مستقبل الاسلام السياسي في ظل الربيع العربي

19/03/2012

كتسب الحديث مع نهاد عوض أهمية خاصة، لكونه من أكثر الشخصيات العربية والإسلامية حضوراً في المجتمع الأميركي والمجتمعات الغربية عموماً. فهو يدير إحدى أبرز مؤسسات المجتمع المدني في واشنطن؛ مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير)، كما أنه عضو سابق في لجنة البيت الأبيض الاستشارية لشؤون الحقوق المدنية.
فمنذ بروز التدخل الأميركي في المنطقة العربية في خمسينيات القرن الماضي بعد انحسار النفوذ البريطاني، والأنظار تتجه إلى واشنطن، حيث تنتظر شعوب الشرق الأوسط تدخلات عادلة من جانب الولايات المتحدة، وبخاصة في ظل «الربيع العربي». awad

عوض الذي استضافه مركز الرأي للدراسات, في حلقة نقاشية حول «مستقبل الإسلام السياسي في ظل الربيع العربي» بحضور نخبة من السياسين والحزبيين والأكاديميين، اتصف بكونه من ذلك الصنف من الإسلاميين الذين يجيدون إمساك العصا من الوسط. وهو إن كان لا ينكر أهمية فتح القنوات مع الغرب وتعزيز العلاقات لتصويب النظرة المشوّهة المتبادلة بين الطرفين، إلا أنه بدا غيرَ محبّذ لتمترس العرب وراء شعارات «صارمة» تؤدي إلى إثارة الرأي العام الغربي وتجييشه ضد «مصالحنا».

أدار الندوة: هادي الشوبكي

أعدها للنشر: جعفر العقيلي

آذار 2012

 

بدأ عوض حديثه بقوله إن المسلمين في الولايات المتحدة لديهم رغبة في التعرف على أبعاد الحراك السياسي في المنطقة العربية، وبوصف مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية أكبر مؤسسة إسلامية في الغرب، فالسؤال دائماً: كيف يمكننا أن نكون مدداً استرايتجياً لقضايا الأمة العربية والإسلامية في المنطقة؟ وأضاف: علينا كمسلميين أميركيين أن نجسّر الفجوة بين الغرب والعالم الإسلامي في جميع النواحي، ويجب ألاّ نلوم الغرب إذا كانت لديه انطباعات وتراكمات وسياسات ظالمة وغير مفهومة تجاه الشرق، وألاّ نلوم الشرق على انطباعاته ورؤاه تجاه الغرب بسبب السياسات الأوروبية وبسبب عدم التواصل السياسي والاجتماعي.

وتابع عوض: لا أدري مَن الذي اخترع مفهوم «الربيع العربي»، إنه مفهوم موسمي، وكأنه موسم سيزول، وربما كان المصطلح الأقرب إلى ما يحدث هو «النهضة في الشرق الأوسط»، ليس المقصود النهضة الإسلامية أو النهضة العربية، بل النهضة التي فيها المسلم وغير المسلم، إذ شارك في الحراك جميع أطياف المجتمع، سواءً في تونس أو في مصر التي ألهمت الثورة فيها العالم وغيرت كثيراً من المفاهيم عن مصر وعن العرب والمسلمين والشرق الأوسط، وفي ليبيا وقعت تغييرات بعد صدام عسكري، ليس فقط بين فئات المجتمع العظمى تجاه الأسرة الحاكمة، بل أيضاً بمشاركة قوى غربية للمرة الأولى في صف الشعوب العربية، وهناك الملف السوري أيضاً، ولسنا نتجاهل ما يجري في اليمن والبحرين وحتى الأردن الذي ينتشر فيه حراك سياسي يريد الإصلاح.

وأضاف عوض حول تخوفات الغرب مما يحدث في المنطقة: لو كان هناك من يعتلي الآن سدة الحكم في المنطقة غير الإسلاميين لما كانت هناك تخوفات، وهي تخوفات بعضها مشروع وبعضها غير مشروع، فهناك عدم وضوح رؤى الحركات الإسلامية، وعدم اكتسابها الخبرة السياسية، وهناك بالمقابل التطمينات بأن الإسلاميين عندما يتسلمون السلطة سيتداولونها سلمياً وسيحترمون الحريات العامة وأنهم يؤمنون بالمساواة وحقوق المرأة وسيحافظون على المصالح المشتركة بينهم وبين القوى الغربية.

ورأى عوض أن محك اختبار الحركات الإسلامية يتمثل في موقفها من إسرائيل، فإسرائيل تعدّ «خطاً أحمر» للدول الغربية، وتحديداً للولايات المتحدة، وقد أصبحت إسرائيل نقطة مفصلية في استراتيجيات الولايات المتحدة في تعاملها مع الشرق الأوسط، لأن الخطاب الإسلامي بمفهومه التقليدي ثابت وجامد في تعاطيه مع قضايا الصراع العربي الإسرائيلي.

وحول علاقة الإسلاميين بالحراك السياسي، قال عوض إن الذي أطلق شرارة الربيع العربي شاب كان يعاني اقتصادياً في تونس، فتحركت المنطقة وألهمت العالم بالأسلوب التي عبّرت به حركات المجتمع المدني عن حرية الإنسان، وعن تطلعات الشعوب العربية، فما جرى هو توافق اجتماعي ضد الدكتاتوريات التي بقيت في المنطقة لعقود.
أما الحركة الإسلامية، فقد نظرت إليها الأنظمة القائمة على أنها البديل الذي يهدد وجودها بشكل أيديولوجي وسياسي. وفي واقع الأمر، خسرت المنطقة في الماضي وحتى الآن فرصة التعايش وإشراك الحركات الإسلامية في المجتمع والاستفادة من طاقاتها. وظلّ الإسلاميون يُتَّهمون على أنهم ذوو إزدواجية فخطابهم الداخلي لا يقر بالتعددية السياسية وحريات الآخرين، وخطابهم الخارجي يتحدث للسلطة والغرب بالمعاني العالمية.

