مستقبل الديموقراطية في الوطن العربي - رؤية أردنية

06/08/2006

"الديموقراطية" رغم مهرها الغالي إلا أنها باتت مطلب الجميع في الوطن العربي, لكن إذا كان الامر كذلك, فأين تكمن المشكلة?! ولماذا لا نراها في سلوكنا ومؤسساتنا وحراكنا السياسي والاجتماعي?! ومن هو المسؤول الحقيقي عن غيابها الذي طال انتظاره?! فالحكومات العربية بدورها ما زالت تضع الكرة في ملعب المجتمع تحت ذرائع مختلفة من أهمها عدم جاهزية المجتمعات العربية بشكل كاف اما بسبب سيطرة الثقافة التقليدية او لضعف الثقافة السياسية او لهشاشة القوى الديموقراطية في هذه المجتمعات, فيما تدعي المجتمعات بأن هذه المعوقات تعود الى احتكار السلطة وغياب الإرادة السياسية, وأحيانا سيطرة الحزب الواحد, او الى طبيعة بنية الدولة وضعف التعددية السياسية في العالم العربي .

وسواء كانت هذه المعوقات ذات طابع اجتماعي وثقافي تتحمل المجتمعات جانباً كبيراً منه, او سياسي مرتبط ببنية الدولة, وتسلطية النظم القائمة, او تعلق بعضها بدور النخب في تثبيط همم أي قوى تغييرية , او ضعف قدرة الشعوب على كسر احتكار السلطة, فقد عمدت هذه الندوة الى الوقوف على مفهوم وواقع الديموقراطية في الوطن العربي, واستشراف مستقبلها, انطلاقاً من مجموعة من التساؤلات التي كان الهدف من طرحها الاحاطة ما امكن بالموضوع محل النقاش ومن اهمها : ما هي العوامل الموضوعية التي يمكن ان تفسر تعثر او تباطؤ المسيرة الديموقراطية, وغياب تداول السلطة او غياب مبدأ التنافس على الحكم وتداوله في الوطن العربي? وهل يشهد المسار الديموقراطي في العالم العربي في هذه المرحلة انحساراً ام اتساعاً للفجوة ما بين التشريعات والتطبيق? ما هو الدور الذي تلعبه النخب المختلفة في هذا المجال? كيف يمكن تحقيق الديموقراطية بعيداً عن تغول مفهوم الأمن بمعناه الواسع على الحريات والحقوق العامة للمجتمع? وفي ضوء معطيات الواقع كيف يمكن قراءة مستقبل الديموقراطية في الوطن العربي?

هذه التساؤلات وغيرها الكثير كانت محل نقاش المشاركين والحضور في الندوة التي عقدها مركز الرأي للدراسات ومركز الدراسات المستقبلية في جامعة فيلادلفيا تحت عنوان »مستقبل الديموقراطية في الوطن العربي _ رؤية اردنية«.

ادار الندوة : د.خالد الشقران

هادي الشوبكي

7/8/2006

د. مروان كمال: غياب الديمقراطية يشكل احدى البيئات المشجعة للارهاب

ففي البداية ألقى الدكتور إبراهيم بدران الذي أدار الندوة كلمة الدكتور مروان كمال رئيس جامعة فيلادلفيا حيث قال فيها: يسعدني ان ارحب بكم في ورشة العمل الثانية لهذا العام لمركز الدراسات المستقبلية في جامعة فيلادلفيا والتي تقام بالتعاون مع مركز الرأي للدراسات.

وتنطلق اهمية هذه الندوة من تناولها لواحد من المواضيع الاكثر حيوية واشكالية في الوطن العربي. وهو الديموقراطية, وعلى الرغم من ان الكثير قد كتب وقيل حول هذه المسألة: الا انها لا تزال بحاجة الى البحث في اتجاه التطبيق الفعلي. فالديموقراطية تتقدم بخطوات بطيئة او متثاقلة رغم التطورات الهائلة السرعة التي تقع في كل ركن وبقعة من اركان وبقاع العالم. وتدل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية على ان هناك علاقة وثيقة بين التقدم الاقتصادي وزيادة معدلات النمو وبين الديموقراطية. فالدول الاكثر ديموقراطية في العالم هي الاعلى في نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي الناشىء عن النشاط الاقتصادي للمجتمع وليس مجرد بيع الثروات الطبيعية. نتحدث هنا عن بلدان كاليابان وسويسرا والسويد والنرويج ناهيك عن بلدان اخرى كالمانيا والولايات المتحدة. وغيرها, ودون ان تتناسى اكبر ديموقراطية في العالم وهي الهند. والدول الأبعد عن الديموقراطية هي الاكثر تخلفاً والاقل نصيباً للفرد من الناتج المحلي الاجمالي.

واضاف الدكتور كمال: لقد بينت دراسة صدرت اخيراً للبنك الدولي ان قيمة الأموال التي تبتلعها آليات الفساد وادواته في الاقطار العربية تتراوح بين (300) الى (400) مليار دولار سنوياً او ما يزيد على (1000) دولار لكل فرد سنوياً: اي ما يقرب من 40% من متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي في المنطقة العربية, ان جزءاً كبيراً من آليات الفساد تعمل في غياب الديموقراطية وما يرافقها من مؤسسية وسيادة القانون وحاكمية جيدة وشفافية. ومن جهة اخرى, فان انقسام العالم الى مجموعتين متباينتين احداهما متقدمة ديموقراطية والاخرى متخلفة او نامية فردية او ديكتاتورية قد ولد حالة من الاستقطاب والاستقواء لدى الدول القوية الديموقراطية. فراحت تستخدم قوتها وتقدمها الاقتصادي والمرتكز على امكاناتها العلمية والتكنولوجيا الضخمة للسيطرة والتدخل والتأثير في المناطق الاقل قوة والابعد عن الديموقراطية وهي المناطق النامية, وهكذا نشأت ازدواجية معقدة وبالغة الخطورة في المجتمعات المتقدمة تتمثل في رسوخ الديموقراطية في الداخل وغيابها في التعامل مع الخارج، اما الدول النامية فقد تمثلت اشكاليتها في غياب الديموقراطية في الداخل والبحث عن الشرعية في الخارج.

واشار الدكتور كمال الى ان القرن العشرين شهد تناقضات مقيتة في حالة الديموقراطية في العالم. فمن جهة امعنت الديموقراطيات الغربية في دعمها للأنظمة الدكتاتورية واللاديموقراطية خارج بلدانها. ومن جهة ثانية, تجاهل المفكرون والعلماء والسياسيون في الدول النامية الدور الحيوي للديموقراطية في عملية التقدم. وفي مطلع القرن الحادي والعشرين ادركت الديموقراطيات الغربية ان الفردية وغياب الديموقراطية على مستوى مختلف شعوب العالم يشكل احدى البيئات المشجعة للارهاب. فراحت تطالب الدول النامية بالتحول نحو الديموقراطية وفق ما تقتضيه المصالح الراهنة, وليس وفق منظور مستقبلي انساني.

وفي اطار كل ذلك, استمرت اشكالات الديموقراطية في الوطن العربي تتفاعل وتتفاقم بين الاشواق والتطلعات الوطنية للجماهير وبين الالتفاف على الاستحقاقات اللازمة لممارسة الديموقراطية, شمل ذلك الاصعدة الفكرية والعقائدية والسياسية والتنظيمية والمؤسسية. وهكذا راحت الحالة الديموقراطية تتقدم خطوة الى الامام وتتراجع خطوة الى الخلف, تحت شتى الاسباب والمبررات, ابتداء من الخصوصية العربية ومروراً برفض الاملاءات الخارجية وانتهاء بالبدائل الغائبة في اعماق التاريخ, واذا كان التقدم والازدهار ونقيضه التخلف والتعثر والفساد يتأثر كل التأثر بحالة الديموقراطية للمجتمع: ديموقراطية السياسة والاقتصاد والاجتماع والفكر والمساءلة والشفافية: فأي مستقبل للديموقراطية في الوطن العربي? وبالتالي اي مستقبل للتقدم والنهوض ينتظر الامة?. واذا كان الماضي قد استغرق منها الجهد والوقت الكثير في دراسته وتحقيقه والتأمل فيه واحيائه, فان المستقبل هو بحاجة اكثر الى مثل هذه الجهود, وذلك لصنعه وبنائه على اسس جديدة.

واختتم الدكتور كمال حديثه بالقول: ومن هنا فاننا نتوقع ان تلقي هذه الندوة المتخصصة الهادئة المزيد من الضوء العميق على مستقبل الديموقراطية في الوطن العربي كما نراها نحن لا كما يراها الآخر. حتى يمكن البناء على هذه الرؤية والتأسيس على مفاصلها الرئيسية.

اتقدم ببالغ التقدير والعرفان للمتحدثين واتقدم الى المشاركين والى مركز الرأي للدراسات ومركز الدراسات المستقبلية في جامعة فيلادلفيا بالشكر الجزيل على كل ما بذلوه من جهد واتقدم بالشكر الى جريدة الرأي على استضافتها لنا متمنياً لندوتكم النجاح.

ثم تحدث الدكتور صبري الربيحات وزير التنمية السياسية والشؤون البرلمانية الذي قال: في الواقع انني في مثل هذا الجمع اتحول الى تلميذ، لكن اسمحوا لي من منطلق المساواة ان اقدم بعض التصورات والأفكار حول المتغيرات التي يشتمل عليها عنوان هذه الندوة, وهنا أقول انه يمكن أن يكون هناك إشكالية في المفاهيم الثلاثة التي يشتمل عليها العنوان "مستقبل الديموقراطية في الوطن العربي" فالمستقبل مفهوم كما يقال هو مفهوم واسع حين نتحدث عن زمن آت في سياق زمن انصرف ولحظة معاشة, فهذا المخزون من الزمن هل نسير باتجاهه أم يسير باتجاهنا, على أن الفرق هنا بالتأكيد سيكون بين امة وأمة, فمنها من تسير هي باتجاه هذا المستقبل ومنها امم راكدة يسير المستقبل باتجاهها. فالماضي غالبا ما يكون مادة للاستذكار والتحليل ونبقى مع اللحظة المعاشة, فكيف يمكن لنا الاستفادة من ركام تجاربنا وتفاعلنا مع ما حولنا من معطيات ومثيرات وتوظيفها لخدمة واقعنا بحيث نخرج بناتج جيد من التجربة المعاشة في هذا التفاعل؟.

اما الديموقراطية فهي مفهوم ايضا يعتريه الكثير من الضبابية, فما الذي نقصده بهذا المفهوم ديموقراطية بالشكل ام المضمون? ديموقراطية في الافكار ام في القيم ام في المبادئ ام في النهج? وكيف يمكن ان نعرف ونترجم مبادئها؟ والى اي مدى نريدها ان تمضي? فالحق والعدل والمساواة بين من ومن? والحق لمن ومن? والعدالة لمن? وكيف يمكن ان تتم المواءمة بين هذه المنظومة من المبادئ وواقعنا العربي الذي نعيش وواقعنا الثقافي, حيث اننا امة لها تراثها وتاريخها وهويتها الثقافية ولديها في نظامها الثقافي اطروحة بديلة تكمن في نظام ثقافي اجتماعي سياسي عقائدي يصطدم كثيرا مع مفهوم الديموقراطية.

اما اذا تحدثنا عن الشكل فهناك اشكال كثيرة للديموقراطية، ولكن اعتقد انه علينا بداية النظر هنا الى ما يسمى الوطن العربي كوحدة تحليلية ومن ثم طرح التساؤلات التالية: هل الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والجغرافية التي يعيشها الفرد في اي ركن من اركان هذا المحيط العربي تنسحب على بقية الافراد الذين يعيشون في هذا المحيط ام ان هناك تبايناً في ظروف الناس المعيشية من منطقة لاخرى داخل هذا المحيط? ثم هل نحن نعيش في نظم مختلفة داخل ما يسمى بالنظام العربي? وهل هناك وحدة في الرؤية والتوجه والهدف لدى مختلف الدول التي تعيش ضمن هذا النظام? من المهم جدا قبل الولوج الى هذا الموضوع ان نرصد كل هذه المتغيرات والتعريفات ونعالجها, لانه احيانا نقوم بوضع تعريفات ونسير بمقتضى هذه التعريفات متناسين مسألة مهمة وهي انه ربما قد تكون هذه التعريفات لا تشخص الحالة برمتها فيصبح التحليل احادي المسار ولا يأخذ بعين الاعتبار التعقيدات التي يشتمل عليها المفهوم.

واضاف الربيحات انه بالتأكيد في العالم العربي واقعاً يمكن ان نضع ايدينا عليه وهذا الواقع هو واقع ثقافي سياسي اجتماعي يوجد داخله نماذج او انظمة فرعية لها ملامح وسمات يمكن ايضا تلمسها, لكن الى اين نسير? فنحن لا يمكن ان نجيب عن هذا السؤال الا اذا وضعنا انفسنا في السياق البشري الانساني العالمي لان اهمية معرفة كيف سارت الامم في عملية التنمية والظروف التي عاشتها والتحديات التي واجهت مسيرتها في هذا المجال وكيفية تجاوزها لهذه التحديات يمكن ان تشكل منارات لنا للاسترشاد بها, بمعنى انه هل الحالة التي نعيشها اليوم هي شبيهة بحالة اوروبا ما قبل النهضة او ما قبل الثورة الصناعية ام هي شبيهة بالمرحلة التي تليها? ام هل نحن نمر بمرحلة شبيهة لما تمر به الصين اليوم مثلا? ام هل التحولات التي نمر بها تسير في خط مستقيم ام هي دائرية ام حلزونية اذا جاز القول? وما الذي يدفع بنا الى التغير او التراجع او التحول، او ما الذي يتحكم في مسار التغيير في مجتمعاتنا وعالمنا العربي? يمكن لان هذه الرزمة من التساؤلات متشابكة وتحمل درجة من الغموض والتعقيد فلا بد ان نحاول على الاقل تلمس الملامح الكبرى الواضحة لهذا الواقع، بالتأكيد ان العالم العربي يمر
بتغييرات وتغيرات جذرية في استيعاب الثقافة الانسانية في الباب والمجال الديموقراطي لكن هناك ايضا حالة من التفاعل بين هذه المدخلات الديموقراطية مع الثقافة العربية الاسلامية، وبالتالي هذه العلاقة جدلية لانه احيانا تقدم هذه الثقافة كبديل عن الديموقراطية كمنهج واحيانا نحاول في كل مرة يعرض علينا سمة ديموقراطية ان نبحث داخليا في ثقافتنا لكي نرى ما يماثلها او يشابهها او ما يتقدم عليها, وكأننا في حوار مع شبح الديموقراطية كما تقدمه الثقافات الاخرى ونحاول بصورة دائمة ان ندلل على ان كل شيء يوجد لدينا منه نموذج.

وهذه العملية خلقت لدينا في العالم العربي اربعة تيارات وهي التيار الاسلامي الذي الى حد كبير ملتزم بالمنهج الاسلامي في التفكير والشعور والعمل والدعوة الى تبني النظام الاسلامي من خلال اطروحة "الاسلام هو الحل" لكل التحديات، ولدينا التيار التقليدي الذي يأخذ من الاسلام بعض المقولات, اي اطاره العام اسلامي لكن ممارساته لا تخرج عن نطاق القبلية الى درجة كبيرة، وهو التيار الاغلب بمعنى تيار الاغلبية الصامتة وهذا التحليل هو خاص برؤيتي كمشارك وليس له علاقة بمكاني الوظيفي في جهاز الدولة،

والتيار الآخر هو التيار الذي يسمي نفسه الاصلاحي وهو يقسم الى قسمين: ليبرالي وتوفيقي بمعنى يمزج بين الاصالة والمعاصرة.

والحقيقة ان هوية هذه التيارات ليست طافية على السطح ولا يوجد لها حركة ديناميكية ابعد من الكتابات والمحاضرات والافكار، بمعنى انه لا يوجد وجه سياسي او اجتماعي لهذه التيارات او الحركات باستثناء الحركة الاسلامية التي هي مبلورة بالفعل السياسي وتقدم اطروحتها في هذا المجال وهي في دائرة الفعل الى حد كبير، اما التيارات الاخرى فما زالت في مجال اما الترف الفكري او التعبير عن هويتها بالتظاهر او بالتلميح او الدفاع عندما تشعر بان هذه الهوية يتم تحديها.

على أن علاقة هذه التيارات جميعا مع النظم العربية هي علاقة يكتنفها حالة من الالتباس، والسبب انها ليست كلها في دائرة الفعل، وهنا يمكن القول إن 90% منها تتحدث في كل القضايا لكنها لا تعمل على ارض الواقع في هذه القضايا، بمعنى أن معظمها يقع في دائرة التحدث والتنظير وليس دائرة الفعل والمشاركة.

وفي تصوري إن ما يحدث حولنا في العالم ودورنا العالمي هو يعطينا مؤشراً على واقعنا لأنه عبر التاريخ فان كل ما حصل أو طرأ علينا من تغيرات لم نكن نحن طرفا فيها وحتى عندما تحولنا من مجتمع الرعي إلى مجتمع الاستقرار والصناعة كان الوسيط تكنولوجيا غربية أو شرقية أو عالمية، ومع ذلك فقد بقينا في ثقافة الاقتصاد الريعي الذي لا حول لنا فيه ولا قوة وحتى عندما يتوفر لدينا مبالغ كبيرة أو فائض من الأموال فإننا لا نعرف كيف نتعاطى معه, فآليات تعاملنا مع المتغيرات والعالم والبيئة ما زالت إلى حد كبير قدرية ولا يوجد لدينا درجة كبيرة من التأثير فيما هو حولنا.

وأشار الربيحات إلى أننا في الأردن نحاول أن نتحرك باتجاه أن نكون مؤثرين في مجال التربية وبناء الإنسان وهناك جهود كبيرة تبذل بهدف التحول إلى اقتصاد المعرفة، وتقول المؤشرات العالمية ومؤشرات البنك الدولي إن لدينا تغييراً ملموساً وملحوظاً في هذا المجال, فقد كنت قبل أسابيع قليلة في منتدى عالمي قدم فيه البنك الدولي دراسة حول الدول التي حاولت أن تنتقل إلى اقتصاد المعرفة لتكون مؤثرة، ومن بين دول العالم الثالث كانت الأردن هي الدولة رقم واحد في هذا المجال مقارنة مع الباكستان واستونيا وبعض الدول الأخرى.

واختتم الربيحات حديث بالقول انه فيما يتعلق بجانب العمل السياسي ايضاً لدينا محاولات لكن التزامنا بها بصورة كلية كمجتمع ما زال ضعيفاً لان الكثير منا كمجتمع ما زال في دائرة النقد وليس في دائرة المشاركة، فحتى الآن لم نتفق على كيف نسير والى اين نسير وما هو المنهج الذي نتبناه في مسيرتنا هذه, وحتى نظرتنا للتغيير وكيفية احداث التغيير ما زالت محل خلاف بين كثير من الاوساط والتيارات والمؤسسات على الساحة الاردنية, بمعنى انه حتى عندما تتاح الفرصة لنا ان نمارس حقنا الديموقراطي فانه يكون لدينا التباس حول كيفية هذه الممارسة, فالبعض يرى ان التشريعات سبب ضروري وكاف لحدوث الديموقراطية ولكن مع انها شرط ضروري واساسي لحدوث الديموقراطية الا انها وحدها تبقى غير كافية، لانه لا بد ان يكون هناك وعي وثقافة وقيم واجماع على ان هذه القيم ممثلة وقابلة لان يلتزم بها الجميع ويمارسها في فعله وعمله.

الساكت: لا زالت مقولات الفكر المستورد وعدم الانتماء والارتباط بالخارج من أهم معيقات التطور الديمقراطي

وفي ورقته التي جاءت بعنوان ادارة الدولة قال الاستاذ مازن الساكت رئيس ديوان الخدمة المدنية: أرجو بداية أن أتقدم بالشكر الجزيل لجامعة فيلادلفيا والرأي على إقامة هذه الندوة التي تتناول قضية في غاية الأهمية لشعوبنا العربية, بعد أن باتت الديموقراطية خياراً ثابتاً وطريقاً للوصول إلى مجتمعات ودول تتحقق فيها حرية المواطن وعدالة القانون وحقه في المشاركة، بل إنه الخيار الذي يقود إلى التقدم ومواجهة التحديات. وأن أشكر دعوتي للمشاركة في أحد محاور هذه الندوة "محور إدارة الدولة" التي أرجو أن أتمكن من الإسهام في تسليط الضوء على واقعها ودورها وما تفرضه عملية البناء الديموقراطي من متغيرات فيها. واستميحكم عذراً أن لا تكون هذه المساهمة ذات منهجية أكاديمية ولا هي متقيدة بأسس البحث العلمي فتلك صفات لا تدعيها هذه الورقة.

