«نحن في لحظة تاريخية سانحة لا بد من استغلالها لمواصلة مشروع الإصلاح». هذا ما خلص إليه المشاركون في الندوة التي نظمها مركز «الرأي» للدراسات، حول الواقع الأردني الراهن وهم يرسمون سيناريوهات وحلولاً في إطار جدلية «الثبات والتغيير».
وأوضح وزير التنمية السياسية د.نوفان العجارمة، في مداخلته الرئيسية خلال الندوة، أن قانون الانتخاب الذي صدرت الإرادة الملكية بالموافقة عليه مؤخراً، يهدف إلى تحقيق الإصلاح السياسي والاستقرار، مستدركاً أنه لا يمكن إطلاق أحكام مسبقة على هذا القانون إلا بعد تطبيقه.
ورأى أن الحكومات البرلمانية تمر بمراحل عدة، موضحاً أنه ليس بالضرورة أن تتشكل الحكومة المقبلة بعد الانتخابات من النواب أنفسهم.
وبيّن العجارمة أن المشكلة في الأردن تكمن في إدارة الشأن العام، وفي هذا الجانب «فليتنافس المتنافسون» على حد تعبيره. ورأى أنه لا وجود في السياسة لمصطلح «الحرد السياسي»، كما أنه ليس هناك في القانون إمكانية لتعطيل سعي أي حزب لأغلبية مريحة داخل البرلمان.
شارك في الندوة مسؤولون وسياسيون وحزبيون ونقابيون وأكاديميون وكتّاب من بينهم: د.نوفان العجارمة، موسى المعايطة، سعيد المصري، د.خالد الوزني، د.محمد المصالحة، د.خالد كلالدة، ضرغام هلسا، د.فايز الربيع، د.محمد أبو رمان، د.بسام البطوش، د.خالد الزعبي وعمر كلاّب.
تالياً أبرز ما تناولته الندوة التي أدراها مدير وحدة اللدراسات بمركز «الرأي» للدراسات الباحث هادي الشوبكي:
27حرّرها وأعدها للنشر: جعفرالعقيلي وبثينة جدعون
ايلول 2012
العجارمة: تجسير الفجوة وطرح أفكار معقولة
استهل وزير التنمية السياسية د.نوفان العجارمة حديثه بتقديم قراءة مستقبلية للوضع الداخلي في الأردن للشهرين المقبلين، نظراً لوجود «مخرجات تهم المواطن الأردني» بحسب تعبيره.
وقال العجارمة إن التسجيل للانتخابات بدأ وفق إجراءات ومعايير صارمة وفق قانون انتخابات 2012، وهي المعايير نفسها المطبقة في معظم الأنظمة الديمقراطية في العالم، فأي نظام برلماني ديمقراطي في أي دولة يعتمد في الدرجة الأولى على سجلات الناخبين، إذ يجب أن تكون سجلات حقيقية لكل مواطن يملك حق التصويت.
وأوضح أن التشويه في العملية الديمقراطية والنظام الديمقراطي يبدأ من سجلات الناخبين، لذلك تحرص الدول على جعل هذه السجلات مطابقة للواقع خالية من الشوائب، وهذا ما تعمل على تحقيقه الهيئة المستقلة للانتخابات، رغم الشكوى من تباطؤ هذه العملية الناتج عن تحرّي الدقة.
وبيّن العجارمة أن استحقاقات العملية الانتخالية تبدأ بحل البرلمان، ثمّ تحديد الجدول الزمني الإجرائي وفق القانون، ابتداءً من اكتساب الجداول الدرجة القطعية مروراً بالتسجيل للترشح ثم الطعون، وانتهاءً بتحديد موعد الانتخابات.
وبحسب التعديلات الدستورية، أوضح الوزير أن على الحكومة أن تقدم استقالتها خلال خمسة أيام من قرار حل البرلمان على أبعد تقدير، ليتم تشكيل حكومة جديدة تدير الدولة حتى موعد الانتخابات، مبيناً أن الحكومة الحالية لا تدير الانتخابات وليس ذلك من مسؤوليتها وإن كانت هي صاحبة الولاية العامة وفق المادة 75 من الدستور، فقد نزع الدستور هذا الحق من الحكومة ومنحه للهيئة المستقلة للانتخابات، وإن كانت الحكومة ملزمة بتأمين سلامة العملية الانتخابية.
وحول التشكيل المتوقع للحكومة بعد الانتخابات، وهل ستستمر أم إنه لا بد من تشكيل حكومة أخرى جديدة، أوضح العجارمة أن الإجابة عن هذا السؤال ستكون أكثر دقة بعد ظهور نتائج الانتخابات.
وقال إن الحكومات البرلمانية في العالم في دول التحول الديمقراطي، مرت بمراحلٍ ثلاث ضمن القواعد العامة، موضحاً أن الخطوة الأولى نحو ديمقراطية حقيقية لأي دولة تبدأ بانتخابات حرة ونزيهة تكون معبّرة عن آراء الناس، كون الإصلاح يبدأ دائماً بصندوق الانتخاب. أما إذا شاب العملية الانتخابية تشويهٌ من أي نوع، فإن الديمقراطية تصبح بحاجة إلى وقفات أخرى. ومن ثم يأتي دور البرلمان الممثل لإرادة الشعب، بإخراج حكومة تستحق منحها ثقته وفق معايير دولية وقواعد صارمة تكون قابلة للقياس.
ولفت الوزير إلى أن الدول عادةً تتقدم في هذه المرحلة خطوة أخرى، إذ يقوم رأس الدولة بمشاورة الكتل البرلمانية في الأحزاب والبرلمان لاختيار الحكومة. وهناك دساتير توجب المشاورة وفيها نوع من الإلزام، وبعضها الآخر اختياري، والتشاور لا يتم مع النواب نائباً نائباً، وإنما مع كتل وأحزاب حول برامج محددة. وعلى كل حال، يجب أن تُحتَرم مكونات البرلمان، فحتى لو كانت هذه الخطوة اختيارية فهناك حزب أكثرية (50+1)، وعلى رأس الدولة الأخذ في الحسبان رغبة هذا الحزب الأكبر، أو التجمع الأكبر للأحزاب.
وأوضح العجارمة أن انتقاء الفريق الوزاري يكون في ضوء حله للمشكلة المطروحة عليه، فقد تُطرح عليه مشكلة مالية يجب عليه حلها، ومن هنا فإن الفريق الذي يقدم الحل الأفضل يكون هو الفريق الوزاري المنتقى.