وأوضح عوض أن هناك خللاً في الخطاب، حتى إن رموز الحركات الإسلامية تقول إنها بحاجة لإنضاج الخطاب لأن في ذلك عودة إلى أصول الإسلام، فعند الحديث عن المساواة والتداول السلمي للسلطة واحترام الديمقراطية وسيادة القانون فإن هذه معانٍ إسلامية نبيلة أثبتت وجودها في التاريخ الإسلامي وعاشها المسلمون على مستوى الأفراد والمؤسسات والولايات على مدار 12 قرناً، لأن النظام السياسي الإسلامي انهار قبل قرنين على الأقل.

ورأى أن هناك فجوة زمنية في تجربة الإسلام السياسي في الحياة العامة، وهو ما يعطي تبريراً للتخوف الرسمي على مستوى الدول وأنظمة الحكم والدول العربية، كما لا يمكن تجاهل الاستعمار وأثره في تشكيل المنطقة وإنتاج العديد من الحكومات الدكتاتورية التي لم تأتِ بالديمقراطية والرخاء والاستقلال. أي أن ما يجري في الساحة هو رفض للماضي، وهذا الماضي الذي له ترسّبات دينية وتاريخية وسياسية.

وقال عوض إن الغرب لعب دوراً مهماً في تشكيل الحياة السياسية العربية على مدى 70 عاماً، وما يجري الآن أن الحركات الإسلامية صُنفت تصنيفاً واحداً وظُلمت، ففي الغرب حتى أشهر قليلة ماضية لم يفرقوا بين الإسلام السياسي المعتدل وحركات العنف المتطرفة، وهناك مؤسسات فكر قوية نافذة في المجتمعات الغربية –وتحديداً في أميركا– تعمدت أن تضع الجميع في خانة واحدة، واستفادت من عدم قدرة الحركات الإسلامية على التعبير وعدم وضوحها في التعريف بمنهجها السياسي وموقفها من قضايا مفصلية، خصوصاً في قضية العنف ومصالح الغرب في العالم الإسلامي.

وأورد عوض مثالاً على ذلك، بأن مؤسسات الفكر والدراسات و مؤسسات الضغط على صناع القرار في الولايات المتحدة لم يفرقوا بين «القاعدة» وبين الإخوان المسلمين، بل يعتقدون أن جذور القاعدة هي نفسها حركة الإخوان المسلمين، واستندوا إلى ذلك بفكر سيد قطب وعبدالله عزام، وانشقاق حركة «التكفير والهجرة»، وفي المحصلة نجد أن رجل الشارع الغربي، والسياسي الغربي، لم يتعاملا مع الحركات الإسلامية إلا بلغة التعميم. وعندما بدأ الربيع العربي وأفرزت صناديق الاقتراع الإسلاميين، ليس فقط الإخوان المسلمون، بل أيضاً الحركة السلفية، وأصبح الإسلاميون أغلبية في البرلمان في مصر واعتلوا سدة الحكم في تونس والمغرب، فإن هذه الحقيقة فاجأت صناع القرار الغربي.

وأوضح في هذا السياق أن الذكاء السياسي يتأتى من التعامل مع الواقع والذي يأتي إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع ويتحدث بلغة سلمية، فإنه يغيّر من النظرة النمطية عن المسلمين والعرب والشرق الأوسط، فعادت الصورة الحقيقية والانطباعات السليمة عن الشرق الأوسط، عندما وجد الغرب أن المرأة تقف بجانب الرجل، وأن المحجبات يوقدن الشارع في اليمن، وكُسرت الحواجز النفسية كثيراً، بل إن ميدان التحرير أصبح رمزاً عالمياً.

ففي ولاية «ويسكونسن»، ثار أفراد من المجتمع على حاكم الولاية بسبب الضريبة، وقالوا: «نريد ميدان التحرير في مدينة ماديسون»، وحملوا اليافطات وهم لا يعرفون ميدان التحرير، ولكن رمز هذا الميدان ألهم الناس.
وأكد عوض أن فرض النظرة الجديدة التي يجب أن يتبناها الغرب بالتعامل مع ملفات الشرق الأوسط يكون باستخدام الأدوات السلمية، حيث أن التظاهر السلمي والأدوات السلمية أقوى برأيه من جميع الأسلحة.

«الجمهوريون» ينظرون للإسلام على أنه عدو استراتيجي

وبيّن عوض أن الإدارة الأميركية بإدارة الرئيس أوباما، ومن خلال وزارة الخارجية، تتعاطى مع رموز الحركات الإسلامية، فهناك حوارات كثيرة في سياق فتح صفحة جديدة لبناء مصالح مشتركة وتفاهم، لكن هذا لا ينطبق على الساحة السياسية الأميركية بأكملها، فالحزب الجمهوري المعارض للرئيس أوباما ولحزبه الديمقراطي، ما يزال يستخدم الإسلام في حملته الانتخابية على أنه عدو استراتيجي، ويتمثل الإسلام كدين في نظر الجمهوريين بالحركات الإسلامية بشكل عام، دون تفريق بين حركات العنف والتطرف وبين الحركات الإسلامية المعتدلة التي تتفق مع الحزب الجمهوري في محاور في القضايا الاجتماعية، وحتى في القضايا الدينية، لكنهم استراتيجياً يضعون الإسلام والحركات الإسلامية في خانة العداء والصراع. وأوضح عوض أنه في حال انتصار الجمهوريين في الانتخابات الأميركية القادمة سنسير في اتجاه فكر المحافظين الجدد نفسه، وهو منطق الصدام ومنطق القوى وليس قوة المنطق.
وأعرب عوض عن يقينه بأن الحركات الإسلامية بإمكانها أن تحاور الغرب بالمعاني التي تؤمن بها، وهي المصلحة المشتركة بين الطرفين، وتقديم تصورات مهمة جداً في قضايا مفصلية.

إسرائيل «عالة» على الغرب، لا حليفة!

