صدر الإعلان الرسمي عن زيارة البابا بندكتس السادس عشر في 8/3/ 2009 ووضع عنوان للزيارة من أجل الوحدة والسلام في الشرق الأوسط وفي العالم أجمع . والبابا يحل ضيفا على أول دولة عربية، وهذه الزيارة تسلط الضوء على دور الأردن في حوار الأديان وبخاصة الحوار الإسلامي المسيحي فالأردن بدأ هذا الحوار في رسالة كلمة سواء التي استجاب لها الفاتيكان. ودوره في التعاون مع كافة الدول من أجل تحقيق السلام وتغليب لغة الحوار الحضاري بين الأديان. ولذا يصبح مفهوما لماذا عبر البابوات الثلاث (بولص السادس عام 1964 ويوحنا بولس الثاني عام 2000 والآن بندكتوس السادس عشر 2009) من بوابة الأردن وليس إسرائيل وهو ما يحمل دلالات ذات أبعاد هامة يجب التوقف عندها.
لقد أثارت زيارة بابا الفاتيكان للأردن والأراضي المقدسة المحتلة بندكتوس السادس عشر الكثير من ردود الفعل والتعليقات والتحليلات في من يرى في الزيارة أهمية سياسية ودينية، والزيارة تشمل الأردن وفلسطين والمناطق المحتلة عام 1948 بالإضافة إلى مجلس الأساقفة الكاثوليكي واللاتين في الوطن العربي، وتهدف إلى تعميق العلاقات الدبلوماسية مع الأطراف المضيفة ورغبة في لقاء الجماعات المسيحية بالرغم من التحديات في الأراضي المقدسة.
لقد أبدى الجانب العربي الحرص السياسي والديني في الدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية مؤكدا على وجود مصلحة مشتركة لإنقاذ العاصمة الروحية في مواجهة دولة الاحتلال الذي تحاول فيه إتمام مهامها في تغيير المعالم العربية والإسلامية والمسيحية للمدينة المقدسة. لقد أعلن البابا ان أهداف الحج الحفاظ على ما تبقى من الوجود المسيحي في الأراضي المقدسة، ويشير الفاتيكان أن ثمانين في المئة من المقدسات في الأراضي المقدسة مسيحية وهي جميعها تقريبا موجودة في فلسطين باستثناء المغطس الذي تعمد فيه المسيح والذي اعتمده الفاتيكان على الشاطئ الأردني من نهر الأردن .
في الأردن، الذي أعلن ترحيبه بقداسته في مهد الحضارات ، سوف يزور البابا المغطس ، ويبارك وضع حجر الأساس لكنيسة معمودية هناك، وحجر أساس لجامعة كاثوليكية في مادبا، ويقيم قداسا في العاصمة. حيث أخذت تتقاطر الوفود المسيحية من الدول الشقيقة للمشاركة في هذا القداس.
وبمناسبة هذه الزيارة البابوية نظم مركز الرأي للدراسات ندوة حول الأهمية السياسية والدينية لزيارة قداسة البابا للمنطقة شارك فيها الدكتور زيد حمزة والأستاذ عقل بلتاجي والدكتور رؤوف أبو جابر والأستاذ أكرم مصاروة إضافة إلى بعض الضيوف.
ادار الندوة : يوسف الحوراني
9/5/2009
قال د. زيد حمزة وزير الصحة الأسبق تكتسب زيارة البابا إلى الأردن أهمية خاصة لا تدانيها أي أهمية خاصة لا تدانيها أي أهمية تنالها مثل هذه الزيارات البابوية إلى بلاد أخرى في العالم، ففي منطقتنا وفي فلسطين تحديدا (لا في إسرائيل) ولد السيد المسيح عليه السلام وعاش وبشر بديانته السماوية وأضطهد وعذب ومات شهيدا في سبيل المبدأ والعقيدة...
ومنطقتنا تعيش اليوم ومنذ أكثر من ستين عاما حالة غليان واضطراب بسبب الهجمة الصهيونية التي أسست دولة إسرائيل على ارض الفلسطينيين وشردتهم في أربع جهات الأرض وهي تنوى الآن ؟ تحت سمع ونظر العالم ؟ أن تهجّر من تبقى منهم بداخلها (ويشكلون 20% من سكانها) إلى الخارج كي تكون دولة يهودية خالصة ! ناهيك عن الطرد بوسائل مختلفة للفلسطينيين المسيحيين من القدس تمهيداً لتهويدها بالكامل بعد توحيدها المزعوم.
وأضاف، قداسة البابا يمثل القيادة الدينية للجزء الأكبر من مسيحيي العالم من الكاثوليك، وله وزنه السياسي الذي لا يمكن إغفاله ومن المعروف تاريخياً- في العصر الحديث على الأقل ؟ كم لعب الفاتيكان من ادوار في مختلف قضايا العالم، أحيانا من وراء ستار وبصمت وأحيانا في نشاط علني صريح وجريء.
