تقييم أداء الحكومة من خلال الموازنة الموجهة بالاداء


اعداد: د. عبدالرحمن امين البلبيسي*



لقد كان من الصعب امام المواطن الاردني و مجلس النواب الذي يمثله ان يقيًم اداء الحكومة الاردنية في تحقيق الاهداف الوطنية على شتى الاصعدة الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية بشكل دقيق من خلال أداء الوزارات و المؤسسات العامة و قياس ما حققته الحكومة من منفعة و رفاه للمجتمع الاردني مقابل النفقات التي تنفقها و التي تعتمد بالدرجة الاولى على جيوب الاردنيين دافعي الضرائب , و لقد كان لتجارب عدد من دول العالم في تفعيل موازنة البرامج الموجهة بالاداء دورا هاما في ضبط الموارد المالية للدولة و توجيهها نحو الاولويات الوطنية و المنفعة لمواطني تلك الدول و ربط النفقات الحكومية بالنتائج التي تم تحقيقها على ارض الواقع مما عزز استغلال الموارد المالية بشكل افضل و قلل من الهدر في المال العام و دعم جهود الاصلاحات المالية لتلك الحكومات, و قد أقر قانون تنظيم الموازنة العامة في الاردن رقم 58 لسنة 2008 تطبيق موازنة البرامج الموجهة بالاداء لدى الحكومة الاردنية و وضع ملامح و آليات تطبيقها و متابعتها و تقييمها من خلال مؤشرات اداء كمية و نوعية واضحة يتفق عليها لكل وزارة و مؤسسة عامة بحيث يسهل تقييم اداء جميع الوزارات و المؤسسات العامة بعد انتهاء السنة المالية.

و بذلك اصبح بيد الاردنيين و مجلس النواب أداة هامة في الرقابة على أداء حكومتهم و الحفاظ على أموال الدولة و توجيه النفقات الحكومية نحو الاولويات الوطنية التي تحقق اكبر منفعة ممكنة للمجتمع من النفقات الحكومية , و لقد أثبتت تجارب عدد من دول العالم المتقدمة و الناشئة و النامية فعالية هذا المبدأ في التخطيط المالي و اعداد و تنفيذ الموازنات الحكومية و الاصلاحات المالية خصوصا بعد تفعيل عملية المسآلة و تقييم الاداء ما بين المخطط و المنجز فعليا على ارض الواقع , حيث تنص المادة الرابعة الفقرة (و) من قانون تنظيم الموازنة العامة الصادر سنة 2008 ان تتولى دائرة الموازنة متابعة تقييم اداء البرامج و المشاريع و الانشطة للدوائر و الوحدات الحكومية و التاكد من تحقيقها للنتائج المنتظرة بكفاءة و فعالية لبلوغ اهدافها. كما تنص المادة رقم 5 الفقرة (و) من نفس القانون ان للدائرة في سبيل انجاز مهامها القيام بالرقابة على تنفيذ الموازنة العامة و موازنات الوحدات الحكومية و اصدار تقارير دورية تتعلق بالمتابعة و التحليل و التقييم , الا ان هاتين المادتين من القانون غير مفعلتين حاليا. و قد تبين بعد الاستفسار من دائرة الموازنة عن التقارير الدورية التي تصدرها الدائرة و المتعلقة بتقييم اداء الوزارات و المؤسسات الحكومية و مكان نشرها تبين ان هذا الامر يحتاج الى متطلبات لتحقيقها مثل تطوير بعض البرمجيات و الاسس و البيانات و العمل جار عليها حاليا.

ان الظروف المالية و الاقتصادية التي يمر بها الاردن حاليا من تباطؤ في النمو الاقتصادي في السنوات الاخيرة و عجز في الموازنة الحكومية و ضياع المال العام من خلال قضايا الفساد العديدة يحتم علينا تفعيل هاتين المادتين من القانون بحيث يكون لدائرة الموازنة العامة دور هام في الرقابة على انفاق المال العام و المحافظة عليه و اظهار كفاءة كل مؤسسة حكومية و عامة في الانفاق و تحقيق الاهداف الوطنية و الرفاه الاجتماعي للاردنيين و نشر ذلك من خلال تقارير دورية معلنة مما سوف يضع عملية انفاق المال العام و القائمين عليه تحت المجهر و يساعد في تحقيق قدر اكبر من الاهداف الوطنية و الرفاه للاردنيين و توفير الهدر في المال العام و يجعل الدوائر الحكومية تتنافس في رفع كفاءة ادائها بشكل ملحوظ.