واضاف الساكت إن عنوان هذا المحور »إدارة الدولة« عنوان عام وشامل ويتعلق بنظام الدولة السياسي وسلطاتها وأجهزتها وإدارتها وتأثير كل ذلك على مختلف جوانب الحياة والأنشطة والقطاعات في الدولة بجوانبها التشريعية والتنظيمية والإجرائية ودورها في عملية البناء الديموقراطي وطبيعة وشكل هذا الدور في النظام الديموقراطي وهي لذلك مهمة لا تستطيع ورقة في ندوة أن توفيها حقها.

وإذا كان كل ذلك صحيحاً فإن ما سنطرحه اليوم هو عناوين ومقدمات للحوار الذي نأمل أن يسهم في الوصول إلى فهم مشترك للتوجهات العامة ولدور هذا المحور في العملية الديموقراطية ومستقبلها، كما أرجو قبل ذلك أن يتقبل زملائي المشاركون في المحاور الأخرى أن أثير في هذه المقدمة ملاحظة مطلوب منا التوقف أمامها والإجابة عما ستطرحه من تساؤلات تتعلق باحدى القضايا الرئيسية في عملية تبني الديموقراطية كخيار في الوطن العربي ونموذج للنظام السياسي ولعلاقات المجتمع والدولة, ألا وهي ماهية وطبيعة النموذج الديموقراطي الذي يمكن لنا أن نتبناه ونسعى إلى إقامته في الوطن العربي.

وبين الساكت انه رغم عدم وجود خلاف على تعريف الديموقراطية ونظامها كأحد إفرازات تطور ورقي الإنسان والشعوب في عملية تنظيم علاقات مجتمعاتها ودولها وحقوق الإنسان فيها وتحقيق العدالة والحرية فإن هذا النظام في الدولة الحديثة والذي جاء بشكله المعروف نتيجة لتطورات اقتصادية اجتماعية ثقافية شاملة وعميقة في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة يصطدم في الدول النامية بتراث تاريخ من العلاقات والثقافات لم يتمكن الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ودرجة تطوره من تجاوزها، وهي بالتالي تحكم عملية تبني الديموقراطية وتعكس نفسها على طبيعة الخيارات التشريعية والمؤسسية وعلى مراحل التقدم باتجاه بناء نظامها ودولتها ومجتمعها، والأهداف الواقعية لها حتى تكون هناك معايير وأهداف قابلة للقياس والتقييم ونتجاوز حالة الدوران في الحلقة المفرغة بين النموذج العالمي ومحددات الواقع القومي والوطني، ولعل هذه القضية كانت احدى المهام أمام حركة الفكر العربي والقوى السياسية التي غلب طابع الشعار على تبنيها للديموقراطية ولم يتحول إلى تغيير عميق وحقيقي في الفكر السياسي.

وأوضح الساكت انه من المهم الإشارة هنا إلى أن هذه الملاحظات لا تعني تبريراً لمحاولات تحجيم وتقنين الديموقراطية والحريات العامة أو قبولاً بالتعامل الشكلي مع الديموقراطية, ولا هي في نفس الوقت معزولة عن مشكلات الديموقراطية وعيوبها ومساوئها في التجربة الرأسمالية.

ففيما يتعلق بالخيار الديموقراطي والتغيير المطلوب في واقع إدارة الدولة قال الساكت: إن عودة تبني الخيار الديموقراطي في الوطن العربي أعاد طرح مفهوم الدولة وتعريفها ومهمة تصحيح ما شابه خلال تجربة العقود الماضية من تشويه وخلط لمصلحة النظام الشمولي والأنظمة العرفية التي دأبت على إطلاق تعريف الدولة على السلطة بل أنها كانت تقتصر ذلك على السلطة التنفيذية, وذلك بغرض الوصول إلى نتيجة مفادها أن كل من يختلف معها سواء اتجاه أو فئة أو شخص هو حكماً خارج إطار تعريف الدولة الذي يشمل السلطة والأرض والشعب، وإذا كانت دوافع الأنظمة خلف تقديم هذا التعريف للدولة مفهوماً فقد كانت المشكلة في أن تخضع الحركة السياسية لهذا التعريف وتترك إسقاطاته تحكم برامجها ومواقفها وسلوكها فتعززت مقولات الفكر المستورد وعدم الانتماء والارتباط بالخارج.

والقضية الثانية التي كان لا بد أن يتعامل معها تبني الخيار الديموقراطي هي في تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات باعتباره أحد قواعد النظام السياسي الديموقراطي والأنظمة الدستورية النيابية, والذي شهد تراجعاً وتغيباً خلال معظم عقود النصف الثاني من القرن الماضي أو أنه مورس بشكل صوري من خلال عمليات التعيين أو الانتخابات الشكلية, بما في ذلك القضاء الذي لم يسلم في تلك المراحل من هيمنة السلطة التنفيذية وإن كان بنسبة أقل وباستخدام القضاء الأمني والعسكري في قضايا المجتمع المدني، كما شهدت تلك المراحل إقرار تشريعات وقوانين وأنظمة أو وضع دساتير تخدم غرض التفرد بالسلطة أو إجراء تعديلات دستورية استهدفت الحريات العامة وحقوق التعبير والتنظيم والعمل السياسي.

وفي مجال العاملين في الإدارة الحكومية فقد منعت التشريعات الموظف الحكومي من الانتماء للعمل السياسي والتعبير عن الرأي بما في ذلك منع تشكيل النقابات لفئات مهمة من المجتمع, في حين حصرت أنظمة الحزب الواحد حق تسلم مواقع إدارة الدولة بكافة مستوياتها بأعضاء حزبها، وباتت معالجة ما خلقه موروث مراحل طويلة من غياب الحياة الديموقراطية مهمة رئيسية قد لا تكفي معها في كثير من الأحيان النصوص التشريعية, بقدر ما هي بحاجة إلى تغيير في الثقافة والقناعة والإرادة السياسية والممارسة الديموقراطية.

واضاف الساكت: لقد كان فشل وسقوط وتراجع تجارب الأنظمة الشمولية أحد الأسباب الرئيسية في الأخذ باتجاه تصحيح واقع إدارة الدولة, والتحول نحو بناء النظام السياسي الاقتصادي الاجتماعي الديموقراطي في الوطن العربي والعالم. كما إن الإقرار الواسع بتبني الخيار الديموقراطي والتعددية والعلنية السياسية وتفعيل الانتخابات النيابية والدساتير والقوانين التي تحمي هذه الحقوق شكلت في أواخر الثمانينات من القرن الماضي التطور الأهم في حركة المجتمعات العربية وخياراتها الفكرية والسياسية, ولكن تلك الظاهرة التي كان يمكن أن تشكل تجديداً للاتجاه الديموقراطي الذي طبع حركة النهضة العربية في أوائل القرن الماضي ثم تراجع لاعتبارات عديدة لا مجال لبحثها هنا, لعل أهمها نشوء المعسكر الاشتراكي وما مثله من خيارات سياسية واقتصادية وفكرية سادت لدى معظم القوى والاتجاهات التحررية في مواجهة المعسكر الغربي الرأسمالي والاستعماري, شهدت هي الأخرى تراجعاً وانتكاساً كان سببه الرئيسي المتغيرات الهائلة والجذرية في واقع النظام العالمي والخضوع لنظام القطب الواحد ومعادلاته وتأثيراته التي كان الوطن العربي ولا يزال مسرحاً رئيسياً لها. تلك ملامح عامة لقضايا لا بد من وعيها وإدراك دورها وتأثيرها والاتفاق على مفاهيمها حتى نتمكن من تناول قضية الديموقراطية في الوطن العربي كتطور فكري وخيار ونظام سياسي وبرامج وتشريعات ومؤسسات وبرامج لعملية بناء تراكمي للدولة الديموقراطية.

واوضح الساكت انه في الأردن شهدت التشريعات تطوراً مهماً تمثل في تفعيل الدستور وقانون الانتخابات النيابية وقانون الأحزاب وإلغاء الأحكام العرفية كما قادت الدولة حوارات وطنية كان أبرزها إنجاز الميثاق الوطني كوثيقة وطنية شاملة توافق عليها مختلف أطراف المجتمع الأردني السياسية والاقتصادية والاجتماعية, كما أعيد كافة المفصولين في أجهزة الدولة لأسباب سياسية ولم يعد هناك تدخل في عمليات التعيين في أجهزة الدولة لأسباب سياسية, وأتيح للمرأة الأردنية دور أوسع في العمل والمشاركة في مختلف المواقع وبات توسع هذا الدور مرهوناً بتخلص المرأة والمجتمع من موروث اجتماعي وثقافي يعوق تقدمها أكثر منه معوقات تشريعية أو إدارية، وتوقف الدور التقليدي للأجهزة الأمنية مع بعض الاستثناءات في عدد من المحطات وباتت الدولة تشارك في الحديث عن تبني الخيار الديموقراطي وتنشأ المؤسسات التي تحمل عناوين ومهمات بنائه وتنمية الحياة السياسية والدفاع عن الحريات العامة بغض النظر عن واقعها أو مدى نجاحها.

ورغم كل هذه الإنجازات والمتغيرات فقد بقي التحول في العديد من الجوانب محدوداً ولم تستمر عملية اتساعه وتعميقه, بسبب المتغيرات الدولية والإقليمية التي رافقت السنوات الأولى من عودة الحياة البرلمانية والعمل السياسي العلني وتبني الخيار الديموقراطي, تلك الأحداث التي أعادت حالة الخلاف الحاد والخنادق في المواقف والشك في مصداقية وجدية تبني الديموقراطية، فشهدنا لدى معظم القوى والاتجاهات السياسية عودة للخلط بين معنى تبني الديموقراطية كتطور عميق وحقيقي في الفكر السياسي وما يفرضه من برامج وسلوك ومواقف، وبين استمرار النهج الشمولي والتشكيل في الخيار الديموقراطي والتعامل معه على اعتباره فسحة من الحرية للتعبير عن الرأي مقابل تجدد المخاوف وعدم الثقة لدى السلطة, الأمر الذي منع تطور التجربة وتعميقها وتوسيع المشاركة الحقيقية في بنائها، وأعاد دور عقلية وقوى واتجاهات سياسات ضبط وتحجيم العمل السياسي والشعبي ومحاولات الاكتفاء بنموذج الديموقراطية المقننة والشكلية، ولا بد من الإشارة هنا, إلى أن التشريع بقي متحفظاً تجاه ممارسة موظفي الدولة العمل السياسي, والغريب أنه جاء أكثر تشدداً في نظام الخدمة المدنية الحالي الذي وضع عام 2002.

ولعل دور الدولة في إدارة الموارد البشرية وتنميتها هو التحدي الأهم على المستوى الوطني في الدولة الأردنية, لأن الإنسان هو المورد الرئيسي بل قد يكون المورد الثابت الوحيد للأردن في كل المراحل، وعندما يكون العنوان هو الديموقراطية ومستقبلها فإن إدارة الموارد البشرية التي يندرج ضمنها التعليم ومخرجاته في كل مراحله والثقافة والتدريب والبحث العلمي والبطالة والفقر وفرص العمل .. لا بد أن تتأثر بخيارنا الديموقراطي الذي يسعى إلى تحقيق مجتمع العدالة وتكافؤ الفرص وتأمين وحماية حقوق الإنسان في الحياة الحرة الكريمة.

وحول الديموقراطية ومؤسسية إدارة الدولة قال الساكت انه باستثناء المغرب لم تشهد أقطار الوطن العربي أي عملية تغيير ولو جزئي على آلية تشكيل وبناء مؤسسية قيادة السلطة التنفيذية في الدولة, ولم نشهد تقدماً باتجاه ممارسة التنافس السلمي لتداول السلطة وتشكيل الحكومات بواسطة الغالبية السياسية, أو حتى التعبير عن برنامج سياسي اقتصادي لرؤساء الحكومات وطاقمهم الوزاري, وبقي النهج التقليدي سائداً, بل لعلنا شهدنا نوعاً من استمرار وتزايد ضعف دور الحكومات وصلاحياتها في وضع السياسات والبرامج الأساسية على مستوى الدولة, وحتى تراجع دور رؤساء الحكومات في تشكيلها. كما برزت حالة التوريث السياسي في الأنظمة الجمهورية الذي شكل التعبير الأقصى عن حكم الفرد اللاديموقراطي.

إن هذه الظواهر الخطرة على واقع قيادة السلطات التنفيذية العربية لا يمكن الدفاع عنها بمبررات ضعف الحركة السياسية وأحزابها ولا بمقولات القائد الضرورة واستمرار نهجه, ولا بمبررات إنجاز البرامج الإصلاحية التحديثية أو الشراكة مع القطاع الخاص فتلك أهداف لها وسائل تحقيقها المؤسسية، بل إن الديموقراطية التي نسعى للتقدم باتجاه بناء نظامها السياسي تجعل من عملية تشكيل الحكومات خاصة في ظل ضعف الأحزاب السياسية مهمة تستند إلى الاتفاق والانسجام على برنامج محدد الأهداف يتبناه رئيس الحكومة ويشكل فريقه من أشخاص واتجاهات قادرة على تنفيذه ومسؤولة أمامه, والفريق بكامله مسؤول أمام السلطة التشريعية ورئيس الدولة، والقضية الثانية التي يفترض في التوجه الديموقراطي أن يفرضها ويعززها في إدارة الدولة هي المهنية والاحتراف وتعزيز دور القيادات الإدارية في الدولة التي يكون الوزير فيها صاحب الرؤيا التي تتبنى السياسات والتوجهات التي تضعها حكومته ومتابعة تنفيذها, أما قيادة الإدارة الفعلية لأجهزة الدولة فهي للأمناء والمدراء العامين وللكوادر القيادية الذين لا يجوز أن يشملهم التغيير السياسي أو الشخصي بل يحدد بقاءهم وتغييرهم كفاءة الأداء والمعايير المؤسسية ومعايير النزاهة والحيادية.

واكد الساكت ان الديموقراطية هي تعزيز للمشاركة الشعبية في إدارة الدولة حين لا يزال الوطن العربي يتلمس سبل تطبيقات الدولة والمجتمعات الديموقراطية في إدارة الدولة, ويطرح في هذا السياق شعارات المشاركة وأشكال وتجارب ومؤسسات الحكم المحلي واللامركزية...الخ، ونحن في الأردن لدينا مثل هذه الطروحات وحتى التجارب التي لا تزال في بداياتها, ولعل فكرة الأقاليم هي أحد المداخل الأساسية الذي يمكن أن ينقلنا إلى ممارسة تجربة قابلة للتطبيق في مجال المشاركة والحكم المحلي بما تعطيه من تجميع لإمكانات مادية وبشرية وجغرافية وما يمكن أن تطرحه من صيغ مؤسسية انتخابية أو تشاركية لممارسة حق رسم السياسات وإقرار البرامج والمشاريع وتنفيذها, وهي حالة تشكل أحد الأمثلة على ما أشرنا إليه سابقاً من أهمية وضرورة أخذ الواقع ودرجة تطوره وظروفه في وضع الأهداف والآليات لبناء نموذج ديموقراطي في بلادنا.

إن إدارة الدولة التي تتنوع وتتسع لتشمل مختلف جوانب النشاطات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والعامة يفرض عليها تبني الخيار الديموقراطي إضافة إلى عوامل أخرى تتعلق بتطور المفاهيم والتجارب والاتجاهات الحديثة التي تطرح إعادة النظر في دور الدولة وحجم هذا الدور وحدوده والتخلي عن بعض الأدوار التقليدية والتشاركية للقطاع الخاص والمجتمع المدني، كل ذلك يفرض تحولات كبيرة في هذا الدور وفي عملية إدارته لا بد أن يتوافق مع مأسسة وتعميق التجربة والممارسة الديموقراطية لنضمن استمرار حالة منظمة لهذه الأنشطة تضمن المشاركة الشعبية وعدالة الفرص وعدالة سيادة القانون وعدالة فرص الاستفادة من نتائج التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فإذا تحدثنا عن جانب الحقوق الأساسية والخدمات الأساسية في التعليم والصحة والمياة وحتى تلك الخدمات التي تمت خصخصتها في معظم أقطار الوطن العربي والأردن مثل الكهرباء والاتصالات وحتى إدارة المياه وبغض النظر عن الموقف من هذه السياسات فإن البناء الديموقراطي للدولة يجب أن يوجد صيغاً مؤسسية ملزمة لمشاركة شعبية جدية ومنظمة من خلال مؤسساته وهيئاته ليتمكن من حماية مصالح فئاته المختلفة وحقوقها.

وأشار الساكت إن انسحاب الدولة من ملكية وإدارة العديد من النشاطات والخدمات يطرح بالضرورة إيجاد معادلات جديدة في العلاقات بين أطراف العملية الاقتصادية الإنتاجية والخدمية لتأمين تقدمها ومستواها وضبط تكاليفها وهي عملية لا تتم بغير تجذير الممارسة الديموقراطية والمشاركة الواسعة والتزام إدارة الدولة بتحقيقها، ولعل في حل بعض الوزارات أو التوجه نحو هذا الخيار مثل وزارات الشباب والإعلام والثقافة جانباً آخر يطرح دور عملية البناء الديموقراطي في جعل هذه التوجهات نقلة نوعية في ممارسة إدارة هذه الأنشطة وليس مجرد تحول شكلي أو إلغاء للمؤسسية في الدولة والمجتمع وما ينتج عنه من خسائر ومخاطر، وتستند فلسفة هذا الإلغاء إلى انسحاب الدولة من إدارة هذه الأنشطة وإشراك أو إحلال المجتمع المدني ومؤسساته. كما تستند إلى ترشيد النفقات الحكومية وتخفيف العبء على الموازنة العامة، وعليه لا بد من مراجعة تقييميه لهذه التجارب التي لم تستطع في رأينا إلى الآن أن تحقق أهداف هذه الفلسفة وفحص مدى قدرة تطور مؤسسات المجتمع المدني على القيام بهذه الأدوار ومدى المسافة التي قطعناها في طريقنا إلى تحقيق الديموقراطية وممارستها.

وحول إدارة الدولة والتنمية اكد الساكت أن مجمل المتغيرات الدولية التي عصفت بالعالم في السنوات القليلة الماضية, وبدأت تفرض تحولاً جديداً نحو العولمة بشروط وقوانين ومؤسسات تضعها القوى المهيمنة في العالم, لا بد أن تترك تأثيراتها المباشرة على السياسات والواقع الاقتصادي لكافة الدول خاصة في العالم الثالث ومنها الأردن, ولكن هذه الحقيقة تفرض أيضاً مهمة البحث عن سبل مواجهة سلبيات هذا التأثير والتكيف معه في نفس الوقت, بأقل ما يمكن من الخسائر.

إن منهجية التخطيط في الإدارة الحكومية كمهمة تبقى ضرورية حتى في ظل الخيار الديموقراطي وهي منهجية ليست لها اشتراطاتها الثابتة والمحددة مسبقاً وهي قبل ذلك لا تخضع لالتزام نهج نظري شمولي. وبهذا التعريف للتخطيط نقول إن التخطيط في الأردن مهمة مطلوبة لتحديد أهداف التنمية والتقدم الاقتصادي وتوضيح أولوياتها وأدواتها ومشاريعها ووضع أدوات قياس لنتائجها, بدون أن يكون هناك التزام تشريعي تعسفي بما تطرحه تلك الخطط, والاستعاضة عنها باعتماد حوافز تشجيعية تدفع باتجاه توجيه السلوك الاقتصادي العام في القطاع الخاص باتجاه أهدافها، وإن من الضروري إعادة النظر في واقع المؤسسات العامة وتضخمها وترهلها, والتي نحن بحاجة إلى تغيير شامل في مفهوم الوظيفة العامة ابتداءً من الاستخدام والتوظيف وانتهاءً بأشكاله التنظيمية والقوانين والأنظمة والإجراءات, وبشكل عام فإن تعمق التغيير والبناء الديموقراطي هو مفتاح أساسي في معالجة إشكاليات واقع الإدارة الحكومية والنهوض بكفاءة وعدالة أدائها.

لقد نصت مختلف القوانين والأنظمة الدولية على حق الإنسان في الضمان الاجتماعي التي هي مظلة متكاملة من الحقوق من ضمنها حقه في العمل والغذاء والسكن والطبابة والتعليم والحياة الكريمة وتقاعد الشيخوخة, وهي حقوق لم تتمكن حتى المجتمعات المتقدمة من تحقيقها بمعزل عن دور الدولة وإداراتها, فكيف بمجتمع كمجتمعنا, خاصة بعد أن بدأت تغزوه قيم الحضارة الحديثة لتحل محل التكاتف الاجتماعي التقليدي الموروث.

