" التنمية العربية في ظل (الربيع العربي)"

18/08/2014


أصدر مركز «الرأي» للدراسات الإصدار الرابع ضمن سلسلة «كرّاس الرأي الاستراتيجي» المحكّمة علمياً، والذي يحمل عنوان «التنمية العربية في ظل (الربيع العربي)» للباحث الاقتصادي د.سميح مسعود، مدير المركز الكندي لدراسات الشرق الأوسط في مونتريال بكندا.

ويناقش الإصدار محاور: «فشل التنمية العربية»، و»واقع إنجازات التنمية العربية»، و»معوقات التنمية العربية»، و»تحدّيات التنمية العربية»، و»مستقبل التنمية العربية».

ويؤكد الباحث فيه أن محور عملية التنمية هو الإنسان العربي، لهذا فإن جميع المسارات الإنمائية تبدأ في ساحة التنمية البشرية وتصبّ نتائجها فيها، لتأمين حقوق الإنسان الأساسية، وتنمية قدراته ومواهبه، وتحسين شروط ونوعية الحياة اللائقة به، وتعزيز مستقبله ومكانته الإنسانية.

ويؤكد الباحث أن التسريع في تأمين متطلبات التكامل الإنمائي العربي، على جانبٍ كبير من الأهمية في وقتنا المعاصر، لإزالة تداعيات الإحباط العامة التي يعيشها الإنسان العربي، وتداعيات الخلل والتخبط التي تشهدها الدول العربية، ولمعالجة ما ترسَّبَ فيها من أخطاء متراكمة على مر السنين السابقة، ساعدت على جعْلها أرضاً خصبة للبطالة والفقر والتطرف،
وعدم الاستقرار الأمني الذي بدأ يمسّ دولاً كثيرة في المنطقة.

ويرى الباحث أن الأمل كبيرٌ في أن تُضاعف الدول العربية جهودها في السنوات القادمة بقوة أكبر وكفاءة أعلى، لإحداث تشابكات بينها تساعد على ترسيخ درجات من التكامل تفوق في مقدارها وأبعادها واستمراريتها واستقرارها ما تم حتى الآن من تعاون وتنسيق محدود، وتَظهر في تكتل اقتصادي كبير، ينسجم مع مصالحها الاقتصادية ومتطلباتها الإقليمية
المستقبلية. ويضيف أن هذا يستوجب توفير إرادة سياسية قادرة على تنفيذ القرارات، وتحسين كفاءة الأجهزة والمؤسسات التي تتولى العملية الإنمائية، وإعادة ترتيب أولويات التنمية التكاملية، بما يحقق أفضل استخدام للموارد المتاحة، وإقامة المشاريع المحورية على أساس تكاملي مشترك، وتجنب الازدواجية فيها. فالمشاريع المشتركة، كما جاء في هذا الكرّاس، تَحُلّ -إلى حدّ كبير- مشاكل التمويل والتصريف التي تعانيها المشاريع القُطْرية، وتستفيد من مزايا الإنتاج الكبير، وتعمل على تخفيض التكاليف الاستثمارية الضرورية، كما أنها أكثر قدرة من المشاريع القُطْرية على إقامة مشاريع تتمتع بمستوى تقني عالٍ، إضافة إلى وجود مشاريع كثيرة لا يمكن إقامتها أصلاً إلا بتعاون مشترك ما بين عدد من الدول، لأن طبيعة
نشاطها تتعدى الحدود الإقليمية، مثل مشروعات خطوط النفط والغاز والربط الكهربائي، ومشروعات استغلال الثروات الطبيعية المشتركة. ويشير مسعود إلى أنه من البديهي أنّ تحقيق هذه الآمال لا يتم بـ «أيْدٍ خفيّة» على حد تعبير «آدم سميث»، أو بتلقائية الجهود القُطْرية، بل يتم بالعمل الجماعي المشترك القادر على إحداث تأثيرات هيكلية وتكاملية، تتلاءم مع خصائص العصر وطبيعة تحديات الألفية الثالثة، وتساعد على توسيع الأطر الإنمائية للاقتصادات العربية، وتنويع إنتاجها وتعميق أنسجتها المتكاملة، وبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

وهذا كله مرهون، وفق الباحث، بمدى القناعة والتأييد السياسي والشعبي لحتمية التكامل الإنمائي العربي، وتوافر قدر مناسب من الاستقرار، والوجود المكثّف لمؤسسات المجتمع المدني القادرة على توسيع مساهمة المواطنين في وضع وصياغة البرامج الإنمائية ومواجهة التحديات المستقبلية.

ويرى الباحث أن مستقبل «الربيع العربي» يعتمد على مستقبل التنمية العربية، وهذا يتوقف على مدى تنفيذ الأدوات الأساسية للإصلاح القادرة على إحداث تغييرات أساسية وجذرية في جميع المجالات، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وفي زيادة روابط الصلة التكاملية بين أطراف الوطن العربي.