ولدولة الفاتيكان على صغر حجمها أجهزتها الإدارية والفكرية وتنظيماتها التي تشبه الوزارات في باقي دول العالم، وهي ترسم وتخطط بهدوء وروية ولا تتخذ قراراتها خبط عشواء وقد تأتي مواقفها على صورة ترضي فريقا من الناس دون الآخر ، وهذا ما يبدو واضحا تماما في قضايا منطقتنا وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي نأمل دائما ان يكون موقف الفاتيكان منها اقرب الى العدالة التي تنشدها لكن الحسابات لا تكون دائما في مرمى آمالنا وهذا لا يدفعنا قط لإنكار الدور المرتجى من الفاتيكان ولو بعد حين، ولا يعفينا من واجب الاحترام والإجلال للبابا الذي يجلس على قمة هذه الكنيسة الكبرى، حين نتحدث عن زيارة البابا بيندكتوس السادس نرى منافع جمة يجنيها الأردن وشعبه بكل أطيافه متجاوزين بعض الخلافات القائمة بين الطوائف المسيحية، فمجرد تسليط الأضواء الساطعة على بلدنا أثناء تلك الزيارة سيجعلها بدرجة او أخرى محط اهتمام لدى معظم شعوب الأرض، ويضعها في دائرة البحث والدرس والتحليل من حيث التعايش الحميد الذي يضم فيها أصحاب الديانتين المسيحية والمسلمة في تتفاهم ووئام وذلك عكس الصورة الظالمة المتداولة المفعمة بالتطرف والكراهية والعنف وهي الصورة التي سادت بعد 11 اي
لول2001.
وأشار..نعرف أن أمورا حساسة مثيرة للجدل مع دولة الفاتيكان منذ تبرئة اليهود من دم المسيح وبعد ذلك إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، والقضايا العالقة بين الفاتيكان وإسرائيل منذ اتفاقية اوسلو 1993 حول الشخصية القانونية للكنسية الكاثوليكية والتي أثارت موجة من الاحتجاج في أوساط مسيحي الأردن وسوريا ولبنان وفلسطين ، ثم تصريحات البابا بندكتوس السادس في إحدى الجامعات الألمانية في 11/9/2006، ربط فيها الإسلام بالعنف واستشهد بامبرطور مسيحي وانتقد بعض تعاليم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وان هناك تناقضا بين الإسلام والعقل، وهي تصريحات تلتها توضيحات قبلها البعض ورفضها البعض الآخر الذي طالب بالاعتذار...
وقال.. إن هذه الزيارة، التي نرحب بها اشد الترحيب، ليست المناسبة الصحيحة لفتح ملفات تاريخ الكنيسة في تعاملها مع شعوب الأرض قاطبة وهي ملفات ليست سرية فكانت وما زالت محل بحث ونقاش من قبل الدارسين الذي ربطوا بين غزو القارة الأمير كية منذ كولومبوس ومن جاء بعده باسم المدينة واكتشاف العالم الجديد لكن تحت راية المسيحية وعلى حساب إفناء شعوب بأكملها وهناك، وهي أيضا ليست المناسبة الصحيحة لتقليب أوجاع تاريخية شهدتها المنطقة إبان الحروب الصليبية التي شنت باسم الدين المسيحي وتبين أن وراءها استعمارا واستغلالا وتصفية حسابات، وهي كذلك ليست المناسبة الصحيحة لفتح ملف العلاقة بين الكنسية الكاثوليكية وبين الاجتياح النازي لشعوب أوروبا في الحرب العالمية الثانية أو موقفها من المحرقة اليهودية الذي استقر مؤخراً لما تريده.
وأضاف..نعم ليست هذه المناسبة الصحيحة لنا ولقضايانا فنحن في هذا الظرف بالذات نطمح كل ما يمكن أن يعزز مطالبنا ويأخذ بيدنا، وان يدنا لضعيفة وان يفهم وجهة نظرنا التي تعتّم عليها أجهزة إعلام عملاقة قادرة وغادرة، ونحن نعتقد أن مجيء البابا بندكتوس السادس الى ديارنا فرصة ذهبية أخرى علينا ابتهالها والاستفادة منها لا تضييعها بفتح جراح لا جدوى من فتحها وافتعال عتاب صاخب يضيع فيه صوت المودة والتعاون والتفاهم.
وأكد..يكفينا من البابا إثلاج قلوب المؤمنين التابعين للكنيسة من مواطنينا المسيحيين الأردنيين الذي نحبهم ويحبوننا، ويكفينا منه ترسيخ مكانتنا الدينية والتراثية التي كادت إسرائيل أن تنجح في جعل مسيحي العالم ينسونها خاصة بعد احتلال القدس والزعم بأنها عاصمتهم الأبدية الموحدة وبالتالي تعلن نفسها حامية للأراضي المقدسة !.
لن نجبره على اتخاذ مواقف
نحن بالطبع لا نعلم إن كان في برنامج الحبر الأعظم إجراء محادثات من أي نوع سواء على الصعيد السياسي أو الديني مع أي من الجهات ذات العلاقة في البلدان التي يزورها خصوصا ما تروج له إسرائيل ولكننا نعلم أن مواقف دولة الفاتيكان ذات الوزن الكبير والتأثير الواسع النفوذ لا يمكن أن تتحدد أثناء رحلة حج كهذه! كما أننا لسنا من السذاجة بالقدر الذي يجعلنا مدفوعين بمجرد وجوده بيننا ضيفا مكرما لمحاولة الضغط عليه أو إجباره على اتخاذ مواقف ترضينا أو إطلاق تصريحات منحازة لنا! حتى لو قامت إسرائيل وأجهزتها المختلفة بارتكاب ذلك!.