واستطرد الساكت بالقول انه إذا كنا نتحدث عن أهمية تحقيق جدوى اقتصادية وتغطية التكاليف في المؤسسات التي تدير عملية تقديم الخدمات, وعن سلبيات الإدارة العامة وروتينها وترهلها, فإن كل ذلك لا يستطيع أن يقلل من أهمية توفير تلك الخدمات لمجتمع ومواطنين ومناطق جغرافية ليس لديها المقومات والقدرة على دفع التكاليف الحقيقية لهذه الخدمات بشكل مباشر, فمهما كانت كفاءة القطاع الخاص في إدارة هذه المؤسسات ومشاريعها, فإن الواقع الطبيعي والموضوعي في الأردن ولزمن غير منظور يؤكد وجود فئات اجتماعية ومناطق جغرافية واسعة لن تتمكن من دفع تكاليف هذه الخدمات علاوة على ما يريد القطاع الخاص تحقيقه من أرباح من خلال إداراتها, هذه الحقيقة شيء وتحسين إدارة هذه المؤسسات وخدماتها شيء آخر, ليس كل مشكلاته مرتبطة بطبيعة الإدارة الحكومية ومشكلاتها, بل أن أغلب تلك المشكلات يمكن معالجتها وتحسين الأداء العام ونتائجه بوجود تطوير حقيقي للأنظمة والتشريعات, وإعطاء مرونة تخدم تحسين الأداء الاقتصادي لها.

وأكد الساكت إن مشاركة القطاع الخاص وممثليه المنتخبين ومؤسساته في وضع السياسات والتشريعات بل وتمثيل هذا القطاع ومختلف ممثليه في السلطة التشريعية هو الذي يعزز دور الدولة في عملية تنظيم وتوجيه التنمية الشاملة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ولعل من أهم المجالات التي يجب أن ينالها التطوير لتعزيز الحرية الاقتصادية ودعم نشاط القطاع الخاص في ظل النظام الديموقراطي, هي مختلف النشاطات والمجالات التي مارست فيها الدولة الاحتكار ووزعت حقوقها وفوائدها على عدد محدود من المستفيدين, كرخص الآبار ورخص خطوط النقل, ورخص الاتجار بوسائل وأدوات الاتصال والعديد من الرخص الأخرى, وكذلك حق امتلاك السيارات بدون دفع الرسوم الجمركية. والعجيب أن أصحاب الدعوى للاقتصاد الحر واقتصاد السوق ورفع يد الدولة ورفع الدعم عن المواد الأساسية لا يذكرون أياً من تلك الأنشطة والمجالات التي يعلمون شكل التركيز في احتكارها بل ويمارسونها من موقع نفوذهم ويتناسون ما يعنيه الاقتصاد الحر من تساوي الفرص وحرية الوصول إليها لجميع المواطنين.

وعن إدارة الدولة ومعادلة الأمن والحرية اختتم الساكت حديثه بالقول: إذا كان لا بد من نهاية للحديث في هذا المحور فإن قضية الأمن كضرورة وطنية للاستقرار والتقدم وحماية الوطن والمواطن والإنجاز هو قاعدة بناء الديموقراطية الحقيقية, وهو قاعدة تحقيق وحماية حرية المواطن وحقوقه السياسية والعامة. فالأمن بمفهومه الوطني الديموقراطي الشامل الأمن الاقتصادي والاجتماعي والسياسي هو قاعدة ممارسة الحرية وسيادة القانون وتطور عملية التنمية والتقدم الديموقراطي في النظام الديموقراطي لا يجوز أن يبقى مفهوم الأمن التقليدي القمعي الموجه ضد حقوق الرأي والتنظيم والمشاركة الدستورية, ولا مكان للتخوين والانقلابية والتكفير والعنف.

د. غصيب : لقد حول الإعلام الاميركي لفظة الديموقراطية لغماً ايديولوجياً تزرعه في الوعي الجمعي من اجل تفجيره من الداخل وشل الفعل المرتكز اليه.

من جانبه, قال الدكتور هشام غصيب رئيس جامعة الأميرة سمية والذي جاءت ورقته بعنوان "اطروحات حول الديموقراطية ماضياً وحاضراً ومستقبلاً": أود أن اعبر عن رؤيتي للديموقراطية, والتي كونتها في السنوات السبع عشرة الأخيرة, على صورة اطروحات يمكن ان تشكل مستقبلاً نواة لنظرية شاملة في مفهوم الديموقراطية فبالنسبة للأطروحة الاولى فهي تقول: ان الديموقراطية ظاهرة تاريخية معقدة ومتعددة الاشكال والمعاني والآليات والجذور, الأمر الذي يصعب أمر فهمها وتحديدها ومعرفة بناها وقوانينها, كما يجعلها عرضة للسطو الأيديولوجي, وإساءة الاستعمال المعنوي, فمثلما ان الاشتراكية اختزلت الى بعض مظاهرها الشكلية, ثم الصقت بأنظمة استبدادية استغلالية فاسدة, نجد اليوم الديموقراطية تختزل الى بعض الإجراءات الشكلية, كتنظيم انتخابات "نزيهة" ثم تلصق بأنظمة طائفية منبثقة من قلب الاحتلال وإرهاب الدولة, كما أنها أضحت وسيلة أيديولوجية اعتباطية لتجميل هذا النظام أو تشويه ذاك حسبما تقتضيه مطامع الولايات المتحدة الاميركية.

لقد حول الإعلام الاميركي الرئيسي لفظة الديموقراطية لغماً أيديولوجيا تزرعه في الوعي الجمعي من اجل تفجيره من الداخل وشل الفعل المرتكز اليه, هكذا فعل هذا الاعلام في التمهيد لغزو يوغسلافيا والعراق, وافلح في شل الشارع وعزل المعتدى عليهم, انه يعمد إلى اشتقاق انموذج للديموقراطية مبسط ومجرد الى حد الابتذال, ثم يلصق به صفة الخير المطلق الخالي كلياً من التناقضات, ويرفد ذلك بالصاق صفة الشر المطلق بغيره من النظم المثالية والواقعية من اجل تصفيتها نظرياً, تمهيداً لتصفيتها عملياً. انه اذن يسعى الى حجب الواقع الحي المعقد بمثالات ومجردات تبسيطية ساذجة من اجل تفكيكه وتدميره والحاقه بذلك, بات ملحاً رد الاعتبار الى الواقع الحي والمنهجيات والتحليلات التي تنيره وتكشف عن مكنوناته وتظهر بواطنه, فخير وسيلة في مجابهة العدوان والتزوير الإعلاميين الكاسحين في عالم اليوم هي التدقيق العلمي في المصطلحات والكشف عن معانيها الواقعية وفتح الحوار النقدي الحر حولها. ولعله من المفيد ان نشير هنا الى عملية التصنيم (من صنم) التي يلجأ اليها الاعلام العالمي المسيطر, فهو يقدس بعض الأفكار والنماذج ويحيطها بهالات تمنع نفاذ الفكر النقدي اليها (كالديموقراطية الليبرالية والمحرقة اليهودية) ويحولها اصناماً وموضوعات للعبادة, لا للتفكير والفعل العقلاني, ولما كنا ضحية هذا التصنيم, فعلينا ان نتصدى له بالجرأة الفكرية اللازمة التي لا تعترف بحدود للفكر النقدي الصارم.

وفيما يتعلق بالاطروحة الثانية قال الدكتور غصيب: علينا اولاً ان نميز بين النظم الديموقراطية التي ظهرت عبر التاريخ, ولا يجوز الخلط بينها او التقليل من الفروق بينها, وهذا التمييز يأخذ مداه بأخذ الشروط الاجتماعية التاريخية لكل صنف بعين الاعتبار فعزل النظام الديموقراطي المعني عن ظروفه وشروطه ومضمونه الاجتماعي يصنمه ويشوهه ويحيله مجرد مثال وهمي ايديولوجي لا يخدم سوى من يريد ان يتسلط وينهب. ونحن لا نتكلم هنا عن التصورات الرائجة وغير الرائجة للديموقراطية, وانما عن النظم الديموقراطية الفعلية التي ظهرت عبر التاريخ. ولا اريد هنا ان احصر اصناف النظم الديموقراطية التاريخية جميعاً, وإنما أن أقارن بين الأصناف الرئيسية المتعارف عليها من اجل تحديد معنى الديموقراطية وحدودها وآفاقها وتناقضاتها وأسسها وقواعدها. هذه الاصناف هي: الديموقراطية الاثينية, ديموقراطية روما, الديموقراطية الليبرالية, ديموقراطية كومونة باريس وسوفييت بتروغراد (لينينغراد لاحقاً) ولكل من هذه الاصناف تناقضاتها وارضيتها ومضمونها الاجتماعي ووظائفها المحددة ومسوغاتها. ومن الخطأ الظن ان الصنف اللاحق هو شكل مطور في جميع جوانبه للشكل السابق. فديموقراطية روما مثلت تراجعاً, وليس تقدماً, بالنسبة إلى ديموقراطية أثينا, بل أن الديموقراطية الليبرالية نفسها تمثل تراجعاً بالنسبة الى ديموقراطية أثينا في بعض مناحيها, ونحن نقول ذلك وفي أذهاننا محاولات تصنيم الديموقراطية الليبرالية ورفعها فوق النقد العقلاني, والتي ما فتئت ابواق الدعاية الاميركية تروج لها بطريقة تشل حرية التفكير وملكة النقد لدى الناس. ولنجر بعض المقارنات بين هذه الاصناف من اجل القاء الضوء على معانيها وبيان تناقضاتها وحدودها من اجل استنتاج ما يمكن تحقيقه من نظم ديموقراطية ممكنة في بيئتنا العربية.

ولنبدأ بديموقراطية اثينا, ان النقطة الجوهرية في هذه الديموقراطية هي كسرها الفصل المطلق بين الحاكم والمنتج. فالنظم السياسية التي كانت سائدة في الحضارات القديمة حين نشأت ديموقراطية اثينا, اتسمت تماماً بذلك الفصل المطلق: نخبة حاكمة لا تعمل ولا تنتج واكثرية منتجة لا تحكم; نخبة متخصصة في فن الحكم واكثرية متخصصة في فن الانتاج المادي, وجاءت ديموقراطية اثينا تتحدى هذا الفصل وتضع الحكم والقوة السياسية, اي قوة اتخاذ القرارات العامة وتنفيذها, في يد شرائح من المنتجين الرئيسيين: الفلاحين والحرفيين وعمال الموانىء, فأضحى النظام السياسي اداة لحماية المنتجين من ملاك الأراضي والعبيد والسفن التجارية ومطامعهم واستغلالهم, لقد كانت ديموقراطية اثينا اول شكل من اشكال ديموقراطية الكادحين في مواجهة حكم الملاك في التاريخ.

وبالطبع, فان اثينا الكلاسيكية لم تكن تعرف الفصل بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني, اي الفصل بين الدولة والمجتمع, لذلك, فانها لم تكن في حاجة الى دستور وحدود لفصل الدولة ولا حتى الى حقوق مدنية, اي لم تكن في حاجة الى ما اخذ يعرف في عصرنا بالليبرالية، وفيما كانت ديموقراطية اثينا ديموقراطية مباشرة, فقد كانت ديموقراطية روما اول ديموقراطية تمثيلية في التاريخ, لكنها مع ذلك, كانت ابعد ما تكون عن الديموقراطية بمعناها الاصلي الاثيني. اذ كان مجلس شيوخ روما لا اكثر ولا اقل من اداة سياسية في يد ارستقراطية روما, ملاك المزارع والعبيد, للهيمنة على الطبقات الاخرى والتحكم فيها وتحريكها في خدمة اهدافها, لقد كانت ديموقراطية روما تعبيراً عن دكتاتورية الارستقراطية الرومانية, ويأتي هذا التوصيف داعماً لرؤية ماركس ولينين في ان الديموقراطية هي في جوهرها دكتاتورية طبقة. كما يدعم مقولة, سبق ان طرحتها في كتاب لي بعنوان "مقومات التصور الثوري للديموقراطية" (1992), وهي ان اهمية المجلس المنتخب, كالبرلمان مثلاً, لا تكمن في شكله المؤسسي ولا في كونه منتخباً, وانما تكمن في مضمونه الطبقي, ان المجلس المنتخب هو في البداية وفي النهاية اداة توحيد طبقي, ومن ثم اداة صراع طبقي, وان كان ذلك لا ينفي كونه شكلاً متطوراً من الحكم مقارنة مع انماط الحكم الشرقية, فالفصل المطلق بين الحكام والمنتجين لم يصل اوجه في الغرب, لا في روما ولا في الغرب الحديث, وانما في الشرق, في الامبراطوريات الشرقية العربية والفارسية والتركية والهندية والصينية.

ويقودنا هذا كله الى الاطروحة الثالثة المتعلقة بالديموقراطية الليبرالية، والتي اكد فيها غصيب على انه يمكن القول ان الديموقراطية الليبرالية هي نتاج التقاء تيارين, متباينين, من حيث الاصول والمضمون, نشأ مع نشوء الرأسمالية الغربية وتطورا معها, وظلا على طرفي نقيض يشوب علاقتهما معاً التوتر والصراع, حتى برزت ونضجت ظروف اندماجهما, واقصد بهذين التيارين الديموقراطية بمعناها الاثيني (حكم الشعب اي حكم المنتجين) والليبرالية, واعني بالليبرالية ذلك التيار السياسي الاوروبي الغربي, الذي ابتدأ بالماغناكارتا ووصل اوجه في الجمهوريات والملكيات الدستورية المقيدة, وتفترض الليبرالية الفصل الواضح بين الدولة (النظام السياسي) والمجتمع المدني. وتدعو الى صون استقلال الاخير وحرية حركته، وتؤكد على الدستور وتقييد فعل الدولة, ومن ثم على حرية السوق والفرد والحقوق المدنية, لكنها بتأكيدها ذلك فانها تعمل على تقييد الديموقراطية بالمعنى الاثيني وتضييق مساحتها, ومن ثم تجعلها ممكنة في السياق الرأسمالي. فالرأسمالية, لا يمكن ان تتحمل حكم المنتجين غيرالمقيد.

ومع ذلك, فانها جذابة ليس فقط للملاك والرأسماليين, وانما ايضاً للكادحين والمنتجين, برغم انها شكل من اشكال ما يمكن وسمه بدكتاتورية البرجوازية. انها بلا شك تمثل مكسباً تاريخياً وانجازاً كبيراً للارستقراطية والبرجوازية الغربيتين, واعتقد انه مكسب دائم ينبغي ايجاد صيغة له حتى في ظل دكتاتورية البروليتاريا, ويمكن القول ان الليبرالية مكنت دكتاتورية البرجوازية من ان تصبح ديموقراطية بمعنى من المعاني, وقد بدأت الليبرالية تياراً ارستقراطياً للحد من سلطة الملك والشعب في آن واحد, ولكن, مع تطور الرأسمالية الغربية وتبرجز الاقطاع الانجلوسكسوني تحديداً, بدأت تأخذ طابعاً برجوازياً.

ويلاحظ انه, حتى منتصف القرن التاسع عشر, كان المتحمسون لليبرالية غير متحمسين بتاتاً للديموقراطية بالمعنى الاثيني, ولعل التزاوج المدهش بين النقيضين بدأ مع جون ستيوارت مل, ان تقييد سلطة الحاكم كان منذ البداية مطلقاً ارستقراطياً, ثم اضحى مطلباً برجوازياً, وهو الآن مطلب بروليتاري الى حد ما. واقول "الى حد ما" لأن الليبرالية الكلاسيكية تنادي بحرية السوق, اي بطغيانها, فهي تحد من طغيان الدولة من اجل اطلاق طغيان السوق ومن يتحكم فيها, اما المنتجون, فهم يسعون الى لجم الاثنين معاً. ولئن اخفقوا حتى الآن في ذلك, فان ذلك لا يعني ان ظروف المستقبل لن تمكنهم من ذلك, عند ذاك سيحققون ما يمكن تسميته دكتاتورية بروليتاريا ملبرلة.

وعلى اي حال, فانه ينبغي الا ننسى ان الديموقراطية الليبرالية تظل تعبيراً عن الرأسمالية الغربية بأكثر من معنى, فهي تفترض حرية السوق, وفصل الدولة عن المجتمع المدني, ومن ثم حكم البرجوازية, لا حكم المنتجين, بذلك, فهي ليست ديموقراطية بالمعنى الاثيني, وان كانت تتضمن بعض عناصرها. انها دكتاتورية البرجوازية في ارقى صورها, وهي انجاز تاريخي كبير لا يجوز التقليل من اهميته, وان كان لا يجوز ايضاً تأبيده وتصنيمه, وينبغي التأكيد هنا على دور المنتجين (العمال والفلاحين والحرفيين) الكبير في توسيع البعد الديموقراطي من الديموقراطية الليبرالية وتعميقه, فلئن اخفقوا في الاطاحة بحكم البرجوازية وبالرأسمالية, فانهم على الاقل افلحوا في تحقيق اوسع ديموقراطية ممكنة ضمن اطار نمط الانتاج الرأسمالي, فالديموقراطية الليبرالية ليست نتاج نضالات الارستقراطية والبرجوازية الغربيتين حسب, وانما هي ايضاً نتاج نضالات الكادحين والمنتجين, وان كانت الشكل المتطور لدكتاتورية البرجوازية, انها انجاز تاريخي كبير, لكنها بالتأكيد ليست نهاية التاريخ. ويقودنا ذلك الى الاطروحة الرابعة حول تناقضات الديموقراطية الليبرالية.

وفي اطروحته الرابعة اكد غصيب ان الديموقراطية الليبرالية, بتأكيدها الحريات السياسية والمدنية, تضع قيوداً على فعل الدولة القمعي بازاء المواطنين جميعاً, سواء أكانوا ملاكا ام منتجين وكادحين من ثم, فهي دكتاتورية برجوازية مقيدة ومقننة, لكن في النهاية تظل دكتاتورية برجوازية, لذلك, فان الديموقراطية بمعناها الاثيني, اي حكم الشعب او المنتجين والكادحين, لا يمكن ان يتحقق الا بتفكيكها وتخطيها صوب حكم المنتجين الاحرار غير المستغلين, وهذا التحليل يؤكد الجوهر التناقضي للديموقراطية الليبرالية, واكبر مظاهر هذا الجوهر وهذا التناقض التناحري هو انسجام الديموقراطية الليبرالية مع الامبريالية والاحتلال والعدوان والابادة الجماعية, والاستغلال الرأسمالي, الم تكن بريطانيا وفرنسا وهولندا ديموقراطيات ليبرالية حين كانت مسيطرة على اكثر من نصف شعوب العالم واراضيها? والم تخض الولايات المتحدة الاميركية حروبها المدمرة في جنوبي شرقي آسيا واميركا اللاتينية وافغانستان والوطن العربي في ظل سيادة الديموقراطية الليبرالية فيها? والا تنخر المراكز الديموقراطية الليبرالية اليوم البطالة والعنصرية والاستغلال والجريمة المنظمة وتخريب البيئة? والا تفرز الديموقراطيات الليبرالية باستمرار امثال هتلر والنازيين وبوش والمحافظين الجدد المتصهينين وسفاحين امثال شارون واولمرت? الا تفرز باستمرار حكاماً لا ديموقراطيين, بل معادين للديموقراطية والانسانية، واخيراً, وليس آخراً, الى اي مدى تستطيع الامم المفوّتة ان تحقق وحدتها القومية وتنميتها الصناعية بالديموقراطية الليبرالية? الم تحقق الصين هذه المهمات العظيمة بنظام الحزب الواحد المنبثق عن حركة ثورية عاتية?. اكتفي بهذا القدر, واترك الاجابة عن هذه الاسئلة للشعوب ومكر التاريخ.

د. التل: الحل الامثل الآن هو العودة الى الميثاق مع تطويره وتعديله بطريقة ديموقراطية ووفاق وطني

وفي ختام الجلسة الاولى جرى نقاش عام قدم فيه بعض المشاركين مداخلاتهم وملاحظاتهم على الاوراق التي قدمت في هذه الجلسة, وقد ابتدأ الحوار بمداخلة الدكتور سعيد التل الذي قال: اننا في الاردن والوطن العربي نمرّ في مأزق تاريخي وتحديات خارجية ومشكلات داخلية ملحة وبالتالي كان لا بد ان تطرح هذه الاوراق التي قدمت والتي ستقدم, رؤى لتوحيد الشعب ديموقراطيا في مواجهة هذه التحديات والمشكلات مع كل احترامي وتقديري لكل الافكار التي طرحت وهي قيمة وجيدة، وبالنسبة للديموقراطية ذكر ان للديموقراطية تعريفات كثيرة ومعقدة وبالرغم من ان ما تم ذكره حول هذا هو صحيح الا انه ببساطة يمكن القول أن الديموقراطية هي مشاركة المواطنين في القرار العام، فالديموقراطية وكما ذكر الدكتور هشام كانت بداياتها يونانية ثم تطور هذا المفهوم مع الزمن والتجربة, واصبحت الديموقراطية تعني مشاركة المواطنين في الشأن العام, وقد تطور لها خمسة ابعاد:

البعد الاول اطلق عليه مبادىء الديموقراطية: حرية, عدالة, مساواة والبعد الثاني اخلاقيات الديموقراطية نزاهة, صدق, جرأة والبعد الثالث ممارسات الديموقراطية: انتخابات حرة وصحافة حرة واحترام الرأي الآخر والقبول برأي الاكثرية وهكذا، البعد الرابع مؤسسات الديموقراطية: احزاب ورابطات وجمعيات وما شابه ذلك، والبعد الخامس: تقاليد الديموقراطية في كل بلد ونتيجة ظروفه تطورت هذه التقاليد فمثلا الديموقراطية في لبنان لا يوجد في الدستور ما يبين نصا ان رئيس الجمهورية يجب ان يكون مارونياً ولكن اصبح هذا الامر مقرا بالتقليد والعرف.

