محاضرة تطورات المشهد السياسي في ضوء الانتخابات الاسرائيلية

10/05/2015

 

قال البرلماني السابق والكاتب السياسي حمادة فراعنة إن هناك مفاجأتين تحققتا في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية التي جرت يوم 17 آذار الماضي، سيكون لهما أثر ملموس على تطور الأحداث السياسية داخل مناطق الاحتلال الأولى عام 1948، وعلى المسار السياسي المرافق والمجاور لفلسطين، وما ينعكس على مجمل المشهد السياسي في منطقتنا العربية.


وأضاف في المحاضرة التي نظمها مركز «الرأي» للدراسات وأدارها النائب السابق د.ممدوح العبادي، أن المفاجأة الأولى كانت متوقّعة، ولكنها سُجلت على أنها حالة تاريخية غير مسبوقة، ووَجهت «لطمة» لقادة المشروع الاستعماري الإسرائيلي، ممثلة بما حققه المكون الفلسطيني الثالث (أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة) بتشكيل «القائمة العربية اليهودية المشتركة»، يوم 22 كانون الثاني 2015، من الكتل البرلمانية الأربع: الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والحركة الإسلامية، والتجمع الوطني الديمقراطي، وحزب الحركة العربية للتغيير.
ولفت فراعنة إلى أن تشكيل هذه القائمة جاء رداً على قانون «الدولة القومية اليهودية»، الذي بادرت إليه كتلة «تسيبي ليفني»، وقانون رفع نسبة الحسم، الذي بادر إليه «افيغدور ليبرمان»، وهما القانونان اللذان يهدفان إلى شطب الدور العربي في مناطق 48، وإلغاء الوجود البرلماني والسياسي للعرب.


تحرير: جعفر العقيلي و بثينة جدعون

زيادة تمثيل العرب
ورأى فراعنة الباحث المختص بالشؤون الفلسطينية والإسرائيلية، أن هذه الخطوة شكلت الأرضية لتحقيق الإنجاز الثاني يوم الانتخابات (17 آذار 2015)، حيث زاد تمثيل العرب من 11 مقعداً إلى 13 مقعداً، وحصلوا على 440 ألف صوت مقابل 330 ألفاً في العام 2013، ورفعوا نسبة التصويت بين صفوفهم من 56% إلى 65%.
وأوضح أن المفاجأة الأخرى تمثلت في حصول «الليكود» على 30 مقعداً خلافاً للتوقعات بهبوط تمثيل هذا الحزب مقعداً أو مقعدين، أو بتعادله مع حزب العمل ومعسكره الصهيوني، إذ حصل حزب العمل وحليفه على 24 مقعداً فقط، وزاد تمثيل «الليكود» ستة مقاعد.
وأضاف فراعنة أن هذا يعود لأسباب لخّصها كما يلي: التصادم بين الإدارتين الإسرائيلية والأميركية، وزيارة نتنياهو لواشنطن بدعوة من رئيس مجلس النواب الأميركي من دون أن يجد القبول أو الترحيب من إدارة الرئيس أوباما، وعدم استجابته للنصائح بتأجيل الزيارة إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية، وكذلك خطابه أمام الكونغرس يوم 3 آذار 2015، بما يتعارض مع موقف أوباما في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني، مما أسفر عن توجهات أميركية أوروبية لإزاحته، وبالتالي خلق حوافز إسرائيلية باتجاه التمسك بسياسة نتنياهو وتوجهاته والإصرار عليها من قبل قطاع مؤثر من الإسرائيليين.

