مصير المبادرة العربية للسلام

22/05/2008

عندما طرحت المبادرة العربية في قمة بيروت للعام 2002 ببيروت لم تكن هذه المبادرة اكثر من مجرد خريطة طريق تقدم مقاربة تدريجية للوصول إلى توافق بين الإسرائيليين والفلسطينيين بشكل خاص والعرب بشكل عام ، كما أنها لم تكن تفرض شروطاً عربية أو فلسطينية مسبقة على الجانب الإسرائيلي ، ناهيك عن انها لم تكن تضع إطارا محددا جديدا لمفاوضات السلام غير ذلك المتضمن في خريطة الطريق التي تدّعي إسرائيل بأنها تدعمها دعماً كاملاً، وهو الاطار الذي يستند الى اعتبار العودة إلى حدود هدنة ما قبل 1967 كشرط أساسي للبدء بمفاوضات حول إعادة ترسيم هذه الحدود ، وقيام عاصمة الدولة الفلسطينية في القدس الشرقية، وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين.

فقد نصت المبادرة العربية على تطبيع علاقات الدول العربية مع إسرائيل في مقابل انسحاب الدولة العبرية من الأراضي العربية التي احتلتها منذ 1967 بما فيها الجولان والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان، الى جانب قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وتسوية مسألة اللاجئين الفلسطينيين وهذه المسائل المحورية الثلاث بعينها لم تكن من اختراع او ابتكار العرب او حتى مفروضة منهم وانما هي تمثل بالاصل الأسس المعترف بها دوليا لإطلاق مفاوضات السلام، حتى أن الادارة الامريكية كانت قد اكدت مرارا وبمناسبات مختلفة أنه لا يمكن لإسرائيل المس بأي منها أو تعديلها منفردة.

ويمكن في هذا الاطار الحديث عن ثلاثة طروحات او وجهات نظر مختلفة عرضت في جوهرها للمبادرة العربية للسلام ورد الفعل الاسرائيلي وتعامل القوى الكبرى والمجتمع الدولي مع هذه المبادرة حيث رأت أولاها: ان السلام مع اسرائيل امر ممكن وان اخذت المسألة وقتا اطول وان المبادرة العربية التي تقوم على مبدأ الاض مقابل السلام هي تتويج للجهود التي بذلت من اجل السلام ، وهي تأتي استكمالا لما تم انجازه من معاهدات واتفاقيات سلام عربية اسرائيلية - وصولا الى تحقيق سلام عادل وشامل سيثمر في النهاية عن قيام الدولة الفلسطينية على التراب الوطني الفلسطيني واسترجاع الحقوق والأراضي السورية واللبنانية المحتلة.

فيما رأت وجهة النظر الثانية ان اسرائيل دولة لا تهتم بجوهر السلام بقدر ما تلعب لعبة السلام لمجرد كسب الوقت والتأييد لتغيير الواقع على الارض وتحقيق مزيد من المكاسب على مستوى الواقع المحلي والاقليمي والدولي، بدليل المكاسب التي حققتها منذ نهاية حرب عام 1973 رغم انها تعلن ظاهريا انها تريد السلام مع جيرانها العرب.

ويضيف اصحاب وجهة النظر هذه ان اسرائيل والصهيونية العالمية لا تحترمان المواثيق والمعاهدات الدولية وخاصة ما يتعلق منها بعملية السلام، بدليل انه رغم التنازلات المؤلمة التي قدمها العرب في سبيل تحقيق السلام الا ان اسرائيل لا زالت تماطل وتتنصل من التزاماتها تجاه عملية السلام.

في حين رأت وجهة النظر الثالثة وتقول ان اسرائيل وبأعتبارها رابع اكبر قوة في العالم وهي تملك ترسانة اسلحة نووية متطورة وسلاح جو قادراً على ضرب أي هدف في المنطقة وخارجها، وان اجبارها على او جرها الى أي مبادرة او عملية سلام يحتاج الى قوة ردع تكافىء القوة الاسرائيلية وهذا ما لا يملكه العرب في الوقت الحاضر الامر الذي يكون في ظله الحديث عن المبادرة مبادرة عربية للسلام امراً ليس منه جدوى.

من هنا فقد حاولت هذه الندوة التي عقدها مركز الرأي للدراسات وحضرها عدد من السياسيين والمفكرين والكتاب والمهتمين البحث عن اجابة للتساؤل المتعلق بمصير المبادرة العربية للسلام من خلال قراءة المبادىء التي طرحتها المبادرة العربية للسلام واستشراف مستقبلها في ضوء وجهات النظر المطروحة والضروف والتحديات والتفاعلات والمعطيات الاقليمية والدولية المتاحة حاليا والمتوقعة مستقبلا.

ادار الندوة : د.خالد الشقران

22/5/2008

خرّوب: المباردة ليست جزءا من جدول اعمال دولي او اقليمي أو ثنائي

في بداية الندوة قدم الكاتب والمحلل السياسي محمد خرّوب ورقة حاول فيها الاجابة على سؤال الندوة الاساسي ما هو مصير المبادرة العربية للسلام؟ حيث قال فيها : حين تم تكليفي بالاجابة او الكتابة حول هذا السؤال.. طرحت على نفسي سؤالين بدل ان اجيب على سؤال مركز الرأي للدراسات.. هل ما تزال المبادرة هذه مطروحة على الطاولة وهل يستعد الذين طرحوها لسحبها من التداول؟... لا ارغب في الدخول الى حقل الغام، فكل ما في المشهد العربي من صعوبات وتعقيدات وهوس أمني، لا يمنح أحداً مثل هذا الترف، لكن استمرار الحديث عن مبادرة السلام العربية وارجو ان استميحكم العذر في استخدام كلمة أو مصطلح المبادرة بديلاً عن اسمها الطويل الذي يبعث على التشاؤم والاحباط ويعكس في جملة ما يعكس العجز وفقدان الحيلة والارادة.. اقول: استمرار الحديث عن المبادرة، يوحي بأنها جزء من جدول اعمال دولي أو اقليمي وحتى ثنائي، اقصد فلسطينياً واسرائيلياً، لكن واقع الحال يشي بعكس ذلك تماماً..

فلا احد يتحدث عن المبادرة بجدية، ومن يأتي على ذكرها في الجانب العربي انما يوردها في اطار بيان او مؤتمر صحفي مشترك وغالباً ما تكون موضع معالجات صحفية وبرامج تلفزيونية موجهة الى الجمهور العربي ليس الا..

نحن اذاً أمام عرض عربي جماعي سخي وان شئت مجاني لاسرائيل جرى تقديمه لها (وهنا ارجو ان الفت الانتباه الى مسألة مهمة وهي انني اناقش المبادرة التي تبنتها قمة بيروت في 27-28 اذار 2002 ولا اتطرق الى الملابسات والظروف التي رافقت طرحها من قبل ولي العهد السعودي (آنذاك) الامير عبدالله بن عبدالعزيز).

واضاف خرّوب ان قراءة التوقيت والمناخات الاقليمية العاصفة التي طرحت فيها المبادرة هذه، تكشف بوضوح عن الاسباب التي كمنت خلف طرحها، وعن العيوب والشوائب والنواقص التي حفلت بها، وايضاً عن قِصَرِ نظر الدبلوماسية العربية وفهمها لطبيعة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي والعربي الاسرائيلي والتسرع في طرحها دون مناقشة عميقة وتوقع ردود الفعل الاسرائيلية والاميركية وخلو المبادرة من موعد محدد للاستجابة اليها او رفضها وبالتالي التلويح بسحبها.. مجرد التلويح..