واضاف التل: نحن في الاردن نعيش مشكلة خطيرة فنحن في حالة تمزق ونواجه تحديات ومشكلات واعتقد ان المطلوب من المفكرين ان يطوروا لنا افضل السبل الكفيلة بايصالنا الى مأسسة العمل السياسي الاردني ديموقراطيا وبأسرع ما يمكن, حتى يستطيع هذا الشعب ان يقف خلف قيادته في هذه المواجهات، وفيما يتعلق بقضية الميثاق الوطني وكان لي شرف ان اكون عضوا في لجنة صياغة الميثاق , والحقيقة ان هذا الميثاق كانت نظريته تقوم على ايجاد مرجعية فكرية للدولة الاردنية يلتقي حولها جميع الاردنيين, وبالتالي فان لجنة الميثاق جمعت من اقصى اليمين الى اقصى اليسار وخرجت بوثيقة مهمة كانت هي الميثاق, وكان نظريا يؤمل وفقا للميثاق ان تتطور الاحزاب على اساس ان المرجعية الفكرية لجميع هذه الاحزاب الميثاق الوطني, وكان من المفروض ان لا يكون هناك احزاب اسلامية لان جميع المواطنين الاردنيين اسلاميون فكرا وثقافة وحضارة ومسلمون عقيدة, ولم يكن المفروض ان تخرج هناك احزاب قومية لان جميع المواطنين الاردنيين هم قوميون في انتمائهم ووطنيون ينتمون الى الدولة الاردنية ارضا ونظاما، والحقيقة انه للاسف الشديد لم يطبق هذا الامر واعتقد هنا ان الحل الامثل الآن هو العودة الى الميثاق مع تطويره وتعديله بطريقة ديموقراطية ووفاق وطني حتى يجمع جميع المواطنين بهذه المرجعية ثم اتمنى ان يتمأسس العمل السياسي العام في الاردن وفق مرجعيته الاساسية وهي الميثاق, وان يتطور وفاق وطني وان تبدأ بحزبين الى ثلاثة احزاب وليس 36 حزباً, وانا اعتبر انه باستثناء حزب جبهة العمل الاسلامي فان معظم هذه الاحزاب لا تعكس ولا تقوم بما يفترض ان تقوم به الاحزاب الحقيقية وانما هي تميل الى طابع احزاب الاشخاص او العائلات.

واكد التل اننا في الدولة الاردنية نعيش في مأزق تاريخي وهذا المأزق يتطلب منا توحيد المواطنين في مرجعية فكرية واحدة ومأسستها لتمارس الديموقراطية بالمفهوم الذي يعكس مشاركة المواطنين في العمل العام, اما عن شكل الديموقراطية فهنا يختلف الامر فيما اذا اردنا الاخذ بالديموقراطية المعمول بها في الولايات المتحدة او بعض الاشكال المأخوذ بها في اوروبا او الهند.

د. العبادي: يؤخذ على نظامنا التشريعي انه جعل مجالس الإدارة لا تخرج عن كونها إضفاء صفة الجماعية على القرار الفردي

وفي مداخلته قال الدكتور عبدالسلام العبادي رئيس جامعة آل البيت: في الحقيقة انني اشارك اخي الدكتور سعيد التل من حيث اننا انصرفنا كثيرا الى الجانب النظري , واسمحوا لي التعليق قليلا على ما جاء في الجانب النظري وابدأ بما ذكره الدكتور صبري الربيحات حول تقسيم التيارات السياسية في الاردن واعتباره ان هناك تياراً اسلامياً معتبرا اياه تيارا واحدا والحقيقة انه يوجد لدينا في هذا الاتجاه اكثر من تيار حيث هناك التيار الاصلاحي الذي يعترف بالديموقراطية كقوالب واليات واطر وان كان يلتزم باحكام الشريعة في اطار ذلك ويعطي صلاحيات واسعة لحكم الشعب في منطقة الفراغ التشريعي في غير ما هو منصوص عليه في الاختيار وفي المراقبة وفي ادارة الدولة والحكم, وهنالك من يرفض حتى هذه الصيغ ويعتبر انها مخالفة لاحكام الشريعة وهم قلة, وهذا يعني ان هناك تيارين اسلاميين حيث نرى في بعض الكتابات تنديداً بالديموقراطية وتحذيراً منها في حين ان هناك التيار الذي كما ذكرت يقبل بالديموقراطية ويمارسها.

وفيما يتعلق بالتحليلات الخاصة بالصيغ الديموقراطية عبر التاريخ قال العبادي فمع تسليمنا بالخطوط العريضة لما تفضل به الدكتور هشام لكن هناك الكثير من التفاصيل التي تبقى محل نقد فوصف ديموقراطية اثينا بانها الديموقراطية التي كسرت الحاجز بين الحكام والمنتجين هو وصف فيه حقيقة نوع من التبسيط الكبير لهذه القضية حيث من الواضح ان تلك التجربة مع سلامة تمثيلها لقطاع كبير من الناس لكنها ابعدت كثيراً من الفئات المهمة في المجتمع مثل المرأة والعبيد، لذلك انا مع ما ذكره الدكتور من افضلية واولوية ان ننصرف الى الامور العملية وبشكل محدد الى التجربة الاردنية ومحاولة اثرائها وتطويرها فهذا سيكون افضل، ايضا عندما ذكرت الديموقراطيات غاب عن الذكر او نسي ما يمكن تسميته بالديموقراطية الاسلامية, نعم التسمية هي الشورى لكنها قدمت صيغاً مهمة مثل استفتاء مباشر واختيار مباشر والرجوع الى الشعب والبيعة وغير ذلك, فلا يجوز ان تهمل ويتم اسقاطها من سياق التحليل التاريخي لما جرى في الحضارة الانسانية لا سيما وانها تجربة ذات ابعاد ورؤى تلخص بانها تجعل السيادة للشرع باعتبارها شريعة الله والسلطة للشعب، وفي ذلك الغاء لكثير من سلبيات الديموقراطية الليبرالية
التي تجعل للمجلس المنتخب صلاحية تمثيل الطبقة وتمثيل اصحاب المصالح في المجتمع الذين يتحكمون حتى في قرار المجالس المنتخبة.

واضاف العبادي فيما يتعلق بالتجربة الاردنية فلا بد من ان يركز على واقعنا الخاص, حيث لدينا تجارب يجب ان تثرى كتجربة الميثاق الوطني, وفيما يتعلق بهذه النقطة وخاصة الصيغ والآليات فلا بد من الدخول في التفاصيل وهذا ربما سيتم بحثه في الجلسة الثانية من هذه الندوة، واحب ان اعقب على مسألة الديموقراطية وادارة الدولة فاظن انه ما زال في هذا المجال هناك نوع من الخلط الواسع, بحيث ما زلنا نظن ان تحقيق المؤسسية يكمن في اللجوء الى ما يسمى بفكرة المجالس لكن مشكلة نظامنا التشريعي انه يجعل لرئيس المجلس سلطة كبيرة في التحكم بقرارات المجلس, لذلك كثيرا ما تصبح القضية لا تخرج عن كونها اضفاء صفة الجماعية على القرار الفردي, فيأتي المسؤول الى المجلس ويعطي قراره وما على جميع اعضاء المجلس الا الايماء بالموافقة على ذلك القرار او يوقع عليه, وحتى ان التشريعات والقوانين في بعض الاحيان تعطي لرئيس المجلس سلطة التأثير في تعيين المجلس.

وقال د. العبادي انني اطالب في هذا المجال بتطبيق ما يسمى بادارة الحلقات المتقاطعة في ادارة الدولة بمعنى ان لا يكون لرئيس الدائرة صلاحية التدخل في تعيين المجلس في دائرته، حيث انه في كثير من الاحوال ينص على تعيين اشخاص بصفتهم الوظيفية لكن غالبا ما يكون هؤلاء ايضا هو متحكم في اختيارهم في دوائرهم, وبالتالي لا نكون قد حققنا القرار الجماعي ولاحقا المؤسسية وهذا خلل كبير حقيقة في الادارة الاردنية, ولنأخذ كمثال منصب رئيس الجامعة وقد كنت قبل فترة في لقاء حول موضوع تطوير التعليم العالي وكان كل التركيز في موضوع الادارة والتشريعات منصبا على كيفية اختيار رئيس الجامعة وكيف ينتخب وقد طرحت في تلك الجلسة ملاحظة او سؤالاً مهماً وهو هل بحثتم حول الكيفية التي يمكن من خلالها مراقبة رئيس الجامعة او عن الكيفية التي يمكن ان تساعد على تقييد صلاحيات رئيس الجامعة وعدم تركها مطلقة, لانه في كثير من الاحوال ربما يمارس صلاحيات دكتاتورية وله كل الصلاحية في ان يفعل ما يريد في كل اساسيات الجامعة, فعن اي مؤسسية يمكن الحديث طالما ان الامر يبقى منوطاً بشخص واحد يفعل ما يريد, وهنا فلا بد من وجود تطوير تشريعي يضمن المؤسسية بمعناها الدقيق, بمعنى ان ي
كون القرار من خلال مجالس على ان تكون لهذه المجالس صلاحيات واسعة ورؤى واسعة, كما يجب ان لا يكون لرئيسها اي صلاحيات تعزز عملية التحكم فيها بشكل فردي.

وقد طلبت من الاخ الدكتور كباحث كما اعطى مجالا في بحثه التاريخي الاستقصائي للحديث عن ديموقراطية اثينا وروما وباريس وبوش ان تعطى ديموقراطية محمد جزءاً من الوقوف التحليلي بذكر الايجابيات والسلبيات.

وتعقيبا على الاستاذة هدى قال الدكتور العبادي ان الديموقراطية التي اعني هي التي (اصابت فيها امرأة واخطأ عمر) ديموقراطية (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا) والتي لم تذكر في التحليل لان هذه حقيقة موضوعية، خاصة وانها ديموقراطية تقدم كما قلت سيادة الشرع وسيادة سلطة الشعب وسيادة الشعب وهي جديرة بالتحليل، وهذا أمر آخر غير موضوع استغلال الدين لاغراض سياسية وعزل الدين عن السياسة, هل نريد ساسة وصوليين لا يعرفون القيم ولا الاخلاق ولا المبادىء بحجة اننا نريد ان نعزل الدين عن السياسة, الدين هو الذي يصنع القيم ويصنع الاخلاق ويصنع المبادىء, حتى في الغرب قالوا الديموقراطية المسيحية.. فما دمنا نتكلم عن حكم الاغلبية او المشاركة الشعبية لا بد ان نسمع جميع وجهات النظر, ومن خلال الصيغ الديموقراطية ليقرر ما يقرر دون محاولات استغلال وفرض ديكتاتوريات فكرية وعنف فكري.

د. مصالحة: لا زالت النخب التي تقبض على ناصية السلطة في العالم العربي ترفض النقد واشراك الآخرين في صنع القرار

من جانب آخر قال الدكتور محمد مصالحة انه بلا شك فان الطروحات حول هذا الموضوع لا بد وان تكون متباينة على اعتبار ان الموضوع محل النقاش هو موضوع شائك ومعقد, لانه من الواضح من عنوان الندوة انه يركز على مستقبل الديموقراطية في العالم العربي، وكنت اتمنى ان يتم التركيز على حالة الاردن, مع عدم تجاهل النظر الى واقع الديموقراطية في العالم العربي والبحث في كيفية اصلاح هذا الواقع من خلال التعرف على الايجابيات الموجودة في هذا المجال وتعزيزها والكشف على المعيقات والسلبيات ومحاولة تجاوزها، وارى ان الاخ غصيب قد قدم ورقة نظرية ضرورية لا بد من وجودها, لانه لا بد بداية عند دراسة اي موضوع من تحديد المفاهيم وهنا في هذه الندوة فلا بد للحضور من معرفة مفهوم الديموقراطية واي من التعريفات هو الاصلح للواقع وتحديدا اي شكل من اشكالها.

واضاف المصالحة اعتقد انه في العالم المعاصر عرف نموذجان من الديموقراطية وهما الديموقراطية السياسية الليبرالية والديموقراطية الاجتماعية التي قدمت الاشتراكية, بمعنى ان حاجات الانسان الاساسية هل تتقدم على الاشياء الخاصة بالحرية, النظرية الغربية فصلت ذلك وقالت نريد احزابا ونريد حرية صحافة واعلام.. الخ فيما قدمت الاشتراكية نموذجها الخاص بها، اما نحن في العالم العربي فقد حاولنا تطبيق التجربتين وللاسف فقد فشلنا في كلتيهما، بمعنى لم نؤمن الحريات بالمفهوم الليبرالي ولا استطعنا بناء المؤسسات ولا طبقنا مسألة التداول السلمي للسلطة ولا نجحنا في تربية المواطن على التعامل مع مبادىء الديموقراطية والمشاركة السياسية, بينما طرحنا اشكالاً متزاوجة بين الديموقراطية الليبرالية والاشتراكية ولم نفلح في الوصول الى نموذج ناجح لتطبيق الديموقراطية.

وهنا اريد ان اقول اننا لم نصل بعد الى مستوى رفع نسبة وعدد المشاركين من المواطنين في صناعة القرار، فلا النخب التي تقبض على ناصية السلطة لديها رغبة بزيادة المشاركة لانها لا تقبل ان ينتقدها احد ويقول لها هذا صح وهذا خطأ, وحتى النخب التي وصلت عبر الالية الديموقراطية عندما تمسك بالسلطة تتشبث بها ولا تتنازل عنها, ولهذا اقول كيف يمكن ان نوسع قاعدة المشاركة وكيف نبني الاليات التي تساعد على ذلك وكيف نخلق نخباً سياسية تؤمن بهذا التغيير وبهذا التداول حتى يكون القرار والسياسة العامة والتشريعات والقوانين معبرة عن مصالح الناس وارائهم ورغباتهم.

د. ابو غنيمة: الديمقرطية فكرة هائمة تحلق في الفضاء اطلقها فيلسوف وعندما تهبط الى الارض تكون للاقوياء فقط

وفي هذا الاطار قالت د. هدى ابو غنيمة لعل من المفيد في مثل هذه الحوارات ان الانسان يتعلم من الآخرين ويستعرض اراء الباحثين ويعرض ما عنده من نقد مستفيدا من تنظيم الافكار ويحاول تنظيم فوضى المرجعيات التي تعتمل في رأسه، واسمحوا لي ان اقول اني ارى ان الديموقراطية فكرة هائمة محلقة بجناحين في الفضاء اطلقها فيلسوف او منظر ولكن عندما تهبط على الارض هي للقوي فقط, فدائما نحن نستند الى الاطار النظري للتطبيق على التجربة ولا نحاول ان ننطلق من التجربة العملية وتوظيفها لخلق اطار نظري يوائم الواقع.

واضافت ابو غنيمة تحدث الدكتور عبداللطيف عربيات عن الشورى في الاسلام والحقيقة انه عندما نستعرض تراثنا العربي الاسلامي نجد ان هذه الفكرة لم تطبق عمليا وانما هي كانت في يد الاقوى فمن محنة المعتزلة الى محنة ابن حنبل مع المأمون في قضية خلق القرآن وقضية الحلاج وغيرها من القضايا الكثيرة عبر التاريخ, ومن المفارقة العجيبة والمؤسفة باننا نحن الان نتحدث في العالم العربي الذي ما حلم يوما ان يطبق اية فكرة ديموقراطية في ظل انظمة استبدادية وقمعية كانت قد رفعت الشعارات البراقة كالحرية والديموقراطية والعدالة وغيرها من الشعارات، فكيف يمكن ان نتحدث عن الديموقراطية ودور الطاقة المنتجة في الديموقراطية ونحن في عالمنا العربي قد حولنا هذه الطاقة المنتجة الى طاقة مستهلكة وغيبت طاقتها الابداعية وقتلت طاقتها المنتجة، الان تماما هذه الشعوب باتت في ظل عمليات القمع والتدجين الممارس ضدها من قبل الحكومات شأنها شأن العصفور في القفص الذي عندما يفتح له باب القفص يرفض الخروج الى عالم الحرية مفضلا البقاء في القفص وتلبية حاجاته دون بذل اي جهد على الحرية التي يرافقها الجهد لكسب قوته وترتيب شؤون حياته بنفسه لانه اعتاد على ذلك.

واختتمت ابو غنيمة حديثها بالقول نحن نتحدث عن المستقبل ونحن نعلم انه لم يعد هناك من وقت لانتظار المستقبل في ظل التحولات التكنولوجية والمعرفية المذهلة, نحن الآن في هذه اللحظة واللحظة الثانية هي المستقبل وللاسف ان الحالة العربية ازدادت تعقيدا فماذا نفعل؟. ولكن تبقى امثال هذه الحوارات تشكل تجربة تراكمية معرفية قد تساعدنا على انتاج ديموقراطيتنا الخاصة بنا, وعليه فلا بد ان تنطلق من تجربتنا وخصوصا اننا الآن في اتون هذه التجربة, وهنا لا بد من توظيف كل الجهود المخلصة في هذا المجال للخروج بمجتمعاتنا من ازماتها والسير بها نحو ترسيخ اصول العمل الديموقراطي على ارض الواقع.

د. عربيات: الديمقراطية ليست قضية مسلمة وهناك نماذج يمكن ان تقدم بديلا مقبولا للدولة والمجتمع

ثم تحدث د. عبداللطيف عربيات الذي قال اننا عندما نضع عنوان مستقبل الديموقراطية في الوطن العربي "رؤية اردنية" فمن العنوان استطيع ان اصل الى شيء يمكن ان اجيب به عن كثير من التساؤلات, فمعالي الوزير ذكر عن واقع الاردن وهو وصف جيد وصحيح, اما الدكتور سعيد فقال اننا بحاجة الى مرجعية فكرية للدولة الاردنية وهناك ميثاق وطني واجندة وطنية وعناوين كثيرة عمل عليها خلال السنوات الماضية وبذل مال وجهد ووقت كثير في هذا المجال لايصال شيء للناس, والحقيقة اننا بحاجة ان نبدأ من نقطة بداية صحيحة من نحن وعن من نتحدث هل نحن في الاردن "رؤية اردنية" وهل نحن في اطار الامة العربية ام نحن في اطار اخر لا هذا ولا ذاك, هذه قضية لا بد من الاجابة عنها.

اما الامر الثاني على حد قول العربيات فيتعلق بموضوع الديموقراطية وهنا اقول انه لا يجب ان ننظر الى الديموقراطية على انها قضية مسلمة اما هي او الطوفان, فلعل هناك بدائل صحيحة ونماذج يمكن ان تقدم بديلا مقبولا ومطلوبا من قبل الدولة والمجتمع، فحقيقة انا اقدر البحث الذي قدمه الدكتور غصيب ولكني كنت اتمنى ان يعطي للذات نفس الاهمية التي اعطاها للنماذج الغربية من الديموقراطية, حيث انه مر على موروث الامة الحضاري والديموقراطي بجملة واحدة عبر عنها (بالامبراطوريات الشرقية) بما فيها العربية والاسلامية ليس فيها ديموقراطية فهذه الجملة الوحيدة التي وصفت حالنا وما نحن عليه وما هو المطروح, والحقيقة انني في غاية العجب والاستغراب من ذلك لان فيه اغفالاً للتعريف بنا كمجتمع ينتمي الى امة لها تاريخها وانجازاتها الحضارية سواء في مجال الديموقراطية او غيرها, وذلك حتى نستطيع ان نقول من نحن? وطن أردن أو امة وكيف نحن وماذا نريد فهذه قضية محورية ويجب ان ينصب عليها حديثنا والا فكلامنا سيظل في اطار التنظير والدخول في التيه الذي مر على الامة نحو مئتي عام وهي لا تزال في هذا التيه ولم تخرج منه بعد, ولهذا انا اقول اننا بحاجة الى مثل هذه الندوة الكريمة الطيبة التي اعد لها مركز الرأي وجامعة فيلادلفيا لكن نحن بحاجة الى تحديد المطلوب وتعريف الذات وكذلك الى تقديم اقتراحات محددة صحيحة وفي الاتجاه المطلوب, ولا نريد ان تكون هذه الندوة تكرارا لما يقال في كل الندوات والمنتديات, وقد كنت قد وضعت تصوري لهذا الموضوع في اكثر من كتاب ومقال حول التغيير الاجتماعي والتطوير وموضوع البديل الاسلامي، حيث لدينا كحركة اسلامية رؤى اسلامية محددة عن كل جوانب الحياة لكنني في هذا الظرف بالذات اقول باننا مللنا من الكلام المعاد الذي لا يؤدي الى نتيجة ولا يعطي جوابا عن مطلوب.. فمن نحن وماذا نريد, فان كنا نحن هذا المنسي من امبراطوريات بائدة لا مكان لها فلنقل هذا بوضوح ولنبحث عن البديل غربي او شرقي.