وقال..نعلم أيضا أن قداسته مطلع تماما على كل ما يسمى بحوار الأديان الذي نقيم من اجله المؤتمرات ونعقد الندوات ونخرج بعدها بلا شيء رغم حسن النوايا لأن المطلوب ليس بالحوار بل بالحياد، حياد الأديان وعدم تدخلها في الشؤون السياسية وإفساد قلوب المؤمنين وتعميق الضغائن فيما بينهم، فالأصل في القاعدة الذهبية لكم دينكم ولي ديني أما بعد ذلك فتجمعنا الإنسانية بمبادئها الأساسية غير المختلف عليها وقد حظيت هذه المبادئ بتاطيرها منذ أكثر من ستين عاما بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي لم يأت عفو الصدفة ولا نتيجة من نتائج الحرب العالمية الثانية الكارثية بل جاء خلاصة لنضال البشرية عبر القرون...
وأخيرا.. نقول لقداسة البابا بندكتوس السادس آهلا وسهلا بك في الأردن وفي فلسطين..
وقال السيد عقل بلتاجي وزير السياحة الأسبق سأحاول أن ابدأ بالإجابة على سؤال وضعتموه في المقدمة وهو لماذا البابوات الثلاث يبدأون رحلة الحج من الأردن؟ الأردن الأرض الجغرافية كما هي اليوم، هي بزوغ فجر الإيمان، وهي التي تشرفت بأقدام الأنبياء، والرسل، من إبراهيم عليه السلام عندما عبر إلى فلسطين، وكذلك يعقوب وعودة إبراهيم لإنقاذ ابن أخيه لوط، وتوقف بها ودُفن حيث لم يعثر احد على قبره. موسى عليه السلام، كما هو في إصحاح الملوك الثاني، وبعد ذلك كان ليوحنا أيضا متابعة لموقع اختاره الله لإيليا عليه السلام وهو ابن الأردن المولود في لستب عجلون، بعد أن ذهب إلى الكرمل، وانتصر عليهم وعاد عن طريق أريحا ليصل إلى موقع يسمى لليوم باسمه، وعلى الخرائط التركية التي وُجدت في عام 1640 و1650 تل النبي الياس، ليأتي يوحنا المعمدان متقفياً خُطى الياس بعد صعوده إلى السماء.
رحلة المسيح
ونعرف أن يوحنا أيضا فيه روح الله لأنه جاء بإرادة إلهية لزكريا لتحضير المؤمنين وتحضير الطريق للمسيح عليه السلام والذي بدأ رحلته التبشيرية الإيمانية، رحلة المعجزات، في الأردن وفي أم قيس بالتحديد، في جدارا، وقصة الخنازير والقطيع الذي دفع بروح الشريرة التي انتابت احد الناس الموجودين التي نقلها من هذا الرجل إلى هذا القطيع ليقفز من الجدار جدارا وهي كلمة تعني بالآرامية الجدار أو الكليف.
وبعدها ليأتي مروراً بطريق إن لم يكن مواز بل كان على نهر يبك ،وهو سيل عمان الذي ينبع من قلب العاصمة عمان ليتجه شرقاً إلى الزرقاء شمالاً ثم إلى جرش وغرباً ليصب في نهر الأردن، وهو المكان الذي صارع فيه يعقوب الآلهة والملائكة ليكتسب اسم إسرائيل، يعقوب وهو إسرائيل لذلك عندما نتكلم عن بني إسرائيل في الأدبيات فإننا نتكلم عن أبناء يعقوب.
وأضاف أن المسيح جاء في هذا الطريق ليصل إلى تل الياس، ووادي الخران، والنبع الطيب العذب الوحيد ما بين طبريا والبحر الميت، ولا يوجد نبع آخر بين طبريا والبحر الميت على ضفاف النهر لا شرقيه ولا غربيه إلا هذا النبع.. الذي يسمى نبع يوحنا، وهو الذي عُمّد في الأردن،أي النهر والأردن هي الحوض وهي هذا الماء لان الغُسل عند اليهود هي المكفة ، وهي عبارة عن بركة مياها غير جارية، ورفض يوحنا أن يُغسل الجسم بالطهارة إلا بماء من نبع لم تُدسه أقدام، والنبع جار من رأس العين كذلك عمّد في عين سالم، عند قهوة حنا الطريق القريب إلى الشونة، حيث كان الماء وفيراً.
هناك بدأت الرسالة السماوية المسيحية.. هذا هو ابني الذي أحببت وبه سررت، ونزلت روح القُدس بالطائر الأبيض في الوقت الذي كان يُعمّد به المسيح من سيدنا يوحنا المعمدان ؟ يحيى عليه السلام.
الرؤية النبوية انطلقت من الأردن
وقال، أضع توثيقاً لقدسية هذه الأرض التي تجعل أي إنسان يفكر بالمرور أو الحضور أو الحج أن يأتي، ويتبع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وهو يافعاً ليأتي إلى أم الرصاص، إلى ميفع ، وهناك جرى لقاؤه مع الراهب بحيرى وليس في مكان آخر، وميفع تقع على مجرى ماء يأتي من الصحراء، ويأتي إلى الرميل ؟ الهقيش وهذا الطريق المتبع وقد إلى هناك مع عمه وكان اللقاء الذي قال فيه بحيرى عندما تكلم هذا الغلام قال أنه سيكون له شأن.