أما المرحلة الثالثة من الحكومات البرلمانية والتي تكون في الديمقراطيات المتقدمة، فتتمثل في تعيين النائب عضواً في الحكومة، بمعنى أن يمارس مهمتين؛ الأولى تنفيذية في مجلس الوزراء، والثانية تحت قبة البرلمان، فيكون له الحق في التحدث بوصفه نائباً أو وزيراً.
وأوضح أن هناك رأيَين يتجاذبان هذه المسألة، يقوم الأول على أنه إذا انتُخب فلان من الناس حتى يكون نائباً ويراقب الحكومة، فإنه من الأَولى أن يكون جزءاً من الحكومة. أما الثاني وهو الشائع في معظم ديمقراطيات العالم، فيستند إلى أن الحكومة التي لديها أغلبية برلمانية تحاول أن تجهض أي مسألة تتعلق بالرقابة السياسية ما دام أن لديها أغلبية (50+1)، فلا يتم استجوابها أو مساءلتها، لتكون بذلك أشبه بخصمٍ وحَكمٍ في آن معاً. ومثال ذلك ما يطبَّق في بريطانيا وفرنسا اللتين قطعتا شوطاً كبيراً في هذه المجال، من خلال وضعهما ضوابط تحترم إلى حد كبير ما يعرف بـ»الرأي العام»، ومن ذلك استقالة «توني بلير» بناءً على استطلاعات الرأي العام، رغم أنه كان يملك (50+1) وحائز على ثقة البرلمان.
ولفت الوزير إلى أن الدول عندما تكون مشبعة بالديمقراطية، فإنها تراعي مخرجات الرأي العام الصادرة عن جهات موثوقة مهمّتها قياس الرأي العام قياساً حقيقياً، وكلما قطعت شوطاً في الديمقراطية تكون الحكومة فيها أقرب إلى الحكومة البرلمانية.
وحول المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها، رأى العجارمة أن تطبيق قانون الانتخاب بدأ بداية صحيحة، إذ تم تشكيل لجنة الحوار الوطني غير المشكوك في قدرات أعضائها ولا في آلية انتقائهم، وبالتالي فإنها كانت «اجتهاداً حكومياً صائباً» بحسب تعبيره.
وأكد أن لجنة الحوار الوطني كانت قد تبنت أفكاراً رئيسة منها تجاوز الصوت الواحد، والأخذ بمبدأ الدوائر الواسعة، واعتماد مفهوم القائمة النسبية، لافتاً إلى أن حكومة البخيت تبنت مسودة هذه الأطروحات بشكلها العام إلى حد كبير، في حين أن الاختلاف حول القائمة النسبية، كان بنسبة (50-60 %). أما فكرة الدوائر الواسعة، فقال الوزير إنه كان يمكن تطبيقها أولياً في عمّان واربد.
ووفق العجارمة، فإن أي قانون انتخاب في العالم يسعى إلى تحقيق هدفين: الإصلاح والاستقرار، لذلك يقوم المشرع بالتعديل على القانون دائماً لتلبية هذين الهدفين.
وأضاف الوزير أن تحقيق قانون الانتخاب الحالي للاستقرار والاصلاح، يعتمد على مدى تطبيقه، وأن عدم وجود توافق وطني حول لجنة الحوار الوطني دفع بالحكومات إلى تشذيب وقصقصة جزء من مخرجات اللجنة بما تراه مناسباً.
وفي ما يتعلق بتوجه بعضهم نحو المقاطعة، قال العجارمة إن أي حزب سياسي يمكنه المشاركة في الانتخابات من خلال هذا القانون، لإيصال ممثليه إلى البرلمان من خلال مسارب عدة أهمها: القائمة العامة الوطنية (27 مقعداً)، والدوائر حتى وإن كانت ضيقة، والكوتا (15 مقعداً).. فإن كان لدى الحزب قواعد شعبية، فإن النتائج لن تتأثر كثيراً بالنظام الانتخابي.
وفي الوقت الذي لفت فيه إلى أن الشكوى كانت تدور سابقاً حول عملية إدارة الانتخابات، شدد الوزير على عدم إغفال الإنجاز الأردني الكبير في هذا الشأن، الذي جاء نتيجة مخرجات لجنة الحوار الوطني والمناداة بالهيئة المستقلة للانتخابات التي تعدّ خطوة على طريق الإصلاح السياسي الطويل، وأعرب عن ثقته بأن الانتخابات المقبلة ستتسم بالنزاهة.
وحول تعديل القانون، قال الوزير إن الأصل أن يتم التعديل عبر قبة البرلمان مؤكداً في الوقت نفسه أنه ليس مع جمود «الإخوان» ولا مع جمود الحكومة، فهناك حاجة لإبداء المرونة من الطرفين، ولا بد من تجسير الفجوة وطرح أفكار معقولة.
كلالدة: التوافق الوطني ومخرجات لجنة الحوار
تساءل الأمين العام السابق لحركة اليسار الاجتماعي الأردني د.خالد كلالدة عن «العقل المدبّر» وراء إقرار القائمة النسبية المغلقة على مستوى الوطن، إذ كيف يمكن أن تنشأ تحالفات مع عدم وجود أحزاب سياسية كبيرة؟ وماذا نريد لمستقبل الأردن السياسي أن يكون، إذا لم نستطع أن نمهد له بالقوانين والتشريعات؟
وقال كلالدة: إذا أردنا أن تكون هناك أحزاب قوية، يجب أن نقر قوانين تسمح بحياة حزبية، لافتاً إلى أن الحكومات تراجعت عن قانون الأحزاب السابق وزادته تعقيداً حتى «لا تسمح بذلك».
ورأى أن القانون وُضع بحيث يحول دون تشكيل تحالفات عريضة، بهدف تفتيت القوى السياسية، بدليل أن القائمة النسبية المغلقة «لا تصلح سوى لحزب سياسي قوي كبير» مثل حزب جبهة العمل الإسلامي، الذي يختلف كلالدة معه في كثير من القضايا، إلا أنه يقر بتنظيمه الداخلي الديمقراطي، بالإضافة إلى حزب التيار الوطني، وبالتالي لا أمل للقوى السياسية الصاعدة والناشئة لتجد لها مكاناً بين هذين الحزبين.