جاء طرح المبادرة وتبنيها لاحقاً على وقع احداث الحادي عشر من ايلول 2001 وبعد خمسة اشهر من غزو افغانستان واسقاط نظام طالبان ومطاردة فلول القاعدة، والاهم من ذلك اندلاع الحديث الاميركي عن ضربة عسكرية وشيكة للعراق، بهدف اسقاط نظام صدام حسين المتهم اميركياً واسرائيلياً بامتلاك اسلحة دمار شامل بفروعها المختلفة، وبعلاقة آخذة في التوثق والتصاعد و معلومات من مصادر عديدة، مع تنظيم القاعدة، الذي التقى أحد قادته بمسؤولين عراقيين رسميين على مستوى سفراء وصعوداً..

لم يكن احد في ذلك الوقت (عند طرح المبادرة ثم خروجها على العلن في نهاية اذار 2002 كعرض عربي جماعي للتطبيع مع إسرائيل) يجزم ان عاماً واحداً يفصلنا عن غزو اميركي بريطاني للعراق وبدون غطاء دولي، على شكل قرار من مجلس الامن الدولي، كتلك القرارات التي برعت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في استصدارها من المجلس لفرض عقوبات على العراق بعد احتلال الكويت في 2 آب 1990 ، وان الولايات المتحدة قد وضعت خطة سابقة في الادراج (قيد التنفيذ) لاحتلال العراق واعتباره منصة او قاعدة للانطلاق الى رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط، ترى في اقامة نظام جديد يقوم على الديمقراطية والتعددية واحترام حقوق الانسان تكفيراً عن خطأ ارتكبته الادارات الاميركية المتعاقبة طوال ستة عقود قدمت فيه الاستقرار الاقليمي (الذي يعني بقاء الانظمة التي تصفها الان بالاستبداد) على القيم الديمقراطية والمثل الانسانية..

غبار قصف وتدمير افغانستان وحملة التخويف والتهديد بالانتقام بعد تدمير البرجين وبعض اجزاء البنتاغون واصداء الحملة التي بدأت للتو ضد التعصب الاسلامي والتخلف العربي والمجتمعات المغلقة والمناهج التي تعلم الكراهية والحقد ورفض الاخر.. هي التي وقفت خلف تبني المبادرة وعجّلت بطرحها على النحو الذي رأيناه، متسرعاً وفاقداً للحصافة وبعد النظر، أقله فيما خص تحديد اطار زمني او دراسة البدائل وقبل ذلك في ضمان اطار او مرجعية دولية لها، تجعلها قابلة للحياة او تسمح بتحميل اسرائيل مسؤولية فشلها، وحتى لا تبدو كما ظهرت في النهاية مجرد هرولة عربية باتجاه اسرائيل واعلان بالتطبيع الكامل معها دون ضمان أي موافقة اسرائيلية على أي بند منها..

لا حاجة لمزيد من طرح التقييم السياسي او اطلاق الدروس والمواعظ، او اللجوء الى سرد تاريخي لمسار المبادرة وبالتالي اصدار الاحكام او المواقف المسبقة، قبل التذكير ببنود المبادرة ذاتها والتأمل او تحليل وتفكيك بنيتها وصياغتها اللغوية، ومدلولاتها السياسية على الاقل..

ماذا تقول المبادرة: * اللافت اولا، أن القمة العربية الرابعة عشرة والتي انعقدت في بيروت يومي 27 و28 اذار 2002 تبنت بالاجماع مبادرة السلام التي جاءت في نص منفصل عن البيان الختامي للقمة تحت عنوان مبادرة السلام العربية.

* كذلك فإن مجلس الجامعة حرص على لفت نظر الجميع الى انه يؤكد (...) ما اقره مؤتمر القمة العربي غير العادي في القاهرة في حزيران 1996 من ان السلام العادل والشامل خيار استراتيجي للدول العربية..

هاتان الاشارتان قَصدتُ التنويه اليهما، لما لهما من دلالات عميقة في تحديد التوجهات السلامية العربية الجديدة التي فرضتها المتغيرات الدولية العاصفة وخصوصاً بعد احداث الحادي عشر من ايلول 2001 واحتلال افغانستان والشروع في مطاردة طالبان والقاعدة.

* كذلك لن تكون سذاجة سياسية اوغير ذات صلة، الاشارة الى تأثير صعود ارائيل شارون الى سدة الحكم في اسرائيل قبل عام تماماً من طرح المبادرة في قمة بيروت..

* ثمة اشارة اخرى حرصت ان ألفت النظر اليها في نص المبادرة الذي جاء منفصلا كما قلنا سابقاً عن البيان الختامي للقمة وهي قول مجلس الجامعة العربية (المقصود هنا رؤساء الدول)..

.. وانطلاقاً من اقتناع الدول العربية بأن الحل العسكري للنزاع لم يحقق السلام او الامن لأي طرف .

(أي ان العرب هنا يعترفون بعجزهم عن تغيير موازين القوى العسكرية وايضا يضعون انفسهم واسرائيل في مرتبة واحدة، أي انهم لم يعودوا ضحايا حروب اسرائيل وعدوانها المستمر عليهم، بل انهم شنوا الحروب عليها كما شنتها هي عليهم)..

بعد كل هذه الاشارات اللافتة والمقصودة اساساً والتي لم تأت من فراغ او مجرد سهو..

يقول النص حرفياً: 1- يطلب المجلس من اسرائيل اعادة النظر في سياساتها وان تجنح للسلم معلنة ان السلام العادل هو خيارها الاستراتيجي ايضا..

2- كما يطالبها القيام بما يلي: أ- الانسحاب الكامل من الاراضي العربية المحتلة، بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من حزيران 1967 والاراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان.

ب-التوصل الى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم .194.

ج- قبول قيام دول فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من حزيران في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية..

3- عندئذ تقوم الدول العربية بما يلي: أ- اعتبار النزاع العربي منتهياً، والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين اسرائيل مع تحقيق الامن لجميع دول المنطقة.

ب- انشاء علاقات طبيعية مع اسرائيل في اطار هذا السلام الشامل.

4- ضمان رفض كل اشكال التوطين الفلسطيني الذي يتنافى والوضع الخاص في البلدان العربية المضيفة.

5- يدعو المجلس حكومة اسرائيل والاسرائيليين جميعاً الى قبول هذه المبادرة المبينة اعلاه، حماية لفرص السلام وحقناً للدماء بما يمكن للدول العربية واسرائيل من العيش في سلام جنباً الى جنب ويوفر للاجيال القادمة مستقبلاً آمناً يسوده الرخاء والاستقرار..

6- يدعو المجلس المجتمع الدولي بكل دوله ومنظماته الى دعم هذه المبادرة.

7- يطلب المجلس من رئاسته تشكيل لجنة خاصة من عدد من الدول الاعضاء المعنية والامين العام لاجراء الاتصالات اللازمة بهذه المبادرة والعمل على تأكيد دعمها على كافة المستويات وفي مقدمتها الامم المتحدة ومجلس الامن والولايات المتحدة والاتحاد الروسي والدول الاسلامية والاتحاد الاوروبي..

انتهى النص الحرفي للمبادرة..

ولم تنته بعد ردود الفعل عليها او تصل الى احدى النهايتين.. القبول والاعتماد كمرجعية، أو الرفض وبالتالي سحبها من التداول وطي صفحاتها..

المبادرة عالقة ولكن في حلق النظام العربي، الذي تبناها في قمة بيروت، سبعة اشهر تقريباً بعد تفجيرات 11 ايلول التي غيّرت العالم وقلبت اجندته واولوياته، ومكنت ادارة بوش الممسوكة جيداً من قبل المحافظين الجدد من التحكم بمسار تاريخ المنطقة وايقاعها، فجاءت مبادرة مرتبكة مرعوبة، خالية من أي نظرة استراتيجية، وكأني بالذين صاغوها ارادوا القول اننا نرفع الرايات البيضاء ونعتذر عن كل ما سبق والمطلوب ان نعيش واسرائيل (ارئيل شارون) جنباً الى جنب بأمن وسلام..