تقدم «الليكود» وتراجع «العمل»
ومن أسباب تقدم «الليكود» وتراجع «العمل»، بحسب فراعنة، حالة عدم الاستقرار الأمني والسياسي السائدة في البلدان العربية المحيطة بفلسطين (لبنان، سوريا، سيناء وقطاع غزة)، واحتمالات المواجهة معها، مما جعل سياسات نتنياهو الأمنية مصدر اهتمام الأغلبية الإسرائيلية القلقة والمتوترة.
ومن هذه الأسباب أيضاً: غياب برنامج إسرائيلي بديل ومقنع، وافتقاد المعارضة لشخصية «كارزمية»، إذ إن البرنامج الذي قدمه حزب العمل لم يكن جاذباً للإسرائيليين ولا يشكل بديلاً نوعياً أو متقدماً عن برنامج «الليكود»، إضافة إلى أن «هيرتسوك» سبق له أن كان وزيراً في حكومة نتنياهو مع شريكته «تسيبي ليفني».
وبيّن فراعنة أن النتيجة السياسية المباشرة الأولى لهاتين المفاجأتين، هي في كونها شطبت -أو كادت- مقولة إن إسرائيل دولة الشعب اليهودي، فقد أعطت النتيجة أن ثمة شعباً آخر وقومية وهوية وطنية أخرى تمثل 20% من المجتمع الإسرائيلي، ليسوا يهوداً، ولا يؤمنون بالصهيونية، بل هم معادون لها، ولا يُعرّفون أنفسهم على أنهم من الإسرائيليين، بل تزداد هويتهم الوطنية الفلسطينية وضوحاً، وباتت قوميتهم العربية بائنة فاقعة، وتمسكهم بإسلامهم ومسيحيتهم تزداد صلابة واتزاناً وقناعة.

المطلوب من الوسط العربي
وتساءل فراعنة عمّا هو مطلوب من الوسط العربي تأديته وعن التحدي الذي يواجهه في ضوء هذا الإنجاز الذي يُمثل «نقلة نوعية ومحطة تاريخية» خلال مسار النضال السياسي للعرب الفلسطينيين في منطقة 48، ووحدتهم وتماسكهم واستعادة حقوقهم بشكل تدريجي. كما تساءل عن برنامجهم في هذا السياق، في مواجهة السياسة العنصرية التي استهدفتهم بهدف إبعاد تمثيلهم بما يوازي حجمهم في البرلمان.
وقال إن أول ما يجب فعله هو الحفاظ على تماسك الكتل البرلمانية الأربع ووحدتها واستمرارية التحالف بين مكوناتها، والبحث عن القواسم المشتركة، وتحاشي ما يفرق صفوفها، ومن ثمّ العمل على إلغاء القوانين العنصرية التي صاغها البرلمان وتم تشريعها في البرلمان السابق (التاسع عشر) وما قبله، والتي تستهدف العرب الفلسطينيين، إذ إن بقاء هذه القوانين (وعددها 23 قانوناً) هو بمثابة أسلحة عنصرية مشرعة ضد العرب الفلسطينيين وتستهدف حياتهم وتمس حقوقهم وتعكس مظاهر العنصرية والتمييز الرسمي الواقع عليهم.
ولفت فراعنة إلى أن هذه الكتل البرلمانية مدعوّة للعمل على تقديم مشاريع قوانين بديلة تؤكد المساواة وتكافؤ الفرص على أساس المواطنة والشراكة بصرف النظر عن الدين أو القومية.
وأضاف فراعنة أن المطلوب من هذه الكتل أيضاً، العمل على كسب انحيازات إسرائيلية لعدالة مطالبها، وبناء علاقات متكافئة ندية مع بقية الكتل البرلمانية، والبحث عن المطالب المشتركة والمنافع المتبادلة لتوطيد الثقة مع بعض الكتل الإسرائيلية، من دون تقديم أي تنازلات تمس حقوق الشعب الفلسطيني الثلاثة: المساواة، والاستقلال، وحق العودة.
وأوضح أن النتيجة الثانية للمفاجأتين اللتين ساقهما فراعنة في مستهل حديثه، تتمثل في وضوح سياسات المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، وتعريتها، ليس فقط أمام قطاع من المجتمع الدولي فقط، بل أمام سياسة الإدارة الأميركية أيضاً، فقد وجّه الرئيس أوباما نقده لنتنياهو على تراجعه عن حل الدولتين، واستاء من وصف نتنياهو للعرب أمام صناديق الاقتراع بـ «الدبابير»، وهو تعبير عن العنصرية الكامنة، وعن سياسة التمييز الممارسة ضد العرب الفلسطينيين.

