التحوّل الديمقراطي في الوطن العربي

23/01/2018

قال د. جوني عاصي، عميد كلية الحقوق-مدير مركز كرسي اليونسكو للديمقراطية وحقوق الإنسان في جامعة النجاح الوطنية/نابلس، في قراءته للمشهد السياسي في الوطن العربي من زاوية «التحول الديمقراطي» إنه لا يعني أننا بصدد حتمية تاريخية تتمثل بالانتقال من النظام السلطوي إلى النظام الديمقراطي في الوطن العربي، ذلك أن الديمقراطية هي وليدة ظروف ترتبط بحظوظ نجاحها، إذ إن ضرورة هذه القراءة تنبع ليس فقط من الجانب النظري إنما أيضا من الجانب المعياري الذي يتمثل بضرورة تغيير النظام السلطوي العربي وتحويله إلى نظام يحترم الكرامة الإنسانية.

 

وأكد عاصي أن الأحداث الأخيرة ما بعد 2010 أثبتت أنه مهما كانت صلابة النظام السلطوي فإن القوى الشعبية تستطيع إسقاطه.

وأضاف في المحاضرة التي نظمها مركز «الرأي» للدراسات، أن كل نظام سياسي يستند إلى الموافقة الشعبية من أجل استمراريته بما في ذلك النظام الاستبدادي أيضاً، مشيراً إلى أنه لهذا لا داعي لمواجهة الاستبداد بالعنف، فيكفي عدم الانصياع له. وشهدت المحاضرة نقاشات ثرية تتعلق بمواضيع بناء الدولة الوطنية، ونشأة الدولة القومية، وبناء النظام السياسي المتحرر من سطوة الخارج، وانهاء بعض الحركات التي تعيق الحل السلمي الحواري في منطقة الشرق الأوسط، اضافة إلى قرار ترامب الأخير حول القدس، وما رآه عاصي في تحليله من أن هناك ربطاً بين الحراك الشعبي ومفهوم الحداثة مع الأخذ بعين الاعتبار البنية .

 

 

أدارها: هادي الشوبكي

حررتها وأعدتها للنشر: بثينة جدعون

 

 

 

تالياً أبرز ما تناولته المحاضرة:

 

استهل عاصي حديثه بقوله إن هنالك صعوبة في تبرير استخدام مصطلح «الوطن العربي» من الناحية الجيوسياسية والثقافية، الأمر الذي يقودنا إلى تبريره من خلال الناحية النظرية والمعيارية وبالتحديد من ناحية مسألة الديمقراطية.

 

ورأى عاصي أن الوطن العربي من الناحية الجيوسياسية لم يعد وحدة مترابطة كما في سنوات السبعينات، وبالتحديد في مشروع الحوار العربي الأوروبي. ففي الفترة الأخيرة، طُرحت مشاريع دولية عدة تتجاهل هذه الوحدة مثل مشروع الشرق الأوسط الكبير من أفغانستان إلى المغرب، ومشروع برشلونة 1995 حول الشراكة المتوسطية والاتحاد من أجل المتوسط 2008.

وأضاف عاصي قائلاً: أما من الناحية الثقافية، يبرز الاختلاف والتباين أكثر من التجانس، ففي المغرب، ما يجمعه الإسلام تفرقه العروبة (العرب والقبائل الامازيغية)، وأما في المشرق فما تجمعه العروبة يفرقه الإسلام (الأغلبية المسلمة والأقليات غير المسلمة).

 

وأشار إلى أنه نظرياً ومعيارياً، يصبح «الوطن العربي» وحدة تحليل من خلال كونه حالة انعدام للديمقراطية وحالة نظام سلطوي، مضيفاً أن مقاربة الوطن العربي من منطلق النظام السياسي تسمح بإبراز ما هو مشترك وما هو موحّد على الرغم من الاختلافات الثقافية والدينية التي تشغل فضائه، كما انها تثير مسألة السيادة في الدول العربية وفي علاقاتها الخارجية، لافتاً أنه بكلمات أخرى فإننا نعدّ أن السياسي هو الأساسي والمهم في دراسة الوطن العربي وعليه فان تحليلنا فيما يلي ينطلق من المشهد السياسي وتطوراته.

 

وأكد عاصي أن نقرأ المشهد السياسي من زاوية «التحول الديمقراطي» لا يعني أننا بصدد حتمية تاريخية تتمثل بالانتقال من النظام السلطوي إلى النظام الديمقراطي في الوطن العربي، ذلك أن الديمقراطية هي وليدة ظروف جائزة وترتبط بحظوظ نجاحها (ما يسميه ميكافيللي ب Fortuna). إذ إن ضرورة هذه القراءة تنبع ليس فقط من الجانب النظري أعلاه انما أيضا من الجانب المعياري الذي يتمثل بضرورة تغيير النظام السلطوي العربي وتحويله إلى نظام يحترم الكرامة الإنسانية.