إذن.. الرؤية لنبوءة محمد عليه السلام كانت من هنا في الأردن. إن الاردن مهد للديانات التوحيدية الثلاث.. وبعدها يصل الرسول عليه السلام إلى مشارف العقبة ما بين تبوك والعقبة ليلقى يحيى بن رئبة المطران العربي الأصيل والذي تبادل معه الهدايا والذي كان أول عهد يُعطى لعرب الأردن القاطنين في هذا الموقع، العرب المسيحيين الغساسنة.. هؤلاء الناس الذين كانوا قبل ذلك زينْون وزينان فتيان الكهف ؟ شهداء المسيحية ؟ اللذين قُتلا على يد الرومان ؟ زينون من السماكية وزينان من عمان، فكانوا السبب في اللقاء الحربي ما بين النبي صلى الله عليه وسلم او العرب وهرقل الذي خاطبه الرسول بالقول من محمد بن عبدالله إلى هرقل عظيم الروم.. ولم يقل يا أردنيين يا مسيحيين يا غساسنة.. قال الروم.. كما كان للمناذرة كانت المكالمة مع كسرى الفرس، وقال له اسلم تسلم، فان توليت حمّلتك دم الارثيين او الإسيين أو الاسنيين تلفظ بالألفاظ الثلاث لكنها تعني شهداء المسيحية فتيان الكهف، يريد أن يأخذ بثأرهم للعرب المسيحيين هنا في الأردن، وكان هذا العهد الذي أعطي ليحيى بن رئبة أول عهد يعطى للمسيحيين العرب، وجاءت كفزعة وبعد ذلك خطاب أبي بكر في الجيوش التي غادرت لا تقتل
وا لا تهدموا لا تقطعوا.. وتأكيدا على الأديرة والكنائس والرهبان.. وبعد ذلك عمر وكلهم مروا حتى النبي صلى الله عليه وسلم في حادثة الإسراء والمعراج شرّف أجواء الأردن وسماءه ، وعندما عاد وسُئل أنت لم تذهب يا محمد الى القدس.. اعطنا إشارة قال غادرتها ووجدت على يساري على التلة الحمراء موسى يصلي، والتلة الحمراء هي مادبا وجبل الصياغة والتراب الأحمر والذي كلنا نأخذه من تلك المنطقة.
الأردن طريق الأنبياء
هذا كله.. الآن يأتي إلى أن تعود هذه البلاد وتحظى برعاية هاشمية تمتد إلى نبوة محمد عليه الصلاة والسلام، والى اشرف القبائل وأعظمها قريش وهي التي كانت من ضمن العرب الذين سكنوا البتراء، وهم من أحفاد عدنان وأحفاد إسماعيل الابن الأكبر لإبراهيم، هذه أيضا الصلة الروحية الموثقة تعطي هذا البلد قدسية ومكانة تفرض على كل من يريد الحج إلى الأراضي المقدسة أن يمر بها ويتقدس بترابها.
والآن نرى بأن أول بطريرك أردني في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية مادبوي أردني هو فؤاد الطوال.
إن ما ولجت إليه في البداية في السياسة والزيارة الاجتماعية الدينية فإن أول نصارى وأول مسيحيي العالم هم الأردنيون وهم الذين هبّوا كما في متّى وكما في كل الأناجيل الأربع.. هبّوا الى المغطس.. هبّوا إلى وادي خرار هبّوا إلى بيت عنيا وجاءوا من أنحاء الأردن، فهذه البداية.. فإذا جاء قداسته جاء للبداية وجاء للجذور.. وجاء لحماية فريدة إذ علّمنا الحسين العظيم الراحل بأن هذه الآثار وهذه المواقع ملك للإنسان وليست لإنسان.. ونحن نتشرف أن نكون السَدَنة لهذه المواقع الدينية.
وقال الدكتور رؤوف أبو جابر، رئيس الجمعية الأرثوذكسية، رئيس النادي الروتاري في عمّان، لقد واكبت الحوارات الإسلامية المسيحية منذ أكثر من 30 سنة والفاتيكان صادق في توجهه نحو الحوار الإنساني البناء. وهنالك وكالة خاصة رأسها لأكثر من 15 سنة الكاردينال ارينزي وهو من غرب أفريقيا، والفاتيكان الذي يمثل الجزء الأكبر من المسيحية مختص بحوار الأديان بشكل خاص مع المسلمين ويظهران هناك اتهامات متبادلة، المسلمون يتهمون الفاتيكان بالتبشير والفاتيكان يتهم المسلمين بالتبشير، هناك مناطق جنوب السودان، وغرب أفريقيا والشرق الأقصى مختلف عليها، والفاتيكان له هذه الأهمية في العالم فهو يمثل أكثر من بليون شخص، والدين المسيحي احد الأديان الموحدة الثلاث، وأهميته تنبع من هذه العلاقات، مع اليهودية من جانب ومع الإسلام من جانب آخر.
متاهة الخلاف العربي الإسرائيلي
النظرة التاريخية للفاتيكان ترى أن الأراضي المقدسة يجب أن تكون مفتوحة لجميع الموحدين لله، وللفاتيكان موقف في هذه الأمور من الناحية السياسية، على اعتبار انه دولة أوروبية، ولكن تواجهه صعوبات مع اليهودية بسبب اتهام اليهود له لعدم قيامه بالواجب الإنساني المفروض عليه أثناء تعرضهم للكارثة إبان الحقبة النازية وحاول الفاتيكان أن يصلح الأمور من خلال الاعتراف بالمحرقة وتبرئة اليهود من دم السيد المسيح، ولكن في نفس الوقت، كان، أي الفاتيكان، يشعر بمدى الغبن ومدى الإجحاف والعنف الذي حصل للفلسطينيين في فلسطين. وفي الجانب الإنساني لم يقصر إطلاقا على مدى 50 عاما ماضية في لفت النظر إلى أهمية المعاملة اللائقة للمدنيين، رغم محاولته الدخول في متاهة الخلاف العربي الإسرائيلي. والعرب في بعض الأحيان لم يكونوا على انسجام مع المواقف، خصوصاً بالنسبة لموضوع تدويل القدس في المرحلة الأولى، واليهود لم يكونوا مسرورين من هذه المواقف على اعتبار أنها كانت تميل إلى الجانب العربي.
