الأعراف المجتمعية بين الإقرار وسيادة القانون

12/01/2022

نظمها «الرأي للدراسات» وقسم علم الاجتماع في «الأردنية»
ندوة تناقش الأعراف المجتمعية بين الإقرار وسيادة القانون
حررها: إبراهيم السواعير
منتدون: ذاهبون باتجاه تأكيد المجتمع المدني في التنمية السياسيّة

القانون يقتبس الأعراف الحميدة ويؤطرها في تشريعات

بالتعاون بين مركز الرأي للدراسات وقسم علم الاجتماع بكلية الآداب في الجامعة الأردنيّة، أقيمت ندوة (الأعراف المجتمعيّة وسيادة القانون)، بمشاركة سماحة مفتي المملكة الشيخ عبد الكريم الخصاونة والعين السابق الشيخ طلال صيتان الماضي ومدير المركز الأردني لبحوث التعايش الديني الأب نبيل حداد وأستاذ علم الاجتماع في الجامعة الاردنية د. عايد الوريكات وأستاذ القانون عميد كلية الحقوق الأسبق المحامي الدكتور فيـــــاض القضــــاة.

وخلال افتتاح أعمال الندوة، قال عميد كلية الآداب الدكتور اسماعيل الزيود مندوب رئيس الجامعة الأردنية إن الندوة تهدف إلى الوقوف على أهم القضايا المجتمعية التي ورثناها عبر العقود والسنوات الماضية في الأردن، مشدّدًا على أنّ جزءًا من تلك القضايا ما زال مستمرًّا ويعمل على معالجة قضية أو شأن ما، أمّا الجزء الآخر فقد سبّب ضغطاً اجتماعيا ذا أبعادٍ مختلفة.

وانطلقت الندوة التي أدارها مدير مركز الرأي للدراسات والتدريب الإعلامي هادي الشوبكي ورئيسة قسم علم الاجتماع في الجامعة الأردنية الدكتورة رانيه جبر من تعريف «الأعراف» بأنّها سلوك اجتماعي معين يتكرر القيام به حتى يحصل على إقرار المجتمع بقبوله والشعور بإلزاميته، كما أنّها مصدر أصيل من مصادر القانون، الذي يقتبس الحميد منها، ويقوم بتقنينه في تشريعات تحقق حاجة المجتمع في نواحي متعددة، كما أنّ الأعراف يتم اللجوء إليها عند عدم وجود نصّ قانوني، وفي حال التقاء العرف والقانون نكون أمام قاعدة قانونية بما يضفيه القانون على العرف من صفة الإلزام القانوني.

وفي السياق المجتمعي، رأى متحدثون أنّ كثيراً من السلوكات الاجتماعية تتعارض مع قيمنا الأصيلة، مؤكّدين دور (العشيرة) كقوى اجتماعيّة مساندة للقانون المدني وعاملة في ظلّه، لكنّ الندوة نبّهت على اندماج المجتمع وزيادة عدد السكان، وتضاؤل كثير من أدوار العشيرة، ليس فقط اجتماعياً وإنما انتخابياً وفي أمور أخرى، فنحن ذاهبون باتجاه تأكيد المجتمع المدني في التنمية السياسيّة، على اعتبار العشيرة تنظيماً اجتماعياً يبرز دورها كلّما ضعف دور القانون المدني، كما ناقش المشاركون موضوع الدين الذي يندمج في بوتقة القانون المدني، فلا تعارض بين المجتمع والدين والقانون.

وقالت د. رانيه جبر إنّ ثقافة المجتمع تُعدّ الهوية النابضة والسمة المميزة لأفراده ومواطنيه، ولطالما كانت العادات والتقاليد والمعايير والقيم والأعراف تشكل موروث المجتمع وهويته الثقافية وتعد موجهًا وضابطاً لسلوك أفراده وجماعته ومقياساً للحكم على مدى شرعيته من حيث القبول والإقرار أو الرفض والعقاب، ويزداد التمسك بها في المجتمعات ذات الصبغة التقليدية المحافظة التي تضعف بها سلطة النظام ومؤسساته، وكلما زادت مظاهر التحضر والتمدن قلّ الأخذ بها أو التحرر من قيودها، والناظر لهذه الأعراف والقوانين المجتمعية التقليدية يجد بين طياتها أروع معاني العدالة والمحبة والتسامح والتكافل والقيم النبيلة الراقية، وأحياناً يجد من القسوة والظلم والإجحاف في قوانينها ما لم يقره الشرع الحنيف ويقبله القانون.

