مؤتمر" الدولة الأردنية على مشارف المئوية الأولى" 1

10/04/2019

مؤتمر مئوية الدولة الأردنية يبحث في مقاربات منهجية تحمي المنجز الوطني

 

ما هي الهوية الوطنية؟ وما هي الدولة المدنية؟ وما هو فكر الدولة في الاسلام؟، اسئلة نثرها مؤتمر (الدولة الأردنية على مشارف المئوية الثانية)، ليقف على اجوبة تقود لاستشراف المستقبل، بعد تشخيص الواقع.

واتفق المتحدثون من كافة المشارب السياسية على ان وحدة ونسيج الشعب الاردني، احد الركائز الاساسية لمواجهة اية مخططات تصفوية، لذلك لابد من الوقوف على هوية وطنية واحدة دون تجاهل التحديات ومن ابرزها التركيبة السكانية والامن القومي والهيكل الاقتصادي والفساد والبطالة ومخرجات التعليم.

وانطلقت في الجامعة الأردنية أمس فعاليات المؤتمر تحت شعار(حكمة العقود وقصة الصمود) الذي نظمه مركز الرأي للدراسات وكلية الأمير الحسين بن عبد الثاني للدراسات بالجامعة، على مدار يومين، إذ ناقش في يومه الاول أمس محاور: هوية الدولة الاردنية (الأسس والمرتكزات) ومقاربات منهجية نحو الدولة المدنية ومحور التحولات الاقتصادية والاجتماعية.

فيما يناقش اليوم محاور: السياسة الخارجية الاردنية والمتغيرات الاقليمية والدولية والاردن رؤية مستقبلية.

المؤتمر الذي يجتمع تحت مظلته عدد من رجالات الدولة الأردنية،من رؤساء وزراء ووزراء سابقين، وجمع من السياسيين والأكاديميين والخبراء، يشكل محطة معرفية وفكرية تنشد كل ما هو صالح فكريا وعمليا لخدمة وتطور الدولة الأردنية، ويتطلع إلى التوصل لآليات حول كيفية التعامل مع الواقع السياسي والاقتصادي والأمني والاجتماعي، في ظل التحديات والأوضاع الاقتصادية والسياسية الراهنة، واستشراف المستقبل.

ويسعى المؤتمر في مناقشاته إلى تسليط الضوء على منجزات الدولة الأردنية وهي على مشارف المئوية الثانية، وتعظيم الإنجازات والوقوف على أبرز التحديات وكيفية استغلالها كفرص للمستقبل، مع التأكيد على إلتفاف الشارع الأردني وتجديد البيعة والولاء والانتماء للقيادة الهاشمية وللدولة الأردنية.

وفي محور هوية الدولة الاردنية- الاسس والمرتكزات، حذر رئيس الوزراء الاسبق الدكتور عبدالرؤوف الروابدة من بروز أكثر من هوية وطنية واحدة في وطن واحد، لانها «دعوة صريحة للتعصب والفتن والصراعات ويمهد الطريق لاختراق القوى الطامعة واضعاف مناعة المجتمع»، مستدركا على ان التعددية في العرق او الدين او الطائفة او الاصل او الثقافة امر طبيعي وحقيقة قائمة في كل المجتمعات، «فتعددية الهويات الفرعية للمواطنين تثري العمل السياسي والاجتماعي والثقافي دون ان تكون بديلا عن الهوية الوطنية».

وقال ان «علينا جميعا مسؤولية اساسية في تجذير الشخصية الوطنية الاردنية وهي شخصية عروبية ديمقراطية متدينة تعشق الحرية وتعتز بالكرامة وتقدس الامن والامان وتفخر بالانجاز والابداع».

وأضاف ان «واجبنا اقامة علاقة تزاوج وتناغم بين الوطنية والمواطنة، فالحقوق والواجبات امران متلازمان لا ينفصلان، إذ ترسي المواطنة الحقوق وتؤكد الالتزام بالواجبات التي هي التعبير الحقيقي عن الوطنية».