وقال، أن الفاتيكان كان متوازياً، وهو هيئة كبيرة لها جميع الإمكانيات للحكم على الأشياء بتوازن وعقلانية ولمنفعة الهدف الإنساني الذي تتوخاه الكنيسة كما في الدين الإسلامي، في الدين المسيحي، العامل الإنساني هو الأهم وخدمة الإنسان، كما في رفاهيته وراحته وإيمانه، كلها عوامل ونوازع جعلت الفاتيكان يقوم بواجبه بكل توازن وإتقان. والفاتيكان يدرك أن العرب عموماً على تسامح كبير، ويقدرون التوجه العربي نتيجة للعهدة العمرية في القرن السابع، والعيش المشترك في الأراضي المقدسة (العرب المسيحيين والمسلمين) منذ العهدة العمرية وهي مثال يحتذى. وليس غريباً الاهتمام الذي يبديه الفاتيكان بفلسطين والأردن بشكل خاص، لأن الحياة المشتركة بيننا حياة فريدة من نوعها وهي ظاهرة ممتازة للعالم ككل.
وأضاف أن هناك أمر هام بالنسبة للفاتيكان هو تقديره للجهود التي بذلها الأردن في اكتشاف المغطس، وتوجيه الأنظار إلى هذا الموقع المقدس الذي شرفه السيد المسيح في فجر المسيحية.
الظلم والعدوان يجب أن يزولا
وأشار أن في البدايات كنت اسمع من الفاتيكان بعض التشكيك، وكانت هنالك محاولات من بعض الكنائس بإبقاء الأمور على حالها، ويقولون أن المغطس في الضفة الغربية ولا داعي لأن نفتح مشاكل، ولكن بعد أن أكدت الحقائق العلمية والتاريخية والأثرية، حقيقة أن المغطس يقع على الضفة الشرقية للنهر، أكد الفاتيكان في مواقفه أهمية المواقع المسيحية المقدسة عبر النهر لشرق الأردن (النبي ايليا، المغطس، جبل نيبو، صياغة، كنيسة مادبا). هذه الاهتمامات التي ظهرت منذ عشر سنوات قوّت رغبة الفاتيكان بأن يكون له علاقات ممتازة مع هذه المنطقة لأنها جزء من الأراضي المقدسة، وهم يريدون أن يظهروا للعرب عبر الأردن بأنهم إنسانيا معهم وان الظلم والعدوان يجب أن يزولا والاحتلال البغيض يجب أن ينتهي، ولكن في نفس الوقت هم، أي الفاتيكان، مقيدون بسبب الظروف والأوضاع السياسية في العالم والمنطقة وبخاصة العرب نتيجة لما حصل في أميركا عام 2001 وبعد رحيل بوش الابن شعروا أن القضية يجب أن تؤخذ بشكل جدي ويمكن للفاتيكان أن يؤدي دورا ذا فائدة كبيرة من خلال علاقاته الودية مع جميع دول العالم.
وأكد أبو جابر بان الزيارة في أساسها دينية إنسانية، وليس لها أي مدلول سياسي وانه يجب أن يزول هذا العنف والعدوان وأن تنعم ارض السلام بالسلام.. لأن الأراضي المقدسة التي جاء السيد المسيح وبشّر فيها ومات من اجل خلاص نفوس أهلها.. يجب أن تكون مركز للسلام.
وقال السيد أكرم مصاروة
قبل الشروع في بيان الأهمية السياسية والدينية لزيارة قداسة البابا بنديكتوس السادس للأردن، فإنه لا بد من تمهيد لفهم الأرضية التاريخية التي قامت عليها العلاقات المختلفة بين الكنيسة الكاثوليكية وهذه المنطقة في الوطن العربي والظروف التي أحاطت بنشأة المؤسسات الكنيسة اللاتينية وفي مقدمتها إنشاء البطريركية اللاتينية في القدس، باعتبارنا كأردنيين مسيحيين تابعين لهذه البطريركية التي يجلس على كرسيها الأورشليمي الآن ابن محافظة مادبا البار غبطة البطريرك فؤاد الطوال وكوننا أيضا قد تأثرنا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بالأوضاع التي أفرزتها تلك الظروف التاريخية التي حكمت العلاقات الكاثوليكية العربية وتأسست في ظلها البطريركية اللاتينية في القدس.
وأضاف الأهمية السياسة للزيارة البابوية.
نشأت البطريركية اللاتينية في القدس في ظل حدثين تاريخيين أثرا على منطقتنا سياسيا ودينيا وهذان الحدثان هما:.
1- الحروب الصليبية.
2- الانقسام الذي حصل في الكنسية عام 1054.
وقال..وقد شكلت الحروب الصليبية حساسية تاريخية في منطقتنا العربية الإسلامية ضد الغرب عموماً ليس فقط بين المسلمين من مواطنيها بل طالت أيضا الغالبية العظمى من العرب المسيحيين من مواطني الوطن العربي، وما زالت بعض أصداءها تتردد إلى اليوم، ولم تقبل هذه الشريحة المسيحية العربية المحاولة المشبوهة لمقارنة الحروب الصليبية بالفتوحات الإسلامية ذلك أن الأهداف والدوافع في كلا الحدثين التاريخيين مختلفة تماما، فالحروب الصليبية هجمة استعمارية على هذا المنطقة لها أهدافها السياسية والاقتصادية والدينية بينما شكلت الفتوحات الإسلامية حركة دعوة لدين جديد هو في منظور أهله رحمة للعالمين فكان من الواجب نشره في أي بقعة في العالم يستطيعون الوصول إليها.
