حوار الثقافات

26/01/2006

"حوار الثقافات" كان عنوان الندوة التي عقدها مركز الرأي للدراسات واستضاف فيها العلامة الاستاذ الدكتور ناصر الدين الأسد متحدثا،ً وحضرها جمع من الحضور والمهتمين، حيث تناول الأسد والحضور حقيقة الرغبة في إقامة وتفعيل حوار الثقافات وسبل تطويره في ظل الفجوة الموجودة بينها والتي ازدادت اتساعاً بعد تداعيات 11 ايلول 2001، اضافة الى مصير الثقافة العالمية - التي كان يؤمل منها على الاقل الوصول الى حد ادنى من القواسم المشتركة بين الثقافات المختلفة لشعوب الارض- في ضوء محاولات طبعها بطابع الحضارة الغالبة في هذا العصر.

وتناولت الندوة كذلك محاور مهمة اخرى ركزت على حوار الاديان وحقيقتها، ووسائل تفعيلها، وكذلك حوار المذاهب المنتمية لثقافة او ديانة واحدة مع اتفاق الحضور على اعتبار هذا النهج بالذات من الحوار لا يعد من حوار الثقافات وإنما يعد حوار اتجاهات داخل الثقافة الواحدة.

ادار الندوة : د.خالد الشقران

26/1/2006

ففي بداية الندوة شكر الدكتور ناصر الدين الأسد المؤسسة الصحفية الأردنية ( الرأي) على استضافتها له ولقائه بنخبة متميزه من المثقفين – وأضاف انه في عام 1984 اتصل سمو الأمير حسن الرئيس الأعلى للمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية -آل البيت- وقال لي: إن مؤسسة الخوئي التي تتخذ من لندن مقرا لها قد طلبت إليه تنظيم سلسلة من ندوات الحوار ما بين الشيعة الامامية الجعفرية واهل السنة, وطلب رأيي في هذا ورحبت بالفكرة على ان نوسعها بحيث لا تقتصر على الحوار بين اهل الشيعة والسنة وانما تشمل بقية المذاهب الاسلامية, والمذاهب الاسلامية الباقية عديدة جدا وكثيرة جدا الباقي منها والتي لها أتباع الآن هي سبعة مذاهب 4 من اهل السنة والامامية الجعفرية والاثني عشرية والاباضية، وفكرنا ان يكون لدينا في الندوة من اتباع المذهب الظاهري وعز علينا وجود من يمثلهم، وانتم تعرفون ان المذاهب الاخرى لم تعد موجودة الا في بطون الكتب مثل مذهب الاوزاعي، واعترضت مؤسسة الخوئي على توسيع الحوار خاصة مع الاباضية وهم يرفضون المبدأ الاباضي لانه حسب رأيهم يشتم الامام عليا كرم الله وجهه, وبدأ الحوار بيني وبينهم، وكان الحوار فيه شيء من العصبية لان بعضهم كان متعنتا
غاية التعنت ويلقي الاحكام جزافا دون اي سند، وحاولت ان اقنعهم ان المذهب الاباضي ليس باطنيا! هو مذهب مكشوف وواضح وفقههم وكتبهم مطبوعة ومنشورة، ولذلك من اراد ان يقول عنهم شيئا عليه ان يسند كلامه بالاقتباس من كتب المذهب، وطال الجدل بيننا الى ان تدخل رجل فاضل منهم وهو د. عباس مهاجراني فقال لهم: اتقوا الله ما يقوله د. الاسد هو الصحيح، والمذهب الاباضي لا يشتم الامام عليا, وقبلوا ان ينضم المذهب الاباضي الى الحوار وهكذا بدأنا حوار المذاهب الاسلامية.

نحن لا نعد الحوار بين المذاهب الاسلامية حوار ثقافات، وانا احب ان ابدأ بهذه النقطة حتى اوضح ان المسلمين كلهم من اهل ثقافة واحدة. والخلافات في الفروع لان الفقه هو علم الفروع.

والجميع الههم واحد ورسولهم واحد وقرآنهم واحد، ولا تصدقوا ان الشيعة الامامية الجعفرية لهم قرآن آخر غير هذا الذي نقرأه لديهم، هناك (صحيفة فاطمة) نعم.. وكذلك ابن عباس له صحيفة، كما ان ابن مسعود له صحيفة وجميع هؤلاء الصحابة الاجلاء لهم صحف فيها نسخ من القرآن الكريم، بعضهم يقول ان للسيدة فاطمة قرآنا خاصا بها. وانا اضطلعت على طبعات مختلفة من القرآن الكريم في ايران لكنها كلها نسخة واحدة.

واضاف الاسد ان الحوار لا ينعقد الا بين المذاهب التي تلتقي على الاصول وهو شرط اساسي, وانا اتحدث حديثا فقهيا علميا وليس سياسيا بان الهنا واحد ورسولنا واحد وقبلتنا واحدة وكتابنا واحد. وهناك بعض الاشاعات التي رافقت مسيرة الشيعة الامامية لكنها غير صحيحة، الا انه مع الاسف كان هناك بعض العلماء الذين يشيعون مثل هذه الشائعات.

بدأنا الحوار هنا في عمان من خلال ندوتين وكان الموضوع (الحق في الاسلام) وكان اول المتحدثين الشيخ احمد الخليلي مفتي عُمان وهو اباضي حتى النخاع وحينما انتهى فوجئنا بعالم من علماء الشيعة الامامية د. محمد علي آذار شب, واذ به يقول: »نحن مبسوطون لاننا سمعنا كلاما من امام الاباضية ينطبق تماما مع ما عندنا. وكانت هذه فاتحة خير، وردت على كل الكلام السابق. وهذا دليل على ان علماء الشيعة آنذاك لم يكونوا يعرفون شيئا عن الاباضية وهم لا يعرفون الا القليل عن مذاهب اهل السنة ايضا، يضاف الى ذلك ان علماء السنة ايضا لا يعرفون الا القليل عن مذهب الامام الجعفري ويلتقطون بعض الاحاديث من التراث المتداول وهو تراث مبني على عدم المعرفة وعلى الجهل. وقد كانت هذه الندوات التي قمنا بها وعددها 6 ندوات مخصصة لتعريف بعض العلماء ولم يتوسع الحوار ليشمل العامة،

واستأنف الدكتور الاسد حديثه قائلاً نحن نعرف ان العلماء اذا علموا فان في ذلك فائدة للناس, وهؤلاء العلماء بحر من العلوم في مذاهبهم لكنهم بالنسبة للمذاهب الاخرى تأتي احياناً احكامهم ناقصة، وقد تنقلت هذه الندوات بين عمان ولندن والرباط وعُمان وعندما ذهب علماء الشيعة الامامية الى عُمان الى قلعة المذهب الاباضي كانت هناك اخوة صافية واصبح التفاهم واضحاً وكانت حصة عمان من هذا الحوار ثلاث ندوات.

