المشهد العراقي.. نحو ميثاق وطني

07/03/2013

تستحوذ المسألة العراقية على اهتمام واسع النطاق من العراقيين بطوائفهم وقواهم السياسية والشعبية ومرجعياتهم المختلفة، كما تحظى باهتمام عربي وإقليمي ودولي كون العراق جزءاً أساسياً من المنظومة الدولية والإقليمية والعربية والإسلامية، ما يجعل من المسوَّغ العمل على تبني مشروع «ميثاق وطني عراقي» يخدم الشعب العراقي بكل ألوانه وأطيافه.

وانطلاقاً من دور مركز «الرأي» للدراسات واستجابةً للنداء الذي أطلقه منتدى الفكر العربي، استضاف المركز شخصيات سياسية وفكرية من العراق والأردن، في جلسة شارك فيها أمين عام منتدى الفكر العربي، حول الميثاق الوطني والهوية والحراك الشعبي، وذلك في محاولة لتشخيص الحالة والتدخل الإيجابي والالتقاء على الجوامع، ليتجاوز العراق أزمته.

وفي هذا السياق بيّن أمين عام منتدى الفكر العربي د.صادق الفقيه أن رئيس المنتدى سمو الأمير الحسن عندما طرح فكرة الالتقاء فقد «أرادنا أن نلتقي مع الجوامع».

ووصف المشاركون في الحوار، سنوات الاحتلال الأميركي للعراق بـ»السنوات العجاف العشر». ودعوا إلى تجاوز البعد الطائفي المقيت الذي تكرّس بعد الاحتلال ووصل إلى أبعاد غير مقبولة، حتى أن الواقع كشف أن «لبننة» العراق أصبحت تسبق ما حدث في لبنان في هذا الصعيد. وتوصّل الساسة العراقيون والأردنيون إلى ضرورة تبني مبادرة الميثاق الوطني وتطويرها مع وجود الضامن للمبادرة والحشد لها ودعمها ليتوافق عليها أبناء العراق بألوانهم كافة، لبناء «عراق الأمة» متجاوزاً المحددات التي تجذّرت زمنياً.

استهلّ مدير المركز د.خالد الشقران الجلسة بطرح تساؤلات تمهيداً للحوار منها: كيف يمكن تقريب وجهات النظر في العراق؟ وما الأفكار التي يمكن مناقشتها وصولاً لجلسة تمهيدية تتبعها مبادرة من منتدى الفكر العربي برئاسة سمو الأمير الحسن، ومن ثم عقد مؤتمر خلال 20 يوماً؟ وأضاف أن المطلوب هو وضع أفكار تخدم المشهد العراقي والمستقبل العراقي، للخروج من الجلسة المقترحة بـ»ميثاق وطني عراقي» بأفضل صيغة ممكنة، بما يخدم الشعب العراقي بكل ألوانه، ويقرب وجهات النظر هناك.

وأكد الشقران أن الهدف من هذه الجلسة هو بحث أفكار فعالة، يمكن أن تخدم الواقع على الأرض، وتساعد المؤتمر في تحقيق هدفه الأساسي للوصول إلى»ميثاق وطني عراقي» ينأى عن التشظي والانقسام الطائفي.

أدار الندوة: د.خالد الشقرانiraq4

حرّرها: جعفر العقيلي وبثينة جدعون

اذار 2013

نحو ميثاق وطني

قال أمين عام منتدى الفكر العربي د.الصادق الفقيه، إنه لا يمكن التغافل عما يجري في العراق، البلد الذي أعطى الإنسانية أصول الحضارة، مضيفاً أنه يصعب علينا أن نرى العراق، وهو يتمزق، ويفقد الدور الريادي والقيادي الذي اضطلع به خلال تاريخ الأمة.

وأشار إلى أن العراق كان في مقدمة الأمة، وكان يهبّ دائماً لنجدة غيره، لذا من حقه علينا أن نعينه بالرأي والفكر في ظل حالة تتشابك فيها المصالح الإقليمية والدولية.

وبيّن الفقيه أن العراق يحتاج إلى مناصرة لتجاوز أزمته، وأن التدخلات الخارجية يجب أن تكون إيجابية، لأن على الشقيق أن يهرع إلى نجدة شقيقه في لحظة المحنة، وإذا بقي العراق في محنة، فإن الأمة ستبقى في محنة أيضاً، كون العراق ظلّ متمسكاً بكثير من ثوابت الأمة.

وأضاف: عندما طرح سمو الأمير الحسن فكرة الالتقاء، أرادنا أن نلتقي على الجوامع، وأن نتفق كيف نعين، وأن نشخص الحالة. ورأى أن كل حديث يقال عن الحالة العراقية الراهنة لا يصنف من يقول به في موقف من المواقف، فالحديث حول العراق يستمر على مدار الساعة، وصفات المشهد العراقي بائنة، ومن يعاين هذا المشهد بتعقيداته عليه أن يعين إذا كان في موقف الإعانة.

وأكد الفقيه أن هنالك تدخلات خارجية في الشأن العراقي، ولكن كثيرها سلبي، لذا ينبغي أن نبحث عن مداخل لـ»تدخل إيجابي» لا يستفز، ولا يحاول أن يُبعد الذين يبحثون عن الحل عن إيجاده في العراق.

وأوضح أن هنالك مجموعة من القضايا لا بدّ من التركيز عليها والاسترشاد بها في تنظيم المؤتمر الذي يؤمَل أن يخرج بمصفوفة موضوعات تُعين على إيجاد الحلول لقضايا الدستور، والحراك، والميثاق.

ودعا الفقيه إلى ضرورة التفكير خارج الأطر الضيقة والمواقف الشخصية، فمنتدى الفكر العربي هو عربي وليس أردنياً، وإن كان الأردن هو الجزء الأهم فيه، مضيفاً: «نتمنى أن نخرج بشيء يعين العراق، فإن نجحنا فإننا سنقدم خدمة كبيرة للعراقيين الأشقاء، ورأى أن ما أنجزه منتدى الفكر العربي، يمكن أن يكون بداية للبحث في مبادئ دستور أو ميثاق وطني عراقي بمبادئ دستورية ضامنة للحق والواجب والحرمات، كون موضوع الحرمات من الموضوعات التي أصبحت شائكة ومعقدة وتحتاج إلى نظر موضوعي وحقيقي.