ففي الولايات المتحدة الاميركية بدأ تطبيق مبدأ موازنة البرامج و الاداء في السبعينيات من القرن الماضي من أجل ربط ما تنفقه الحكومة الاميركية بالغايات التي تهم الاميركين و دافعي الضرائب , الا ان تفعيل عملية المسآلة على موازنة الحكومة الاميركية بدأت عام 2002 من خلال أداة خاصة بعملية التقييم سميت بأداة تقييم و تصنيف البرامج Program Assessment Rating Tool (PART) و أدت الى رفع نسبة ما هو منجز من اهداف برامج الموازنة الاميركية من 35% عام 2002 الى 75% عام 2006 (1 *) حيث ادت هذه الاداة الى حفز القائمين على الوزارات و المؤسسات العامة الامريكية الى التفاني في تحقيق نسبة اكبر من الاهداف المخططة خصوصا بعد ان اصبحت عملية التقييم شفافة و لها معيايير كمية و نوعية واضحة و معلنة امام الشعب و الكونغرس الاميركيين و اصبحت اساسا معتمدا لتقييم اداء المؤسسات المنفقة لموازنة الدولة. هذا و قد تبنت عدد من الدول العربية مبدأ موازنة البرامج الموجهه بالاداء نذكر منها مصر و السعودية و الامارات العربية المتحدة و سوريا.

يتمحور مفهوم موازنة البرامج و الاداء على ان يتم أعداد الموازنة الحكومية لكل وزارة و مؤسسة عامة بناء على برامج ترتبط بالاولويات الوطنية الاستراتيجية للدولة ككل و بالاهداف الوطنية لكل وزارة و هو الدور المناط بتلك الوزارة تحقيقة للمجتمع , و تضع الوزارة بناءا على تلك الاهداف الوطنية الاستراتيجية اهدافا وطنية خاصة بمجالها و قطاعاتها ثم تضع برامج تنفيذية لتلك الاهداف و فعاليات محددة لكل برنامج و تضع مؤشرات لقياس أداء لتلك الفعاليات تستخدم لقياس كفاءة الوزارات في استخدام المال العام لتحقيق المنفعة للوطن و المواطنين

أهداف استراتيجية وطنية للدولة ككل ———> اهداف وطنية للوزارة ——-> تنتج برامج تنفيدية ——-> ثم فعاليات تنفيذية لكل برنامج ———> و مؤشرات لقياس اداء تلك الفعاليات

