الوجه الآخر ل" عرار" قراءة في أوراقه ووثائقه

24/06/2013

أكد مشاركون في ندوة «الوجه الآخر لعرار» أن هناك جوانب خفية للشاعر مصطفى وهبي التل تكشف عنها الوثائق والأوراق التي تمكّن د.زياد الزعبي من الاطلاع عليها ونشر جزءاً منها في مجلد من خلال «كرسي عرار» الذي أنشأته جامعة اليرموك مؤخراً.

وبيّن المشاركون في الندوة التي نظمها مركز «الرأي» للدراسات في قاعة محمود الكايد، ورعاها أمين عام وزارة الثقافة مأمون ثروت التلهوني مندوباً عن وزير الثقافة، أن الوثائق والأوراق التي تشتمل على مخاطبات حكومية ووثائق تخص قنصلية إمارة شرق الأردن في بغداد 1942-1943 (أوراق خلف محمد التل)، تجلي كثيراً من الحقائق عن شخصية شاعر الأردن، والتحولات في مسيرته الحياتية والعملية، والشخوص المحيطين به والأحداث في زمنه، إلى جانب تفاصيل تخص مؤسسات الدولة الناشئة.

ورأوا أن الكتابة عن عرار من وحي وثائقه وأوراقه، تحيل إلى تفاصيل بعضها يثبت ما كان كُتب عن الشاعر، وبعضها الآخر يضيف حقائق جديدة، أو ينفي بعضاً مما جاء في الكتابات السابقة، ما يجعل من هذه الوثائق والأوراق «ثروة وطنية تقود إلى إعادة قراءة تاريخ الدولة الأردنية بكل مفاصلها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية».

شارك في الندوة: الناقد د.زياد الزعبي مدير كرسي «عرار» في جامعة اليرموك، والكاتب والباحث مفلح العدوان، وأدارها وزير الثقافة الأسبق د.صلاح جرار.

تالياً أبرز ما تناولته الندوة:

قدّم للندوة وأعدها للنشر: جعفر العقيليarar
تحرير: بثينة جدعون
حزيران 2013

جرار: جوانب خفيّة في شخصية الشاعر

استهل د.صلاح جرار حديثه بقوله إن عرار كما عرفناه جميعاً هو «ذلك الشاعر المبدع المتمرد، الساخر، الناقد، الغاضب، الذي يدافع عن موقفه أكثر من دفاعه عن لقمة عيشه»، مضيفاً أن مواقف عرار «تعدّت البعد الشخصي الذاتي إلى أبعاد وطنية وقومية وإنسانية»، لذا أحبه الناس الطيبون الصادقون، وانشغل به الباحثون والناقدون، كما حاكاه الشعراء من الأجيال الناشئة، فكان له أيّما أثر فيهم أقرّوا بذلك أم لم يقرّوا.

وتابع جرار أن هناك جوانب خفية لعرار لا نعلمها، تكشف عنها بعض الوثائق والأوراق التي تمكّن د.زياد الزعبي من الاطلاع عليها ونشرها من خلال «كرسي عرار».

الزعبي: ثروة وطنية لإعادة قراءة تاريخنا المعاصر

قدم د.زياد الزعبي بعض التصورات الأولية حول الصورة الجديدة لمصطفى وهبي التل غير تلك المألوفة أو المعروفة عنه، بعيداً عن شاعريته وعن علاقته بالغجر والخمر والشعر، وذلك من خلال مجموعة من القضايا المدعمة بالوثائق والأوراق الخاصة به.

وعزا الزعبي الفضل في حصوله على المجموعة الكبيرة من الوثائق حول عرار، إلى مريود التل وابنه د.طارق، إضافة إلى مجموعة من الوثائق احتفظ بها د.سعيد التل.

وسرد الزعبي قصة حصوله على وثائق عرار وأوراقه، موضحاً أنه حاول في عام 1980 أن يشكّل صورة عن عرار الشاعر، ووجد إشارات كثيرة في كتب متعددة بأن هناك أشعاراً وقصصاً ومقالات صحفية لم تُنشر لعرر، ما اضطره إلى كتابة مقالة في صحيفة «الرأي» (30/5/1980) تحت عنوان «عرار من دون ضجيج»، دعا فيها كل من يملك شعراً لعرار الاتصال به.

