مركز الرأي ينتدي عن مسيرة الأردن والتحديات المستقبلية
مختصون: تجسير فجوة الثقة بين القطاعين العام والخاص
عمّان - الرأي
بناء استراتيجية اقتصادية اجتماعية لمدة عشر سنوات
بناء مشروع وطني متكامل قادر على التجسير بين الحداثة والتراث
ضرورة استكمال مشروع الإصلاح السياسي في الأردن
التحول إلى مجتمع مدني يعمل بالقانون ووفق أحكامه
نظم مركز «الرأي» للدرسات والتدريب الإعلامي ندوة حوارية بمناسبة عيد ميلاد جلالة الملك عبدالله الثاني، شارك فيها سياسيون وحزبيون ونقابيون تناولوا مسيرة الأردن والتحديات المستقبلية.
وقال مدير المركز هادي الشوبكي في تقديمه للندوة إن قراءة مسيرة الأردن منذ إعلان الملك عبدالله الثاني العهد الرابع للمملكة أمام مجلس الأمة في 7 شباط 1999 إلى اليوم تجعلنا نعظّم الإنجاز ونعزز قوتنا ونركز على معالجة التحديات الداخلية والخارجية بأبعادها السياسية والاقتصادية والقانونية والاجتماعية والتعليمية ومكافحة الإرهاب التي تتطلب مقاربات منهجية لمواجهتها، ليواصل الأردن مسيرته في مئويته الثانية.
تالياً وقائع الندوة:
نحو تعزيز الدولة الوطنية الديمقراطية
الأمين العام لحزب الوسط الدستوري د.أحمد الشناق
لقد دخلت المنطقة في مرحلة الصراعات والحروب بالوكالة، وتفتتت المجتمعات فيها بسبب الخلافات العرقية والعقائدية والمذهبية، وأحاطت تلك الصراعات والحروب بالمملكة، إذ دارت رحاها وما تزال في العراق الشقيق، وسوريا الشقيقة، وفلسطين التي ترزح تحت نير مشروع صهيوني يسعى إلى ترسيخ الدولة اليهودية على كامل التراب الوطني الفلسطيني. وهذا هو التحدي التاريخي الوجودي للدولة الأردنية.
في الخمسينيات والستينيات، كانت الخلافات بين الأنظمة تُحَلّ عبر الهاتف، لكننا نشهد الآن تحولات تاريخية، وكأن المنطقة عادت إلى ما قبل 1000 عام، وأصبحت ساحة للصراعات والحروب بالوكالة، وتشكلت محاور إقليمية تابعة للقوى العالمية ما تزال في حالة اشتباك في محاولة من كلّ منها لإلغاء سواه. والعديد من الأقطار العربية التي شهدت الصراع الدموي والتفتيت وتهجير المواطنين، أصبحت أوراقاً تفاوضية بأيدي القوى الخارجية المهيمنة.
فسوريا مثلا مرتهنة، وتنتشر على أراضيها 13 قاعدة عسكرية على مستوى إقليمي أو دولي، والعراق كذلك، وليبيا أيضاً، ومثلها السودان.
هذا هو الوضع الجيواستراتيجي للأردن في ظل التحولات التاريخية؛ فكيف تعاملت معه القيادة الأردنية ممثلة بجلالة الملك.
أول النجاحات التي حققها الأردن نسج العلاقات المتوازنة على مستوى العالم، بما يشمل القوى المتصارعة ذات النفوذ بالمنطقة، فقد استطاع الملك بالحكمة والشجاعة أن ينسج علاقة من الاحترام للدولة الأردنية مع كلّ من واشنطن وموسكو ولندن وبكين، وبما ينأى بالأردن عن أي صراع أو حرب بالوكالة في المنطقة.
لقد استطاع الأردن أن يمنع امتداد الحرائق إلى الساحة الأردنية، رافضاً منذ البداية وبشجاعة كل أشكال التطرف والإرهاب التي تتبناه بعض الدول والجماعات بمسميات وشعارات إسلامية وغير إسلامية.