الانتقاد الأميركي للسياسة الإسرائيلية
وقال فراعنة إن الانتقاد الأميركي للسياسة الإسرائيلية التي يقودها نتنياهو، تكمن أهميته في أن عاملَين صنعا المشروع الاستعماري الإسرائيلي: مبادرة الحركة الصهيونية، ودعم وإسناد المجتمع الدولي (خصوصاً الأوروبي) للمشروع الصهيوني على أرض فلسطين، لذلك تبرز أهمية تراجع المجتمع الدولي عن تأييد إسرائيل، بل وشجبه وعدم رضاه عن سياساتها وإن كان ذلك ما زال نظرياً. ورأى فراعنة في ذلك «خطوات تراكمية على طريق عُزلة المشروع الاستعماري الإسرائيلي وهزيمته».
وأشار إلى أن الرئيس الأميركي أوباما وصف الخلافات مع رئيس حكومة المستوطنين ومشروعهم الاستعماري التوسعي، نتنياهو، بالجوهرية، وعنوانها قضيتان هما: الموقف من معالجة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعدم تجاوب نتنياهو مع الجهود الأميركية، ومع مبادراتها المتلاحقة لتسوية هذا الصراع على أساس حل الدولتين الذي أعلن نتنياهو التراجع عن موافقته عليه، إذ إنه وعد ناخبيه بعدم قيام دولة فلسطينية خلال فترة ولايته الثالثة، بما يتعارض مع الموقف الأميركي وجهود الوزير جون كيري، كما سبق لنتنياهو أن أحبط جهود السيناتور جورج ميتشل خلال ولاية أوباما الأولى 2009-2013.
وأضاف فراعنة أن القضية الثانية تتمثل في معارضة نتنياهو للتوجه الأميركي نحو التوصل إلى اتفاق مع طهران والتفاهم معها، لتحديد تخصيب اليورانيوم لفترة عشر سنوات مقابل إزالة الحصار الاقتصادي المفروض على إيران من قبل الأمم المتحدة، لافتاً إلى أن نتنياهو تجاوز حدوده وعمل على تحريض أعضاء الكونغرس، وتدخل بشكل سافر في المفاصل الأميركية، بهدف تعطيل توجهات إدارة الرئيس أوباما نحو هذا الاتفاق بعد أن تم قطع الشوط الأكبر في التوصل إليه.
وأكد فراعنة أن هاتين القضيتين تمسّان المصالح الأمنية والاستراتيجية الأميركية، وتوجهاتها نحو مواصلة دورها الفاعل على المستوى الدولي، رغم أن واشنطن تأخذ في الحسبان، عدم المسّ بمصالح المشروع الاستعماري الإسرائيلي وأمنه، كما أعلن أوباما نفسه حينما قال: «إن الخلافات مع نتنياهو لن تلغي أو تشطب التزامات واشنطن الأمنية والعسكرية والاستخبارية مع تل أبيب»، ما يعني أن الخلافات المعلنة بين واشنطن وتل أبيب، لن تعصف بالعلاقات الاستراتيجية بين الطرفين، إذ إنه لا يُتوقّع حدوث انقلاب في الموقف الأميركي من موقع التأييد التقليدي للمشروع الاستعماري الإسرائيلي ودعمه، نحو إزالة المظلة الحامية له ورفع الدعم عن مشاريعه.
ورأى فراعنة أن هذه الخلافات تراكمية وتزداد صعوبة بين الطرفين، كما الحال بين تل أبيب وبلدان القارة الأوروبية، وهذا يعود لأسباب عدة، أولها: مشروعية المطالب الفلسطينية وعدالتها، وواقعية السياسة التي تتبناها منظمة التحرير، وحكمة الرئيس الفلسطيني وحنكته في إعلان رفضه للعنف والعمل المسلح في نضال شعبه لاستعادة حقوقه المهدورة، مقرناً سياسته بالتطبيق العملي على الأرض وفي الميدان في رفض خيار الكفاح المسلح، ومواصلة طريق العمل الدبلوماسي والسياسي مع التركيز على النضال الشعبي غير العنفي .
وأضاف أن ثاني هذه الأسباب يتمثل في تطرف نتنياهو و»ألاعيبه» التي بدت مكشوفة، ولم تعد تسوّق على أي طرف عربي أو دولي، وكذلك رفضه الواضح الانسحاب إلى حدود 67 والتفاوض بشأن القدس وإزالة المستعمرات، إضافة إلى تمسكه بالغور الفلسطيني لشطب الحدود الأردنية الفلسطينية المشتركة، أو عودة فلسطيني واحد لمناطق 48، ما يجعل التفاوض على دولة فلسطينية بين الجدارين باقتطاع ثلاث مناطق (هي: القدس، والغور، والمستوطنات الواقعة غرب الجدار) بلا جدوى أو فائدة.
أما ثالث هذه الأسباب، فرأى فراعنة أنه يتمثل في فقدان المشروع الاستعماري الإسرائيلي قيمته الأخلاقية ودوافع قيام دولته لأسباب إنسانية على خلفية ما تعرض له اليهود من مآس في أوروبا على أيدي النازيين والفاشيين، فلم يعد «الهولوكوست» قائماً، وتحول إلى مجرد ذكرى، كما لم يعد لدى الفلسطينيين سياسة يمكن وصفها بالإرهاب والتطرف يمكن أن تشكل إدانة فاقعة لهم أمام المجتمع الدولي، بل إن المآسي والمجازر والمحرقة، هي تلك التي يقترفها جيش الاحتلال والمستوطنون المستعمرون بحق الإنسان الفلسطيني وتراثه وقيمه وممتلكاته ومقدساته، ما يدفع المجتمع الدولي لشجب الممارسات التي غالباً ما يقترفها الإسرائيليون بحق الفلسطينيين.
ورأى فراعنة أنه لن يكون هناك انقلاب في السياسات الأميركية نحو «إسرائيل»، لكنها تشكل دافعاً للأوروبيين وتشجعهم على مواصلة سياساتهم ضد المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، ولصالح المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني.