عايش: الديمقراطية لا تقبل التزوير او المدح الكاذب بل تفضح وتعزل من يخدع الشعب

وفي مداخلته قال الاستاذ حسني عايش: في الحقيقة انا معجب جدا بالتحليل الناقد والعميق للدكتور هشام غصيب وانا اتمثل دوما بقول الاميركي جيمس بلدوين »انني احب بلدي اكثر من اي بلد في العالم ولهذا السبب فقط احتفظ بحقي بنقده باستمرار«. ولكنني احب ان اسأل الدكتور هشام اليست الديموقراطية التي انتقدها هي التي جاءت بشافيز الى رأس السلطة في فنزويلا وبترميله في بوليفيا, وعليه فان الديموقراطية عندما تكون مفتوحة فلا غبار عليها ولا ينبغي ان نعترض على مخرجاتها, والديموقراطية التي جاءت ببوش في الولايات المتحدة وبلير في بريطانيا هي نفسها التي تفضح ممارساتهما وتعزلهما وتقف ضدهما بعدما خدعا شعبيهما فيما يتعلق بالاكاذيب التي ارتبطت بالحرب على العراق.

واضاف عايش انه من الاشياء المهمة التي لا بد من ذكرها وهي تحسب للمجتمعات الديموقراطية ان كتابه تاريخ هذه المجتمعات والدول يكتب كما هو بحلوه ومره وينقد اخطاءه ولا يقبل التزوير او المدح الكاذب لان الديموقراطية هي التي تكشف اي زيف يدخل في كتابة هذا التاريخ كما ان الديموقراطية لا يجوز ان تكون كاملة، لانها لا تستطيع ان تصل الى ذلك باعتبارها في حالة صيرورة دائمة، واذا وصلت الى الكمال انتفى صراع البقاء، وهذا لا يمكن ان يكون في حياة الانسان التي يعتبر التحسين والتطوير المستمرين من اهم غاياتها ولا يمكن للانسان ان يتوقف عن ذلك.

أما بالنسبة لملاحظة الأخ الذي يريد نظاماً إسلاميا فانك تفترض انه لا يوجد في المجتمع الا حركة واحدة هي الحركة الاسلامية لكن في الحقيقة ان هناك حركات واتجاهات وتيارات اخرى في المجتمعات العربية, واذا اردنا ان نبقي على وجود هذا التنوع في المجتمع فلا بد لنا من الاخذ بالديموقراطية على اعتبار انها افضل الصيغ التي تقبل وتحمي التنوع الفكري والايديولوجي في المجتمعات، كما اود ان اعرب عن تأييدي لما ذكره الدكتور عبدالسلام العبادي حول المجالس المختلفة في مؤسساتنا والتي اسميها بالمجالس التشريعية الصغرى والتي آخذ عليها انه لا يوجد اي تغيير ملحوظ على الأشخاص الذين يتم اختيارهم لهذه المجالس فيبقوا هم أنفسهم الأمر الذي لا يمكن أن يؤدي إلى تحسين في الأداء.

النائب د. القواس : لا زالت مفرزات الديموقراطية الاردنية دون المستوى المطلوب

اما النائب د. عودة القواس فقد قال من الواضح ان هناك اختلافاً في وجهات نظرنا حول تعريف الديموقراطية, وباعتقادي ان الديموقراطية هي ليست مشاركة المواطنين في صناعة القرار بل هي حكم الاغلبية من وجهة نظري اما فيما يخص ضرورة وجود مرجعية فكرية للدولة فهذه نقطة ومرجعية اخرى للحكم هي نقطة اخرى وبالتالي اذا كان مفهومنا للديموقراطية ينحصر في هذا الموضوع فاننا نكون قد سرنا بغير المسار الصحيح، اما فيما يتعلق بمستقبل الديموقراطية في الوطن العربي فانني اعتقد انه في ظل الحكام الموجودين حاليا فلا يوجد مستقبل.

وبخصوص الرؤية الاردنية قال القواس انه بالرغم من انها رؤية متقدمة الا انها لا تزال في الخطوط الخلفية وقناعتي انه ما دمنا لا نزال نتعلق بالدين سواء اسلامي او مسيحي او غيرهما فاننا لن نستطيع ان نقدم نموذجاً جيداً للديموقراطية فيجب اخلاء العقيدة خارج الموضوع السياسي والا يسيس الدين، اما فيما يخص كيفية التقدم في الاردن اقول انه بدون تغيير العقلية لن يحدث تغيير على الواقع فنحن نعاني من قصور في العقلية ابتداء من الاسرة وانتهاءً بمؤسساتنا فلا زلنا لا نعامل اطفالنا بديموقراطية, ولا يمكن بحال ان تعلم الطالب الديموقراطية وانت تعين له نصف مجلس الطلبة, ولا يمكن ان تعلم الديموقراطية طالما ان تفسيرها لدينا يقتصر على العملية الانتخابية ولذلك نحن في مجلس النواب نعاني من التشريعات ونعاني من نقص في بعض كفاءاتنا حتى انه حتى الان لم تقدم اي لجنة من لجان المجلس مشروع او مسودة قانون وانما تعتمد على ما تقدمه الحكومة من قوانين ثم تقوم بمناقشتها واقرارها او ردها في بعض الحالات، فهذه هي مفرزات الديموقراطية الاردنية وهي ما زالت دون المستوى المطلوب وسؤالي المطروح في هذا المجال كيف يمكن لنا تحقيق ديموقراطية حقيقية وفاعلة في كل المجالات وكيف يمكن لنا البدء في تحقيق هذا الهدف.

العين الشخانبه: ان قيام احزاب سياسية معبرة عن نبض ومصالح الناس ومطالبهم واحتياجاتهم هي المقدمة الرئيسة لقيام الديموقراطية

من جانبه قال العين د. عبد الحافظ شخانبة بانني اخشى انه يصيبني الرعب الذي يصيب العديد من ابناء هذه الامة بسؤال الديموقراطية، وهو هل كل المجتمعات هي جاهزة لتبني الصيغة الديموقراطية ام يجب ان تكون هناك مقدمات اساسية في كل مجتمع على حدة لنقول انه وصل الى مرحلة يمكن من بعدها ان يتبنى الديموقراطية، وهنا اتذكر اننا في السبعينيات كنا نتلقى باستهجان القول باننا لسنا جاهزين في الاردن للديموقراطية اما الآن فانني على قناعة باننا ما زلنا في الاردن غير جاهزين بعد لاستقبال الديموقراطية في الاردن, فما معنى الديموقراطية فلننظر حولنا ولنرى ما هي الديموقراطية التي تطبق حاليا في العراق? انها في الواقع لا تعدو كونها مجرد احصاء مذهبي, وبالرغم من تقدم النموذج الديموقراطي في لبنان الا انه يشكل ايضا احصاء طائفياً, فانا اعتقد ان قيام احزاب سياسية معبرة عن نبض ومصالح الناس ومطالبهم واحتياجاتهم هي المقدمة الرئيسة لقيام الديموقراطية في اي مجتمع كان.

واضاف الشخانبه انه في العالم العربي لا يزال الناس بعيدين عن الانقسام والانحياز حسب مصالحهم الفردية وانما ما زالوا ينقسمون وينحازون لصالح توجهاتهم القبلية والعشائرية وهذا ما يتعارض مع اصول النهج الديموقراطي القائم على انقسام او انحياز الناس حسب مصالحهم الفردية، وعليه فان قيام الاحزاب السياسية بعيدا عن ان تكون دينية او مذهبية او اقليمية او جهوية تعتبر بمثابة المقدمات الرئيسة لقيام المجتمع الديموقراطي ودون ذلك اعتقد اننا سنستمر في اخذ القشور والشكل بعيدا عن المضمون، وبالنسبة للاردن فان التنمية السياسية الحقيقية لن تكون الا من خلال وجود قانون احزاب سياسية فاعل وواقعي يمنع هيمنة اي فئة تحت اي مسمى كان على الساحة الحزبية في الاردن.

هاشم: هناك غموضا يعتري المفهوم الديموقراطي , والغموض الأشد يعتري مفهوم الأمن

ومن جانبه قال الأستاذ كايد هاشم _ منتدى الفكر العربي _ في معرض تعقيبه على ورقة الأستاذ الساكت ، أن المفهوم الوطني الديمقراطي الشامل للأمن بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والسياسية شديد الارتباط بمفهوم الديموقراطية.وأكد أن هناك غموضا يعتري المفهوم الديموقراطي , والغموض الأشد هو الذي يعتري مفهوم الأمن وعلاقتهما العضوية . وأضاف أن الذي أدى الى تراجع وغياب الديمقراطية في معظم اجزاء الوطن العربي هو تراث الممارسات الإجرائية الأمنية القمعية منذ عهد جواسيس السلطان حتى صلاح نصر وما بعده .

وأضاف أصبحت المفارقة في الممارسة الديمقراطية هي مثار خشية من الممارسة بين من في السلطة ومن يمثلون القطاع الكبير في القاعدة الشعبية، لذا نحن بحاجة مع التنظير الى تنظير مستوف بين قنوات المشاركة في مفهوم (الأمن الشامل) .وهذا يقودنا إلى التساؤل عن دور القاعدة الشعبية في المشاركة الأمنية, هذا إذا كان يطمئن من هم في السلطة من إعطاء المجال الكبير للمشاركة .

ورداً على بعض المداخلات والتعقيبات التي أثارها المشاركون قال الأستاذ مازن الساكت انه عند الحديث في قضايا عامة يصعب دائما حصرها وشمولها لكل ما يكون في ذهن المستمع، والامر الآخر ان المحور الفكري محور مهم خاصة في هذه المرحلة التي غاب فيها الفكر, وحتى الفلسفة منعت في الفكر الانساني لا سيما في ظل انتصار الليبرالية التي تمثل احدى مشكلات حركة الفكر الانساني, ونحن في أمّس الحاجة لحوار فكري عميق حتى لا نكون نتعامل مع الشعارات, يعني نتحدث احيانا اننا لا نريد تنظير ونتفاجأ بالاخير باننا نتكلم عن شعارات وليس برامج وهذا نقد للحوار والاصل ان ننتقل من الامنيات الى البحث الجاد في القضايا.

واضاف ان محور الدولة هو يطرح بشكل جديد في الحوار على الاقل في الساحة الاردنية.

اذا كان تشكيل الحكومات والجهاز الوظيفي وادارة القطاعات والخدمات الاقتصادية والخدمية وحل المؤسسات في الدولة والمشاركة الشعبية المؤسسية والامن لا تثير حواراً فانا اعتقد ما زلنا نتكلم بالشعارات.. فيجب ان ينصب الحوار بداية على المسألة الفكرية لان هذا الحوار موصول.. فحركة النهضة العربية بدءً بمحمد عبده والافغاني ليس شيئا جديدا في حركة الاصلاح والنهضة والفكر الديني.. فيما انقطعنا لاسباب لها صلة بالتطورات والواقع الدولي وصراع المعسكرات وتبني الشعوب المستعمرة لنهج التحرر والاشتراكية والصدام مع الامبريالية.. الخ، ثم وصلنا الى مرحلة سقوط وفشل هذه النماذج لاسباب تتعلق باحدى المشكلات في حرية الانسان داخلها وليس بانتصار الفكر الليبرالي, لو كان بانتصار لرأينا انتصارا مماثلا في العالم الثالث للديموقراطية لكن الذي حدث هو فقط انعكاس شكلي مما حدا بالشعوب ان تبحث عن نموذج اخر غير النموذج الشمولي الذي قمع الانسان والذي منع التطور, لذلك يجب ان ترتفع تلك الحوارات الى مستوى جديد نؤسس فيه لفهم النموذج الديموقراطي الواقعي الذي يتعلق بتدرج تطورنا الاقتصادي والاجتماعي بشرط الا يكون مبررا لديموقراطية شكلية غير قابلة للتطور.

بينما اكد الدكتور هشام غصيب اننا لا نستطيع ان نتكلم بصراحة اي كلام عندما نأتي على الانظمة العربية، واكد ما قاله الاستاذ مازن من ناحية ان النظرية غائبة في حياتنا السياسية,.. فالنظرية السياسية غائبة على مستوى الدولة ومستوى الاحزاب في الوطن العربي كله وهذا احد اسباب ضعف السياسة في الوطن العربي, كما ان علينا ان ندقق في المصطلحات فهي ليست سهلة وعلينا ان نستوعبها بمزيد من البحث الجدي وبمزيد من الجرأة لطرح الافكار.. واعتقد بالعكس نحن نحتاج الى مزيد من التنظير وليس الى تنظير اقل.. واكد ان ضعف السياسة في الاردن هو غياب النظرية وهي غائبة تماما.

وبالنسبة للدولة الاسلامية والعربية وحتى الفرعونية والاشورية.. حقيقة الديموقراطية دامت في عهد الرسول والخلفاء الراشدين مدة محدودة ومن ثم بعد تلك الفترة جاءت الدولة الاموية, كانت دولة استبدادية كذلك الدولة العباسية والدولة العثمانية كانت دولة استبدادية، وكذلك الحال اذا رجعت للتراث القديم الشرقي التراث الهيليني والتراث الفرعوني والتراث البيزنطي والتراث الفارسي لذا اتمنى ان اجد كتابا عن النزعات الديموقراطية في الحضارة العربية الاسلامية, يتناول هذه النزعات كما بنفس الطريقة التي التي يعرض لها حسيب مروة في كتابه (النزاعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية)، فنحن- نحتاج الى مزيد من الدراسات حولها..

واضاف د غصيب حتى ان الديموقراطية الاولى التي انبعثت في عهد الخلفاء الراشدين كانت مليئة بالاشكالات والتناقضات وتحتاج المسألة الى دراسة, لكن طريقنا مقدس لا نستطيع ان نلج وندرس مسألة الانظمة العربية بنفس الحرية التي نتكلم فيها عن الانظمة الغربية فلا نستطيع الحديث عن تراثنا وعن اوضاعنا العربية لان المرء عند ذلك قد يدفع ثمنا غاليا، حتى ان التاريخ الاسلامي غني جدا واعتقد انه لم يدرس بصورة كافية اما التاريخ الاثيني وتاريخ روما مدروس جيداً، وفي الواقع ان حالة شافيز في اميركا اللاتينية ظاهرة ديموقراطية جديدة لم اتطرق اليها, واعتقد انه بدأ يتخطى حدود الديموقراطية الليبرالية في اتجاه المفهوم الاثيني (حكم المنتخبين وحكم الشعب) لكن الى اي مدى سيستمر في هذا الاتجاه هو والاخرون لا ادري, لكن بالتأكيد نشهد في اميركا اللاتينية بروز ديموقراطية جديدة ديموقراطية لا تقع في منحى السوفيات وايضاً لا تبقي على حدود الديموقراطية الليبرالية التقليدية.

بينما قال الدكتور ربيحات في معرض رده على التعقيبات ان موضوع اخذ الديموقراطية كمفهوم ونظرية ومنهج وبحثها في معزل عن المجتمع التي هي موجودة في داخله يمكن هو الذي يوقعنا في هذه الاشكالية ،لأننا نحن في مجتمع متغير ولو لم يكن هناك ديموقراطيات راسخة من حيث الشكل ومضامينها بصرف النظر اتفقنا ام اختفنا معها هل سيكون موقفنا منها بهذا الشكل؟. وهناك مؤشرات كثيرة تدل على حجم تغير كبير يتم في العالم العربي, فنستطيع ان نجلس مع بعض باتجاهات مختلفة ونتحدث في كل القضايا, ونحن ننتقد بأعلى درجات النقد.والديموقراطية ايضاً ليست رؤى النخبة تسقطها على الغالبية، فالديموقراطية كمنهج كلما دخلت الى ثقافتنا ترتطم بثقافة راسخة موجودة لها جذور وتراث ، علينا ان ننظر الى هذا الموضوع بكل تعقيداته وان نعرف الديموقراطية، النائب لا يتواصل مع الناس بسبب غياب الثقافة، والديمقراطية افكار وقيم وممارسات وتقاليد ومبادئ ، فكيف تقيم عندما تسقطها على الواقع الاردني او الواقع العربي او واقع مجتمعاتنا المحلية هو موضوع في غاية الاهمية.

وقال الدكتور ربيحات فيما يتعلق بالطرح الاسلامي كبديل ، نحن جزء من عالم مرتبطين فيه اقتصاديا فالعلاقة الاقتصادية اقوى من كل العلاقات وهذا ما يفسر وجود من يمتن علاقته في الدول العربية مع اميركا اكثر من تمتين تلك العلاقة بين العرب، ولا يمكن ان نحافظ على الوحدات التحليلية التي نشتقها على المستوى المفاهيمي بدون ان نأخذ ابعادها وتعقيداتها وتشابكها مع المفاهيم الاخرى.

ايضاً استطعنا ان نحافظ على امننا في منطقة تتسم بالغليان وهذا انجاز فما الذي جعل هناك اجماعاً اردنياً في بيئة تتسم بالغليان على ان امن الاردن ثابت لا يمكن المساس به ومستوى الخدمات, ولا يوجد عندنا تكسير عظم، بل نتحاور ونتفاعل في كل القضايا ونعيد تعريف المفاهيم تبعاً للتفاعلات التي تتم مع تفهم واسع للامتدادات والارتدادات التي نعيش بها.

العناوين عايش: مستقبل الديموقراطية في الوطن العربي في المدى المنظور معتم ، ولن ينير أو يستنير بدون صياغة ثقافة ديموقراطية مستدامة و قوية

الإصلاح السياسي في الوطن العربي جزئي و انتقائي و يستعير من الديموقراطية فقرتها الانتخابية

تداول السلطة والتعددية والفصل بين السلطات وحرية التعبير والمسؤولية وتكافؤ الفرص وقاعدة الاغلبية والمعارضة أبجديات لا ديمقراطية دونها

العقلانية ، و الديموقراطية ، و المعرفة مطالب أساسية لصلاح الامة

عايش: الإصلاح السياسي الجزئي ليس من الديمقراطية في شيء

في الجلسة الثانية من هذه الندوة وفي ورقته التي جاءت بعنوان "مستقبل الديموقراطية في الوطن العربي" قال الكاتب حسني عايش : يؤمن الذين يتحدثون في الديموقراطية أو لها و عنها ، و الذين يدعون إلى تبنيها بأن الديموقراطية هي الحل و سبيل الخلاص إلى أجل ٍ غير مسمّى . و عليه يجدر بنا بل يجب علينا تحديد معالم هذه الديموقراطية ، لنعرف عن ماذا نتحدث ، و أن نتحدث بالتصريح لا بالتلميح .

ففيما يتعلق بالديموقراطية المقصودة أو المرغوب فيها يختلط الأمر – ديموقراطيا ً – على الناس و حتى على كثير من المثقفين ، فلا يفرّقون بين الديموقراطية الأصيلة ( Genuine Democracy ) أي بين الديموقراطية الخالية من الرياء و التكلف ، و الديموقراطية الزائفة أو الفاسدة ( False Corrupt Democracy ) و الديموقراطية المراوغة( Manipulative Democracy) أو ديموقراطية التنورة (Skirt Democracy ) كما يسميها الأستاذ سين . ل . يوم ( MERIA, Vol .9, No.4, December 2005). أو الديموقراطية الجزئية ( Partial Democracy ) أو الديموقراطية الدفاعية (Defensive Democracy ) أو الديموقراطية المصغرة ( Micro Democracy ) و( الأتوقراطية المبررة ( Liberalized Autocracy ) كما يسميها الأستاذ دانيال برومبيرج( Carnegie Endowment Working Papers,No.37 may, 2003 ) حيث الإصلاح السياسي جزئي و انتقائي و يستعير من الديموقراطية فقرتها الانتخابية ، و ليس العملية الديموقراطية و أركانها ، و يسمح بقدر من المساحة السياسية ، أو بالحرية و المعارضة المقيدتين ، و يستخدم سياسة فرّق تسد ... التي تغطي – أحيانا ً – بمراكز حكومية لحقوق الإنسان
كما يفيد الأستاذ يوم ، مما ينتهي بما يسميه الأستاذ برومبيرج بفخ ( Trap ) الأوتوقراطية الليبرالية أو العسر السياسي ( غير المنتج للديموقراطية الأصيلة ) .

و يضيف : " أن هذا الإصلاح السياسي الجزئي ليس من الديموقراطية في شيء ، بل هو أوتوقراطية ملبررة هدفها تنفيس الضغوط المتراكمة ( و كأن المجتمع طنجرة بخار ينفسها كلما كادت تنفجر أو يضعها على الأرض إلى أن تبرد ) ليبدأ مرحلة جديدة لاكتساب شيء من شرعية الإصلاح و المحافظة على البقاء و ليس إطلاق الديموقراطية و مؤسسات المجتمع المدني و الأحزاب السياسية و المعارضة القوية . ربما لأن الحكام المتغطرسين و المترددين يرون في الديموقراطية ثقبا ً أسودا ً يمكن أن يبتلعهم أو يحجم سلطاتهم و سبيلا ً للفوضى و العنف " .

