كيف سيحدد العقد القادم مستقبل دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟

09/12/2018

د. شهاب المكاحله

إن التطورات السياسية في الشرق الأوسط معقدة وغير متوقعة ولكن ما هو محتمل الحدوث وفق مراكز الدراسات الغربية ووفق دراسة خاصة لمركز «جيوستراتيجيك ميديا» فإن العام 2019 وحتى نهاية العام 2030 ستكون مخاضاً عسيراً أكثر مما شهدته المنطقة طوال مئة عام من اضطرابات داخلية وتحولات جيوسياسية وإراقة للدماء والتدخلات الأجنبية الخارجية على غرار ما حدث في ليبيا والعراق وسوريا من قبل.

إن تحديد ما سيحدث في المستقبل مهمة صعبة للغاية لأن التنبؤ يجب أن يكون مبنياً على أرقام ومُعطيات تعطي مؤشرات لتطورات قد تشي بما يحدث لاحقاً وفق ديناميكيات تعكس ترابط الأحداث معاً. تحاول الدول العربية للحفاظ على الهوية الوطنية التي أضاعها اتفاق سايكس- بيكو قبل قرن من الزمان لأن الأيديولوجيات السياسية الرئيسة أُطَرت على مصالح كل دولة لا على أساس وطني. فمنها ما ذهب إلى الحلف الغربي ومنها ما توجَه إلى الحلف الشرقي ومنها ما يحاول الجمع بين الإثنين. ولعل التحدي أمام الدول العربية هو إشكالية الإسلاموية أو العروبة لرفضهما نظام الدولة الإقليمي.

كما أن الدول العربية تحولت منذ العام 1991 من سياسة الاصلاح الداخلي إلى أجندة أمنية، متجاهلة القضايا الاقتصادية الملحة وهو ما دفع بالشباب العربي للحراك في العام 2011. ومن المتوقع أن تزداد ميزانيات الدفاع العربية كل حسب طموحاتها وأهدافها الإقليمية والمحلية وهذا سيُشكل عبئاً كبيراً على اقتصاديات تلك الدول خصوصاً دول المحور أو الطوق مثل الأردن وسوريا ولبنان ومصر.

ويتزامن هذا مع توجُه الكثير من الناس للعيش في المدن والانتقال من الريف والبادية. إذ من المتوقع أن تصل نسبة سكان المدن إلى أكثر من 60% في العقد القادم. وهذا سيغير المعادلة الديموغرافية في الدول العربية وفي المجتمعات ذاتها كما سيؤثر على الطبقات الاجتماعية. وهنا سيكمن الخلل والضعف في تلك الدول لأن الهجرة من الريف والبادية إلى المدن يعني ترك الزراعة وهذا في حد ذاته عقبة كبيرة للتنمية والتطوير لأن الضغط سيكون على المدن التي ستفتقر للبنى التحتية لاستيعاب تلك الأعداد وتوفير احتياجياتهم.

تشكل بطالة الشباب تحدياً أمنياً حقيقياً للدول العربية ولن تتمكن الدول العربية باجاد حلول سريعة لها في العقد القادم نظرا لقلة مرونة كافة القطاعات التي تخدم قطاع الشباب والتوظيف. فتفاقم البطالة وارتفاع معدل أسعار المواد الغذائية يُولدَان انعدام الأمن الداخلي ويخلقان فراغاً أمنيا كبيراً كما هو الحال في عدد من دول الشرق الأوسط دفعت بالبعض من الشباب للالتحاق بصفوف الارهابيين في كل من سوريا والعراق.

وهنا لا يمكن الانتصار على الإرهاب استراتيجياً إلا بسياسات بعيدة المدى وما الانتصارات الحالية سوى تكتيكات ولكن سرعان ما تستعيد تلك التنظيمات قوتها وتشكيلاتها وتُعيد لملمة ما تبقى منها بمسميات مختلفة لمعاودة نشاطاتها لأنه سيبقى لتلك التنظيمات مخزون استراتيجي بشري طالما لم تُحل القضايا الرئيسة ومنها الصراع العربي الإسرائيلي والمُعضلات الاقتصادية وارتفاع الأسعاروتفاقم البطالة وانتشار الفساد.