الحملات الصليبية
وأشار..وإذا كان بعض الباباوات قد ارتبط أسماؤهم ببعض الحملات الصليبية، وكان لهذا الارتباط أصداء سلبية، ارتدت على العلاقة بين أتباع الديانتين في منطقتنا العربية ، فإن العمل الدءوب الذي قام به العلماء والمفكرون المسلمون، وآباء الكنيسة الأرثوذكسية، لإعادة تأسيس العلاقة بن الديانتين وأتباعهما في العالم، على أسس حضارية ، قائمة على تأكيد المشترك الديني بينهم، ثم التعاون الوثيق في مواجهة القضايا الإنسانية المختلفة التي تواجه عالم هذا العصر كالفقر وقضايا المرأة وحقوق الطفل والدفاع عن كرامة الإنسان وغيرها من الأمور التي حازت على تقدير ودعم كل المؤمنين، لوضع هذه العلاقات المتطورة ايجابياً، في خدمة قضايانا الوطنية والقومية العادلة، وفي مقدمتها القضية العربية الفلسطينية.
وقال..صحيح أن الفاتيكان لا يملك الدبابات التي تساءل عن عددها احد أقطاب القرن الماضي، لكنه يملك نفوذا معنويا واسعا، في أوساط رسمية وحزبية ونقابية واجتماعية، على امتداد العالم المسيحي، ومن مصلحتنا العمل على كسب تأييدها ودعمها، وحشد الرأي العام العالمي للوقوف في صف الدفاع عن حقوقنا وقضايانا المختلفة، خصوصا رفع الظلم عن الشعب الفلسطيني ، واحترام حقوقه الشرعية في أرضه، وضمان سلامة الأماكن المقدسة وحرية الوصول إليها.
ويضيف..ولا ريب أن الكنيسة الكاثوليكية وعلى رأسها قداسة البابا، من أهم المؤسسات التي تستطيع أن يكون لها دور حاسم في هذه القضايا، وامتداد لهذا الموضوع، فان الوجود العربي المسيحي، الذي نأى بنفسه عن الانجراف في نشاطات الحروب الصليبية وبقي أمينا لأمته وقوميته العربية، مدافعا عن أرضها وحقوقها ووجودها ضد الصليبيين الغزاة، هذا الوجود العربي المسيحي، ضرورة وطنية وقومية علينا اعتبارها واحدا من أهم أسلحة المواجهة ضد أطماع الصهيونية في منطقتنا العربية. وهو ؟ أي الوجود العربي المسيحي- جزء لا يتجزأ من الهم العربي والمصير العربي، وقادر ان يؤدي دورا مهما في شرح المخاطر التي يتعرض لها وطننا العربي، وفضح الادعاءات الإسرائيلية الزائفة، ومن هنا يجب أن نفهم الموقف الإسرائيلي من الوجود المسيحي في الشرق عامة، وفي الوطن العربي وبصورة خاصة في الدول المؤثرة كالعراق وغيرها، وفي هذه النقطة بالذات يستطيع الفاتيكان وعلى رأسه قداسة البابا أن يقوم بدور بالغ الأهمية في تجذير الوجود المسيحي في الوطن العربي.. ومن هنا أيضا يجب أن ندعم ونثمن جهود جلالة الملك في توثيق العلاقات مع الفاتيكان ومع باباواته المتعاقبين.
النبي موسى اطل على فلسطين
ويقول...هذا سياسيا، أما دينيا، فان الزيارة، تؤكد أيضا على المكانة الدينية للوطن الأردني في العقيد المسيحية ،هنا عاش السيد المسيح وتعمد في المغطس وهنا عاش يوحنا المعمدان... المبشر الأهم بالسيد المسيح، وفي مكاور قطع الحاكم الروماني رأسه ودفنه فيها ومن جبل نبو اطل موسى على ارض فلسطين دون أن تطأها قدماه..
فهل فينا من فكر في الأبعاد التاريخية والدينية والسياسية، لوقوف موسى على تخوم فلسطين، وعدم دخوله إليها، وهو القائد التاريخي الذي قاد الهجرة اليهودية من مصر إلى هذه الربوع... وترك جموع اليهود تدخل فلسطين، ليعيشوا مواطنين عاديين، في اكناف السماحة العربية، قبل أن تستولي الحركة الصهيونية على الوجدان اليهودي، وتصيغ له إطارا سياسيا استهدف حقوقنا واحتل أرضنا متناسيا ومتجاوزا المعاني العميقة، لوقوف موسى على تخوم فلسطين دون أن تطأها قدماه؟؟ في الوقت الذي يحرص فيه كل بابا كاثوليكي يزور الأردن، أن يقف في نفس الموقع والمكان الذي وقف فيه موسى على جبل نبو، ويتأمل كيف سارت أحداث التاريخ وسيّرتها الصهيونية العالمية، لاحتلال أرض الغير وطرد شعبها وأهلها منها ، وكيف أن أطماعهم قد امتدت إلى تهجير مسيحي الشرق وإلغاء دورهم في الصراع القومي ضد الأطماع الصهيونية ومن هنا ندرك الأهمية الدينية لزيارة قداسة البابا للأردن وحرصه على إرساء حجر الأساس للجامعة الكاثوليكية في محافظة مادبا.