بين مشروعين
وأوضح فراعنة أن ما سبق يدفعنا لتناول المشهد الفلسطيني من زواياه المتعددة، انطلاقاً من المشروع الوطني الديمقراطي من أجل استعادة حقوق الشعب العربي الفلسطيني الثلاثة وفق قرارات الشرعية الدولية والأمم المتحدة (وهي: حق المساواة في مناطق 48، وحق الاستقلال في مناطق 67، وحق اللاجئين في العودة واستعادة ممتلكاتهم في المدن والقرى التي طردوا منها في العام 1948).
وأكد فراعنة أن المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي يمتلك مقومات القوة، التي يتفوق فيها على المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني. ولخص فراعنة هذه المقومات بثلاثة عوامل هي: قوته الذاتية بامتلاكه لقدرات سياسية وعسكرية واقتصادية وتكنولوجية واستخبارية متقدمة، ودعم وإسناد الطوائف اليهودية والمتنفذة في العالم، ودعم الولايات المتحدة له، وتشكيلها مظلة لحمايته والحفاظ على تفوقه.
وأضاف أن الشعب العربي الفلسطيني، رغم التفوق الاسرائيلي، يمتلك أربعة مصادر قوة ذاتية تمكّنه من مقاومة المشروع الإسرائيلي وتفكيكه والنيل منه، واستعادة حقوقه، وهي وجود 5.8 مليون نسمة على أرض فلسطين في مواجهة 6.1 مليون يهودي إسرائيلي، وهو عدد متقارب ويدلل على فشل المشروع الإسرائيلي لطرد كامل الشعب الفلسطيني عن أرض وطنه، وعدم نجاحه في كسب أي شريحة فلسطينية إلى جانبه. كما يدلل على العداء الفلسطيني من الشرائح كافة (سواءً في مناطق 48 أو مناطق 67) للمشروع الاستعماري الإسرائيلي.
وتابع فراعنة أن من مصادر هذه القوة، توفر التعددية الفلسطينية («فتح» و»حماس» و»الشعبية» و»الديمقراطية» و»الجهاد».. إلخ)، وهي مصدر إثراء للنضال الفلسطيني، وامتلاك الفلسطينيين لإحدى أهم أسلحتهم السياسية، وهي قرارات الأمم المتحدة بدءاً من قرار التقسيم (181)، مروراً بقرار عودة اللاجئين (194)، وقرار الانسحاب وعدم الضم (242)، وقرار حل الدولتين (1397)، وخارطة الطريق (1515)، إضافة إلى عشرات القرارات المنصفة لصالح الشعب الفلسطيني بدلالة رفض حكومات تل أبيب لها وعدم الإذعان لتطبيقها.
وبيّن أن المشكلة الفلسطينية لا تكمن فقط بامتلاك المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي للقوة والتفوق، بل يعود الضعف الفلسطيني إلى عدم امتلاك الفلسطينيين الوضوح الكامل في التعامل مع أول العناوين الثلاثة الضرورية: الوحدة الوطنية الفلسطينية، فمن دون إنهاء الانقسام والتمزق، سيبقى الوضع الفلسطيني في حالة الضعف وعدم القدرة لتحقيق الخطوات العملية التراكمية على طريق استعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه، مما يتطلب تحقيق امتلاكهم للمؤسسة التمثيلية الواحدة (منظمة التحرير) ومشاركة جميع الفصائل والفعاليات الفلسطينية في صفوفها ومؤسساتها، والتوصل إلى برنامج سياسي مشترك، واختيار الأدوات الكفاحية المناسبة المتفق عليها والالتزام بها.

