د.عيدالدحيات
في حياة الشعوب محطاتٌ تتوقفُ عندها للتأمل واستخلاص الدروس والعبر، حيث تجد نفسها عند الحد الفاصل بين الماضي والمستقبل، عليها أن تقرر في أي اتجاه تسير وأية بوصلة تضبط ايقاع خطواتها نحو الآتي.
ومن هذه المحطات الظروف التي تمر بها الأمة العربية في الوقت الحاضر، والتي تتطلب منا جميعاً الوقوف عندها طويلاً للمراجعة والتقييم وإعادة الحساب ونقد الذات وذلك في ضوء متطلبات الزمن الذي فيه نعيش. وهو بلا شك زمن صعب وقاس لا يرحم الضعفاء والمتواكلين، زمن الغلبة فيه للأقوياء الذين استطاعوا بناء دول عصرية حديثة، وتفرض علينا التحولات العميقة التي تمر بها أوطاننا أن نكون بحجم التحديات، وأن ندرك أن الحياة ليست مجرد مراحل ترفيهية لمجموعة من الكُسالى، ولكنها مراحل تضعنا وجهاً لوجه أمام حقائق لا يمكن تجاهلها. وليس أمامنا خيار سوى أن نكون أصحاب عطاء وأن نتفاعل مع الدنيا ومع أنفسنا حسب لغة العقل ولغة الإنجاز المرتكز على الانضباط والتميز الحضاري، إن بناء الأوطان والدفاع عنها هو شعور فطري نابع من حب البقاء والدفاع عن الحياة ذاتها وعن الحق بأن يكون لأمتنا مشروعها الحضاري والإنساني الذي تقدمه للعالم، مشروع ينقلها إلى المستقبل بثقة واقتدار ويمكّنها من اللحاق بركب البشرية المتحضرة.
وتلعب الأحزاب عادة دوراً أساسياً في نهوض الأمم وتقدمها، ويقع على كاهلها مسؤولية الريادة في طرح الحلول وتحليل الواقع بشكل علمي موضوعي يؤدي إلى حل المشاكل ورسم خارطة طريق نحو المستقبل، مستفيدة من تجارب الماضي ودروسه - وحتى من اخفاقاته واخطائه وعثراته.
وأرى شخصياً أنه وبناء على ما مرت به هذه الأمة خلال القرن العشرين، وبخاصة الجزء الثاني منه، وما تمر به حالياً لا بد للأحزاب سواء كانت أحزاباً عقائدية أو برامجية يمينية أو وسطية أو يسارية أن تعي وتأخذ بعين الاعتبار والتحليل الحقائق التالية وتستخلص منها العبر:
1- إن من حق كل دولة عربية أن تبدأ بتطوير وتنمية نفسها أولاً معتمدة على ذاتها ومواردها وقدرات قواها البشرية. إن من أكثر الأخطاء التي ارتكبت في التاريخ العربي الحديث إهمال مرحلة الدول الوطنية المعتمدة على ذاتها حيث تم القفز عليها إلى دولة الوحدة الاندماجية الكاملة، واعتبرت الدعوات الرامية إلى تعزيز بنيان كل دولة عربية أولاً ضرباً من التخاذل. إن اختزال مرحلة الدولة الوطنية في التفكير القومي العربي خلال القرن الماضي كان خطأً استراتيجياً. وكانت النتيجة أن الوحدة العربية الشاملة لم تقم، كما أن الأقطار العربية بقيت مهلهلة وضعيفة. فقد ربط الفكر والوجدان العربي –خطأً– الوحدة العربية بمفهوم التوحيد والمطابقة وإزالة الفوارق وإذابة الاختلافات. وجعل منها أداة قولبة وتدجين وصل بعض الأحيان إلى درجة العنف والإرهاب. والحقيقة أن محاولات الوحدة بين أقطار الأمة العربية بعد استقلالها بدأت كمحاولات اختزالية، اختزلت فيها الدولة الوطنية كما اختزلت فيها التباينات بين فئات الشعب ومكوناته، مما أدى إلى ظهور الحزب الواحد، والفكر الواحد، والزعيم الملهم الواحد. وهكذا أصبحت منهجية الوحدة منهجية أحادية أدت بالضرورة إلى خلق أساطير عند أصحابها الذين اعتقدوا أن ما يفعلون هو الحقيقة المطلقة وغيرها هو الباطل المطلق.