وأوضح الزعبي أنه لم يتصل به سوى مريود التل، الذي زاره في بيته، وقدم له مجموعة كبيرة من الأوراق، منها المطبوعة ومنها المكتوبة بخط اليد، إلى جانب برقيات وقصاصات من الصحف.

وبيّن الزعبي أنه اطّلع على تلك الوثائق والأوراق بغرض تجميع شعر عرار، كون الهدف كان إصدار طبعة محققة من ديوان «عشيات وادي اليابس»، لذا فقد ترك الأوراق التي ليس لها علاقة بالشعر ولم يطّلع عليها. وبعد أن أنشئ «كرسي عرار» في جامعة اليرموك (2010)، كان أول أمر تبادر إلى ذهن الزعبي هو العودة إلى الوثائق التي لم يطلع عليها. وعندها تفاجأ بأمرين: تقلص الكم الضخم من الأوراق التي سبق أن اطلع عليها إلى النصف أو أقل، وحصوله على أوراق ليس فيها شعر، بل هي أوراق رسمية صادرة عن مؤسسات الدولة الأردنية بدءاً من العام 1921 وحتى العام 1949، وهي تمثل وثائق في منتهى الأهمية، ولا وجود لها في أي مكان آخر، ولا تتعلق بشخص عرار، إنما تتعلق بتأسيس الدولة الأردنية بكل مفاصلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية على نحوٍ يثير ذهول من يقرأ.

وتابع الزعبي أنه كان لا بد من التعامل مع هذا «الكم الضخم» من الوثائق، موضحاً أن بعض الوثائق الصادرة عن الدولة كانت مطبوعة، وأخرى مكتوبة بخط اليد، وبعضها في أوراق لا يزيد حجمها على 2 سم و5 سم، وهناك وثائق بصورة مسوّدات أولية وأوراق طويلة، بعضها تالف قد يُقرأ وقد لا يُقرأ، وهي بحاجة إلى أشخاص قادرين على قراءتها ومن ثم حفظها.

وبيّن الزعبي أنهم قاموا بأرشفة ما يزيد على 1500 وثيقة بشكل نهائي عبر برنامج «PDF» على جهاز الكمبيوتر، مضيفاً أنه تم إصدار المجلد الأول الذي يحتوي بعض هذه الوثائق والأوراق، وأن المجلد الثاني الذي يضم جزأين كبيرين في طريقه للصدور قريباً.

وحول آلية العمل التي اتبعها، قال إن ترتيب المجلدات تم وفق منهج علمي محدد، فالجزء الأول يتضمن المراسلات والكتب الرسمية، ويشتمل الثاني على الرسائل الصادرة والواردة من مصطفى وهبي التل وإليه.

ولفت الزعبي إلى أن هناك تفاوتاً شديداً في محتويات تلك الأوراق والوثائق، فبعضها يتعلق بقضايا شخصية، ويتعلق الأخرى بالمنطقة العربية وبمعنى أكثر دقة بالحياة السياسية (آسيا العربية في الأردن والعراق وسوريا ولبنان، وبشكل خاص في فلسطين)، وبعضها يتعلق في الدولة الأردنية والعلاقات التي حكمت طريقة تعامل الأشخاص مع أركان الدولة والملك المؤسس وأركان الحكومات والوزارات والعسكريين، ومع رئيس المعتمدين الإنجليز، كما أن هناك وثائق من المعتمدية البريطانية باللغتين العربية والإنجليزية.

ولفت الزعبي إلى أننا «أمام ثروة تقود إلى إعادة قراءة تاريخ الدولة الأردنية بكل مفاصلها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية».

