«نظرية الأمن الفكري»

06/03/2019

«نظرية الأمن الفكري»


أكد المشاركون في الجلسة الحوارية التي نظمها مركز الرأي للدراسات بالشراكة مع جامعة الحسين بن طلال بعنوان "نظرية الأمن الفكري" على وجوب أن يكون هناك معالجة فكرية وأمنية لمواجهة الانحراف الفكري والسلوكي في المجتمع عبر إنشاء مؤسسات متخصصة في تعزيز الأمن الفكري.
وناقشت الجلسة التي قدّم فيها الأستاذ المشارك في قسم الإعلام والدراسات الاستراتيجية-جامعة الحسين بن طلال د.حسن الدعجة مؤلف كتاب "نظرية الأمن الفكري"، أهمية بناء هذه النظرية لمواجهة التطرف والإرهاب.
وطرح المشاركون عدداً من الحلول والمعالجات لمواجهة الإنحراف السلوكي والفكري مؤكدين أننا في الأردن لدينا إمكانيات متاحة من قيادة حكيمة، وأجهزة أمنية لمحاربة هذا الفكر المتطرف.

أدار الجلسة: هادي الشوبكي
حررتها وأعدتها للنشر: بثينة جدعون


وتاليا أبرز ما تناولته الجلسة:

 