و إذا كان الأمر كذلك فإن للديموقراطية الأصيلة ( Genuine )طريقين :

أ – إما أن تأتي من فوق بالإرادة السياسية الصلبة الصادقة الملتزمة بكل عملياتها أي كاستراتيجية لا رجعة عنها . ب – و إما أن تؤخذ من تحت بفقدان الحاكم أو النظام للشرعية الديموقراطية .

و تتميز الديموقراطية الأصيلة ( Genuine ) بما يلي :

1 – الشعب مصدر السلطات والمصدر النهائي للتشريع والقوانين بالفعل لا بالشكل أو النص فقط .

2 – الفصل بين السلطات و الرقابة المتبادلة بينها .

3 – تداول السلطة في مرحلتي الذهاب إليها و الإياب منها إليها ، أي احترام حق الناس في اختيار من يحكمهم و خضوع المنتخبين للمساءلة .

4 – السلطة و المسؤولية متلازمتان .

5 – بالتعددية بأوسع معانيها و أشكالها ، وبالأحزاب ... و مؤسسات المجتمع المدني و الصحف و وسائل الإعلام ، تـُسجّل للعلم و لا ترخص .

6 – بحرية تعبير سقفها السماء و الحَكـَم فيها هو القضاء ، أي بفك الارتباط ( المشبوه ) بين الحرية و المسؤولية ( الحرية المسؤولة ) كما تراه إدارة الإعلام أو المطبوعات أو الأمن أو المخابرات ، و بإقامته بينها و بين القضاء النزيه و العادل ، دون أن يعني ذلك أن الحرية تعفى من المساءلة . إن الحرية و المسؤولية متلازمتان و لكن ربط الحرية أو المسؤولية عنها بالقضاء يكبل إدارات الإعلام و المطبوعات و الأجهزة الأمنية في تفسيرهما على هواها ، و يوقف استباق القضاء في تقرير مصير أصحابهما .

7 – قاعدة الأكثرية الملتزمة باحترام الحقوق الإنسانية للأقليات و بحقوق أقل هذه الأقليات و هو الفرد / المواطن بالإعتراف بها و قبولها بالسماحة لا بالتسامح ، فالتسامح فضيلة خادعة إذا تجاوزت الحقوق الشخصية إلى الحريات العامة المدنية و السياسية .

8 – تكافؤ الفرص الديموقراطية وتكافؤ التمثيل بين مختلف شرائح المجتمع والرجل والمراة .

9 – المعارضة السياسية فيها مخلصة للوطن ، بمعنى أن جميع الأطراف السياسية تشترك في الإلتزام بالمبادئ الديموقراطية الأساسية و التعاون في حل المشكلات العامة ، و أن السياسيين و إن كانوا متنافسين و لا يحبون – بالضرورة – بعضهم بعضا ً إلا أن كلا ً منهم يتحمّل الآخر و يعترف بشرعيته أو بدوره المشروع و يقبل الخاسرون النتيجة أي قرار الناخبين ، و أنهم لن يفقدوا حياتهم أو يودعوا السجن ، بل بالعكس يستمر المعارض بالمشاركة في الحياة العامة لأن ّ دور المعارضة أساسي لأنها مخلصة للمشروعية الديموقراطية للدولة ، و ليس لسياسات الحكومة.

10 – الديموقراطية الأصيلة صاخبة و شديدة الجلبة : كلما كانت الديموقراطية صحية و قوية اشتد صخبها و بدا للسذج أن المجتمع أو الدولة على وشك الانهيار مع أن الأمر بالعكس ، لأن الناس و إن كانوا ينشدون الأمن و السلامة و الحرية و المساواة ... إلا أنهم يحبون المغامرة و المناكفة أيضا ً . و لذلك تنشأ توترات و تناقضات ظاهرية و حقيقية بل و صراع و توافق و تنازلات بين الأفراد و الأحزاب ... و الحكومة و المعارضة في كل مجتمع ديموقراطي . و إن دل ّ ذلك على شيء فإنما يدل ّ على حيوية الديموقراطية و مؤسسات المجتمع المدني و تطورهما نحو مستويات أعلى .

ولعل هذه الحالة الديموقراطية الصاخبة أو الحيوية غير المألوفة في بلاد العرب و المسلمين هي التي تجعل أعداءها فيها يخشون الديموقراطية و يحاربونها أو يدعون إلى تقييدها أو يقبلون بجزءٍ أو فقرة ٍ منها . ربما لأنهم نشأوا في أطر اجتماعية و تعليمية و سياسية أبوية / ديكتاتورية و تعودوا على الصمت و الخمول و الانصياع حيث لا إبداع و لا ابتكار و لا حيوية أو حراك ، فالديموقراطية صيغة ( Figure ) تبرز في خلفيةBack ground ) ) وهي الثقافة السائدة في المجتمع . و للأسف فإن الصيغة الديموقراطية البارزة في بلاد العرب و المسلمين عبارة عن إجراءات أو آلية أي أن الديموقراطية – في نظرها – مجرد إجراءات أو آلية و ليس إفرازا ً أو ثمرة لثقافة ديموقراطية راسخة في المجتمع . و بالرجوع إلى التاريخ الديموقراطي نجد أنه يسبق كل إنطلاقة ديموقراطية أرضية فكرية مؤاتية تمهد لها أقامها المفكرون الديموقراطيون و راكموها . لكن هذا لا يعني التريث أو انتظار التطور ( Evolution ) إلى حين تتكوّن الأرضية أو إلى حين وقوع الثورة ( Revolution ) لتحدث ، بل الدفع نحو تكوين إرادة سياسية صلبة و ممارسة ضغوط شعبية و نخبوية قوية أيضا ً لتأتي بسرعة . و إلا كان مَثـَل المنتظرين لهما ليكون المجتمع ديموقراطيا ً ( بالتطور أو بالثورة ) مثل الذي يرفض النزول إلى الماء قبل تعلـّم السباحة .

واضاف عايش انه من هنا يقع الكثيرون في الخطأ أو في الزيف عندما يماثلون ( الإجراءات ) الديموقراطية بالديموقراطية . إن الديموقراطية ثقافة أو قيم تكوَّن عليها الفرد و المجتمع . إنها سلسلة كاملة من العمليات المؤسسية و غير المؤسسية القادرة على إحداث التغيير السياسي و ضمان الحرية و المساواة و العدل في المجتمع . إنها جزء رئيس من هوية الفرد و المجتمع في الغرب الديموقراطي التي لا يستطيع أن يتصور نفسه بدونها ، لأنها تشكل المدماك الرئيس من هويته أو ثقافته الذي لا يهدمه حتى و إن برزت أحيانا ً ممارسات غير ديموقراطية في مجتمعه . المدماك المفقود بعد في ثقافة أو هوية العربي و المسلم .

وأكد عايش إن الديموقراطية الأصيلة ( Genuine ) هي مصدر مناعة المجتمع و الدولة داخليا ً و خارجيا ً لأن مصدر التحكم في مصير الفرد و مصير المجتمع و الدولة ( Locus Of Control ) ينتقل بالديموقراطية من خارج الفرد و المجتمع إلى داخل كل ٍ منهما. و بما أن مركز التحكم هو مصدر السيطرة على السلوك و الموجه له ، فإن انتقاله من خارج الفرد و المجتمع إلى داخله يجعل كلا ً منهما مسؤولا ً عن تقرير مصيره . لعل التحول الأكبر أو الأعظم الذي وقع في أوروبا إبان النهضة و بعدها كان نتيجة انتقال مركز التحكم عند الفرد و المجتمع فيها من الخارج إلى الداخل و من فصل الدين عن السياسة لا عن الدولة كما يزعمون . و لعله لذلك لا يريد أعداء الديموقراطية الأصيلة أن تنشأ و أن تستقر و تصبح طريقة حياة و بقاء في بلاد العرب و المسلمين ، و إن ينتقل مركز التحكم من خارج الإنسان و المجتمع العربي و المسلم إلى داخله .

و أستغل هذه المناسبة لأقول : قد يكون التزام الأحزاب الإسلامية بالديموقراطية قلبا ً و قالباً و في مرحلتي الذهاب إليها و الإياب منها ( تداول السلطة ديموقراطيا ً ) وليس بالتكفير أو الإرهاب الفكري ( قمة الإرهاب) مكسبا" عظيما" للديموقراطية في بلاد العرب و المسلمين . لقد بدأت الأحزاب المسيحية الديموقراطية بالظهور في المجتمعات الكاثوليكية في القرن التاسع عشر ، معارضة لسلطة الكنيسة لا بتأييد منها لها . و مثلما هم عليه الأصوليون اليوم لم تقبل الكنيسة آنذاك الفصل بين الكنيسة و الدولة أو بمشروعية الوجود السياسي الخاضع لقاعدة الأكثرية و ليس للقانون السماوي ( الله ) . و قد احتاجت الكنيسة و معظم الكاثوليك إلى وقت ٍ طويل و كذلك إلى فقدان جميع المناطق أو الدول التي كانت تحكمها مباشرة لترويض أنفسهم على التعايش مع ظاهرة الأنظمة العـَلمانية الديموقراطية . و عليه أعتقد أنه ما لم نتعلـّم من تجارب مَن سبقونا فإن المشوار العربي و المسلم إلى ( ثقافة ) الديموقراطية العـَلمانية الإنسانية التي تحترم كرامة الإنسان و حقوقه طويل جدا ً و ربما يبدأ في التحقق في القرن التاسع عشر أو العشرين الهجري لأنه – كما يبدو – لا يقبل فرد أو حزب أو شعب التعلـّم من أخطاء غيره فيكررها .

إن تكوين الثقافة الديموقراطية و انتقال مركز التحكم من الخارج إلى الداخل ليس بالأمر اليسير أو السريع، فالإجراءات الديموقراطية يمكن أن تتم بسرعة لكن الثقافة الديموقراطية أو القيم الديموقراطية و انتقال مركز التحكم إلى الداخل يحتاجان إلى وقت طويل جدا ً ليرسخا ، كما أن الديموقراطية لا تعمل في فراغ : يجب أن يرافقها و يعززها تعليم ديموقراطي يقوم على حرية التفكير ، و التعبير ، و التفكير الناقد الذي هو " مصدر الكمال الأخلاقي و المواطنة المسؤولة " و الفلسفة ونظريات المعرفة و الأنشطة المعبرة عن ذلك بممارسات ديموقراطية في الفصل و المدرسة و الكلية و الجامعة ، أي تعليم يحرر و لا يهيمن ، و يستلهم فلسفة ابن عربي :

لقد كنت قبل اليوم أنكر صـاحبي : إذا لم يكن ديني إلى دينه دانـــي

فقد صار قلبي قابلا ً كلّ صـورة : فمرعى ً لغزلان و دير ٌ لرهبــان ِ

و بيت ٌ لأوثان ٍ و كعبة ُ طائـف ٍ : و ألواح توراة ٍ و مصحف قـرآن ٍ

أدين بدين الحـــب أنـّى توجـهت : ركائبه فالحب ديني و إيمـــــاني

و يجب أن تدعمها مؤسسات مجتمع مدني قوية و مستقلة ، و صحافة حرّة و شرسة ، و إعلام مفتوح و غير مدجّن ، و قضاء نزيه و عادل ، و دولة تلبي الحاجات الأساسية أو الضرورية للناس من الغذاء و الكساء و المأوى و الأمن لتتعزز و تزدهر ، فعندئذ ٍ يمكن للديموقراطية استيعاب التطرف و المتطرفين و تصريف طاقاتهم سلميا ً ( لأنه لا يجوز محاربة التطرف بالتطرف أو الإرهاب بالإرهاب ) . و في جميع الأحوال فإنه لا يجوز جعل الديموقراطية رهينة للأمن أو للإرهاب أو مقيدة بقدرهما . يجب أن تظل عاملة و فاعلة و قوية لضمان الأمن و كبح جماح التطرف و الإرهاب ، و ختاما ً نقول : لا تصلح هذه الأمة إلا بما صلح به غيرها و هو : العقلانية ، و العلمانية ، و الديموقراطية ، و المعرفة ( العلوم و التكنولوجيا ) ، فهل نحن مدركون ؟!

وفيما يتعلق بمستقبل الديموقراطية في الوطن العربي قال عايش تعاني الديموقراطية المرغوب فيها في الوطن العربي من الصد و الرّد ، و من التشويه المتعمد ، و من تزييف وعي الناس بها بمقابلتها بالشورى في كل مرة يرتفع فيها مدها (1) . و لذلك فإن مستقبل الديموقراطية في الوطن العربي ، بالمعنى و المبني الذين أشرت إليهما بعيد المنال و ضعيف الاحتمال . و لكن الوطن العربي لن يشذ عن القاعدة إلى مالا نهاية ، لأن ( تماثله ) في المنهج الاقتصادي – إنتاجا ً و استهلاكا ً – و المنهج الإعلامي ، و المنهج التعليمي ، و المنهج التكنولوجي ... مع الغرب مؤد ٍ لا محالة إلى تماثله نعه في المشكلات و الإشكالات و التحديات و الحلول . و لكنه بدلا ً من أن يختصر المسافة أو الزمن و الكلفة بالاستفادة من تجربة الغرب و مسيرته ، و يتجنب أخطائهما و كلفتهما ، ¬¬¬¬¬¬¬¬¬يكررها كما هو حادث الآن . و لعل ّ ذلك يعود للعوامل و الأسباب التالية :

1 – معاداة الثقافة العربية الإسلامية للديموقراطية :

و إلى أن تصبح الديموقراطية جزءا ً من هذه الثقافة و جزءا ً من هوية الفرد و المجتمع ، فإن ذلك سيحتاج إلى وقت طويل جدا ً . إن الشارع العربي ينتمي إلى الوعاظ و المعلمين و المعلمات و الأساتذة و الأستاذات و الإعلاميين و الإعلاميات و السياسيين و السياسيات المعادين للديموقراطية مصطلحا ً ( مع أنه تعبير عن آيات الله : " و من آياته اختلاف ألسنتكم و ألوانكم . إن في ذلك لآيات ٍ للعالمين " ( 30 / 22 ) ) و منهجا ً مع أنه كان معروفاً في مكة قبل الإسلام في إدارة شؤون الكعبة و المدينة ، و في دولة سبأ : " قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا ً حتى تشهدون " ( 32 / 27 )

و بعبارة أخرى ليس للديموقراطية جذور في المجتمع العربي بعد ، كما للأحزاب و الحركات ... الإسلامية فيه .

2 – تبعية مؤسسات المجتمع العربي المدني للحكومات :

تعتبر مؤسسات المجتمع المدني التربة أو البنية التحتية اللازمة لانطلاق الديموقراطية في أي مجتمع معاصر . و بما أن المؤسسات المدنية العربية لا تزال عاجزة عن تكوين الكتلة الحرجة المؤيدة للديموقراطية فإن مستقبل الديموقراطية في الوطن العربي سيظل غامضا ً .

إن أيكولوجية السيطرة على الحياة المدنية في الوطن العربي في رأي الأستاذ و الباحث سين .ل .يوم ( MERIA, Vol .9, No.4 , December 2005 ) تتكون من ثلاثة مداميك أو أجزاء و هي :

أ – القمع الناجح أو الملفت للنظر لمؤسسات المجتمع المدني و دعاة الديموقراطية الذي توفره قوانين الطوارئ للحكومات ، لدرجة أنه يقال : لقد فشلت أنظمة الحكم العربي في كل شيء و لكنها نجحت نجاحا ً منقطع النظير في القمع . و بسببه فشلت مؤسسات المجتمع العربي في تكوين كتلة حرجة من المتطوعين المنضمين إليها ، الداعين إلى الديموقراطية و المطالبين بها لأنها :

1. غير مستقلة تماما ً عن الحكومات .

2. لأن أجندات كثير منها غير ديموقراطية .

3. و لأنها عاجزة عن إقامة أوسع التحالفات الديموقراطية مع نفسها .

ب – التضييق القانوني و الإداري و الأمني الإستباقي عليها كي لا تتحول إلى تهديد للنظام القائم.

ج – إقامة مؤسسات بديلة ( عميلة ) ممولة جزئيا ً أو كليا ً من الدولة لجعل مؤسسات القطاع المدني أدوات بيد الحكومات ، لاعتمادها في بقائها عليها . و بدوره أدى إلى ما يسميه الباحث بالعجز في المصداقية ( Credibility Deficit ) عند هذه المؤسسات و ابتعاد المواطنين عنها أو نفورهم منها ، لأنها لم توفر منابر ديموقراطية لهم لمتابعة مصالحهم المشتركة ـ و تعلـّم القيم الرئيسة للديموقراطية كالمشاركة و العمل الجمعي ... و هو ما دعا الباحث ( يوم ) للتساؤل : لكن ما الذي يجعل القسر أو الإكراه أو العنف ( العربي ) قليل الكلفة ؟ يجيب على هذا التساؤل بالقول: إن أقوى تفسير ملزم لذلك يأتي من أطروحة الدولة الريعية . إن كثيرا ً من الأنظمة العربية موجود في دول تتلقى معونات كبيرة من الخارج ، أو من عائدات النفط و ليس من الإنتاج الوطني و الضرائب المتحققة عليه ، مما يجنب النخب العربية و المؤسسات المدنية و الأحزاب السياسية الكثير من المطالب أو الضغوط الداخلية ، لأن دور الدولة يصبح توزيع الثروة السائلة و ليس تكوينها و عدم إعتماد الموازنة الكامل على الضرائب . و من المتفق عليه أن قاعدة لا ضرائب دون تمثيل ( No Taxation without Representation ) لم تصل بعد إلى مسامع العرب و المسلمين . لعل العلاقة بينهما هي التي جعلت بعض الباحثين يربط بين مستوى دخل الفرد

و استمرار الديموقراطية ، و إن كانت الهند تشذ – ربما بالإرادة السياسية – عن القاعدة . و في رأي آخرين إن الانطلاقة الديموقراطية في إندونيسيا ، و بلدان الكتلة الشرقية التي كانت تابعة للإتحاد السوفييتي ، ما كانت لتحدث لولا الفشل أو الانهيار الاقتصادي لأنظمتها الحاكمة .

3 – تنافس الديموقراطية التي تدعو إلى الحقوق المجردة ( Abstract Rights ) كالحرية و المساواة و العدل و تداول السلطة ... و عملياتها ( Processes ) مع آيدولوجيات تعد بالمادي أو الملموس ( Tangible Benefits )، الذي تعبر عنه سريعا ً بخدماتها الاجتماعية و الصحية و التربوية و المالية ... عبر مؤسساتها المدنية و بما هو أعظم منها و أبقى أي بجنة عرضها عرض السماوات و الأرض أيضا ً ، لا يستطيع أحد أن يجادل فيها . و من هنا تنبع قوة الحركة الإسلامية السياسية أو الإسلام السياسي – و كذلك اليمين المسيحي و غيره من الأصوليات – و تفوقها على غيرها جماهيريا ً. فما بالك إذا كانت الأحزاب و الحركات الإسلامية محكمة التنظيم ، و الأحزاب و الحركات ... غير الإسلامية تابعة للنظام أو فاقدة للمصداقية أو غير منظمة !!

4 – السلطوية القوية : يدعي كل حزب أو حركة سياسية ... في الوطن العربي أنه الأفضل لحكم البلاد ، و الأمين على مستقبلها ، فلا يقبل بأريحية و عن احترام حقيقي الرأي الآخر ، أو تداول السلطة .

و يبلغ التسلط الأوج بادعاء حزب أو حركة ... إمتلاك الحقيقة المطلقة ، و القول أن منهجها رباني ( و على الرّغم من تعدد تفسيراته و أحزابه و حركاته و جماعاته ) و أنه لا يجوز للإختبارات البشرية التناقض معه . يعني ذلك في بداية التحليل و في نهايته إلغاء الآخر سواء أكان شخصا ً أو رأيا ً أو حزبا ً ...

و بما أن الأحزاب و الحركات و الشعوب لا تتعلم – كما يبدو – من تجارب غيرها لتجنب الكلفة فإن الأحزاب و الحركات الإسلامية ... – في اعتقادي – لن تتعلم من تجارب الأحزاب المسيحية الأوروبية من دون دفع الكلفة .

و إذا كان الأمر كذلك فإن مستقبل الديموقراطية المرغوب فيها في الوطن العربي بعيد جدا ً ، و سيظل سجين نمط ثابت من الحكم و الإسلام السياسي يصعب تجاوزه .