وتساءل الزعبي في هذا السياق: كيف اجتمعت الوثائق عند مصطفى وهبي التل، هذا الشاعر الذي كان شاعراً متمرداً بوهيمياً يتردد على مضارب الغجر؟ وأضاف أن الوثائق تقدم صورة مختلفة عن الصورة النمطية لعرار، فالرجل كان على علاقة بالملك فيصل والشريف حسين ومصطفى النحاس وبرنارد لويس، وحكام في سوريا ولبنان وفي فلسطين والجامعة العبرية ومجموعة من اليهود الذين كانوا يقبلون إقامة دولة عربية يكون اليهود من رعاياها.

وأشار إلى أن هذه المجموعات السياسية التي تنتشر في المنطقة في ذلك الوقت تثير الدهشة، طارحاً عدداً من الأسئلة: ما الذي كان يفعله الرجل؟ ومن أين له كل هذا الوقت لمراسلة هؤلاء ولتوثيق كل عمل يقوم به، وكل رسالة تصله؟ لافتاً إلى أن الرسائل إما كانت تصل من جهات رسمية من العراق ومصر وسوريا ولبنان، أو من جهات سياسية ورسمية كرؤوس الدولة. ومنها مراسلات عرار مع رئيس الوزراء المصري مصطفى النحاس في مصر باسم «الأمين الثاني لجلالة المغفور الملك المؤسس».

ورأى الزعبي أن فرادة هذه الشخصية تكمن في كونها تجمع هذا العدد الكبير من الوثائق امتنوعة، وتقيم العلاقات الوثيقة مع حكام تلك المنطقة بدءاً من الشريف الحسين بن علي الذي كان في قبرص، ثم الملك فيصل في العراق، إلى جانب رحلات عرار «غير العادية» إلى مصر.

وكشف الزعبي أن هناك علاقات لعرار تتضح من أوراقه، لكنه لم يستطع فك مغاليقها، مثل وجود 40 رسالة من سيدة كتبت اسمها برسالة واحدة فقط، ثم أصبحت توقّع رسائلها بطريقة غير مقروءة، وكانت تخاطبه بـ»عمي»، ومما جاء في رسائلها أنهالم تستطع الذهاب إلى العراق وإلى الديوان الملكي في العراق.

ومن خلال قراءة هذه الأوراق كما يرى الزعبي، يمكن اكتشاف دائرة علاقات عرار في مصر عبر إبراهيم ناجي والمغني المشهور محمد الكحلاوي، فهناك ما يقارب 40 رسالة من الكحلاوي إلى مصطفى وهبي التل. وهناك رسائل من فلسطين، من الأديبة المشهورة مهدية عبد الهادي، ورسائل من لبنان من صاحبة صحيفة «منيرفا»، ورسائل أخرى من الجمعية العربية اليهودية التي أُسّست أثناء الحرب العالمية الثانية، وكانت تقوم على فكرة أن الغرب متوحش لأنهم يقتلون اليهود في أوروبا والعرب في أماكن مختلفة، وأن بالإمكان الوصول إلى نوع من إقامة الدولة العربية كما كان يطرحها الملك المؤسس، بحيث تشمل اليهود ليكونوا جزءاً من رعاياها.

وتساءل الزعبي: لماذا تغيب مثل هذه الوثائق عن الباحثين والمؤرخين،؟ وهل هناك أصول لهذه الوثائق في مصادرها الأصلية؟ بمعنى إذا كانت هناك مراسلات بالمئات أو العشرات بين عرار وبين الملك المؤسس، فهل يمكن أن تكون موجودة في الديوان الملكي؟ لافتاً إلى وجود رسائل من الملك المؤسس بخط يده لمصطفى وهبي التل، بعضها غير موجود، لكنه مشار إليه.

وقال الزعبي إن هذه الوثائق ستلغي الصورة النمطية عن شخص «عرار»، وستقدم لنا صورة جديدة له، كما أنها ستضيف مادة نستطيع في ضوئها أن نعيد قراءة تاريخ البلد، مؤكداً على ضرورة أن نمتلك الجرأة لنقرأ هذا التاريخ بوضوح ودقة اعتماداً على هذه الوثائق.