وبعد ذلك بفترة قال لي سمو الأمير حسن نريد ان نعقد حوارا مع المسيحيين وتقرر ان يكون مع المسيحيين الغربيين وليس مع المسيحيين العرب - ومن نفس المنطلق في حواراتنا السابقة فان المسيحي العربي ثقافته مع المسلم ثقافة واحدة، واستشهدت بمقولة نسبت حيناً لفارس الخوري الذي كان تدرج بمناصب مختلفه حتى اصبح رئيسا للحكومة السورية, وتنسب حينا آخر الى مكرم عبيد هذا القبطي المشهور في مصر وهي "انا مسيحي دينا ولكنني مسلم ثقافة"، واستشهد كذلك بسفير ماروني (نصري سلهب) الذي كان قد اصدر كتابين الاول في خطى محمد والذي مجد فيه الاسلام كثيرا وقال انا نصف مسلم بلغتي العربية بينما كان الثاني " في خطى المسيح.

واضاف الاسد انه لا بأس هنا ان نعقد حوارا غير عنوان "حوار الثقافات" لاننا نعقد هذا الحوار مع اهلنا ومواطنينا المسيحيين هنا. وكذلك نعقد حوارا مع المذاهب الاسلامية لكن ليس تحت عنوان حوار الثقافات لاننا وهم نشترك بثقافة واحدة, عقدنا حواراً مع اربع كنائس اوروبية الكنيسة الانجليكانية الانجليزية البروتستنتية في ويندسور، وكانت طريقتنا ان نعقد حوارا عندهم في البداية ثم ندعوهم في السنة التالية لنعقد حوارا عندنا في عمان ثم نختار موضوعات لا تتصل بالعقيدة ولا العبادات وانما بمنظومة القيم والعادات والتقاليد والقضايا الاساسية الاجتماعية او الاقتصادية، وان نقول ما هو رأي الاسلام في هذا الامر وما هو رأي المسيحية فيه وبذلك تجنبنا فكرة ارجو ان تتجنبوها جميعا وهي ان نقف موقف المدافع عن الاسلام, نحن لسنا متهمين وحينما نحاور نحن لا ندافع عن الاسلام وانما نحن نعرف الاسلام ونبسط الاسلام.

وقد اخترنا من جملة الاشياء المهمة البيئة ونظرة الاسلام والمسيحية الى البيئة والطفل وحقوق الطفل والمرأة وغيرها من القضايا الاجتماعية المهمة. ثم عقدنا عددا من الندوات مع الفاتيكان ثم مع الكنيسة الارثوذكسية في سويسرا ثم آخر هذه الندوات كانت مع اتحاد الكنائس الالمانية.

وقال الدكتور الاسد: هذه اللقاءات في حدود تقديري لم تكن لها النتائج المرجوة فحينما كانوا يأتون الينا او نذهب اليهم كان وفدنا من الشباب وفيهم العنصر النسائي وهم ليسوا من رجال الدين بالمعنى المتخصص (اكلوروس) لكنهم علماء دين بغير عمامة وبغير الملابس التي تلبس. في حين هم كانوا يأتون لنا برجال دين وحينما يأتون الينا تفتح لهم التلفزة والصحافة ووسائل الاعلام, وكان وجودهم يحدث شيئاً من الحياة الثقافية ومن الاتصالات، لكن حينما نذهب اليهم يحصروننا في غرفة ضيقة معتمة في احدى كنائسهم، الامر الذي كان يحول دون اتصالنا بالناس ولم تكن كذلك التلفزة ولا الاذاعة ولا الصحافة هناك ينشرون شيئاً عنا.

فكان الحوار ضيقا جداً بيننا وبين هذه الفئة التي تتكرر في كل مرة, وهذا يقودنا الى تقويم تجربتنا معهم وكيف يمكن ان يطور هذا الحوار وكيف يمكن ان نثريه. يخيل لي انه لا بد من توسيع نطاقه بحيث نرى منظمات الشباب عندنا وعندهم تعقد حوارا من خلال ندوات، ويجب ان تشمل هذه الندوات المنظمات النسائية عندنا وعندهم، كذلك هنالك بعض المتحاملين علينا هناك فلماذا لا نحضر هنتنجتون, او فوكوياما مثلا او برنارد لويس وتجتمعون انتم في مثل هذا اللقاء معهم وتستمعون لهم ثم بعد ذلك نحاورهم.

لكن القاعدة الاساسية انه لا بد من اختيار عناصر في الحوار تكون ذات مقدرة عالية ويكون للمتحاورين اطلاع صحيح على الموضوعات التي نتحاور فيها بحيث يستطيعون ان يقفوا امام امثال هؤلاء الاشخاص ويستطيعون ان يقرعوا الحجة بالحجة وكما ذكرت لا نريد ان نتطرق لا الى موضوع العقائد ولا العبادات، لأن العقائد والعبادات تباعد وتنفر، وبذلك نتطرق الى هذه الموضوعات التي ستكون نتيجتها ما قاله الاستاذ الدكتور محمد علي آذار شب "نحن مبسوطون.. وجهات النظر متلاقية.. نحب واياكم نتلاقى على هذه القضايا الحياتية الاساسية".