 

وأضاف أنه في هذا الصدد، لا بد من الإشارة إلى أن النظام السلطوي العربي غُيّب من الميثاق العربي لحقوق الإنسان 1994 حيث عُرفّت الكرامة الإنسانية من خلال الخلفية الدينية ومن خلال ممارسات الآخر (الاحتلال، والصهيونية والعنصرية) دون أن يتطرق إلى دور هذا النظام في عدم احترام الكرامة الإنسانية.

 

وذكر عاصي أنه لا شك أن الأحداث التي اندلعت في كانون أول 2010، أي منذ سبعة أعوام، في تونس تطرح وبإلحاح تغييب دور النظام في عدم احترام الكرامة الإنسانية وتُذكّر أن الدولة كما بنيت على الأرض الأوروبية في القرن السابع عشر تتضمن عنصرين: سيادة وحقوق، وأن لا وجود لدولة إلا بوجود هذين العنصريين معاً.

 

وتساءل عما إذا كانت نظرية التحول الديمقراطي تسمح لنا بفهم الأحداث التي اندلعت في تونس والوطن العربي؟

وأوضح عاصي أنه في العقود الأخيرة، سيطر التوجه النخبوي داخل نظرية التحول الديمقراطي، وهو يركز ويهتم بالنخب وبأفعالها وباستراتيجياتها، وحتى بممارسات تاريخية تلتزم بها، فالاهتمام بالنخب يعني فعلياً الاهتمام بالنظام السياسي وبديناميته لكن أيضا بالمعارضة السياسية وبفعاليتها.

 

وفيما يخص الوطن العربي قال عاصي إن الاهتمام بالمشهد السياسي من منطلق التحول الديمقراطي يعود إلى فترة ما بعد الثورة الإسلامية في إيران 1979، حيث اجتمع في العام1983 مجموعة من المثقفين والأكاديميين العرب في نيقوسيا (قبرص) لمناقشة الديمقراطية في الوطن العربي، مضيفاً أن أحداث الجزائر في العامين 1987/1988 هي التي وضعت ثنائية الإسلام والديمقراطية على الأجندة العربية.

 

وتابع عاصي قائلاً: إن في هذه الفترة تمحور الاهتمام في دراسة الحركات الإسلامية، مثل جبهة الإنقاذ في الجزائر، حول ما إذا شكلت في علاقتها مع النظام علاقة استراتيجية، بمعنى أن يأخذ النظام بالحسبان في سياسته مصالحها وأهدافها، إذ إنه لا يكفي أن يفقد النظام شرعيته لكي يسقط، فمن الضروري وجود طرف أو لاعب آخر منافس له وفق «الديمقراطية دون ديمقراطيون»(غسان سلامة)، حيث يتم التحول الديمقراطي من خلال عملية تفاوض تتضمن قبول الآخر وقبول الحل السلمي للصراع.

 

وقال إن السؤال الذي يُطرح مع الأحداث العربية منذ كانون أول2010 هو إذا كانت الحركات الإسلامية في علاقة استراتيجية مع النظام أو تدخل ضمن استراتيجيته في الاستمرارية في البقاء؟

 

ورأى عاصي أنه لفهم هذه الأحداث العربية الأخيرة أن من الضروري العودة إلى مواقف غير نخبوية داخل نظرية التحول الديمقراطي قبل سنوات الثمانينات حيث عُدت الديمقراطية أنها بالأساس تناقض بين مشروعين (مشروع نخب ومشروع قوى شعبية) وليس مسألة إرادية من قبل النخب، إضافة إلى أن هذه المواقف لا تهمل الجانب الاجتماعي في تعريف السياسي، متحدثاً هنا عن مواقف تهتم بالجذور البنيوية للديمقراطية (Barrington Moore).

 

وذكر أن الأحداث تكشف لنا عن بنية معينة لا بد من توضيحيها وفهمها لفهم هذه الأحداث يتناول التوجه البنيوي الاستمرارية والقطيعة داخل البنية، لكنه لا يتناول عملية التحول من بنية إلى بنية أخرى، وبرأيه أنه من الضروري الاستفادة من الاجتهادات الفكرية لـ Jacques Ranciere الذي يرى في الديمقراطية نتاج فعل ثوري ينبثق من لقاء بين عوالم: عالم يخضع للبوليس بالمعنى الواسع يشير إلى السيطرة وأدوات التحكم الاجتماعي، وعالم يخضع لمنطق المساواة وفي نظره السياسة لا تنحصر فقط في علاقات القوة إنما تشير إلى حالة نادرة قد تنبثق من لقاء منطق البوليس (فعل قمعي غير قابل للاستيعاب ضمن هذا النظام) ومنطق المساواة، حيث وفجأة يؤخذ بالحسبان من هم خارج المشاركة السياسية وخارج الثروة الوطنية.