وأوضح أنه لم يستطع الوصول إلى ما كتبه عرار في السياسة والقانون والكتابات النثرية في الصحافة، مضيفاً أن ما نشره عرار في صحيفة «الكرمل» الحيفاوية يمكن اتخاذه مادةً تدرَّس، مبيناً أن عرار اتصل بنجيب نصار في حيفا سنة 1921 وبدأ يراسله، وكان يكتب ما يحدث في شرق الأردن في «الكرمل» بلا اسم في البداية، ثم أصبح يوقّع موضوعاته بأسماء متعددة، مرة باسم «مُناصر» ومرة باسم «ابن جلا»، مشيراً إلى أن جزءاً من تاريخ البلد بما يتعلق في الحياة الاقتصادية والمشاكل القبلية موجود في «الكرمل»، كما أن هناك 10 رسائل من نجيب نصار (ومن زوجته بعد وفاته) إلى مصطفى وهبي التل.

وأشار الزعبي إلى أن عرار نشر بعض كتاباته باسمه الصريح، وبعضها الآخر بغير اسمه، ففي إحدى وثائقه، هناك جملة يشير فيها إلى قصة له نشرها في «الكرمل» بعنوان «لعلهم يتذكرون» عام 1944 تحت اسم مستعار هو «ابن جلا». وتساءل الزعبي: من كان يعرف أن «ابن جلا» هو نفسه مصطفى وهبي التل؟ وكذلك الأمر في مقالة له بعنوان «فن إسقاط الوزارات» وقّعها باسم «مُناصر»، وفي مسرحية اسمها «المنقذون» بتوقيع آخر، أعيد نشرها في كتاب «على هامش العشيات» للزعبي مطلع الألفية الثالثة.

وبيّن الزعبي أهمية وجود جهة تؤسس للوثائق الوطنية، مشيراً إلى أن وثائق عرار وأوراقه تمثل جزءاً صغيراً مما يمكن أن نجده عند كثير من الأفراد في الأردن وبعض المؤسسات، آملاً أن تقوم مؤسسات الدولة ووزارة الثقافة بـ «لمّ هذا الشتات» لتكوين الذاكرة الوطنية من خلال الوثائق التي يتم حفظها.

وأشار الزعبي إلى أن هناك الكثير من العراقيل التي واجهتهم للوصول إلى المقالات والكتابات التي نشرها عرار في «الأردن» و «الكرمل»، لافتاً إلى دور د.محمد عدنان البخيت الذي ساعد في التنسيق مع مركز الدراسات الفلسطينية لإرسال أعداد الصحيفتين عن طريق «الميكروفيلم»، موضحاً أنه هذه الأعداد محفوظة في الجامعة العبرية بالقدس، وأن مركز الدراسات الفلسطينية حصل عليها من النسخة التي صوّرتها مكتبة الكونغرس من الجامعة.

وشكر الزعبي المؤسسات التي دعمت هذا المشروع الذي تمت طباعة مجلد واحد ضمنه، وهناك محاولات لتسويقه بالرغم من التكلفة العالية لإصداره، ذلك أن كل ورقة ملونة حُفظت في المجلد كما هي في الأصل.. وأشاد بالمؤسسة الصحفية الأردنية (الرأي) ومؤسسة شومان اللتين دعمتا المشروع عبر شراء المجلد أو بالتبرع النقدي.
ودعا الزعبي إلى أن تكون هناك مؤسسة وطنية واحدة يناط بها جمع مثل هذه الوثائق والأرواق وتَولّي مهمة حفظها.

العدوان: تداخُل الخاص بالعام

من جهته، قال الكاتب والباحث مفلح العدوان إن الوثائق التي يضمها المجلد تؤرخ لمراحل مختلفة من حياة عرار، وفيها تفاصيل تخص مؤسسات الدولة الناشئة، والشخوص المحيطين بالشاعر والأحداث في محيطه، وتكشف عن قلق النفي والسجن الذي انتاب عرار، والقفزات الوظيفية التي يُهيّأ لمن يتابعها، أن الشاعر عاش مئات السنين لكثرة ما تنقّل في تلك الوظائف والمؤسسات.