وأضافت جبر أنه وبالرغم من الإنجازات التنموية البشرية والاجتماعية والسمعة الحضارية الراقية التي حققها الأردن في مئويته الأولى، إلا أننا نُصدم أحياناً عندما نرى بعض الأفراد والجماعات ما يزال متمسكًا ببعض الأعراف المجتمعية والقبلية التي تؤكد على معاني الثأر والانتقام والقصاص، ليس من الجاني فحسب وإنما من أفراد عشيرته وأقربائه للدرجة الخامسة، على ذنب لم يكن لهم أدنى دخل في ارتكابه «لا تزر وازرة وزر أخرى» على حساب اللجوء إلى القانون وحله وفق ما يجب أن يكون.

وانطلقت جبر من أننا مجتمع النشامى والنشميات، ولنا في ثقافتنا وهويتنا الأردنية الجامعة ما نعتز ونفاخر به من قيم المروءة والنخوة والشهامة والكرم والضيافة، فما زالت هذه القيم ماثلة وحاضرة في أعماقنا بالرغم من ضيق الظروف الاقتصادية والاجتماعية وتكالبها علينا أحياناً، وما أحوجنا الآن وأكثر من أي وقت مضى لتعزيز هذه القيم والنهوض بها، والتمسك بالإنجازات التي حققتها الدولة خلال 100 عام وما تزال المسيرة مستمرةـ

وأكدت أنّ تنظيم هذه الجلسة الحوارية بالتعاون ما بين قسم علم الاجتماع في الجامعة الأردنية ومركز الرأي للدراسات يجيء لتسليط الضوء على أبرز القضايا المجتمعية التي تؤرق المجتمع الأردني وتشغل رأيه العام، لمناقشتها مع ذوي الاختصاص على أمل نبذ ما يتخلف عن قيمنا وديننا وهويتنا، أمام ضرورة إعلاء سيادة القانون ومناقشة الأبعاد الاجتماعية والدينية والقانونية لهذه القضايا ووضع المقترحات والحلول الممكنة للحد منها.

وفي مستهل حديثه، بين الشوبكي أنّ الندوة جاءت لتسليط الضوء على التأصيل الفكري والقانوني والإجرائي فيما يتعلق بالأعراف المجتمعية، مشيراً الى أهيمة مناقشة هذا الموضوع، والإشكاليات الفكرية والاجتماعية المتعلقة بالأعراف المجتمعية، منوهاً إلى أنّ السلوك الفردي لا يمكن أن يهذب إلا بتطبيق القانون وتطوير التشريعات، والاهتمام بما يطرح من مواضيع متعلقة بالأعراف المجتمعية في الإعلام الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي والسلوكيات المرافقة.

العقوبة والقانون

وفي المحورالأول للندوة والمتعلق بالموضوع الاجتماعي والثقافي: «التغير الاجتماعي والقيمي في المجتمع الاردني الحديث»، قال د. عايد الوريكات إنّ العوامل التي ساهمت في انتقال المجتمع الأردني من مجتمع القرية المتجانسة المتضامنة المتشاركة وجدانياً إلى مجتمع المدينة غير المتجانسة سكانياً، أثر على المنظومة القيمية، وما شهده الأردن في هذا المجال يتعلق بعامل أساسي هو التغير السكاني مما اعتبره الوريكات طبيعياً..