 

وتوقف عاصي عند ثلاثة نقاط هي:

 

1- نظرية التحول الديمقراطي: حدود التوجه النخبوي

2- القوى الشعبية والحداثة

3- الثورة الديمقراطية والإسلام غير الطائفي

 

وبخصوص «نظرية التحول الديمقراطي: حدود التوجه النخبوي» قال عاصي إن أنصار هذا التوجه يرون أن المفكر الإيطالي ميكافيللي هو أب التحول الديمقراطي لأنه ركز على دور القيادة في تغيير وصقل الواقع السياسي من خلال استخدامه لمفهوم الفضيلة السياسية والتي تشير إلى قوة القرار في بناء نظام جمهوري أو ديمقراطي، والاهتمام بالنخب هو ما يميز أيضا نظرية التحول في سنوات الثمانينات حيث تم التركيز على القيادة ودورها. فالتفاوض بين النظام والمعارضة يكرس قبول الآخر وقبول الحل السلمي للصراع ويملك بالنتيجة دور تثقيفي للمبادئ الديمقراطية داخل المجتمع.

 

وبرأي عاصي أن هذا التوجه اُستخدم كإطار تفسيري في فترة تاريخية معينة تميزت بالفعل بثنائية النظام والحركات الإسلامية، وجسدت الجزائر الحالة البراداغماتية. فبعد موت الرئيس بومدين تسلم الشاذلي بن جديد السلطة في فترة عرفت الجزائر أزمة اقتصادية حادة، ومن يتحدث عن أزمة اقتصادية فهو يتحدث عن أزمة سياسية في الوقت نفسه لأن العقد الاجتماعي في الدول العربية في حينه هو أن يلتزم النظام بتوفير مستوى معين من الرفاه مقابل عدم المشاركة السياسية (الحزب الواحد)، مضيفاً أنه للخروج من الأزمة فاوض الشاذلي قوى داخل المجتمع ومنها جبهة الإنقاذ، وجرت انتخابات محلية وتم الاتفاق على إجراء انتخابات تشريعية لكن تدخل الجيش وأوقف هذه العملية.

 

وذكر أنه بعد هذه الأحداث وخلال سنوات التسعينات عرفت الدول العربية إصلاحات وتغييرات مثل المغرب وسوريا، ففي العام 1998 عين الملك المغربي الحسن الثاني عبد الرحمن اليوسف وهو معارض للنظام كرئيس وزراء لمواجهة الاحتجاجات الشعبية، كما أن المفكر السوري صادق جلال العظم عدّ الربيع العربي 2010-2011 ما هو إلا استمرارية لربيع دمشق 2000.

 

بيّن عاصي أنه في نظرة إلى الوراء يمكن أن نعد أن خطوات النظام عكست ديمقرطة دفاعية، بمعنى أنها هدفت للحفاظ على استمراريته في البقاء. مضيفاً أنه بكل الأحوال في فترة 1987-2010 ما تم إبرازه هو صلابة النظام السلطوي العربي من خلال سياسة القمع أو من خلال الديمقرطة الدفاعية للنظام، وأصبحت صلابة نظرية التحول تستند على صلابة النظام السلطوي العربي.

 

وقال عاصي إن الاحداث الأخيرة ما بعد 2010 اثبتت أنه مهما كانت صلابة النظام السلطوي فإن القوى الشعبية تستطيع اسقاطه، مذكرّاً بمفكر آخر عاش في الفترة التاريخية نفسها التي عاشها ميكافيللي وهو Etienne de la Boétie، والذي عدّ أن كل نظام سياسي يستند على الموافقة الشعبية من أجل استمراريته بما في ذلك النظام الاستبدادي أيضاً، مشيراً إلى أنه لهذا لا داعي لمواجهة الاستبداد بالعنف، فيكفي عدم الانصياع له، ويطالب الفقير والمضطهد والأحمق بالكف عن توفير الأدوات اللازمة للحاكم من أجل ممارسة القمع ضدهم، ويرى أنه من غير الضروري سفك الدماء اذ يكفي التعبير عن الحرية.

 

وأشار إلى أنه في الحالة التونسية لعبت القوى الشعبية دور مقرر حيث أظهرت هذه القوى عزلة النظام وليس قدرته على التفاوض والمناورة، وكشفت دينامية عناصره الداخلية البيروقراطية (الجيش) والبترومونيالية (خصخصة السلطة) والزبائينية بين الرئيس والأجهزة الأمنية، ففي نضالها عن بعد جعلت القوى الشعبية التناقضات الداخلية للنظام أكثر حدة وكثافة واستطاعت جذب أطراف مترددة داخل النظام (مثل الجيش).

 

واقترح عاصي لفهم صلابة النظام السياسي العربي ولفهم دينامية القوى الاجتماعية إطاراً تحليلياً يأخذ بعين الاعتبار الجذور البنيوية التي تعيدنا إلى نشأة الدولة العربية.

 

أما بخصوص القوى الشعبية والحداثة فقال عاصي إنه بالنسبة لصلابة النظام، من المفضل العودة إلى بنية معينة تتجاوز الداخل والخارج وإلى نشأة الدولة العربية، مذكّراً بأدبيات تاريخية واجتماعية مهمة أشارت إلى اختلاف العملية التاريخية بين كل من أوروبا والوطن العربي توضح لنا بعض الأمور فيما يخص الأحداث العربية منذ 2010، من حيث دور الجيش في عملية التغيير، وحدود تأثير الحالة التونسية على الدول العربية الأخرى.