محاربة الانحراف الفكري

قال الأستاذ المشارك في قسم الإعلام والدراسات الاستراتيجية-جامعة الحسين بن طلال د.حسن الدعجة إن "نظرية الأمن الفكري" جاءت لأسباب عدة، مبيناً أننا إذا استعرضنا بعض الأرقام من خلال الاحصائيات العالمية التي تم تداولها بالفترة الأخيرة نجد أنه بعام 2017 تم إعدام ما يقارب 1917 شخص عسكري ومدني، والقيام بـ1913 تفجير وهجوم مسلح، وأكثر من 1000 عملية انتحارية، إضافة إلى مقتل 16 ألف شخص من المدنيين والعسكريين وإصابة 13 ألف منهم، وكذلك اختطاف أكثر من 3600 شخص الأمر الذي أدى إلى مصرع 22 ألف شخص، مشيراً إلى أن هذه الإحصائيات جاءت وفقاً للدراسات، في حين أن الرقم الحقيقي قد يكون أضعاف هذه الأرقام.
وأضاف أن هذه الأرقام تعطينا مؤشراً من أنه لا بد أن يكون هناك مؤسسات معينة أو برامج أو مجال معرفي علمي معين لمكافحة هذا المرض الاجتماعي الديني الممتد خلال السنوات الأخيرة، وبالتالي النظرية يحتاج شرحها أكثر من ساعة، ولكن بالمجمل نقول إن الأمن الفكري هو سلامة واعتدال التفكير بما يتفق مع النمط السائد من الفكر بالأمة التي ينتسب إليها الفرد بعيداً عن الغلو والتطرف.
ورأى الدعجة أن الأمن الفكري يقابله مفهوم الانحراف الفكري وهو سلوك غير سوي يماثل السلوك الجرمي لأنه يفضي لقتل الأبرياء والمدنيين، مؤكداً أنه ضمن مفهوم الانحراف الفكري يقع التطرف والغلو والإرهاب والقتل وجميع هذه الأعمال التي تكون خارجة عن نطاق الفهم الإنساني الطبيعي.
وتابع قائلاً: إن المفهوم الثالث يتمثل بالنظرية، وهي التي تحدد هوية العلم وتنظم عملياته وأدواره واتجاهاته، مشيراً إلى أن النظرية تمثل نسقاً معرفياً فكرياً حول ظاهرة معينة تستنبط من مجموعة مترابطة من الأفكار والمتغيرات والمفاهيم والقضايا الرئيسية والتي تتنبأ بهذه النتائج.
ولفت الدعجة إلى أن النظرية مكونة من قراءة في بعض النظريات المفسرة للانحراف الفكري ونظرية بقراءات الأمن في حقل العلوم السياسية والعلاقات الدولية، ومن ثم تأتي إلى بناء نظرية الأمن الفكري.
وأشار إلى أن هناك دراسات كثيرة عن الأمن الفكري وقد تكون بعض الدول العربية سبقتنا في هذا المجال، مضيفاً أنه كُلّف كباحث بعام 2013 من جامعة نايف لعمل نظرية بهذا الخصوص، وقد نوقشت النظرية على نطاق واسع في الجامعة/السعودية وفي الأردن.
وحول النظريات المفسرة للانحراف والسلوك الفكري قال الدعجة إن هناك ثلاث مدارس أساسية منها المدرسة الذاتية المعنية بعلم النفس والتي تعزو جميع الانحرافات والسلوك والجرائم للعامل النفسي، ثم يأتي الاتجاه الموضوعي وهذا يتناول نظريات عدة منها: نظرية الوصمة الاجتماعية ونظرية التفكك الاجتماعي والثقافة الفرعية، ونظرية الضبط الاجتماعي، مضيفاً أن هذه النظريات كافة تحدثت عن عامل محدد، فمثلاً الاتجاه الموضوعي بالنظرية الاقتصادية عزت قضية التطرف إلى الفقر والبطالة، وهناك من نقد النظرية وأضاف لها نظرية أخرى قائلاً: إن الفقر والبطالة أحيانا قد لا تكون السبب الرئيسي فالأغنياء أيضاً يقترفون الجرائم في هذا الجانب.
وأضاف إن النظريات الاجتماعية تحدثت عن قضية التغير الاجتماعي السريع في بنية المجتمع وأنه كلما توسع المجتمع تفككت الضوابط الاجتماعية التي تضبطه، وبالتالي يصبح إيقاع القيم الحاكمة للمجتمع أقل تأثيراً على الأجيال اللاحقة.
وأشار الدعجة إلى نظرية التفكك الاجتماعي التي عزت ذلك إلى التوسع العمراني بالمدن والأماكن وبالتالي قضية العشوائيات وقضية السكن غير المنظم والاكتظاظ والتهميش الأمر الذي يؤدي إلى الانحراف السلوكي والجمعي.
ولفت أيضاً إلى قضية الضبط الاجتماعي بمعنى أنه يوجد في المجتمع ضوابط قانونية وأخرى اجتماعية، فالضوابط القانونية مبنية على سلطة وامتلاك حق الاثراء الشرعي للدولة، في حين أن الضوابط الاجتماعية مبنية على العرف والعادات والتقاليد التي تضبط الفرد بأن يفعل كذا وأن لا يفعل كذا، وعندما تقل هذه الضوابط سواء القانونية أو الاجتماعية يكون هناك مناخ مناسب للانحراف الفكري.
أما المدرسة السلوكية الاجتماعية فقال الدعجة إنها عزت الانحراف الفكري لحب التقليد، فهناك أشخاص يُصوَرون كقدوة ونموذج للأفراد وبالتالي هناك من يقلد هذا الشخص والتقليد هذا له أبعاد من الأعلى إلى الأسفل بتغيير الظروف والأدوات من زمن لآخر ويزيد التقليد كلما كان الاتصال بين الأفراد أكبر وهذه ميزة تستفيد منها الجماعات المتطرفة.
وتابع أما نظرية الاختلاط التفاضلي فتقول: إن السلوك الانحرافي يتعلمه الفرد ولا يرثه، في حين أن بعض النظريات خالفت هذه المقولة بقولها: إن السلوك الانحرافي يأتي بالفطرة، مؤكداً أن هذه النظريات جميعها قابلة للنقد.
ورأى الدعجة أن نظرية صراع الثقافات والاختلاف بين الثقافات الجمعية والفرعية، أحيانا يؤدي للصراع الناتج عن التغير الاجتماعي في هذا الجانب، في حين أن نظرية الوصمة الاجتماعية ترى أنه أحياناً يوصم الفرد بوصمة معينة نتيجة فعله لشيء فيوصف به وقد تأتي الجماعات وتعطيه لقب أفضل وينتقل لقبه من لقب سابق سيئ إلى لقب مفضل مثل الشيخ فلان أو القائد فلان، وبالتالي استبدلوا ما أطلق عليه المجتمع من وصمة اجتماعية إلى صفة اجتماعية مقبولة لدى المجتمع، مشيراً إلى أن هذا الأمر يعاني منه الكثير من خريجي السجون الذين لديهم مشاكل وقضايا ويبحثون عن الوظيفة، وبالمقابل يحجم المجتمع عن تعيينهم وتزويجهم والتعامل معهم فتبقى هذه الوصمة لديهم، وبالتالي هذا يعدّ استغلالاً للجماعات في نقلهم لهؤلاء الاشخاص من بيئة إلى أخرى مقبولة بالمجتمع.
أما بخصوص المدرسة الدينية ونظرتها للانحراف الفكري، قال الدعجة إن المدرسة الدينية لا تقتصر على الإسلام والمسلمين فقط، فالمدرسة الدينية بالغرب موجودة في جميع الأديان، فقد أكدت على أن الدين يعدّ أكبر ضابط اجتماعي للمجتمع، بمعنى أن الملتزمين دينيا تتحكم بهم الضوابط الدينية الصحيحة، في حين أننا عندما نتحدث عن الانحراف فإننا نتحدث عن جماعات خارجة عن قضية التعاليم الدينية الصحيحة.
وأشار إلى أن الاتجاه التكاملي يستعرض النظريات المتكاملة التي اجتمعت وقالت إن البعد الذاتي والاجتماعي والعمراني ليس هو السبب وراء الانحراف الفكري، فجميع هذه المتغيرات تؤدي إلى الانحراف الفكري.
وقال الدعجة إنه بحسب تقييمنا للنظريات السابقة نجد أن كل نظرية من هذه النظريات السابقة عالجت جانب من الجوانب وجاءت بعصر من العصور، وبالتالي قد لا تحاكي موضوع التطرف الفكري الإنساني على مستوى الدين الإسلامي والديانات الأخرى والجماعات الأخرى، حيث يضيف الباحث بهذا الجانب أن العوامل النفسية وعوامل العصرنة والعولمة وازدواج المعايير والكيل بمكيالين والتهميش والاقصاء سواء على المستوى الداخلي والخارجي وقضايانا بالمجتمع الدولي، وكلما كان لنا قضايا بالمجتمع الدولي وينظر لها بنظرة سلبية وتراكمات ازدواجية المعايير لدى الإنسان وجدت بالمجتمع العربي الإسلامي، أوجدت حالة من التضاد والكراهية للمجتمع الغربي وبالتالي سهّلت انضمام الشباب للجماعات المتطرفة.
وأكد أن التطرف والإرهاب موجود بالديانات والمعتقدات كافة، مضيفاً إن التطرف والإرهاب ليس حصراً على المسلمين ونستذكر التطرف السياسي النازي الذي أودى بخمسين مليون إلى ثمانين مليون شخص بحسب الدراسات وتقدير الأرقام، وإلى 30 سنة من الحرب بين الكاثوليك والبروتستانت بالولايات الألمانية والتي أدت في النهاية إلى معاهدة وستفاليا واستقرار الوضع بانه لا مجال لفرض في الدين على آخر.
وتابع الدعجة: كما أن لدينا بالإسلام الخوارج الذين ظهروا في بداية العهد الإسلامي، وكذلك خوارج العهد الحديث ممثلة بالمنظمات الإرهابية سواء القاعدة أو داعش وغيرها.
وبخصوص بناء نظرية الأمن الفكري، أوضح الدعجة أن مفهوم الأمن الفكري أصبح اشكالية وكلما ازدادت الدراسات ازدادت قضايا التطرف، هل هو تطرف الظاهر أو الكامن أو الخلايا النائمة، مشيراً إلى أننا لا يمكن أن نقدر أننا قضينا على التطرف أوقمنا بالحد من هذه الظاهرة، ومؤكداً على وجوب أن يؤسس بمجال علمي معرفي من خلال هذه النظرية التي تؤسس لهوية علمية معرفية قد يكون على شكل بكالوريوس للأمن الفكري يكون مشترك بين القانون والشريعة وعلم الاجتماع والنفس أو العلوم الأخرى ذات العلاقة أو قد يكون مقرر للأمن الفكري بالجامعات، ويوجه النشء للوعي من التغرير والجهل والاستغلال ويشرح هذه الأفكار للطلبة.
وتساءل الدعجة: لماذا ينحو البعض التطرف من الغلو والآراء؟ ولماذا تختلف الاراء المتطرفة للأفراد الذين يعيشون بنفس البيئة دون غيرهم؟، مشيراً إلى أن فرضية النظرية من الفرضيات ليست كلها تتجه أنه كلما كانت هناك بيئة ملائمة للتطرف كان هناك استقطاب للتجنيد نحو العنف، وكلما كان هناك غياب للتنشئة السليمة كان هناك خلل بالأمن الفكري.
وحول المفاهيم الرئيسية للنظرية ونظرية حق اللجوء للمفاهيم والعوامل الداعمة والمعيقة، نجد أن المفاهيم منها الأمن والفهم والأمن الفكري والاعتدال والتسامح والتعدد هو قبول المدارس الفكرية للأخرين دون تشدد، والتنوع هو اختلاف اتجاهات أفراد المجتمع بناء على اختلاف أفكارهم مع قبول هذا الاختلاف.
وبيّن الدعجة أن قبول الآخر يعدّ تجسيراً للهوة بين الأنا والآخر بقبوله كما هو، بمعنى أن تقبل الآخر كما هو لا كما تريده أنت، لكم دينكم ولي دين، هذه القاعدة الفقهية معروفة، ونأتي للمتغيرات الوسيطة منها التنشئة الاجتماعية والدينية، والغزو الثقافي، والصدام الحضاري والبيئة الحاضنة للجوانب الدينية والسياسية والتهميش والاقصاء والبطالة، ثم نأتي إلى المفاهيم السلبية منها: التطرف والغلو والتعصب والتقليد والجهل والتغرير الذي معناه ملء الفراغ الفكري بآخر منحرف، في حين أن الجهل: هو نقص بالإدراك الصحيح.
وحول التعميمات أشار إلى أننا نتحدث عن العوامل الداعمة للأمن الفكري منها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، والمعرفة الصحيحة للدين، ووحدة الأمة الإسلامية والمحافظة على اللغة العربية، وإمكانية التعدد والتنوع بإطار الوحدة الفكرية، إضافة إلى شرعية الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والقواسم المشتركة بين أفراد المجتمع مهما تعددت منابته وأصوله، مضيفاً إليها قضية العوامل المعيقة للأمن الفكري والتي منها: اختلاف التفاسير والتأويلات الدينية حول القضايا الدينية والاجتماعية، واختلاف التفاسير ووجود فرق وجماعات، واتساع النطاق الجغراقي واختلاف اللغة، والنظرة السلبية تجاه الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وإمكانية التواصل السلبي بين الجماعات دون رقيب، ووجود فراغ فكري لدى النشىء، وتدني مستوى الرفاه الاجتماعي في بعض المجتمعات، واختلاف الأنطمة التعليمية، إضافة إلى إغفال التنمية في بعض المناطق البعيدة عن المركز.
وتساءل الدعجة عن إمكانية بقاء الانحراف الفكري، وتعزيز الأمن الفكري، مضيفاً أنه طالما أن هناك بعض العوامل موجودة مثل ازدواجية المعايير والاقصاء سيبقى التطرف موجوداً، وبالتالي علينا كباحثين أن نفكر بكيفية الحد من هذه الظاهرة.
ورأى أننا بالأردن لدينا إمكانيات متاحة من قيادة حكيمة، وأجهزة أمنية لمحاربة هذا الفكر المتطرف، مضيفاً أن هذا لا يكفي، فالتطرف والانحراف سيبقى مستمراً ما لم يوضع له علاج من ناحية أمنية وفكرية، فالفكر لا يحارب إلا بالفكر.

