ما انفكّ يحتضن المزيد من الفعاليات والندوات والنشاطات المهمة ذات الحضور المستمر نحو بناء فكر استراتيجي أردني عالي المقام.

مصالحة: السيادة والمواثيق الدولية

وتحدث رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية الدكتور محمد مصالحة عن أهميّة موضوع الكتاب؛ مبيّناً أن قضية العلاقة بين سيادة الدولة وقواعد القانون الدولي لم تحسم بعد بصورة ملائمة لخدمة مصالح الدول وحقوق الإنسان والسلم العالمي. وقال إنّ الحروب والنزاعات بين الدول أو داخل الدول بين مكوناتها سرّعت إلى الدفع باتجاه سمو القاعدة الدولية على النصّ الداخلي، وبالتالي فقد تعاظم دور المواثيق والاتفاقيات الدولية وتعددت مجالاتها بحكم تطور الحياة الإنسانيّة وظهور مشكلات جديدة، حيث تفرض الضرورة إيجاد موائمة مقبولة بين القانون الدولي والقوانين الوطنية.
وقال المصالحة إنّ كتاب جدليّة السيادة والقانون الدولي يأتي في هذا السياق كدراسة معمقة لهذه العلاقة من حيث الضرورة التي تقضي حكماً بأن يتم خفض درجة وموضوعات لا تحصى في عالم اليوم، وأهمها حماية حقوق الإنسان من حروب الإبادة والتصفيات العرقيّة ومكافحة الإرهاب وكبح الاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال والحروب الإلكترونية واستخدام أسلحة كيماوية في الحروب وخاصة ضد المدنيين.
ورأى المصالحة أنّ الدكتور الحضرمي، الذي زامله في الإذاعة والأكاديميا وفي جمعية العلوم السياسية، مثابرٌ وذو نتاج دؤوب علمي وبحثي؛ مبيناً أنّ أهمية الكتاب هي في أنّه يسدّ فراغاً في المكتبة الوطنية، ويقدّم للعاملين في حقل السياسة الخارجيّة أو الدارسين والباحثين في المجالات السياسيّة مرجعاً ثميناً في مجال دراسة العلاقة بين النصوص الداخليّة والدوليّة.
وقال إنّ الهم اليوم هو في التصدّي لظاهرة التنازع بين الطرفين والذي قد يؤدي عدم معالجته إلى اقتراف مزيد من الجرائم ضد الإنسانيّة، فيما يقف المجتمع الدولي ومنظماته عاجزين بحجة التصلّب في مفهوم السيادة الوطنية. ومثّل المصالحة بالمآسي التي وقعت في مانيمار ضد مسلمي الروهينغا، وفي البوسنة، وفي بورندي، وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة بحق الشعب الفلسطيني عبر تاريخ طويل، وكل ذلك نماذج صارخة على عدم تمكّن النظام الدولي ومنظماته المتعددة من اجتراح الوسائل التي تمكن من سيادة الإدارة الدولية عند الضرورة للحيلولة دون استمرار المظالم أو جرائم الحروب العرقية والطائفيّة ضد الشعوب المستضعفة، وتعطيل فرص التعاون الاقتصادي بحجة السيادة الوطنية.
وأكّد المصالحة حاجة المكتبة السياسية إلى دراسات جديدة، وهو ما يحفز على إنتاج المزيد من هذه الدراسات بحكم تعقّد أوضاع المجتمع الدولي المعاصر، وتفاقم المشكلات والنزاعات الناشئة عن فرط الاستخدام غير المبرر لحجة السيادة الوطنية.
وذكر المصالحة عدداً من النماذج القائمة حول الدور الذي يمكن أن يقوم به المجتمع الدولي تأسيساً على مبادئ وقواعد ناظمة لعمله ومداخلاته في النظام الدولي من أجل حفظ السلم والأمن الدوليين. وقال إنّه وحين يتعذّر على الدولة الوطنية ومؤسساتها السياسيّة أن تعمل بصورة ناجعة لإدارة شؤون البلاد والعباد على أسس قانونيّة رشيدة تحفظ للإنسان حياته وحقوقه وكرامته يصبح لزاماً أن يقوم المجتمع الدولي من خلال القانون الدولي للقيام بدوره في المساعدة إن بالرضا أو بالإرغام للنخب الحاكمة في الدول الوطنية والتي إما أن تكون عاجزة أو غير قادرة أو أنها غير ضالعة في جريمة التغاضي وعماء البصر في أخذ القرارات اللازمة، بل وأكثر من ذلك، وتساءل المصالحة: هل من الممكن أن يفكّر المجتمع الدولي وعبر مبعوثيه أو لجان التحقيق في أوضاع الدول الفاشلة أو التي يتآكل فيها دور الحكومات في المساهمة بتعديل الأوضاع الداخليّة لهذه الدول بحيث يستتب الاستقرار ويتم وقف الفوضى والضياع وما يضرب الدولة الوطنية في صميم كيانها، فتنهار وحدتها الوطنية وتسود شريعة الغاب بدلاً من شرعة القانون في إقليمها.