ويوضح الباحث أن هناك ثلاثة متطلبات أساسية لا بد من بذل جهود جماعية من جانب الدول العربية لتحقيقها: اعتماد مفهوم للتنمية العربية يربط النمو الاقتصادي بالتنمية البشرية، وإعادة صياغة أساليب التنمية العربية في إطار تنموي إقليمي تكاملي يتيح للاقتصادات العربية أن تتكامل عمودياً وأفقياً، وتطبيق برامج إصلاحية هيكلية جادة في المجال الاقتصادي
مستمرة من داخل الدول العربية أنفسها.

قدّم للكرّاس رئيس مجلس إدارة المؤسسة الصحفية الأردنية (الرأي) سميح المعايطة، الذي قال إن المرء بعد ثلاث سنوات على ما سُمّي «الربيع العربي» يجد نفسه أمام تقييمات عديدة ومتناقضة لهذه المرحلة المهمة. وهي تقييمات لم تكن رافضة لحق الناس في رفض الظلم والاستبداد والفساد وهيمنة فئة على مقدّرات بعض الدول، وإنما هي تقييمات للمسارات
العامة والنهايات. وتابع المعايطة: «ربما نسمع اليوم تقييمات للدوافع التي قادت قوى سياسية لهذه (الغضبة) التي استثمرت صدق الجماهير وجوعها، ومع ذلك، فإنه ما زال مبكّراً الوصول إلى آراء نهائية، حتى نصل إلى فهم جميع الأسباب والدوافع والمسارات والنهايات». وأكد المعايطة أن التنمية بمفهومها الشامل، هي قضية الناس الأولى، لأنها تشمل مشكلات الحياة من فقر وبطالة وبنية تحتية وخدمات ومياه وتعليم، مبيناً أن «ما زرعَ الإحباطَ واليأس ليس تشريعات العمل الحزبي أو السياسي، بل حيرة الأب في كيفية تأمين تعليم أو علاج أو مسْكن لأطفاله». ولفت المعايطة إلى أن «الربيع العربي» حمل لبعضِ دوله مآلاتٍ غير سعيدة، حيث «ما زال الأمنُ غائباً، ودخل الخوفُ البيتَ، وتناثرَ الدم والسلاح في
الأيدي والشوارع، وهو ما خلق تغييراً في قناعات الناس التي قد تقبل النوم جائعةً، لكنها لن تستطيع النوم خائفة».

وثمّن المعايطة المحاولة الجادّة من الباحث مسعود، وتسليطه الضوء على «التنمية» بمفهومها الشامل التي ساهمَت في صنع «الربيع العربي»، موضحاً أن الباحث عرضَ للحالة العربية عامة، لكن هناك حاجة لتقديم الحالات العربية كلٍّ على حدة «لعل العلاج يكون أسهل في ظل غياب التكامل أو حتى التنسيق التنموي العربي».

يُذكر أن مسعود حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة بلغراد في الاقتصاد (1967)، عمل مديراً للاستثمار في شركة «أفاركو» الدولية بالكويت، وخبيراً لتقويم المشروعات في وزارة المالية الكويتية (1968-1973)، ومستشاراً اقتصادياً في منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك) خلال الفترة 1974-1988، ثم مديراً للبحوث في المؤسسة

العربية لضمان الاستثمار المنبثقة عن جامعة الدول العربية ومقرها الكويت (1989-1994)، كما عمل مستشاراً اقتصادياً في الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي (1994-2006). وهو يدير المركز الكندي لدراسات الشرق الأوسط في مونتريال/ كندا، ويعمل رئيساً للصالون الثقافي الأندلسي في مونتريال، وقد ساهم في تأسيسه كرافد ثقافي
للمركز الكندي لدراسات الشرق الأوسط. ساهم في أعمال عدد من اللجان التابعة للأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وساهم في عدد من المؤتمرات والندوات العربية والدولية في مجال النفط والتنمية والاستثمار والتمويل والتكامل الاقتصادي العربي. وقد صدر له خمسة عشر كتاباً في المجالات الاقتصادية باللغتين العربية والإنجليزية منها: «دليل المشروعات العربية المشتركة»(1982)، و»المشروعات العربية المشتركة.. الواقع والآفاق»، (1988)، و»الموسوعة الاقتصادية» (جزءان، 2008)، و»قضايا اقتصادية عربية» (2009)، و»تحديات التنمية العربية» (2010)، و»وجهة نظر اقتصادية» (2011)، و»الأزمة المالية العالمية.. نهاية الليبيرالية المتوحشة» (2011). كما صدر له
في مجال الأدب: «الوجه الآخر للأيام» (شعر، 2011)، و»رؤى وتأملات» (نصوص نثرية، 2012)، و»حيفا.. بُرقة البحث عن الجذور» (سيرة ذاتية،2013 ). وتضمّ هيئة تحرير «كرّاس الرأي الاستراتيجي» كلاًّ من: د.خالد الشقران (مدير المركز)، وهادي الشوبكي (مدير وحدة الدراسات والبحوث)، وهنا المحيسن (مديرة وحدة قياس
الرأي العام)، وجعفر العقيلي (سكرتير التحرير).

يمكنكم شراء نسخة من الكراس بزيارة مكتبة الرأي / المؤسسة الصحفية الأردنية