ورأى كلالدة أن الإحباط في الشارع تجاوز الأحزاب، فحتى لو دُعيت جميع الأحزاب بما فيها «العمل الإسلامي» إلى المشاركة في الانتخابات، فإن عدد المنتخِبين سيكون قليلاً، لعدم ثقة الناخب في الأحزاب والإدارة والتشريعات والقضاء.
وحول عدم وجود توافق وطني على مخرجات لجنة الحوار التي تحدث عنها الوزير، رأى كلالدة أن المشكلة تكمن في عدم وجود توافق وطني حول ما تقوم به الحكومة، مستنداً إلى نتائج استطلاع لمركز الدارسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية حول قانون الانتخاب، بيّنت أن 80 % من الشعب الأردني غير معنيين بقانون الانتخابات، وأن 61 % من المعنيين يؤيدون الصوت الواحد، أي ما نسبته 3.8 % فقط من المجتمع الأردني.
وحول الاستفتاء، أوضح كلالدة أنه طُرح على الحكومة قبل ذلك، لكنّ «شخصيات رسمية» قالت إن الاستفتاء غير جائز في الدستور. مؤكداً أن المشكلة ليست في قانون ونظام الانتخابات فقط، فهناك أيضاً التعاطي مع مخرجات لجنة الحوار الوطني، مثل الجانب المتعلق بجرائم تزوير الانتخابات التي أصرت الحكومة على تغيير سنوات سقوطها من «بعد 10 سنوات» إلى «3 سنوات».
وختم كلالدة حديثه بقوله إن هناك إرادة لاستنساخ مجالس نواب كسابقتها، حتى لا يشكل مجلس النواب مركزاً لمراجعة النهج الاقتصادي الذي يمثل معضلة تواجه الشعب الأردني.
هلسا: ثنائية «الحكومة والإخوان»
بدأ الناشط السياسي ضرغام هلسا بتساؤله عن دور الشارع في ما يحصل، وقال إن الحكومات التي جاءت بعد الحراك، أوقعتنا في ثنائية مرعبة تدعى «الحكومة والإخوان»، الأمر الذي من شأنه إعاقة أي خطوة تجاه الإصلاح.
ورأى هلسا أن هناك «كلمة سر» في إدارة الدولة، إذ عاد المشهد السياسي بعد 20 شهراً من الحراك إلى «نقطة الصفر». واستشهد بتقرير لمعهد واشنطن الأميركي صدر مؤخراً، وجاء فيه أن الحكومات الأردنية قامت بإصلاحات عدة، لكنها ختمت بحكومة الطراونة، الأقل شعبية بين الحكومات في الأردن على مدى 16 عاماً.
ولفت إلى أن النخب السياسية عندما نزلت إلى الشارع كانت مجمعة على أن يكون رأس الدولة بعيداً عن أي مهاترات، إذ إن إرادة الشارع تمثلت في بناء وطن ودولة مؤسسات، لكن الحكومة أصرت على رفض جميع الحوارات التي تمت، وبالتحديد مخرجات لجنة الحوار التي شهدت نسبة عالية من التوافق وكانت كفيلة بحل الكثير من القضايا.
وأوضح أنه لو تم إقرار قانون الانتخابات بصورة تنسجم مع مخرجات اللجنة التي كان الملك ضامناً لها، لكان الجميع سيشاركون في هذه الانتخابات وبحماسة، وحينها من أراد أن يخرج من هذه العملية سيفقد وزناً مهماً من دوره في الشارع، لأن «استخدام النص الديني لا ينفع في لحظة يتوافق الشعب فيها لبناء وطنه ومستقبله».
وبيّن هلسا أن تحرك الشارع لم يكن عفوياً أو فوضوياً، وإنما جاء بعد تراكمات بدأت العام 1989، ثم تمحورت الشعارات حول إسقاط النهج الحكومي القائم على الخصخصة والتقيد باشتراطات صندوق النقد والبنك الدوليين، إضافة إلى المطالبة بانتخابات حرة ونزيهة، والأهم والجوهري موضوع محاربة الفساد.
وقال هلسا إن حكومة سمير الرفاعي قامت بإجراء الانتخابات وفق قانون الصوت الواحد والدوائر الوهمية، ما أدى إلى تفكيك الوطن، وهو ما سيتكرر نتيجة قرارات الحكومة الحالية وتوجهاتها ذات الصلة بالعملية الانتخابية. وبناءً على ذلك، رأى هلسا أن الانتخابات المقبلة إن أجريت وفق القانون الحالي فإن مخرجاتها ستكون الفوضى وليس بناء وطن.
كلاّب: الرغبة في الإصلاح
قال الكاتب عمر كلاّب في مداخلته، إن الدولة ما تزال تفكر بعقلية «العوام»، لا بعقلية الرأي العام، وإن مخرجات الشارع لم يتم احترامها حتى الآن، كما لا تتوافر لدينا أدوات لقياس رأي الشعب.
وتساءل حول إمكانية إدارة الدولة بتغيير التراتبية من الأمني إلى السياسي، فما يحدث أن الأمني يوظف السياسي، وفي ظل ذلك «لسنا أمام توافقات مجتمعية قريبة».
الخلل الأساسي يتعلق بعقل الدولة «غير الراغب في الإصلاح» بحسب تعبير كلاّب، إذ يتعامل هذا «العقل» مع الإصلاح بوصفه «رياح خماسينية هبت على الإقليم وتنتهي مع الوقت إلى أن يمل الشارع».
وتابع كلاّب أن الحديث ما يزال يثار حول دور الجغرافيا في العملية السياسية، وشراكة الأردني في الدولة، موضحاً أن هذه الشراكة يجب أن تعاد صياغتها، بحيث يكون رأس الدولة غير رأس السلطة، وبالتالي لا بد أن تكون هناك حكومة برلمانية منتخبة وفق قانون يحترم قناعات الناس، للوصول إلى تعريف «المواطنة»، هل تعني العدالة والمساواة أمام القانون، أم منطق «الرعايا».
وختم كلاّب حديثه بقوله: إن القانون والنظام الانتخابي هو الخطوة التالية في حال حسمت الدولة الإجابة عن أسئلة مهمة حول عمق الدولة.