ولم ينجح من تجارب الوحدة إلا التجربة الأردنية التي قامت بين الضفة الشرقية والغربية في أعقاب حرب سنة 1948، وكان السبب في نجاحها أنها لم تفرض بالقوة على الناس ولكنها جاءت بناء على طلبهم ورغبتهم. وساعدت أجواء الحرية والانفتاح وسعةُ الأفق والحنكة السياسية التي أرسى قواعدها الملك المؤسس عبد الله الاول بن الحسين طيب الله ثراه، وعززها الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه، والملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله ورعاه، على نجاح تجربة الوحدة وتعميقها وديمومتها. لقد أدى فشل الدول العربية الأخرى في مسعاها نحو الوحدة إلى ضياع سنوات ثمينة من عمر هذه الأمة دون طائل، وأوصلها إلى درجة الانهاك، كما جعل منها أي الوحدة شعاراً عاطفيا ًاستهلاكياً ابعدها عن المضمون الاجتماعي المرتبط بمصالح الفئات والمجموعات الموجودة على مساحات الوطن العربي كله، كما لم تات فترات الاستقلال في العالم العربي بأي أنظمة ديمقراطية.
لا بد إذن والحال هكذا أن تقوم فكرة المشروع الحضاري المأمول على احترام حق الاختلاف، وأي مشروع لا يقوم على هذا الفهم هو مشروع فاشل لأنه قائم على إكراه الناس وإجبارهم. وحق الاختلاف هو أساس الحقوق ومصدرها وجوهر أي فكر يتعلق بحقوق الإنسان وكرامة الفرد وإنسانيته. إن أي مشروع حضاري وثقافي عربي يجب أن لا يكون بمثابة مواجهة مع الآخر ومع الغير، بل يكون انعكاساً مشتركاً لكل الفروق والاختلافات. فهنالك فروق داخل كل قطر وبين كل قطر وآخر. وهنالك دعوات ونزاعات كثيرة في العديد من الأقطار العربية، وهنالك اختلاف في الأديان وأنماط السلوك والمناسبات والمكونات الثقافية الأخرى، إن هذه الفروق قد تشكلت عبر عصور وقرون طويلة، ولا يمكن القضاء عليها أو تجاهلها بقرار سياسي أو تنظير بعيد عن الواقع. إن الوحدة حركة شعبية لا يمكن ان تحرم من ذرة جهد أو قيراط اجتهاد واخلاص من كل واحد من أبنائها. وقد يكون من المناسب هنا القول أن المجتمعات الغربية قد شهدت مع بدايات عصر النهضة الأوروبية تغيراً في الفكر السياسي أدى إلى الاعتراف بالفرد لكونه فرداً وذاتاً واعية مما أدى إلى استكمال البناء الديمقراطي وإرساء مجتمعات ليبرالية يتمتع فيها كل الأفراد بخصوصيتهم ضمن المظلة الواسعة للدولة التي تستوعب كل الأطياف السياسية والاجتماعية والدينية والعرقية.
2- إن شخصية الأمة العربية وهويتها القومية متأتية من واقع تاريخي ووجود اجتماعي ناتج عن تفاعل كل الاختلافات في بلدان الوطن العربي. ومن السذاجة والبساطة القول أننا قوميون أو غير ذلك، فنحن لا نضع تاريخنا حسب خطة معينة، بل أن هذا التاريخ قد تطور وتبلور مع تطور حياتنا عبر العصور والأزمان.