وأضاف العدوان أن كثيرين كتبوا عن تفاصيل من حياة عرار، وعن شعره ومواقفه السياسية، وعلاقته بالمجتمع، وعلاقته بالغجر، وفلسفته في الخمر، ومواقعه التي تبوأها في الدولة، وعلاقته مع الأمير عبد الله الأول، وشبكة الأصدقاء حوله، ونماذجه الذي اختارها في شعره ونثره، وجوانب كثيرة حاولوا تلمسها نقدا وتحليلا، سلبا وإيجابا.. وأن هذه الكتابات أعطت صورة قريبة من حقيقة عرار، في بعضها اجتهاد، وجاء بعضها الآخر نتاجَ المعايشة، لكن الكتابة عن عرار من وحي وثائقه وأوراقه، تحيل إلى تفاصيل جديدة بعضها يثبت ما كان كُتب عن عرار، وبعضها الآخر يضيف حقائق جديدة، أو ينفي بعضا مما جاء في الكتابات السابقة.

وأشاد العدوان بـ «الجهد النوعي» لكرسي عرار في جامعة اليرموك، ممثلاً بمدير الكرسي د.زياد الزعبي، وكذلك د.أسامة عايش، حيث ظهر الجهد في عملية القراءة والدراسة والعنونة والتصنيف والفهرسة والأرشفة لإصدار الوثائق في المجلد الأول الذي تضمن المخاطبات الحكومية، ووثائق قنصلية إمارة شرق الأردن/ بغداد 1942-1943 (أوراق خلف محمد التل/ القنصل الأردني في المملكة العراقية الهاشمية).

وقال العدوان إن قراءته الثانية للوثائق تأتي في إطار تقديم تصور أشمل عنها، وتحديد أعمق لمحتواها وتفاصيلها، ما نقله إلى مساحات أخرى ومفاتيح مختلفة لحياة الشاعر، وللبرنامج اليومي للمناضل، ولدأبٍ لا يكل للموظف، ولصراع مستمر للإنسان الذي كانه مصطفى وهبي التل، مضيفاً أن هذه الأوراق في جوانب كثيرة منها، هي أوراق رسمية ووظيفية، وكل مجموعة منها تحيلنا إلى رؤية تحليلية لمساحات يتداخل فيها الخاص بالعام؛ إذ إنها توثق للبلد (الأردن)، وطبيعة العلاقات التي حكمته، ونشأة المؤسسات، وتشكل مراكز القوى، وتركيبة النظام، إذ تبدأ الأوراق من سنة 1922، أي على إثر تأسيس الإمارة.

وأضاف العدوان أنه فضّل أن يتعامل مع الوثائق كحُزَم، لصعوبة تتبع خريطتها، بحيث تشكل كل حزمة سياقاً مستقلاً يفيد في صياغة أو حبك قصة من حياة عرار، وتتشابك مع هذه القصة مؤسسات وشخوص وأحداث وتداعيات، مشيراً إلى أن بعض هذه الوثائق يشكل المفتاح لشخصية عرار القلقة والمتمردة والواعية، في الوقت الذي ترصد فيه أيضاً براءة تشكيلات مصطفى وهبي التل، راتباً وتاريخاً ووظيفةً، مثل الوثيقة المؤرخة 25/10/1922. وبعضها يعدّ مفتتحاً لتصور قلق السياسي والشاعر والمناضل مصطفى التل، وفيها البيان الوظيفي من سنة 1922 إلى سنة 1927، مبيناً أن عمل عرار حاكماً إدارياً في مناطق شهدت حراكات وثورات، عزز القيمة المعنوية والتاريخية والسياسية لهذه الوثائق.

وأوضح العدوان أن هناك مجموعة من الوثائق تتعلق بفترة عمل عرار حاكماً للشوبك ووادي موسى، وفترة الاضطربات وحادثة وادي موسى (1926)، وعزل عرار عن موقعه، وهناك وثيقة برفض مصطفى وهبي التل هذا القرار، والذي جاء رد رئيس النظار عليه أن عرار «معزول من الوظيفة» وليس موقوفاً عن العمل.