لم يخيّب شارون ظن العرب، وبعد ثمان واربعين ساعة جرّد حملة عسكرية ضخمة اطلق عليها اسم عملية السور الواقي أعلن فيها بشكل رسمي دفن ما تبقى من اتفاق اوسلو (13 ايلول 1993) ورأى فيها استكمالاً لحرب الاستقلال التي ادارتها المنظمات الارهابية الصهيونية ضد الفلسطينيين وتوجت باعلان قيام اسرائيل في الخامس عشر من ايار .1948.

اعاد شارون احتلال مدن وقرى الضفة الغربية الموصوفة بالمنطقة "A" التي كان جيش الاحتلال انسحب منها وفق اتفاق اوسلو وحاصر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في مقره ببناية المقاطعة في رام الله، وهو الذي كان منعه من السفر الى بيروت لحضور القمة، فاكتفى الاخير بتوجيه كلمة متلفزة، لم تغير كثيراً في مواقف شارون، الذي كان يضع اللمسات الاخيرة على خطة اجتياح الضفة وتقويض سلطة الحكم الذاتي..

ضاعت المبادرة في متاهات العجز العربي، امام تحدي شارون الذي لم يكلف نفسه عناء قراءة نص المبادرة، بل اطلق رصاصة الرحمة على اوسلو الاتفاق والمسيرة وعلى المبادرة العربية التي لم يجد اصحابها سبباً واحداً يدعوهم للتفاؤل بعد المجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال في الضفة الغربية وكان مخيم جنين مسرحاً لاحدى هذه المذابح المفتوحة التي تجيب بالرصاص والدم على صياغات المبادرة المرتبكة..

لا ننسى هنا الموضوع العراقي الذي اخذ يتصدر الانباء ويحتل العناوين ويحظى بالاهتمام، فافغانستان تراجعت الى الخلف لأن الانتصار الاميركي فيها كان سريعاً، ولم يكن في الاساس يحتاج الى كل هذه القوة، ويحضرني هنا قول قائد احدى القاذفات الاميركية بأنهم كانوا يجوبون سماء افغانستان ساعات طويلة للبحث عن هدف يقصفونه بعد ان دمروا كل شيء في ذلك البلد الفقير..

وضعت اسرائيل المبادرة على الرف حتى لا نقول كلمة اخرى، ودخل العرب في المتاهة العراقية التي جعلت الانظمة كافة تغير من اولوياتها واجنداتها، بل ان بعضها تحسس رأسه وفيما تراجع الاهتمام العربي بالمبادرة (لأن ليس هناك ما يمكن وصفه بأي نوع من الاهتمام الاسرائيلي أو الاميركي بها) كان الانشغال الرسمي العربي منصباً على كيفية مواجهة التداعيات او ارتدادات الزلزال العراقي، الذي لم تُخفِ الولايات المتحدة الاميركية نيتها في جعل العراق الجديد منصة وقاعدة للانطلاق منها الى تقويض الصورة القديمة والتقليدية للشرق الاوسط التي لم تعد راغبة بالابقاء عليها، رغم انها اسهمت في تكريسها وكانت الانظمة التي رمت الى التخلص منها او طلبت اليها تعديل سلوكها، قد انخرطت معها في تحالفات او صفقات خدمت مصالحهما الاقليمية في وقت من الاوقات، لكن الاهداف افترقت بعد التاسع من نيسان وخصوصاً بعد السهولة التي هوى بها النظام العراقي السابق، والاختلاف الذي ظهرت عليه مواقف الانظمة العربية من احتلال العراق، وان كانت في غالبيتها حرصت على التسليم بالامر الواقع الاقرب الى الترحيب، لكن الصدمة اصابتها عندما بدا ان الاحتلال الاميركي سيتحول الى تسونامي لاعادة رسم خرائط المنطقة، بكل ما عناه ذلك من احتمال تقسيم دول او الغاء اخرى، او إحداث تغيير في المكانة والادوار الاقليمية التقليدية، والتي لم تعد مقبولة على ادارة بوش (في ولايته الاولى) بعد احداث الحادي عشر من ايلول وخصوصاً بعد ان غدت الولايات المتحدة جارة لعديد من الدول العربية كما قال وزير الخارجية السوري آنذاك فاروق الشرع.

المضي قدما في السرد التاريخي أوالوقوف عند محطات سياسية أو احداث قطرية أو اقليمية معينة، لن يسهم كثيراً في تعزيز او تراجع أو تغيير مواقف اسرائيل والولايات المتحدة من المبادرة العربية التي نكرر هنا ما سبق قلناه في تراجعها عن الاهتمام العربي، بعد احتلال العراق وتداعياته، كما لم تغير الاحداث الدموية المتسارعة على ساحة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي من مكانة المبادرة العربية على جدول اعمال شارون وبوش، بل لاحظنا كيف تم الافساح في المجال لحلول ومقترحات ومقاربات تتوسل قراءة جديدة بعد التغييرات التي احدثها شارون على مسار الصراع ودفن اوسلو ومحاصرة ياسر عرفات وفرض العزلة واعتباره اميركياً واسرائيلياً غير ذي صلة، فجاءت اقتراحات ميتشيل وغيره الى ان انتهت عند خريطة الطريق التي باتت معتمدة وقامت من اجلها الرباعية الدولية وغدت قراراً من مجلس الامن وواصلت وحدها البقاء على جدول الاعمال الدولي معززة بالطبع بورقة الضمانات الشهيرة التي منحها بوش لشارون في 24/4/2004 والقائلة بموافقة واشنطن على ضم اسرائيل للكتل الاستيطانية الثلاث الكبرى في شمالي الضفة ومحيط القدس وجنوب الضفة في أي اتفاق سلام مقبل مع الفلسطينيين اقراراً بالامر الواقع الذي لا يمكن تغييره (ولم يعط بوش هنا أو شارون أي اعتبار او قيمة للمبادرة العربية)، فيما سقطت كل القرارات والمرجعيات الاخرى ولم يتم الاشارة في أي محفل دولي (اقصد بشكل رسمي وقانوني) الى المبادرة العربية، حيث اكتفى كثير من السياسيين الاميركيين والاوروبيين وامين عام الامم المتحدة السابق كوفي انان بوصفها تطوراً ايجابياً وخطوة في الاتجاه الصحيح وغير ذلك من الاوصاف والمصطلحات غير الملزمة والآخذة في الاعتبار مواقف تل ابيب وواشنطن كمعيار ومؤشر، على المدى المسموح بالذهاب اليه في هذا الاتجاه وخصوصاً ان انقلاباً لصالح اسرائيل في المواقف الاستراتيجية الاقليمية قد حدث بعد احتلال العراق ولم يعد وارداً في نظر قادتها تقديم أي تنازلات مجانية للجانب العربي الذي طرح المبادرة قبل عام من 9 نيسان 2003 بما هو بداية لمرحلة جديدة، تؤذن بمنحها دوراً اقليمياً مهماً ونفوذاً غير مسبوق، يسمح لها ان تكون شريكة في اتخاذ قرار اعادة رسم الخرائط او القيام بفرض معادلة جديدة من التحالفات والاصطفافات تسحب من هذا النظام العربي الشرعية او تجبر (ذاك) على تبني مواقف وسياسات متوافقة مع استحقاقات المرحلة الجديدة تحت طائلة العزل والحصار والحرب الوشيكة لقل
ب النظام والاتيان ببديل وعلى من يشكك في ذلك ان ييمم نظره شطر بغداد وكابول..