وتساءل الوريكات: لماذا نشاهد الآن الكثير من السلوكات الاجتماعية غير المقبولة في مجتمعنا الأردني؟!.. معترفاً بأنّ السبب هو ما يسمى «الضبط الاجتماعي» غير الرسمي، والذي يكون قد تراجع لصالح الضبط الاجتماعي الرسمي، وتحدث الوريكات عن موضوع الجريمة في الأردن، لافتاً إلى تراجعها، خصوصاً وقد كانت في أوجها عام 2014.

ورأى في حديثه عن دولة القانون بين الأمس واليوم، أنّ عقوباتنا أصبحت أقل قمعية من الماضي، حيث التنمر والتطاول، والسلوكات التي لا تعجبنا وأطلقنا عليها كثيراً من التسميات، مشيراً إلى أنّ ما نشاهده بالشوارع والمدن مسألة طبيعية ونتيجة حتمية للتغيرات الاجتماعية التي أصابت المجتمع الأردني خلال مئويته الأولى.

وقال الوريكات إنّ كثيراً من القوانين ظهر في موضوع الجرائم الإلكترونية وعالم المعرفة... إلخ، في محاولة لضبط السلوك، والسيطرة عليه.

وتحدث عن الانتقال، كحالة ثقافية وليس فقط مادية، وهو ما أدى إلى تنوع التعليم وتعقّد العمل وتقسيمه في المجتمع الأردني، وضعف التضامن الاجتماعي، فمنذ تسعينات القرن الماضي تغيّر مفهوم الدولة الأبوية عما كانت عليه.

دور العشيرة..

وحول الزيادة السكانية، تحدث د.وريكات عن عدد السكان المتضاعف والخدمات، واتجاه الدولة للخصخصة في القرن الماضي، وهو ما أدى للبطالة والفقر، مع أن الحكومات وضعت برامج للحماية الاجتماعية والعديد من الصناديق، وما زال هذا غير كاف.

ورأى أنّ البنية الاجتماعية الرئيسية في الأردن هي العشيرة، معتقداً بأنّ دور العشيرة تراجع كثيراً، حتى في الانتخابات.

وقال إنّ دور العشيرة تراجع بسبب عوامل كثيرة، ما أثّر على تربية أبنائنا وبناتنا في المنظومة القيمية، ومع ذلك، فما يزال كثير من الناس يعتقدون أن سرّ البطالة والفقر هو العشائرية، وهو ما أدّى إلى تغوّل على موضوع القبلية والعشائرية واستغلالها من قبل كثيرين.

القضاء العشائري

وفي حديثه عن دور «الأعراف في درء النزاعات المجتمعية ومدى تناغمها مع القضاء»، قال الشيخ طلال صيتان الماضي إنّ ملامسة العرف والعادة العشائرية ليست بعيدة عن القانون الوضعي؛ لأن الأصل في حل النزاعات أن تستند إلى ثقافة المجتمع وما يعانيه، ودور الخبرة لدى الوسيط الاجتماعي في إصدار الأحكام. وفي هذا السياق، تحدث عن ثقافة المشرع الفرنسي على سبيل المثال، والمصري كذلك، فالثقافات تختلف فيما بينها وتؤثر في ذلك.

القضاء المدني

ورأى أنّ هناك خصوصية في مجتمعاتنا فرضت علينا أن يكون هناك لجوء للأعراف والعادات العشائرية للاحتكام لها في حال فضّ النزاعات أو إنهاء المشاكل لعدة أسباب، فالقضاء المدني يتمتع بالأمد القضائي لسماع بينات جديدة.

الأعراف والعادات..

وقال الماضي إنّ هذه الأعراف والعادات العشائرية دخل عليها دور الدولة، في بداية تأسيس الدولة الأردنية، حيث عنيت الدولة بقانون الإشراف على البدو، وسمحت لأبناء البادية أن يكون لهم محاكم عشائرية خاصة بهم، وحتى في المحاكم العشائرية هناك درجات مثل القضاء المدني، وهناك المحكمة الأولى ومحكمة الاستئناف التي تسمى بالعرف العشائري (عرض الحق)، وعرض الحق يقابله في القانون المدني محكمة الاستئناف.