أهمية اقتصادية
من جهة أخرى فان الأهمية الاقتصادية المباشرة لهذه الزيارة فهي اتجاه قطاع السياحة ومن أهم تجلياتها:.
فعلى المستوى الوطني فان مواقع الحج البابوي، من المغطس إلى جبل نبو وغيرها من الأماكن يجعل هذه المواقع هدفا رئيسيا وركنا مهما من مكونات السياحة الداخلية للمواطنين الأردنيين، وكذلك مقصدا سياحيا مهما أيضا للسياح العرب والأجانب مما يزيد من نسبة نمو الداخل السياحي في الناتج الإجمالي المحلي.
من هذه الإطلالات السياسية والدينية والاقتصادية، يجب علينا جميعا ان نرحب بهذه الزيارة البابوية الهامة ونبرز وحدة النسيج الوطني الأردني، وفكره وعواطفه الايجابية تجاه هذه الزيارة والزائر الكبير.
ومن الآثار الدينية بالغة الأهمية لهذه الزيارة هذه الروح الوطنية التي تسود جميع الذين هم منخرطون الآن لأعداد لزيارة البابا في محافظة مادبا فلجنة الأعداد لاستقبال قداسته غالبية أعضائها من المسلمين ويترأسها في الجانب الرسمي منها عطوفة محافظ مادبا وفي جانبها الشعبي معالي الدكتور فواز أبو الغنم ويقود فريق إعداد المدينة إعدادا لائقا بهذه الزيارة سعادة رئيس البلدية المسلم عارف أبو راجوح وينافس الموطنون المسلمون إخوانهم المسيحيين في حشد الطاقات وأعداد اللافتات والأعلام اللازمة لاستقبال قداسته.
وفي تعليق له قال الزميل الأستاذ طارق مصاروة :
فيما يخص موضوع الفاتيكان والصهيونية في القرن العشرين.. الحقيقة الاتفاقية تمت بين الفاتيكان ودولة ايطاليا التي كانت حينذاك مملكة، ومع قدوم موسوليني نشأة دولة الفاتيكان وتحديد حدودها.. في ذلك الوقت، إذا أردنا أن نعود إلى تاريخ علاقة الكنيسة بالصهيونية، سمح البابا بقراءة العهد القديم في ذلك الوقت، وكأنه كان يحاول أن ينفض قليلاً عن كتف اليهود، لأنه كان لهم نفوذ في ذلك الوقت، وهذا النفوذ كان موجوداً قبل مؤتمر بال 1897 فهو منذ عهد نابليون، والشيء الآخر عندما جاء البابا بولس السادس في أول زيارة حبرية للمنطقة عام 1964 قبلها بفترة قصيرة صدر قرار بأن اليهود الحاليين لا يحملون ذنب المسيح.. وهم قالوا ذلك.. فاليهود دمه علينا وعلى أبنائنا.. ففي ذلك الوقت حدثت قصة البابا بيوس الثاني عشر الذي قام بتجهيز 120 ألف جواز سفر ليهود اوروبا ليرحلوا إلى جنوب أميركا.. نتيجة لنفوذ البابا في تلك المنطقة.. ولأنهم كانوا كاثوليك.. وهو الوحيد الذي قام بمساعدة اليهود وعندما قاموا بسبه احضروا كاتباً المانياً هو هوخود وعرض مسرحيته (نائب المسيح على الأرض) وهو الذي أخذ يقول لماذا لم يتكلم البابا.. والحقيقة التي يخفيها اليهود أيضا أن هتلر وحر
كته النازية كانت ضد الكنيسة الكاثوليكية ولأن النازية دين كان ما يهم هتلر هو إلغاء الكاثوليكية.
وعندما دخلوا النمسا قاموا بتدمير مطرانية المنطقة وكانوا ضد الكاثوليك.. فلم يكن من الممكن من بيوس الثاني عشر أن يقول لهتلر قف مكانك.. ولم يكن احد يستطيع الوقوف في وجه هتلر.
فهو الوحيد الذي قام بمساعدة اليهود وكان اليهود يتمنون أن يُقتل اكبر عدد ممكن منهم حتى يذهبوا إلى فلسطين حتى يتخلص منهم.
اعتقد الآن أن هناك توازناً في العلاقات بين الفاتيكان وإسرائيل ويمكن أن يكون التوازن أقوى لو كنا أقوى.. مع إسرائيل وأميركا وأوروبا.
وتحدث الزميل محمد رفيع وأشار إلى أن الموقف الرسمي والدبلوماسي من زيارة البابا إلى المنطقة والى الأردن واضح وعلى هذا الصعيد يدرك دوره كيف يُستقبل وماذا سيفعل.
أما موقف الأفراد والجماعات.. فلكل فكره الخاص، السياسي الديني فحق الناس أن تختلف وحق الناس أن تكون مع أو ضد الزيارة.. فقبل عامين كانت زيارته لتركيا موضع اختلاف ولا تقل أهمية زيارته لتركيا عن زيارته للمنطقة، الناس خرجت للشوارع احتجاجا ورجب طيب اردوغان كان متردداً في استقباله رسمياً واتخذ قراره في اللحظة الأخيرة لاستقباله.