وبين الدكتور الاسد ان الحوار يثير قضايا اخرى ويثير التباسات واسئلة مثل : هل الحوار سلعة يفرضها علينا ويروجها بيننا الغرب هو غير مؤمن بها? بعضنا يقول ذلك فشأن الحوارعندهم شأن قضايا اخرى مثل هذه الديمقراطية تلك الديمقراطية التي رأيناها اخيراً في العراق وافغانستان، ومثل حقوق الانسان التي رأيناها تنتهك في حين ان الذين ينتهكونها ينادون بضرورة وجودها عندنا، ومثل حرية التجارة علماً بأن حرية التجارة ترفض ايضا من البلاد التي تفرضها علينا حينما يتعلق الامر بسلع معينة فيرفضونها لانها في غير مصلحتهم. لماذا يفعلون هذا بنا? لماذا يطلبوننا الى الحوار اذن? ربما كانوا محتاجين الى ان يعرفوا عنا اكثر مما يعرفون، ربما ارادوا ان يعرفوا مناهج تفكيرنا خصوصاً الطبقة المثقفة كيف تفكر لا سيما وانها الطبقة التي يمكن ان تضم قادة الفكر وقادة الرأي.

ربما كان المقصود ايضا انه عندما يحدث لقاءُ العين بالعين يحدث عندنا نحن نوع من التفريط او التسليم بما يريدون، ونحن نظن حسب اعتقادنا البسيط ان هذا التساهل هو نوع من انواع الدهاء واننا نستطيع ان نغلبهم اذا تساهلنا معهم، ولكن التفريط لا يمكن ان ينتهي الا الى مزيد من التفريط والاستسلام بطبيعة الحال. ثم هل فعلاً الحوار سلعة ام ان الحوار هو جزء اصيل في الخطاب الاسلامي? في الحقيقة ان الحوار هو بالفعل جزء اصيل في الخطاب الاسلامي، لذلك نحن نمارسه على هذا الاساس، بل قبل الاسلام كان الشعر الجاهلي مليئاً بالحوار، وحينما جاء الاسلام رأينا القرآن الكريم مليء بالحوار ومما يقال في هذا الامر ان الله حاوره كل شيء وحتى الحجارة وحتى الشيطان حاوره في الاخره، فاذاً هل نحن نحاور لان الحوار جزء من خطابنا الاسلامي ونحن مقتنعون به ونستطيع ان نسيطر عليه ونتمكن منه وان نكون سادة الحوار وفرسانه؟ وانه يتصدى للحوار منا من هم أهل هذا الحوار والمقتدرون حتى نستطيع ان نواجه الغير.

فالحوار بطبيعته له اسلوبه الذي لا يجوز ان يفضي او ينتهي الى مجابهة او مواجهة، وحتى الله عز وجل قال في كتابه العزيز "وانا او اياكم لعلى هدى او في ضلال مبين" ولم يقل »انتم على ضلال مبين ونحن على هدى« وهذا في الواقع هو اسلوب من اساليب الدعوة واسلوب من اساليب الحوار يعكس التلطف مع الاخر.

وحول تساؤل الزميل عبدالله العتوم عن الحوار مع اليهود قال المفكر الاسد نحن في المجمع الملكي لم نحاور اليهود اطلاقا،ً وكنا نرفض مجيء اي يهودي للحوار هنا خاصة اذا كان من اسرائيل، لكننا لم نكن نمانع في ان نذهب فرادى بصفاتنا الشخصية الى مؤتمرات دولية قد يشترك فيها يهود، لاننا دائما ننطلق من قاعدة ان هذه المؤتمرات الدولية لا يجوز ان يترك المقعد فيها شاغرا لأننا اذا تركناه صال فيه وجال غيرنا, ولذلك علينا ان نحضر هناك. لكن كان عندنا موقف هنا في الاردن، فالمجمع الملكي لبحوث الحضارة الاسلامية لم يشترك مع يهودي في حوار هنا اطلاقا.

د. جرار: نحن ضد الفتن

وحول ما طرحه الدكتور الاسد بخصوص الحوار بين المذاهب تساءل الدكتور مأمون جرار عن ثمرات هذا الحوار بين علماء المذاهب الاسلامية على العلماء انفسهم واتباع المذاهب? واضاف: لم اطلع على فكرة هذه المذاهب من خلال كتبها فعلى سبيل المثال هناك قضية تحفظ الشيعة على موقف المذهب الاباضي من سيدنا علي وهناك ايضا قضية الامامية الجعفرية, فانا مع التعايش بين هذه المذاهب المختلفة، لكنني ضد اثارة الفتن، كما ينبغي ان يعرف كل منا الآخر كما هو. فمن خلال اطلاعي على بعض المصادر الشيعية وجدت ان هناك بعض الكتب التي تتحدث عن الصحابة الكرام ومنها كتاب "السقيفة" لآية الله المظفر الذي يفسر ما حدث في سقيفه بني ساعدة تفسيرا ميكافيلياً حيث يعتقد ان كلا من سيدنا ابو بكر وعمر عقدا اتفاقا بينهما حول تعاقب الخلافة بالدور بينهما ولذلك تفسر وصية ابو بكر لعمر بالخلافة على انها نوع من انجاز ما تم الوعد به من قبل. وهناك ايضا بعض كتب التفسير الصادرة في ايران التي تقول بالنص حول تفسير الآية في سورة آل عمران التي تقول "وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم" , "لقد انقلب الصحابة كلهم على اعقابهم بعد وفاة رسول الله صلى ال
له عليه وسلم" ويستثنون بعضهم، وهذا النوع من الاحكام لا يجوز اطلاقه وتعميمه، وهناك ايضا بعض المواقع الشيعية على الانترنت مثل موقع "الفاروق" فاذا دخلت على هذا الموقع وجدت السخائم والعظائم التي تنسب الى سيدنا عمر وهو رضي الله عنه في الواقع منها براء.ومع ذلك انا اقول انه ليس هذا معتقد كل الشيعة ولا علماء الشيعة فربما هذا يعبر عن موقف بعض عامة الشيعة.