محددات قوة الدول العربية: مصادر قوتها وضعفها

تبلغ مساحة الدول العربية 13.4 مليون كم مربع. ويبلغ طول سواحلها 20 الف كم. تعوم المنطقة العربية على بحيرة نفط تقدر بـ 715 مليار برميل اي ما يعادل 66 بالمئة من إجمالي الاحتياطي الخاص بمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) و 44 بالمئة من احتياطيات العالم. وتنتج الدول العربية يومياً 27 مليون برميل نفط. إن انتاج الدول العربية اليومي من النفط يشكل 34 بالمئة من انتاج العالم. كما أن احتياطي الدول العربية من الغاز الطبيعي يصل إلى 55 تريليون متر مكعب أي ما يعادل 30 بالمئة من الاحتياطي العالمي. وتحتفط بانتاجها من الغاز الطبيعي الذي يصل 534 مليار قدم مكعب سنويا وهو م نسبته 12 بالمئة سنوياً عالمياً لتحتل بذلك المركز الثالث بعد روسيا والولايات المتحدة. فعلى الرغم من كل تلك الامكانيات إلا أنَ فرص التدخل الأجنبي في شؤونها يُعطل استغلال تلك الموارد إلى حد كبير نظراً لاستنزاف الكثير منها في حروب بالوكالة وضد الإرهاب.

 

ما هي تلك التطورات التي ستحدد تلك السيناريوهات؟

هناك أربعة اتجاهات إقليمية هي الأهم على المدى القريب واستناداً إلى هذه الاتجاهات ، فإنه سيتم تحديد عدة سيناريوهات مستقبلية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.

سيشهد الشرق الأوسط أكبر قدر من التغيير في السنوات العشر المقبلة، مع نمو هشِ لاقتصاديات تلك الدول عبر فقاعات شبيهة بتلك التي ضربت العالم في العام 2008 عن طريق الأسهم والعقارات ما سُيحدث تقلبات كبيرة وسريعة في سوق المال العربي وسط ترجيحات بصراعات إقليمية محتملة مدفوعة بعوامل داخلية منها البطالة الزائدة والتضخم والضرائب وفقدان السيولة.

ويشير ذلك التحليل إلى أنه سيتم العمل على النيل من كيانات بعض من دول الشرق الأوسط عبر حروب محدودة تستدعي تدخلات خارجية على غرار ما حدث بين العراق والكويت.

يأتي ذلك في الوقت الذي يتوقع فيه اقتصاديون مستقبلاً غير مشرق للاقتصاديات العربية على الرغم من بعض الأرقام الإيجابية بناءً على أسعار النفط مؤخراً والتي تخدم فقط الدول المصدرة (عدد من دول الخليج العربية) لا المستوردة(الأردن ولبنان وسوريا ومصر). وسيفاقم ذلك معدلات البطالة المرتفعة التي ستكون ظاهرة شائعة في المنطقة تشمل معظم دول الخليج بسبب دخول عدد لا بأس به من الشباب سن العمل في تلك الدول في محاولة منهم للبحث عن وظائف.

 

البطالة أولى مشكلات الشرق الأوسط

على الرغم من اتساع مساحة الوطن العربي والذي يعد الثاني مساحة بعد الاتحاد الروسي مع ارتفاع في عدد الشباب الباحثين عن العمل نظراً لأن الشباب ممن هم في سن أقل من 40 عاماً يُشكِلون 70 بالمائة من السكان فإن الضغط سيكون كبيراً على الحكومات لتوفير سوق عمل بفرص تتناسب مع تخصصاتهم. وفي حال عدم تلبية تلك الحاجة الوظيفية، فإن تلك الفئة قد تتحول من بنَاءة إلى هدَامة وتخريبية نظراً لمستوى البطالة العالية بين صفوفها.

فبدل أن يكون هذا العدد الكبير من الشباب ميزة تفضيلية للدول الشرق أوسطية، إلا أنه من المرجح أن تكون فئة منهم قوة تخريبية نظراً لمستويات البطالة العالية في المنطقة ، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي. وسوف يتفاقم هذا الأمر عندما يترافق ذلك مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع. وهنا تكمن الخطورة الكبيرة على دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً نظراً لارتباط نُظم تلك الدول سياسياً وأمنياً واجتماعياً بمؤشرات اقتصادية.