 

وتابع قائلاً: إن الدولة العربية هي دولة متطورة على الصعيد البيروقراطي لكنها متخلفة في علاقتها مع المجتمع، وبوجهة نظر المفكر الباكستاني حمزة آلافي أن الدولة ما بعد الاستعمار هي دولة متطورة من ناحية البيروقراطية ومتخلفة من ناحية المدنية أي من ناحية وجود نظام برلماني ومبادئ المساءلة والشفافية للدولة، ويعود هذا المفكر إلى نشأة الدولة العربية لتوضيح فشلها في تحويل المجتمع الذي يخضع لها إلى مجتمع مدني ولماذا بقيت في مرحلة خصخصة السلطة (البترومونالية)، فالدولة العربية نشأت من خلال عملية تاريخية تختلف عن العملية التاريخية التي انشأت الدولة الأوروبية كما وصفها Charles Tilly، حيث أن شكل توسع الدولة بواسطة الحرب آلية تطوير لمجتمع مدني في الداخل.

 

أما حول ثاني هذه النقاط فقال عاصي إن الدولة العربية لم تنجح بالانتقال من الأثنية إلى الديمقراطية كما يرى Claus Off، فتكوين الأمة يتم من خلال عملية انتقال من الإثنية إلى الديمقراطية، وقد يكون هناك أساس إثني للأمة، لكن هذا يدخل ضمن ميثولوجيا تكوينها (ميثولوجيا هي عبارة عن رواية عن أصول المجموعة تنطلق من الحقيقة التاريخية لكنها ليست الحقيقة التاريخية)، مشيراً إلى أن هذا الجانب ركز عليه متخصص فرنسي في العراق والذي اهتم بالإسلام والصدمة الاستعمارية لتعليل الطائفية والقبائلية في العالم العربي، ففي نظره، أن «نظام صدام حسين هو نتاج منطقي ونهائي لنظام سيطرة طائفي وإثني أُسس في العشرينات على يد القوة الانتدابية البريطانية»، وكان هناك موقف من قبل القوة الاستعمارية البريطانية بان شعوب المنطقة ليست مستعدة ومؤهلة لنظام المواطنين لهذا لا بد من تطبيق النظام القديم، فالدولة العربية لم تخلق أمة بمعنى مجتمع مواطنين، يشير مفهوم الأمة إلى عملية اندماج للسكان على أساس أنهم مجموعة مواطنين.

 

وشدّد عاصي على أنه لا يكفي التطرق إلى هذا الإطار المؤسساتي ونشأته لفهم لماذا أصبح الدين والإثنية المعنى والخطاب في الوطن العربي، فمن الضروري الاهتمام بدينامية القوى الاجتماعية وارتباطها بما هو أعمق، وذلك بحسب ما يسميه Georges Balandier بالوضع الكولونيالي الذي نتج عن عملية احتلال وتطور من خلال عملية اقحام الخارج في الداخل، حيث يوجه ويؤثر الخارج في الداخل، وهذا بدوره يولد حالة تشمل في الوقت نفسه كيانين اجتماعيين في علاقة تتضمن تصادم بين حضارتين.

 

وأضاف أن عملية الاقحام هذه تقود إلى ثنائية الحداثة/التراث، وبكلمات أخرى إلى توتر بين منطق القطيعة الذي تمثله الحداثة ومنطق الاستمرارية الذي يمثله التراث، وقد تأخذ دينامية التراث اتجاهات عدة مثل محاولة ضمان القيم الأساسية (تراث أصولي)، أو قد يتم إحياء تقاليد معينة تخفي محاولات ومبادرات مقاومة وقطيعة مع تبعية المجتمع الكولونيالي (تراث مقاومة)، مشيراً إلى أن هذه الدينامية هي التي تفسر صعود القوى القومية والوطنية وفيما بعد الإسلامية.

 

وذكر عاصي أن هناك تأرجح بين القطيعة والاستمرارية أو بين الحداثة والتراث، وهي ثنائية تلازم الوطن العربي والعالم الإسلامي كما يدعم المفكر الإيرانيDaryush Shayegan، الذي رأى أنه في العالم الإسلامي لم يحصل فهم للغرب وللحداثة بالمعنى الواسع ولم يتم التعاطي مع الغرب كبراديغم جديد يمثل قطيعة مع الماضي إنما تم اعتباره مصدر مؤامرة تستخدم فيها المصادر المادية من أجل السيطرة على العالم العربي والإسلامي.

 

وأكد عاصي أن ما قيل أعلاه يشير إلى دور البيروقراطية وبالتحديد دور الجيش في عملية التحول، ففي مصر يلعب الجيش وللمرة الثانية بعد «ثورة» الضباط الأحرار 1952 دوراً أساسياً في اسقاط النظام وبالأخص طابعه البترومونيالي.