المعايطة: ماهية الإصلاح
بدوره قال وزير التنمية السياسية الأسبق موسى المعايطة، إن الانتخابات البرلمانية وتشكيل الحكومات والأحزاب، هي القضية الأساسية في الفترة المقبلة بعيداً عن الجدل الدائر حول القانون. وأوضح أنه ضد الصوت الواحد، وأن الذي يقرر القانون هو موازين القوى وليس الآراء الشخصية.
وحول قانون الانتخاب، رأى المعايطة أن القضية ليست في قبول المواطنين أو رفضهم للقانون، وإنما بمدى تحقيق القانون للأهداف المعينة التي تريدها الدولة بصرف النظر عن رأي أغلبية الناس، لأن الأغلبية «ليست معنية وليست ذات دراية بالقوانين» بحسب تعبيره.
وبشأن الإصلاح السياسي، بيّن المعايطة أن القضية الأساسية هي الاستمرار بهذا الإصلاح، وهذا من مسؤولية الجميع، موضحاً أن الاختلاف على الإصلاح ليس فقط بين مؤسسات الدولة والأحزاب، فهناك اختلاف على ماهية الإصلاح أيضاً.
وتابع أن الإشكالية الحقيقية في موضوعة الإصلاح تكمن في ثنائية «الدولة والإخوان»، إذ الغت هذه الإشكالية قوى أخرى، بالإضافة إلى أن الحركة الإسلامية لم تكن معنية بالإصلاح السياسي، بل هي معنية فقط بحصتها من الكعكة.
وأضاف المعايطة أن هناك إشكالية تتعلق بقوى الشد، فهنالك مصالح، وهناك من هم مع التغيير، ومن هم ضده أيضاً.. كما تَمْثُل إشكالية الهوية الوطنية والإشكالية الديموغرافية والعلاقة الأردنية الفلسطينية الداخلية، داعياً إلى بحث هذه العلاقة ومناقشتها بجرأة، ذلك أن هناك خيطاً رفيعاً بين الوقوع في الإقليمية وبين النقاش على أساس المصلحة العامة للشعبين والحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني.
وحول السؤال المطروح: «مواطنون أم رعايا؟»، قال المعايطة إنه يتوجب على النخب السياسية أن تجلس للتحاور في هذه المسألة بعيداً عن «المحاصصة». ورأى أن الحكومة البرلمانية ليس المقصود بها أن يكون أعضاء الحكومة من مجلس النواب كما يعتقد بعضهم، فالحكومة البرلمانية هي تلك التي تتشكل من أغلبية حزبية وعليها أن تحصل على ثقة البرلمان. ونظراً لأن الحالة الأردنية تفتقر إلى الأحزاب، وأن الموجود هو الكتل، لذلك فإن الحديث الدائر حول الحكومات البرلمانية هو بمثابة تمهيد للمرحلة المقبلة.
المصالحة: لا لـ «الحرد السياسي»
ركز أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأردنية د.محمد المصالحة في مداخلته على أهمية العملية الانتخابية، وأن ما ينقصنا ليس القانون فقط، وإنما أن تتم العملية الانتخابية بنزاهة.
وبشأن المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها، أكد أنه بقدر حرصنا على الإصلاح فإننا معنيون بالمحافظة على هذه الدولة وبنائها. ولفت إلى تقارير نُشرت مؤخراً تبين أن الحركة الإسلامية لها منظورها الخاص حول بنية النظام، وأحياناً تصدر تصريحات تشي بأن ما تريده الحركة الإسلامية ليس إصلاحاً بقدر ما هو تغيير، وهو أمر لا بد أن يخرج إلى العلن، ولا بد أيضاً من احترام الشراكة السياسية.
أما لجنة الحوار الوطني، فقال المصالحة إنها قدمت تصوراً عقلانياً تمثيلياً لمجمل آراء القوى السياسية الموجودة، فقد ضمت اللجنة في عضويتها نقابيين وحزبيين في حين غاب عنها 5 من أعمدة الحركة الإسلامية، ولو أنهم تواجدوا فيها لخرج تقرير اللجنة بشكل أفضل.
ورأى المصالحة أن الحركة الإسلامية قوة أساسية ومركزية، ويجب أن تشارك في الانتخابات، متسائلاً عن سبب إدارتها للّعبة السياسية بهذه الطريقة. وقال: «نريد أن نسمع توضيحاً من قوى المعارضة كافة عن سقف مطالبها، فإن لم يكن لديهم سقف واضح فإنه سيصعب التعاون معهم في سبيل الإصلاح»، مضيفاً أن الإصلاح المتدرج هو «ما نريده في ظل هذه البيئة الإقليمية العاصفة».
وأشار إلى أن الأردن يعاني لا من أزمات داخلية فقط، فهناك أزمة اقتصادية، وأخرى اجتماعية، وهناك التهديد من دول الجوار بسبب الفوضى فيها.
وأبدى المصالحة عدم رضاه عن قانون الانتخاب لعدم اتفاقه مع مخرجات لجنة الحوار التي أوصت بثلاثة أصوات للناخب. وختم بقوله إن هناك تعديلات دستورية جديدة لا يمكن أن تتم بـ»الحرد السياسي»، وإن ما نريده هو «إصلاح النظام دون تدمير الدولة».
الربيع: الأحزاب التجميعية والبرامجية
استهل الأمين العام السابق لحزب الوسط الإسلامي، د.فايز الربيع حديثه بالإشارة إلى تصريح رئيس الوزراء فايز الطراونة الذي جاء فيه أن حكومته لا تبحث عن الشعبية، ما يعني ألاّ نتوقع من هذه الحكومة أي قرارات ذات بُعد شعبي. وأشار إلى أن التعامل مع الحكومات بشخص رئيس الوزراء وليس بفريق الوزارة هو المنطق السائد حالياً، لذلك لم يكن متوقعاً أن تأتي حكومة الطراونة بقانون انتخاب «يلبي الطموحات».
وأضاف أن الناس فقدوا الثقة بالعملية الديمقراطية عموماً، وليس بقانون الانتخاب فقط، متسائلاً عن كيفية استعادة الثقة المفقودة. وأوضح أنه لن يكون هناك تغيير على شكل الحكومات المقبلة، وحتى لو وُجدت كتل برلمانية فإنها ستكون من دون برامج واضحة.. وستكون «مأساة جديدة» أن يشترك مجلس النواب المقبل في تشكيل الحكومات، لأننا سنسدد فاتورة الجهوية والإقليمية التي ستعود بالدولة إلى الوراء خطوات كثيرة.