من جهته، تناول أستاذ السياسة الدكتور عبد الله نقرش في ورقته الحديث عن مصطلح (أدلوجة الدولة الأردنية) والذي يعني جملة القواعد والضوابط التي تلتزم بها الدولة، وساهمت هذه الأدلوجة بعناصرها في المحافظة على بقاء الدولة واستقرار النظام وتحقيق حجم كبير من المصالح وممارسة دوره على مستوى الإقليم في خدمة القضايا العربية.

من جانبه، عرض استاذ التاريخ في الجامعة الاردنية الدكتور علي محافظة في ورقته بعنوان «الفكر السياسي للدولة الاردنية ومرتكزات شرعيتها، التي اعتمدت على رؤية مؤسس الدولة الاردنية الملك عبدالله الاول بن الحسين في إعتبار الكيان السياسي الاردني كنواة لدولة عربية مستقلة واهتمام المغفور له الملك الحسين بن طلال في الحفاظ على الكيان الاردني بعد قيام اسرائيل التي باتت تشكل تهديدا حقيقيا للاردن.

بدوره عرض أستاذ التاريخ في الجامعة الأردنية الدكتور مهند مبيضين في حديثه عن العمق التاريخي للدولة الأردنية، نشأة الدولة الأردنية بعد معركة ميسلون في العام 1920، ومن ثم مؤتمر القاهرة عام 1921، كما عرض لأهمية لقاء الملك عبد الله المؤسس مع وزير المستعمرات البريطاني وينستون تشرشل، مؤكدا أن الأردن ليس كيانا وظيفيا، ولم يكن إلا بوابة للعرب والعروبة والدفاع عن القضايا العربية، مبرزا ملامح الوطنية الأردنية وأثرها في إرساء دعائم الاردن.

وفي محور «المقاربات المنهجية نحو الدولة المدنية»، تطرق استاذ العلوم السياسية الدكتور أمين مشاقبة في ورقته التي جاءت في عنوان «دمقرطة الدولة» لمفاهيم الديمقراطية والحرية ومبدا الفصل بين السلطات وتداول السلطة، حيث عرض الحالة الاردنية بشكل مفصل من عدة جوانب سياسية واقتصادية واجتماعية، مبينا ان الاوراق الملكية النقاشية، التي تهدف الى بناء بناء وإطلاق حوار فكري ووطني من أجل تعزيز الديمقراطية وتجذيرها.

وقدم أمين عام حزب «زمزم» الدكتور رحيل الغرايبة، ورقة تحت عنوان «الاسلام وفكرة الدولة»، التي عرضها نيابة عنه الدكتور مروان العياصرة، لفت من خلالها الى الجدل المصطنع بين الدين والدولة في العالم الاسلامي،إذ قال «إن هناك اشكالات تحتم على العلماء والباحثين والمفكرين ان يعمدوا الى التوافق على مقاربة في مفهوم الدولة المدنية التي تحفظ المجتمعات العربية من الانزلاق نحو معارك جديدة تزيد من خطورة التمزق والتفرق المفضي الى النزاع الدموي.

بدورها عرضت أمين عام حزب حشد عبلة ابو علبة للعقبات أمام الدولة المدنية في العالم العربي، والتي حددتها بطبيعة البنى المجتمعية وفي إنفجار بنى الدولة العربية والثقافة الديمقراطية المنقوصة وضعف المجتمع المدني ومؤسساته و معضلة تقلص قوى التغيير، وقالت إن المطلوب في هذه المرحلة هو حماية الدولة الوطنية من ارتدادات المشاريع السياسية الاستعمارية في المنطقة، ما يتطلب توحيد كل الجهود لتصب في هذا الاتجاه، مشددة على ضرورة تسييج الوطنية الاردنية بكل متطلبات الديمقراطية.