وأضاف أنّه في عام 1936 شرع قانون الإشراف على البدو، وبقي أبناء البادية يحتكمون إلى هذا القانون خارج إطار القانون المدني، متحدثاً عن تطور الحياة، ولافتاً إلى نظرية في كتاب (سيكولوجيا الجماهير) للفرنسي لوبون، تحدث فيها عن نظرية الإزاحة بالأعراف الاجتماعية، فكلما كان هناك تطور في المجتمع يبدأ العرف السابق بالانزياح ليحلّ محله عرف جديد، فالأصل في الإزاحة أن تكون بطيئة ومساوية لتطور المجتمع، لأنّ الإزاحة المباشرة سيكون لها تأثيرها السلبي بالتأكيد.

مكونات المجتمع

وأكّد الماضي أنّ الميزة الموجودة في الأردن هي أنها قاربت بين أفراد المجتمع ومكوناته، فلا نجد صعوبة في تطبيق العرف والعادة العشائرية، حتى في أحياء عمان الحديثة، في دابوق وفي دير غبار على سبيل المثال.

ومع ذلك، أكّد أننا نتطلع دائماً إلى دولة القانون والمؤسسات، ولا نقبل أن تبقى العشيرة خارج إطار الدولة.

الدور الاجتماعي

ورأى الماضي أنه كلّما ضعفت السلطة يبرز دور العشيرة ودور المكونات الاجتماعية، متمنياً ألا نتجاوز الدور الاجتماعي، كحاضنة اجتماعية أو خزان اجتماعي يزود الوطن بكفاءات محترمة، وفي الوقت ذاته أكّد الماضي ضرورة دعم المشهد السياسي الذي يمثله جلالة الملك وإرادته السياسيّة في النهوض الوطني.

كما قارب بين الأعراف والعادات العشائرية والقانون العشائري من جهة مع القانون المدني، مبيّناً أنّ لدينا قواعد ثابتة في العرف العشائري؛ فلا يجوز أن أصدر حكمي كقاضٍ عشائري، إذا صدرت الأحكام المدنية من محكمة أو قاضٍ مدني، إذ ينتهي اجتهادي نهائياً، فلا أنظر لأيّ قضية مبتوت بها بالقضاء، منوهاً إلى أنّه أحياناً تعطي المحكمة والقاضي مجالاً لتأجيل القضية، ساعتها يكون هناك مجال للوساطة الاجتماعية.

وقال الماضي إنّه يجب ألا ننسلخ من عاداتنا وتاريخنا، إذا ما علمنا أنّ الدول الأوروبية والغربية نفسها عادت لموضوع قانون الوساطة الاجتماعية، حين أصبحوا يشعرون بالحاجة لذلك، في ظلّ تخوفات من أخطار اجتماعيّة مصاحبة لقوانين الإصلاح وأحكام السجن وخلافه.

القدوة الحسنة..

وفي المحور الثاني للندوة والمتعلق بالموضوع الديني: «الدين والعرف»، انطلق سماحة الشيخ عبد الكريم الخصاونة من أنّ الإسلام يشكّل قدوةً لنا في السلوك الاجتماعي والرؤية الموضوعية والصحيحة للأشياء والأمور، مهتماً في المقام الأوّل بنبذ السلوك الطارئ والمقحم على ديننا، كسلوك سلبي يمكن أن يؤثّر في طبيعة النفس البشريّة الإنسانيّة، مؤكّداً أنّ حرية الأديان مكفولة، وأنّ العشيرة هي مكوّن اجتماعي يسمح بالعطاء والمحبّة وعدم تجاوز القانون، ولهذا، فلا يمكن أن نرهن سلوكنا السيء بالدين أو العادات أو التقاليد أو العشيرة.

واستدلّ الشيخ الخصاونة على ذلك، بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، في دعوته أصحابه باللين واللطف، وفي إدراكه لقيمة العشيرة والقبيلة في التكوين الإنساني، وفي احترامه لأصحابه وآرائهم.

دور العشيرة..