«لبْنَنَة» العراق

قال السياسي العراقي د.عصام الجلبي (من منتدى الفكر العربي) إن هذه ليست المبادرة الأولى لمنتدى الفكر العربي، بل سبقتها ندوتان حضرهما جمع غفير من العراقيين في العام 2009، حاولتا دراسة الحالة العراقية والأزمة التي كان العراق يمرّ بها، مضيفاً أن الندوتين لم تخرجا بتوصيات محددة، وأن الهدف الأساسي منهما هو إتاحة المجال للعديد من الكتل والأطياف والنخب لتلتقي وتجتمع.

ولفت إلى أن هنالك توجهاً أوسع هذه المرة، إذ يحاول المنتدى العربي أن يشخص أزمة أساسية سيكون أثرها في الأمة وفي الوطن أكبر كلما طالت.

وأوضح الجلبي أن هذا اللقاء يتم بعد 10 سنوات من الاحتلال الأمريكي للعراق، وبعد كثير من الاعترافات والكتب التي تؤكد فداحة الخطأ الذي ارتكبته الولايات المتحدة من تعاون معها، بمن في ذلك بعض الشخصيات العربية، واصفاً هذه السنوات بـ»السنوات العجاف».

وقال الجلبي إن ما بُني على باطل فهو باطل، وإن البنيان الذي يقوم على أسس غير سليمة سيتساقط، لافتاً إلى أن العراق بما جرى عليه مؤخراً بُني على أسس خاطئة، وإلى أن هذا البناء لم يكن هشاً فحسب، بل كان من زجاج، وإن سقط فسيكون كشظايا تصعب إعادة جمعها وتركيبها، ودعا إلى العمل الفعال لتفادي سقوط هذا البلد العربي إلى الهاوية.

وأوضح الجلبي أننا لو استعرضنا المبادئ التي اعتمدها الاحتلال بدءاً بموضوع البُعد الطائفي المقيت، والمحاصصة الطائفية والعرقية والسياسية، لوجدنا أنها وصلت إلى أبعاد غير مقبولة، مشيراً إلى أن بعضهم كان يتحدث عن «اللبننة»، بينما يكشف الواقع أن العراق سبق لبنان في هذا المجال.

وأضاف أن العراق شهد بعد احتلاله تجربة مجلس الحكم المحلي، وأن «بريمر» أصدر عشرات القرارات قبل رحيله عن العراق في 28 /6 /2004، ثم انتقل العراق إلى مرحلة ثانية أساسها «إعداد الدستور»، وأشار الجلبي في هذا السياق إلى اعتراف الجميع بأن هذا الدستور يتضمن كثيراً من الأخطاء، وأن هناك العشرات من المواد التي يجب إعادة النظر فيها. ورأى الجلبي أن لا فرق بين تعديل الدستور أو إعادة كتابته؟

وبيّن أن الدستور تمت صياغته بشكل يستحيل معه التوصل إلى توافق لإعادة كتابته، مستشهداً بالفقرة الأخيرة في الدستور التي تنص على أن إمكانية إعادة كتابة الدستور تتم خلال 4 أشهر لاجتماع أول مجلس نيابي، ونحن الآن في السنة الثامنة، فكيف إذن سيتم إعادة النظر؟

وأوضح الجلبي أن الجميع يتحدثون الآن حول وجوب الاعتماد على الدستور، ولكلٍّ تفسيره الخاص في ما يتعلق بهذا الدستور، وبكل مادة فيه، وهناك تفسيرات متعددة يعتمد كل واحد ما يراه مناسباً منها لتبرير موقفه، مضيفاً أننا وصلنا إلى حالة يجب أن تكون فيها وقفة كبيرة لتشخيص الحالة، وتحديد الأخطاء التي ارتُكبت، والقواعد التي اعتُمدت والتي أدت إلى هذه الحالة.

وختم بقوله إن الجميع متفقون على أن الوضع الحالي «غير مقبول» سياسياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً، بمن فيهم «أصحاب الكوتات» الذين يدافعون عن الوضع الحالي، لافتاً إلى أن الوضع في مدن العراق وقراه هو من أسوأ ما يكون على أرض الواقع، فالشعب العراقي يعاني مأساة كبيرة بكل أبعادها صحياً وثقافياً واقتصادياً، بالرغم من أن حجم الايرادات التي يحصل عليها العراق فاق ما حصل عليه طوال ثمانين سنة من تاريخ دولة العراق، متسائلاً: أين ذهبت كل هذه الإيرادات؟

الحاجة إلى مشروع فعّال

أكد السياسي العراقي د.مؤيد الونداوي وجود أزمة حقيقية، ذات طبيعة مستمرة، بصرف النظر عن مسبباتها وديمومتها، ورأى أنها أزمة غير منعزلة عن أزمة الأقليم التي يندرج تحتها الجميع، مضيفاً أن العراق ليس بحاجة إلى عاطفة بل إلى مشروع فعال، فمن يطرح أزمة العراق يجب أن يفكر بأزمة الإقليم، لأنه لن ينجح في حل أزمة فرعية ما لم يضع خطة شاملة لحل أزمة الإقليم غير القادر على حل أزمته بسبب عوامل كثيرة.

وأشار الونداوي إلى وجود قلق دولي كبير حول ما يجري في العراق، كما أن القلق يدور حول مستقبل الأردن وما يمكن أن يجري فيه إذا ما انهار العراق. وهل يعيد الأردن تجربة لاجئي سوريا والعراق؟

وأضاف أن تبعات انهيار العراق على الإقليم ستكون مختلفة عن انهيار سوريا، رادّاً ذلك إلى الفرق الكبير بين العراق وسوريا في الجغرافيا، فانهيار العراق يشكل حفرة تجر الإقليم إلى أزمة.

ولفت إلى أن الأمم المتحدة غائبة عن الملف العراقي منذ وقت طويل، وأن الوضع العراقي ليس من السهل عليه تقبل المبادرات بسهولة.