القطاطشة: التبعية والاستقلال


وتحدث الدكتور محمد القطاطشة عميد كليّة الأمير الحسين بن عبدالله الثاني للدراسات الدولية في الجامعة الأردنية، عن زمالته والدكتور الحضرمي في رحاب الجامعة الأردنية وفي العمل، وأهمية الكتاب في المكتبة العربية. وشرح القطاطشة أن مفهوم السيادة هو أحد الأفكار الأساسيّة التي قامت عليها مفاهيم القانون الدولي الحديث ومبادؤه، خصوصاً في ظلّ التفسيرات التي تحولت إلى نظريات في هذا الشأن، وبات بعضها يتضارب مع الآخر. وردّ الدكتور القطاطشة سبب هذا الارتباك إلى خروج الكثير من الدول، ممثلةً بأنظمتها السياسيّة وقياداتها الفكريّة، عن النص الأساس الذي يدعو إلى صيانة الأمن والاستقرار والسلام العالمي، حيث ذهب معظم هذه الدول إلى البحث المحموم عن تأمين مصالحها الذّاتية، أما في السياق الآخر فقد أُسيء استخدام نظريّة السيادة ليسهل تبرير الاستبداد الداخلي والدكتاتوريّات، في الوقت الذي أُسيء فيه أيضاً استخدام قيم القانون الدولي ومفاهيمه ليصبح مطية تركبها الدول القوية للتسلط على الدول الضعيفة، خصوصاً إن كانت غنية بالمصادر الطبيعية.
وقال إنّه لما كانت الدولة عاجزةً عن العيش خارج إطار المجتمع الدولي، وبالتالي فإنّ العزلة والاعتزال أصبحا من المفردات غير المقبولة وغير المنطقية، فإنّ الكيانات السياسيّة وجدت نفسها مضطرة إلى التعاطي مع أطراف هذا المجتمع، الأمر الذي يعني ضرورة رضوخها لمبادئ قانونية عامة، مما يعني تنازلها عن بعض سيادتها، ومن هنا تولّدت مجموعة من المقاربات التي تتحدث عن تعارضات أو تخالفات بين مفهوم السيادة ومفهوم «الالتزام» في القانون الدولي. ورأى القطاطشة أنّ الفكر السياسي والمشتغلون به لذلك ذهب نحو إيجاد حل لهذه الجدلية تمثّلت في وضع طروحات دار الكثير منها حول سيادة الدولة الداخليّة وسيادة الدولة الخارجيّة، ومن ثمّ الدخول في حوارات حول التبعية والاستقلال والمساواة والحقوق القانونية العامة، إلى غير ذلك من المفاهيم، من مثل العولمة والتجارة الدولية والحصانات والامتيازات الدبلوماسيّة والحريّة وحق تقرير المصير ومفهوم التدخل وسيادة القانون وسموّ القانون وتنازع القوانين.
وتحدث رئيس مركز الدراسات الدكتور خالد الشقران عن قيمة الإصدار وأهميّته وتوافر مؤلّفه الدكتور الحضرمي على دراسة مهمة، مرحباً براعي الحفل ودأبه المستمر على حضور الفعاليات الفكريّة والأدبية والثقافية، ومقدراً للضيوف والجمهور حضورهم واهتمامهم بالمركز الذي غدا واحةً للإضافات الفكرية وندوات توقيع الكتب الجادّة، وغير ذلك من النشاطات والفعاليات المنتظمة التي يقيمها المركز في رحاب المؤسسة الصحفية الأدرنية"الرأي».


بدوره، عبّر الدكتور الحضرمي عن شكره لراعي الحفل وللحضور، اهتمامهم بمؤلفه الذي أراد منه الإفادة في موضوعه، ملقياً الضوء على بعض جوانبه وفصوله.

عمّان- إبراهيم السواعير