وأضاف العدوان أن هناك وثائق تفيد بأن مصطفى التل كان في أوقات فصله من عمله حاكماً إدارياً، يتجه إلى التعليم مدرساً أو مديراً لإحدى المدارس، لكنه ما إن يبتعد قليلاً حتى يعود إلى الإدارة الحكومية، غير أن قلق الشاعر ووعي السياسي لديه، يغلب على صفات الموظف الحكومي الرسمي.

ومن الوثائق، بحسب العدوان، ما يشير إلى وضع مصطفى وهبي التل تحت المراقبة ستة أشهر لاعتراضه على المعاهدة الأردنية البريطانية عام 1928، ومنها ما يتضمن عزله من وظيفته مديراً لمدرسة الحصن.

وتابع العدوان أن هناك وثائق تفيد بعلاقة مميزة بين الأمير عبد الله الأول وعرار، ويتضح ذلك من خلال تدخل الأمير مرات عدة لمصلحة عرار بإعادته إلى العمل الحكومي، وبدعوته إلى مرافقته في رحلاته. وقال إن هناك نماذج من الوثائق تؤشر على مراحل انتقالية في حياة عرار، مثل توجهه للحصول على إجازة المحاماة خلال فترة عمله مديراً لناحية الشوبك، لكنه يقطع إجازته لمعالجة أزمة الجراد (1930)، إضافة إلى وثائق حول حجز راتبه، وأخرى تتابع التحول الوظيفي عنده كالنقل إلى وزارة العدل (1932)، حيث عُيّن رئيساً لكتّاب محكمة إربد البدائية ومأموراً للإجراء.

وتوقف العدوان عند وثائق تأتي على ذكر «مقهى حمدان»، في سياق تكريم شخصية قضائية، والتماس عرار الرعايةَ الأميرية لهذا التكريم، إذ يقترح أن يقام الحفل في «قهوة حمدان». وأضاف العدوان أنه يمكن تلمس التفاصيل وسير إجراءات إقامة مثل هذا الحفل الذي هو مؤتمر سياسي مغلف بمبررات اجتماعية، من خلال الوثائق.

المداخلات

التل: وجهٌ وطني

وصف أمين عام وزارة الثقافة الأسبق الشاعر محمود فضيل التل، هذه الندوة بـ «النوعية»، فهي تختلف عن كل ما طرحته الندوات السابقة عن عرار، كونها تضيء على جانب مختلف من شخصيته التي نعرفها.

وقال التل إن عرار صاغ تجربته السياسية والوطنية شعراً، كي يعبّر عما يعانيه الشعب العربي بشكل عام والأردن بشكل خاص وعما يعانيه هو بالذات، مضيفاً أن هذه الندوة ستؤسس لندوات ومحاضرات مستقبلية لتتحدث عن الوجه الآخر لعرار، الوجه الوطني الذي يجسد علاقته بتأسيس الأردن في مرحلته المبكرة، ويكشف أنه رمز وقدوة.

العبادي: قانون لحفظ الوثائق

قال مدير عام دائرة المكتبة الوطنية الباحث محمد يونس العبادي، إن وعي عرار جعله من أكثر الشخصيات الأردنية التي وثّقت نفسها.

وأضاف أنه اطّلع على الوثائق الخاصة بالديوان الملكي، مشيراً إلى أن «الديوان» يحتفظ بجميع الوثائق الخاصة بعرار والتي أشار إليها د.زياد الزعبي، وربما أكثر من ذلك، ذاكراً أن هناك مخطوطاً كاملاً عن الشريف الحسين كتبه عرار.

كما ذكر العبادي أن عرار كان سفيراً للملك المؤسس مرات عدة، وأنه كان دائم التراسل معه خصوصاً عندما كان في أريحا (1945-1947)، وفي قبرص أيضاً، فهناك رسائل بهذا الخصوص أرسلها عرار إلى الملك المؤسس، كان بعضها يحتوي على «شيفرة» لا يفهمها إلا عرار والملك المؤسس.