وتابع الربيع: «إذا ما أردنا الوصول إلى مجلس نواب حقيقي يشكل حكومة حقيقية، فإننا بحاجة إلى حزب لديه برنامج يصوت الناس على أساسه، وإذا لم ينفذ برنامجه فإن الجماهير نفسها سوف تقوم بإسقاطه».
وحول ثنائية «الإخوان والحكومة»، قال الربيع إنه لا يوجد في الأردن قوى سياسية إلا «الإخوان» مقابل الحكومة، ما أوصل إلى حالة «الحرد السياسي» الذي غذّته الظروف الإقليمية والدولية، فـ»الإخوان» شاركوا في الانتخابات السابقة على أساس قانون انتخاب غير توافقي، لكنهم الآن قرروا المقاطعة بسبب عدم التوافق على القانون.
ولفت الربيع إلى كونه أحد أعضاء جماعة «الإخوان» لمدة 35 عاماً، ومن مؤسسي حزب جبهة العمل الإسلامي وأول عضو مكتب تنفيذي فيه، ما يجعله يعرف «الإخوان» جيداً. موضحاً أن «الإخوان» كانوا متفقين على الدوام بأنّ الأردن لا يصلح أن يكون دولة إسلامية، لأن إعلان هذه الدولة سيكون بمثابة إعلان حرب على إسرائيل.
ورأى الربيع أن الأحزاب التي تطرح نفسها في الوقت الحاضر، هي أحزاب تجميعية حول أشخاص، وليست أحزاباً برامجية ذات عمق أيديولوجي يمكن أن تفرز أحزاباً سياسية بالمفهوم المطابق للحزب السياسي.
وفي ما يتعلق بالهوية الوطنية، قال إن من المفترض أن تكون هوية جامعة، لكن هناك تجاذبات ما تزال تقلل من عمقها، ولم تجرِ حتى الآن توافقات بعمق الهوية الوطنية نستطيع من خلالها أن ننتقل إلى المرحلة المقبلة، فما يزال هناك موضوع الحقوق المنقوصة، لكن الحق الأردني يُطرح بشكل آخر، فالقضية ليست ثنائية «أردنية-فلسطينية» بالمعنى الإقليمي، إنما هي مصلحة وطن يريد أن يحافظ على نفسه، ومصلحة فلسطين والقضية الفلسطينية.
ولفت الربيع إلى أن الإدارة الحكومية في الأردن قائمة على مفهوم المحاصصة الإقليمية والجهوية والمصلحية، وبالتالي ليس لدينا سياسة لإدارة الدولة بالمفهوم الوطني، فشاغلو الوظائف العليا بحسب ما يرى، ليس ثمة قانون يحكمهم سوى «مزاج» رئيس الحكومة.
الزعبي: وجوب المشاركة
أكد أستاذ القانون والمحامي د.خالد الزعبي على ضرورة وجود إصلاح سياسي حقيقي للدولة مع المحافظة على المرتكزات السياسية لبناء مستقبل الوطن. كما أكد على وجوب المشاركة الفعّالة في «الانتخابات» كي لا نترك فرصة للراغبين بتحجيم دور الدولة وهيبتها واستقرارها، كما يجب عدم السماح لحزب بعينه أن يفرض سيطرته السياسية على الشأن الداخلي الأردني.
ورأى أن الانتخابات تقوّي عزيمة الدولة، آملاً في الوقت نفسه أن تكون الانتخابات المقبلة نزيهة وشفافة في ظل وجود هيئة مستقلة للانتخابات.
كما نوه الزعبي إلى جودة مخرجات لجنة الحوار السياسي، متمنياً لو أخذت الحكومة بها.
الشقران: المصلحة الوطنية
وتساءل رئيس مركز «الرأي» للدراسات د.خالد الشقران: هل ما حصل في العملية الإصلاحية ارتداد، أم هو تطور لمواكبة المصلحة الوطنية؟ وأوضح أن هناك جدلية حول موضوع الانتخابات، ففي بداية التفاعلات السياسية التي شهدتها الساحة الأردنية حظيت لجنة الحوار بالحد الأدنى من التوافق، وكان من مخرجاتها المهمة طرح موضوع الأصوات الثلاثة، ثم اتجهت حكومة الخصاونة إلى فكرة «صوتين وصوت»، والآن يجري الحديث في حكومة الطراونة عن «صوت وصوت».
كما تساءل الشقران عن إمكانية ارتفاع أصوات تطالب بإعادة تشكيل مجلس النواب بعد انتخابه.
أبو رمان: الوزارة والنيابة
حول ثنائية «الدولة والإخوان»، قال الباحث في مركز الدراسات الإستراتيجية بالجامعة الأردنية د.محمد أبو رمان إنه لو كان قائداً لـ»الإخوان» لشارك في الانتخابات النيابية، ولينال «الإخوان» على حصتهم التي كان يمكنهم الحصول عليها وفق أي قانون آخر، مبيناً أن من حق «الإخوان» وفق مفاهيم اللعبة السياسية أن يحرصوا على المحاصصة.. وهو بخلاف بعض المتحدثين، يعتقد أن مفهوم «الإخوان» لـ «الدولة الإسلامية» يأتي من سعيهم للوصول إلى الشراكة عبر المشاركة.
وفي ما يتعلق بالحكومة النيابية التي لا يوجد ظروف ملائمة لتشكيلها، رأى أبو رمّان أن هنالك مأزقاً كبيراً سنواجهه، نظراً لتوجه صاحب القرار بألاّ يكون الوزراء من النواب، بسبب عدم وجود أحزاب داخل البرلمان، ولأن الكتل التي ستتشكل داخل البرلمان ستقوم بالتنسيب بأسماء الوزراء، وهذا الأمر «أكثر تعقيداً ودون معنى سياسي حقيقي».
وتساءل أبو رمان عن سبب الوصول إلى هذه المرحلة التي يُنتخب فيها مجلس نواب لا يمكن أن تتشكل فيه كتل نيابية حقيقية، ورأى أن الحكومة المقبلة ستستمر بين أربعة وسبعة أشهر ريثما يتم تشكيل حكومة جديدة من قِبَل البرلمان في ظل عدم وجود كتل.
وأوضح أبو رمان أن لجنة الحوار الوطني لم تحظَ بتوافق وطني، وأن «الإخوان المسلمين» كانوا سلبيين في التعامل معها و«أفشلوها» قبل أن «تُفشلها» الحكومة، وبحسب رأيه لم يتم استغلال مخرجات لجنة الحوار للخروج من الأزمة.