العنف السياسي والأمني

وفي مداخلة له قال الأكاديمي الإسلامي عضو حزب التيار الوطني د.حمدي مراد إن العقيدة هي منبع أي فكر، فلو نظرنا لديانات ومعتقدات الشعوب في العالم سواء السماوية وغير السماوية لوجدنا أن أي فكرٍ نشأ لديها قام بناءً على معتقد، مضيفاً إن كل ما يستقر بالقلب عقيدة يترجمه الفكر فهماً تفصيلياً وينجم عنه سلوكاً بعد ذلك على الأرض.
وأكد أننا بحاجة إلى نظرية التوازن في تحليل نظرية الأمن الفكري، مبيناً أننا حينما نتفق جميعاً على أن هناك أنواعا من العنف السياسي والاقتصادي والاجتماعي والديني والأمني والنفسي نرى أن ما يطرح من فكر عالمي يواكب مصالح دول للأسف يركزون على جانب ويتركون كل الجوانب الأخرى، فيقولون لك مثلاً إن العنف الديني هو مصدر العنف، وينسون أن عنفاً سياسياً أنشأ وليس عنفاً دينياً، وأنه دفاعاً عن النفس والمعتقد سمي عنف، وألصق العنف بهذا الدين أو بهذا المجتمع أو بالاقتصاد، وبرأيه أن السيادة والسياسة هي التي تسوس العنف أو تمنع عنه المجتمع، وذلك بناء على ما يقوم في هذه السياسة من مسار مجتمعي يقاد ضمن نظرية فكر تلك السياسة، والأصل أن يكون للسياسة معتقد ووالذي بدوره أنشأ منهجاً سياسياً.
ورأى مراد أن أول عنف خطير في أي بقعة بهذا العالم هو العنف السياسي والأمني معاً، لأن العنف لا ينبع إلا من مسارٍ أمنيٍ مبرمجٍ رسمي يضع لنفسه إطاراً وحماية ثم ينطلق إلى المجتمع، لافتاً إلى أنه قد يعكس ظلماً وقمعاً على مستوى دولة، فمثلاً إسرائيل تسمى دولة ديمقراطية بلا منازع في العالم تقريباً بصرف النظر عن التحليلات التي تقول نعم أو لا، ومضيفاً أنه بالمقابل أعطني معدلاً في هذه الدول العالمية الحاكمة لسياسة العالم بمعتقداتها ترى إسرائيل أنها دولة ديمقراطية؟، وبالتالي نبع هذا العنف من مصادر سياسة القوة، ونظريات الاعتقاد القائمة على اقصاء الآخر.
ومن وجهة نظره وبناء على دراسات لديه أن الديانات السماوية وغير السماوية في مرات كثيرة تبقى أهدأ في عنفها قياساً للعنف السياسي، حيث يأتيك حاكم يطيح بالنظام السابق وتمتلئ الشوارع بالجيوش والسجون وتفتح معتقلات جديدة لكل المعارضين صالحين وطالحين، ومن ثم يقود هذا النظام بشعار ديمقراطي وينشر مؤسسات تحت هذا العنوان وبالمقابل السجون مليئة والعنف على أشد أنواعه بدء بالاعدامات والتغييب القسري والقهري.. وغيره.
وأشار مراد إلى أن المفهوم الذي طغى على عنوان أن الدين مصدر للعنف وهو أخطرها يجب أن يقلب المفهوم بحيث يصبح أن الدين يعدُّ مصدر الأمن والاستقرار شريطة أن يُفهم حقاً، وبالتالي إن هذا الترتيب يبدأ أذا أردنا الحديث بموضوعية على مستوى العالم ونظرياته السياسية والأمنية متسائلاً: هل هي في ظل أمن فكري يصدر عنها، أم أن السلاح والقوة والهيمنة والمال هو الذي يقلب الحق باطلاً والباطل حق؟، مضيفاً أننا أمة أصيبت في كبدها وقلبها في القضية المركزية (فلسطين) متحدثاً بالبعد الواقعي فالمحتل الآن الذي يرزخ تحت الاحتلال هو الإرهابي والمسيطر المدمر القاهر لكل أنواع الاخلاق الإنسانية وليست الدينية هو متسيّد الديمقراطية في الشرق الأوسط بل ونموذج عالمي لها.
ورأى أنه يجب العودة لتأسيس وترتيب هذا العنف، بحيث يبدأ بالعنف السياسي والأمني ويمكن أن يكون الأمن وحده بشرط أن يكون نابعاً من سياسات هذه الدول، وأن إرهاب وعنف الدولة هو الخطر الدائم على المجتمع الإنساني وليس أفراد عصابة صنعها إرهاب الدولة.
وبرأي مراد أن العنف الاقتصادي يأتي بعد العنف السياسي وهو ينشأ منه، ولا يمكن إلا أن يكون وليداً منه، لافتاً إلى أن العنف الاجتماعي يأتي كردة فعل طبيعية للدفاع عن النفس فيسمى عنفاً وهو ضحية، وحتى لو ظهرت هذه البوادر العنفية، فإنها بحسب مراد نتاج ذلك الضغط الذي يولد انفجاراً غير متوازن نتيجة حصاره الداهم ليل نهار.
وتابع أما العنف الديني فهو قمة الضحية في عصرنا بل عبر العصور، إذ لا يمكن أن يكون عنف الدين أمنا وسلاماً، إلا أن هذا لا يمنع أن ينحرف البعض من اتباع الديانات.
وقال مراد أننا نعلم جيداً ووفقاً لتصريحات قادة غربيين أن داعش هي نشأة أجهزة أمنية استخباراتية مخابراتية إسرائيلية-أميركية وغيرها، وبالتالي لا نريد أن ندافع خطأً عن أنفسنا، لكن إذا كان عدوك يصرح بعداوته ويعلن هذا الموقف فكيف أدافع عنه بالقول إن ما لدي هو إرهاب إسلامي؟!، مؤكداً أن داعش وأمثالها هم مسلمون منحرفون، وردنا عليهم بحسب ما يقول الإسلام فيهم بأنهم خوارج بعيدون عن الإسلام، ولذلك حتى نضع النقاط انصافاً وعدلاً فنحن أمام معركة للدفاع عن أمتنا العربية والإسلامية التي تواجه حرباً ضروساً لقلعها من جذورها، وبالتالي ليس علينا أن نجلد أنفسنا ولا أن نسمح لأنفسنا بالدفاع باطلاً وخطأً.
وأكد على حكمة القيادة الهاشمية منذ تأسيس الإمارة للآن في تعاملها وفي نتائج مخرجاتها، والوازع الذي حفظ هذا التوازن هو هذا الانتخاب لرسالة بفهم معتدل وتطبيق متوازن مع كل الظروف المحيطة.