بقيت خارطة الطريق اذاً، ورغم انها لم تنفذ الا ان المبادرة العربية لم تغادر غيبوبتها، وعلى الرغم من ان الانتصار الاميركي السريع في العراق قد بدأ يتحول الى كابوس وتنفست الانظمة العربية الصعداء بعد ان بدت مؤتمرات الديمقراطية والاصلاح التي فرضتها الولايات المتحدة عليها تفقد اهميتها ولم تعد هذه الانظمة تتحسس رؤوسها التي كان دعاها رئيس عربي الى ان تحلق لنفسها بدل ان يحلق لها الاخرون..

مات ياسر عرفات في العام 2004 واغتيل رفيق الحريري في العام 2005 وبقيت خريطة الطريق هي المعتمدة، ولم يتم سحب المبادرة العربية من التداول ثم فازت حركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي 25/1/2006 وفرضت حرب 12 تموز 2006 نفسها على الجميع، بكل ما حملته من مفاجآت وما اسقطته من ثوابت وحقائق، بدت في لحظة ما وكأنها غير قابلة للدحض او المناقشة، وكرست في المشهد الاقليمي واقعاً جديداً وموازين قوى، لم يعد بمقدور احد تجاهلها، حتى بعد ان ظل الملف النووي الايراني يتقدم على كل مناقشة او خبر عاجل، وحتى بعد ان غدت طهران لاعباً رئيسياً حتى لا نقول اللاعب الاول في قضايا السلم والحرب في المنطقة وبخاصة بعد حرب تموز 2006، مهما كانت هذه الحقيقة مرة او صعبة على القبول او الهضم..

جاءت قمة الرياض في اذار 2007 لتعيد تبني المبادرة ولتضع مبدأ تسويقها من جديد على جدول الاعمال وذهب وزيرا الخارجية المصري والاردني الى تل ابيب كمندوبين لمجلس الجامعة وليس بصفتهما السياسية والتمثيلية، للالتقاء باصحاب القرار في اسرائيل (رئيس الوزراء وزيرة الخارجية ولجنة الخارجية والامن في الكنيست) ولم يحرزا أي تقدم في اقناع احد في اسرائيل باعتماد المبادرة العربية بوابة فرصة تاريخية لسلام شامل، بل ان اسرائيل لم تجد في المبادرة، سوى جهد لدعم المعتدلين في السلطة الفلسطينية ومساعدتهم على التوصل الى تسوية مع اسرائيل كما قالت تسيبي ليفني بعد لقائها بالوزيرين عبدالاله الخطيب واحمد ابو الغيط في القاهرة بعد شهرين من انتهاء قمة الرياض 10/5/2007 كما ظهر على موقع وزارة الخارجية الاسرائيلية المعروف باسم التواصل تعليقاً تحت عنوان ما وراء العناوين: الموقف الاسرائيلي من مبادرة السلام العربية المعتدلة جاء فيه ... تنظر اسرائيل بالايجاب الى المبادرة الاخيرة التي قدمتها العربية السعودية (اسمحوا لي هنا ان اخرج عن النص، للفت انتباهكم الى المراوغة الاسرائيلية الواضحة في الاشارة الى المبادرة فهي ليست اخيرة لانها قدمت عربياً ورسمياً وبالاجماع قبل خمس سنوات في قمة بيروت، ثم ان المبادرة لم تعد تحمل اسم العربية السعودية حيث تم تبنيها عربياً والتضليل الاعلامي هنا مقصود لذاته).. باعتبارها وسيلة للتعاطي العربي والذي يستهدف دفع عملية السلام قدماً.. هذا تطور هام ترحب به اسرائيل وهي على استعداد للتحاور مع دول عربية (وهنا اضع خطوطاً عديدة تحت كلمة دول التي غابت عنها ال التعريف) بغية دفع هذه المبادرة .

انتهى الاقتباس عن موقع وزارة الخارجية الاسرائيلية.

ولم يحدث أي تغيير جاد وحقيقي، بل تم تحويل الانظار بعيداً والتركيز على المفاوضات الاسرائيلية ثم ابداء الاستعداد للتحاور مع دول عربية وليس الاعلان عن جواب على سؤال المبادرة وهو القبول أو الرفض بل الولوج الى مربع التطبيع وتكريس مبدأ الحوار مع دول عربية معينة بغية دفع هذه المبادرة ..

المطلوب الان ان نصل الى أنابوليس بعد ثمانية اشهر من قمة الرياض (27/11/2007) حيث هذا المؤتمر او اللقاء الدولي أو تحت أي تسمية جاء وبكل ما احاط الدعوة الاميركية اليه في البداية، من ردود فعل وملابسات ودلالات وتداعيات هزيمة فتح (حزب السلطة) وسيطرة حركة حماس على قطاع غزة في 14/6/2007 ثم بعد ان فرضت اسرائيل جدول اعماله وتسميته حيث رفضت الاشارة الى صفته الدولية او اعتماد أي مرجعية له، ثم تراجع ادارة بوش عن شرطها بأن يأتي الفلسطينيون والاسرائيليون بمسودة اتفاق يتم تبنيه وتحول الجهد الاميركي بعد ان فرّغت حكومة اولمرت المؤتمر من محتواه، الى ضغوط سياسية ودبلوماسية هائلة وشديدة اوصلت عدد الدول العربية التي وافقت على الحضور الى ست عشرة دولة بما فيها سوريا، بعد ان تم وعدها بالاشارة الى اهمية بحث موضوع الجولان السوري .. رأينا كيف غابت مبادرة السلام العربية عن المؤتمر الذي اعتبرته ادارة بوش احد ابرز انجازاتها الدبلوماسية طوال السنوات السبع الماضية ولم يأخذها الاميركيون والاسرائيليون بجدية، ولم يضغط العرب الذين حضروا لاعتمادها في ديباجة ورقة التفاهمات التي تلاها الرئيس الاميركي بنفسه من مسودة كتبتها تسبي ليفني وادخلت عليها رايس بعض الرتوش (وليس التعديلات) وبقيت خريطة الطريق هي الاساس والمعيار وقرار الرباعية الدولية 30 نيسان 2003 كمرجعية لوضع حد للصراع الفلسطيني الاسرائيلي وتوقيع معاهدة سلام بينهما.

وان كانت الامانة العلمية تقتضي التنويه بأن الرئيس الاميركي بوش قد عرّج على موضوع المبادرة واعاد تكرار المواقف الاميركية (الاسرائيلية) المعروفة عندما قال في خطابه الرئيسي في انابوليس بعد ان قرأ ورقة التفاهمات .. كذلك لدى الدول العربية دور مهم تلعبه، ان اعادة اطلاق مبادرة الجامعة العربية وتأييد الجامعة العربية، لمؤتمر اليوم، هما خطوتان ايجابيتان. على جميع الدول العربية ان تظهر دعمها لحكومة الرئيس عباس والدعم من المجتمع الدولي ..

غاب هنا ايضا الجواب الاميركي على سؤال المبادرة، وان كان النص السابق يعطي جواباً واضحاً لم يخفه الاميركيون، منذ ان تبنى العرب المبادرة بالاجماع وبدأوا عملية تسويقها التي ما تزال متعثرة حتى الان.. ولا يلوح في الافق انها ستقيل من عثرتها..