مبادرة فكرية

بشأن مبادرة سمو الأمير الحسن بن طلال حول ضرورة وصول العرب لتصورات عادلة للحل في العراق، أكد الفقيه أن هذه مبادرة فكرية وليست دولا عربية، مشيراً إلى البيان الذي صدر قبل جلسة العصف الذهني، بأن النخب العربية ينبغي أن يكون لها دور، ومن هذا المنطلق، «بدأنا نؤسس تأسيساً فكرياً لمحاولة إيجاد حل، ونضع التصورات التي تساءل عنها سمو الأمير في الحسبان».

التواصل مع «المفاتيح»

قال السفير الأردني الأسبق فالح الطويل، إن الأردن والعراق عضوان في منتدى الفكر العربي على مستوى واحد، وإن كل أردني وعراقي مهتم بهذه المبادرة.

وتساءل: «هل ستكون المبادرة مجرد إصدار بيان، أم ستؤدي إلى كتابة مشروع عراقي نهضوي وحدوي؟»، مشيراً إلى أن أعضاء منتدى الفكر العربي، ملزَمون بوضع «خريطة طريق» لضمان الانتقال من خطوة إلى أخرى بشكل صحيح وسليم.

وأكد الطويل أن الجميع متفقون على وجود أزمة في العراق، ولكن السؤال هو: كيف يمكن معالجتها هنا؟ مضيفاً أن هناك «شبه اتفاق» ولكنه لم يُنجز بعد، بعملية مواجهة حقيقية مع العراقيين بأماكنهم، مع «المفاتيح» في العراق.

كما دعا الجميع لأن يكونوا أكثر واقعية، فلا يُكتفى بقراءة الوضع العراقي بشكل عام، بل يجب قراءة الوضع في كل محافظة على حدة ، من ناحية الانقسام الطائفي العمودي والأفقي، ومن ناحية التدخل الأجنبي، ما مستواه وكيف يمكن مواجهته وما هي «المفاتيح» لذلك؟

كما دعا الطويل إلى عدم الاستعجال بعقد مؤتمر، قبل التأكد من أن المدعوين والمشاركين فيه يمثلون العراقيين بكل طوائفهم ومحافظاتهم وأحزابهم، لافتاً إلى زيارة وفد كردي إلى «إسرائيل» مؤخراً، مضيفاً أن العراق إذا انهار ستكون هناك حفرة، ونحن على طرفها، «وأي دفعة صغيرة سنجد أنفسنا قد غصنا في بؤرة الرمال المتحركة».
وطالب الطويل بإيصال كل ما يتم الاتفاق عليه لكل ساحة عراقية من عشيرة أومحافظة أومدرسة أوجامعة أوحزب سياسي إضافة إلى الحراكات السياسية في الجنوب والشمال والأكراد.

ورأى إن إنجاح الفكرة يكون عبر الدخول إلى العراق ومخاطبة الناس على أرض الواقع، مؤكداً أنه لا بد من وضع «خريطة طريق» تبدأ بالحديث، وطرح الأسماء المشاركة، ومن ثم إيجاد تصور للخريطة بخطوات عملية بحيث يكون لكل خطوة أبعاد كاملة ومؤثرة تأثيراً كاملاً في المسيرة بشكل عام للوصول إلى الغايات المرجوّة.

بلورة المحاور

وأوضح مساعد الأمين العام لمنتدى الفكر العربي أن الهدف من هذه الندوة هو بلورة المحاور التي ستُطرح في المؤتمر، أما اقتراح الأسماء المشاركة فهذا من مهمات اللجنة المسؤولة عن الجانب التنظيمي.

اللاعبون الأساسيون

قال الخبير العراقي العسكري الفريق الركن رعد الحمداني إنه يجب دراسة المعضلة دراسة دقيقة، لافتاً إلى أن المشكلة الكبرى أنه لا يوجد في العراق اليوم لاعب عربي أو لاعب عراقي محلي، فالوضع اليوم في العراق هو نتاج الاحتلال الأميركي البريطاني، الذي أرسى لمشروع نظام يقوم على تدمير دولة العراق وطناً وشعباً، ومن ثم تدمير مرتكزات الأمة العربية ومقوماتها.

وأوضح أن العراق فيه، ثلاثة لاعبين أساسيين: «الأميركي» الذي أرسى قواعد مشروع تدمير العراق، و»الإيراني». واللاعب الثالث هو «التركي» الذي يدافع عن أهل السنة المضطهَدين، وجزء من المكتسبات التي يحققها، لحلّ المشكلة الكردية داخله عبر المشكلة الكردية العراقية.

وبيّن الحمداني أن المعضلة هي في «الأمن الوطني العراقي»، أن «بريمر» قام بتأسيس القوات العراقية من 9 مليشيات حزبية وأحزاب معارضة متناحرة، والذي أعدّ هذا المشروع هو «عقل صهيوني متقدم على عقولنا ورؤيتنا»، ذلك أن أي قوات مسلحة يتم إنشاؤها ينبغي أن ترتكز على وحدة الهدف السياسي، وهذا غير موجود الآن، فلم يعد للقوات المسلحة أي هدف وطني، وهي لا تملك الحد الأدنى من المعنويات، فكل مليشيا فيها تقاتل من أجل عقيدتها الخاصة.

ومن المرتكزات الأساسية للقوات المسلحة: وحدة القيادة، وهذه لم تتوافر في أبسط صورها لا في المؤسسة الدفاعية ولا في المؤسسة الأمنية، «فوزير الدفاع لا يقدم ولا يؤخر، ومفتش القوات المسلحة يحكم وزير الدفاع»، ورأى الحمداني أن الطائفية هي التي أنتجت ما يشهده العراق اليوم .

وإن عملية إصلاح الوضع في العراق تحتاج إلى وقت طويل.

وحول مبادرة منتدى الفكر العربي، قال الحمداني، إنها فكرة أخلاقية عظيمة يجب أن تنجح وإن جاءت متأخرة، مشيراً إلى أن الأردن هو الدولة الأكثر تأثراً بالشأن العراقي، ومضيفاً أن الوضع في العراق «يحتاج إلى معجزة».