وتكشف خطابات الملك المعلنة ولقاءاته الخاصة على مستوى عالمي أن الأردن حرص على أن ينأى بنفسه عن صراع المكونات داخل أي قطر عربي، فلم ينحَز لطائفة أو لمذهب أو لعرق، وكانت دعوة الملك أن يتم اعتماد الحل السياسي لإطفاء أي صراع بين مكونات أي قطر عربي وبما يحفظ وحدة التراب الوطني للوحدة القُطْرية العربية.
لكن هناك بارقة أمل للمشرق العربي الجديد رغم الانحطاط والصراعات الدامية وتفتت المجتمعات وسقوط الجيوش والدول، وهي تتمثل في التكامل العربي مع العراق رغم ظروفه، ومع مصر أيضاً، وطرق أبواب دمشق لتكون جزءا من هذا التكامل وفق رؤى جديدة تحاكي العصر من خلال ربط شعوب المنطقة بالمصالح المشتركة.
أما في ما يتصل بالقضية المركزية الفلسطينية، فخلال لقاءات الملك مع قادة الدول العربية والإسلامية في المؤتمر الذي عُقد في الرياض وحضره الرئيس الأميركي السابق ترامب بقيادته المتطرفة، جدّد جلالته تأكيده أن القضية الفلسطينية تتقدم بمركزيتها على جميع القضايا وأنه لا يجوز تدخل بسجالات القضايا والملفات المختلف عليها بين أقطار الأمة العربية.
لقد كان الأمر المركزي في خطاب جلالة الملك دولياً وعالمياً، وخطابه على مستوى المنطقة ومع الأشقاء العرب، أن قضية فلسطين يجب أن تبقى ذات أولوية، وأن حلها أساس استقرار الأمن والسلام بالمنطقة، وأن القضية الفلسطينية ينبغي ألا تكون من الملفات المختلف عليها بين الأنظمة والأقطار العربية.
واستطاع الملك باللاءات الثلاث وبالمقاومة من خلال الدبلوماسية النشطة والفاعلة حتى داخل الولايات المتحدة، تجاوز ضغوط الإدارة الأميركية التي حاولت أن تفرض حلا للقضية الفلسطينية في إطار ما يسمى «صفقة القرن»، وكانت رسالة الأردن الواضحة في هذا السياق ليس بإسناد الأشقاء الفلسطينيين بحقهم بحل الدولتين فقط، وإنما باستكمال السيادة الأردنية على الأراضي الأردنية بالباقورة والغمر. لقد كانت الرسالة الأردنية أن الأردن لا يستكين إذا ما تعلق الأمر بسيادته الوطنية مهما كان الواقع العربي متردياً.
فهذه السياسة التي نهجها جلالة الملك والتي تنشد السلام، فرضت مكانة دولية للأردن، والتزمت بثابت الأمن القومي العربي على اعتبار أن جلالة الملك أكد في كل لقاءاته أن أمن أي قطر عربي هو أمن للأردن، ومثّل جلالته استثناءً بين الزعماء العرب في التمسك بمنظومة الأمن القومي العربي. ففي موضوع الصراع الدائر في سوريا مثلا، يسجَّل للملك منذ بدء الأزمة هناك الدعوة إلى الحل السياسي، وقد كان هذا واضحا في لقاء جلالته بمكونات الشعب السوري ومطالبته بمغادرة القوات الأجنبية من الأرض السورية، ورفضه المطلق التدخل بشؤون الغير، وهذه سياسة أردنية ثابتة.
هذا النهج الذي اتبعه الملك حمى الأردن من الزلزال الكبير الذي هزّ المنطقة العربية على مستوى المجتمعات والدول، وحفظ أمن الأردن واستقراره.
وفي الشأن الداخلي، وبصفتي كنت عضواً باللجنة الملكية للإصلاح السياسي، فإن الأردن يتجه نحو تعزيز الدولة الوطنية الديمقراطية بحكومات حزبية برلمانية قائمة على تعددية سياسية بشكل جديد.