والقومية وجود تاريخي واجتماعي وليست موجودة في الفراغ، وقد كان من أهم ميزات هذه الشخصية انفتاحها على العالم الخارجي حيث استطاع العرب التفاعل مع حضارات الأمم الأخرى من يونانية ورومانية وفارسية، وترجموا تراث هذه الحضارات وأضافوا عليه، ولم يرفضوا الوجود الحضاري والثقافي للآخرين، بل احترموه وأفادوا منه، وقد أوجد هذا الواقع التاريخي خصائص مشتركة لدى الجميع - عرب وغير عرب– في كل مجالات الحياة اليومية وفي مجال استعمال اللغة العربية والتأليف بها وتبجيلها. هذا وقد أبقى الدين الحنيف على بعض العادات والطقوس الدينية التي كانت سائدة قبل الإسلام واعتبر أن «خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام». والقرآن الكريم يمثل نهج الله في الأرض الذي حمله العرب إلى الناس كافة، وأقاموا دولتهم وحضارتهم. كما أن الإسلام هو المضمون الحضاري للقومية والعروبة، ولكن الإسلام لم يجعل من القومية العربية حركة عرقية. وقد أخرج الإسلام العرب من دائرة التعصب والقبلية وسما بهم إلى مفهوم التآخي والأخوة، فالعروبة انتماء فكري وحضاري، إن المجتمع العربي الذي دان بالإسلام مجتمع متكامل، لا عصبية فيه ولا نعرة، يعيش فيه الناس على شتى اختلافاتهم وفروقهم مواطنين متساوين لأنهم رعايا دولة لا تفرق بين مسلم وذمي، عاش فيها صهيب الرومي وبلال الحبشي وسلمان الفارسي مع أبناء قريش لا فرق بينهم إلا بالتقوى. والإسلام دين الحياة كلها يرعى كل فرد يعيش في كنفه، وليس من شأن الإسلام أن يكره فرداً على اعتناقه، كما أنه ليس ضيقاً محدوداً حتى لا يستوعبَ كل من يختار العيش في دياره.
3- لقد دعا القرآن الكريم المشركين للإيمان بالله، ولكنه في الوقت نفسه ترك عقوبة من لم يؤمن بذلك إلى الله وحده، كما دعا الرسول وأصحابه إلى مجادلة الكفار بالتي هي أحسن «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين» (سورة النحل: 125). وقد بين القرآن أن ليس من حق أحد ان يكره أحداً على الإيمان، كما أن الحسم في القضايا يعود إلى الله وليس للبشر.
وذهب الإسلام أكثر من ذلك إذ طلب من الرسول ومن جميع المسلمين أن لا ينسوا الدعاء في صلاتهم حتى للذين ضلوا عن سبيل الله «ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه، إنه لا يفلح الكافرون، وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين» (سورة المؤمنون: 117-118). فوجود الاختلاف بين البشر هو تجسيد لقضاء الله عز وجل وقدره. والله يريد أن يمتحن المؤمنين بهذا الاختلاف، كما رأى فيه انعكاساً للطبيعة البشرية في التنوع «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين» (سورة هود: 118). إن فهم الإسلام العميق والمتسامح للبشر هو إقرار ضمني أن الحياة المشتركة مع غير المسلمين لا تعني أبداً إكراههم على غير ما يريدون ولا يفرض عليهم باسم الدين، طرائق حياتهم ولباسهم ومأكلهم ومشربهم، إن الله واحد لجميع الناس، يجمع ولا يفرق وهو سبحانه رب العالمين وليس رب المسلمين فحسب، هكذا فهم المسلمون الأوائل، فأبدعوا وأبدع غيرهم من اتباع الأديان والأجناس الأخرى.