اما النائب خالد رمضان، فتحدث عن «الدولة المدنية الديمقراطية» ومبادئها العامة، وقال ان هذه الدولة معادلة توافقية داخلية نواجه من خلالها مختلف التحديات، مبينا ان من اركان الدولة المدنية سيادة القانون والمواطنة المتساوية وعلاقة المواطن بالدولة، التي هي علاقة قانونية مباشرة.

وفي المحور الثالث «التحولات الاقتصادية والاجتماعية»، بين المحامي الدكتور رفعت الطويل التحديات التي يواجهها الاردن ومن ابرزها التركيبة السكانية والامن القومي، موضحا ان النمو السكاني يصل الى (3%)، وهو من اعلى المستويات الى جانب مخرجات التعليم العالي والبطالة والهيكل الاقتصادي والزراعة والثروة الحيوانية وزيادة الدين العام والفساد وتحدي جرائم المخدرات وتحدي التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي.

وحول «التحديات الاجتماعية »، قالت استاذ علم الاجتماع الدكتورة رانية جبر إن محور التشغيل والريادة في الاعمال المراعية للفقراء الذي ورد في الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفقر 2013-2020، بهدف توفير اعمال مايكروية صغيرة وتمويل لها، موضحة ان هذا «المحور فشل بسبب الاليات التنفيذية، التي اتبعتها مؤسسات الاقراض، حيث زادت طلبات التنفيذ القضائي بحق النساء العاجزات عن السداد وفجرت قضية الغارمات.

ومن جانبه تحدث وزير الاعلام الاسبق سميح المعايطة عن الاعلام وايدولوجية التغيير في استقاء المعلومة ونشرها للناسفي ظل التحولات التكنولوجية، التي يفرض على الدولة كيفية التعامل مع المعلومات وقنواتها (الاعلام)، موضحا أن التكنولوجيا اختزلت الدور والدولة بحاجة الى طريقة جديدة لادارة الاعلام و تحويله الى اعلام المجتمع بما يصلح لاقناع المواطن وبناء الثقة.

وفي حفل الافتتاح، ألقى رئيس مجلس إدارة المؤسسة الصحفية الاردنية $ أيمن المجالي كلمة قال فيها إنه لم يعد خافيا على أحد بما تعج به المنطقة العربية والعالم من تقلبات سياسية وهزات ما تنتهي حتى تقوم، مشيرا إلى أن التجربة الأردنية في التأسيس والتطور أثمرت وعبر كل هذا المسار عن دولة مدنية عصرية برؤى القيادة الحكيمة ووعي الشعب واستمرار الفعل الديمقراطي الحقيقي، والمواطنة الصادقة، لتتضح هوية الدولة واستحقاقات التطور السياسي والاقتصادي وليكون الجميع على قدر عال من الوعي في مواجهة التحديات.

وأضاف أن الأردن في قلب العالم الذي ابتلي بنكبات وويلات، ما يزال صامدا في قضاياه وقضايا أمته، التي ليس أولها الوصاية الهاشمية على القدس الشريفة، وليس آخرها هذا المؤتمر الذي يهدف إلى تكريس سيادة القانون والوحدة الوطنية والوعي المستنير باحتياجات هذا البلد الذي نشأ على فكر الثورة العربية الكبرى والدعوة لإعلاء كلمة الصف العربي نحو مزيد من الفاعلية والتعاضد والتكامل.

وأشار المجالي إلى الشراكة التي جمعت صحيفة الرأي ممثلة بمركز الرأي للدراسات وكلية الأمير الحسين بن عبد الله الثاني للدراسات الدولية، في تنظيم هذا المؤتمر للتباحث وقراءة الشأن المحلي والاقليمي والدولي للوصول إلى حلول واقعية لمستقبل الدولة الأردنية تزامنا مع الاحتفال بمئويتها، وهو قاب قوسين أو أدنى، ما يستلزم أن يكون الاحتفال بها مبنيا على المنهج الذي كرسه أهل العلم والاختصاص.