و لدى الاطلاع على موازنات جميع الوزارات الاردنية و رئاسة الوزراء و المؤسسات العامة الاخرى المرتبطة بموازنة الحكومة الاردنية كما في كشوف موازنة عام 2017 (2*) نجد ان كشوف الموازنات موزعة بشكل يتضمن اهداف وطنية تتفرع منها اهداف قطاعية خاصة بكل وزارة و برامج لتلك الاهداف و مؤشرات اداء , اي ان البناء العام للموازنة معد حسب مفهوم البرامج الموجهة بالاداء دون الدخول في تفاصيل تلك البرامج او شموليتها او كيفية ترجمتها للاهداف الوطنية العليا و دون الدخول بتقييم عدد او كفاءة مؤشرات الاداء المدرجة حيث ان ذلك هو امر يخص كل وزارة التي هي ادرى بشعابها بالتنسيق و المشاورة الفنية مع دائرة الموازنة العامة. الا ان حاجة بعض المؤشرات لاعادة الدراسة و الاعتبار و هو امر مهم و يحتاج الى تطوير مستمر ليس فقط في الاردن و انما في جميع دول العالم. الا ان المحور المهم الواجب ان نطرحه هنا هو أن نظام الموازنة الموجهه بالاداء يعتمد بالمحصلة النهائية على تقييم الاداء الحكومي من أجل نجاحه في تحقيق اهدافه في ضبط النفقات و خلق حافز لدى القائمين عليها بتحسين اداء وزاراتهم و مؤسساتهم و وضع قرارت هؤلاء المسؤولين بالانفاق تحت المجهر و امام الشعب و مجلس النواب , الا ان عملية تقييم الاداء لم يتم تنفيذها بعد من خلال تحديد نسبة المنجز من الاهداف كميا و نوعيا لكل وزارة و مؤسسة عامة و نشر ذلك للمواطنين , تطبيقا للمادتين رقم (4-و) و (5-و) من قانون الموازنة لعام 2008 , حيث ان ذلك يتطلب بنية تحتية بما فيها البرمجيات الكافية و توفير البيانات و المعلومات اللازمة لاحتساب مؤشرات الاداء بدقة و العمل على تطوير مؤشرات أداء متقدمة قادرة على قياس الاداء بكفاءة و فعالية و نشر نتائج الاداء لجميع الوزارات في وسائل الاعلام لكل سنة مالية حتى يطلع الشعب الاردني و مجلس النواب على أداء حكومته و نتائج انفاقها للمال العام الذي مصدره جيوب الاردنيين و كدهم.

لقد اثبتت تجارب الدول السابقة من خلال الدراسة المقارنة التي نشرها البنك الدولي عام 2016 و التي اجراها الباحثان موينيهان و بيزلي (3*)على تطبيق هذه التجربة في سبع دول تقوم بالاصلاحات المالية هي أستراليا و أستونيا و فرنسا و هولندا و روسيا الاتحادية و بولندا و الولايات المتحدة الاميركية بان مشاكل التطبيق تتمحور أهمها في عدم قدرة مؤشرات الاداء على أعطاء مرتكزات حقيقية يستند عليها متخذي القرار في صناعة الموازنة و عدم فعالية بعض مؤشرات الاداء في قياس اداء بعض المؤسسات الحكومية , عدم توفر البيانات اللازمة لاحتساب مؤشرات الاداء , سيطرة مجلس النواب على اعداد الموازنات بدلا من الجهات المالية المتخصصة في الدولة بالتنسيق مع مجلس النواب , عدم اهتمام بعض مجالس النواب بمؤشرات الاداء و المحاسبة عليها مما أفقد عملية مراقبة الاداء أهميتها , كثرة مؤشرات الاداء لدرجة تشتيت صانعي القرار عن الاولويات الوطنية , صعوبة أقناع الوزراء و المدارء التنفيذيين و متخذي القرار بفكرة و اهمية موازنة البرامج و الاداء و تطبيقها بشكل فعال و خلق هذه الثقافة لديهم في الوقت الذي شكلت هذه الثقافة حافزا في دول اخرى لدى الوزراء و متخذي القرار النشيطين استخدام مؤشرات الاداء للتعبير عن أدائهم , و قد قابل تلك الصعوبات الكثير من الفوائد الايجابية مثل: اعادة هيكلة البيئة المعلوماتية و الثقافية والتنظيمية للدولة بحيث تتقبل فلسفة موازنة البرامج و المراقبة على الاداء و خلق البنية التحتية و الفنية لذلك , اعطاء الحافز للوزراء و المدراء النشيطين على الارتقاء باداء مؤسساتهم مبرهنين على ذلك بمؤشرات الاداء المنشورة , عمل تغيير جذري في واقعية اعداد الموازنة من قبل جميع القائمين عليها و ادراك محدداتها بشكل افضل و اعطاء مزيد من الحرية للوزراء في تحديد موازناتهم الفرعية وتحمل المسؤولية عليها, كذلك اضف الى ذلك الفوائد الايجابية المتوخاة من تطبيق ذلك النظام مثل رفع مستوى المسآلة داخل الجهاز الحكومي و مسآلة الحكومة امام مجلس النواب , توجيه الانفاق الحكومي نحو الاولويات الوطنية التي تخدم الوطن و المواطن , تحقيق نسبة اكبر من الاهداف الوطنية للموازنة , رفع كفاءة الاداء الحكومي من خلال وجود الشفافية و المراقبة و المحاسبة , تضييق الفرص المتاحة امام الفاسدين من التلاعب بالمال العام بشكل كبير.