واضاف جرار ان القضية الاخرى هي قضية العلاقة بين المسيحيين والمسلمين، حقيقة ربما في العصر الحاضر اثيرت بعض الشوائب حولها لكن الواقع الحضاري في تاريخنا فيه كثير من الحقائق المخالفة لهذه الصورة، فهناك دور المسيحيين الحضاري في الترجمة في المرحلة الاولى من حضارة الاسلام، وهو خير شاهد على سماحة الاسلام وعلى استيعاب مواطني الدول الاسلامية بغض النظر عن دياناتهم، وكذلك الوجود المسيحي السكاني والمادي المعبر عنه بوجود الكنائس ايضا شاهد على سماحة الاسلام وسماحة الموقف الاسلامي. وحتى المذاهب او الديانات الوثنية والمجوسية لم يستأصلها الاسلام وهذا يقودنا للربط مع قضية التطرف في الفكر والحركة الاسلامية المعاصرة والتي هي قضية حقيقة تحتاج الى اعادة نظر ومزيدٍ من التأمل.

العجلوني : العقلانية والموضوعية شرطا الحوار

وفي مداخلة للزميل المفكر ابراهيم العجلوني ان هناك بعض المسائل التي تستوقفني والتي من اهمها انه من الممكن بطريقة او اخرى ان يكون هناك حوار عقائد بيننا وبين اخواننا المسيحيين كما يمكن ان يكون هناك حوار عقائد بيننا وبين سائر المذاهب الاسلامية ذلك انني نظرت في كتاب بعينه هو »تثبيت دلائل النبوة« للقاضي عبدالجبار فوجدته يقدم تحليلا لغويا وتاريخيا للعقائد المسيحية سواء تلك التي اخذتها عن الامم السابقة او تلك التي نشأت من قرارات مجمع نيقيا فصاعدا. فوجدت ان هناك سبيلين للالتقاء مع اخواننا المسيحيين وهما سبيلان مفضيان الى شيء من استشعار اننا دين واحد لكن باختلاف بسيط اذا صح التعبير وهذا تعززه الرؤية ا لقرآنية لانه في سورة الانبياء الله سبحانه وتعالى بعد تعداد كل الرسالات يقول: "ان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاعبدون". ثم في سياق اخر يقول تعالى هذا الكلام في الحديث عن الانبياء وايمان المؤمنين على اختلاف الديانات. لو صعدنا وتائر العقلانية يمكن لنا بعد هذا التصعيد ان نلتقي مع اخواننا المسيحيين على لون من التوحيد نرتضيه نحن ويرتضونه هم وهي تلك الكلمة السواء اذا صح التعبير, واذا صعدنا وتائر الوجدانية باعتبار الانسانية ال
مشتركة والوطن المشترك والعروبة المشتركة ايضا سنلتقي على المستوى الوجداني, بل على مستوى بعض مصطلحات الصوفية قد نلتقي مع بعض افكار الصوفيه او بعض تجليات الرهبنة عند المسيحيين.

فانا اعتقد ان الاسلام جاء متضمنا في عباءته كل الديانات وكل الهدي الالهي على مر التاريخ وانه يحاور من علٍ ومن مساحة واسعة من حركة الفكر والوجدان، وما زلت مؤمنا انه لا بد ان يكون هناك حوار في العقائد شريطة ان نتمثل في هذا الحوار امرين هما العقلانية باعلى درجاتها والوجدانية باعلى درجاتها.

عطيات : نحن بحاجة الى ما يسمى بوحدة الاسلام

من جانبه قال محمد عطيات في تعقيبه على محاضرة الدكتور الاسد نحن بحاجة الى ما يسمى بوحدة الاسلام اي "اسلام بلا مذاهب" فنحن الان اصبحنا امام "اديان اسلامية". وقد اشار الدكتور الاسد الى مجموعة من المذاهب لكن على الصعيد الواقعي يرى ان هناك عشرات من الاحزاب والتيارات الاسلامية وهذه التيارات تفرخ تيارات ومذاهب اخرى وهذا يقودنا الى وجود اديان ومذاهب اسلامية تتفرع وتتكاثر وهذه ظاهرة غير صحية? فهل يمكن ان يتفق على ما هو جوهري ومشترك ومن باب ما يسمى بوحدة هذه المذاهب وصولا الى "اسلام بلا مذاهب". اما الامر الثاني فهو أليس من الضروري ان نحاور اليهود هؤلاء الذين هم ظاهرة احتلت جزءا من القرن الواحد والعشرين ولا تزال تحتل الحركة الثقافية وحركة الوعي؟ اليس من الاجدر ان تحاور ولو في مكان غير عربي!. الامر الثالث نحن امام خطر بوجود اتجاهات دينية تنادي باسلام العنف والقسوة الاسلام المغلق والمتشدد, اليس هناك من حاجة ايضاً الى محاورة هذه الجهة او هذه الفئات بالتعاون مع الانظمة الحاكمة التي تشكو من وطأة هذه الفئات. نحن نعيش مرحلة خطرة, فالمواطن يعيش حالة من حالات الرعب وهناك سوسة في العالم العربي لوثت وشوهت صورة المسلمين الا يستدعي
ذلك اجتماع العقلاء وموجهي الرأي العام الذين يؤمنون بأن القيم الاسلامية المتمثلة بالحق والخير والرحمة والكلمة الطيبة يجب ان تكون هي المنبر الذي يلتقي حولها المسلمون.

خريس: لم تتيح المنابر الاعلامية الفرصه لحوار ثقافات حقيقي

اما الزميلة الاستاذة سميحة خريس فقد ركزت في مداخلتها على نقطتين اساسيتين تمثلت اولاهما بضرورة ان لا يكون الحوار فقط بين ابناء الثقافة الواحدة, فيما تناولت ثانيهما الحوار مع المسيحيين حيث اكدت انه لم تتح الفرصة ولا عن طريق اي منبر اعلامي لحوار ثقافات حقيقي.

وفي هذا المجال, بين رئيس الجلسة الدكتور خالد الشقران ان هذه الندوة انما تم التركيز منذ بداية التفكير في عقدها على سؤالين رئيسيين هما: كيف يمكن لنا ان نؤسس لحوار حقيقي وفاعل, وما هي رؤيتنا لمسألة حوار الثقافات بشكل عام? وما نريده هنا وقفة مع الذات حول هذا الموضوع. وفي هذا الاطار, لا بد ان نؤكد اننا في هذه الندوات نريد ان نؤسس لحوار فكري يمكن من خلاله توظيف هذا الفكر في خدمة الحركة على المستوى الكلي في الاردن بشكل خاص والعالم العربي والاسلامي بشكل عام.