وفيما يخص تطور التجربة التونسية التي انتقلت من مرحلة اسقاط النظام السلطوي إلى مرحلة تثبيت نظام ديمقراطي، قال إننا نجد أن تأثيرها محدود إذا اخذنا بعين الاعتبار الجانب الإثني والطائفي للنظام العربي، وهذا ما دفع البعض للتحدث عن ثورة مستحيلة (صالح علي طه) حيث تم مصادرتها على يد الصراع الطائفي والديني في سوريا (اللاعنف أخطر من العنف في نظر النظام السوري)، ففي تونس لا يوجد صراع ديني يشوش على الصراع الاجتماعي وفي مصر وان كان هناك صراع ديني (السادات انا رئيس مسلم لدولة مسلمة) إلا أنه لا يتقاطع مع العلاقة السياسية للنظام.

 

وبيّن عاصي أنه في المشرق اُستخدم النظام وسُخّر الصراع الطائفي لصالحه واستفاد منه في مواجهة الاحتجاجات ومن ثم المجموعات العسكرية المناهضة له، وعلى الرغم من ذلك يرى أنه من الضروري في الحديث عن الديمقراطية الانفتاح على الإسلام، فثنائية الحداثة والتراث ليست ثنائية الديمقراطية والإسلام كما يريد البعض حين يعدون أن الإسلام هو دائما الإسلام المتطرف، كما أنه لا يمكن تجاهل الإسلام في عملية التحول الديمقراطي من خلال التهميش الثقافي والايديولوجي لصالح الاستراتيجي (Juan Linz)، إذ لا بد من الأخذ بعين الاعتبار التناقض بين الحداثة والتراث لكن ضمن الإسلام نفسه، مشيراً إلى أن الإسلام لا يختلف عن أي ثقافة أخرى لتطوير «مدينة بديلة» Parallel Polis (Nikolai Petro)كما حصل في ألمانيا وروسيا، وهذا ما يراه يحصل في النموذج التونسي.

 

وحول نقطة الثورة الديمقراطية والإسلام غير الطائفي قال عاصي إن ما حصل في تونس ومصر وحتى في سوريا في البداية هو حراك شعبي حيث تبنت قوى شعبية الاحتجاج السلمي على الرغم مما خضعت له من عنف وقمع، فهذه ثورة ديمقراطية ليس فقط في طابعها السلمي بل أيضا في أهدافها فهي لا تهدف إلى الوصول إلى حلول نهائية للمسائل الاجتماعية ولا إلى خلق إنسان جديد أو مجتمع جديد فهي تقبل بالمجتمع بتناقضاته وباختلافاته وبضرورة التعبير عن هذه الاختلافات والتناقضات (Hamit Bozerslan)، فهي ثورة ديمقراطية بالمعنى الذي اقترحه Claude Lefort، أي أنها انبثقت من فراغ وما يميزها هو كونها حركة غير أكيدة، لافتاً إلى أن الديمقراطية هي في الأساس تناقض بين مشروعين وقبول لهذا التناقض، لكن صعودها هو نتاج فعل سياسي جسّد لقاء عوالم: عالم تحكمه أدوات البوليس (أدوات السيطرة المباشرة بالإضافة إلى أدوات التحكم الاجتماعي) وعالم يحكمه منطق المساواة. ينبثق السياسي من وجود خطاب وأن يؤخذ هذا الخطاب بالحسبان.

 

وذكر أننا «عندما بدأنا نستخدم facebook كان ذلك بمثابة اكتشاف»(...)» الدعوة إلى إضراب قومي كان اكتشاف، وكان ذلك بمثابة إضاءة شمعة في غرفة مظلمة، لكن ما زالت البلد دولة قمعية والناس تخاف».

 

Jeffrey Fleishman,’ In Egypt, a blogger tries to spread «culture of disobedience» among youths» The Times April 29 2009

وهذا ما عبر عنه أحد أعضاء مجموعة 6 ابريل، حركة شبابية تكونت من المشتركين في facebook، أعضائها يمثلون الجيل الذي لم يعرف إلا حكم الرئيس حسني مبارك وترى ذاتها في حالة اغتراب عما يجري من تفاعل ودينامية في العالم، كما ترى ذاتها خارج الزمان حيث لا قيمة لما تدرسه وللشهادات التي تحصل عليها، لافتاً إلى ان هذه المجموعة والتي تصل عددها إلى أكثر من 76000 فرد نهاية شهر أبريل نجحت في فتح فلكاً جديداً لمناقشة الوضع المصري حيث نقلت المناقشة إلى Cyberspace والذي يمثل تحد للقوى الأمنية، مضيفاً أن اعتقال 500 مدوّن لم يساهم إلا في تزايد حجم المشتركين في مجموعة facebook والتي دعت إلى العصيان المدني عشية أحداث ميدان التحرير.

 

ورأى عاصي أن ما جرى في تونس من ثورة ديمقراطية يعطي أملاً بإمكانية صعود إسلام غير طائفي يقبل بالحداثة من ناحية النظام الديمقراطي والمساواة بين الرجل والمرأة، داعياً إلى وجوب إلقاء نظرة إلى الوراء إلى التجربة الأوروبية التي عرفت أولا صعود لمسيحية غير طائفية تقبل الاختلاف والتناقض قبل انتشار الأفكار الليبرالية (Leszek Kolakowski).