وأعرب أبو رمان عن رفضه لقانون الانتخاب الحالي، مشيراً إلى أن هذا القانون غير مقبول من جميع الأطراف، وليس من «الإخوان» فقط، إذ إنه سيؤدي إلى تشكيل مجلس نواب أكثر تشويهاً من المجلس الحالي، ما يضعنا أمام معضلة أكبر.
البطوش: ثقة المواطن بدولته
رأى الأستاذ الجامعي بسام البطوش أن الدولة الأردنية في وضع «لا تُحسد عليه»، موضحاً أنها مرت عبر مراحل سياسية وتاريخية أكثر تعقيداً من المرحلة الحالية واجتازتها جميعاً بسبب ثقة المواطن بدولته ونظامه والظروف والمحددات الموجودة داخل هذه الدولة.
وأضاف أن القوى السياسية كانت في معظم المراحل قوى وطنية تسعى للإصلاح من الداخل. أما الآن فإن هناك قوى لم تستطع أن تقنعنا بأطروحاتها أو بأسلوب عملها سواء في الشارع أو في المؤسسات.
وأكد في هذا السياق أن التيار الإخواني كان على علاقة جيدة مع الدولة، وفي مواقف حرجة وقف معها، وفي العشرية الأخيرة طالب بمطالب سياسية بسيطة بهدف الخروج من قضية الصوت الواحد، أما الآن فقد تغيرت المعادلات، ولم يعد المواطن العادي يلحظ خطاباً سياسياً لـ»الإخوان» يجعله يأمن على مستقبل وطنه.
الوزني: المسؤولية المشتركة
بيّن د.خالد الوزني في مداخلته أن الشأن الاقتصادي في الأردن عادةً ما يتم الحديث عنه ضمن الصورة الإقليمية والعالمية،، نظراً لتبعات هذه الصورة على الأردن.
وقال إن المشهد العالمي يكشف عن اهتمام كل دولة بشؤونها الداخلية، مسشهداً بالوضع الأميركي، فلدى الولايات المتحدة معضلة اقتصادية كبيرة تحاول معالجتها، لذلك يشير برنامجا الرئيس الحالي والمرشح المقابل، إلى أن الهَمّ الأكبر لديهما هَمّ داخلي يتعلق بالضرائب وتحريك الاقتصاد.. وكما هو معلوم فإن الأردن يعتمد على الولايات المتحدة بشكل كبير في ما يتعلق بالمساعدات والشأن الاقتصادي.
وأضاف أن المشهد الأوروبي يتسم بالتقلب والفوضى بسبب الأوضاع الاقتصادية التي تشهدها بعض دول أوروبا والتي هي جزء من المنظومة التي يعتمد عليها الأردن في ما يخص المساعدات أو التجارة البينية أو الاستثمارات المشاركة.
وأوضح الوزني أن هناك دولاً تبحث عن كتل مختلفة (مثل «البريكس»)، وهي كتل تريد أن تشكل منظومتها الخاصة بها، ولا يمكن التعويل عليها لتحسين الاقتصاد الأردني.. كما أن هناك دولاً في إطار ما يسمى «الربيع العربي» تعاني من آثار هذا «الربيع»، أو أنها متفرجة على المشهد بين شامتة وسلبية ومنتظِرة. لذا لا يمكن التعويل على المنطقة العربية في ظل هذه الظروف.
وبيّن الوزني أن نظرة إلى الداخل الاقتصادي تجعلنا ندرك أننا نمر بمرحلة اقتصادية صعبة رغم تصريحات رئيس الوزراء فايز الطراونة بغير ذلك، فهناك تشوهات واضحة للعيان لا تختلف عن تلك التي حدثت في العام 1989 إلا في ما يتعلق بالاحتياطيات الأجنبية. أما بقية المعطيات فهي نفسها، في ما يخص المؤشرات الكلية من تراجع النمو الاقتصادي ووضع الموازنة الذي لا نُحسد عليه وتراكم المديونية وجفاف الموارد.. فالقطاع المصرفي بكل فوائضه لا يزيد على مليار و700 دينار، علماً أن ما يلزم لإنقاذ الموازنة هو 3 مليارات دينار..
ولفت الوزني إلى أن المديونية ترتفع بشكل كبير، وحتى الاحتياطيات الأجنبية في حالة استنزاف مستمر على مدار الساعة، والأرقام تشير إلى انخفاض قد يصل إلى 400 مليون دينار في الشهر الواحد. كما أن تغطية الاحتياطيات انخفضت من 10 أشهر إلى 4.2 شهراً، دخولاً إلى «الخط الأحمر».
ورأى أن الوضع إذا استمر على ما هو عليه، سنصل في أقل من سنة إلى وضع عام 1989 نفسه، وأن الأسوأ من ذلك أن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي أُعلن عنه يتسم بالسرية، فلا أحد يستطيع الاطلاع عليه، ولا نعرف عنه سوى ما صدر من تصريحات لصندوق النقد الدولي وما تحدثت عنه الحكومة.
وحول البرامج المستقبلية، قال الوزني إن الواقع العام يشير إلى أنه لا توجد جهة لديها برنامج واضح، حتى الجهات التي تشكل الحكومات لم تعلن إلى الآن أي برامج اقتصادية يمكن الاطمئنان إليها، مقترحاً تشكيل «خلية إنقاذ» تعمل إلى جانب الحكومة لإيجاد الأسس التي يمكن وضع برنامج متكامل يتم تنفيذه على سنوات عدة بناءً عليها.
كما دعا إلى عقد ملتقى اقتصادي تشارك فيه جميع أطراف المعادلة الحالية على الساحة الأردنية، وإلى العمل بجدية من أجل ضبط المال العام بصورة أكبر، إذ إن هناك إسرافاً على مستوى الموازنة بلغ مليار دينار. ومن ناحية أخرى يجب العمل على جذب الاستثمارات العربية للاستفادة من وضع الاستقرار في الأردن.