فالبطالة هي مشكلة متنامية في الشرق الأوسط ومن المتوقع أن ترتفع في سياق ضعف النمو الاقتصادي ما سيدفع الشباب إلى الشعور بالإحباط من سياسات الحكومات التي لا تُغيِر شيئا على أرض الواقع سوى الأسماء من وزراء ومسؤولين ما يدفع عدداً منهم إلى التطرف الديني والاجتماعي في ظل تضعضع الوضع الاقتصادي العام.

مؤشرات البطالة المتوقعة في عدد من الدول بناء على إحصائيات لأعوام سابقة رسمية:

 

هبوط أسعار النفط في العقد القادم

من المتوقع كذلك هبوط أسعار النفط في العقد القادم للاستخدام الكبير للطاقة البديلة والغاز. وهذا سيؤثر سلباً على اقتصاديات الدول المُصدرة للنفط ما لم تعمل على تنويع اقتصاياتها وهذا سيستغرق بعض الوقت. لذلك ترى الدراسة ما يلي:

أولاً: هبوط في نمو سوق النفط العالمي مع انخفاض في الطلب ما ينعكس سلباً على الأسعار في السنوات القادمة

ثانياً: استبدال النفط بموارد طاقة بديلة يعني تقليل الكلفة على دول مستهلكة للطاقة ولكن سيكون ذلك على المدى البعيد لا القريب نظراً لارتفاع متطلبات الحصول على الطاقة البديلة من رياح وأشعة الشمس والمياه.

ثالثاً: سيتم اللجوء إلى طاقة الغاز الطبيعي كونه أنظف من النفط. وسيستمر الصراع على مصادر الغاز في الشرق الأوسط الذي يتواجد بكثافة في سواحل سوريا ولبنان.

كل ذلك يعني تبدُل اللاعبين في مصادر الطاقة العالمية ومنهم في الشرق الأوسط ما يجعل المنطقة ساحة جيوسياسية غير آمنة ومُعقدَة ومتشابكة.

 

القضايا المالية والاقتصادية في الشرق الأوسط

حتى الدول الغنية في الشرق الأوسط ستواجه حتماً مشاكل اقتصادية متزايدة ومشاكل في السيولة لأسباب عديدة منها هبوط أسعار النفط وانخفاض نمو الطلب عليه وارتفاع كُلف التأمين والضرائب والتضخم الذي سيصبح ظاهرة تُضعف كل الخطط الاقتصادية ما لم يتم من اليوم التركيزعلى الإصلاحات الاقتصادية الجذرية.

 

استثمارات إقليمية بينية قليلة وانعدام الثقة

إنَ المُتتبع لأحداث الربيع العربي يرى أن من أسبابه الرئيسة: البطالة وارتفاع الأسعار ناهيك بالفساد الحكومي. لذلك فمن المتوقع أن ترتفع أسعار السلع والخدمات بنسبة 40-50 بالمائة في العام 2025 مع ارتفاع عدد السكان في الشرق الأوسط إلى 470 مليون نسمة مع انخفاض الانتاج الزراعي. كل ذلك سيزيد الضغوط على الأسعار التي ستفاقم الوضع الاقتصادي في جميع دوله ما قد يؤدي إلى ربيع آخر ما لم يتم تدارك ذلك اجتماعياً واقتصادياً وتعليمياً وسياسياً. يُضاف إلى ذلك الضغط الديموغرافي الزائد على مصادر المياه ما يجعل الزراعة أكثر اشكالية ويعيق التنمية.

 

كيف سيكون المشهد؟

ستعمل الحكومات جميعها لخفض الإنفاق، ما يعني خفض الدعم الحكومي للسلع والخدمات وهذا يعني أن تعمل الحكومات على إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية وتسريح عدد كبيرة من العاملين لديها. وهذا يمثل تحدٍيا كبيرا لأن عدد العاطلين عن العمل سيتضاعف. وهذا بالنسبة لأية حكومة خط أحمر ولكن لا بُد من القيام بأمر ما لأن الميزانية العامة للدولة مرتبطة بالرواتب وضبط الإنفاق وكلاهما يعملان كقوى عكسية ضد التنمية والتحديث.