اما كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الاميركية فقد غيّرت في مواقع الكلمات لكنها ابقت على الموقف ذاته من المبادرة العربية عندما قالت في كلمتها لدى اختتام اجتماعات اليوم الاول لانابوليس بعد كلمة الرئيس بوش في الجلسة الافتتاحية ... بالاضافة الى اعضاء الرباعية استمعنا الى تعليقات بالغة الاهمية وزير الخارجية السعودي الرئيس الحالي لمجلس الجامعة العربية الذي اكد مجدداً هدف المبادرة العربية للجامعة والمصالحة لا بين الفلسطينيين والاسرائيليين فقط بل بين اسرائيل والعالم العربي الارحب ايضا.. سقطت او اسقطت المبادرة العربية من جدول اعمال انابوليس، وغادرت الوفود (50 دولة ومنظمة دولية وفق الاعلام الاميركي) مقر الاكاديمية البحرية الاميركية بمدينة انابوليس الاميركية وتوقف تسويقها لأن الانظار والجهود تركزت، على ما سيحدث بعد اسبوعين من مفاوضات فلسطينية اسرائيلية برعاية اميركية وحيدة (لا الرباعية الدولية ولا الامم المتحدة وبالتأكيد ليس الاتحاد الاوربي).

لم تتغير تفاصيل المشهد كثيراً الى ان وصلنا الى قمة دمشق، بعد ان تعثرت المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية القائمة على تفاهمات انابوليس وبعد ان منح العرب المسألة اللبنانية الاولوية على كل القضايا والملفات وكان لا بد للمبادرة ان تحضر بهذا الشكل او ذاك وتبعاً للزاوية التي تنظر فيها هذه الدولة العربية او تلك لورقة المبادرة وللكيفية التي تنوي توظيفها بها.. وجاءت الاشارة الاولى من المجلس الوزاري العربي الذي هدد باعادة النظر في مبادرة السلام العربية ازاء استمرار المماطلة الاسرائيلية، ولم ينس السادة وزراء الخارجية العرب، مطالبة المجتمع الدولي بالضغط على اسرائيل لاظهار نية حقيقية ورغبة اكيدة للتوصل الى سلام عادل وشامل بدلاً من الامعان في سياسة الحرب الممنهجة والتي زادت وتيرتها بعد مؤتمر انابوليس ثم قال فيما يشبه الاستسلام بموت المبادرة أو احتضارها..

.. كما عبر المجلس في اجتماعه عن موقفه في ان مبادرة السلام العربية لا يجب ان تظل قائمة دون تجاوب حقيقي من اسرائيل مع طرحها وتنفيذها الى جانب المرجعيات الدولية الاساسية الاخرى والتي لم تُحدث التحرك المطلوب ..

لكن شيئاً من هذا لم يحدث، ولم يتخذ احد أي اجراء في هذا الشأن، بل ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس أكّد في عمان يوم 27 اذار الماضي وهو في طريقه الى دمشق وقبل ثمان واربعين ساعة من انعقاد القمة: ان الفلسطينيين سيقاتلون من اجل المبادرة التي اطلقتها قمة بيروت عام 2002 واكدتها قمة الرياض العام الماضي مضيفا: ان لا مجال لتغيير او تبديل او تعديل المبادرة.. كان موقفنا دائماً وابداً ان هذه المبادرة يجب ان تبقى كما هي وان ندافع عنها جميعاً لأنها - يستطرد الرئيس عباس - مبادرة ثمينة وعلى الطرف الاخر ان يقبل بها، كما هي، لا أن نأتي الان فنغيرها او نعدلها .

استأذنكم بالتوقف هنا، لاطرح بعض الاسئلة قبل ان انهي ما بدأت ولعل السؤال الذي يجب ان يطرح قبل ان نغادر تقييم الرئيس الفلسطيني للمبادرة التي رآها ثمينة اذا كان القتال الفلسطيني من اجل المبادرة مبرراً واذا كان يتوجب على الاسرائيليين ان يقبلوا بها (كما هي) وهو يعارض القيام بتغييرها وتعديلها..

قمة دمشق تمسكت بالمبادرة العربية دون تحديد سقف زمني لـ صلاحيتها

هل يحدد سيادته مدة زمنية للقبول الاسرائيلي بها كما هي؟ وعلينا تذكيره هنا بالمقال الذي كتبه ايهود اولمرت في صحيفة الغارديان البريطانية ونشرته صحيفة الشرق الاوسط اللندنية كمقال خاص بها يوم 7 حزيران 2007 جاء فيه حرفيا: .. وفي العالم العربي هناك اعتراف اوسع بأن اسرائيل لن تزول من الخارطة.. انني انظر الى عرض التطبيع الكامل في العلاقات بين اسرائيل والعالم العربي بصورة جدية، وانا مستعد لمناقشة مبادرة السلام العربية بطريقة صريحة ومخلصة، واذ نعمل مع شركائنا، فإننا نأمل في العمل مع دول عربية اخرى، وعلينا السعي الى سلام شامل برؤية حيوية واتطلع الى ان اكون قادراً على مناقشة هذا الامر مع جيراننا الاخرين، ولكن المحادثات يجب ان تكون نقاشاً وليس انذاراً نهائياً ..

اسرائيلياً.. ليس مطلوبا انذاراً نهائياً، ولكن النقاش لديهم سيبقى بلا سقف او نهاية ولكم ان تدققوا جيداً فيما آل اليه القرار 242 وجولات غونار يارنغ المكوكية كذلك في مفاوضات كامب ديفيد بين مصر واسرائيل وبعدها مداولات مؤتمر مدريد ومفاوضات واشنطن وكوريدور وزارة الخارجية الاميركية وواي بلانتيشين وواي ريفر وطابا ولقاءات عباس اولمرت..

قصارى القول ان قمة دمشق اكدت تمسكها بالمبادرة العربية لكن احداً من الذين تمسكوا (وهم كل العرب وفق بيان القمة) لم يقل لنا الى متى سيبقى هذا التمسك متاحاً؟ ما مصير المبادرة العربية؟ كان هذا عنوان هذا اللقاء الذي وصف بالمحاضرة..

ليس لديّ جواب أزعمه، لكن استمرار التمسك بها اراه عنواناً وتكريساً للعجز العربي واستلاب الارادة.. لان لا حاجة لاسرائيل بهذه المبادرة ما دامت تسيبي ليفني وغيرها يدعون الى كل العواصم العربية ومنتدياتها التي تتكاثر كالفطر، ويحرصون على ان تكون منتديات دولية حتى يسهل دعوة اسرائيل اليها في مشارق بلاد العرب كما في مغاربها..

عودوا الى تصريحات ومداخلات وزيرة الخارجية الإسرائيلية في منتدى الدوحة الثامن للديمقراطية والتنمية والتجارة الحرة، لتقفوا على رأي إسرائيل في المبادرة ومفاهيم التطبيع والسلام والاعتدال والتطرف ومن هو العدو الجديد بعد ان لم تعد إسرائيل تشكل خطراً على العرب.. كما قالت الوزيرة الإسرائيلية في الدوحة، بغطرسة.. وثقة.

المناقشات والردود

د. الدعجة: مبادرة السلام العربية هي انتصار معنوي للعرب

وفي مداخلته قال الدكتور هايل ودعان الدعجة ان وصف الجانب العربي بالضعيف عند الحديث عن المبادرة هو امر مفروغ منه، لكني ايضا انظر الى هذه المبادرة من باب أنها تشكل انتصاراً معنوياً بالنسبة للجانب العربي، واقول معنوياً لان الانتصار المادي يكون بالحروب، والانتصارات في الحروب شيء لن يتحقق للجانب العربي، وعليه ارى ان الانتصارات المعنوية التي حققها الجانب العربي عندما نحى نحو السلام هي اكثر بكثير من تلك التي حققها في عملية الحروب، ولكن كنت احب ان اسمع من الاستاذ محمد خرّوب انعكاس انابوليس على المبادرة بشكل اوضح، وكنت احب ان اسمع ايضاً انعكاس الانقسام الفلسطيني الذي هو بلا شك من اكبر العوامل التي اضعفت الموقف العربي بل واوقعته في حرج كبير بعد ان استطاع الموقف العربي ان يستقطب الشيء الكثير في المحافل الدولية اميركياً وأوروبيا، كما كنت اتمنى ان يتوقف الضيف اكثر عند موقف العرب خاصة في ظل وجود رئيس وزراء ضعيف وضعيف جداً لدرجة انني بت مقتنعا تماماً ان وجود رئيس وزراء او حكومة اسرائيلية ضعيفة هو مصلحة اسرائيلية على الاطلاق.