كلالدة: المستقبل الاقتصادي
قال كلالدة إن تناقص الوديعة في البنك المركزي من 11 إلى 6.2 مليار دينار، يعود إلى عدم اطمئنان رأس المال الأردني الذي تحول من الدينار إلى الدولار كما هي الحال في وديعة البنك الإسلامي التي تبلغ قيمتها 2 مليار دولار، لافتاً إلى أن الحكومة تعكف الآن على طرح سندات دولية من 750 مليون دولار إلى مليار دولار بفائدة 4 % مربوطة لسبع سنوات، مستنداً في ذلك إلى تصريحات عدد من الاقتصاديين. وتساءل في هذا المضمار: هذان الأمران هل يحددان مستقبلنا الاقتصادي؟
الوزني: الاحتياطيات والتحوُّط
ردّ الوزني على سؤال كلالدة، بقوله إن هناك فرقاً بين الاحتياطيات الرسمية في البنك المركزي والودائع الأجنبية للجهاز المصرفي، فالأخيرة ليست جزءاً من الاحتياطيات الرسمية. وأوضح أن ما أشار إليه كلالدة يسمى «إحلال العملة» بالهروب إلى عملة «أكثر استقراراً» من وجهة نظر الذي يقوم بالتحويل، لكن هذا لا يدخل ضمن حسابات التحوط في الاحتياطيات، وهنا تكمن الخطورة، لأن الاحتياطيات تقل بسبب استخدامها وعدم وجود موارد تعوضها.
وأضاف أن نتاج عملية الصادرات والواردات هو ما يدخل بشكل إيجابي أو سلبي في ميزان المدفوعات، وبالتالي في احتياطيات المملكة، وهذا يشير إلى أننا دخلنا منذ فترة في الجانب السلبي لاستنزاف الاحتياطيات لعدم قدرتنا على توليد احتياطيات مقابلة، والأرقام تشير إلى زيادة الودائع الأجنبية في البنوك الأردنية بنسبة 12 % حتى النصف الأول، إلا أنها تشير أيضاً إلى انخفاض ودائع الدينار بنسبة 2-3 %، وهذا ليس له علاقة بالاحتياطيات.
وأكد الوزني أن السندات تعدّ الأكثر خطورة في الموضوع اليوم، إذ تم تجفيف إمكانية الاقتراض من الداخل، ما يعني ضرورة اللجوء لمصدر خارجي متمثلاً بصندوق النقد الدولي باقتراض 800 مليون دولار هذا العام، و1.3 مليار في العام المقبل، لكن لم يصل حتى الآن إلا 385 مليون دولار فقط، لذلك فقد كان على الحكومة إصدار قانون الصكوك الإسلامية حتى تستطيع الاستدانة من المصارف الإسلامية، وإصدار سندات عالمية قبل أن ينخفض تصنيف الأردن، وهنا الخطورة، حيث تصبح الديون من الخارج بفائدة أكبر أو بإجحاف وإحجام من الآخرين عن الدين.
هلسا: إنقاذ وطني
قال هلسا إنه «غير متفائل» بكل الحلول المطروحة، ورأى أنه لا توجد سياسة مستقرة في ظل اقتصاد غير مستقر، وأن الحل الأمثل يكمن في تشكيل حكومة «إنقاذ وطني»، وليس لجنة رأسمالية، وتكون مهمة هذه الحكومة العمل من أجل إقامة الدولة ضمن اقتصاد اجتماعي وشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وأوضح أن حكومة «الإنقاذ الوطني» تعني توافقاً أردنياً على تحديد المهمات لمعالجة الوضع الاقتصادي ضمن شروط من بينها الاتجاه نحو بناء منظومة اقتصادية أساسها رأسمالية الدولة، لكي نستطيع أن نلغي سياسة تبديد الثروات، ونبدأ بالسيطرة فعلياً على المؤسسات الوطنية الإنتاجية وتحويل مجتمعنا من استهلاكي إلى إنتاجي.
العجارمة: إدارة الشأن العام
في رد له عل مداخلات المشاركين، قال العجارمة إن مشكلة المالية العامة للأردن، هي أن الأردن دولة استهلاكية وليست إنتاجية، فمعظم احتياجاتنا يتم استيرادها من الخارج ولا يمكننا التحكم بأسعارها.
وأوضح أن ثنائية «الدولة والإخوان» خلقت أزمة أدت إلى وضع «الإخوان» شروطاً لحلها، مضيفاً أن مشكلتنا في الأردن ليست مع الدين، وإنما في إدارة الشأن العام. فالتنافس لا يكون إلا في كيفية إدارة الدولة وتصحيح الشأن الاقتصادي.
وحول موضوع «تجريم التزوير» في الانتخابات، بيّن العجارمة أن القانون الجنائي فيه ما يسمى «التقادم»، فلا يمكن أن نطالب بملاحقة جريمة تزوير في انتخابات مجلس نواب انتهى قبل سنوات وجرت انتخابات لمجلس آخر بعده، لذلك كان لا بد أن يكون زمن التقادم 3 سنوات من تاريخ إجراء الانتخابات (قبل انتهاء مدة المجلس)، وهي مدة كفيلة بتحريك دعوى الحق العام، وللعلم كانت مدة التقادم في القانون السابق 6 شهور فقط.
وفي ما يتعلق بالسقوف المالية لمرشحي الانتخابات، رأى العجارمة أن بالإمكان تنظيمها قانونياً من خلال التعليمات المنبثقة عن قانون الانتخابات.
المصالحة: الأردن والإقليم
قال المصالحة إن حركة الحكومة على الصعيد الخارجي «ضعيفة جداً»، فديون الأردن على ليبيا حوالي 300 مليون دينار لم تُسدَّد لغاية الآن، كما يمكن التوجه إلى العراق للبحث عن أفق تعاون أفضل.
وحول موقف الأردن من الأزمة السورية، قال المصالحة إن الأردن طُلب منه، وبضغط من دول الخليج، أن يلعب دوراً في هذه الأزمة على غرار الدور التركي، لكن المصلحة الوطنية تقتضي عدم القيام بذلك.
وبشأن السياسة الداخلية، دعا المصالحة إلى ضرورة تحصيل الأموال المترتبة للدولة من المواطنين والشركات، وإقرار قانون ضريبة تصاعدي.
كلالدة: إنجاز القوانين
في سياق مناقشة المشهد السوري، قال كلالدة إن على الحكومة أن تتنبه إلى أن انشقاق موقف الشارع الأردني مما يحدث في سوريا لا يبشر بالخير، فنسبة كبيرة من الأردنيين يتضامنون مع المحتجين السوريين الحاملين للسلاح بدلاً الرافضين للانخراط في عملية الإصلاح. ومن جهة أخرى، فإن المجلس النيابي إذا لم يقم بتشكيل حكومة برلمانية، سيتسبب هذا في مشكلة حقيقية، فيجب ألاّ تسقط جريمة تزوير الانتخابات بالتقادم، لأنها تعد تزويراً لإرادة الأردنيين وبالتالي للقرار السياسي.