تعاطف المجتمع الدولي
أما ثاني هذه العناوين، فهو العمل على زيادة تعاطف المجتمع الدولي ودعمه للمطالب الفلسطينية، سواء على مستوى البرلمانات أو الحكومات الأوروبية والأميركية ودول العالم، وتعزيز ذلك في مؤسسات الأمم المتحدة وقراراتها نحو الحقوق الفلسطينية.
وآخر هذه العناوين بحسب فراعنة، هو اختراق المجتمع الإسرائيلي، وكسب انحيازات من بين صفوفه لصالح عدالة المطالب الفلسطينية الثلاثة وشرعيتها، مشيراً إلى أنه من دون تحقيق هذا الهدف سيبقى التفوق الإسرائيلي قادراً على التحكم في نتائج المشهد السياسي وحركته، مؤكداً أن علينا تذكّر أن بسالة الجزائريين والفيتناميين واللبنانيين وكفاحهم ضد الفرنسيين والأميركيين والإسرائيليين، لم يكن العامل الوحيد في انتصار هذه الشعوب على محتلّيها، بل كانت الانحيازات الفرنسية لمطالب الشعب الجزائري في الاستقلال، والمظاهرات العارمة في المدن الأميركية ضد نعوش الجنود الأميركيين مطالبةً بإنهاء الحرب والانسحاب من فيتنام، والمظاهرات الضخمة في تل أبيب لانسحاب جيش الاحتلال من جنوب لبنان، هي العامل المهم الذي رافق نضالات الشعوب، لإنهاء معاناتها ونيل مطالبها.

مداخلات وأسئلة
• العبادي
قال النائب السابق د . ممدوح العبادي إن فلسطينيي مناطق 48، ثبت أنهم أصحاب مقدرة وخبرة ويتمتعون بصلابة وطنية وقومية، ولذلك فإنهم يستحقون التقدير مثلما يستحقون الدعم والإسناد.
وأضاف أن الباحث حمادة فراعنة عمل معهم في وقت مبكر، وله تأثيره عليهم، ويؤدي دوره الإيجابي حيال ذلك، مما يشكل رافعة أردنية لهم في نضالهم المتواصل لاستعادة حقوقهم ونيلها في سياق نضال المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني المتكامل.

• الشوملي
قال أمين عام حزب الرفاه الأردني د.محمد الشوملي إن المشكلة تكمن في ضعف العرب أكثر من كونها في قوة إسرائيل، مضيفاً أنه لا يمكن أن يكون هناك أي تغيير في غياب الوحدة العربية.

• الدباس
تساءل الناشط السياسي معاوية الدّباس عن سبب عدم تجميع القوى لتحرير فلسطين، مضيفاً أننا لا نملك القدرة على القيام بهذا العمل، لأن إسرائيل أثبتت وجودها ولا تستطيع أي دولة أن تحاربها.