«سمّ التدمير الذاتي»

قال رئيس الجمعية الأردنية للعلوم والثقافة وزير الداخلية الأسبق سمير حباشنة إن السم الذي ضُرب به العراق هو «سم التدمير الذاتي»، فما جرى في العراق يمثّل مصلحة صهيونية، ورأى المطلوب هو تدمير كينونة الدولة العراقية، فلو كان الهدف «تغيير صدام ونظام البعث» لغيروا في القوات المسلحة 20 ألفاً أو 30 ألفاً، ولأبقوا على الدولة.

واستشهد الحباشنة بما حدث بعد احتلال العراق، إذ سمح الأميركيون بنهب كل شيء باستثناء وزارة النفط، حتى المتاحف ووزارة الدفاع والمعسكرات، فالمستهدف هو الدولة العراقية، بحيث نجحوا في تحويل الدولة العراقية التي كانت الظهير للعرب والتي أسهمت في منح العرب هويتهم، إلى دولة تمارس التدمير الذاتي، وتتحول فيها الطوائف إلى طائفية، ذلك أن العراق كان فيه منذ نشأته حالة من التنوع تشمل السُنة والشيعة والأكراد والصابئة، لكن الاحتلال نجح في تحويل هذا التنوع إلى اختلاف.

وبيّن الحباشنة أن جميع محاولات لملمة الأطراف في العراق أخفقت لسبب أو لآخر، ورأى أن منتدى الفكر العربي سيؤدي رسالته وسيكون على قدر المسؤولية، مضيفاً أنه في ظل هذا التشظي والحالة المؤلمة التي يعيشها العراقيون، لن تنجح مبادرة المنتدى إلا إذا تعاون العراقيون في ما بينهم ومع المنتدى.

وأكد ضرورة وضع ميثاق نموذجي، لإخراج العراق من أزمته، وأن هذا الميثاق قد يقدم قراءة في واقع المشهد العراقي لا يُختلف عليها، تعكس الأزمة المركبة الفكرية أولاً، واشتقاقها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، موضحاً أننا «لا نريد أن نكون في خندق مقابل خندق آخر بتفاصيل الحالة العراقية الراهنة».

وأشار الحباشنة إلى إمكانية مناقشة بعض النقاط وحول الدستور العراقي، ووضع ملاحظات عليها وبدائل عنها، بهدف إعادة توحيد العراق.

وبخصوص الجانب الأمني، رأى أن المنتدى إذا نجح في تجاوز تحويل الطوائف إلى طائفية، سيكون الاستقرار الأمني تحصيل حاصل، وهذا يكون مع وقف التدخل الأجنبي في العراق.

ورأى أن تشخيص الهوية العراقية أمر سهل، فالحراكات الشعبية هناك لها قضايا مطلبية مستعيداً ما ذكره د.عصام الجلبي بشأن تدفق أموال إلى العراق في السنوات العشر الأخيرة أكثر مما حصل عليه منذ تأسيس دولته الحديثة، وبالرغم من ذلك فإن الحالة العراقية «مضرجة بالدم»، والحالة الاجتماعية والمعيشية للعراقيين غير موجودة حتى في دول إفريقيا الفقيرة والمعدمة.

وأكد الحباشنة ضرورة وضع ميثاق يتضمن رؤية لدولة عراقية حداثية تُعزز المواطنة وتغلّبها، ويعترف بالطوائف دون الذهاب إلى الطائفية، وبالأعراق دون الذهاب إلى العرقية، أي أن يكون ميثاقاً يعيد اللحمة إلى الدولة العراقية.

وأضاف: لكي نضع برنامجاً يروج لهذا الميثاق في أوساط العراقيين، يجب أن يوقّع عليه أكبر عدد منهم. ودعا القوى الخيّرة داخل العراق للتوقيع عليه لافتاً إلى أنه قد يتبع ذلك مؤتمرات تروّج للميثاق قد تكون تحت مظلة دينية بحيث تجمع الطوائف على تبنيه، أو مظلة عشائرية أو شبابية. وشدّد على أهمية وضع خطة لتفعيل الميثاق والترويج له في مفاصل الحياة العراقية، حتى لا يوضع على الرف.

مستقبل غامض

أعرب رئيس تحرير شبكة أخبار العراق ضياء الكوّاز عن عدم تفاؤله بمستقبل العراق، لكونه أصبح «مستقبلاً غامضاً»، مضيفاً أن ما يحدث وما سيحدث كان مخططاً له من قِبَل بريطانيا التي تخطط لأميركا ما تفعل، وأن المنطقة «تغلي» بعد 2003، فقد جاء الاحتلال، ثم جاء من يحكم في بغداد، لافتاً إلى «تاريخه»!

وتحدث عن الوثيقة التي أصدرتها الجامعة العربية في العام 2005، وبعدها في العام 2006، ثم وثيقة مكة، في العام 2006 رتبت جميعها لمصالحة جميع الأطراف في العراق، لكن العراقيين كانوا يتفقون في كل مرة على ألاّ يتفقوا! مضيفاً أن مؤتمرات المصالحة للحكومة أصبحت تُعقد سنة بعد سنة.

ورأى الكوّاز أن قادة العراق هم «سبب ضياع العراق والمنطقة»، وإن أي مؤتمر مصالحة أو أي تجمع لمناقشة وضع العراق لن ينجح» إذا لم تكن هناك إرادات حقيقية لإنقاذ العراق.

المشكلة في «الدستور»

رأى وكيل وزير داخلية العراق الأسبق د.حكمت موسى إن مشكلة العراق «تكمن في الدستور، الذي هو مركز السلطة وهو بيد البرلمان»، مضيفاً أنه تأسيساً على فكرة الأكثرية، فإن الأكثرية منذ العام 2005 وحتى الآن ممثلةً بالتحالف الشيعي، هي التي تنتخب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب.

وأضاف أن رئيس مجلس الوزراء مُنح سلطات بموجب ما يسمى «القائد العام للقوات المسلحة» مكّنته من الاستئثار بالموارد البشرية والقوى المادية للقوات المسلحة (الجيش والشرطة والمخابرات ومكافحة الإرهاب) مضيقاً أنه وبموجب الدستور، وحتى يتغول القائد العام للقوات المسلحة بسلطاته، مضت أربع سنوات دون وجود وزير دفاع أو وزير داخلية أو وزير أمن وطني أو رئيس جهاز مخابرات، فالذي يدير هذه المناصب جميعها هو رئيس مجلس الوزراء تحت مسمى «القائد العام للقوات المسلحة».