د. الحضرمي: المبادرة بحكم المنتهية

من جانبه قال الدكتور عمر الحضرمي ان المبادرة ولدت سِفاحاً وعلينا ان لا نعلق عليها الكثير من الآمال لا سيما وانه سبقتها منذ 26 سنة مبادرة الامير فهد في فاس والتي حكم عليها بالموت، وهذه ايضاً ستموت ولكن عندما يصبح عمرها 26 سنة، وما اريده هنا من الاستاذ محمد هو ان يقول لنا ماذا سنفعل بعد ذلك، المبادرة منتهية واسرائيل لم يحبوا المبادرة ولا يريدونها وحتى لا يعلمون عنها شيئاً، ونحن مصرون عليها ونقاتل من اجلها، ومثلما تفضلت فقد ذهب الاستاذ عبدالاله الخطيب واحمد ابو الغيط لاطلاع اسرائيل على المبادرة في بدايتها، وكأن اسرائيل لم تقرأ المبادرة، ولذلك ارجو ان تخبرنا ما الذي ينبغي علينا فعله في حال تأكد موت المبادرة؟.

العجلوني: انصياع العرب للظرف السائد

فيما بدأ الكاتب ابراهيم العجلوني حديثه بتقديم تفسير لغوي للمبادرة حيث بين ان الحقل الدلالي لمعنى المبادرة وبدر وبادر في اللغة يشير الى معنى أسرع والبادرة عموماً هي البديهة، وهذا الإسراع في الواقع ينبغي ان يكون ترجمة عن ارادة حرة تعتمل في داخل الانسان فيسارع الى انجاز عمل ما او تقديم فكرة ما او ما الى ذلك، ايضاً بوادر الغضب هي السقطات والحنات والاخطاء التي تكون مصاحبة للغرض، فعلى أي من هذه المعاني اخذنا معنى المبادرة في غير صالح ما يريده مروجو هذه المبادرة ، الجانب الآخر هو انني دائما اتهم الأستاذ محمد خرّوب بالنثر السياسي الذي يكون من محصوله الشعر، على حين نكتب نحن شعراً سياسياً قد لا نصل في محصوله الى النثر، على ان مجمل الظروف والشروط الموضوعية التي صاحبت هذه المبادرة تُفضي بنا الى ان هذه على وجه الحقيقة ليست مبادرة على الاطلاق، وانما هي بإعتقادي لون من الوان انصياع العرب للظرف السائد، وهذا يتأدى بنا الى صياغة المبادرة وقد وقف الاستاذ محمد خرّوب كثيراً في نقد هذه الصياغة، والحقيقة من المنطقي ان تنقد صياغة لا صلة للعرب بها، اذ ليس العرب هم المسؤولون عن هذه الصياغة، حيث اشتغل هذه الصياغة اناس اصحاب عقول راجحة
واصحاب رؤوس ثقيلة في البنتاغون وفي مراكز الدراسات الغربية، واشتغلوا عليها كثيراً شأن كل المبادرات من اوسلو صولا الى هذه المبادرة، وعليه فاسمح لي ان اقول انك تنقد اناساً خالين طرف من الموضوع ولا شأن لهم به، نحن قوم نُردد ما يراد لنا، ونحن نأمل ان يكون العرب قادرين ذات مرة وذات قرن قادم او بعد قرن على ان يكونوا اصحاب مبادرة على أي معنى من معاني المبادرة ، وسواء هذه المبادرة فيها اخطاء وسقطات لكن شرط ان تكون ممثلة لمعنى البادرة وهي البديهة ان ينطلق الانسان من ارادة حرة في ادارة الامور وفي الترتيب لها.

د. الرشدان: لا قيمة للمعاهدة دون آليات ملزمة للتنفيذ

الدكتورعبد الفتاح الرشدان اكد على ما ذكره ابراهيم العجلوني فيما يتعلق بقضية النص، حيث اوضح ان هذه المبادرة ليست عربية صرفة، وانما هي ربما جاءت انعكاساً لرغبات وصياغات اخرى في اماكن اخرى، وهذه النصوص الغامضة في الواقع هي نصوص متعمدة، وهو ما يسمى بعلم التفاوض بمفاوضات الغموض المتعمد، بمعنى ان واضع النص يهدف الى ايجاد نصوص غامضة حتى عندما يحدث التفاوض تكون هناك اجراءات طويلة ومعقدة كثيراً حتى يتم التفاوض عليها فيقضي المتفاوضون وقتاً طويلاً ولا يصلون إلى نتيجة بسبب هذا الغموض المتعمد.

لكن حتى لو كانت النصوص جيدة فهل هناك آليات او سبل لتنفيذ ما ورد في هذه المبادرة ؟ ان أية خطة او قرار سليم ولو كان جميلاً ويلبي طموح وهموم الأمة فأنه يصبح لا قيمة له اذا لم تكن هناك آليات واضحة وواقعية لتنفيذه، وعليه فلو كانت هذه المبادرة من صنع العرب انفسهم وبارادة عربية حاسمة الا انه من المفروض ان ترافقها آليات او سقف من حيث الوقت او البدائل التي يمكن ان يصار الى اللجوء اليها اذا ما اخفقت هذه المبادرة او لم تلاقِ سبيلاً لتنفيذها، لكن عدم وجود أي شيء من هذا القبيل يفرض علينا السؤال الذي طرحه بعض الاخوان هو في حال بقيت المبادرة قائمة لعقود قادمة او لعشرات السنين فما العمل ؟ خاصة بعدما تبين اذا هناك من يشكك ان اسرائيل ترغب في السلام من الاصل، لانه اذا كانت اسرائيل ترغب فعلا في السلام فلماذا لم يحدث السلام منذ عام 1990، او منذ صدور قرار مجلس الامن 242 عام 1967 في اعقاب حرب حزيران، في الواقع ان كل التجارب او الخبرة في التعامل مع اسرائيل وفي التعامل مع الولايات المتحدة ومع الاتحاد الاوروبي والاتحاد السوفييتي في ايامه ومن بعده روسيا الاتحادية وحتى الصين لم تجدِ نفعاً لأن من يراجع التاريخ يعرف ان معظم هذه الدول هي التي دعمت وساعدت على انشاء اسرائيل منذ اكثر من قرن، فالمسألة تكمن في ماذا يمكن ان يعمل العرب هم انفسهم وان انتظار المدد من الخارج لن يفضي الى اية نتيجة ايجابية، اذا كان هناك أية مبادرة او خطة او قرار سوف يوضع في المستقبل، يجب ان تكون هناك آليات لتعزيز تنفيذه، وبغير ذلك سنبقى نراوح في مكاننا وهذا ما هو حاصل في ظل الضعف العربي وحتى لو كانت اسرائيل ضعيفة او رئيس وزرائها ضعيفاً او قوياً، فاسرائيل لديها موقف ربما هو واضح، لكن الخلل يكمن عندنا خاصة في التشابكات متعددة الابعاد الموجودة في المنطقة العربية.