هيبة الدولة

وبدوره قال المحامي النائب صالح العرموطي أول ما يذكر عند الحديث عن الأمن الفكري هو إرهاب الكيان الصهيوني الذي يمارس صباح مساء هو بفكر، مستذكراً قول وزير الأديان الإسرائيلي: إن قوة الكيان الصهيوني وعودته هو الرجوع للمناهج في العقيدة، مضيفاً بينما نحن نريد أن نغير المناهج، وتغييرها قد يكون سبباً في التطرف والإرهاب.
وأضاف العرموطي أن قبول الآخر يصب في باب الاجتهادات، مؤكداً أنه لا بد من قبول الرأي الآخر إذا كان ضمن الحوارات الإيجابية، إذ إن عدم قبوله يعدّ تطرفاً.
وبرأيه أن تقصير وسائل الإعلام في هذا الأمر في وضع أخطر ما يمكن أن يكون، مشيراً إلى أن المدارس والجامعات تعاني من عنف اجتماعي، مشيراً إلى أن الفقر لا يولّد العنف، وبالمقابل يمكن للغني أن يمارس التطرف والإرهاب بينما يحافظ الفقير على قيمه وأخلاقه ومجتمعه.
وحول التسامح مع الإنسان قال العرموطي إن العفو العام الذي صدر في الأردن إلا دليل على مواجهة التطرف والانحراف.
وأشار العرموطي إلى أن الولايات المتحدة والكونغرس تصدى لوضع الحركات الجهادية في فلسطين على قائمة الإرهاب، بالرغم من أن الشرعيات الدولية وحق تقرير المصير مصان ومحصن دستورياً وشرعياً.
ورأى أن الإسلام هو الإسلام ولا يوجد إسلام معتدل أو متطرف، وبالتالي لا يوجد عنف ديني، مستشهداً: "متى استولدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احراراً"، مشيراً إلى أنهم في البلاد الاوروبية يأخذون بآراء الفقهاء الإسلاميين.
وشدّد أن الضابط الديني أساسي في مجتمعنا، في حين أننا ابتعدنا عن الدين، وهناك فضائيات إلحادية تبث سمومها ولا يوجد لها رقيب، وبرأيه أن كل شخص عنده عقيدة سليمة لا يسعى للتطرف، فالإسلام وصل للصين بسماحته، وبالتالي هناك هجمة على الإسلام الذي هو بمواجهة المشروع الصهيوني.
وقال العرموطي إن القوة القانونية لم تكن ضابطة، بل هيبة الدولة والقدوة الحسنة والمساواة، فالانفتاح والمشاركة والمساواة تؤدي إلى الغرض، مؤكداً أنه عندما تُشاركنا الدولة في صنع القرار فإننا سندافع ونعزز هذا الموقف، ولا نصبح ضده، وبالتالي نحن بعيدين عن المشاركة، فمن يخرج بمسيرات واعتصامات يتم زجه بمحكمة أمن الدولة الأمر الذي يولّد عنفاً أسرياً ومجتمعياً.
وأكد أن اللغة العربية هي الأساس لتوحيد الوحدة والتشاركية، لافتاً إلى أن مسؤولينا تخونهم الذاكرة في استعمال مفردات لغتهم العربية ليلجأوا للمصطلحات الأجنبية في التحدث والتعبير، بينما نجد برلمانية أو رئيسة دولة أجنبية تتحدث باللغة العربية وتعتز بها، داعياً إلى وجوب المحافظة على اللغة العربية وتقويتها، وإلى تفعيل قانون الدفاع عنها غير المطبق على أرض الواقع.
وبرأي العرموطي أن داعش وجدت لتشويه الإسلام والمسلمين حتى لا يكون للإسلام دور بهذا المجتمع، متسائلاً: التجسس على الدول العربية وسجن أبو غريب..ألا يعدّ إرهاباً؟.
ودعا إلى وجوب القيام بمراجعة كاملة بالسياسات الحكوميةـ، عاداً الحكومات المتعاقبة مشاركة في دعم هذا الجانب إذا لم تجد الحلول السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والمحافظة على الوطن والمواطن، مضيفاً إن يهودية الدولة مخالفة للشرائع الدولية، وإننا بوحدتنا ووحدة صفنا نؤدي للأمن الفكري الذي نسعى إليه.


مراكز الرأسمالية العالمية

قالت الأمين الأول لحزب الشعب الديمقراطي الأردني عبلة أبو علبة إننا نتحدث تحت هذا العنوان ونحن مثقلون جميعاً بالوقائع الإرهابية المتتالية التي تأخذ أشكالاً فكرية ودموية ميدانية سواء في الدول العربية الشقيقة أو حتى في الأردن.
وأشارت إلى أنه في العام 2006 عانى الأردن من خمسة حوادث إرهابية ومن حادثين بعام 2008، واصفة إياها بالحوادث المؤلمة والمفجعة والمستنكرة.
وأوضحت أبو علبة أن هناك ثلاثة عوامل أطبقت على الحالة الفكرية في البلاد، أولها: القمع السياسي المتواصل الذي أدى إلى تآكل الانتماء للوطن، بحيث أصبحت الانتماءات الفرعية الجهوية بمختلف أشكالها بديلاً للإنتماء للوطن.
وأضافت أن ثاني هذه العوامل يتمثل بالمراكز الرأسمالية العالمية التي يرتبط بها الأردن، فعندما نقول أزمة اقتصادية يعني أنه يوجد هناك ثلاثة مراكز مالية عالمية رأسمالية يرتبط بها اقتصاد الأردن وانتج ما انتجه من حالة افقار وبطالة وجوع وتدهور بالأوضاع المعيشية لم يشهدها الأردن من قبل على الاطلاق، وهذه المراكز الرأسمالية الثلاث ثمثلها منظمة التجارة العالمية التي ارتبط بها الأردن عام 2000 وأصبح عضواً فيها وتخضع كل التشريعات والقوانين لمتطلبات هذا المركز، وصندوق النقد الدولي التي بدأت أولى تطبيقاته عام 1992 ووضعت تشريعات وقوانين أجهضت على حصة الأردن من الاقتصاد الوطني في الثروات الوطنية، إضافة إلى الإتفاقات الاقتصادية مع العدو الصهيوني والتي تؤدي إلى ما تؤدي إليه الآن.
ورأت أبو علبة أن هذه العوامل لها أخلاقياتها، ومن شانها أن تعيد انتاج الإرهاب بأشكال مختلفة، سواءً الفكري، أو الدموي، أو إرهاب مسلكي، واستقطابات، إضافة إلى تآكل شعور الانتماء للوطن.
وأشارت إلى أن المسألة تعدّ شديدة الغرابة والاستنكار بما يتعلق بالمنظومة التعليمية لأن كل التعديلات التي جاءت على المنظومة التعليمية إذا ما أردنا مواكبتها منذ أن دخل موضوع معاهدة وادي عربة 1994 وما بعد ذلك ثم المنظومة الاقتصادية نفسها، نجد أن كل التعديلات جاءت لتتجاوب مع متطلبات هذا التطور في الجانبين الاقتصادي والسياسي، الأمر الذي أنهك وعي الجيل الجديد والناشئ إلى حدود كبيرة جداً.
وقالت أبو علبة إن الاستعمار الآن يحتل اقتصاد بلادنا بأقل التكاليف الممكنة، بل بدون التكاليف، فالانظمة السياسية تدفع هذه التكاليف، مشيرة إلى أن الاستعمار قام باستخدام وإنشاء آليات إرهاب داخلي وتدمير ذاتي مستخدماً هذه المجموعات تحت الغطاء الديني والايديولوجيا.
وأضافت أن علينا أن نتساءل عن قضية هذه المجموعات سواءً مجموعات أو أفراد؟ وما هي القضية التي يسعون من أجل الدفاع عنها، فهم لم يعلنوا عن برنامج سياسي سوى استخدام دولة الإسلامية فقط، متسائلة من قال إن دولنا ليست إسلامية؟، فالدساتير تنص على هذا، والمجتمع مجتمع إسلامي بأخلاقياته وثقافاته، كما أنه مجتمعاً تعددياً، وبرأيها أن استخدام عنوان دولة إسلامية يعدّ أمراً تضليلياً، وأن آليات التدمير الذاتي انشأتها وما تزال تستعملها الإدارة الأميركية على وجه التحديد والدول الاستعمارية ومن يسير في ركبها من الدول العربية ويغذونها بالمال.
وتابعت أن المسألة باتت اعتيادية بالنسبة لنا فمن يعلن انتهاء داعش في سوريا ليست قيادات داعش ولا قيادات عربية، بل تصريحات أميركية فهم يقررون متى يستخدمون هذه الآلية التدميرية ومتى يوقفونها، والاحتياطي دائماً موجود لديهم سواء في أماكن أو حواضن.
وأكدت أبو علبة أننا لا قبل لنا بهذا كله، إلا أن هناك قضايا داخلية نستطيع ان نتحكم بها، من نمط المنظومة التعليمية والتحصين الداخلي المجتمعي عبر ايجاد فرص عمل والتخفيف من وطأة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتلاحقة، مشيرة إلى أن هناك برامج وأشخاص وطنيين قدموا حلولاً للأزمات القائمة في البلاد، لكن للأسف لا أحد يسمع لأن الذي يتحكم بالقرار السياسي والوطني سواء اقتصادي أو فكري أو تعديل مناهج متطلبات هي مراكز الرأسمالية العالمية التي أغلالها تتحكم بالبلاد وبنفس الوقت هذه الشروط السياسية المفروضة علينا.
ورأت أبو علبة أنه لا يوجد هناك شيء اسمه صراع ديني أو ثقافي، فالثقافات موضوع يعتمد على إدارة التعامل معه ومع الثقافات والحضارات، مشيرة إلى أنه حتى أصحاب هذه النظريات التضليلية التي جاءت منتشية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1990 وتحدثوا عن صراع الحضارات تراجعوا عنها.
داعية إلى وجوب التدقيق في ما يسمى بـ"صراع الحضارات"، أو صراع الأديان، وبرأيها أن الصراع الموجود هو صراع مصالح، وهو الذي يحكم علاقة الإدارة الأميركية بالصين وروسيا.