وأشار إلى أن الأكثرية هي التي تقود البلد، وهي نفسها تمثل تحالفاً معيناً، وقد استأثر رئيس مجلس الوزراء بهذه الأكثرية، وإذا كان المفترض أن يمارس مجلس النواب التشريع والرقابة، فإن الأكثرية هي التي تقيّد الرقابة، إذ إن أي قرار مطلوب التصويت عليه للحد من تغول السلطة التنفيذية على السلطة القضائية أو التشريعية تعطّله هذه الأكثرية، وبالتالي ثبت أن يد القائد العام مطلقة في البلاد من خلال مجلس النواب، ومجلس النواب عملياً مقيد بالأكثرية النيابية.

وبيّن موسى أن اختيار الحكومة يكون من قبل مجلس النواب، وكذلك الأمر بالنسبة لباقي الكيانات، فالمديرون العامون، ورئيس أركان الجيش، وقادة الفرق البحرية والجوية، ورئيس محكمة التمييز وأعضاؤها، والسفراء، كلهم يعينون بقرار من مجلس النواب، والنواب تحكمه الأكثرية. مضيفاً أن الديمقراطية وتداول السلطة «محض فرضية كبيرة ليست حقيقية»، وأن تداول السلطة بين النخبة سيزول لصالح أكثرية التحالف، وأن المكون السني أدرك في السنوات العشر الأخيرة، أنه لن يكون له دور في إدارة شؤون البلاد، فالتداول «صوري وشكلي».

وأوضح موسى أن المكون الشيعي يشكل 65 % من الشعب العراقي، وأن المذهب ومنذ العام 1921 ليس وارداً في قيود الأحوال المدنية، لكن المشكلة «تكمن في الدستور»، مضيفاً أن الحل هو تفعيل المادة 142 من الدستور التي تم التوافق عليها، فالمكون السُني لم يكن له دور في كتابة الدستور، وهو أمر ثابت في كل الأدبيات التي كتبها «نوح فيلدمان» الصهيوني، تحت ما يسمى «ادارة الدولة المؤقتة»، ثم جاءوا بـ 15 شخصاً سنياً لـ»تكملة الديكور في كتابة الدستور»، لكنه في الحقيقة كُتب ليحقق مصالح بعيدة عن المكون السني والهوية الوطنية.

ورأى موسى أن المكون السني ممثلاً بـ»طارق الهاشمي» الذي يمثل الحزب الإسلامي، قد «خُدع»، فالمادة 143 تنص على أن الدستور يسقط في حال لم توافق 3 محافظات عليه، وهذا ما حصل، إذ لم توافق كل من محافظات الأنبار وديالى وصلاح الدين، لكن غُرر بالهاشمي وأُوعز إلى بعض أعضاء الحزب الإسلامي، بتمرير الدستور، وثم وضع المادة 142 التي تنص: أنه بعد أول اجتماع لمجلس النواب ستُشكل لجنة من أول برلمان وتضع مقترحات لتعديل الدستور خلال 4 شهور، وها قد مرت سبع سنوات ولم تشكل لجنة!.

وقال موسى: الهدف من تعديل الدستور هو عدم تركيز السلطة بيد شخص لأن ذلك يقود إلى الدكتاتورية، ورفع مسؤولية القائد العام للقوات المسلحة عن رئيس مجلس الوزراء وإناطتها برئيس الجمهورية، وإناطة القوات المسلحة برئيس الأركان الذي هو القائد الفعلي للقوات المسلحة.

وأضاف: رئيس مجلس الوزراء يمارس الآن كل السلطات، والمطلوب توزيع السلطات للحد من تغوّله، مشيراً إلى أن السلطة القضائية فعلياً تأتمر بأمر السلطة التنفيذية، كما أن شخص رئيس المجلس القضائي الأعلى يؤدلج المخالفات الدستورية إلى رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، مدللاً على ذلك بتفسير رئيس الوزراء لمنطوق المادة التي تنص صراحةً على تكليف مرشح الأكثرية بتشكيل حكومة، إذ قال: «إن الحكومة تتشكل تحت قبة البرلمان». وهذا تشريع وليس تفسيراً، وهو لا يملك الاثنين.

أزمة مستعصية

قال السياسي والإعلامي العراقي د.حسن البزّاز إنه ليس من السهل صياغة ميثاق وطني للعراقي، فالمواثيق لا تنبثق إلا إذا حملت الصفة الوطنية من داخل المجتمع. لذلك «ربما يكون ترفاً فكرياً القول إننا قادرون على وضع صيغة معينة للقائمين على السلطة».

ورأى أن الأزمة العراقية «مستعصية»، وأنها تحولت إلى مواجهات فعلية ميدانية.

وتساءل البزاز: ماذا يمكن أن يقدم منتدى الفكر العربي لهذه الحالة؟ وإذا ما قدم، هل يمثل الجهد المتحقق هذا المنتدى، أم أنه يمثل وجهة نظر أردنية أو عربية؟ ومشككاً في هذا السياق في أنْ يمثل ما يتم التوصل إليه وجهة نظر عربية، خصوصاً في ظل الوضع الراهن.

وحول مسألة «تحمل المسؤولية»، قال إن هذه المسألة اصبحت داخلية بامتياز، وإن حلها أصبح خارجياً بامتياز أيضاً، مؤكداً وجوب تحميل الشعب العراقي جزءاً من هذه المسؤولية، كونه شارك فعلياً بما حدث ويحدث في العراق.

وبيّن أن الحديث عن هذا الأمر يقود إلى الحديث عن «انهيار المنظومة القيمية بشكل كامل»، مضيفاً: «عندما تنهار القيم ينهار كل شيء»، ومشيراً إلى أن «التحالفات السياسية، هي تحالفات لا أخلاقية وبلا التزام، وتسوقها المصالح، ما يجعل من معالجة المسألة العراقية تنطوي على خطر، فلا يمكن الوصول إلى حلول دون وجود مفاهيم متفق عليها».