د. العلمي: المبادرة لم تحمل فرصا للعرب واليهود ويبدو انها اجهضت

بدوره قال الدكتور مهدي العلمي استكمالاً للخلفية اللغوية التي تفضل بها استاذنا ابراهيم العجلوني، هناك بيت من الشعر العربي يقول:

بادر الفرصة واحذر فوتها

فبلوغ العز في نيل الفرص.

ولكن للاسف يبدو ان هذه المبادرة العربية لم تكن تحمل فرصاً لا للعرب ولا لليهود، وبالفعل يبدو انها أُجهضت وماتت، والنقطة الجديرة بالذكر هنا هو ان إسرائيل لا تنظر الينا على اننا عرب متحدون، ولا تريد في أي حل من حلولها ان تتفق مع العرب كمجموعة بل تريد ان تتفق مع العرب فرادى، مصر لوحدها، والأردن لوحده، وربما بالمستقبل مع سوريا لوحدها، وهكذا دواليك، لذلك فهي لم تكن تنظر الى المبادرة العربية من وجهة نظر الداعم اوالمؤيد، وهنا اود ان اطرح سؤالاً يرتبط بهذا الموضوع وهو لماذا أثارت إسرائيل واميركا اليوم موضوع المفاعل النووي السوري الذي تحدثت عنه الصحافة ؟ وهل هو مفاعل نووي فعلا ام لا؟ لا نعلم، ولماذا طرح هذا الموضوع مباشرة بعد تصريح اردوغان حول استعداد إسرائيل للانسحاب الكامل من الجولان وتأييد سوريا لهذا التصريح؟ والسؤال الأخير ماذا تتوقع ان يحمل بوش في جعبته عند زيارته للمنطقة الشهر القادم ليحتفل مع اليهود بمرور 60 عاماً على انشاء دولتهم ؟.

عايش: ما يستطيعه العرب هو مقاطعة اسرائيل وليس محاربتها

الكاتب حسني عايش -الذي اشار في مداخلته الى اهمية المحاضرة التي وصفها بالمرجعية والقيمة خاصة فيما يتعلق بالملاحظات والمواقف التي مرت بها المبادرة- طرح مجموعة من التساؤلات كان اهمها: من الذي يقدم المبادرات السياسية عادة في التاريخ، هل هو المهزوم ام المنتصر، ام طرف ثالث، وبأي شكل ؟ ثم ما خطورة تقديم مبادرات عربية اذا كانت هذه المبادرات تهدد قرارات الشرعية الدولية او اقل منها؟ وماذا سيعمل العرب لو اصرت اسرائيل في النهاية على رفضها او تجاهلها؟ فماذا يفعلون عندئذ، هل سيوقفون (التطبيع) ام يواصلونه؟ اعتقد في النهاية انه لا يحق للزعماء العرب منفردين ومجتمعين اطلاقاً التنازل عن الحقوق التاريخية والقانونية لشعب في وطنه، وكذلك لا يجوز لهم ان يوافقوا او يقبلوا بقيام دولة على حدود 67، ولا يجوز للمنظمة ولا لاي جهة اخرى ان تفعل ذلك، فحق الشعب الفلسطيني التاريخي والقانوني في وطنه يجب ان يظل قائماً الى الابد، والصراع يجب ان يستمر، على ان العرب يستطيعون عمل شيء واحد اذا أرادوا وهو المقاطعة الشاملة لإسرائيل، فهذا هو الشيء الذي يستطيع العرب ان يفعلوه، دون ان يرتكبوا - على رأي اسرائيل واميركا - حماقة الحرب، وبدون ذلك ستظل الامور ت
راوح نفسها، فاسرائيل تتمتع الآن بالسلام، والمطلوب ان يقوم العرب بشيء يستطيعوا ان يفعلوه وهي المقاطعة .

الحيصة: المبادرة اعتراف وتطبيع مجاني مع الصهاينة

من جانبه قال حمدان الحيصة بداية اريد ان انطلق من موضوع المبادرة العربية وتحديدا ما يتعلق بانطلاق مسار السلام من بعد حرب الخليج الثانية اذ تبنى العرب بذلك الوقت خيار السلام وطرحوا شعار ان السلام خيار استراتيجي، لكن بعد 11 عاماً من تبني العرب لخيار السلام فقد نتج عن ذلك عودة العرب ليطرحوا مبادرة جديدة، ويبدو ان هذه المبادرة ضمنياً هي اعتراف وتطبيع مجاني مع الصهاينة، وذلك من اجل خلق ظروف بيئية وتشجيع للطرف الاخر للقبول بعملية السلام، ولكن اسرائيل على ما يبدو تصر على عدم تقديم تنازلات ، وحقيقة في ظل هذه المماطلة والتسويف في عملية السلام التي استمرت ما يقارب 17 عاماً نجد ان العرب لم يحصلوا على أي شيء من عملية السلام؟ بدليل انه حتى الآن لا يوجد اعتراف بحقوق شرعية بالنسبة للقضايا النهائية كالتوطين واللاجئين وقضية القدس والحدود والامن والمياه، ولا توجد كذلك بوادر ان يتم وضع هذه الامور في المستقبل القريب للنقاش، والسؤال المطروح هنا هو اذا كان صحيحا انه قد حدث بعد احداث حرب 2006 تغيير في بنية تفكير الدولة الصهيونية، فهل هذا يعني انه من الممكن ان يكون هناك قبول لخيار السلام او موضوع السلام، خصوصاً وان الدولة الاسرائيلية
اصبحت عاجزة عن تحقيق الامن لمواطنيها داخل حدودها، مما يزيد من ضغط الرأي العام الاسرائيلي على صاحب القرار للقبول بعملية السلام؟ .

د. الناشف: الضعف العربي والتعنت الاسرائيلي

بدورها قالت د. سلمى الناشف اسمحو لي بداية ان اعرب عن عدم تفاؤلي في موضوع مصير المبادرة العربية، وسؤالي هوحول البديل الذي يمكن عمله ازاء استمرار هذا الضعف العربي من جانب وكذلك في حال فشل هذه المبادرة العربية، سيما وانه وفقا لخارطة الطريق كان يتوجب ان يتم في عام 2005 قيام الدولة الفلسطينية ونحن الآن في 2008 وبقيت خارطة الطريق مجرد كلام ولم يتحقق شيء على ارض الواقع.

الاطراف الدولية والمبادرة العربية

وفي معرض رده على مداخلات وتساؤلات المشاركين قال الكاتب محمد خرّوب اعتقد ان هناك بعض التساؤلات التي اعتبرها من النوع الثقيل ولا طاقة او قدرة لي للاجابة عليها ومع ذلك سأحاول ان اجتهد قدر الامكان لكي اجيب على كل الملاحظات والتساؤلات التي أثيرت، ففيما يتعلق بالسؤال حول لماذا اثارت اسرائيل واميركا الآن موضوع المفاعل النووي السوري، فقط اريد ان اذكر بقضية رئيسية وهي ان المفاوضات بين اسرائيل وسوريا لم تبدأ وليست مرشحة ان تبدأ ولن تتضرر اسرائيل من ذلك، خاصة وانني مطلع تماماً على كل ما يكتب في اسرائيل حول هذه المسألة ولم تفاجأ لا ادارة بوش ولا ادارة اولمرت بما كشفه اردوغان الموجود اليوم في دمشق، فحسب علمي ان القضية السورية مؤجلة على جدول الاعمال الاميركي، وبوش غير معني حتى الآن بهذا الامر.