فالمنطقة برمتها وليست الأراضي المقدسة بما فيها الأردن قلقة ومتوترة ومشدودة بعد أن اجتاحتها امبراطوريات بأعتى ترسانة في التاريخ.. ترافق مع هذه الحراثة السياسية والعسكرية في المنطقة، حراثة ثقافية ودينية، فكل مخزون المنطقة من تماسك تم تفسيخه بالكامل.. فأطلقت التيارات والنزاعات والنعرات بالكامل.. فالناس تتكلم الآن بحروب فرنجة.. وبحروب صليبية وبأحقاد دينية وبعصبيات وكل ذلك مباح الآن بعد خلخلة المنطقة وإباحة الفوضى غير الخلاقة فيها.. فالحديث يجري عن أهمية زيارة البابا سياسيا ودينيا فعنوان زيارة البابا حج طبيعي لبابا الفاتيكان رأس الكنيسة الكاثوليكية ويزور ألاماكن المقدسة مترافقة مع هالة سياسية ودينية كبيرة وهذا طبيعي والحد الأدنى أن تناقش الزيارة السياسية لقداسة البابا بهذا الشكل.. من يمنع أي مسلم أومسيحي عربي أن يتذكر أن الفاتيكان، صحيح هي مؤسسة دينية وموجودة منذ العام 1925 هي أيضا مؤسسة سياسية يعني أن لها وزناً سياسياً.. أي علاقات دبلوماسية، توجد جوازات سفر وممثلون رسميون، يعني هي جزء مع الاختلاف البسيط من الدول التي تشكلت بعد الحرب العالمية الأولى.. توجد دول بعمارة مثلا دولة فرسان مالطا بعمارة بروما في ايطاليا..
من يمنع أي عربي مسيحي أرثوذكسي أو مسلم ان يرى أن زيارة البابا بالمعنى السياسي او الديني هي الثالثة لبابوات الفاتيكان منذ إعادة تأسيس البطريركية اللاتينية في القدس منذ العام 1847. وحينما نستعرض عبر أكثر من 150 سنة نرى أن رؤوس هذه الكنيسة زاروا هذه المنطقة الجغرافية المقدسة بكل المتغيرات السياسية التي حدثت عليها كانت هناك امبراطوريات.. مالية وعسكرية وحضارية انهيار صار هناك استعمار صار دول جديدة.. منذ العام 1847 عندما قرر مجمع نشر إيمان في روما إعادة تأسيس البطريركية بعدما نجحوا في اتفاقات مع الدولة العثمانية.. بعد اكثر من 100 عام أي في العام 1964 اول بابا يزور المنطقة وهو بولص السادس وفي العام 2000 البابا يوحنا بولص الثاني.. والآن قداسة البابا بندكتوس السادس عشر..
قادم هو شخصياً وليس كبابا فاتيكان فقط ويحمل على ظهره مجموعة هائلة من الأسئلة التي أثارها وشارك بشكل او بآخر على ما أُصطلح على تسميته بالحملة الموجهة ضد الإسلام وربطه بالعنف.. في محاضرة بألمانيا في العام 2006.
فمنطقة الأرض المقدسة تعرضت إلى حربين شرستين الأولى في لبنان والثانية في غزة وهي جزء من جغرافيتها ورعيته جزء منها أيضا.. بشكل أساسي وهو معني ان يقوم بزيارتهم.
المنطقة ليست هادئة.. العلاقات السياسية والدبلوماسية بين الفاتيكان كدولة وبين دولة إسرائيل والتي بدأ الحوار فيها عبر لجنة دائمة أُقترح او تم الاتفاق على ان تكون دائمة.. والتي لم تبدأ الا بعد ان وقع الفلسطينيون أنفسهم على اوسلو في العام 1994 وتطورت أعمال اللجنة 1997 و1999 و2000 ولم تحسم حتى اللحظة العلاقة القانونية والسياسية بين دولة الفاتيكان وبين دولة إسرائيل بما في ذلك ممتلكات الكنيسة الكاثوليكية في كامل عموم فلسطين يعني قدوم قداسة البابا سيتعاطى مع دول سياسية موجودة ويتعاطى مع رعية موجودة لا يرى في الدول السياسية حدود تعيق سلطته الدينية.. وهو مضطر دبلوماسياً وسياسياً بأن يتعاطى معها.
فالمنطقة بأكملها حقول الغام.. حقول الغام دينية، حقول الغام. سياسية فحتى اللحظة من التاريخ الحديث لزيارة البابوات للمنطقة ان تكون الزيارة لها آثار ايجابية ليس بالضرورة ان الحد الادنى لن يتحقق من هذا الكلام.. لأن كل الإطراف السياسية والشعبية متوترون ومشدودون وخارجون من حربين بشكل اساسي. وقرر هو من دون ضغوط استثناء المرور بمنطقة غزة الخارجة من حرب حتى يقع في مطبات سياسية سواء مع دولة اسرائيل.. او الناس الموجودين في غزة.
طبيعي أن تثار كل الأسئلة، وطبيعي أن تُحكى بلغات ولهجات أكثر حدة وأكثر تعصباً وتطرفاً والأكثر طبيعية أن تُسمع هذه الهواجس وهذه المخاوف وان تُهدّأ والا تُدفع باتجاه التطرف ولكن بعقلانية.. وليس عبر حرمان الناس من ابداء وجهة نظرها او رفضها لزيارة البابا او تحفظها او حتى محاولات احراجه..
وخلاصة القول، هذه الزيارة بالغة الأهمية ببعديها السياسي والديني، ولكنها ليست سهلة، خصوصا وأحوال المنطقة على هذا النحو من الخراب والتفكك، وهناك صعوبة بالغة في مهمة الحبر الأعظم في تحقيق الحد الأدنى من مقاصده أو من آمال الناس في المنطقة.