5 – الإلتباس الناشيء عن الخلط بين التحديث ( Modernization ) و الدموقراطة ( Democratization ) : يخلط الناس ( جهلا ً ) و الحكومات ( عمدا ً ) و المثقفون ( إنتهازية ) أحيانا ً بين عمليات أو أشكال التحديث التي تقوم بها أنظمة الحكم ، و الدمقرطة ، مع أنها ليست – إجمالا ً – من الديموقراطية في شيء .

6 - الإلتباس الناشيء عن الخلط بين ديموقراطية الاستهلاك و الديموقراطية السياسية : تركز الرأسمالية ( الأمريكية ) المتوحشة على توسيع الإستهلاك باضطراد ، حتى لا تتوقف عجلتها . و نتيجة لذلك يرى الناس في تنوع السلع التي تعج بها أرفف البقالات و الأسواق و المولات مجالا ً واسعا ً للإختيار ، مما يجعلهم يحسون – بخداع ذاتي – بالحرية و الديموقراطية .

و الحقيقة أن نزعة الإستهلاك انتقلت إلينا بقوة في السنوات الأخيرة بالإنفتاح و العولمة و أن مراكز التسوق الجديدة أخذت تحل محل مؤسسات المجتمع المدني و المرافق و الميادين و الحدائق العامة التي يجتمع فيها الناس و يتلاقون و يتحدثون و إن كانت بغياب المجتمع المدني القوي ، كالمراكز لا تزيد من وعيهم السياسي .

واختتم عايش حديثه بمجموعة من التساؤلات والتي كان من اهمها

1 – هل تساعد خيبة أمل الشعوب العربية في الأنظمة الديكتاتورية و الشمولية على إعطاء دفعة جماهيرية قوية للديموقراطية ؟ أم أن عليها أن تنتظر إلى حين فشل أنظمتها التام إقتصاديا ً ؟ كيف نجعل الناس أو المسلمين يفسرون الظواهر و الأحداث علمياً لا دينيا ً لأنه كلما وقعت أزمة و كارثة أو هزيمة سارع رجال الدين إلى تفسيرها بالابتعاد عن الدين و إعادة لناس إلى المربع الأول . إن هذا طبيعي أو عادي في المجتمعات غير المستقرة أو غير الناضجة كما يرى علماء النفس و الاجتماع لأن كل ثقافة تشعر أنها محاصرة تعود إلى الأساسيات ، و كلما اشتدت الهجمة على الإسلام في الغرب زاد تمسك المسلمين به ، و لجوء بعضهم إلى التطرف فيه .

2 – إلى أي مدى يؤثر ديموقراطيا ً ( سلبيا ً أو إيجابيا ً ) وجود إسرائيل في قلب الوطن العربي ، على الحركة الديموقراطية العربية ؟ لعل ذلك يدعونا عند التفكير في الإجابة على هذا السؤال ، إلى ما يلي :

أ‌- البعد العنصري لديموقراطيتها .

ب‌- الضغوط الأمريكية و الأوروبية على بلدان الوطن العربي لتبني الديموقراطية و احترام حقوق الإنسان .

ت‌- تأثير هذه الضغوط السلبي أو الإيجابي على الضغوط الشعبية و النخبوية العربية من أجل الديموقراطية .

إن الشعوب العربية و أجزاء من نخبها الثقافية و الديموقراطية تشك في نوايا الغرب ( الازدواجية ) بما في ذلك نواياه الديموقراطية لها ، لكن ذلك لا يعفيها من مواصلة الضغوط ( Sustained Pressure ) لتحقيق ماغناكارتا ديموقراطية ( واحدة على الأقل ) لتحدث الانطلاقة.

و ختاما ً نكرر القول : إن مستقبل الديموقراطية في الوطن العربي في المدى المنظور معتم ، و أنه لن ينير أو يستنير بدون صياغة ثقافة ديموقراطية مستدامة و قوية في الأسرة و المدرسة و الجامعة و الإعلام و المجتمع ، و من إرادة سياسية صلبة – منعا ً للمحظور – و تلبية حاجات الناس الأساسية من طعام أو كساء و سكن و أمن .

(1) لم تكن شورى عملية (process) مستقرة او في التاريخ العربي الاسلامي. وان كانت الشورى او التشاور حالة يومية في كل جماعة ومجتمع. وكما يذكر المفكر الاسلامي حسين احمد امين لم يستشر ابو بكر ( رضي الله عنه) احدا عندما عين عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه) خليفة على المسلمين من بعده. كما لم يستشر عمر (رضي الله عنه) احدا حين عزل خالد بن الوليد من القيادة.

د. الناصر : النظام الانتخابي وسيلة وليس هدف او غاية الديمقراطية

من جانبه قال د.خلدون الناصر - أمين عام حزب العهد بدءاً ينبغي القول, ان الديمقراطية في اي بلد من البلدان, سواء اكان هذا البلد متقدماً ام متخلفاً, انما ترتبط بالثقافة, ونعني هنا السياسية منها وبقية القيم والمعتقدات والاتجاهات والسلوكيات وكافة الممارسات, وهذه القيم تختلف ليس باختلاف البلدان حسب وانما باختلاف الازمان, فثقافة اميركا السياسية ايام ابراهام لنكولن كمثال: هي غير ما نعرفه اليوم, اذا هي تتغير وتتبدل بتغير الأحوال وهي كذلك بتغيرها وتبدلها لا تسير بحركة منتظمة نحو الأمام دائماً اذ قد تتراجع بل تختلف عن الماضي ليس القريب حسب وانما البعيد ايضاً.

وقال انه عندما نقول ان الديمقراطية والحرية والمشاركة السياسية والحقوق التي اصبحت اشبه ما تكون باللازمة الموسيقية التي تصاحب الاركان السياسية المقترنة بالنظم السياسية المعاصرة الخاصة ببلدان الجنوب المبتلاة بالتخلف والتراجع على شتى الصعد, ومنها الصعيد السياسي فهذه البلدان لا تعاني في الحقيقة من ازمة سياسية بقدر ما تعاني من ازمة ثقافية, فالسياسة او بالاحرى الديمقراطية لا تعني ابداً انتخابات وترشيحات وصناديق اقتراع او مجالس برلمانية او بلدية او اجراء اقتراعات علنية او سرية او اشراك النساء او تفعيل دور الشباب.

انما نعني بالديمقراطية اولاً واخيراً ثقافة بدونها لا يمكن تحقيقها والثقافة التي نعنيها هنا هي ثقافة المشاركة او المساهمة Participation Culture . وليس ثقافة الخنوع والخضوع, ثقافة تبدأ من ولادة الانسان وتصاحبه حتى لحده, ثقافة تعطي الحق للجميع وهذا لا يأتي من فراغ, كما انه لا ينشأ بالصدفة بنفس الوقت الذي لا تخلق فيه عن طريق الاعلانات او تأسيس الوزارات او حتى الضغوط انما عن طريق التنشئة الاجتماعية السياسية ووجود الارادة السياسية الحقيقية, عندها تصبح العملية السياسية عملية ديمقراطية حقيقية لأنها ستكون طبيعية غير مصطنعة لا تكلف بها ولا ادعاء, وحتى نصل هذه المرحلة نحتاج الى وقت وجهد وصبر وليس الى انفاق ومال فقط, واعتقد اننا في الاردن قطعنا شوطاً متواضعاً جداً في المسار الاول واسرفنا كثيراً في المسار الثاني الى مرتبة الارتجال والاصطناع ولكن رغم ذلك فان الجهد والمثابرة قائمان ولا مكان للركون او التأجيل او التوقف لأننا فعلاً نعي بأن الديمقراطية بحاجة فعلاً الى اناس ديمقراطيين حقيقيين وليس الى مؤسسات واجراءات فقط, صحيح ان هؤلاء ندرة الآن ويتم التعامل معهم على اساس انكارهم, ولكنهم رغم ذلك موجودون.

واضاف الناصر انه حتى نعطي انفسنا كأردنيين حق التحاور حول مستقبل الديمقراطية في الوطن العربي ،علينا الاعتراف بأن الحوار حول مستقبلها في الاردن يصل بنا في نهاية المطاف الى نفس الهدف الجمعي لأن الحالة واحدة وان اختلفت اسماء الامصار ونظم الحكم فيها، واسمحوا لي بعد ان استميحكم العذر على جعل محور هذه الورقة هو حالنا المحلي لأنه مماثل للآخرين من الاشقاء وكما اسلفت, وحتى نصل الى حالة تتسم بالشفافية والحداثة والابداع علينا ان نمارس الحالة الانتخابية ممارسة حقيقية سواء قامت على اساس الانتخاب الفردي او بالقائمة وسواء أكانت هذه القائمة مفتوحة ام مغلقة او كانت العملية قائمة على درجة واحدة او درجتين مباشرة او غير مباشرة, اعتمدت نظام الحصص او نظام الاستفتاء الاولي او غيره قامت على نظام الدائرة الانتخابية الواحدة او تعدد الدوائر.

فالنظام الانتخابي هو في كل الاحوال وسيلة وليس هدفاً او غاية, فهو وسيلة لتحقيق الغاية الاكبر وهي الشفافية والنزاهة المؤديتان الى الديمقراطية الحقيقية وهذه العملية لا تصل الى مستواها المنشود الا ضمن هذه الممارسة ولايمكن ان تحقق اهدافها المنشودة الا من خلال عمل يتسم بالاستمرارية والتواصل. قد يبدو ذلك صعب المنال بيد انها ليست من المحال وطريق الالف ميل يبدأ بخطوة اولى وقد خطونا في الاردن نصفها او اقل حتى الآن. صحيح ان النظام الانتخابي المرجو قد يبدو بعيداً اليوم عن انظار ابناء العالم الثالث عامة وابناء عالمنا العربي خاصة, فقد يصبح قريب المنال بالجهد والمثابرة والعزيمة المتواصلة.

كان لا بد من الحديث عن الانتخابات كمدخل رئيس اذا كنا بصدد تقييم الديمقراطية والحديث عنها وفيها والذي يدعو الى هذا هو اعتماد المعايير المتفق عليها للاعداد لمؤتمر الديمقراطيات الجديدة الذي سيعقد في الدوحة ما بين 31/تشرين اول و1/تشرين ثاني القادم, هذا المؤتمر الذي عقد اجتماعه التأسيسي الاول من بضع دول في مانيلا عام 1988 بعد الاطاحة بحكم ماركوس الدكتاتوري ليقوم على انقاضه نظام ديمقراطي حيث تتابعت هذه اللقاءات في قارات اميركا اللاتينية وافريقيا وآسيا واوروبا واصبحت تضم حالياً 66 دولة من الدول التي تحولت خلال السبعة عشر عاماً الماضية الى الديمقراطية او تلك السائرة في طريق التحول الديمقراطي, ليكون حوارنا حول بعض الدول العربية وليس دول الوطن العربي, الا وهي الدول التي سمح لها واستناداً لمعايير ICSFD, »التحالف الدولي لمجتمع الديمقراطية« في آخر اجتماع ستياغو / تشيلي نيسان 2005 المشاركة بصفة »مراقب« وهي الجزائر / البحرين / مصر / الاردن/ المغرب / اليمن واستبعدت تونس بسبب التضييق على الحريات ومن الممكن السماح لكل من الكويت بعد السماح بمشاركة المرأة في الانتخابات الاخيرة ولبنان بعد الانسحاب السوري من المشاركة بنفس الصفة »مراقب« اذن نحن نتحدث عن ست دول قد تصبح ثمانية من اصل الدول الاعضاء في جامعة الدول العربية.

وتحدث الناصر عن المعايير المعتمدة والمستمدة من ميثاق الامم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية واعلان وارسو بشأن ترابط السلم والتنمية وحقوق الانسان و»الديمقراطية« وعالمية قيم الديمقراطية واهم هذه المعايير:

1- انتخابات حرة وعادلة ونزيهة ودورية استناداً الى التعددية والاقتراع السري وحرية الاحزاب في التنافس الانتخابي وضمان المشاركة في الحكم مباشرة او من خلال النواب المنتخبين.

2- حكم القانون: التزام الحكومة باحترام الدستور واحكام القانون وتداول السلطة وضمان المساواة امام القانون وحماية حقوق الجميع.

3- الفصل بين السلطات الثلاث واستقلال القضاء من التدخلات.

4- خضوع العسكريين للحكم المدني الديمقراطي المنتخب.

5- احترام حقوق الانسان والحريات الاساسية والكرامة الانسانية المتأصلة وحماية الدولة لهذه الحقوق من دون تمييز ايا كان.

6- الالتزام بالقانون والمعايير الدولية للمبادىء والقيم الديمقراطية.

7- احترام المعايير الدولية المتعلقة بالعمل.

وبين الناصر انه في الاجتماع القادم المشار اليه ستقدم اوراق العمل الرئيسية المتعلقة بمبادىء البرلمان الصالح والتي تم انجازها عن الحالة الاردنية من خلال المنظمة الدولية للأنظمة الانتخابية IFES والمركز العربي لتطوير حكم القانون والنزاهة ACRLI بادارة برنامج ادارة الحكم في الوطن العربي التابع لبرنامج الامم المتحدة الانمائي UNDP-POGAR.

حيث من المؤكد لكل من اطلع على التقارير سيجد ان الدول العربية المشاركة كمراقب حتى الآن لن تعتبر كاملة العضوية حتى اشعار آخر بما فيها الدولة المضيفة وربما تلك التي استعادت العضوية كمراقب ان لم تكن جميعها لأن اية واحدة منها لم تطبق اياً من المعايير المذكورة ايضاً. وبذلك تخلص الى مستقبل الديمقراطية في الوطن العربي من رؤية عربية شاملة واردنية خالصة.

عربيات: إذا خيرنا بين نظامين "إسلامي عسكري ديكتاتوري" و"شيوعي منتخب ديمقراطياً" فإننا سنكون مع إرادة الشعب .

ومن جانبه اكد الدكتور عبداللطيف عربيات رئيس مجلس النواب السابق في رقة العمل التي قدمها ان النظرية غائبة عن الحياة السياسية وتمنى لو ان هذا الموضوع كان بنداً اساسياً يطرح من قبل اكثر من جهة حتى نحدد الصورة الحقيقية, فنحن بحاجة الى نظرة فلسفية فكرية حضارية في مفهوم الديموقراطية مكوناتها منطلقاتها وضوابطها الى آخر ذلك ثم ما يطرح بديلاً لذلك او متآلفاً مع ذلك. نظرية فلسفية فكرية حضارية في مفهوم الشورى في الاسلام التي تطرح كبديل ويصبح المقارن بين هذا وذاك .. نظام الحكم الاسلامي والديموقراطية الفروق بينهما والقواسم المشتركة وامكانية التعايش .

وقال لقد عقد مؤتمر في عمان عام 2004 لعلماء المسلمين شيعة وسنة وخلصوا الى مفاهيم محددة حول ما هو مطروح نظام الحكم الشورى الديموقراطية الشريعة, مقاصد الشريعة, قواعد الشريعة الى غير ذلك ويمكن الرجوع لهذا البحث المطبوع في مؤسسة آل البيت للأخذ والرد على ما هو موجود .

وبين الدكتور عربيات لدينا تصور واضح ومفهوم محدد عن الاصلاح في الاردن ، وهذا بحاجة الى فكر ونظرية وبرامج و منطلقات وحلول لما هو واقع ، ليؤدي ذلك الى الاصلاح بمفهومه الشامل ، لذا أصدرت الحركة الإسلامية عام 2005 وثيقة للإصلاح في الأردن.

وتحدث الدكتور عربيات عن مناهج التغيير في الأمة العربية المعاصرة التي وضحها في كتابه (دور القيم في التغيير الاجتماعي صدر عام 2005) حيث بين أنها فشلت ، سواء أكانت آخذة بالنظام الرأسمالي الديموقراطي الليبرالي ، أو التي أخذت بالنظام الشمولي الشرقي الشيوعي، أو أخذت بالنظام التقليدي العشائري الذي نمارسه هنا. وبينت أن لكل منهج تغيير فيه نقاط ضعف وكيف نتجاوز ذلك. وبين أننا بحاجة إلى فلسفة نظرية متكاملة حول من نحن وماذا نريد, وما هو البديل الحضاري, البديل الحضاري المطلوب يجب أن يكون متكاملاً فكراً, نظرية, فلسفة, منهجاً, محتوى وأساليب حتى نقول للعالم لدينا هذا البديل او ليس لدينا هذا البديل ويتم مناقشته ويتم البحث فيه ويعرض على المعنيين شعباً ام خبراء ليقولوا كلمتهم فيه رفضاً أو قبولاً.

وبيّن عربيات ان هناك درجات بين المعرفة والقيم السلوكية في التربية, ليس كل ما يطرح نظرية ومعرفة مجردة هو قابل لأن يسوق لإحداث التغيير, الدرجة الاولى المعرفة وقد نحصل فيها على اعلى الدرجات العلمية ونحصل على الدكتوراه ونحن في الدرجة الاولى من التغيير, نحفظ الكتاب ونسمعه ونبقى نلعب رياضة بنفس المكان فلا نصعد الى اعلى لقيم سلوكية.

وقال : ان المعرفة والقيم في هذه العمليات درجات: الدرجة الاولى المعرفة .. الدرجة السابعة هي القيم السلوكية بينهما الميول والاتجاهات والرغبات والمهارات والقدرات .. وهذه تؤدي إلى إجراء التغيير الذاتي حتى نصل إلى ما نريد لكن عندما نقف على الدرجة الأولى ونخطب على العالم كله وبعدها معرفة مجردة غير قابلة للتطبيق ونتحدث بالقيم هذا كلام حقيقة فيه إجحاف ‘وحبذا وزارة التنمية السياسية أن يعطوا الاهتمام بالذات بأن المدرسة النظامية والمدارس الموازية متآلفة متعاونة هي التي تصنع التغيير المطلوب.

وقال: نحن بحاجة إلى معرفة كيف تحدث عملية التغيير ، والتغيير فلسفة ومفهوماً ومنطلقاً ونتيجة ، فلا بد لنا من تحديد هذه المعالم . وعلى ما قيل حول الرؤى الأردنية حول الديمقراطية سيوصلنا اليها ?. وأكد اننا نظلم الاردن ومن فيه لأنه منذ نشأته عام 1921 لليوم فيه صفتا الاستقرار والاستمرارية ، حيث هناك نظام متصل .. نظام إمارة, مجالس استشارية ومجالس نيابية ، والآن مجلس الرابع عشر . وبالمقابل هناك ضعف في القوة, لكن تبقى عندنا مؤشرات لبناء مؤسسات وصلت بالتالي إلى ما نحن فيه .

واضاف ان عندنا من الكفاءات والقدرات لنسير بالطريق السليم ، والدليل كانت عمان تنتخب مجلسها البلدي ورئيس بلديتها حيث كان هناك مدرسة واحدة ثانوية ، واما اليوم عندنا 25 جامعة خاصة وحكومية وما يزيد عن 5 الاف مدرسة ، وعندنا من عام 1964 قرار التربية والتعليم رقم 16 قرر فيه فلسفة للتربية, والذي يعد اول القرارات التي تقرر فلسفة النظام التربوي في العالم العربي .وبعد هذا القرار يسأل البعض عن خطة وزارة التربية? ففي الستينات كانت الكم, والسبعينات التنوير, والثمانينات النوعية, والتسعينات التطوير بعدها الحوسبة, فكل 10 سنوات لنا شعار في التربية والتعليم, فمن الظلم ان نغطي على انجازات موجودة ونحن بحاجة الى اظهارها.

ورأى اننا قادرون على ان نعطي في الديمقراطية ونقيم ما تم علمياً وبحثياً ونعطي النتيجة المطلوبة.واضاف : اننا نشعر بالظلم بعد هذا العطاء والاستمرار, وبعد هذا المستوى من العلم ان نعود قبل العشرينات والثلاثينات ، حيث كانت تنتخب المجالس انتخابها الطبيعي العادي وتفرز بالرغم من وجود كابوس الانتداب والاستعمار والاحداث الكبرى في المنطقة .

وأضاف أن هناك رؤى لمقومات مستقبلنا بمعرفة من أنا ومن الآخر, فبلدنا له هوية وطابع فنزع الهوية عنه ظلم له وظلم لقضاياه , ولهذا اقول علينا ان نزيل الشعارات البعيدة عن الواقع.

وأضاف أن الحركات الاسلاميه مع الخيار الديمقراطي ومع إرادة الشعب ، فهذا احد قادة الحركة الاسلاميه في مصر يقول في مؤتمر دولي ، إنني إذا خيرت بين نظامين إسلامي وعسكري ديكتاتوري وشيوعي منتخب ديمقراطياً ، فإنني مع إرادة الشعب .

وتساءل الدكتور عربيات : كيف تكون العقيدة خارج المشروع السياسي ( الديمقراطية ) ، ونحن نؤمن بالديمقراطية الصحيحه .

واضاف: نحن امام منهج تجديدي في التغيير والاصلاح ، وتطوير الذات او التبديل واستبدال بما هو معروض ، ولنختار ماعند وعند غيرنا ، ونشكل نموذجاً حضارياً نقدمه للعالم.