وقد شهدت الدوائر الامنية الاسرائيلية والاميركية نقاشاً حاداً في الداخل حول الكشف عن هذه المعلومات، فقانوناً الاميركان يوجبون على القيادة العسكرية ان تَمثل امام لجنة القوات العسكرية في الكونغرس الاميركي من اجل ان تتحدث عن اخطار تهدد الامن القومي الاميركي، فقررت وكالة الامن القومي الاميركي (المسؤولة عن 16 وكالة وجهاز تجسس اميركي) ويرأسها نيغروبونتي ان تقدم تقريراً، هنا صار الخلاف وأُرسل مسؤولان اسرائيليان هما (رئيس ديوان اولمرت ورئيس ديوان وزير الدفاع) الى البنتاغون من اجل ان يتفقوا حول حدود التسريب المسموح للاميركان ان يتحدثوا به ، وقد وافق باراك بداية على ذلك لكنه عاد وسحب موافقته ولكن كان قد فات الاوان لأن الجلسة قد حُددت من قبل الكونغرس فتم الكشف عن موضوع الغارة الاسرائيلية على سوريا، وكان في ذهني ان اكتب مقالاً اذا اتيح لي سأتحدث فيه عن وديعة اردوغان ووديعة رابين، فمسألة النزول عن الجولان طبعاً من ضمن الرسائل التي كشفتها (هآارتس) الاسرائيلية امس ومن ضمن الرسائل التي تمت بين السوريين والاسرائيليين ان السوريين وافقوا (وهنا انقل ما قاله الاسرائيليون) على ان لا يأخذوا من مياه طبريا وان يأخذوا مياه عن طريق الان
ابيب من تركيا، بعد ان كان السوريون يصرون في السابق على ان يضع الجندي السوري قدميه في بحيرة طبريا لمسافة تصل الى اربعة امتار، فيما كان الطرف الاسرائيلي مصراعلى ان يبقى مصدر المياه لاسرائيل أي ان تكون طبريا لاسرائيل، لأن طبريا بالمناسبة تعتبر بالنسبة لاسرائيل بمثابة خزان المياه الرئيس ولا يمكن ان يتنازلوا عنه اطلاقاً وهي مسألة محسومة بالنسبة اليهم حيث ان معظم الحروب التي خاضتها اسرائيل في هذا الجزء كانت من اجل ذلك. سواء من تحويل مشروع جونسون عندما كنا اطفالاً والى ان نشيخ سيبقى هذا الذهب الازرق، يوجد ذهب اسود وهو النفط، يوجد ذهب اصفر، والذهب الازرق هو المياه، حروبنا المقبلة هي الذهب الازرق، ورغم كل ما سبق فإن ما اريد توضيحه هنا هو ان المفاوضات لم تبدأ ولن يسمح الامريكيون حالياً بانزال سوريا عن جدول الاعمال، فهي وفقا للمنظور الامركي ستبقى على جدول الاعمال ولكن المفاوضات لن تحدث حاليا على الاقل، وعليه لا تعدو مسألة تسريب المعلومات المتعلقة بالسلام بين سوريا واسرائيل اكثر من كونها محاولة ضغط على محمود عباس.

الرئيس بوش قال حرفياً عندما زار المتحف الكارثي والبطولي الذي يطلق عليه ايات فاشيم انني سآتي الى اسرائيل للاحتفال مع شعب اسرائيل اليهودية الديمقراطية باستقلالها، وطبعاً التنظير في الاستقلال يعني انها من وجهة نظره كانت دولة قائمة ومحتلة وحررها اليهود من الاحتلال، فيما كانت وكالة اسوشييتد برس قد نقلت ان محمود عباس صرح لنا انه فشل في اقناع الرئيس الاميركي بالضغط على اسرائيل، وبعد ثانيتين خرج صائب عريقات ليقول ان ما نقلته الوكالة ليس صحيحاً وليس دقيقاً، ولم يقل ماذا قال عباس للوكالة، ولكن ما حدث انه عندما دعا بوش الى انابوليس جر الجميع وقال اريد انجاز اتفاق رف وحدثت اجتماعات مكثفة بين تسيبي ليفني واحمد قريع تحت ضغط امريكي حتى خرجوا بورقة التفاهمات الهزيلة التي لم تحقق شيئاً، الآن سيحضر بوش واخر تسريبات الاسرائيليين ان بوش سيضغط على عباس من اجل ان يوافق على اتفاق رف، علما بأن مفهوم اتفاق الرف هو ان هناك اتفاقاً عمومياً حول نقاط محددة يجري وضعه وليس اعلان مبادئ، فاوسلو كان اعلان مبادئ محمولاً على تفسيرات مختلفة، بينما اتفاق الرف هو عناوين عامة سيتم فيها استبعاد القدس واللاجئين الى اوقات لاحقة، لاحظوا اوقات لاحقة.. ا
سرائيل لا توجد عندها مشكلة في الحدود ولا في المستوطنات (الكتل الاستيطانية)، وانما الخلاف هو حول تبادل الاراضي من حيث جودتها، وتحديدا حول نسبة ال( 27% من حدود 4 حزيران) والخوف هو ان يكون هناك تنازل هائل عن الحقوق الفلسطينية من قبل السلطة الوطنية.

وحول قضية الغموض في المصطلحات قال خرّوب هذا الغموض يصيغه اساتذة على علاقة بثقل التاريخ 200 او 300 سنة ، فالاسرائيليون يذهبون الى المفاوضات بأكثر خبرائهم ومحاميهم خبرة في التفاوض الدولي وفي القانون الدولي، ويحملون القانون الدولي الذين يحفظونه غيباً، بينما حدثني ذهب المستشار القانوني انيس القاسم حول ان الفلسطينيين ذهبوا الى مدريد بقصاصات ورق في الوقت الذي يطلق فيه المسؤولون الفلسطينيون تصريحات غير محسوبة قد تكون كارثية النتائج على مستقبل القضية الفلسطينية.

وحول البدائل المطروحة امام العرب في حال فشل المبادرة قال خرّوب انه ليس من وظيفتي ان اقدم البديل، وان على الذين طرحوا المبادرات - طبعاً هذا ليس استفزازاً -ان يطرحوا البديل ، على ان البديل هو الذي نعرفه وما هو واضح جداً من خلال التفاعلات التي تشهدها المنطقة هو تحويل الانظار الى امور اخرى حتى اصبح السنيورة اهم من المسجد الاقصى، واصبح ادماج المالكي عربياً اهم من القضية الفلسطينية في حين يرفض هو أي عربي ويمكن ملاحظة ذلك من خلال نص خطابه الاخير في الكويت .

واختتم خرّوب بالحديث حول انابوليس حيث قال انا متفق معكم بأن الانقسام الفلسطيني لا يربك المشروع والبرنامج الوطني الفلسطيني فقط ، ولكنه يربك ايضا العرب الصادقين والمخلصين للشعب الفلسطيني، ولكن سؤالي هو ما هي علاقة انابوليس بمبادرة السلام العربية؟ فانا ادعي انني حاولت ان اجتهد واقرأ كل ما قيل في انابوليس، والخطابات وردت على لسان وزير الخارجية السعودي ومداخلة وزير الخارجية القطري او نائبه احدهم انه لا بد من ان الكل ينتبه الى مبادرة السلام العربية، وقد اكتشفت انه لم يتبن احد شيئاً اسمه مبادرة السلام العربية، وقد استعرضت بأمانة بعيداً عن المواقف السياسية او تسجيل مواقف او الاحكام المسبقة، وعليه اقول وبكل ثقة ان المبادرة العربية لم تؤخذ بجدية لا في بروكسل (مقر الاتحاد الاوروبي) ولا حتى نيويورك - (الامم المتحدة) ولا في واشنطن - (الادارة الاميركية) ولا في تل ابـيب - (اسرائيل).