• السعود
قال رئيس لجنة فلسطين النيابية النائب يحيى السعود، إن المرابطين من أهل 1948 الذين يُعدّون شوكة في حلق المشروع الاستعماري، هم الذين منعوا الإسرائيليين من الاستيلاء على القدس.
وأوضح السعود أن الهدف من مؤتمر «الطريق إلى القدس» الذي نظمته اللجنة برعاية ملكية سامية أواخر نيسان الفائت، هو تعزيز صمود أهل القدس، في مواجهة الممارسات الإسرائيلية لتهويد القدس و»أسرلتها»، مضيفاً أن زيارة القدس لا تعني التطبيع، وأن القدس «أمانة في أعناقنا».

• الضمور
قال المحامي والنائب السابق د.جمال الضمور إن المجتمع الدولي ساهم في إضعاف مشروع الدولة الفلسطينية، وذلك كون جميع القرارات التي صدرت بحق الدول العربية منذ العام 1945 لغاية القرار الأخير المتعلق بالحوثيين، والتي بلغ عددها 300 قرار، صدرت بموجب الفصل السابع، أما القرارت التي صدرت بحق إسرائيل فعددها 8 قرارات وصدرت بموجب الفصل السادس وليس الفصل السابع الذي يُلزم والذي يترافق معه عقوبات اقتصادية أو عسكرية.
وأضاف أن عودة 100 ألف من الشتات نتيجة معاهدة السلام يُعدّ من إنجازات الرئيس الراحل ياسر عرفات.

• القدومي
قال عضو المجلس الوطني الفلسطيني نجيب القدومي إن الانفتاح على عرب 1948 ساعد في تشكيلهم القائمة العربية المشتركة وتحقيقهم هذا النجاح، مؤكداً أن العلاقة مع هؤلاء وزيارة القدس ليست تطبيعاً.
ورأى القدومي أن نجاح اختراق المجتمع الإسرائيلي عن طريق الأحزاب وخصوصاً في ظل وجود السلام، لا يقل عن نجاح الدبلوماسية الفلسطينية التي تحققت في الأيام الماضية، مشيراً إلى قيام كثير من اليهود بقيادة مظاهرات في أميركا وأوروبا دعماً لفلسطين، ولمقاطعة المنتجات الإسرائيلية في أوروبا.

• الطميزي
قال نائب أمين عام الحزب الشيوعي الأردني فرج الطميزي، إن العلاقة مع أهلنا في 1948 تُعدّ علاقة نضالية، مستدركاً أن هناك فجوة كبيرة بسبب عدم تقديم الدعم الكافي لهم. وأشار إلى أن الانتخابات الأخيرة لم يقدم فيها أي طرف عربي المساعدة لعرب 1948، باستثناء القيادة الفلسطينية.

• حوارات
قال عضو جمعية الشؤون الدولية د.منذر الحوارات إن إسرائيل تمر بحالة من الاسترخاء غيّب عنها عنصر الحذف التاريخي الذي مورس عليها سابقاً، بحيث تكون دولة مرجعيتها التاريخ والخرافات بالدرجة الأولى، مضيفاً أن الوضع العربي الراهن على سوئه خلق هذه الحالة من الاسترخاء، بحيث أصبحت إسرائيل تفكر بالطريقة نفسها التي يفكر فيها فضاؤها العربي، وهي «شخصية الزعيم الكاريزمية»، وهذا ما يفسر غياب مرشح آخر يستطيع الفوز خلال أربع دورات انتخابية، وبالتالي ظهرت صيغة الزعيم الملهم في إسرائيل، و»هذه صيغة عربية بامتياز».
ورأى حوارات أن إسرائيل تعود للوراء وتنقض علمانيتها التي أنشئت عليها من خلال عودتها للزعيم القائد وإلى روح الدين والدولة الدينية بمفهوم تراجعها باتجاه اليمين، مضيفاً أن هذه المؤشرات هي «نهاية هذا العملاق الذي صُنع من الفراغ».
ورأى حوارات أن الضمير الغربي بات يشكل نقطة تحول بمفهومه للقضايا الإنسانية بشكل عام، فأصبح يدرك قضايا منطقتنا ضمن الفضاء المتوسطي، بحيث أصبح يناقش قضايا حقوق الإنسان بشكل مختلف عن بداية القرن، وهذا يشكل عنصراً جديداً ضاغطاً على إسرائيل.