وأكّد الخصاونة أنّ العشيرة تقوم على تصحيح الخطأ لأبنائها، حتى قبل أن تقوم الدولة بمعاقبته، فهي مكوّن اجتماعي معني بتطبيق القانون. ورأى أنّ من صفات العشائر أنّها نشأت على أعراف طيبة وهي تسير ضمن النظام ولا تتعالى على القانون، فهي مدرسة أولى لتهذيب أبنائها والتباحث فيما بين أفرادها حول ما هو مستحسن وما هو غير مستحسن في الأخلاقيات والتصرف والسلوك، وهي موالية ولا تؤمن بالتفتيت المجتمعي، وأكّد الخصاونة أنّه لا فرق بين مسلم ومسيحي، فهم يعيشون في الأردن كأهل وأقرباء ويتشاركون فيما بينهم حب الوطن والانتماء إلى ترابه والدفاع عنه.

الدين والقانون..

وقال الخصاونة إنّه لا تعارض بين المجتمع والدين والقانون، إنما الخلل الذي حدث وجعل هناك تعارضاً بين الدين والمجتمع والقانون، هو السلوكيات، ذاكراً موضوع (الجلوة العشائرية)، وكيف كان الناس يعيشون في بيوت بسيطة مع بعضهم البعض، داعياً إلى تطوير قانون العشائر. كما انتقد الشيخ الخصاونة أموراً سلبية، مثل التكسير والتخريب وسلوك الناس في الأفراح والأتراح، ودعا إلى أن نزرع العادات والتقاليد في مناهجنا ومدارسنا وسلوكنا والإعلام والسياسات والأخلاق، فتعود العشيرة لمكانتها التي لا تتعارض مع القانون ولا مع العادات والتقاليد الاجتماعية.

تغيّر العرف والمجتمع

وفي المحور ذاته، رأى الأب نبيل حداد أنّ العرف يساير ظروف الجماعة ويتبع المجتمع في تطوره ويبدو أكثر مرونة في مسايرة الأوضاع الاجتماعية من القوانين المكتوبة، فإذا تغيرت ظروف المجتمع فإنّه يتغير، وقد يكون العرف أحياناً مصدراً مكملاً للتشريع.

وأكد أنّ الكتاب المقدس يعلمنا أن نبتهل إلى الله من أجل توفيق الذين يحكموننا، وأن نحب الوطن ونخلص له ونخضع لشرائعه وأن نذود عنه بكل وسيلة، ويقول القديس بولس في هذا الصدد » فاسأل قبل كل شيء أن يقام الدعاء والصلاة والابتهال والشكر من أجل جميع الناس ومن أجل الملوك وسائر ذوي السلطة، لنحيا حياة سالمة مطمئنة بكل تقوى ورصانة، فهذا حسن ومرضي عند الله مخلصنا».

العمل الجماعي..

وحول العمل في المجتمع، بيّن الأب حداد أنّ المطلوب تعاون الجميع في خدمة الصالح العام لتحقيق الأهداف الأساسية المتمثلة في: الاحترام وتعزيز الحقوق الأساسية للفرد، والازدهار أو تنمية الخيرات الروحية والزمنية للمجتمع، وسلامة وأمن الجماعة وأعضائها.

وقال إنّ ازدهار المجتمع يتطلب سيادة القانون على الجميع، والأمر الأعظم من سيادة القانون هو عدالة القانون، فسيادة القانون ترتكز فعلاً على عدالة القانون، فكل قانون لا يتصف بالعدالة لا يمكن أن يسود.

الدين والأخلاق..

وقال حداد: من بين جميع العادات التي تؤدي إلى الازدهار المجتمعي يعتبر الدين والأخلاق دعائم لا غنى عنها، فعبثاً يدّعي أي شخص أنه يكرم الإنسانية والمجتمع والوطن، إذا عمل على تحييد هذه الركائز العظيمة التي تحقق السعادة الإنسانية–فهذه الدعائم هي الأكثر صلابة في تشجيع الناس على القيام بواجباتها في المجتمعات.