وبشأن احتمال قيام إسرائيل بأي عمل عسكري في المنطقة، أوضح كلالدة أن في إسرائيل مجتمعاً جاهزاً للحرب، فقد تقوم إسرائيل بأي مغامرة. لكنه يرى أن أي عمل لإسرائيل من هذا القبيل لن ينعكس على معاهدة السلام.
أما المشهد الداخلي، فلم يتحقق فيه شيء، فالهم الاقتصادي عند الأردنيين مرتبط بالحل سياسي، والحل السياسي يتأتى من حكومة توافق وطني سياسية بامتياز تشتبك مع الناس بصورة إيجابية، ولا تثقل الموزانة.
وأوضح كلالدة أن كل ما سيتأتى للخزينة من رفع الأسعار ودعم المحروقات هو 160 مليون دينار، في حين أن الضريبة التصاعدية التي بقيت في أدراج مجلس النواب تحقق إيرادات بين 800 و900 مليون دينار سنوياً. كما أن المؤسسات المستقلة التي أعيدت هيكلتها في عهد حكومة معروف البخيت تستنزف 2 مليار دينار سنوياً بعجز مقداره 400 مليون دينار، 280 مليوناً من الخزينة والباقي مساعدات خارجية.
وشدد كلالدة على ضرورة إنجاز عدد من القوانين بصورة طارئة، مثل قانون المالكين والمستأجرين، وقانون من أين لك هذا؟، وقانون الضمان الاجتماعي بهدف تحصين هذه المؤسسة من أن تطالها أيدي الفاسدين، مقترحاً أن تُسند إدارة «الضمان» إلى «محافظ» لا يخضع لأي وزير أو رئيس حكومة.
الوزني: الاستيعاب لا الإقصاء
قال الوزني إن الحكومة المقبلة يجب ألاّ تكون حكومة تسيير أعمال، وأن عليها استخدام أسلوب الاستيعاب بدل الإقصاء. مشيراً إلى أن المشكلة في موضوع الدعم تكمن في اتجاه الحكومات لاتخاذ القرار الأسهل، وهو رفع الأسعار على حساب ما كنا نسمع به قبل سنتين من توجيه الدعم لمستحقيه. ورأى أن هذه المسألة لا يُستحسن أن تخوض الحكومة الحالية فيها لأنها تتطلب وقتاً طويلاً..
ولفت إلى أن أبسط قرار أن يمكن أن تقوم به الحكومة الحالية هو رفع الضرائب على المبيعات تصاعدياً، فالضريبة على الدخل تحتاج إلى قانون، أما المبيعات فللحكومة أحقية فرض ضريبة خاصة عليها، كما كان من الممكن رفع الضريبة على سلع الرفاهية للحصول على إيرادات إضافية.
وأوضح الوزني أنه يفهم الدور الخليجي في دعم الموازنة ضمن إطار تاريخي، فالخليجيون يريدون تقديم مساعدات لنا من أجل تطوير العملية الاستثمارية، لا لدعم اقتصاد «مهزوز» بحسب تعبيرهم.
وحول موضوع الضمان الاجتماعي، اقترح الوزني أن تُسند إدارة هذه المؤسسة إلى «محافظ» مستقل على نسق محافظ البنك المركزي. داعياً في سياق متصل إلى أن يكون للقوى والأحزاب السياسية برامج اقتصادية موازية لبرامجها السياسية، بوصف هذا الحل هو السيناريو الوحيد للخروج من الأزمة في المجالين السياسي والاقتصادي.
المصري: منظومة حكم شمولية
أكد وزير الزراعة السابق سعيد بهاء المصري، على ضرورة منح القواعد الشعبية الزمن الكافي للنضوج سياسياً، على أن يرافق ذلك توازن في التفكير، لأن الجميع شركاء في منظومة الحكم الشمولية، مبيناً أنه يجب الانتقال تدريجياً في الديمقراطية، وعدم التغاضي عن كون البلد مستهدفاً من الداخل والخارج.
وأضاف أن الحكومات بسبب قصر عمرها أو لأسباب أخرى، انتهجت سياسة إدارة الأزمات وابتعدت بشكل كامل عن التخطيط الإستراتيجي. مشيراً إلى أن الوضع الحالي هو الأخطر اقتصادياً، فالثورات تقوم بسبب تجاهل مطالب الناس، وعلى الحكومة المقبلة أن تكون واقعية، فلا يمكن أن يتم الانتقال من حالة الفقر إلى حالة الثراء فورياً.
البطوش: المال السياسي
حول القضية السورية، قال البطوش إن الموقف الأردني كان متوازناً من حيث عدم التدخل في شؤون الآخرين وعدم السماح للآخرين بالتأثير فينا والتدخل في مصالحنا، لكن الشأن السوري مفتوح على احتمالات لا بد من قراءتها بدقة وعناية.
وأضاف أن السياسة الأردنية تجاه الموضوع السوري مقسومة إلى اتجاهين، واحد يؤيد القمع السلطوي في سوريا وينتقد في الوقت نفسه ما يسمى «القبضة الأمنية» في الأردن وهذا فيه ازدواجية، والثاني يؤيد العمل المسلح ضد النظام السوري، وهو نموذج يُخشى أن يتم استدراجه للمشهد الأردني.
وفي موضوع الانتخابات، قال البطوش إن الخوف الحقيقي يكمن في تدخل المال السياسي في تزوير إرادة الناخبين.
كلاّب: الحاكمية
قال كلاّب إن «الحاكمية» هي المبدأ الوحيد الذي تم إلغاؤه من مشروع القانون الذي قدمته مؤسسة الضمان الاجتماعي قبل سنوات.
وبالنسبة للوضع الاقتصادي، أوضح كلاّب أننا نستطيع أن نحسم الجدل حول توفير 2.5 مليار توافقياً، إذ إن التهرب الضريبي يبلغ 900 مليون دينار، وترشيد الاستهلاك يبلغ 1.4 مليار دينار، والمؤسسات المستقلة تكلّف الدولة 300 مليون دينار.