وضرب البزاز مثالاً على ذلك بقوله: إن المكون الشيعي نادى بتكوين الفيدراليات وأرادوا تفعيل فيدراليات الوسط والجنوب والشمال، وحذا حذوهم الإخوة الشيعة في العراق، ثم تخلوا عنها عندما فشلت، مضيفاً أن العرب السنة كانوا أكثر الرافضين لهذه الأفكار، كونها تصل إلى حد الكفر والانفصالية. ثم عادوا وتبنوا هذا الموضوع بكل قوة وشراسة، مؤكداً أن هذا يمثل «تناقض المكونات»، ومضيفاً: إذا أردنا أن نتحدث عن العراق يجب أن نتحدث عن مكون واحد، ليس هناك بلد يتكون من مكونات بل من مكون واحد ومن أجزاء مختلفة. داعياً في الوقت نفسه إلى عدم النظر للقضية بهذه المأوساية مثلما يفعل الكثيرون، وإلى الإيمان بأن العراق سيخرج من أزمته، فهناك رجال يفكرون ويقاتلون ومستعدون لأن يدفعوا أي ثمن للخروج من الأزمة، كما أن هناك أملاً مرده أن الاتجاهات في السياسة تتحول بسرعة، «فما هو سيء ومحبط ربما يتغير إلى شيء جيد.

ودعا البزازي العراقيين إلى التفاوض بكل جدية وصراحة، خاصة في ما يخص التسميات (سني، شيعي، كردي،..)، فهذا هو السبيل الوحيد للخروج من «مرحلة المجاملات» إلى مرحلة «المواجهة الحقيقية».

الحراك الشعبي

قال الصحفي العراقي د.عمر الكبيسي إن الشيء الجديد هو بدء الحراك الشعبي العراقي مؤخراً، الذي لم يكن على بال الحكومة أو السياسيين حدوثه، وهو حراك عفوي لكنه متشدد بالخطاب ومتمسك بالمطالب والتنظيم والأداء إضافة إلى سلْميته. مشيراً إلى إمكانية تحوله نحو المصادمات والمواجهات كونه ينتمي إلى مجتمع قبائلي، واصفاً إياه «بالحراك الميثاقي» فهو تعدى مجرد المطالب، إضافة إلى أن المشاركين فيه أغلبهم من الشباب.

وعزا الكبيسي فشل الجبهة الوطنية التي ينتمي إليها تجمع في عضويتها البعثي والقومي والشيوعي، بالتفكير في ميثاق وطني وكيان سياسي، لأسباب عديدة عدم العثور على مكان للتجمع، وعدم قبول أي دولة باستضافتهم، مضيفاً أنه لا يمكن الآن القول، إننا «جئنا بميثاق وطني جديد»، في حين أن بعض الخطابات بحاجة إلى تجديد وتحريك وتنسيق، مؤكداً أنهم بحاجة إلى موقف قبل أن يتم وضع ميثاق، كما أن الأردن كدولة وشعب وحكومة يحتاج إلى موقف لصالحه ولصالح الذين يعتقدون أنه مؤهل لذلك.

وأكد أن الأردن مؤهل لهذا الدور، كونه مؤسس الدولة العراقية فالعائلة الهاشمية هي العائلة التي أوكل لها تأسيس هذه الدولة، مضيفاً أنه ليس للأردن أطماع في العراق، وأن العلاقات متوازنة بين البلدين، وأشار الكبيسي إلى مقال للكاتب محمد أبو رمان يقول فيه: «إنه لو حدث حراك في العراق واصطدم مع الحكومة، فلن يكون أمام الأردن إلا أن يفتح حدوده لمئتي ألف عراقي».

ورأى الكبيسي أنه بسبب رمزية الأردن وشعبيته وحكمته المعروفة في المنطقة، فهو مرشح وطنياً وقومياً ليكون صاحب موقف، ليس لاجتثاث الأزمة المستعصية، لكن على الأقل لتفادي شرورها.

وطالب الكبيسي بتغيير الدستور، رافضاً اتهام من ينادي بإسقاط الدستور بأنه «ليس عراقياً»، في حين أن المالكي نفسه كان قبل عام ونصف أول المطالبين بإسقاطه، مصرحاً حينئذٍ أنه لا يستطيع أن يحكم به، وأضاف الكبيسي أنه دستورياً وبحسب المادة 142، كان يجب أن يتغير الدستور من قِبل البرلمان خلال 4 أشهر من وضعه، لافتاً إلى أنه عندما يطالب المتظاهرون بإسقاط الدستور وتعديله، فذلك لأن مجلس النواب مخالف للدستور نصاً وفعلاً.

وبيّن أنه التمس من سمو الأمير الحسن أن تكون هنالك مبادرة لتشكيل لجنة ، مهمتها قراءة الموقف على أرض الواقع، والتواصل مع الطرفين (السلطة والحراك)، معتقداً أنها ستنجح، وأن يتم التحرك الاتجاه قريباً، قبل أن تصدر خطة لاستهداف المتظاهرين في العراق، وتحدث كارثة كبيرة. عندها سيكون الأردن وجهة لجوء.

وقال الكبيسي إن الشعب العراقي منقسم بفعل الاحتلال والسلوكات والاجراءات والمداهمات، داعياً إلى القيام معالجة حقيقية للوضع. ورأى أن تعديل الدستور والقفز إلى حكومة غير حكومة المالكي ووضع قانون انتخابي نزيه بإشراف دولي، سيجعل العراقيين يتفادون الخطر الذي يمكن أن يحدث، لافتاً إلى أن الأردن صاحب قول وله دور في الضغط على دول الاحتلال وعلى أووربا، مع عدم إغفال أن أميركا وإنجلترا تعدّان لاعبين رئيسيين، وأميركا تريد أن تبرئ ذمتها السياسية كدولة.

دور «الجامعة»

قال الونداوي إنه لا توجد مشكلة في عمل مشروع كتابة الميثاق، لافتاً إلى الخبرة التي يتمتع بها العراقيون المشرفون على وضع الميثاق، مقترحاً إشراك شخصيات عراقية أخرى تمثل رؤى مختلفة ليتم التوصل إلى صياغة الميثاق الممكن.

وبيّن أن الاميركيين حتى هذه اللحظة بلا مشروع أو رؤية لوضع ميثاق عراقي، وأنهم لن يدعموا هذه الفكرة، ضمن الإطار العام للمشروع الإقليمي.