4- إن إقامة الدولة الصالحة العادلة هو من جوهر الإسلام، والإسلام لا يدعو أبداً لإقامة دولة من رجال الدين، ولكنه يدعو لإقامة حكومة مدنية لأن رضا الناس –المتمثل بالبيعة - هو مصدر شرعية السلطة السياسية، وقد بين الكثير من الفقهاء أن الإمامة «عقد» والبيعة صيغة تنظيمية لهذا لاعقد، وهذا بلا شك يتوافق مع مبدأ العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم الذي يعدّ الأساس الذي قامت عليه الديمقراطيات الغربية في العصور الحديثة. وقد اعتبر الإجماع، او رأي الأكثرية أحد مصادر التشريع، نعم، إن الكتاب والسنة لا يلحقهما التغيير والتبديل فهما يعبران عن حقائق مطلقة وثابتة مهما اختلفت الأماكن والأزمنة، ولكن هنالك مصادر تكميلية أخرى تزداد الحاجة إليها من تباعد الزمان وتغير الظروف. وهذه المصادر تقع كلها تحت كلمة «اجتهاد». وحيث يجتهد المجتهد فإنه يعمل عقله وفكره يحلل ويقارن ويستنتج وقد يجد المصلحة أحياناً في حلول سبق إليها غير المسلمين. ومن غير المعقول والمنطقي أن نرفض أمراً صحيحاً ومفيداً لأن غير المسلمين قد أخذوا به.
5- إن من الحكمة أن تقر بعض مكونات التراث السياسي عندنا نحن العرب والمسلمون هي مكونات منفصلة عن الإسلام وأن مصدرها هو الفكر السياسي الغربي والتجربة السياسية الأوروبية. فعلى سبيل المثال فإن مصطلحات الديمقراطية والفصل بين السلطات وحق الاقتراع العام وحرية الصحافة كلها جزء من التراث الفكري لأوروبا والولايات المتحدة. وقد استقرت هذه المبادىء في الوجدان السياسي العربي الإسلامي وتداخلت معها بحيث يصعب أحياناً كثيرة الفصل بينهما. وعلينا الإدراك أن الإسلام ليس كياناً مقطوع الصلة لتجارب الأقوام والأمم الأخرى، كما أن حياة المسلمين لا تختلف في نواحيها المعيشية وهمومها اليومية عن حياة غير المسلمين. ويلتقي الإسلام مع أنظمة كثيرة غير إسلامية في الأخذ بمبادىء العدل وتكافؤ الفرص ومسؤولية الحكام نحو الناس والتكافل الاجتماعي وحقوق الأفراد. وقد بين الإسلام وحدة المسار الإنساني باختلاف الأزمنة والأمكنة انطلاقاً من وحدة الطبيعة البشرية. ونصوص القرآن والسنة واضحة في إلحاحها على وحدة النوع البشري رغم اختلاف الأفكار والقبائل واللغات «يا أيها لناس إنا خلقناكم ن ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير». وقد اعترف الإسلام باليهودية والنصرانية وعدّ موكب الرسل والأنبياء موكباً واحداً متصلاً، كما رفض الإسلام فكرة الشعب المختار المميز وأخضع الناس جميعاً لمبدأ إن أكرمكم عند الله أتقاكم. كما ان الإسلام واضح كل الوضوح أن الحكمة ضالة المسلم وهي مبثوثة في أرجاء هذا الكون كله تجدها عند المسلم وعند غير المسلم، وعلى المسلمين أن يطلبوها ولو في الصين.
6- إن توجه البعض إلى أخذ التراث دون تحليل وفهم عميق لوظائفه التاريخية وعناصر الابداع فيه التي مارسها صناعه يشبه إلى حد كبير ميل بعض الدول المختلفة عن ركب الحضارة والتقدم إلى استيراد منتجات العلوم والتكنولوجيا جاهزة من الدول الصناعية المتقدمة التي قامت بتصنيعها دون أي محاولة لاكتشاف قوانين العلوم الداخلية والمراحل المعرفية التي أوصلت إلى انتاجها. فلا بد والحال هكذا من توطين العلوم، ولا بد من فتح باب الاجتهاد والتحليل وإعمال العقل على مصاريعها.