ورداً على السؤال الدائم: لماذا أصبحت إسرائيل قضية استراتيجية للولايات المتحدة؟ قال عوض إن هذا ناتج عن أن الجالية اليهودية الأميركية استطاعت أن تضع إسرائيل على أجندة استراتيجية لكلا الحزبين (الديمقراطي والجمهورية)، واستطاعت أن تُقنع رجل السياسة الأميركية في جانبين: الأول: على أن إسرائيل هي الحليف الاستراتيجي الوحيد للمحافظة على مصالحها ضد الأنظمة الدكتاتورية التي تعاديها تكنولوجياً، وتهدد مصالحها في المنطقة، وهي أسطورة يمكن التعاطي معها بشكل علمي.
والجانب الآخر يتمثل في المُشترك الديني بين المجتمعات المسيحية المتطرفة والبُعد الصهيوني في الطرح الإسرائيلي على الساحة الأميركية.

وبشأن الجانب الأول قال عوض إن مصلحة أميركا الآن تحترمها العديد من القوى الفاعلة في المنطقة العربية، بل إن إسرائيل لم تعد هي الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة، فهناك قواعد عسكرية أمنية أميركية في المنطقة، وهناك دول صديقة للولايات المتحدة، ولم يعد يُنظر لإسرائيل في مؤسسات النخبة، وخاصة في المؤسسة العسكرية للولايات المتحدة، على أنها ليست الحليف الاستراتيجي، بل أصبحت عالة استراتيجية على أميركا، وستكلف أميركا سياسياً إذا استمرت أميركا في نهجها في دعم إسرائيل بطريقة غير محدودة وغير مشروطة. ورجّح عوض أن عناصر اتخاذ القرار في التعاطي مع إسرائيل في المستقبل ستتغير لصالح الحق والعدالة.

قنوات حوارية لإنهاء سوء الفهم

أما بالنسبة للجانب الديني، فإن المسلمين في العالم بإمكانهم كما يرى عوض فتح صفحة جديدة من الحوار حتى مع القوى اليمينية المسيحية المحافظة، لتعديل نظرتها والابتعاد عن القضية المفتعلة بشأن الصراع الكوني المحتم الذي يجب أن يتم حتى عودة المسيح، فهناك لغط وسوء فهم، وبإمكان علماء مسلمين ومسيحيين فتح قنوات حوارية جديدة ونزع فتيل الصراع القائم على مصالح ضيقة.
وختم عوض حديثه بتأكيده على أهمية إعطاء الإسلاميين الفرصة لأن يكونوا شركاء في الحكم وصناعة القرار، والتعاطي معهم بحكمة وذكاء، فالتحولات التي تجري هي تحولات سلمية ومطالبة بالإصلاح، والإصلاح هو لصالح كل مجتمع، ويرشد مسيرة البناء وتنظيم أمور المجتمع، أما الإقصاء فسيقود إلى التفرقة والعزلة وحرمان أي مجتمع وأي بلد من طاقاته الفكرية.

غرايبة: الإسلام التاريخي غير قادر على إقامة شراكة حقيقية مع أميركا

في تعقيبه على ما قدّمه عوض، قال م.عكرمة غرايبة إن المحاضر بسّط طبيعة العلاقة بين أميركا والغرب، معتقداً أن هناك خللاً في هذه الرؤية، وتابع: لا نستطيع أن نبسّط الأمور من دون قراءة عميقة لكل الفكر الاقتصادي والغربي وعلاقته مع جميع العالم، أما أن نتكلم عن شراكة إسلامية أميركية، فأعتقد أنها شراكة غير متكافئة، إذ لم يكن الإسلاميون إلا أدوات إعادة إنتاج النموذج الرأسمالي لأميركا.. أميركا لم تقبل بشريك إسلامي، وهي قادرة على إنتاج الإسلام السلفي والإسلام التاريخي، فيمكن أن يكون الإسلام التاريخي في بعض الدول أداة تقسيم مثل ما يحدث في العراق، وقد يتكرر الأمر نفسه في سوريا، ويمكن أن يكون الإسلام السياسي هو الحامل العصبوي والديني لإعادة تقسيم المنطقة.

وتابع غرايبة: الإسلام التاريخي غير قادر على إقامة شراكة حقيقية مع أميركا، لأنه لا يوجد لديه موقف أصيل لكل الأسئلة الحديثة، ومفهوم الديمقراطية بحاجة إلى إعادة بحث، فأنا لا أستطيع إعادة إنتاج نفسي كما تريد أميركا، وإلاّ سيتحول الربيع العربي إلى إحتجاجات اقتصادية ومطلبية من دون موقف حضاري يناسب الإسلام في الدورة القادمة. هناك دورة قادمة، لأن الغرب عندما وضع الإسلام كعدو، فإنه انطلق من قراءة تاريخية عميقة، مع أنه يعرف أنه يوجد بديل حضاري. يقول نعوم تشومسكي: لو كان هناك جزيرة نائية تحقق إنجازاً فسوف تصنف على أنها عدو جذري لأميركا. وتهدد الأمن القومي للولايات المتحدة.
واستعاد الغرايبة عبارة المفكر المصري جمال حمدان التي يقول فيها: إن مصير الإمبريالية يتوقف على مصير العالم الثالث، ومصير العالم الثالث يتوقف على مصير العرب، ومصير العرب يتوقف على الصراع العربي الإسرائيلي.

عوض: إعادة إنتاج الإسلام

وفي ردّه على مداخلة غرايبة، قال عوض: لقد بسطتُ المسألة لأنني أعمل يومياً في هذه القضايا، وتعلمت في الرياضيات، إن واجهتني مشكلة حسابية معقدة أن أقوم بتجزئتها إلى أقسام ثم أحلّ كل جزء على حدة، ثم أجمعها بعضها مع بعض للوصول إلى إجابة. أتعامل يومياً مع سياسيين أميركيين وأعضاء كونغرس ورجال إعلام، والتبسيط ليس تجاهلاً للقضايا العميقة، لكننا نتعامل مع أفراد، وهؤلاء بحاجة إلى إعادة بناء وفق معطيات جديدة، أنت تساهم في زراعة البديل في أذهانهم وتقدمه بشكل عملي، لدينا برامج يومية نتعاطى بها ونتحدث بها بلغة المجتمع، لدي مصلحة كمواطن إسلامي أميركي يعتز بدينه، وأيضاً كمواطن شرق أوسطي يدرك الظلم الذي وقع على المنطقة ويشعر بمعاناتها.