أما فيما يتعلق بكيفية تخصيص الموارد المالية على الوزارات و المؤسسات العامة حسب الاولويات الوطنية التي تخدم الوطن و المواطن فان ذلك منوط بالاستراتيجة الوطنية للاردن و التي تم الوصول لها بمشاركة جميع الفعاليات الحكومية و الخاصة و مجلس النواب و الاعيان و رؤية جلالة الملك و ما تم المصادقة عليه و اقراره من اهداف استراتيجية و خطط شمولية ( و سوف نتحدث عن الاستراتيجية الوطنية و كيفية ربطها بالموازنة العامة و دور مجلس النواب في المراقبة على الربط و التنفيذ في مقال لاحق انشاء الله). فعندما ننظر على سبيل المثال الى موازنة الحكومة المنشورة لعام 2017 نجد ان مخصص موازنة وزارة الخارجية و المغتربين هو 50.4 مليون دينار و يعمل بها 725 موظفا مع ما لديها من سفارات و بعثات دبلوماسية في شتى انحاء العالم و هي ذات اهمية كبيرة للاردن و نجد ان موازنة وزارة الزراعة و هي تعنى باحد اهم القطاعات الاقتصادية و مربوطة بالامن الغذائي للمواطنين و يعمل بها 7722 موظفا خصص لها 61.5 مليون دينار , و في مقارنة اخرى نجد ان رئاسة الوزراء قد خصصت للانفاق على برنامج ادارة الاعلام و الاتصال حوالي 32.2 مليون دينار بينما خصصت لمشروع مكافحة الفساد مبلغ 3.7 مليون دينار و حيث ان للمشروعين أهمية وطنية كبرى و ان عدد العاملين و حجم التجهيزات الراسمالية في قطاع الاعلام و الاتصال بما فيها الاذاعة و التلفزيون يفوق بكثير عدد العاملين و التجهيزات الراسمالية لبرنامج مكافحة الفساد ( و هو امر طبيعي) الا ان المفاضلة بينهما و بين بقية البرامج المدرجة في موازنة الحكومة هو أمر يحتاج الى نقاش على المستوى الوطني بحيث تكون القرارات مبررة و مدروسة في ضل الاولويات الوطنية و بما يعود باكبر نفع على المجتمع و الوطن و المواطن ككل.

ان تطوير اسلوب موازنة البرامج و الاداء في الاردن و ربط التخطيط المالي بالتخطيط الاستراتيجي و تطوير مؤشرات الاداء و العمل على تطوير أساليب مراقبة الاداء سوف يؤدي الى توجيه الموارد المالية للدولة نحو الاولويات الوطنية و سوف يحفظ الموارد المالية من الضياع الى حد افضل و سوف يؤدي الى شفافية تعاطي الوزارات و المؤسسات العامة مع المال العام و تحقيق الاهداف المطلوبة منها و يضع المؤسسات العامة في موقع المسؤولية و التنافسية في تحقيق افضل مستوى من الاداء و يقلل مستويات الضياع في المال العام سواء من خلال قلة فعالية الاداء او صرف المال العام لغايات غير مرتبطة بمصلحة الوطن و المواطن.

 

*خبير مالي - محاضر سابق

قسم التمويل الجامعة الاردنية

abelbeisi@yahoo.ca

 

(1) : محاضرة جون بفايفر المقدمة امام البنك الدولي حول الفوائد المستقاة من تطبيق اداة تقييم و تصنيف البرامج. John Pfeiffer–Performance Management in the US Government–Lessons from the PART Initiative – June ,2007- U.S. Office of Management and Budget

(2) / مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2017 - http://www.gbd.gov.jo/GBD/ar/Budget/Ministries

(3) منشورات البنك الدولي – نحو جيل جديد من موازنة الاداء 11-2016ء Toward Next-Generation Performance Budgeting- world Bank Publications – Nov — 2016- Donald Moynihan, Ivor Beazley