وحول دور الجامعة العربية، قال إن لدى الجامعة مشاكل عربية كثيرة تستنزف وقتها وجهدها، فهي منذ مؤتمر القاهرة الذي حاولت فيه جمع العراقيين، لم تظهر أي مبادرة أخرى، على عكس دورها في مراحل معينة سابقة، حيث ساندت نظام سياسي غير متكامل في العراق من خلال أكثر من إجراء.

أما دول الجوار، فأكد الونداوي أن إيران وتركيا جزء من المشكلة، مشيراً إلى أن هناك صراع نفوذ، وبالمقابل العراق ضعيف، كما أن معظم العرب يتدخلون بمستويات مختلفة في الشأن العراقي، إضافة إلى أنه على المستوى الدولي لا توجد مبادرة، ومن حق منتدى الفكر العربي أن يفكر بذلك.

ودعا الأردن إلى الاستفادة من العلاقات الحالية الجيدة مع العراق، واصفاً إياها بـ»أيام عسل» محدودة.

مضيفاً أن الأردن ما يزال يمتلك مفاعيل اللعبة، وإذا أراد المنتدى أن يخرج مشروع كهذا، عليه أن يعدّ مسودة ميثاق ويقدمها.

وقال إننا بحاجة إلى مبادرة أكبر من مبادرة المنتدى، على أن يقودها ويُحشد لها جماعات دولية من جماعات الضغط والتنوير، وعلى سبيل المثال: يستطيع المنتدى أن يتوجه إلى مجموعة «مانديلا-كارتر»، وهو منتدى دولي معروف ومحترم، سبق له أن مارس مهام توفيقية هنا وهناك، والقيام بعملية حشد لجميع القوى وإصدار بيانات، وجمع تواقيع شخصيات إسلامية عربية، ما سيكون له دور أكبر في رسم خط واضح وخريطة طريق على هذه الطاولة لبناء الميثاق، ويمكن أن يتولى أصحاب المبادرة ذلك ويضعون المسودة.

واضاف علينا السعي لإعادة تأهيل الهوية الوطنية وهذه نقطة أساسية يدور حولها الحديث. وهذا يرضي الجميع ولا يتعارض مع أي من الأطراف.

صدق النوايا

قال الإعلامي العراقي سعد الكناني: إن معالجة الأزمة المستديمة بالعراق، تستدعي قراءة أمور عدة منها: طبيعة النظام السياسي وتركيبته البنيوية، وطبيعة الدستور الذي هو أساس المشكلة في العراق، إضافة إلى طبيعة انتماء الهوية العراقية التي لم تتطور، بل وصلت الأمور إلى قدسية الدين والقبيلة والمنطقة، ومن ثم التحالف.

أما بخصوص مسألة المبادرة الأخلاقية من قبل المنتدى، لفت الكناني أنه سبق وأن قُدمت مشاريع عدة للحكومة العراقية، مضيفاً أن المشكلة هي أن تلك الحكومة ترفض علناً كل هذه المعالجات، فمسألة تعديل الدستور مكون أساسي في «التحالف الوطني»، ودولة القانون والحاكم في العراق يعلن صراحة رفض تعديل الدستور.

وأكد الكناني أن الأزمة في العراق لن تحل، إذا تمت المعالجة من اللاعب الأميركي أو التركي أو الايراني قبل اللاعب العراقي، كما أن صدق النوايا ضروري في هذا السياق. مضيفاً أنه إذا لم يُضبط إيقاع الإقليم، ويراعى البعد الدولي، فلن تكون هنالك معالجة حقيقية للأزمة في العراق.

فوضى قانونية

رأى الكبيسي أنه ليس هنالك ضير من أن يقوم الأردن بوساطة «تحمي العراقيين» من السلطة، وأضاف: «نحن أمام مجزرة دم قادمة»، ولفت إلى أن المبادرة تخص منتدى الفكر العربي، ولا يحق لأحد الحديث عن دور للأردن، فالمنتدى لا يتحدث باسم الأردن.

كما قال: إن الحراك أصبح حقيقة له مطالب مشروعة، هناك ردود فعل إيجابية حتى من الدولة، بإقرار هذه المطالب، مضيفاً أنه نتيجة الفوضى القانونية الموجودة في العراق إلى جانب العوامل الأخرى جعل من الصعوبة إيجاد مخارج، ما لم يتحقق نوع من المطالب والالتزام بها، فقد تشكلت وفود تمثل المعتصمين كما تمثل الاحتجاجات الشعبية توجهت إلى القاهرة، وستتوجه إلى كردستان، فهي تهدف إلى عقد مؤتمر موسع مكرس لدعم الحراك الشعبي ومطالبه المشروعة، مؤكداً على أن هذه النقطة تمثل محور المؤتمر الذي نأمل أن يخرج ويمكن للمنتدى أن يهيئ منبراً لتحقيق رؤية واضحة.

أزمة مفتعلة

أكد الوزير العراقي الأسبق د.عبد الكريم هاني أنه لم يكن هناك خلاف أو أزمة حقيقية بين ما يُسمى «المكونات العراقية»، بل هي «أزمة مفتعلة»، جاءت مع الاحتلال وأن أصحاب مشروع الاحتلال عملوا على إنشاء هذه الأزمة خلال السنوات التي سبقت الاحتلال مضيفاً أن الوضع في العراق تمت صياغته بعد الاحتلال لمنع أي تغيير على هذه الأزمة، لضمان استمرارها، ولفت إلى أن الدستور وُضع بضمانات تضمن عدم تعديله، رغم من وجود نص على إمكانية تعديله، فالأكثرية البرلمانية التي تملك السلطة نظرياً ستقف ضد التعديل.

وقال إن قانون الانتخابات وُضع بحيث يضمن استمرار الأزمة بصورها المختلفة، لذلك فإن الحل الأساسي يكون بإلغاء الدستور الذي هو أُسّ المشاكل.

وأضاف هاني أن الأمر جرى تصويره في العامين 2005 /2006 على أن الصراع هو بين مكونات، وأن المصالحة المطلوبة هي بين هذه المكونات، مشككاً أن يكون هذا الكلام صادراً عن رؤية صحيحة للواقع مشيراً إلى أن الخلاف داخل المجتمع، هو خلاف سياسي بين اتجاه وطني و اتجاه معادٍ للوطنية، مستدركاً أن الوطنية لا علاقة لها بأن يكون الشخص شيعياً أو سنياً.