 

 

- النقاشات

 

النماذج الكولنيالية

 

وفي مداخلة له قال الباحث في قضايا المواطنة د.فيصل غرايبة: إن المحاضر عاصي لم يشر إلى أحدث النماذج الكولنيالية التي بودر فيها مؤخراً والتي تسمى بصفقة القرن، وهي التي تسير بالخط الرسمي وتتماهى مع الخط الخارجي وتبدأ بإنهاء بعض الحركات التي تعيق الحل السلمي الحواري في منطقة الشرق الأوسط عانياً بذلك حزب الله وحماس والحوثيين.

 

بناء نظام سياسي متحرر

 

من جانيه تساءل المستشار الاقتصادي أ.د.فؤاد بسيسو عن كيفية الاستفادة من التحليلات التي أشار اليها المحاضر من أجل بناء النظام السياسي المتحرر من سطوة الخارج والذي تتواءم فيه بيروقراطية النظام مع التطور الشعبي في الوطن العربي، وبخاصة وأن هذه النقاط تتعلق بالتوفيق بين التراث والحداثة، كما تساءل عن كيفية تأثير هذه بمجموعها كخلاصة عامة في رأيك في ملامح وأسس النظام السياسي الذي نتطلع إليه على المستويين الوطني والقومي العربي.

 

الحراك العربي

 

قال الأستاذ الجامعي د.محمود الجبارات إنه يختلف مع المحاضر في جانبين، الأول ما يتعلق بنشأة الدولة الوطنية العربية واصفاً هذا الموضوع بالخلافي، مضيفاً أنه من المعلوم أن الدولة الوطنية في الوطن العربي أجهضت بأيد استعمارية.

أما بخصوص الجانب الآخر فقال الجبارات إنه يختلف مع قراءة الدكتور عاصي في موضوع الحراك الذي سماه ثورة الربيع العربي، فبرأيه أن ما جرى في الوطن العربي هو حراك في دول عربية معينة، وحتى إذا سميناها ثورة شعبية فإنها لم تنجز، وإنما وفي أحسن الحالات جرى إعادة إنتاج النظام السياسي القديم في الحراك الشعبي الذي انتهى إلى حالة سلمية، وبالتالي ليس هناك شيء جديد في الحراك العربي أو في الثورة العربية بالقول أنها أجهضت.

 

وأشار إلى أن الاستعمار الغربي ما يزال يعيد إنتاج نفسه في المنطقة العربية بطرق جديدة، مؤكداً على ما أشار إليه المتحدثين السابقين من أن هناك صفقات أغلبها أسلحة أو تجارة مع المنطقة العربية فقط ويجري التسابق عليها.

 

بناء الدولة الوطنية

 

وفي مداخلة له أشار الخبير الاقتصاديý والإداري د.مهدي العلمي إلى أنه خلال العام 2017 قام بدراسات ثلاث، الأولى تحت عنوان: الدروس والعبر المستفادة من الأخطاء التي وقعت بها الأمة العربية في المئة عام الأخيرة 1916-2016، مؤكداً أنه عندما قام بتحديد الأخطاء في الدراسة أخضع نفسه لمعايير قام بكتابتها تمكّنه من تحديد الخطأ من عدمه، مضيفاً أنه وجد أن هذا البحث ناقص، فانطلق نحو البحث الثاني الذي عنونه «النقاط المضيئة في مسيرة الأمة العربية في المئة عام الأخيرة 1916-2016» ومن ثمّ انتقل للبحث الثالث وهو بعنوان «مستقبل الأمة العربية».

أوضح العلمي أنه نتيجة هذه الدراسات وجد أن النقاط الأهم في مستقبل الأمة العربية تمثلت في ضرورة بناء الدولة الوطنية القوية من الناحية التربوية والتعليمية والاقتصادية، وضرورة وجود نظام محكم لتداول السلطة وذلك لأن عدم وجود نظام جيد متميز لتداول السلطة لا يخلق القيادات، مشيراً إلى أنه وجد في دراساته أن القيادات كانت متركزة في العسكرية العربية ولم تنتقل للقيادات المدنية العربية التي بقيت مغمورة ولم تساهم في بناء الأوطان العربية، أما النقطة الثالثة فتمثلت في ضرورة وجود المواطنة وتطبيقها، بمعنى أن تنصهر كل المكونات الشعبية والتعدديات الفكرية والسياسية والدينية في بوتقة واحدة، إضافة إلى إحداث النهضة في الوطن العربي.

 

نمو الديمقراطيات

 

رأى رئيس التجمع الديمقراطي الأردني خليل أبو غوش أنه كلما زادت سطوة العسكر قلّت الديمقراطية، مشيراً إلى أن هذه المعادلة ملموسة على الأقل في وطننا العربي.

ووجه أبو غوش سؤالاً لعاصي: متى يمكن للمجتمع العربي أن يتخلص من السطوة العسكرية ويصبح هناك مجال للديمقراطيات.

 

إيجاد رؤية إيجابية

 

وتساءل الكاتب صبحي الرّحال عما إذا كان هناك رؤية إيجابية أو شبه إيجابية للوصول لقناعة معينة بممارسة الديمقراطية بالمستقبل القريب أو البعيد.