تعديلات تنقلنا إلى محطات مشرقة بالمئوية الجديدة
د.فياض القضاة
عميد كلية الحقوق الأسبق في الجامعة الأردنية
خلال المئوية السابقة تم تأسيس دولة أردنية بكامل مقوماتها القانونية والاقتصادية والاجتماعية. وعندما نتكلم عن إمارة شرق الأردن وننظر كيف كان الأردن بمكوناته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، نجد أنه سار خطوات كييرة إلى أن وصل إلى دولة حديثة بالمعنى القانوني.
فقد تم ترسيخ بناء مؤسسات الدولة الأساسية وسلطاتها الدستورية. عندما بدأنا بدستور 1952 بدأ بناء السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية كما يحدث في أي دولة متحضرة بالعالم، وتم ترسيخ مفهوم الدولة هذا لدى المسؤول والمواطن على حد سواء. آمن المسؤول بأن هناك تداولا للسلطة، ورأينا هذا على أعلى المستويات؛ على مستوى الملَكية، بينما شهدت دول عربية ودول في العالم الثالث إشكالات كبيرة في هذا الجانب. حتى الحكومات؛ كنا نرى أن هناك سلاسة بالانتقال الذي قد يفرضه الظرف الاقتصادي أو السياسي أو أي ظروف أخرى، ولو لم يكن هناك بناء مؤسسي صحيح مبني على الدستور والقوانين ووعي المواطن والمسؤول، لكانت حدثت خضّات سياسية كبيرة.
لكن هذا لا يكفي، فهناك أيضا البناء القانوني والسياسي والاجتماعي. الأردن كان صحراء عند تأسيسه، ثم أُنجزت البنية التحتية من طرق ومدارس ومستشفيات وجامعات.. وفي بدايات الدولة عندما لم يكن هناك قدرات اقتصادية بالدولة، بدأنا بالشركات الكبرى الأساسية، الشركات المساهمة على أساس منح الامتياز، فالدولة قد لا تكون قادرة على بناء شركات كهرباء واستغلال المعادن والطرق، ورأينا الشركات الكبرى الأساسية بالكهرباء والطاقة والمياه كانت كلها شركات امتياز لمدة 50 سنة. وفي البنية القانونية، الأردن لديه قوانين منذ مرحلة التأسيس وما تلاها، وهناك قوانين أُقرّت في الخمسينيات نفتخر بها نحن القانونيين، ومنها تلك المتعلقة بالتحكيم، وفض المنازعات بالتحكيم الذي هو موازٍ للقضاء. فالأردن أقر أول قانون تحكيم بالوطن العربي. وكذلك الحال بالنسبة إلى الملكية الفكرية، وحق المؤلف، وحق الاختراع.. الأردن لديه قوانين منذ الخمسينات، بينما تفتخر دول أخرى بأنها وضعت تشريعات تتصل بحماية حق المؤلف وبراءات الاختراع في مطلع الألفية الثالثة.
هذا البناء لم يأت من فراغ، كانت هناك قيادة واعية تنظر للمستقبل، لديها علاقات بالإقليم. ويطول الحديث عن بناء الدولة خلال مئة عام، وهذا ليس صدفة، فالدول لا تبنى صدفة، هذا كان عمل القيادة والقيادات الأردنية بجميع المجالات، وهناك رجال اقتصاديون أفنوا عمرهم في بناء قطاعات معينة، ورأينا كيف بنيت الصناعة، وعندنا شركة التعدين والفوسفات والبوتاس وهي مشاريع مهمة على مستوى الإقليم.
وعندما ننظر للوضع الاقتصادي، فالأردن كان يبحث عن مكان ما بهذا الإقليم ليقف على رجليه ويستغني عن المساعدات، واستطاع بناء علاقات على المستوى العالمي، واستطاع أن يفهم التوازنات العالمية ولم ينجذب إلى أتون الحروب الباردة التي أدت في فترة من الفترات إلى ذوبان أنظمة كثيرة، والأردن بقي يتمتع بالاستقرار السياسي.