ورأى أنّ على الناشط السياسي والاجتماعي وأصحاب التأثير، على قدم المساواة مع رجال الدين والفكر، العمل على تعزيز الركائز الإيجابية، نحو تحقيق السعادة للأفراد والمجتمع.

وتساءل حداد عن الضمانات لحماية الممتلكات، والحياة والكرامة الانسانية، في حال غابت المسؤلية الفردية والجماعية، بل والحس الإنساني والعاطفة الدينية من قلوب الناس.

وتابع بالقول إننا أمام التأثير المعاصر على العقول، واستناداً إلى المنطق والتجربة كليهما لا يمكننا أن نتوقع أن تسود منظومة الأخلاق في غياب الوازع الأخلاقي والإنساني والديني.

القانون والأعراف

وفي المحور القانوني للندوة: «الأعراف والقانون نقاط الالتقاء وأوجه الصراع»، قال د. فياض القضاة إنّ الأعراف هي سلوك اجتماعي معين يتكرر القيام به حتى يحصل على إقرار المجتمع بقبوله والشعور بإلزاميته.

وهو مصدر أصيل من مصادر القانون، حيث يقتبس القانون الأعراف الحميدة ويقوم بتقنينها في تشريعات لتحقق حاجة المجتمع في نواحي متعددة. وقد يكون هذا التقنين للأعراف من جهة إيجابية، أي بقبول العرف وتحويلة إلى قاعدة قانونية تعزز وجوده في المجتمع، كما قد يكون هذا التقنين للأعراف من جهة سلبية، بحيث يقنن قاعدة قانونية تمنع سلوك هذا العرف لاعتقاده بمضاره المجتمعية والاقتصادية وحتى السياسية.

وتحت عنوان «الأعراف كمصدر رسمي للقانون»، قال د.القضاة إنّ الأعراف تعتبر في نواح متعددة وبالذات في الجوانب الاقتصادية والتجارية مصدراً من مصادر القانون، حيث يتم اللجوء إليها عند عدم وجود نص قانوني، فعلى سبيل المثال تنص المادة 2 من القانون المدني الأردني على ما يلي: «1- تسري أحكام هذا القانون على المسائل التي تتناولها هذه النصوص بألفاظها ومعانيها ولا مسوغ للاجتهاد في مورد النص.»، 2- فإذا لم تجد المحكمة نصاً في هذا القانون حكمت بأحكام الفقه الإسلامي الأكثر موافقة لنصوص هذا القانون، فإن لم توجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية، 3- فإن لم توجد حكمت بمقتضى العرف، فإن لم توجد حكمت بمقتضى قواعد العدالة، ويشترط في العرف أن يكون عاماً وقديماً وثابتاً ومضطرداً ولا يتعارض مع أحكام القانون أو النظام العام أو الآداب. أما اذا كان العرف خاصاً ببلد معين فيسري حكمه على ذلك البلد».

وأورد د. القضاة المادة (3) من قانون التجارة الأردني التي تنصّ على أنه «إذا لم يوجد نص قانوني يمكن تطبيقه فللقاضي أن يسترشد بالسوابق القضائية واجتهاد القضاء وبمقتضيات الإنصاف والعرف التجاري».

وأشار إلى العديد من الأعراف التي يتم اللجوء إليها في الأعمال المصرفية، فبعضها مقننة وبعضها غير مقنن، ومن الأعراف التي يتم اللجوء إليها «الأعراف الموحدة للاعتمادات المستندية» الصادرة عن غرفة التجارة الدولية.

تقنين العرف..