وتابع عوض: أحاول أن أكون علمياً بتجزئة القضايا وعلاجها واحدة بعد الأخرى، وتقديم تجارب شخصية ومبنية على أفكار مهمة جداً. ليس المطلوب إعادة إنتاج الإسلام بما يتوافق مع الغرب، إنما إعادة إنتاج الإسلام كما ينبغي للإسلام، فالإسلام دين عالمي ولديه قيم عالمية، وهذا ليس من اختراع الغرب.. وأذكر الآية الكريمة: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم».. الأخوّة الإنسانية والمشترك الإنساني مهمان جداً، وإذا غابت هذه المعاني عن التداول السياسي على مدى 200 سنة، واستفرد الاستعمار الغربي ببعض هذه المعاني وغاب بعضهما عن الممارسة الإسلامية السياسية فإن هذا لا يعني أن الأفكار نتاج الغرب، بل هي نتاج مشترك.

وأوضح عوض أننا عندما نتحدث بلغة المصالح والتوازنات، لا نريد من الشرق أن يصبح سوقاً وحقل تجارب للغرب، فهناك فرص ضاعت على الشرق والغرب معاً، إذ يستخدم الغرب بعض القوة لفرض بعض أفكاره، لكنه يستفيق ويدرك أن احترام الآخرين وإعطاء حقهم في العيش والحرية والكرامة واجب عليه لأنه سيدفع الثمن وسيخسر مصالحه في المنطقة، إذ لا يمكن للمنطقة العربية أن تخزن النفط أو تبقيه في الأرض إنما تريد أن تسوقه.. وقبل أن تكون هناك مصالح مشتركة، يجب أن يكون هناك سيادة وحرية.

ورأى في قضية إسرائيل «أرق المنطقة» حتى إن عناصر القوى في المنطقة لم تستطع حتى الآن فك هذا اللغز وحل هذه القضية لصالح العدالة للشعب الفلسطيني، وبحسبه فإن القوة أثبتت فشلها من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، بمعنى أن إسرائيل لم تنسحب ولم تعطِ الشعب الفلسطيني حقوقه.. هناك القوة المفرطة من جانب إسرائيل والقوة المتواضعة من جانب فلسطين، ولم تتحرر الأرض بعد، وهذا لا يعني أن الجهاد الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية لم تكن مشروعة، إنما الآن هناك أدوات جديدة موجودة تحقق الحرية للشعوب أكثر من الأدوات السابقة.

سبايلة: إسرائيل وأميركا.. زواج كاثوليكي

وقال الأستاذ الجامعي عامر سبايلة إن النظرة التي طرحها غرايبة نظرة طبيعية لأي مسلم يعيش خارج حدود أميركا، ولا يمكن إسقاطها من التفكير، أمّا ما طرحه عوض فهو العمل الذي من الطبيعي أن يتخذه أي مسلم داخل أميركا، بمعنى أن هناك أملاً وتفاؤلاً داخلياً وتشاؤماً من الخارج.
ووصف العلاقة بين إسرائيل وأميركا بالزواج الكاثوليكي الذي لا يمكن الخلاص منه، ولا يمكن أن يتحول إلى «زواج متعة»، معتقداً أن المرحلة القادمة لن تشهد أي تغيير.

وأوضح أن الأدبيات التي طرحها مفكرون بشأن المسلمين في الحقبة الماضية، لم يكن هناك أصوات ترغب في سماعها، مضيفاً أنه عاصرَ الصراع بين «كبل» و»هنتننغتون»، وانتمى لمؤسسة «كبل» المقموعة التي لم يُسمح لها بالكلام، وأن التطاول عليها بلغ بعد العام 2001 أن اُقيل «كبل» من الجامعة وسُحبت منه رخصة التدريس.

وتساءل: هل نستطيع أن ننهض بصورة الإسلام دون رعاية رسمية، ودون أن تقرر أميركا؟ وكيف تنظر إلينا أميركا؟ وهل ما يجري هو استمرار للعلاقة التبعية؟ وهل كان ميدان التحرير سيصبح نمودجاً لولا الإعلام؟
المشكلة الحقيقية التي سيواجها الغرب قريباً وبدأت بوادرها، كما يرى سبايلة، هي حجم الكراهية التي تم ضخها، وعندما وُجهت لفئة معينة لم يدرك صانعو السياسات أن المنتج الحقيقي والقنابل الموقوتة ستكون من شعوبهم، لأن نسبة الخوف التي ضُخت صنعت كثيراً من العقليات المهزوزة، وما حدث في النرويج والسويد بداية المشكلة الحقيقية التي سيواجهها الغرب والتي ستضعه في صراع مع نفسه، فهو صنع العدو من داخله، ولم يأتِ العدو إليه من الخارج.

وفي ما يخص المحافظين الجدد رجّح سبايلة أن هناك حتمية لعودتهم، لكن ليس الآن، وإنما بعد الانتهاء من الملف السوري.

عوض: دورة مئوية إسلامية

وفي رده على تعقيب سبايلة، قال عوض إن المرحلة الجديدة هي دورة مئوية إسلامية، لا دورة الحركات الإسلامية بل دورة الإسلام العام، فالاختبار ليس للحركات الإسلامية، إنما لإعادة العمل بالإسلام كمنهج حياة، وقيم التعايش مع الآخرين واحترام الأقليات. وسواءً عاد المحافظون الجدد إلى التحكم بصناعة القرار الأميركي أم لا، سيصطدمون بواقع جديد، هو تيار شعبي عام ليس مقتصراً على دولة معينة، بل على مستوى الشرق الأوسط ودول العالم الإسلامي، وهناك نماذج ناجحة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً مثل تجربتي ماليزيا وتركيا وعلى خطاهما تسير التجربتان المغربية والتونسية، ولا يمكن الحكم على التجربتين الأخيرتين حتى يمر عقد من الزمان.
وتابع عوض: بصرف النظر عمن يكون في خط المواجهة مع الخارج في أميركا، سنشهد تحولاً فكرياً وأيديولوجياً داخل أميركا، لكن هذا التحول سينبع لا من الولايات المتحدة وإنما من الشرق الأوسط، لأن القرار بيد الشعوب العربية والإسلامية، التي وضعت دول العالم أمام المحك وفرضت عليهم إرادتها، على أنها شعوب لها كرامة ويجب أن تُحترم.