• نجم
قال الناشط السياسي أحمد نجم إن الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة أثبتت أن المجتمع اليهودي أصبح مجتمعاً صهيونياً، بدليل أنه منحاز لفكر الحركة الصهيونية، وهو معادٍ للسلام مما يثبت أن الصراع بيننا وبين الصهيونية صراع وجود لا صراع حدود، وأن ما يحصل في الإقليم العربي من فكر تكفيري ليس سوى خدمة للفكر الصهيوني وإسرائيل.

• الشناق
قال أمين عام الحزب الوطني الدستوري أحمد الشناق إن حزبه على تواصل شبه يومي مع الأحزاب العربية في أرض 1948، مضيفاً أنه ليس من العدل أن نكافئ من تمسّك بالحجر والشجر والأرض بالمقاطعة من أبناء الأمة العربية.
وأضاف أن ثنائية القومية في إسرائيل ستخفف حدة الطرح على اليهودية على مستوى العالم، لافتاً إلى أن القوة الذاتية للحركة الصهيونية لم تكن ستنجح لولا غياب العقل والوعي العربي.
وأكد الشناق أن إسرائيل تنتظر السيناريو المحتمل للإقليم: الشكل العربي الجديد أو الإقليم الجديد، ونظام الأمن الإقليمي الجديد.

• الخفش
رأى الكاتب والباحث في الشؤون الاقتصادية د.أنور الخفش أنه لا يمكن أن يُعوّل على المشهد السياسي الفلسطيني والعربي من منظور نتائج الانتخابات الإسرائيلية، مضيفاً ان تغيرات استراتيجية كبيرة حدثت في السياسة الخارجية الأميركية، إذ إن أمن إسرائيل أو الحماية الأميركية لإسرائيل بدأت تتغير في مفهوم المفكر الاستراتيجي الأميركي.
وأشار إلى دراسة تم إعدادها بناء على طلب وحدة الدراسات الاستراتيجية في وزارة الخارجية الأميركية وحملت عنوان «هل العالم أكثر أمناً من دون إسرائيل؟»، ونشرت في العام 2005. كما أشار إلى دراسة أخرى نُشرت عند بداية ظهور مؤشرات الاتفاق النووي الأميركي الإيراني وحملت عنوان «شرق أوسط جديد ما بعد إسرائيل».
ورأى الخفش أن حل السلطة الفلسطينية يفقد نتنياهو صوابه وعقلانيته بشكل كبير، مضيفاً أن زيارة نتنياهو الأخيرة إلى الكونغرس الأميركي لم تكن لصالح إسرائيل، فالرئيس الأميركي لم يستقبله ولا وزارة الخارجية ولا البنتاغون.

• العبادي
قال النائب السابق د.أحمد عويدي العبادي إن الغرب وإسرائيل يلعبون لعبة «الأقوى»، لذا علينا أن نلعب لعبة «الأذكى». وأضاف أن هناك كثيرين يقولون إنهم ضد العنصرية الإسرائيلية، في حين أنهم يؤيدون إسرائيل التي تمثل المشروع الاستعماري العنصري والتي تقتل الأطفال والنساء في فلسطين.

• بنات
قال المحلل السياسي والرئيس السابق لحزب «دعاء» أسامة بنات، إن الغلبة تكون للإدارة الصهيونية في النهاية، رغم الصراعات التي تظهر بين الفينة والأخرى بين الإدارات الأميركية المتعاقبة وإسرائيل.
وأضاف أن اللوبي الصهيوني استطاع أن يجير القرار الدولي لصالح إسرائيل، وهو يدفع بجميع الاتجاهات، وله امتداد جغرافي وديمغرافي عبر العالم بأكمله، لذا لا بد من مواجهة هذا اللوبي، وبخلاف ذلك لن يكون هنالك سيطرة على القرار أو إمكانية لإعادة فلسطين وتحريرها من الغاصبين.