وهذا في واقع الأمور رجوع إلى منهجية علمية استعملها المسلمون الأوائل وأدت إلى أن تقود هذه الأمة العالم كله في ميادين البحث العلمي والعطاء والإنجاز الحضاري الرفيع. ولكن عندما دخل المجتمع الإسلامي في مرحلة التخلف والتقهقر راح يقدس تفاسير العصور السابقة. وبهذا فقد المبادرة التاريخية وتمسك بحرفية آراء العصور السابقة بدلاً من أن يستلهم رؤيتها وروحها ومنهجيتها في التفكير والبحث. إن القرآن والسنة يشكلان -دون أدنى شك- مرجعية علمية لتوضيح المحرمات والحقوق والواجبات ولكنهما لا يعفيان المسلم ولا المجتمع الإسلامي من الاستمرار في عملية الاجتهاد. ومما لا شك فيه أن العمل الأكثر فائدة هو الذي يقوم به المسلم مدفوعاً بعاطفة الخير والبر ومحبة الله ومحبة الناس أجمعين، مستذكراً دوماً أن الدين يسر وسلوك وعطاء ورحمة، وهذا يجعله يتجاوز التقيد الحرفي بالنصوص ويرقى إلى الروح الكامنة وراء الكلمات، إن الحياة البشرية ليست عملية مواجهة مع الآخر ولكنها عملية مشاركة مع الآخر لخدمة الإنسانية والارتقاء بحضارتها.
7- إن التعليم والأخذ بأسبابه هو الطريق نحو التقدم والعمران البشري. ولهذا لا بد من وجود استراتيجيات لتنشئة الأجيال وتربيتها خلقياً ومسلكياً وربطها بوطنها وأمتها العربية والإسلامية تنفذ من خلال برامج واضحة ومفصلة. ومما لا ريب فيه أنه وفي الوقت الذي تصح فيه مقولة أن تقدم المتمع بكل أبعاده مرتبط بالتعليم فإنه وبالقدر ونفسه تتحكم عناصر الواقع السائد في توجيه الأجيال وقد تعيق في أحيان كثيرة حدوث التغير المنشود. إن التحدث المطروح، كما أراه، هو أن لا يقع التعليم ومؤسساته ضحية لبعض أمراض المجتمع الذي فيه نعيش. ولقد وجدت المدارس والجامعات من أجل إصلاح المجتمعات وحل مشاكلها ودفعها في معارج الرقي والتقدم. أما إذا أصبحت مرآة تعكس المجتمع فحسب، فإنها تكون عندها قد فشلت فشلاً ذريعاً في أداء مهماتها وتحقيق أغراضها ورسالتها.
إن التربية مع التعليم والخلق مع المعرفة هي الضمان الأكيد لإعداد الكوادر البشرية التي يحمي بها المجتمع نفسه، ولا بد من وضع خارطة طريق واضحة للتعامل مع هذه الأجيال واعداها للمستقبل الذي يحمل في طياته الكثير من النذر التي تهدد الأوطان، وعلى واضعي الاستراتيجيات التربوية في العالم العربي البعد عن الحديث في المجرد وفي المطلق فالنجاح في الحياة مرتبط بالسلوك القويم وتهذيب الأنفس والتسامح وليس بخزن المعلومات في الذاكرة فحسب، هذه حقائق بسيطة معروفة أدى عدم التركيز عليها وتجاهلها إلى ضياع سنوات
كثيرة من أعمار أبنائنا وبناتنا، وأوصلت الكثير من طلبتنا الجادين لذوي الأخلاق الرفيعة والأنفس الكريمة إلى الغربة والعزوف عن المشاركة.
وأقترح هنا أن تخصص المؤسسات التعليمية على مستوى التعليم العام والعالي ساعة على الأقل في كل أسبوع تسمى ساعة الحوار، يقوم من خلالها أساتذة مدربون لهذا الغرض بشرح موضوع معين أو وجهة نظر لهؤلاء الطلبة، ويتبع ذلك نقاش وحوار، ولا بد أن يشمل هذا الحوار والنقاش جوانب مهمة تتعلق بتاريخ كل بلد والتحديات التي تواجهها في كل المجالات وشرح السياسات والتوجهات العامة للدولة وإجراء النقاش حولها إن من شأن ذلك –إذا تم– أن يُبقي طلبتنا على اطلاع على المواقف والقرارات المتخذة في الدولة بشكل عام. وهكذا يشعر الشباب أنههم مشاركون وعلى دراية بما يجري في أوطانهم فترتاح أنفسهم ويتعمق حب الوطن في عقولهم وأفئدتهم.