وبيّن أن الذي يبعث الاطمئنان أن الحركات الإسلامية تتميز بالتكنوقراطية وبالمهنية والتعددية، وواجبها أن تقدم تصورات ورؤى ليس بخصوص الذات فقط، وإنما أيضاً بشأن الآخر، وأن تركز على المستقبل، فالماضي مؤلم، وما نشهد الآن ليس طفرة، بل هو تحول طبيعي، وسنشهد هناك مطبات، وستتطلب مسيرة التحول والتغيير والإصلاح جيلين على الأقل، بعد أن نزع جيل الشباب فتيل الخوف وكسر هذا الحاجز، واستخدم وسائل التكنولوجيا وتحدث لغة عالمية، وطمأن الغرب أن مصالحه ليس محظورة، ولكن عليه أن يحترم حرية الشعوب وكرامتها.
ودعا عوض النخبة في منطقة الشرق الأوسط للكتابة في هذا الشأن وأن يكونوا أقوياء في نظرتهم تجاه المستقبل، وأن يكونوا صريحين في حديثهم مع الغرب وفي فتح ملفات حقيقية، لأن الغرب بدأ يعلن جاهزيته لذلك.

الحمد: ما حصل سيغير وجه المنطقة وتركيبتها السياسية

وقال رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط جودت الحمد إن التحول نحو مشروع النهضة العربية أو الذي حصل في رؤية الأمة العربية لهويتها ولدورها العالمي، كان تحولاً غير مرحب به دولياً، وتسبب بهلع وخوف شديدين في الأوساط الأميركية والأوروبية والإسرائيلية. وأضاف أن الدول التي لها مشاريع غير عربية في المنطقة، وقفت موقف المتشكك وغير المرحب، وراهن بعضهم على أنها طفرة، وقد تنتهي، وعندما انتصرت الثورات ووجهت ضربات قاصمة لحلفاء استراتيجيين، وخاصة للنظامين المصري والتونسي، فقد أشار ذلك إلى أن التحول له عمق وديناميكية اجتماعية لم يدركها الغرب والإسرائيليون من قبل.

وتابع الحمد: ما حصل في المنطقة له تداعيات كبيرة، وسيغير وجه المنطقة وتركيبتها السياسية.. بعد حرب الخليج، أوائل التسعينيات، أدركنا أن النفوذ الإسلامي السياسي بدأ يتصاعد بشكل غير مسبوق، وأنه سيصل إلى منتهاه في غضون عقد أو عقدين، وهذا ما حصل بالفعل، فما حدث قطاف ثمار وتضحيات شعوب جراء الظلم الواقع عليها، من الدكتاتوريات وحلفاء الغرب.

وأوضح أننا أمام تحول استراتيجي في المنطقة لإعادة بنائها وبناء قياداتها، وهناك تغيير في السياسات الأميركية والأوروبية وفي توجهات النخب الإسرائيلية لمستقبل إسرائيل –وليس لمستقبل الاحتلال- فهم يفكرون جيداً في هذا المآل، والذي غيّر المزاج العام هو الثورات العربية في المنطقة، وليس مجرد حوارات أو برنامج سياسي هنا أوهناك، حول حقوق المرأة أوالطفل أوالتعددية، فهذه مفردات غربية، ولا توجد مشكلة لدينا أصلاً تجاه هذه القضايا، ولكن تم نقل الصراع إلينا قسراً بحكم أدوات العملاء الفكريين الممولين من الخارج عبر منظمات مجتمع مدني واسعة النطاق في الأردن وفلسطين والسعودية والكويت وتونس، وقد وُجّهت ضربة قاصمة شعبياً للمنظمات، ولم يعد أيٌّ من رموزها مهماً، والذي أخذ الزمام بالفعل هم الحركات الإسلامية.

وأضاف الحمد: هناك توجهات مذهلة حتى للإسلاميين، فحزب النهضة لم يكن يفكر بالمشاركة في العمل السياسي، لكن فوجئ بحجم التأييد الذي حظي به داخل تونس، وهذا معناه وجود تحول شعبي. وفي مصر -والإسكندرية خصوصاً- 90 % من الأصوات كانت للإسلاميين، مع أن الإسكندرية مدينة سياحية وبحرية.. التحول كبير وضخم، لم تدركه أميركا وأوروبا وإسرائيل.

وحول مآل هذه المسارات بين الطرفين، قال الحمد إن أميركا وجدت نفسها في عالم متغير ولا تستطيع السيطرة عليه، فحاولت التدخل في مصر مبكراً لكنها عجزت، وحاولت التدخل في توجهات «الناتو» بشأن ليبيا ولم تستطع، فقد كان موقف الثوار حازماً..

نحن أمام إعادة ترتيب وتنظيم العلاقات العربية الأميركية، نحن نتحدث في المرحلة القادمة عن منظومة عربية جديدة تحترم إرادة الأمة وذات شرعية شعبية، فالمنظومة السياسية الحاكمة الجديدة مؤشرها الأحمر هم الجماهير والشعب.

وتابع الحمد: استمعت إلى بعض القيادات الإسلامية في الحكم وفهمت أنهم يطالبون أميركا بأن تتعامل مع الشعوب وليس مع الحكومات، فهناك منطق جديد بشأن الارتباط مع الشعوب، والسؤال هنا: هل أميركا على استعداد أن تتراجع عن موقفها المعادي للعرب والمصالح العربية حتى تتمكن الدول العربية الجديدة أن تتعامل معها؟ أميركا تريد تأهيل سياساتها وتأهيل نفسها والمحافظة على مصالحها المشروعة عبر الحكومات الجديدة.. وإلا فلن يُحافظ عليها.