ردود فراعنة
قال فراعنة إن المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي فاقد لقيمته ومكانته في الوقت الحاضر لثلاثة أسباب، أولها أنه فقد دوافعه الأخلاقية لقيام إسرائيل، مشيراً إلى التعويض الذي دفعته ألمانيا لليهود (144 مليار دولار) بسبب «المحرقة».
أما السبب الثاني، فيتمثل في العمليات الفلسطينية مثل خطف الطائرات وتفجير المحطات والفنادق التي لم تعد قائمة، والتي كان يصفها المجتمع الدولي بالإرهابية، مؤكداً أن الدوافع الأخلاقية انتهت، ولم يعد هناك تعاطف من العالم مع اليهود، فالمشروع الاستعماري الإسرائيلي هو الذي يمارس الآن الفاشية والعنصرية والاضطهاد والقمع والمحرقة كما فعل بحق الشهيد محمد أبو خضير بالقدس، وستبدأ رحلة الإدانات والمحاكمات للمشروع الاستعماري وضباط سياسيين بعد أن أصبحت فلسطين عضواً في محكمة الجنايات الجنائية.
وقال فراعنة إن الطرف الإسرائيلي هو الذي يمارس التطرف، مشيراً إلى أن هناك انحيازات أوروبية تدريجية لمصلحة المشروع الوطني الديمغرافي الفلسطيني وضد المشروع الاستعماري الإسرائيلي، موضحاً أن التطرف الإسرائيلي يُعدّ سلاحاً سلبياً بيد الفلسطينيين ويصب في مصلحتهم.
أما السبب الثالث لفقدان المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي قيمته ومكانته، فهو حكمة القيادة الفلسطينية، فهناك قدرة عند هذه القيادة على اتخاذ سياسات وإجراءات محرجة للقيادة المتطرفة والعنصرية والصهيونية وللمشروع الإسرائيلي أمام المشروع الدولي.
وأكد أن فلسطينيي 48 الذين عادوا مع ياسر عرفات كان عددهم 320 ألفاً وليس 100 ألف، مشيراً إلى ما تم تداوله في مؤتمر هرتيسليا الأمني الاستراتيجي من أن الحركة الإسرائيلية ارتكبت في تاريخها ثلاث حماقات، وهي سماحها ببقاء 140-150 ألف عربي فلسطيني في الجليل والمثلث والنقب في مدن الساحل، أصبح عددهم الآن 1.4 مليون، وسماحها ببقاء الفلسطينيين في الضفة والقطاع وعددهم 2.8 مليون نسمة، وسماحها بعودة 320 ألف فلسطيني مع ياسر عرفات.
وأضاف فراعنة أن الواقع الديمغرافي هو العامل المادي الموجود على الأرض، لذلك فإن الرهان يعتمد على الفلسطينيين كشعب موجود داخل وطنه بمعزل عن العرب والمسلمين والمسيحيين، فالعامل الفلسطيني هو الأساس، فهو يصنع القرار ويفرض على العرب أن ينحازوا لهذا القرار، وتابع بقوله: «نحن كأردنيين نعدّ شركاء»، مستشهداً بما قاله الراحل الملك الحسين: «إن هؤلاء احتلوا الضفة الغربية التي كانت جزءاً من الأراضي الأردنية.. نحن لا ننسى ذلك.. وحاولوا أيضاً اغتيال خالد مشعل وهو موجود بعمان في حمايتي».
ولفت إلى أن حماية الأردن من المشروع الاستعماري الإسرائيلي يتمثل في توفر الأمن والاستقرار ووحدة الأردنيين وتماسكهم، وهو الرافعة لفلسطين، مضيفاً أن الخيار الأردني هو دعم وإسناد الشعب الفلسطيني على أرضه، كون اتفاق أوسلو بكل سلبياته قدم خدمة كبيرة للأردنيين في نقل الملف الفلسطيني من المنفى إلى داخل فلسطين. وأكد فراعنة أن علينا كأردنيين أن نفكر بالسياسات والمصالح التي تحمي أمننا الوطني وتُوحّدنا، فهو الطريق والأداة إلى دعم فلسطين وشعبها على أرضه. وختم فراعنة بقوله إنه سيكون هناك انحياز عربي للفلسطينيين وقضيتهم طالما أن الفلسطينيين أنفسهم يقطعون الطريق على أي محاولات للتهرب من المسؤوليات، عبر التمسك بصمودهم على الأرض، وبوحدتهم عبر مؤسستهم، وعبر برنامجهم السياسي الوحد المشترك.