العنف الفكري والمشروع الأميركي الغربي

قال أمين عام المنتدى العالمي للوسطية المهندس مروان الفاعوري إن الجيل الرابع من الحروب الذي نشهده في عالمنا اليوم هو جيل الحرب الفكرية والفوضى الداخلية التي لا تكلف العدو استخدام رصاصة واحدة أو جندي واحد من جنوده.
وأضاف أنه على يقين أن هناك حديث باتجاهات متعاكسة عن موضوع الأمن الفكري والفوضى الفكرية والعنف الفكري، ولكن بالتأكيد كل مجتمع يمكن أن يعاني من فوضى وعنف فكري، ويمكن أن تكون هناك ردات فعل أيضاً، مشيراً إلى أن ما تشهده منطقتنا من عنف هو من إسرائيل والإدارة الأميركية بما تمارسه من برامج هدفها استمرار الهيمنة على المنطقة.
وقال الفاعوري إذا كنا نتحدث عن قراءات وعن استطلاعات فإن منظمة "Freedom house" قدمت دراسة نشرت فيها ترتيب الدول حسب الحرية والديمقراطية، واحتلت فيها الدول العربية ذيل القائمة، باستثناء بعض الدول العربية منها المغرب والأردن والكويت، وعدّوها حرة جزئياً ومن أفضل الدول العربية.
ورأى أن مشروع مكافحة الإرهاب ونشر قيم الاعتدال والوسطية هو مشروع مستمر في حياة الأمة كلها من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لقيام الساعة، لأنه يمثل منهج الاعتدال والتوازن والعلاقات القائمة على التعايش بين مكونات المجتمع وأطيافه ومذاهبه.
وأضاف أن ما يجري الآن من خلط للأوراق ومحاربة الإسلام كدين وتدين ودور القرآن والحركات الإسلامية المعتدلة والعلماء وتكميم أفواه العلماء يعدّ المشروع الذي يخدم هيمنة إسرائيل على هذه المنطقة وتقسيم العالم.
ولفت إلى أن أبحاثنا التي تقدم لا بد أن تشتمل على توعية أبناء الأمة سواء حكام أو محكومين إلى خطر هذه الفوضى، لأن مفهوم الأمن الفكري مستمد من القرآن: "فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمّنهم من خوف"، مؤكداً أن احترام قيم الأمة ودينها يؤدي إلى إشاعة مفهوم الأمن الشامل بكل مظاهره.
وتابع أن التعددية الفكرية والفقهية التي سبقنا بها العالم كله بمذاهبنا ومدارسنا الفكرية (الحنابلة والشافعي والمالكية) يؤكد على حق الإنسان بالتفكير واحترامنا لبعضنا البعض، "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين"، مؤكداً أن هناك تداعيات نتيجة الفوضى وهناك عمليات إرهابية حصلت بالأردن، إذ إن هذا الإرهاب هو توظيف لهؤلاء الناس بما يخدم أجندة الدول التي تريد أن تخيف أنظمتنا السياسية وتوظيف هذا الإرهاب وهذه الحركات بصورة سلبية.
وبرأي الفاعوري إن مشروع الإرهاب ومشروع الفوضى الفكرية يخدم الطغاة والغزاة الذين يريدون أن تستمر الأوضاع والأنظمة المستبدة التي جاءت بحيث تعطي هذه الأعمال الإرهابية مبرراً للاستمرار في أعمال العنف.
وقال إن موضوع العبث بالمناهج الدراسية وتغيير كثير من القضايا التي تعدّ ثوابت في تحصين الشباب من التطرف وعملية شطب العديد من الآيات القرآنية التي حدثت في كثير من الدول وبشكل ممنهج يعدّ جزءًا من الحرب الفكرية التي تستهدف نشر الفوضى في العالم الإسلامي وليس تحصين المجتمع العربي والإسلامي، ولذلك فنحن ضحايا عندما نتحدث عن الجزء الذي يعجبهم في إدانة الإسلام وأن المعركة هي داخل الإسلام وان القصة كلها خوارج هذا العصر، فبرأيه إن هذا يعدّ كلاما غير دقيق وغير صحيح بوسط المعركة.
وتابع إن المعركة الحقيقية أننا ضحايا لمشروع فكري أميركي غربي يهدف إلى استمرار الفوضى في المنطقة، مؤكداً أن مسؤولية العلماء في ان ينبهوا الناس في تعزيز الأمن الوطني والتماسك الداخلي بمواجهة خطر الاضطراب الفكري الذي يمكن أن يشكل خطراً على فكر أمتنا سواء كنا مسلمين أو مسيحيين في هذه البقعة التي عشنا بها قرون طويلة ولم نتحدث عن الانحراف الفكري.