من جانبه, قال الزميل هادي الشوبكي اننا في المركز نهدف عبر هذه الندوات الى تأطير وتأصيل مبادىء الحوار حول اي موضوع نتناوله لتكون منطلقاً لاي محاور متخصص في اي مجال من المجالات.

الزعبي: الحوار مهم للتعرف على الآخر

وتعليقاً على ما قاله الدكتور الاسد قال الدكتور انور الزعبي انه فيما يتعلق بالشراكة اليورو متوسطية وانا حضرت بعض هذه الاجتماعات كان هنالك حوارات تدور حول الثقافة وايضاً هنالك مؤتمر استكهولم لاعادة تشكيل السياسات الثقافية حيث عرضت فيه اوراق ودارت فيه حوارات حول هذا الموضوع, وهناك ايضاً تقرير ديكويلار الامين العام الاسبق للأمم المتحدة الذي كان يختص بتجارب حول الحوارات ما بين مفكرين من القارات الخمس, وما اود ان اتطرق اليه هنا المسألة الاولى هي مسألة المصطلح فلا بد بداية من التفرقة ما بين الثقافة والحضارة والمدنية لأن هذه المفاهيم قد تبدو مختلطة الى حد ما, وبناء عليه نتساءل هل نحن امام حضارات ام ثقافات عديدة وحضارة واحدة .. المسألة الثانية هي هل الحوار مبدأ نابع عن عقيدتنا ام هو مسألة آنية سرعان ما تزول. والواقع ان هذا الحوار هو بالفعل نابع عن هذه العقيدة وتدل عليه آيات كثر في القرآن واحاديث من السنة النبوية الشريفة، ومن مهام الحوار في الفكر العربي الاسلامي التعرف على الآخر, بماذا يفكر .. وكيف يفكر .. اما القضية الثالثه فهي تتعلق بمسألة ضرورة وجود حد ادنى من التفاهم حول القضايا المثارة، فعلاقتنا مع الغرب تشهد نوعاً
من التحولات المختلفة, ومن اهمها الحروب والكوارث وغيرها من الاشكاليات الكبرى, فهل هذه القضايا تترك فقط الى المصالح بمعنى مصالح السياسيين ام انه بوسع المفكرين ان يلتقوا ايضاً ويقولوا رأيهم في مثل هذه القضايا خاصة واننا نشاهد بعض المفكرين الغربيين يتبنون قضايا تنسجم مع العدالة والانصاف وايضاً يمكن ان يدافعوا عن قضايا عربية واسلامية, وهذا ما يستدعي ضرورة وجود تفاهم من نوع ما.

واضاف اننا نحتاج في هذه المرحلة الى توحيد خطابنا الثقافي وتحديده بحيث يميز فيه بين الحضارة والثقافة, اما القضية الاخيرة والاساسية فهي تتعلق بخطاب التحديث الذي يجب ان يبتعد عنه لأن قتل هويتنا وثقافتنا, وعليه, فاننا نحتاج الى خطاب خارج خطاب التحديث الرسمي, ويمكن تحقيق ذلك من خلال ايجاد ثورة مفاهيمية حقيقية في العالم العربي.

عواد : حوار الثقافات خطاب سياسي

ومن جانبه, قال الدكتور محمد عواد ان موضوع الحوار بين الثقافات جاء كرد فعل سياسي على كتاب

"صدام الحضارات" لهنتنجتون تحديداً. فالحوار بين الثقافات خطاب سياسي اطلقته دول العالم الثالث تحديداً كرد فعل على صدام الحضارات الذي جاء من قبل الادارة الاميركية ممثلاً للعولمة السياسية والاقتصادية والثقافية والتقنية, لذا عقدت عدة مؤتمرات ثقافية للحوار بين الثقافات. والسؤال المطروح هنا هل نتحدث فعلاً عن حوار بين الثقافات باعتباره خطاب سياسي ويطرح على صعيد العولمة السياسية والثقافية .

وفي اطار رده على التساؤلات التي اثيرت في هذه الندوة اكد الدكتور الاسد: أن هذه الندوة هي البداية وفي النهاية يجب ان تخرج بحصيلة فكرية لتجيب عن السؤال كيف نؤسس لحوار صحيح ننتفع منه ويحقق لنا اهدافنا. فليس صحيحاً ان هذا الحوار الذي بدىء هو رد على هنتنجتون, لا بل شاركت في الحوار قبل عام 1973 عندما كنت في جامعة الدول العربية, حيث كنت في الادارة الثقافية قبيل انشاء المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وطلب مني ومن زميلي ان نذهب الى روما وان نبدأ حواراً ثقافياً مع شيخ المستشرقين "فرانشيسكوا" ثم كررناه عام 1974 في صقلية وروما, واشترك معنا عدد من المستشرقين، ولا ادري فيما اذا كانت جهات اخرى قد قامت قبل 1973 بعقد مثل هذه الحورات.

واكد بخصوص الاباضية انا لم ارَ قول الشاعر ابا حسن انهم هم يشتمون الامام علي رضي الله عنه, لكن اوضح اننا وصمنا الاباضية بأنهم خوارج وهم يقولون نحن لسنا بخوارج وهذا فقهنا اطلعوا عليه نحن رفضنا التحكيم فقط, لكن فقهنا يختلف عن فقه الخوارج ومن اجل هذا هم غير راضين عن علي بن ابي طالب لانه قبل بالتحكيم, لكنهم لا يشتمونه.