وبشأن حفظ الوثائق، قال العبادي إن الأردن بالرغم من أنه يُعَدّ دولة متطورة إلا أنه يفتقر إلى قانون لحفظ الوثائق، وكشف أن هناك مشروعاً لهذا القانون تم إقراره من قِبل ديوان التشريع واللجنة الوزارية المختصةـ ويُنتظر إحالته من مجلس الوزراء للبرلمان.

وتابع أن جل الوثائق الأردنية موجودة لدى الأفراد، في حين تحتفظ رئاسة الوزراء والديوان الملكي بنحو المليون وثيقة. وأشار إلى أن دائرة المكتبة الوطنية اطلعت على جزء من هذه الوثائق، كما تم تزويدها بـ 183 ألف وثيقة إضافة إلى 100 ألف وثيقة أخرى ستصلها قريباً، كما أن الدائرة تشتمل على مليون ونصف المليون وثيقة، تمت أرشفة نصف مليون وثيقة منها على الموقع الإلكتروني للدائرة، وسيتم خلال العام 2013 أرشفة 250 ألف وثيقة أخرى.

وبيّن العبادي أن هناك مراسلات لعرار مع المعارضة في دمشق، وهي موجودة في الديوان الملكي، وتثبت أن هذا الشاعر كان له دور كبير في الحوارات الوطنية آنذاك.

وأكد العبادي أن هناك الكثير عن عرار وثائقياً، سواءً في المكتبة الوطنية أو في الملكي أو في رئاسة الوزراء ووزارة الداخلية، لم يُكشف عنه لغاية الآن، إضافة إلى وثائق في سفارات الأردن في لندن وأنقرة والقاهرة.

موسى: إضافة نوعية

قال الباحث حسين عبده موسى، إن هذه الوثائق هي «إضافة نوعية» لتراث عرار الذي بين أيدينا، لكنها لن تلغي الصورة النمطية في أذهاننا عن هذا الشاعر، بل تُجْليها وتوضّحها وتثريها.

الجبارات: توحيد جهود التوثيق

قال د.محمود الجبارات إن التشتت في جمع الوثائق الأردنية وتصنيفها لا يخدم البحث العلمي، بخاصة أن لدينا مكتبة الجامعة الأردنية ومركز التوثيق الملكي والوثائق في الديوان الملكي.

وتساءل الجبارات إذا كنا نحن الذين نحب عرار ونحفظ شعره ونعرف مسيرته، نجهله إلى هذا الحد، فكم من التاريخ جرى تزويره في الفترة الماضية؟

وحول علاقة عرار بالجمعية العربية اليهودية والوكالة اليهودية، قال الجبارات إن عرار كان يشارك في جميع المؤتمرات الوطنية، وكان ضد شراء الوكالة اليهودية أيّ أراضٍ في شرق الأردن، بل وكان يقود المظاهرات في هذه المسألة. أما بشأن علاقته بـ «برنارد لويس»، فالأرجح أن عرار لم يكن يعرف أن «لويس» يهودي صهيوني.

مقابلة: دعم «كرسي عرار»

قال الناقد د.جمال مقابلة، إن من المحزن أننا لم نعرف عرار جيداً إلا بعد زمن طويل، مشيداً بما قام به الزعبي من بحث ليقدم عملاً توثيقياً أكاديمياً راقياً، وإن كان هذا يتم ظل غياب الدولة والمجتمع المدني.

وعبّر مقابلة عن سروره لوجود «كرسي عرار» الذي ليس له مثيل في الأردن، لافتاً إلى حجم الصعوبات التي تواجهه، حتى إنه لا يلقى الدعم من الجامعة التي أسسته.

السواعير: «تجميل» الوثيقة

تساءل الكاتب والصحفي إبراهيم السواعير عن إمكانية تجميل الوثيقة في مشروع كهذا، داعياً إلى النفاذ إلى أبعاد الوثيقة ومضامينها مهما كانت النتيجة، ذلك أن المطلوب «ليس خلق معارضة لتجميل الصورة»، و «ليس قراءة صحفية عابرة للوثائق»، بل موقف ربما يغير مجرى الحياة.