تعزيز الأمن الفكري

ومن جهته قال أمين عام الحزب الوطني الدستوري د.أحمد الشناق إننا نعيش عصراً تعددت وتنوعت فيه التحديات الفكرية والمشارب الثقافية، حيث أصبح تعزيز الأمن الفكري حجر الزاوية في الحفاظ على وحدة وتماسك المجتمع.
وأوضح أن مفهوم الأمن الفكري يعني: أن يعيش الناس في أوطانهم وبين مجتمعاتهم آمنين مطمئنين على مكونات أصلهم وثقافتهم ومنظومتهم الفكرية، مضيفاً أن الأمن الفكري غايته تحقيق الطمأنينة على سلامة الفكر والاعتقاد، وذلك بأخذ العقيدة من مصادرها الصحيحة والتفاعل الرشيد مع الثقافات الأخرى، وهذا يتحقق من خلال تعزيز تأصيلي للأمن الفكري بالتعزيز المفاهيمي، والتربوي، والوقائي.
وأضاف الشناق إن التعزيز المفاهيمي يتأصل بالمفاهيم والمصطلحات بما يتجاوز أزمة الفهم والمصطلح في الأردن: وذلك من خلال تقدير الاختلاف وواقعه الذي تأكد تأصيلاً في العقيدة الإسلامية من خلال الآية: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك، ولذلك خلقهم"، مشيراً إلى أن الخلاف بين البشر بتصوراتهم وأفكارهم وعقائدهم سنة قدرية من سنن الله في الخلق ولا يمكن مغالبتها وإنكارها.
وأشار إلى أهمية كل من التعزيز التربوي بنشر الوسطية والاعتدال، إذ إن ذلك يربط الأمة بتعليماتها وحماية أهل العلم من الطعم، والتعزيز الوقائي عبر التحذير من الفرق المخالفة لمنهج الحق والتحذير من أهل الضلال والأئمة المضلين، وكذلك التحذير من الفكر العلماني المنحرف (الالحادي) مع التركيز على الفكر التأصيلي المتعارف مقابل الصدام الحضاري.
ورأى الشناق أن الأمن الفكري يقوم على ثلاثة محاور: الفكر، الثقافة، الايديولوجيا، مضيفاً أن الوقاية تكون للفكر والعقل من الآراء الفاسدة بأشكال المتعددة والتي منها: الغزو الفكري ومخاطره، كالتطرف الفكري ممثلاً بالعلمانية والأفكار المدنية، والمذاهب الهدامة تتمثل بالآراء الضالة، ومناهج الغلق والأفكار كالخوارج، إضافة إلى مذاهب العلمانية (الالحادية).
ولفت إلى وجوب التفريق بين كون الفكر هو الموضوعات التي ينتجها العقل البشري وبين مصطلح الأمن الفكري، والذي يعدّ مصطلحاً جديداً يعني الإطمئنان إلى سلامة الفكر من الانحراف الذي يشكل تهديداً للأمن الوطني، وهو أحد مكونات الأمن بصفة عامة وهو أساس وجودها واستمرارها في منظومة الأمن للحفاظ على وحدة وتماسك المجتمع وتنمية الوطن.
وأضاف الشناق أنه لا يمكن فصل الأمن الفكري عن مفهوم الأمن الشامل، الذي يعدّ منظومة أمنية متكاملة (اقتصادية وسياسية وعسكرية واجتماعية وثقافية وفكرية) ولها تقاطعاتها ونقاط التقائها وبينها ترابط كلي واستقلال جزئي، مؤكداّ أنه لا يمكن اختزال مفهوم الأمن الشامل بأي جزء منها.
وأشار إلى دور ثورة الاتصالات والمعلومات التي لم تعد الحدود الطبيعية للأوطان قادرة أن تشكل عائقاً أمام عملية الاتصال والتواصل وتلقي وبث الأفكار، فالعالم بأسره أمام تحديات كبيرة لم يواجهها من قبل وبخاصة متكاملة الأمن الفكري والثقافي في ظل عولمة أصبح فيها العالم بأسره يعيش في قرية صغيرة.
وشدّد الشناق على أن الأمن الفكري وتحقيقه لسلامة المجتمع واستقرار الوطن يعدّ تحدياً كبيراً فهو من جهة في مواجهة توجهات متعددة من طروحات متطرفة تنامت مع العقود الأخيرة ومن جهة أخرى في مواجهة مع غزو فكري وثقافي يهدد البنية الثقافية والفكرية المتأصلة بإحالتها في تكوين المجتمع ليضع عبء تحقيق الأمن الفكري على خطورته كواجب وطني ومسؤولية تضامنية بين الدولة والمجتمع بجميع شرائحه ومؤسساته.
وأوضح أن من آثار انعدام الأمن الفكري ما يلي: تهديد تماسك البنية الاجتماعية للمجتمع وتفككه وانحلال مبادئه، والتأثير على التنمية الاقتصادية لتحويل النفقات إلى المجال الأمني، وهجرة رؤوس الأموال، وفرص الاستثمار، والتأثير على سمعة الدولة بأنها دولة ضعيفة، والنيل من ثقل الدولة السياسي، وتهديد الحرية الديمقراطية.
وأضاف أيضاً أن الغلو في التكفير يؤدي إلى استباحة الدماء والقتل للأبرياء وإثارة الرعب وتشويه صورة الدين، وإثارة الخصوم والأعداء للإسلام وأهله وجر المعركة إلى بلادهم، وكذلك التهيئة لنفاذ الغزو الفكري والعسكري الأجنبي إلى بلاد المسلمين وبخاصة في تشويه الإسلام عقيدة وشريعة، وتدمير لمرتكزات الأمة الاخلاقية والاقتصادية والعلمية، إضافة إلى نشر الكراهية بين غير المسلمين للإسلام وأهله.
وقدّم الشناق معالجات للانحراف الفكري منها:
- إن حماية المجتمع من الأفكار المضللة وثمرات الفكر المنحرف على مختلف مصادره ينطلق من حماية المجتمع من الجهل، وهو اعتقاد الشيء على خلاف ما هو عليه، فالجهل والظلم هما أصل كل شر بحسب الآية القرآنية: "وحملها الإنسان انه كان ظلوماً جهولاً".
- التأسيس للأمن الفكري على مفهوم التنمية الفكرية وتجاوز ردود الأفعال ليكون العمل بناء تأصيلياً، ولا يعالج مشكلات أمنية، بل يجدد مقومات ومتطلبات الفكري وعوامل ترسيخه ونشره بين شرائح المتجمع "صناعة أجيال" بخطاب الفكر والعقل.
- تفعيل دور المؤسسات الحكومية والمدنية وبيان مسؤولياتها في ذلك.
- تفعيل ونشر فقه الائتلاف وفقه الاختلاف.
- تفعيل درو وسائط الإعلام الإلكتروني والتوظيف الآمن لوسائل الإعلام الجديدة "فيسبوك، تويتر" لنشر الأمن الفكري.
- التأكيد والتأصيل في تبني آليات فاعلة لثقافة الحوار البناء وإيجابيات ومتطلبات الانفتاح والتفاعل الرشيد مع الثقافات المختلفة.
- العدالة الاجتماعية ومعالجة قضايا الفقر والبطالة وفراغ الشباب.
- أن تتبنى المؤسسات كافة، ومراكز البحوث والدراسات مشروعاً لبناء "مفاهيم ومصطلحات" وضبطها وتحديدها كطريق لتحقيق الأمن الفكري.
- البحث في العوامل الجوهرية المعززة والمهددة للأمن الفكري، بمراعاة العوامل الثقافية والاجتماعية والإعلامية والاقتصادية والسياسية.
- التركيز أن تكون المعالجات مستقاة من واقع الأمة والمجتمع، والتأكيد على أن الأمن الفكري يتعلق بالعقل، والعقل هو آلة الفكر وأداة التأمل والتفكير الذي هو أساس استخراج المصارف وطريق البناء الحضاري، ولذلك وجب المحافظة على العقل من المؤثرات الحسية والمادية كافة.
- خلافة الأمن الفكري: استقامة المعتقد وسلامة الفكر بصيانة العقل من الانحراف، ونتيجته التفرق والتشرذم المؤدي للصراع بتهديد مباشر للأمن الوطني بتفتت المجتمع وسقوط الدول.

تحصين الأمن الوطني

وفي مداخلة له قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة مؤتة د.وليد العويمر إن هناك علاقة ارتباطية قوية ما بين تحصين الأمن الفكري والأمن الوطني.
ورأى أنه كلما كان هناك تحصين للأمن الفكري عند الشباب بخاصة والمجتمع عامة بجوانبه المتعددة وبالأخص الجانب الديني الذي يتعرض لهجمة كبيرة عليه، يمكن أن نحقق ما يعرف بالأمن الوطني في جميع جوانبه السياسية والاقتصادية، إذ إن مفهوم الأمن لا يتعلق بالجانب الأمني فقط، بل بالجانب السياسي والاقتصادي والثقافي والتربوي أيضاً.
وأكد العويمر على أهمية وجود نظرية للأمن الفكري تعالج كثير من الانحرافات الفكرية الموجودة في المجتمعات العربية والإسلامية، وبرأيه كدارس وباحث أن معظم النظريات التربوية في جامعاتنا مستوردة من الخارج، وأننا ما زلنا نتحدث بنظريات تربوية غربية، مبيناً: لدينا في القرآن والسنة والتاريخ الإسلامي نظريات يمكن الاستشهاد بها، واعتمادها كنظرية للأمن الفكري في معالجة أسباب الانحراف الفكري، عاداً أن النظريات من الخارج ظهرت في المجتمعات الغربية لمعالجة تناسب مجتمعاتهم.
وأشار إلى أن معظم الدراسات التي أجريت من قبل الدولة الأردنية أو الباحثين والدارسين ركزت على الجانب العلاجي ولم تركز على الجانب الوقائي، فالكل يتحدث، والمشكلة الأكبر أنه لم يتم اجتثاث كثير من الفكر المتطرف، بدليل العمليات الإرهابية التي عاشها الأردن، داعياً أولاً إلى وجوب البدء بالعلاج وليس انتظار وقوع المشكلة.
ورأى العويمر أن الدولة الأردنية عليها مسؤولية كبيرة نحو الجيل القادم الذي سيستلم المسؤولية، بسبب ملاحظته لوجود انحراف فكري واضح جداً لدى هذا الجيل، مضيفاً أنه على الرغم من اختلاف الاعمار والمستوى التعليمي لأن الفكر متشابه، إلا أن هناك سخطا كبيرا على الدولة، واغترار فكري، فإذا كان الطالب لدينا بالجامعة وهو على مقاعد الدراسة لديه هذا السخط، فماذا سيفعل حين يصبح بموقع العمل؟
وبرأيه أن هناك تقصيراً من قبل الجامعات بمعالجة موضوع الأمن الفكري، داعياً إياها إلى إقرار مواد تختص بالأمن الفكري لتحصين فكر الشباب، فبرأيه أن ثقافة شبابنا ضحلة، ما يجعلهم لقمة سائغة لأي تيار خارجي آخر يمكن أن يتلقفهم ويحولهم إلى قنابل موقوتة يمكن أن يتم استخدامها بأي لحظة، داعياً لإيجاد مواد تدريسية لتدعيم الأمن الفكري على غرار تدريس المادة الإعلامية للطلاب .