ورأى في موضوع «إسرائيل» الموضوعَ الجدلي في المنطقة العربية وأميركا، في ظل الترابط المصلحي بين المشروع الصهيوني والإدارة الأميركية.. لكن إسرائيل تعيش في حالة هلع، ولا تملك أن تشن حرباً على المنطقة، وقد تصيبها عملية انتحارية بمقتل. في أوروبا وأميركا كان السؤال قبل 1967: هل تستطيع إسرائيل أن تصبح دولة أم لا؟ وبعد العام 1967 كان هناك توجّه وبالإجماع في أميركا وأوروبا، بأن إسرائيل أصبحت قادرة على الاعتماد على نفسها لأنها انتصرت على الدول العربية جميعها.

لكن إسرائيل اليوم كما أوضح الحمد، تعيش حالة هلع، لأن المتغير الإقليمي الذي كان يحميها انهار. والتفكير العربي لن يجرؤ على تطبيع أو تسويات أو اتفاقيات سلام مع إسرائيل، لأن من يطرح هذا الكلام سيسقط شعبياً، هناك شعب ثورة ستحكم، والحركات الإسلامية لن تجرؤ أن تساوم على القضية، لأنها ستسقط شعبياً، لذلك على أميركا أن تعيد تأهيل نفسها، وتغير خطابها.

عوض: «حتمية زوال اسرائيل» تجيّش العداء ضد القضية الفلسطينية

وردّ عوض على مداخلة الحمد بقوله إن إسرائيل لم تعد الحليف الاستراتيجي لأميركا في المنطقة، وهذا تطور يجب الاهتمام به، لأن له أبعاداً سياسية، فالحركات الإسلامية كحركة حماس بدأت تطور في خطابها تجاه الحلول الاستراتيجية والمؤقتة، وهي تستخهدم منهج المراحل.

وتابع عوض: يبدو أن الحوار والحراك السياسي داخل الحركة الإسلامية وتعاطيها مع الآخرين سيطور مشروعاً مشتركاً في كيفية التعاطي مع إسرائيل الجديدة المنعزلة سياسياً، غير القادرة عسكرياً على إشعال فتن في المنطقة، والتي لن تعود الطفل المدلل للولايات المتحدة.

وأوضح عوض أننا يجب أن نفوّت الفرصة على بعض القوى الغربية وتحديداً في أميركا، ونمنعها من اصطياد بعض المصطحات والأفكار واستغلالها ضد عدالة القضية الفلسطينية، مثل «إلقاء إسرائيل في البحر»، و»حتمية زوال إسرائيل»، فهذا يضرّنا ويفيد الغرب في تجييش العداء ضد القضية الفلسطينية، ويفوّت فرص إعادة العلاقة بين أميركا والشرق الأوسط على أسس من الشراكة. فمن الذكاء لتفويت الفرصة على قوى المشروع الصهيوني في أميركا ألاّ نستخدم مصطلحات سياسية، إسرائيل تقتل وتدمر وتقتل وتنهب وتستخدم اللغة الدبلوماسية، بينما الفلسطينيون قد يستخدمون لغة قد لا تكون موفقة سياسياً أحياناً في الساحة الدولية وهم الضحية، ففي المنظور الغربي يصبح الجلاد ضحية و تصبح الضحية جلاداً، لأن الإعلام وعمداء السياسة الغربيون يستفيدون من ضعف الخطاب السياسي في الشرق الأوسط.

الحمد: الإسلاميون والخطاب الدبلوسي

وقال الحمد إن منظمة التحرير الفلسطينية مارست الخطاب الدبلوماسي بأعلى درجات الدبلوماسية، وتكرار الحركات الإسلامية لذلك «خائب من أوله»، لأنه لم يقنع الغرب بشيء.

القضاة: «الاعتراف» شرطاً للحوار

وقال رئيس اللجنة الشبابية حزب جبهة العمل الإسلامي م. غيث القضاة إن الحوار مع الأميركان والأوروبيين مرتبط بالاعتراف بإسرائيل، وأضاف: التقينا مع سفير دولة أوروبية وتكلمنا عن الربيع العربي والنشاط السياسي والشعبي، وعندما وصلنا إلى إسرائيل وكيف أننا لا نعترف بإسرائيل، قال: لا أجلس على طاولة مع أحد لا يعترف بوجود إسرائيل. وبالمقابل يتبنى الأميركان الموقف نفسه، ويقولون إنهم يتحاورون فقط مع الإسلاميين الذين يعترفون بإسرائيل.

عوض: الشعوب هي صاحبة الإرادة

وأوضح عوض أن هذا الأمر من أكبر التحديات التي تواجه المسلمين داخل أميركا وخارجها، أي كيف نتعامل مع واقع فُرض علينا ولم نقبل به، وكيف ننقل ذلك الرجل الدبلوماسي من موقع نكران ما يجري في الساحة وتبسيط معاناة شعب لمدة 70 سنة، ووضع المنطقة في بؤرة بركانية وإحداث خلل في موازين على مدى عقود، وربط ذلك كله بعبارة واحدة فقط: اعتراف أو لا اعتراف.

ورأى عوض أن علينا أن نستحدث في وجدان الغرب أن قضيتنا عادلة، فمنذ أسابيع قال مرشح الرئاسة «غينغريتش»، إن الشعب الفلسطيني «شعب مخترع»، واستخف بعقول الناخبين الأميركيين عندما قال أن الشعب الفلسطيني شعب عربي ينتمي إلى المنطقة العربية، ويمكن أن يعيش في دولة أخرى. هذا المنطق البسيط مقنع لكثير من الملايين، أي ان العالم العربي 22 دولة و300 مليون، فلماذا لا يستوعبون الفلسطينيين بينهم، ويتركون إسرائيل تعيش.

وتابع عوض: واجبنا قبل الكلام بقضية الاعتراف أو اللا اعتراف أن نتوقف عند المفاهيم وعند عملية التشويه، التي تُظهر أن الضحية جلاداً على مدى 60 عاماً عبر الكتابات والأفلام والأدب والفكر والسياسة. وأكد عوض أن إسرائيل دولة معتدية ومحتلة، وأنها دولة ظلمت الشعب اليهودي لأنها وضعته في موقف لا يُحسد عليه، لذا فإنه يراهن على أهمية العمل مع قوى يهودية جديدة فاعلة داخل المنظومة الإسرائيلية تؤمن بالعدالة وبحق الشعب الفلسطيني، وعلى عدم التعاطي مع إسرائيل على أنها كتلة واحدة..