وحول نقاط الالتقاء والاختلاف، قال د.القضاة إنّه عندما يلتقي العرف مع القانون، فإنّ القانون يقوم في العادة بتقنين العرف كقاعدة قانونية ويضفي عليها صفة الإلزام القانوني. وعندما يتصادم العرف مع القانون فإنّ القانون يسمو في التطبيق عليها، وتبدأ القاعدة العرفية بالاختفاء مع الزمن، لأن القانون يمنع الناس من القيام بها. وفي بعض الحالات وعندما تكون القاعدة العرفية متجذرة في المجتمع ولكنها مخالفة للقانون، فإن جهات إنفاذ القانون تتجنب الصدام بمكونات المجتمع وتحاول تطبيق القاعدة القانونية بالتدريج، خاصة في مجتمعات العالم الثالث على خلاف مجتمعات العالم المتقدم الذي تزيد فيه درجة احترام القاعدة القانونية. وأشار د.القضاة إلى أمثلة: الفائدة القانونية على القروض التجارية، وقضايا القتل بزعم الدفاع عن الشرف، وقضايا الجلوة العشائرية.

نقاش وتوصيات

دعم سيادة القانون

ودعا الأمين العام للحزب الوطني الدستوري د.أحمد الشناق إلى أن يكون مفهوم الدولة الديمقراطية الحديثة نابعاً من الذات الأردنية، مهتماً بتطوير النظام السياسي الأردني، وقانون الانتحاب والدوائر الانتخابية، ونوّه إلى الكرامة الإنسانية وحرمة الدم كعنصرين قام عليهما الإسلام، كما أكّد قانون الدولة المدنية، مذكراً بالعهدة العمرية والأخوة الإسلامية المسيحية. كما أكّد أهمية دعم سيادة القانون سياسياً، مشيراً إلى العادات والثقافات والتقاليد والأعراف.

وحذّر من تصادم الأعراف والقوانين أحياناً، ما يؤدي إلى خلل في النظام الاجتماعي للدولة، وهو تحدٍّ يجب الانتباه له. كما لفت إلى أهمية أن يكون القانون كائناً حياً، مع قضايا المرأة والحقوق وفي أمور العقيدة، وقال إنّ قوانين لها خلفية اجتماعية وبيئية عالمية ربما لا تناسبنا، داعياً إلى الشراكة بين كلّ مقومات المجتمع ومكوناته.

التنمية السياسية

وتحدث د.اسماعيل الزيود عن موضوع الهجرة الداخلية، أو ما أسماه النزوح الداخلي، للبحث عن وظيفة، متحدثاً عن نسبة كبيرة من السكان موجودة في عمان.

ورأىّ أنّه ما من تهميش لدور العشيرة في المجتمع الأردني، موضّحاً بأنّ الموضوع هو (تنمية سياسية)، فنحن ذاهبون باتجاه مجتمع مدني حقيقي، تلعب فيه المؤسسات الدور الأساسي، في تطلعنا للأردن في مئويته الثانية، بما في ذلك من حثّ للشباب في موضوع المشاركة السياسيّة.

ولفت د.الزيود إلى دراسة أجراها عن دور العشيرة في الانتخابات النيابية للمجلس النيابي الثالث عشر، عام 2000، وجد فيها أنّ كثيراً من الزعامات الحزبية قد هرولت للعشائر، على اعتبار العشيرة كتنظيم اجتماعي، تلعب دوراً سياسياً بامتياز، فقدمت الدعم المالي والمعنوي، وأفرزت مرشحين في المرحلة الأولى للانتخابات، في حين نحتاج إليوم إلى أحزاب ومشاركة شبابيّة بطبيعة الحال.

وتحدث عن ثالوث (الدين، والقانون، والمجتمع)، وما نشأ، ويمكن أن ينشأ، من أمور وقضايا بحكم الزمن، بل ربما، كما رأى، تصبح بعض السلوكات طبيعيّة، منتقداً على سبيل المثال رؤية البعض لموضوع المخدرات كموضوع عادي وطبيعي.

وناقش مسألة العرف العشائري، والعقل الجمعي وعدم قبوله في أحيان كثيرة لكلّ جديد، ولذلك دعا إلى قراءة المجتمع والقوانين لهذه الغرض.