العدالة التوزيعية

قال الباحث بقضايا المواطنة والاستشاري الاجتماعي د.فيصل غرايبة إن مفهوم الأمن المجتمعي مفهوم مركب يمتد من ضمان سلامة المواطنين وأمنهم وحماية ممتلكاتهم إلى أمن الوطن واستقراره ووحدته وتقدمه، كما يشمل مختلف المجالات الدينية والأسرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والاستراتيجية وغيرها من المجالات، وهو ما يفرض عدم الاختزال أو الاشتغال بمقاربة ضيقة أو أحادية.
وأكد أنه من الضروري دراسة العلاقة بين تنظيم ممارسة آليات الأمن المجتمعي وبين تطلعات الاستقرار الدائم في المجتمع والوطن من منطلق الواقع المجتمعي المتميز بالتنوع على كل محاور الانتماء (اللغة، الدين، العرق، المذهب، العشيرة، الطائفة)، فهذا الواقع المؤثر فعلياً في طبيعة الفاعلين وحدود تأثيرهم في الحياة السياسية.
وأضاف غرايبة أن ثمة أسباب تجعل من المكابرة إهمال البنى التقليدية الناتجة عن التنوع في المجتمعات العربية بالتركيز على دور النخبة الحاكمة، ودور البنى التقليدية ذاتها وانعكاسها على الثقافة السياسية للمواطن.
ورأى أنه بحكم أن مفهوم العدالة يستند إلى فلسفة العلاقة بين المواطن بفرديته والدولة بأجهزتها فإنه من اللازم مناقشة تأثر مفهوم (العدالة) قانونياً وإجرائياً وتنفيذياً، بوجود البنى الوسطية التي يدين لها المواطن بالولاء من أجل الغنيمة، وتدين لها مؤسسات الدولة بالاستقرار السياسي، مؤكداً أهمية الرجوع إلى العدالة التوزيعية كعامل حاسم لإضعاف سطوة البنى التقليدية لصالح الانتماء والولاء للمركز.
ولفت إلى أن الانترنت يستعمل كقدرة بث فوري في العالم، وآلية لنشر المعلومات، ووسيط للتعاون والتفاعل بين الأفراد وأجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم بصرف النظر عن الموقع الجغرافي.
وأضاف غرايبة أن أهم أسباب استخدام التجنيد الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي، هو الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص، وإيصال الأفكار والنشاطات لهم ولأشخاص خارج الدولة وتجاوز الحدود.
وشدّد على أن أهم خطوات التحصين الفكري تكمن في رفع الوازع الديني والوعي العام وتنمية المسؤولية الاجتماعية، والتحصين المسبق للأبناء عن طريق الرسائل المبطنة، وعدم التعريف المباشر بهذه الأمور، وأخذ الفتاوى الدينية من الجهات الموثوقة والمعترف بها (أشخاص ومواقع)، ومتابعة المواقع التي تكافح وترد على الفكر المتطرف، وعدم الوقوع في ما يسمى (مصائد المغفلين) والتي تستخدم لاختراق جهاز الضحية والتعرف عليه إضافة إلى استخدام طرق الحماية الإلكترونية المنتشرة.
كما شدّد أنه لا يمكن ربح رهان الأمن المجتمعي من دون انخراط فعال للمجتمع المدني، فثمة حاجة متنامية إلى مسائلة واستشراف علاقة المجتمع المدني بالأمن المجتمعي والدور الممكن للاضطلاع به في إطار يحفظ استقلالية الفعل الجمعي وحرية المبادرة المميزة له، وهي حاجة فرضتها سلسلة التحولات الاجتماعية والتكنولوجية والاقتصادية الجارية.
شهد العقد الماضي بروز مبادرات تدعو إلى إعادة الاعتبار إلى المجتمع المدني باعتباره شريكاً في هذا المجال، بتعدد أدواره الاستباقية والوقائية والعلاجية والمواكبة، مؤكداً أن نجاح المشروع يستند على شروط أهمها:
- اعتماد مقاربة تشاركية بين السلطات الرسمية والهيئات المنتخبة والجمعيات المدنية.
- تثمين مبادرات جمعيات رائدة في مجالات حماية الأسرة ومحاربة المخدرات وقضايا الأمن.
- التنسيق بين برامج حكومية كوزارات التنمية الاجتماعية، والصحة والتربية والتعليم.
- إيجاد ودعم برامج مناهضة للغلو والتطرف، وصيانة القيم والتربية على المواطنة، وتعزيز النزاهة ومحاربة الفساد، ومحاربة الجريمة والعنف والمخدرات ومكافحة الإدمان ومواجهة التفكك الأسري وحماية ومناهضة الاستغلال الجنسي للقاصرين، ومناهضة العنف ضد النساء والتحرش والاعتداء.

دور الحكماء

من جهته أشار الأكاديمي والباحث في الشؤون السياسية د.محمد المعايعة إلى أنه قد سبق له وأجرى قراءة نقدية لـ"نظرية الأمن الفكري" للدكتور حسن الدعجة، مضيفاً أن الدعجة كان لديه إحساس بأن هناك خللاً ما بموضوع السلوكيات الفردية والمجتمعية والدولية فطرح هذه النظرية بهدف ايجاد معالجات لمثل هذه الانحرافات السلوكية.
وقال إن الدعجة رجع في كتابه "نظرية الأمن الفكري" إلى الأدبيات التي تناولت هذا الموضوع إذ إن لكل عصر فلسفة معينة فيه، لافتاً إلى أن النظريات التي رجع إليها الدعجة أرجعت الأسباب التي تؤدي إلى الانحراف والسلوكيات إلى عوامل عدة منها: اقتصادية ودينية، مؤكداً أن العوامل الاقتصادية ومنها الفقر ليست السبب الوحيد في دفع الإنسان للانحراف، فهناك دول متقدمة اقتصادياً وتكنولوجياً وتعاني من الانحراف الفكري بنسبة أكثر مما يحصل في الدول الفقيرة.
ورأى المعايعة أن المواقف السياسية والايديولوجية هي التي تحدد موقف الدولة من الإرهاب فكل دولة تستخدم هذا الإرهاب لتحقيق مصالحها بما فيها الدول الضعيفة بهدف استرداد حقوقها ووجودها، في حين أن الدول القوية والكبيرة تستخدم هذا الإرهاب للمحافظة على البقاء واستمرار مصالحها، مشيراً بذلك إلى ما يحصل من الحركات التحررية في فلسطين نتيجة الاغتصاب الصهيوني للأرض والحضارة وحقوق الإنسان، فهم يدافعون عن أنفسهم تحت مسمى الدفاع مشروع وحقوق الإنسان.
ولفت إلى أن الدعجة في كتابه تطرق إلى كثير من النظريات المفسرة لموضوع الأمن والانحراف الفكري، مؤكداً على جانبٍ آخر كإضافة للموضوع وهو غياب دور القدوة والحكماء، فكما نعلم أن المعلم والإمام والفقيه هم من يهندسون الفكر البشري للإنسان إذا أخذ به، فإذا نشرت هذه المعرفة والمعلومات للمجتمع والرأي العام وأخذ بها فهي تعدّ إضافة علمية جديدة وإصلاحية ورافعة، ومعالجات لمثل هذه الانحرافات السلوكية التي أشرنا إليها.