وفيما يتعلق بموقع الفاروق لا ادري من وضعه, ونحن سلمنا ان العلماء انفسهم يجهلون المذاهب الاخرى, وانه ربما تصدى من اهل كل مذهب بعض غير العلماء ولذلك يضعون في التلفزة وغيرها اشياء لا يجوز ان تكون موجودة، ولكن من المهم ان ندرك ان هذه المذاهب مر عليها قرون طويلة وانها رسخت ولها مبادئها وتعاليمها وكتبها ورجالها، ولذلك عنوان التقريب بين المذاهب خطأ, لا يمكن ان نقرب بين المذاهب, كل ما هنالك نريد ان ندرس هذه المذاهب وان نفهمها وبقدر الامكان ان نرفع الشعار الذي يرفعه الاباضية, فهم يرفعون شعار كيف نختلف على رجال (ورضي الله عن الصحابة اجمعين) بيننا وبينهم 15 قرنا ،واعتقد انه ينبغي ان ننتهي من هذه الخلافات, ولذلك لا يجوز اطلاقا ان نستمر فيها.

واكد الدكتور الاسد انه لا حوار في العقائد وانما حينئذ هذا الحديث يصبح دعوة وليس حوارا, فهنا ندعو كاحمد ديدات, وكما يذهب بعض علمائنا الى الغرب او يأتي بعض المبشرين الى افريقيا، وبهذه المناسبة اذكر انه عقد المطارنة وكاردينالات الكاثوليك في عمان مؤتمرهم السنوي, وكنت قد القيت فيه كلمة فيها دعوة القرآن الكريم ودعوة الاسلام الى التعامل مع أهل الكتاب, فانبرى احدهم وقال لي كيف تقول انكم تجادلوننا بالحسنى وانتم في كتابكم تقرأون لقد كفر الذين قالوا ان المسيح كذا وان الله هو المسيح ابن مريم وثالث ثلاثة كيف تقولون هذا ثم تدعون الى الحوار بيننا وبينكم، هذه قضية مهمة لانها متصلة بالعقائد. رأسا ثارت عصبيته حينما تكلم في هذا الموضوع, وكان من الممكن ان يحرج الذي يحاوره لكن الله فتح عليّ حينئذ وقلت له ان في القرآن الكريم حكمين حكم الله عز وجل وهو لا علاقة لنا به, وهذا قوله وحكم عليكم به ولكن له حكم علينا نحن والدليل على وجود حكمين في القرآن الكريم ان الله عز وجل فضل بين انبيائه وبين رسله في ايات ثلاث او اربع ايات, ولكن نحن لا نفرق بين احد من رسله، فاذا نحن نتحدث عن حكم الله علينا في التعامل والمعاملات، فنحن نتحدث من باب المعا
ملات بين الناس وبين البشر وليس من حيث العقيدة وحكم الله على احد، لأن حكم الله هو حكم الله وليس لأحد تغييره او تحريفه.

وتابع الاسد انه حول ما طرح عن محاورة اليهود لكن ايضا يجب ان نتنبه الى قضية مهمة جدا في اشتراكنا في مؤتمرات مهمة منها مؤتمر كبير في اليابان، وكانت دعواهم حينئذ دعونا ننسى الماضي واحقاد التاريخ واحقاد الماضي، وهي دعوة خبيثة لان ظاهرها مقبول لكنها دعوة خبيثة معناها انسوا اننا نحن هاجرنا هجرة غير طبيعية واحتللنا بلادكم وكونا هذه الدولة التي تساندها اميركا واوروبا ونبدأ بهذا الواقع, فلا سبيل الى الحوار معهم لانهم سيحولونه مباشرة الى موضوعات سياسية, والموضوعات السياسية لها رجالها,

بعد ذلك وبالنسبة لموضوع حضارة واحدة وثقافات متعددة فهذا يذهب اليه كثيرون, فالثقافات تتحاور بطبيعة الحال لكنها لا تتصارع برأيي, وهنا انا لا انظر الى ان هناك صراعا بين الثقافات لانه لو كان لي ثقافة متماسكة وعندي مشروعي الثقافي العربي لاستطعت حينئذ ان آخذ من هذه العولمة ومن هذا الذي يحاولون فرضه علينا ما اريده انا لا ما يريدونه هم.

والاشكالية هنا انه يرى البعض ان الحضارة هي الجانب المادي من حياة الانسان وان الجانب المعنوي من حياة الانسان هو الثقافة وهذا الجانب المعنوي او الروحي هو الذي يكون الهوية وشخصية الامة.

وهذا يقودنا الى التساؤل مجددا : هل الثقافة هي الحضارة ام هل هما كلمتان مترادفتان, والحقيقة ان الحضارة غير الثقافة, فالحضارة الانسانية واحدة ولكن الثقافات متعددة فلكل شعب ثقافته وعليه فان الثقافات قد تتحاور وان كنت اعتقد ان ما يحدث لنا ويسمى حوار ثقافات هو ليس بحوار ثقافات والدليل على ذلك ان اهل الثقافات الواحدة تصارعوا فيما بينهم, فهناك امثلة كثيرة منها الحروب بين الشعوب الاوروبية كالصدام الذي كان بين الاتحاد السوفياتي والصين رغم انهم اهل مذهب واحد.

فالقضية ليست قضية ثقافة وليست قضية حضاره فهذا يموه علينا به، فالقضية هنا ترتبط فقط بالمصالح، فالذين جاءوا الينا واحتلوا العراق لم يأتوا من اجل ديمقراطية ولا حرية ولا ثقافة ولا حوار ثقافات ولا صراع ثقافات وانما لمصالح معينة تعرفونها، وحينما يحققونها سيسحبون جيوشهم مع ابقاء القدر الذي يمكن ان يشكل ضمانا لاستمرار حماية المصالح.

وفيما يتعلق بالسؤال الذي يقول هل حوار الحضارات موجود? قال الاسد : لا اعلم وانما هذا سؤال نطرحه للمستقبل.ولكن على الاقل لم تحقق الحوارات التي عقدناها مع المسيحيين في اوروبا الفائدة المرجوة، ليس لان الاعلام عندهم لم يُعنَ بها، لكن القضية الاساسية أننا لا نحن ولا هم احسنا اختيار الفرقاء المتحاورين, وهذا يقود الى القول انه اذا كان الحوار عربيا اوروبيا او جنوبيا شماليا او اسلاميا مسيحيا فلا بد من وجود كتلة متراصة ولا يجوز ان يذهب الاردني وحده او العراقي وحده والمصري وحده وهذا يدعونا الى القول بضرورة وجود مركز قوي ممول تمويل فعلي وحقيقي فهذا الذي عانيناه في المجمع الملكي لبحوث الحضارة الاسلامية هو عدم وجود تمويل كافٍ.