الموسى: مزيد من التوضيح

قال الفنان أحمد الموسى، إن عرار «شخصية مثيرة، تبلورت في ظل تبلور الدولة الأردنية، وكان لها نشاطات متشعبة ومتعددة. وكان لها أثر واضح في مسائل وطنية واجتماعية وثقافية متشعبة»، داعياً إلى مزيد من التوضيح في ما يخص ما تم التوصل إليه من هذه الوثائق.

التلهوني: مشروع تجميع الوثائق وحفظها

قال أمين عام وزارة الثقافة مأمون ثروت التلهوني، إن وزارة الثقافة لا تألو جهداً للقيام بالدعم الجزئي أو الكلي للمشاريع الثقافية من خلال آلية محددة وأنظمة تعمل بموجبها.

وحول موضوع الوثائق وتجميعها وحفظها، قال التلهوني: «بدأت الوزراة بهذه العملية منذ أكثر من عشر سنوات»، لافتاً إلى أن دائرة المكتبة الوطنية تجاوزت الإحباطات بعد عدم استجابة الوزارات والدوائر الرسمية لطلباتها التزوّد بالوثائق، بينما استجابت فقط رئاسة الوزراء والديوان الملكي والقيادة العامة للقوات المسلحة، آملاً أن تستمر هذه الجهات بتزويد الدائرة بالوثائق المطلوبة، وأن تتمكن الدائرة من إتاحة الوثائق للعامة والباحثين.

كما أشار التلهوني إلى أنه سيتم تفعيل عملية الربط الإلكتروني بين الجامعات وعد من الدوائر والمراكز، والتي ستكون دائرة المكتبة الوطنية من ضمنها، بحيث يستطيع الباحث في جامعة اليرموك الدخول إلى مكتبة الجامعة الأردنية والاطلاع على ما يريد منها.

ردود

الزعبي: عمل منهجي

قال د.زياد الزعبي إن ما قاموا به في هذا المشروع هو عمل منهجي وليس حفظاً للوثائق فقط، موضحاً أن المجلد الأول يشتمل على «عنونة وثائقية تفصيلية»، مرتبة ضمن منهج تاريخي للوثائق.

وشدد الزعبي على أهمية حفظ الوثائق وفق عملية منهجية دقيقة، مبيناً أن وثائق عرار تم حفظها على «الكمبيوتر» بعد تخزينها عبر «الماسحة الضوئية»، ومن ثم تمت طباعتها ورقياً، وتوفيرها على الموقع الإلكتروني الخاص بكرسي عرار.

وحول الأوراق والوثائق التي فُقدت، قال الزعبي إنه لا يعرف أين ذهبت، كما أن أصول الوثائق الشعرية ليست موجودة بين يديه، لكنه كان قد صوّرها بعد الاستئذان من (المرحوم) مريود التل وحفظَ نسختين منها، واحدة عنده، والأخرى في مركز الوثائق بالجامعة الاردنية، وهي تحتاج إلى تنظيم.

وأوضح الزعبي أنهم بحاجة إلى الدعم المادي للانتهاء من طباعة المجلد الثاني المكون من جزأين، إضافة إلى أن المجلد الثالث تم إدخاله بصورة نهائية إلى «الماسحة الضوئية»، وهناك عمل ضمن هذا المشروع لا يمكن الاستمرار به في غياب الدعم، فإصدار مجلد واحد يتطلب عشرات الآلاف من الدنانير، مطالباً بتقديم دعم أكبر لمثل هذه المشاريع الوطنية.

العدوان: قراءة جادّة للوثائق

أكد العدوان أهمية ما تضمنته الوثائق، لافتاً إلى الجهد الجاد المبذول في إعدادها لتصدر على هذه الهيئة في مجلد، وداعياً إلى وجوب دعم هذا الجهد، ووجوب أن يكون هناك بحثٌ عن آليات لاستدامة عمل كرسي عرار، مثل تخصيص إحدى جوائز الدولة التقديرية لهذا الكرسي.

ولفت إلى أن المجلد الأول من الوثائق بحاجة إلى ورشة يشارك فيها متخصصون، لقراءته بطريقة جادة وعلمية.