الاستهداف الفكري

تساءل الباحث والأكاديمي د. زيد النوايسة عما إذا كان هناك اتفاق بدايةً على موضوع الاستهداف الفكري لنناقش قضية الأمن الفكري، مشيراً إلى أننا كنا نعتقد بأن هذه المنطقة كانت مستهدفة من قبل الفكر اليساري والشيوعي والحركات القومية والليبرالية وبالتالي لا يوجد إتفاق حتى اللحظة أن الاستهداف فكرياً.
ورأى أن هناك تحولات حقيقية حصلت بمجتمعنا في ما يتعلق بتبني الأفكار التي أرادت أن تقدم نفسها على أنها الإسلام الصحيح وهذا واقع.
وأشار النوايسة إلى أنه قبل حادثة إسقاط طائرة الشهيد معاذ الكساسبة كان هناك جزء كبير من الشارع الأردني بمثقفيه وعوامّه يعدّ "داعش" حركة نضالية وجهادية تحارب ضد القتلة وكان هناك من يرفض تكفيرها، مضيفاً أن التحول الخطير حدث عندما استهدفتنا هذه الحركة بالأردن، مبيناً أن الغريب في الأمر كان في أن من يقتل في سوريا والعراق يعدّ مجاهداً، وبالتالي هو خرج عن النظام القاتل المجرم، في حين عندما يستهدفنا هذا الجهاد يصبح إرهابياً.
وأكد أننا لا نستطيع الحديث عن الاستهداف الفكري من دون أن نتحدث عن التوظيف السياسي.
وأشار إلى أنه منذ العام 1979 كان هناك دراسة تقول: إن اكثر الذين انخرطوا في مكاتب المجاهدين بالقتال في أفغانستان هم أشقاؤنا الفلسطينيين المحتلة أرضهم وذلك اعتماداً على كتاب الدكتور عبد الله عزام، فقد تركوا الجهاد في فلسطين وذهبوا للجهاد في افغانستان، مضيفاً أننا اليوم يجب أن نعترف بحقيقة أن الذين يتحدثون باسم الإسلام لا يمثلونه، فهناك عملية اختطاف من بعض قوى الإسلام السياسي تقدم نفسها ولديها برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي، وعندما ننتقدها لا ننتقد الإسلام.
وتابع القول انه عند الحديث عن الأمن الفكري علينا أن نتحدث عن الحركات الإسلامية منذ القرن الماضي والتحولات التي جرت لها وتأثيراتها على المجتمعات العربية والإسلامية وعلى أمنها الفكري.

بناء منظومة تربوية تعليمية وأخلاقية

وفي مداخلة له قال الباحث والمحلل السياسي د. مروان شحادة إنه لاحظ أن هناك شبه إجماع أو عدم رضا عن قبول فكرة أن هناك مشروعاً إسلامياً أو حركات إسلام سياسي، كما يوجد حركات وطنية سياسية تعتقد كما الإسلامية أنها تريد الوصول بالأمة أو المواطنين على المستوى الاقليمي لبر الأمان، متابعاً أن بر الأمان كما هو معروف لكل داعية ومسلم بأننا كمسلمين مكلفين لخلافة وعمارة الأرض من مفهوم ديني ومن جانب سياسي.
وبخصوص الجانب السياسي أضاف أن كل من يفهم الإسلام فهماً حقيقياً يدرك أنه عليه واجب أيضاً أن يقيم الدين بمعنى أن يحمل فكرة مشروع الخلافة، لذلك يجب أن لا نتعجب من وجود ظواهر سياسية يعتقد بعضها بأن التغيير من خلال المشاركة الديمقراطية والأحزاب السياسية وبعضها الآخر عنيف يعتقد أن التغيير يكون من خلال طريق وحيد ممثلاً بالجهاد أو القتال.
وأكد شحادة أن الانحراف كله وقع في بوتقة التغيير باستخدام القوة كما أن هناك ثلاث مراتب للدعوة التي هي الدعوة أولاً لنشر الإسلام والإحتساب والجهاد، كما أن هناك ثلاث مراتب لتغيير المنكر والجهاد منها ما هو باللسان وبالقلب وباليد وهو أعنفها وأشدها، بمعنى استخدام القوة لتغيير الواقع المعاش لواقع افضل يسعى إليه ذلك الشخص.
ورأى أن هناك تشويه لحركات الإسلام السياسي وتوظيف سياسي للنظم القمعية المستبدة لإفشال المشروع النهضوي الإسلامي، وبقناعته أن حياة الأمة ونهضتها عبر التاريخ الكبير على الرغم من كونها دموية سياسياً الا أنه كان هناك نهضة وحياة لها، أما الآن فالأمة فاشلة ولا تعبر أو تدافع عن نفسها ضد التغول الصهيوني والأميركي.
كما رأى شحادة أنه لتحصين الأمن الفكري علينا السعي نحو أربع منظومات: المنظومة التربوية التعليمية والاخلاقية والدينية والسياسية والقانونية.
وقال إننا إذا ما بحثنا وجدنا أن الانحرافات بالسلوك وليس بالفكر، لأن الفكر في القوانين كلها يؤكد على أعطاء حرية للإنسان بالتعبير عن نفسه بالرأي والتفكير بقوة من دون أن يستخدم العنف أو يحدث خلل في سلوكه.
وأكد شحادة أننا إذا ما أردنا أن نعزز أمننا الفكري أن نسعى جاهدين لبناء منظومة تربوية تعليمية وأخلاقية، وأن لا نسمح للدول الغربية التدخل في مناهجنا وتربيتنا التي هدفها بالنهاية تمييع الهوية العربية الإسلامية.
كما أكد على وجوب العمل على تثبيت هذه المنظومات الأربع في آن واحد والبدء من المدرسة والبيت ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي التي أصبح لها دور كبير في تشكيل العقول والقلوب، وبالتالي الخروج بنظرية تغطي الجانبين التأطيري النظري والعملي.

تعزيز مفهوم التعددية

قال د.مهدي العلمي من جمعية المدربين الأردنيين أن سرمدية الصراع وأبديته وأزليته بين الأمم والشعوب تحتم ضرورة وجود أمن افكري والتوسع والاهتمام بهذه النظرية.
ورأى أنه من الضروري إدخال مفهوم الأخلاقية للعمل السياسي في هذا العالم بدل مفهوم النفعية والمصلحة، وبرأيه أن أكبر ضمان في التاريخ والجغرافيا للأمن الفكري هو انتفاء الظلم بين الأفراد والدول واستقرار العدل والعدالة، وكذلك تعزيز مفهوم التعددية وقبول الآخر كضمانة أخرى لمفهوم الأمن الفكري.

ردود

قال الدعجة إن العنف السياسي يعدّ من أشد أنواع العنف مقارنة بالعنف الديني سواء الإسلامي أو اليهودي أو المسيحي، مؤكداً في الوقت نفسه على قضية إرهاب الدولة، والذي تمثله إسرائيل.
وأوضح الدعجة أنه لا توجد هناك دراسات أردنية حول مفهوم الأمن الفكري قبل سنة أو سنتين غير ما هو موجود بدراسة للدكتور نذير الشرايري إضافة لدراسته، فالأمن الفكري مفهوم جديد على الأردن وهي نظرية جديدة على العالم العربي والإسلامي.
وقال الدعجة إن الاحتلال الاقتصادي الآن أصبح بلا تكلفة، ووفقاً لدراسته وجد أن العولمة تتفق مع الدولة ولا تتفق مع السيادة لأن الدولة تقوم بخدمتها دون الحاجة إلى احتلال في هذا الجانب.
ودعا إلى إيجاد برنامج على مستوى الجامعة متخصص في مستوى البكالوريوس لدراسة الأمن الفكري، ليكون لدى الخريج إلمام بالجوانب المختلفة من القانون والشريعة وعلم الاجتماع والنفس والعلوم السياسية، وأن يكون هناك طرح مقرر لنظرية الأمن الفكري في الجامعات الأردنية.
وأكد وجوب أن يكون هناك معالجة فكرية وأمنية، بحيث تؤسس مؤسسات متخصصة في معالجة الانحراف الفكري وتعزيز الأمن الفكري في المجتمع.