في الوقت الحالي وفي السنة الأولى من المئوية الثانية بدأنا نبني، وبدأ الحديث في قضية التعديلات القانونية والدستورية. هل سنبقى بهذا الوضع، أم إن هناك نظرة مستقبلية لتغيير إيجابي بالبنية القانونية والبنية الاقتصادية والبنية السياسية؟
سنخطو خطوة قد تكون جيدة، الأردن مجتمع عشائري، وسيكون التمثيل بمجلس النواب مبنيا على أساس شخصي عائلي عشائري. اليوم انتهينا من هذا الموضوع -مع الاحترام للعشائر. حتى العشائر بدأت تنزع العباءة قليلاً فقليلاً باتجاه العلم والأسس العلمية لبناء المواطن بصرف النظر عن خلفيته.
الأردن يفخر أن مكونه الاجتماعي ليس فقط على خلفية معينة. لننظر للأردن ولتكوينه الاجتماعي.. الأردن منذ تأسيسه قام على أساس عربي، والمجتمع الأردني نرى الوطن العربي كله فيه، ونرى البعد الإسلامي، ولجأ كثيرون لهذا البلد، ولم يذهبوا للدول التي لديها أرصدة بالمليارات، جاءوا إلى بلد تنظر إليه هذه الدول على أنه فقير من الناحية المادية، لكنه غني بالتنوع الثقافي والاجتماعي.
النظرة المستقبلية تكون بأن نصهر هذا المجتمع بأردنيته التي أوجدناها بصرف النظر عن أصول أبنائه وخلفياتهم وحتى أفكارهم.. نتكلم عن صهر لبناء دولة جديدة.
مجلس النواب سيطرأ عليه تغيير جوهري، ولن نرى أن كل عائلة وكل مجموعة أتت بنائب ولا يهمها الهم الوطني، اليوم المطلوب الانضمام للأحزاب، إما أن ننضم ونسير أو نبقى متفرجين. وإذا انضممنا إلى حزب فيجب أن يكون ذلك على أساس فكري وليس على أساس شخصي، ينبغي أن نقتنع بفكر الحزب بصرف النظر عن رئيسه.
كيف نصهر المجتمع؟ يجب أن نراعي الخلفيات والاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية.
الحديث عن الفكر ينقلنا نقلة نوعية بالسياسة، والسياسة يتبعها الاقتصاد، وبالتالي يكون لدينا مجلس نواب بأغلبية حزبية قادرة على تشكيل الحكومة ومحاسبتها وتحمل مسؤولية تنفيذ أفكارها، وإذا فشلت بتنفيذ أفكارها هناك حزب آخر ينتظر في الظل ليحل مكانها، لذلك لن نجامل بعضنا بعضا، فهدفي كحزب ثانٍ أو ثالث أن أفرض أفكاري. الفكرة أننا كحزب دستوري قانوني كلنا مربوطون بمصلحة الدولة.
التخوفات التي يطلقها بعضهم أن هناك من قد يأخذ البلد لليمين أو لليسار. لا، هناك دولة ونظام، إذا خرج أحد عن الخط العام لمصلحة البلد ودستوره سيُحاسَب. ونأمل أن تنقلنا هذه التعديلات الجديدة إلى محطات مشرقة بالمئوية الجديدة.
أمن الوطن وتعزيز دوره والارتقاء بإنسانه
اللواء المتقاعد عودة إرشيد شديفات
المستشار الإعلامي والثقافي في القيادة العامة للقوات المسلحة
إنها مسيرة الخير المباركة، الغنية بانجازاتها وتحدياتها ومقوماتها، فمنذ البدايات الأولى للدولة الأردنية المعاصرة لم تكن الأمور سهلة أو ميسورة، وإنما كانت مزيجاً من التحديات والصعوبات والضغوطات والتصفيات والتعقيدات، ومع كل هذا كانت الحكمة والصبر والتعاون وتعزيز ثقة المواطن بنفسه وقيادته ومؤسساته، تسير جنباً إلى جنب مع تلبية متطلباته الحياتية في شتى المجالات وفي مقدمتها تحقيق الأمن الذي يوفر للمواطن أهم مقومات حياته، ومن خلال ذلك ينطلق للعطاء والتميز والبناء بحالة من الطمأنينة والثقة المتبادلة، وتتشكل لديه روح المبادرة والعزيمة والتفكير المستقبلي الذي ينقل الإنسان عبر مسيرة الحياة من إنجاز إلى إنجاز اخر ويعزز طموحاته نحو المستقبل الذي ينشده ويصبو لتحقيقه.