وهذا المركز يجب في المرحلة الاولى على الاقل ان يشمل العرب جميعا، وحينئذ نستطيع ان نضع خططا وبرامج تنفيذية وجداول زمنية لهذه الخطط، عندها فقط نستطيع ان نختار منظمات الشباب عندنا وعندهم لا سيما وان الشباب عندهم في فراغ فكري وتغييب كبير جدا ولذلك اذا التقينا وتحاورنا قد نحقق فائدة كبيرة جدا، وهذا الامر ينطبق ايضا على منظمات الرأي عندنا وعندهم، وعلينا كذلك ان ندعو من هم ليسوا معنا, فالمؤتمر الاخير الذي عقد في عمان على جلال قدره كان عبارة عن محاولة اقناع المقتنع وهو بالمناسبة على ما اظن هو المؤتمر الثاني او الثالث عشر من مؤتمرات المجمع الملكي، لكن قيل عنه انه المؤتمر الدولي الاول, على اي حال لا بد من تأسيس حوار حقيقي نستفيد في تأسيسه من تجاربنا السابقة، وبذلك اظن انني قد اجبت على معظم اسئلة الاخوة، وما لم اجب عنه دليل على انه اكبر من قدرتي على الاجابة.

ابو عرجة: هل يمكن ان ينجح الحوار في ظل محاولات اثارة العداء بين الثقافات؟

من جانبه تساءل الدكتور تيسير ابو عرجة في مداخلته عن امكانية نجاح الحوار حيث قال هل يمكن ان ينجح الحوار في ظل تغذية متصلة لاثارة العداء بين الثقافات, وفي ظل اخبار العداء والصدام وزلات اللسان والعدوانية التي تفوح رائحتها عبر التصريحات والمواقف.. وهل حالنا نحن يفضي الى معرفة متبادلة تقوم على حسن النوايا بيننا وبين الاخرين.. وهل يرحب بالحوار معنا ونحن نظهر بصورة غير مشرفة في ظل اركان الفكر الغربي من خلال الممارسات المنظورة, لا سيما وان هناك بلدوزر اعلامي يرسخ مفاهيم اللاحوار في حين نرى ان اعلامنا العربي ليس كفؤا في ظل انشغالاته الراهنة على رسم صورة لنا تساعدنا على الحوار.

واضاف كيف يمكن الاستفادة من المسلمين في الغرب مثلا في حوار الثقافات? وما هي العقبات فعلا التي تقف في طريق الحوار? وهل من دور للمثقفين العرب الذين يعيشون في الغرب? وهل من دور للمسيحيين العرب في اقامة حوار معقول مع مفكري الغرب?

واتساءل كيف تفسر المصالح ومعطياتها بعض اجواء التفاهم؟ فهناك دور مارسه معهد العالم العربي في باريس حيث قدم الكثير من جوانب الحياة الثقافية العربية للفرنسيين، وجاء في الاخبار انهم يقرأوننا معجبين »الغيطان نموذجا« والان بعد حرائق باريس الاجتماعية.. الاقتصادية ظهرت امور ذات طبيعة عنصرية معادية.. ففي هذه الاجواء كلها كيف يمكن لنا ان نقود حوارا?

المعايطة: الدين الاسلامي بحاجة الى علماء لعرضه لا الدفاع عنه

وفي مداخلته قال الدكتور صالح معايطة ان الدين الاسلامي دين عظيم ولكنه بحاجة الى رجال علماء لعرضه لا للدفاع عنه وعليه اقول هل هناك رفض لثقافة التحديث؟ ثم هل صحيح ان هناك فرقا بين الهوية الثقافية والهوية الحضارية اذا اخذنا بعين الاعتبار ان الثقافة هي علامات فارقة في اجتماع الحضارات؟ واذا توقفنا عند مفهوم الهوية الثقافية فهي تعني النسب والدين واللغة والتاريخ والقيم والعادات والتقاليد؟ وهل صحيح سقطت نظرية الاستقطاب الايديولوجية في عالم ما بعد الحرب الباردة? وهل صحيح اننا نعيش في عصر يتفوق فيه الاقتصاد على الايديولوجيا بعد ان اعترف الجميع في مجال البحث العلمي اننا نعيش في عصر الاكتشافات متفرجين لا مشاركين؟ وهل هناك استحالة قيام حضارة عالمية واحدة بسبب اختلاف عوامل اللغة والدين? وهل صحيح ان الثقافة الغربية هي المسيطرة على الثقافات الاخرى بسبب القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية? وهل يكمن تحدي الحضارة الاسلامية للحضارة الغربية بالصحوة الاسلامية? وظهور ظاهرة الاصولية الاسلامية التي ترفض الثقافة الغربية وتسعى الى تسييس الاسلام واحلال النظام الاسلامي محل الثقافة الغربية بالقوة؟ وهل الحضارة الاسلامية لا زالت
تعاني من عدم جود دولة مركز تقود حضارتها مع وجود عدة دول مؤهلة لهذا الدور؟

واختتم حديثي بالاقتباس مما جاء في الفصل التاسع من كتاب صراع الحضارات لهنتنجتون الذي يتحدث فيه عن السياسات الكونية حيث يقول »ان الصراع الحضاري المستقبلي سيكون بين الحضارة الغربية والحضارتين الاسلامية والكونفوشية من جهة اخرى« ويرد الصراع الحضاري مع المسلمين الى حالة العداء التاريخي بين الاسلام والمسيحية ويستشهد على ذلك بان 50% من الحروب التي جرت خلال الفترة ما بين 1820 - 1929 كانت بين مسلمين ومسيحيين معللا ذلك بارتباط مفهوم الاسلام لدى المسلمين الذين يربطون بين الدين والسياسة على خلاف الديانة المسيحية التي تفصل بينهما, واما الصراع مع الحضارة الصينية فسيكون لانها تعتز بقيمها وعدم تقبلها قيم الغرب وتفوقها الاقتصادي.