وبيّن عوض أن التعامل مع القوى الغربية أمر لا بد منه، إما بمفهوم التبعية والضحية، وإما بالجلوس معه على الطاولة، وإذا ما أردنا أن تكون هناك شراكة في صناعة المستقبل وبناء أمة ونهضة إسلامية جديدة لا بد من التعامل مع الصديق والعدو بناء على مبادئ لا تنازل عنها.

وأضاف عوض: أن الشعوب هي صاحبة الإرادة، وأميركا وأوروبا تتعامل مع شعوب ناخبة وحكومات منتخبة، دعونا لا نقيّم أميركا بملفها حول الشرق الأوسط وننسى التجربة الإنسانية الحديثة السياسية ومؤسسات المجتمع المدني التي انطلقت في الغرب، وأميركا ليست فقط التداول السلمي على السلطة، فهناك أيضاً ثلاث سلطات منفصلة هي سيادة القانون والقضاء وحرية الإعلام، لذا يجب أن نستفيد من هذه التجربة وألاّ نقزم الولايات المتحدة ونختزلها في ملف ضيق.

المعايطة: لنا حقوق ونريد أن نحصل عليها

وتساءل وزير التنمية السياسية السابق المهندس موسى المعايطة: لو لم تكن إسرائيل موجودة، كيف ستكون العلاقة بين السياسيين الإسلاميين وأميركا؟ سيكون هناك تحالف من الناحية الاقتصادية، المشروع الاقتصادي هو الرأسمالي، وأضاف: الحوار يجب أن يكون مع الجميع، ونحن كعرب وثوريين يجب أن نفهم الغرب أن قضيتنا عادلة. أي فيلم فيه شخصية يهودية يعملون على إظهارهذه الشخصية على أنها ايجابية، ولن يقبل أي إنسان في العالم الغربي بزوال إسرائيل، ولن يوافق أحد على ذلك.. لذا يجب أن يكون طرحنا هو الحق المشروع للشعب الفلسطيني بإقامة دولته.

وتابع المعايطة: الديمقراطية ليست انتخابات فقط، وإنما تعني أيضاً الاستمرار في احترام التنوع والحريات الفردية، وقد فشل اليساريون والقوميون عند وصولهم الحكم لأنهم لم يؤمنوا بالديمقراطية وتداول السلطة، وبعد أن صعد الإسلام السياسي فإنه إذا لم يقدّم المنتظَر منه سينتهي.. هناك التنوع وقضايا المرأة وحقوقها الاقتصادية والأحوال الشخصية, فعندما فازت حماس وحدث تداول بين «فتح» و»حماس»، كان هذا أول تداول للسلطة في دولة عربية، لكن لم يكتب للتجربة النجاح.

وأضاف: هناك كثير من الأفكار الغائبة عن الناس، ورفض الحوار مع الآخر يعدّ مشكلة، فنحن لا نعيش في جزيرة معزولة، بل إننا مضطرون للتعامل مع العالم كله، نريد وجود لوبي عربي قوي، مستقبلنا أن نطور أنفسنا، ومن دون الديمقراطية ومشاركة المواطن لن تكون هناك إمكانية لأن نلحق بالعالم، علينا أن نتعامل مع الآخر لا كعدو، إلا إذا فرض حاله كعدو، وعلينا اتباع طريق الحوار والإقناع. في الإدارة الأميركية لم يكن هناك اعتراف بالشعب الفلسطيني، علينا أن نثبت لهم أننا لا نريد أن نقتل أحداً، نحن شعوب لنا حقوق ونريد أن نحصل عليها، وقضية الديمقراطية مهمة جداً، فهذا حق للمواطن العربي أن يشارك عن طريق انتخاب النخب السياسية، ومن حق هذه النخب أن تحترم قراراته وتحترم تداول السلطة..

عوض: الأمة مصدر التشريع

وقال عوض إن هناك خلافاً على قضية مصدر التشريع في المجتمع المدني ذي الأغلبية المسلمة، وهناك من يقول إن مصدر التشريع هو الشريعة، ولكن ما معنى الشريعة؟ الذي يبحث يجد أن القضايا المحسومة في القرآن الكريم قد لا تتجاوز 60 حكماً، ولكن الأمة تحتاج إلى آلاف الأحكام. فمصدر التشريع هو الأمة، والأمة لها ثوابت حتى في الأساليب الديمقراطية، فمبدأ «لا إكراه في الدين»، مثلاً مبدأ جوهري لا خلاف عليه.

وحول أن المجتمع الغربي مبني على الثقافة اليهودية، أوضح عوض أن العنصر اليهودي ساهم في بناء مجتمع الغرب من نواحٍ عدة. وكان هناك ظلماً دينياً واقتصادياً أدى إلى القضاء على اليهود في أكثر من مكان. أما عن قوة نفوذ اليهود في الولايات المتحدة، فلا شك أن هذا النفوذ يقترن بالتركيز على الثقافة وإعادة التنظيم والأقلية التي عانت وتعاني والتي تتحدث دائماً عن صراع البقاء.

غرايبة: دورة حضارية لإعادة المعنى للعالم

وقال م.عكرمة غرايبة إن تعبير «مجتمع اليهودية» لا يعني الدين بالضرورة، فاليهودية تعني عدم الإيمان بالآخرة، والقيم المادية والتعقادية وعدم التراحمية المدنية والعالم الإستهلاكي والوسائلية.. كل هذه مفاهيم المجتمع الغربي، لذلك فإن هذا المجتمع يهودي بإمتياز ضمن المرجعية الثقافية والمادية والوضعية، حتى إنه لا فرق بين الشخصية اليهودية والعلمانية المتدينة، وهذا ما جعل اليهود يسودون الحضارة المادية الحديثة لأنها منسجمة مع معطياتم ومرجعياتهم.