 

الجزائر و»الربيع العربي»

 

وقال الأديب عاطف عبد العزيز أنه من المعروف أن الجار هو أول من يتأثر بجاره، متسائلاً: بحكم جيرة تونس للجزائر ما هو العامل الرئيس الذي جعل الجزائر في منحى عما يسمى بـ»الربيع العربي»؟.

 

جاهزية العرب للديمقراطية

 

وتساءل الكاتب جمال الصلاح فيما إذا كان العرب جاهزون للديمقراطية؟

 

ردود المحاضر

 

وفي رده على سؤال صفقة العصر قال عاصي إنه حاول ان يربط الحراك الشعبي بمفهوم الحداثة، مؤكداً على أهمية ذلك مع الأخذ بعين الاعتبار البنية وغيرها، مشيراً إلى أن القوة السياسية التي ذكرها هي بالنسبة له تمثل امتداد لتيار أو اتجاه قومي، مضيفاً أن حركة حماس هي حركة تحرر وطني فلسطيني ومعتبراً إياها ضمن جدلية الحداثة والتراث كتيار قومي علماني تحوّل إلى تيار قومي غير علماني، لأن هناك دين يوفر أدوات من التعبئة ومصادر إضافية للصراع.

 

وأكد عاصي أن ما يهمه هو الحراك أو التحرك الشعبي الذي ارتبط بمفهوم الحداثة والذي ركز حتى على رؤية الإسلام الذي فيها، إذ يمكن اعتباره إسلام دستوري وغير طائفي.

 

وذكر عاصي أن هناك مفكراً بولندياً اسمه كولاكسفكي له كتاب «مسيحيون بدون كنيسة» يتحدث فيه عن فترة تاريخية معينة من الجدل المسيحي-المسيحي والذي أعطى فيه هذا الجدل مجالاً لولادة تيار ليبرالي فيما بعد، ورأى عاصي أن هناك جدلاً داخل الإسلام، مضيفاً أنه لأول مرة من الممكن لهذا الأمر أن ينعكس في نظام معين، بحيث يكون هناك قبول وتكريس لنموذج إسلام دستوري مثل الذي يحصل في تونس، وبالتالي كان تركيزي أكثر على ربط هذا الأمر بالحداثة.

 

وحول كيف يمكننا الاستفادة من التحليل الذي قدمته، فهو مجرد توضيح لمصطلحات، وبحسب رأيه فإن الديمقراطية ليست نظام إذ أنه يمكن أن تؤخذ الديمقراطية حتى في نظام استبدادي، مضيفاً أنه عندما يكون هنالك عملية مأسسة أو تغيير أو إصلاح داخل هذا النظام فعملية التحول الديمقراطية حاولت ربطها بفعل شعبي وسياسي معين فيه مجموعات غير موجودة في الحسبان وبالعلاقة السياسية، فالعلاقة السياسية مثلاً بالنظام التونسي السابق أو النظام المصري هي محصورة بين رئيس الدولة والبيرقراطية، فهذه العلاقة السياسية نراها اليوم فتحت مجالاً أكثر مع الفعل الشعبي الذي حدث.

 

وبرأي عاصي أن الديقراطية هي قبول الصراع وقبول التناقض، ولهذا السبب يرى أن في العالم العربي كان هنالك تحولاً ديمقراطياً، ولكن بالمعنى التركيز على النخب، وأن هناك عملية ثورة ديمقراطية بعد العام 2010.

 

أما بالنسبة لموضوع كون الحراك الشعبي أو الثورة لم تنجز، قال عاصي إن مفهوم الثورة الديمقراطية أنها لا تطرح حلولاً نهائية، فلو أخذنا الثورتين البلشفية أو الفرنسية نجد أنها كانت تريد خلق إنسان جديد، وأن تعطي حلاً للمسائل الاجتماعية بشكل نهائي، مشيراً إلى أن هذا الشيء أثبت فشله، مبيناً أن الثورة التي بدأت بالعالم العربي هي ثورة ديمقراطية بمفهوم أنها كانت سلمية وتم التشويش عليها بصراع أهلي، فالمفكر السوري صالح علي طه يتحدث عن ثورة مستحيلة من ناحية الديناميكية أو الدينيامية للجانب الإثني، أي أنه صعب تنتج بسوريا ثورة بسبب وجود نظام سخّر واستخدم الصراع الاثني الموجود لدرجة أصبح فيها النظام ميليشيا.

 

وأكد عاصي أننا بحاجة للنظام الذي به تداول للسلطة، متسائلاً عن كيفية الوصول لهكذا نظام، مضيفاً أننا نستطيع الوصول إلى هذا النظام عبر فهم الأحداث وتحليلها وتوضيحها.

 

بالنسبة للمداخلة الأولى أكد عاصي أنه عندما يكون هناك سطوة للجيش ويكون له مصالح اقتصادية مهمة في الدولة سيكون من الصعب الانتقال لمرحلة ما أن يكون الجيش له دور بعيد أو أن يكون في ثكنات وله دور متواضع.