تمثيل جميع الأطراف

قال الاقتصادي العراقي كمال القيسي عضو منتدى الفكر العربي: إن منتدى الفكر العربي نجح بعد جهد استغرق سنتين في الوصول إلى الميثاق الاجتماعي العربي، الذي وُضع في ضوء حراك الربيع العربي وفي ضوء مطالب الجماهير، وفي ضوء الصراعات حول السلطة وبين الأيديولوجيات التي تحكم نظام الدولة.

وأضاف أن هذا الميثاق لم يكن يفرض التزاماً، لكنه يضع إطاراً فكرياً يساعد على تطوير مواقف أو حل أزمات داخلية وطنية، فهو يتكلم عن الديمقراطية كيف تكون؟ وعن الحرية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان والمساواة والمواطنة المتكافئة، وتداول السلطة التنفيذية والمشاركة التي تشمل جميع الأجيال والطوائف دون إبعاد أي فئة في السلطة وادعاء واحتكار الحقيقية، أو استخدام تعابير التخوين والتكفير ورفض الإعتراف بالآخر. كما يهدف الميثاق إلى تنظيم الأسس والمرتكزات في العلاقة بين السلطة والمواطن، فهو يؤكد أن الشعب مصدر السلطات.

وتابع القيسي: لو أسقطنا هذا على الوضع في العراق، سنجد أننا نعاني من جميع تلك المشاكل بدرجات متفاوتة، لهذا فإن المؤتمر يجب أن تحضره شخصيات تمثّل الأطراف المختلفة لتطرح الحلول حول كيفية الخروج من هذه المشاكل.

ودعا إلى إقرار المرتكزات والمبادئ في مؤتمر لاحق، بحيث يمكن لهذه المبادئ أن تطور أي عمل وطني باتجاه بناء ميثاق وطني عراقي تضعه أطراف عراقية وإرادات عراقية، لافتاً إلى أن هذا هو الأساس الذي يجب أن تتم الدعوة عبره لمؤتمر يُمثل مطالب الحراك، وتشارك فيه شخصيات فاعلة تقدم رؤاها حول الدستور والجانب الأمني والهوية والحراك الشعبي والعوامل الخارجية.

واوضح أن الحراك أصبح حقيقة وله مطالب مشروعة، وأن هناك ردود فعل إيجابية من الدولة، لإقرار هذه المطالب، مضيفاً أن الفوضى القانونية الموجودة في العراق إلى جانب عوامل أخرى، جعلت من الصعوبة إيجاد مخرَج، ما لم يتحقق جزء من المطالب.

ولفت في هذا السياق إلى أن هناك وفوداً تمثل المعتصمين توجهت إلى القاهرة، وستتوجه إلى كردستان، بهدف عقد مؤتمر موسع مكرس لدعم الحراك الشعبي ومطالبه المشروعة، مؤكداً أن هذه النقطة تمثل محور المؤتمر الذي يؤمل أن يُعقد، وأن يتمكن المنتدى من تهيئة منبر لتحقيق رؤية واضحة.

ودعا القيسي إلى الخروج من خانة الطائفية والعرقية، للوصول إلى مرحلة الشعور الوطني العراقي وتوحيد الهوية، مضيفاً أن الهوية الطائفية، تحول دون الوصول إلى النتائج المأمولة.

وبخصوص الحراك، قال إنّ هناك أياديَ خارجية تتدخل به مثل «القاعدة»، مشيراً إلى أن المهم هو أن يكون الحراك نظيفاً وأن يتم توجيهه بشكل صحيح.

تغيير قانون الانتخاب

قال الخبير العسكري العراقي الفريق الركن د.عبد العزيز المفتي، إن الانتخابات تمثل الحل الأسهل لحل للمشاكل، وإن هناك محاولات لتغيير قانون الانتخابات الحالي، مشيراً إلى أنه تم انتخاب 18 شخصاً من أصل 325 شخصاً يتكون منهم البرلمان وفق مبدأ القوائم.

وأكد أنه من الضروري الضغط على الأمم المتحدة لتغيير قانون الانتخابات قبل تعديل الدستور.

وحول عضوية العراق في الجامعة العربية، قال إن هذا يخالف ميثاق الجامعة الذي ينص على أنه لا يجوز قبول عضو إذا لم يكن مستقلا، بينما العراق لا يزال واقعاً تحت الاحتلال.

ووجّه المفتي الدعوة للسنّة في العراق كي يستوعبوا «اللعبة السياسية»، مبيناً أن قوة السنة في العراق تتمثل في الأكراد، فالسنة وحدهم يشكلون مكوناً صغيراً ضعيفاً، وعند جمعهم مع الأكراد يشكلون ما نسبته 50 %، نافياً صحة أن الشيعة في العراق يشكلون نسبة 70 %.

«نحن مع العراق»

أكد وزير الثقافة الأسبق طارق مصاروة، أننا مع العراق: «عراق نوري السعيد، وعبدالكريم قاسم، وحتى صدام حسين»، مضيفاً أن هذا ليس كلاماً عاطفياً، وإنما هو فهم استراتيجي للعلاقات العربية، فالجيرة لا تعني الجغرافيا فقط، بل تعني ما هو أكثر من الجغرافيا. وتساءل مصاروة: ما هو دور الأردن، وماذا يمكن أن يقدم للعراق الجديد؟

وأضاف أن الوضع مرشّح لمزيد من الفوضى في العراق، وأننا مهما بلغنا من «الذكاء» في اللعبة السياسية «الدولية» فإننا لن نستطيع أن نؤدي دوراً غير عادي في العراق أو في سوريا.

وأشار إلى زيارة الرئيس الأميركي المرتقبة للأردن، مؤكداً أن أولوياتنا هي «فلسطين»، فإذا ما حدثت أي «حركة بسيطة»، سيتوافد مليونان من فلسطين إلى الأردن وهذه هي «الكارثة»، فالموضوع الفلسطيني بالنسبة للأردن هو مسألة حياة أو موت.