وتابع غرايبة: في القرآن يوجد نص واضح حول عدم إيمان اليهود بالآخرة، وإيمانهم بالدنيوية وبالقوة وبالوسائلية.. ضمن هذه المرجعية فإن الثقافة الغربية لا تحمل أي قيمة، وبحسب عبدالوهاب المسيري فإن أي ثقافة غربية وبعد انتهاء المسيحية هو مشروع نازي.

وأوضح غرايبة أن هناك دورة حضارية تريد أن تعيد المعنى للعالم، وضمن هذا المفهوم لم يحصل أي تغيير، لأن الغرب لم يعطنا فرصة بسبب تغير قناعاته، الإسلام السياسي والحركات الإسلامية سوف تنتهي، ولن تستطيع أن تكون بديلاً عالمياً، إذا أسست الإسلام على الإسلام التاريخي واللاهوت التاريخي. فالإسلام جاء رحمة للعالمين كما ورد في القرآن: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»..

وتساءل غرايبة: كيف نقدم بديلاً له علاقة بالعدالة الاجتماعية والرحمة والتعددية؟ الإسلام التاريخي لا يؤمن بالتعددية، نحن لم نمارس أي تعددية سياسية منذ عهد أبو بكر الصّديق حتى الآن، لدينا تعددية ثقافية وقبول للآخر، ولدينا تناقض بمرجعيات الإسلام التاريخي؛ القرآن وما يسمى السنّة التي أُنتجت بين الصراع هاشمي أموي لإعادة تأسيس المرجعيات.

وتابع غرايبة: النص القرآني نص محاصَر بامتياز بمجموعة من النصوص التي مورست بالسلطة لمحاربتة، فعندما ندرس النموذج الفرعوني، نجد أن القرآن وضع قاموساً حقيقياً عن الطغيان السياسي، والعلاقة بين المال والسلطة، فقد جسّد فرعون سلطة سياسية تقسم المجتمع وتستأثر بالبلد والممتلكات، كما يمكن أن نتنبأ بسلوك أي طاغية عربي.

عندما يتكلم النص القرآني عن المترفين الذين لهم علاقة شراكة مع رأس المال، وعن الثروة الناتجة عن استخدام السلطة المطلقة. وفي النص القرآني نجد فضاءً إنسانياً رحباً يؤمن باليهودية والمسيحية كأحد أبعاد المجتمع المسلم، فقد تكلّم القرآن عن جماعة من الذين هادوا: «إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون» (سورة البقرة، آية 62)، وأضاف غرايبة: القول إن إسرائيل لم تعد الحليف الوحيد لأميركا يعني أن هناك عملاء آخرين في العالم العربي ينوبون عن إسرائيل.

ورأى أن الإسلام بوضعه التاريخي مليء بالمآزق، أبو بكر وعمر حصرا دائرة الاختيار بستة أشخاص فقط، وعثمان عدَّ شرعيته حقاً إلهياً وليس علاقة تعاقدية مع الناس، والعثمانيون كانوا يضعون إخوتهم على الخوازيق حتى لا ينافسوهم على الحكم. وبالعودة إلى القرآن نجد في سورة الإسراء أن الإسلام سيدخل إلى عالميته من خلال الصراع مع اليهود كنموذج حضاري وكمرجعية حضارية، وليس فقط كاحتلال. قد تكون اليهودية أحد تطورات التاريخ البشري، وجزء مهم في الثقافة البشرية، لكنها من دون قيم، وقد تؤدي إلى نهاية العالم.

وأضاف غرايبة: الثقافة الأميركية مؤسسة على 53 مليون هندي أحمر، الاستعمار الغربي بصراعاته قتل 100 مليون خلال قرن، أولبرايت قالت إنه لا مانع من موت مليون ونصف مليون عراقي.

ولفت إلى أن الإسلام السياسي مطلوب منه أن يقدم وجهة نظر اقتصادية، نريد وجهة نظر تؤمن بالعدالة وسواسية الناس، النص القرآني يحتمل الكثير، على خلاف النص التاريخي. محمد رأفت الذي نجح في انتخابات البرلمان في التسعينات لم يُكفّر لأنه زار الكنيست الإسرائيلي، لأنهم أهل كتاب، بل كفّروه لأنه قال في البرلمان إن هؤلاء «كفار»، ولدينا نص بقتل المرتد، فكيف تسمح للمسيحي أن يترك دينه ولا تسمح للمسلم أن يترك دينه؟ يجب أن نرتفع إلى مستوى نصبح فيه بديلاً عالمياً، عندئذٍ يمكن مناقشة النموذج الغربي جذرياً من دون تصادمية.

غرايبة: انتهى منطق القوة لتحقيق المصالح

وقال العضو في حزب جبهة العمل الإسلامي أسيد غرايبة إن سر شعبية الحركات الإسلامية والإسلام السياسي أنهم الوحيدون الذين طرحوا مشروعاً حضارياً نهضوياً يهتم بالسلوك. وبعيداً عن الرأسمالية المتوحشة والاشتراكية، فالسياسة من وجهة نظر إسلامية هي رعاية مصالح العباد والبلاد، إذا كان من مصلحة الوطن في فترة من الفترات التواصل مع الولايات المتحدة أو غيرها وعقد صفقات فيجب أن يتم ذلك لأنه من مصلحة الوطن، لكن وفق رقابة شعبية على الأداة التنفيذية.

وأضاف الولايات المتحدة يجب أن تتواصل مع القوى الشعبية القادمة، وأن تدرك ميزان القوى الحضاري، وإذا كانت تخشى على مصالحها في المستقبل في المناطق العربية فعليها أن تدرك أن منطق القوة لتحقيق المصالح قد انتهى، والسؤال المطروح هنا: هل تستطيع الولايات المتحدة التنازل عن كبريائها وعن اعتقادها بأنها آخر حضارة على مستوى البشرية؟

وأوضح أن الإسلاميين وعلى لسان كثير من قادتهم صرحوا أنهم لن يكونوا جزءاً أو عاملاً من عوامل تفويت الإصلاح الحقيقي والديمقراطية، ولن يلتفوا على مبدأ الشعب مصدر السلطات لا قبل الإصلاح ولا بعده.