 

وأضاف أن هناك ظروف قد تكون جاهزة سهّلت هذه السطوة، مثلما حدث في تونس مع محمد البوعزيزي أو كما حدث في حي في أثينا عام 2008 عندما قتلت الشرطة طفل عمره 15 عام، إذ يمكن أن يكون لفعل معين حتى لو لم يكن له تراكمات بنية جاهزة قد تعطي له انطلاقة أو استمرارية، مشيراً إلى أنه في العالم العربي هنالك فعل قمعي معين وهذا الفعل القمي مرّ بظروف فيها يأس وخيبة أمل وعدم وجود أي توقعات من المستقبل الأمر الذي أعطى ولادة شيء جديد غير مرتبط بالبنية.

 

وأكمل عاصي أنه إذا أخذت السياسة بهذا المعنى، بمعنى فعل شعبي منبثق من دون أن يكون له أي ارتباط بالماضي وإنما يستند على تراكمات الماضي فإن هذا يعدّ فعلاً نادراً، مشيراً أنه اذا اخذنا هذا المفهوم للسياسة المنشق من «بوليتيا» عند أرسطو، نجد أن هنالك كلمتين تخرجان من بوليتيا (بوليس، وبوليتكس) البوليس هو النظام والذي نعني به اليوم «الشرطة» وهو النظام السياسي الموجود، سواء كان نظام استبدادي أو ديمقراطي أو غيره.

 

وقال إن بهذا النظام دائماً هنالك تقسيمات ممنوع أن تخرج عنها ويجب أن تحترمها، بينما «البوليتكس» هو عندما يكون هناك فعل معين لمجموعة لا تملك أي شيء ولا تؤخذ بالحسبان تطالب بالمساواة وبأن تؤخذ بالحسبان فإننا نجد هذا الأمر نادر، وبالتالي نجد أن في أحداث تونس وأثينا 2008 هنالك شيء جائز بهذا الفعل الثوري أو السياسي إذا نظرنا عليه من زاوية التغيير.

 

وأكد أنه حاول أن يطرح رؤية ايجابية، فهو يعدّ ما حدث أمراً إيجابياً، بالرغم من أن التطورات التي حصلت مؤسفة وأخذت شكل مأساة في دول أخرى أدت إلى انهيار مجتمع، إلا برأيه أن التجربة التي حصلت في تونس إيجابية ومهمة جداً، بحيث يكون هناك حصاد على الإتفاق الذي صار والاستمرارية في تثبيت المكتسبات التي صارت بينهم، كلما مضى الوقت كلما كان هناك مكتسبات بين هاتين المجموعتين اللتين بنيتا اتفاق معين، فهذا الأمر من المهم أن يستمر ويثبت.

 

وأضاف عاصي أننا انتقلنا من مرحلة خالية من عملية انفتاح وقبول الحريات، والآن نريد تثبيت هذا الأمر بالمؤسسات حتى نعطيه استمرارية، لافتاً إلى أن هذا الأمر يقدم حديثاً عن نظام يقبل تداول السلطة وحكم القانون، فالمهم أن ننتقل للمرحلة التي تضمن بها المؤسسات عدم اخماد هذا الانفتاح وأن يأخذ تطوراً صحيحاً.

 

بالنسبة للعامل الرئيس الذي جعل الجزائر في منحى عما يسمى بـ»الربيع العربي»؟ قال عاصي إنه بحكم أن الجزائر هي خارجة بالثمانينات من وضع تحول بين النخب وبين النظام وبين الحركات الاسلامية والذي أخمد من خلال صراع ضد المجتمع، يقودنا هذا إلى التفكير بأن المجتمع يعرف أيضاً ما يسمى بالتعب، إذ لا نستطيع أن نطلب من المجتمع الجزائري بعد فترة قصيرة أن يعود وينظم وينهض، بل إننا نعطي مجالاً معيناً، لأن هناك تعب اجتماعي وتكلفة مادية فالناس ما زالت تدفع الثمن.

 

وحول إذا ما كنا جاهزين للديمقراطية، قال عاصي إنه يؤمن بأهمية توفير الفرصة لتحقيق المشاركة، فأي إنسان بحسب رأيه يمكن أن يشارك ولديه القدرة على المشاركة ولكنه بحاجة للفرصة.

 

وحول قرار «ترمب» الأخير حول القدس وصف عاصي قراره بـ»الغبي» فهو يتعارض مع القانون الدولي وبخاصة مع قرار (476) الخاص للقدس والذي يعدّ قراراً لمجلس الأمن الذي انتهكته إسرائيل وضمت القدس إليها واعتبرتها عاصمة منذ العام 1980 بقانون الكنيست، ثم عاد مجلس الأمن وأصدر قرار (478) والذي كان به رفضاً لكل الإجراءات والخطوات الإدارية والتشريعات التي تتخذها إسرائيل بالنسبة للقدس المحتلة، وبالنسبة إليه فإنه تبقى خطورة القرار الأميركي محدودة إذا لم تصبح هناك اعترافات من دول أخرى.

 

وذكر أن هذا ليس أمراً جديداً على الولايات المتحدة بإنها تحاول أن تغير في معايير القانون الدولي أو تغير بالقانون وفق ما يتلائم مع مصالحها.