قانون للعشائر

وتحدث الطالب في كلية الحقوق بالجامعة الأردنية عبد الله الزعبي، حول مشاكل معينة في الاحتفالات، وما يقوله البعض من أنّ وراءها العشيرة، مع أنّها مكوّن رئيسي في المجتمع الأردني، فما يميّز العشائر الأردنيّة أنّ لها امتدادات عربيّة بعيدة، وأنّ لها قانونها في تنظيم أفرادها وشبابها، وهذا أمرٌ طيب كما رأى الزعبي، في حديثه عن القانون العشائري والقانون المدني، ذاكراً أنّ أول قانون للعشائر في الأردن كان عام 1924م، متسائلاً عن مدى التغيير الذي يمكن أن يحدث إن نحن قمنا بتفعيل هذا القانون.

الدين المسيحي..

وتساءل الطالب في كليّة الحقوق عبد الله زكارنة، عن مدى تأثير الدين المسيحي في العرف العشائري، وهل تعاليم الدين المسيحي تختلف مع أحكام العرف العشائري السائدة في المملكة؟!.. وفي إجابته، قال الأب نبيل حداد إنّ هناك بعض العادات التي كان للمسيحية أثرٌ فيها، لافتاً إلى كتاب «خمسة أعوام في شرق الأردن»، الذي كتبه عام 1908 المطران بولس سلمان باني أول كنيسة في عمان.

دور الإعلام

كما ركّز الطالب في الجامعه الأردنية مهند العتيبي على أهمية الدور الإعلامي في التنشئة والتنمية السياسية القانونية الاجتماعية.

نظام الإسلام..

وقال الشيخ عبدالكريم الخصاونة إنّ قانون العشائر يجب أن يكون منسجماً مع القانون والنظام، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يأتي بقانون ونظام، والعشائرية موجودة كطريقة لسلوك أبنائهم وتربيتهم ولعاداتهم وتقاليدهم، لكن بشرط ألا تخالف العشيرة النظام الإسلامي، فنحن نأخذ بنظام الإسلام، ولا نأخذ بنظام العشيرة والعادات والتقاليد، وأوضح الشيخ الخصاونة أنّ النظام الإسلامي تربية إسلامية، فلا يوجد اختلاف بينه وبين العشيرة، فالعشيرة تعاقب كل من يقوم على مخالفة هذا النظام، ما دام ضمن السلوك وضمن القانون. وأكّد أنّ العشيرة عنصر فعال في المجتمع ولا يوجد اختلاف بين العشيرة والنظام والقانون الذي جاء به الرسول عليه السلام، ولذلك نحتاج إلى مدوّنة تضبط الأمور.

الكنيسة والمسجد..

وتحدث حداد عن الجامع الحسيني كأول مسجد في عمان، وهذه الكنيسة أيضاً التي بناها المطران بولس سلمان، إذ قضى في البوادي والحضر، وكتب أنه لم يجد هناك فرقاً بين العادات العشائرية بين المسيحيين والمسلمين، وفي هذا السياق تحدث الأب حداد عن المجتمع الواحد، ومسميات كنائس بترا وفيلادلفيا وسائر شرق الأردن، لافتاً إلى أنّ جذور الغساسة الذين ينتمي لهم، هي جذور عشائرية، ولنا أن نبحث في كيفية تطورها، وأضاف أننا لا نستطيع أن ننكر أنّ للدين دوراً، ولهذا السبب كان المسيحيون يتعايشون بدون تكلف، وكان هذا التسامح العشائري تسامحاً طبيعياً وغير متصنع، ولهذا فإنّ أيّ شيء يدعو للفضيلة والخير بأي قانون عشائري، هو محلّ تأييد.

ودعا الشيخ طلال الماضي إلى إجراء دراسات مستمرة لخدمة الأفكار وتطوير التشريعات، متحدثاً عن خصوصيات معينة لهذا القضاء، في مواضيع المرأة والعرض على سبيل المثال.

وتحدث د.فياض القضاة عن مسألة الاحترام أو عدمها للقواعد الدينية في الدول الحديثة، متطرقاً إلى موضوع سيادة القانون وتطبيقه وأخذ الحقوق على هذا الأساس، داعياً إلى احترام القاعدة القانونية، دون وجود واسطة، كما تحدث عن عدالة القانون بالتطبيق.