وقال : لدينا اسبابا لهذ التيه والتردي :

اولاً - قوى الاستشراق التي شوهت تاريخ الأمة عند ابنائها واعدائها على حد سواء, هذا الاستشراق الموجه خاصة ان فيه من الدسائس ما اعطى صورة معاكسة وجعل تاريخنا كله حكم اشخاص.

ثانياً - ثم المبشرون بما صنعوا بالتبشير بالفكر الغربي بمدارسهم وجامعاتهم.

ثالثاً - ثم المستعمرون عندما اطبقوا على هذه الأمة وقسموها من وحدة واحدة الى 20-22 وحدة.

ثم اشرفوا على منع اي تقدم خلال ال 200 عام ، ورصدوا وضربوا وقاوموا اي اصلاح ،وقد ضرب الدكتور عربيات مثالا على ذلك من تاريخ الاردن وما صنع الانتداب البريطاني ،حيث تدخلت السفارة البريطانية لمنع ان يكون أي تمثيل شعبي في المجلس الاستشاري خاصة بعد ان اختلف اعضاء المجلس المكون من 13 عضو _ 11 معينون من قبل الحكومه و2 من خارج الحكومه في المجلس الاول الاستشاري_ على قضية معينة

رابعاً: المنظمات الصهيونية الماسونية السرية. لقد اطبقت تلك المنظمات على امتنا خلال ال100عام الماضية ، فاستمعرتنا بريطانيا ، وفرنسا بالمخدر ، ثم جاء الكاوبوي الاميركي في القرن الحادي والعشرين بعقلية جديدة ‘ فانكشف زيف ما ادعوه من قبلهم.

وتساءل عن القيم التي تحكم الحضارة الغربية ، وعن مفهوم القيم التي نقدمها عنوان لاي نظام قادم ،ونفحصها ونبحث فيها ، هل هي وطنية محلية ، ام انسانية . وأكد اننا ندعو الى القيم الإنسانية وليس القيم الوطنية المحدودة.

وقال الدكتور عربيات : أن القيم الاميركية ، هي قيم اميركية خاصة لأنها تعتبر نفسها فوق العالم ، وأي شيء يخالفها فهو إرهابي .. وفي هذا المقام سألت الوفد الأمريكي الطلابي المتفوق الذي زار مجلس النواب ، هل قيمكم محلية وطنية ، ام قيم وطنية إنسانية عالمية, وما هي القيم التي يحملها الرئيس الاميركي الذي أعطى الأمر بضرب القنبلة على هيروشيما حيث قتلت الحياة, وعن بوش الحالي الذي استخدم اسلحة ضد الجيش العراقي المنسحب من الكويت ؟ وأضاف عربيات : أننا كمسلمين لنا قيم إنسانية فها هو ابو بكر الصديق يعطي توجيهاته للجيوش الأربعة المسيره لفتح بلاد الشام: بان لا يقطعوا شجرة ولا يقتلوا شيخاً ولا امرأة .. وقد طلبت منهم المقارنة بين هذا وهذا . وقد وصلت رسالة لي من رئيس الوفد من جامعة اوستن بتكساس ، ونشرت في العدد الثاني من مجلة الأمة يقول فيها : استمعت إليك وأنت تتحدث عن القيم الإسلامية وأنا مسيحي كاثوليكي ، وسأعود إلى ديني فان لم أجد القيم التي ذكرتها في الإسلام في ديني فسأنقلب مسلماً.

د. ابو غنيمة:

ومن جانبها, قالت الاستاذة ابوغنيمة : اننا لا يمكن ان نتكهن ان مستقبل الديموقراطية معتم ، اذا كنا نؤمن بالرؤية العلمية كما بين الاستاذ عايش . لاننا نجد ان مفهوم الديمقراطية قد تطور على مر التاريخ ، وهناك امكانية الاستفادة منها . واضاف : انها جاءت بعد جهد كبير، وحروب كثيرة ، وازمات كبيرة .

وأكدت أننا لا يمكن ان نكون علمانيين حتى لو ادعينا ذلك ، لأن عمقنا الديني متجذر فينا حتى الذين لا يقومون بالواجبات الدينية لا يستطيعون ان يتخلصوا من هذا العمق المتجذر في داخلنا اجمالاً عند الشرقيين ولا ننسى ان الاديان السماوية خرجت من منطقتنا، ومن ناحية اخرى اننا لا نستطيع ان نضع البديل لأننا لا نريد الانعزال لأن الحضارة هي تواصل والعالم الآن في تغيير.

لم يعرف التاريخ افضل من العقيدة كظابط للسلوك الانساني

ومن جانبه تساءل الزميل الدكتور خالد الشقران هل فعلاً نريد تحقيق تقدم ديمقراطي في الاردن? واضاف ان الحكومة والاحزاب ومنظمات المجتمع المدني يدّعون انهم يريدون التقدم, لكن على الواقع لا نلمس مثل هذا التقدم بشكل كبير خصوصاً مثلاً عندما نتحدث عن الاحزاب فان معظمها لا زالت دون مستى الفاعلية المطلوب , على ان السؤال المطروح هنا لماذا لا نباشر بمنح المجال للأحزاب ان تتداول السلطة ؟ ونترك الحكم عليها للناس من خلال صناديق الاقتراع.

واضاف: انه منذ بدء الحياه الانسانية لم يعرف الانسان افضل من العقيدة كضابط للسلوك في ادارة المؤسسات ، فلا توجد اي معايير ، او نظام رقابي يمكن ان يضبط السلوك في الحياه العامة او في إدارة المؤسسات سواءً في العملية السياسية او الادارية ، اكثر من النظام الاخلاقي والقيمي الذ جاءت به الديانات السماوية.

وقال: يجب ان لا ننكر ان هناك تغولاً كبيراً بعد احداث 11 سبتمبر بحجة الأمن على التطور الديمقراطي من جانب وعلى الحريات العامة وعلى حقوق الانسان من جانب آخر, ويمكن تلمس هذا في دول العالم العربي تحديداً اكثر من غيره . واضاف : انه اذا اردنا ان نصل الى تطور ديمقراطي لا بد من الاتفاق على مفهوم واضح للأمن, وان لا نترك تفسيره حسب الجهات أو الأهواء.وأكد أن ثقافتنا الإسلامية العربية ثقافة غنية وفيها الكثير من الجوانب المهمة التي يمكن توظيفها في العملية الديموقراطية.

د. غصيب: هناك تياراً اسلامياً ديموقراطياً يتبلور في مجابهة التكفير والوصاية.

وقال الدكتور غصيب : ان حالة جونسون تدل على تناقضات ديموقراطية ليبرالية ، لأننا نحن نعلم ان جونسون تبنته شركات النفط الكبرى التي تحكم العالم اليوم ، وهي دموية وصعد في ظلها حتى استلم الحكم بطريقة مشبوهة جداً حتى يمكن أن له دوراً في مقتل "كنيدي " ، وصولاً الى مواقفه من القضايا العربية . وهذا يحصل دوماً بين الرؤساء الاميركيين والبريطانيين, فهذا يدل ان هناك اشكالاً ويجعلنا نفكر ان الرأسمالية الديموقراطية الليبرالية انها ليست نهاية التاريخ.

وقال : حول مسألة الوصاية في مجتمعاتنا العربية والاسلامية من قبل النخب وتشعر انها وصية والسؤال لماذا هم اوصياء وبأي حق اوصياء? فعندما نتكلم عن الثقافة العربية والاسلامية ولا اقول عن الثقافة عبر تاريخها الطويل ، ولكن الآن السائد هي ليست عربية وليست اسلامية . الثقافة السائدة هي ثقافة وصاية وهذا مصدر حكم البوليس في الوطن العربي لا اقول انظمة شمولية بقدر ما هي انظمة بوليسية. البوليسي يتحكم في كل شيء يعني دائرة الأمن التي نريدها والمقدسة قد اتسعت لتشمل كل شيء ، وهنا الخطورة ان الأمن يتدخل في الامور التربوية والثقافية ، وبلا شك عندنا في الاردن اخف من الدول العربية الا انها تحصل في الوطن العربي.

وحول مسألة رفض الثورة من قبل الاستاذ عايش "العلاقة الديمقراطية والثورة" قال : ارفض العنف ، لكن اجد ان هناك علاقة جدلية ما بين الديموقراطية والثورة . فالديموقراطية بمعنى حكم الشعب جاءت عبر سلسلة من الثورات الاجتماعية الكبرى هل نستطيع ان نخرج خارج قوانين التاريخ, وقال اكره التغييرات المفاجئة ولكن هناك واقعاً موضوعياً للتاريخ.

واضاف : ان هناك ارتباطاً في مسألة الديموقراطية والثورة وبين مسألة المقاومة في الوطن العربي. الحقيقة ان الجماهير العربية انتجت المقاومة في فلسطين _ حماس _ وفي لبنان . وبصراحة لو تجري انتخابات حسن نصرالله سيكون المنتخب ليس فقط في لبنان بل في الوطن العربي. على انه من الانصاف القول بان هناك تياراً اسلامياً ديموقراطياً حقيقياً يتبلور في مجابهة التكفير والوصاية.

الشوبكي: الشرعية هي نتاج عقد اجتماعي وتوافق ما بين النظام والمجتمع

ومن جانبه, قال الزميل هادي الشوبكي : ان الانظمة العربية والاسلامية لم تتخذ الى الآن الشكل المناسب في الحكم لمعالجة المشاكل ، فلم تتخذ الشكل العلماني ولا الديموقراطي فهي خليط من شكل ليس له وصف إلا أنها أشكال حكم مصلحية. واضاف : ان من المهم الآن الحديث في الاردن عن اشكاليات تشكيل الحكومات والامن والديموقراطية الخ .. لا أن نؤجل تلك المواضيع لحين أن تتأزم الأمور أكثر فأكثر حتى لا تنتقص الشرعية القانونية والسياسية, خاصة أن الشرعية تجذرت عقداً اجتماعياً ما بين النظام والمجتمع ،ولا يمكن ان ينهار ذلك العقد تحت وطأة المشاكل التي تعصف بنا بين الحين والآخر إنما علينا أن نقف جبهة واحدة ضد العواصف المحلية المأجورة لصالح الاستعمار الجديد.

الساكت : التغيير العنيف يقود المجتمع الى حالة تدمير ذاتي

وبين الأستاذ مازن الساكت أن الرؤية الإسلامية في العصر الحديث هي خلافية, وشمولية شملت الاسلاميين وكل التقدميين بكل اتجاهاتهم، فيما اتصفت هذه المرحله بالضعف السياسي وعودة نهضة الاسلام لاسباب عديدة في واقع أساسي اسمه مواجهة المحتل, بمعنى العوده إلى مرحلة التحرر الوطني وهذا يفسر لماذا أصبح الجهاد والإسلام تجاه رئيسي في المجتمع ؟ وهذا لايعني ضرورة مناقشة مدى التطور الفكري في الفكر الديني الاصلاحي ، لان التجربه الجزائريه تحولت الى حالة تدمير ذاتي في استعمال العنف .لكن يجب ان نعترف ان العمود الفقري في حضارتنا هو الاسلام الذي صنع ثقافتنا، وفي عصر لا ننكر ان فيه صراع حضارات, لا بد ان نأخذ هذه المسألة بعين الاعتبار بدون ان نذهب بعيداً في موضوع العلمانية, وفهناك عدم دقة في تعريف العلمانية حيث يعتبرها البعض " الغاء الدين" بينما هي تعني رفض فرض الاحكام الدينية. في حين ان

الليبرالية في الولايات المتحدة تفرز مجلس نواب يتخذ قرارات بتأييد العدوان في غزة ولبنان, والليبرالية دولة تأخذ المرتزقة للقتال. والليبرالية دولة كانت تعتقل الناس في الحرب العالمية الثانية على اللون وتعتقلهم في معسكرات جماعية.

واضاف فيما يتعلق بالتعددية الحزبية انه مثلاً في اميركا هناك حزبان بينما في ولاية نيويورك تجد 200 حزب فرعي .. فالمشكلة الأساسية عدم وجود اتجاهات رئيسية في المجتمع تمثل حالة رئيسية تصبح حالة فعالة مؤثرة كما كان في الخمسينات ، لذلك إذا لم نقم بوضع برامج ورؤى حقيقية تعبر عن واقع هذا المجتمع لن نصل الى اتجاهات رئيسية في المجتمع.

مصالحه: : الأزمات والحروب و الفقر والتخلف من اهم معيقات الديمقراطية.

وقدم الدكتور مصالحة عدة ملاحظات حول الديمقراطية قال فيها اولاً: هناك لبس بين الديموقراطية كأداة للحكم في الداخل وبين السياسة الخارجية للدولة, وهذه الأخيرة محكومة بمصالح ولكن في الداخل ديموقراطية، ثانياً: تبعية المنظمات . فنحن نريد منظمات مجتمع مدني قوية . ورءا أن لا غبار من ان تحصل الأحزاب أو كافة المنظمات على تمويل من الحكومة. والآن يعمل الاردن على إصدار قانون آخر ليقوي فيه الأحزاب ، وذلك بتمويلها من الداخل ، وهذا موجود في اوروبا والديموقراطيات الغربية، لكن أنكر الأستاذ عايش عليها تلقي المساعدات . ثالثاً : والموضوع الآخر الحكم والضريبة : حيث بين أن القاعدة في العلم السياسي " من يدفع ضريبة يتمثل ويحكم" . إلا أن المواطن العربي يدفع ضريبة اكثر مما يشارك (ضريبة المبيعات في الاردن مليار) ، فالسؤال هنا كيف يتم التوازن بين ما يقدمه المواطن من ضرائب والمشاركة ؟ . وأضاف : لا بد ان تنظم العلاقة بين المحكومين والحاكمين من خلال ضوابط وأحكام لتستطيع أن تضبط العملية السياسية لنطور مستقبل الديموقراطية في العالم العربي . وأكد على منظومة قيم ونخب سياسية مرنة متفتحة للمشاركة والتغيير بحاجة إلى تصدي النظام الدولي الذي يحاول ان يفرض علينا قيماً مشبوهة.

وقال: هناك محددات وأزمات تعيق الديموقراطية منها : الأزمات والحرب الاهلية في الصومال والسودان والحرب في العراق ، بالاضافة للفقر والتخلف الاقتصادي والعشائرية هذه نماذج من التخلف الاجتماعي والاقتصادي ، وبين أن هناك تفاوتاً بين الدول العربية في هذا المجال.

وفي معرض رده على بعض التساؤلات التي اثيرت قال الدكتور عبداللطيف عربيات عن البديل الذي سألت عنه الأستاذة أبو عفيفة لا يعني الانقطاع ، إنما هو برامج في التجديد والإصلاح تقدم للاصلاح في المجتمع وليس الانقطاع .

وبيّن ان لجبهة العمل الاسلامي مرتكزات تجديدية واضحة ومعلنة وممارسة. فهناك قضايا اساسية منها التعددية ، فنحن من اول من انشأ الائتلاف القومي الاسلامي النيابي وكان رئيسه الاستاذ ذوقان الهنداوي رحمه الله.

واضاف: انشأنا ائتلاف احزاب المعارضة منذ عام 1994 ونعمل مع الاحزاب المعارضة كأننا حزب واحد والاردن الدولة العربية الوحيدة فيها مثل هذا الائتلاف.

ونحن ندعو لتداول السلطة وطبقنا ذلك في دستور الحزب نفسه, فنحن الحزب الوحيد الذي اعطى الامين العام مدة سنتين قابلة للتجديد وسنتين اخريين ثم يتغير.

واكد على انه قد تم خلال 14 سنة تغير اربعة الى خمسة امناء عامين, وهذا لا يوجد في اي حزب آخر بينما لدينا احزاب اخرى تورث للأبناء, وكذلك لدينا في الحزب جميع السلطات منتخبة انتخاباً مباشراً, السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية ومحكمة الحزب كذلك من قبل مجلس الشورى.

اما بالنسبة لدور المرأة نحن الحزب الوحيد الذي قدّم المرأة في البرلمان و10 الى 12 امرأة في مجلس الشورى انتخبن انتخاباً مباشراً من المناطق المنتخبة.وكذلك شاركنا في حكومة السيد مضر بدران بعد ان قدمنا اربعة عشر شرطاً لاعطاء الثقة وهي اصلاحية لصالح الناس ليس فيها شيء خاص للحزب وقد قمنا باعطاء الثقة بعد تنفيذ تلك الشروط، وحينما بيّن لنا السيد بدران ان الاردن يمر بأزمة قمنا بالمشاركة في حكومته بعد ان كان موضوع المشاركة ممنوعاً.

د. الطوالبة: لا ينبغي ان نسلم بالفهم الغربي لفصل الدين عن الدولة

ولاحظ الدكتور حسن طوالبه انه دار سجالا واسعا حول مفهوم العلمانية ، ولدرجة انه اصبح وكأنه تهمة توجه لبعض الاحزاب والتيارات السياسية منطلقين من الفهم الغربي لفصل الدين عن الدولة ، في حين ان العلمانية هي نظام مدني يستوعب فكرة الايمان وروح الاسلام، وبالتالي يرى بأن يعاد تسويق هذا المصطلح ، وربما يكون من المفيد ان يقوم مركز الرأي او مركز الدراسات المستقبلية في جامعة البترا بعقد ندوة لازالة الغموض والالتباس حول هذا المفهوم, وغيرها من المصطلحات التي يوجد عليها خلاف مثل السيادة والاستقلال والليبرالية, مما يشكل رؤية اردنية تكون بمثابة منطلق او اساس او قاعدة يمكن الانطلاق منها لتكوين رؤية عربية حول هذه المصطلحات والمفاهيم.

د. الربيحات: كيف ننتقل بمجتمعاتنا من الحالة التقليدية الى الحالة الحداثية

وفي معرض رد الدكتور صبري ربيحات على سؤال هل الدولة جادة بالاصلاح? قال: اعتقد ان كل البنى التشريعية اللازمة للمشاركة موجودة لكن هناك اشكالات منها ان هناك 33 شخصاً يتحدثون بصفتهم امناء عامين للأحزاب بالتالي فالحركة الحزبية موجودة وباب الانتخاب مفتوح للجميع ، إنما المشكلة أن الانتخاب يقوم على أسس قبلية عشائرية تقليدية أو على أسس غير الأسس الصحيحة ،وعملياً الأطر الكفيلة بوجود حياة ديموقراطية تجعله يؤثر على القرار موجودة لكننا نستخدمها بطريقة خاطئة.

فالسؤال .. كيف ننتقل بمجتمعاتنا من الحالة التقليدية الى الحالة الحداثية فهي تحتاج الى عمل كبير .. فلنسأل انفسنا عن مدى وجود امتداد وتواصل مع الناس الآخرين.

وأضاف: أننا تواصلنا منذ ما يقرب على ثمانية اشهر مع الناس في الريف ومناطق الاطراف والى معظم الزوايا المختلفة في المجتمع الاردني, والجدير ذكره ان الناس يطرحون قضايا قد تختلف عن القضايا المطروحة هنا ، فهم تواقون للمشاركة ويكتشفون احياناً ان عدم مشاركتهم اساءت الى واقعهم الاجتماعي والاقتصادي.

وقال انه من الناحية الهيكلية فكل البنى موجودة, لكنها غير فعالة وانه لا القيم ، ولا الممارسات الديموقراطية ، ولا الوعي الحقيقي موجودة لدى الناس وعن دورهم وعليهم أن يروا أن البرامج التي تقدم لهم كالمشاركة السياسية والديموقراطية لتأخذ رأيهم بعين الاعتبار في بناء حياتهم وطموحاتهم وإقامة علاقاتهم لأن هدف أي اجتماع بشري هو لتحقيق الرفاه والسعادة للناس الاعضاء في هذا المجتمع. فالديموقراطية ليست تزيين ولا مصلحة فالسؤال هو كيف تنعكس هذه الممارسات على حياة الناس, فالنظام الاردني جاء بذلك فقد قال لنا جلالة الملك في خطاب التكليف السامي انني اريد مجتمعاً له مواصفات معينة, وتشرع الحكومة بناء على خطاب التكليف السامي والمطلوب ان تتكاتف جهود الجميع على موضوع الاصلاح, ونخفف من وتيرة النقد سواء من جانب القوى الفاعلة في المجتمع او الدفاع من قبل الحكومة عن برامجها المطروحة للنقد حتى لا تستنفد طاقة الطرفين بالهجوم.

واكد الدكتور الربيحات ، ان هناك انجازات وتواصل في العمل في مجال التنمية.

وتحدث البعض عن المراحل السابقة للانطلاق فهذه الورشات التي تعقد ستكون نتائجها مواد في نفس الاتجاه, فهناك تفاعل وديناميكية كبيرة, في جميع انحاء الوطن العربي لكننا غير قادرين على ان نأخذ النموذج الغربي بكامله لأن عندنا ثقافة خاصة بنا.فنحن في الأردن من شهرين نحاول ان نحل بعض قضايانا المرتبطة بمواقفنا حول قضية حصلت على الساحة الاردنية.