وتساءل الدكتور محمد عواد هل نحن مؤهلين للحوار بمعنى من هي الجهة التي بوسعها ان تقوم بالحوار? وهل نحن نعي ذاتنا المعاصرة ام نتكىء على فهم احد الاسلاف ربما من القرن الثاني او الثالث او الرابع لقضايا معينة? وهل تحديث الفكر العربي الاسلامي نفسه مطلبا ضروريا في نشوء حوار? وهل نحن الآن في امتنا العربية والاسلامية كلنا نمثل ثقافة وحضارة واحدة؟ حقيقة هناك اتجاهات ربما تمثل ثقافات متصارعة فربما نجد في بلادنا من استورد الثقافة الغربية او استورد الثقافة الشرقية فاصبحنا في داخل المجتمع الواحد نمثل اتجاهات وثقافات متعددة فنحن اذا بحاجة الى المصالحة مع الذات وتحديد الهوية وتحديد وجهة واحدة ربما قبل محاورة الآخرين. واخيرا نحن بحاجة الى اجابة حول المرجعية النظرية التي ننطلق منها في معالجة موضوع حوار الثقافات فهل ننطلق من موقع وخطاب سياسي ام ثقافي ام ايديولوجي?

وفي معرض اجابة المفكر الاسد على المداخلات السابقة قال انه لا يجوز ان نحكم في حدود تصوري على وحدة المجتمع الاسلامي، وهنا بالمناسبة حينما اقول حكما فانا اقول رأيا وليس الرأي واستشهد دائما بمقولة عظيمه لا تقدر بثمن للامام ابو حنيفة حين يقول: "قولنا هذا - يعني فتوانا او حكمنا الفقهي - رأي وهو احسن ما قدرنا عليه فمن قدر على احسن منه فهو اولى بالصواب منا".

فأنا اقول رأيا ولكني استفيد من الآراء المتعددة، وعوداً على ذي بدء نحن نحس بمرارة شديدة من الواقع، ومن حقنا ان نتفاعل مع هذا الواقع ولكن لا يجوز ان ننسى ان هذا الواقع المر كان موجودا في عصور متعددة في الماضي فقد وجد في بلادنا في بلاد الشام ومصر في زمن الحروب الصليبية وزمن المغول حينما كان الوالي في دمشق مثلا يحالف البيزنطيين ضد اخيه والي حلب او على رئيسه في مصر، على سبيل المثال لا الحصر فالعصر الذي اوجد ابا نواس هو الذي اوجد ابا العتاهية ومع ذلك بقي المجتمع متماسكا، وبقيت الثقافة العربية الاسلامية مستمرة وقائمة.. فنحن لنا تماسكنا ولنا مجتمعنا وثقافتنا الواحدة على الرغم من كل ما نرى من مظاهر.

وعلى صعيد آخر لا بد من الاستفادة من وجود المسلمين في اوروبا واميركا واذا اضفنا هذا الى العناصر التي يمكن ان تسهم في عملية حوار الثقافات فسنجد كلها عناصر يمكن ان تسهم في وجود المركز الذي كنا قد اشرنا اليه في التأسيس لحوار حقيقي يحقق لنا الفائدة المرجوة، لا سيما اذا كان هذا المركز يضم جميع الجهات الجزئية والفرعية التي تقوم بانواع من الحوار وتأهيل افرادها او اعضاء هذا المركز حتى يستطيعوا التفكير في كيفية التأسيس لحوار مفيد او توسيع الحوارات العربية الاسلامية الغربية الموجودة حاليا.

هناك نقطة اخرى تتعلق بالتساؤل حول هل هذا الحوار هو حوار بين الاسلام والمسيحية ام هو حوار بين مفهوم المسلمين للاسلام ومفهوم المسيحيين للمسيحية؟ وهذه القضية تطرح اشكالية كبيرة جدا لاننا دائما نتبرأ مما يحدث ونقول بان الاسلام غير ذلك، فالاسلام كذا وكذا وان من يقومون باعمال العنف او الاعمال غير المشروعة هي فئة ضالة? لكن هذه الفئة الضالة ايضا واجهت المسلمين والاسلام عند غيرنا, فلا بد ايضا ان نفكر في هذه القضية.

ومرة اخرى اؤكد: لا بد ان نتفق على ضرورة انه لا يجوز ان نقف موقف الرد، لان موقف الرد لا يجوز ان يكون مجرد رد فعل بل يجب ان يكون لنا فعلنا المباشر ولا ننتظر حتى يفعل غيرنا ثم بعد ذلك نقوم نحن برد الفعل, اما فيما يتعلق بمرجعيتنا فهذه القضية كبيرة لا استطيع الاجابة عليها لكن ايانا والمرجعية السياسية الصرف بالمعنى المتداول للسياسة, وهنا ارد على من يقول لا يجوز الخلط بين الدين والسياسة بالقول ان اي دين من الاديان هو سياسة ولكن لا يجوز ان تستغل السياسة الدين.

ومع ذلك يخيل الي ان مرجعيتنا فكرية ثقافية بحتة ومن اجل هذا نقدم على هذا الموضوع دون تردد او وجل وهذا ايضا لا يعني ان الدين لا يدخل في هذا ولا يعني ان السياسة لا تدخل فيه ولا يعني ان الاقتصاد لا يدخل في هذا، مع ضرورة وجوب الاتفاق على تحديد معنى وتعريف الثقافة دون الوقوف كثيرا عند تعريف المصطلحات التي يمكن ان يشكل الوقوف عندها اذا ما طال عائقا او اشكالية على حساب الحركة ويعطلنا عن البحث بشكل اعمق في كثير من القضايا والموضوعات العملية المهمة.

واخيراً اسمحوا لي ان اميز بين الثقافة التي تعني عندي شيئا آخر هو بالطبع غير الحضارة، والمدنية التي تعني الجانب المادي الذي يرتبط بالتقدم التكنولوجي والعلمي والمبتكرات والمخترعات، والحضارة التي تعني عندي الثقافة الابداعية والحضارة السلوكية التي تشمل الجوانب الثقافية من عادات وتقاليد وقيم والمادية التي تشمل العمران والتطور الصناعي والتكنولوجي والعلمي.