في حين قال رئيس الجامعة الأردنية الدكتور عبد الكريم القضاة إنه عند الاحتفال بمئوية الدولة الأردنية نكون قد طوينا عشرة عقود من البذل في سبيل بناء هذا الصرح الذي امتزج بنيانه الإداري والاقتصادي والاجتماعي بالإنسان الأردني، وباتت الدولة ذات هوية وروح ومنجز، مشيرا إلى ضرورة تكاتف الجهود في توثيق تاريخ الدولة الأردنية في مختلف الحقول والمواضيع، والالتفات إلى كثير من جوانب التاريخ الأردني خاصة في أبعاده الإدارية والإنسانية التي لم توثق بعد.

وأضاف أن مسؤولية الجميع تتمثل في وضع خطة استراتيجية واحدة للعلم والتكنولوجيا والابتكار، تساهم في استثمار الموارد البشرية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومنها تنبثق كافة السياسات وبرامج العمل الحكومية والوزارية وخطط الاستثمار والصناعة والزراعة والتعليم والتوظيف وحتى القوانين التشريعات.

وأكد أن التأسيس لمرحلة جديدة لابد أن تكون غايته الإنسان الأردني والاستثمار بطاقاته وقدراته لدخول المئوية الثانية من عمر الدولة بثبات، مشددا على أن الدولة التي نريدها هي «دولة القانون» و«دولة الإنتاج»، و«دولة التكافل»، التي تصون كرامة الإنسان الأردني من خلال تحسين واقع الخدمات العامة وأنظمة الحماية الاجتماعية، حيث أن بناء دولة القانون يقود إلى دولة الإنتاج وأن القدرة على تحقيق التكافل تعتمد على الانتاج وتحقيق الوفر.

بدوره أوضح عميد كلية الأمير الحسين بن عبد الله الثاني للدراسات الدولية الدكتور محمد القطاطشة أن الأردن فهم وهو يقف على مشارف المئة الأولى، أن الدولة الحديثة المستقلة، ذات السيادة المصونة هي الدولة التي أقرتها الأعراف الدولية التي شكلت أساسا للنظام السياسي العالمي، وذلك وفق منظورين اثنين؛السيادة على التراب داخليا وخارجيا وبناء المواطن القادر على صيانة هذا التراب والدفاع عنه.

ولفت الى جملة تساؤلات يجب الاجابة عليها «نحن على مشارف المئوية الثانية، وبعد مئة عام من عمر الدولة منها: ماذا حققنا مما نصبو إليه؟ وهل وصلنا إلى دولة الرقابة؟ وهل جاءت المديونية ضمن المستوى؟ وهل أقنعنا شبابنا بعدالة الدولة في الوصول إلى المناصب السياسية والوظيفية؟

إلى ذلك قال رئيس مركز الرأي للدراسات الدكتور خالد الشقران إن الأردنيين أصروا قيادة وشعبا على المضي قدما في بناء الدولة واستكمال مسيرة التنمية الشاملة في مختلف المجالات، مشيرا إلى أنه منذ نشأة الدولة الأردنية، وهي تشد المآزر في سباق مع الزمان وطبيعة المكان التي فرضت تاريخيا ولا تزال نسقا من التفاعلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية غير المستقرة في الاقليم بأكمله، بسبب خصوصية المكان والصراع أو لنقل التنافس التاريخي بين الحضارات وما بين القوى والفاعلين الدوليين حيث يسعى كل منهم لفرض هيمنته على هذا الاقليم وذلك لما يمثله من قيم حضارية وجيوسياسية ودينية.

وأضاف أنه لم يعد خافيا على أحد مظاهر التأزيم وعدم الاستقرار التي تشهدها المنطقة العربية وصعوبة وتعدد التحديات التي يواجهها الأردن، خصوصا في ظل التطورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وتبعات السياسة غير العادلة للولايات المتحدة الأميركية التي تستهدف تصفيتها وحرمان الشعب الفلسطيني من حقه في إقامة دولته مع ما يتبع هذه السياسة المتحيزة للكيان الصهيوني من تبعات سلبية على الأردن.

عمان - الرأي