 

فرض ضرائب جديدة وزيادة الضرائب الحالية

ستسعى الحكومات في الشرق الأوسط إلى تعزيز الإيرادات عبر صناديق خاصة بالضرائب ما يشكل حالة من التوتر العام اقتصادياً لأبناء تلك الدول أو حتى للمستثمرين من الخارج. ولن يكون الأثر اقتصادياً فقط بل واجتماعياً لأن دول المنطقة جميعها بلا استثناء ستواجه تحديات اقتصادية داخلية خطيرة ناهيك بالتهديدات الأمنية.

 

صعود الطائفية

تعتبر المملكة العربية السعودية وعدد من الدول العربية إيران تهديداً سياسياً وعقدياً ما سُيدخل المنطقة ككل في سلسلة تحديات اجتماعية واقتصادية وعسكرية متزايدة ، من المتوقع أن تزداد في الفترة القادمة في صراع على الهوية الدينية وقد لا يقتصر الأمر على حروب الوكالة مثل اليمن وسوريا والعراق بل قد يمتد إلى داخل الدول العربية وإيران بمواجهة مباشرة في ظل خيانة داخلية من كل من الطرفين.

 

التطرف والإرهاب

إن حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الشرق الأوسط تجعل منه قنبلة قابلة للانفجار في كل زمان ولأسباب بسيطة. ونظراً لغياب الفرص الاقتصادية أمام الشباب العربي فإن التطرف والإرهاب سيجدان فرصاً مواتية وأرضاً خصبة للتغلغل في صفوفهم حتى وإن هُزم الإرهاب في العراق وسوريا وليبيا لأن مجموعات أيدولويجية جديدة ستظهر تكون قِدوتها «داعش» و«القاعدة».

 

النزوح واللجوء

تشكل الدول العربية موطناً لنحو 6 بالمائة من سكان العالم، وفي ذات الوقت فهي موطن 48 بالمائة من النازحين في العالم، و 60 بالمائة من لاجئي العالم. وقد ارتفعت هذه النسبة في العام 2001 من 35 بالمائة لتمثل أكثر من نصف عدداللاجئين في العام من هذه المنطقة.

توقعات الفترة القادمة لمنطقة الشرق الأوسط إلى حد ما سلبية نظراً لوجود عدد من المعضلات المُعقدة والمتشابكة. فالتوترات الداخلية في كل تلك الدول، وما بينها وتدخلات الخارج في شؤونها سيدفع بالمنطقة الى الحافة ما لم يتم تدارك تلك المرحلة عبر سياسة الاحتواء والتخطيط السليم للمجتمعات مع محاربة للفساد والبطالة والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات وتحسين جودة التعليم بما يتماهى مع متطلبات سوق العمل وتغيير النهج الحكومي والخطاب الإعلامي مع إعطاء الحرية المسؤولة. ستواجه الدول العربية في العقد القادم تحديات كبيرة فيما يتعلق بالبطالة بين الشباب، لذلك لا بد من العمل على اشراكهم في عملية صنع القرار وتحمل المسؤولية قبل فوات الأوان.

سيستمر تأثر سياسات الشرق الأوسط إلى حد ما بالقضية الفلسطينية. فالفشل في إنشاء دولة فلسطينية قبل نهاية العقد القادم سيؤثر سلباً على العلاقات العربية الغربية، بل سيصبح عاملاً مزعزعاً للاستقرار على المديين القصير والمتوسط لأن حكومات المنطقة ستركز على التحديات الداخلية بدل الخارجية خشية الفشل في الإصلاح الذي سيشعل ثورات أعنف من تلك التي عصفت بالمنطقة في عام 2011 لانسداد الأفق أمام الشباب العربي. كما أن مستقبل عدد من الدول العربية في مهب الريح حسب عدد من المعطيات والتطورات الاقتصادية والجيوسياسية.