لقد مرت الدولة الأردنية عبر مئة عام وفي عهود الملوك الهاشميين الأربعة من الملك عبدالله الأول إلى الملك عبدالله الثاني مروراً بعهد الملك طلال والملك الحسين بفترات غاية في الصعوبة وفي الوقت نفسه كانت أمثلة تحتذى في التفاف الشعب بكامل مؤسساته حول القيادة، ذات الشرعية الدينية والتاريخية، فترافقت مسيرة بناء الدولة بعد التأسيس مع مواجهة التحديات الاستعمارية، وتوفير متطلبات الحياة، والتوق للاستقلال والحرية، والنأي عن الحروب والمؤامرات والضغوطات، والتعامل مع شح الموارد، وما زال جزء من هذه التحديات قائما ً ونحن على عتبة المئوية الثانية.
وتنوعت التحديات، وتغيرت السياسات والعلاقات، وتعرضت دول مجاورة ودول في الإقليم والعالم لإفرازات وتحديات متنوعة وجديدة وتهديدات متنامية وأخطار محدقة، أنهت حضارات، وغيرت دولا، وغيرت بنى الكثير من دول العالم، وهناك العديد من المدخلات بين التطور الحديث للتكنولوجيا وإفرازاتها سلباً وايجاباً وبروز أنواع جديدة من الحروب والكوارث والصراعات والإرهاب وتجارة المخدرات، وكل هذه المشاهد لم يكن الأردن بعيداً عنها، سواء تعلق الأمر بدولة جوار أو بدولة يحتم موقع الأردن السياسي والجغرافي والاستراتيجي أن يتعامل معها، كل ذلك يضاف للقضية المركزية التي خلقتها الصراعات والحروب والمؤامرات التي أشرنا إليها، وهي القضية الفلسطينية التي تشكل جوهر الصراع في الوطن العربي، والتي اتخذها بعضهم ذريعة لنشر مزيد من الإرهاب وتشتيت الصفوف وتحقيق النفوذ ونشر الفوضى وإثارة النعرات دون أن تقدم لهذه القضية ما يساعد أهلها ويوصلهم لحقوقهم المغتصبة ويحافظ على هويتهم فوق ترابهم وأرضهم المحتلة.
أمام كل ذلك وكل ما يحتاجه الوطن داخلياً وخارجياً ومن أجل إدامة عطائه وعلاقاته وحضوره العربي والإقليمي والدولي، نجد حكمة القيادة وبعد نظرها وتطلعها للمستقبل يختصر الكثير ويقرب المسافات ويعطي الأمل بدوام المسيرة المباركة وتقدمها نحو الأفضل.
وشهد القرن الحادي والعشرون استمراراً لهذه المسيرة، تحت قيادة جلالة الملك عبدالله الثاني الذي نحتفي هذه الأيام بعيد ميلاده الستين. ولا يتسع المقام لإلقاء المزيد من الضوء على العديد من الإنجازات التي تحققت وكانت على المستوى المحلي والعربي والإقليمي والدولي، فكان أمن الوطن واستقراره وتعزيز دوره والارتقاء بإنسانه وتوفير متطلبات حياته أولويات مهمة لدى جلالة القائد الأعلى، وبخبرته العسكرية والسياسية التفت جلالته الأمور التي تحقق الأمن الوطني الشامل وتسهم في تجنيب الأردن إفرازات الأحداث والثورات والتناقضات التي حصلت في الإقليم والتي تتطلب مزيداً من الاستعداد والتحضير والتفكير المستقبلي والقراءة الدقيقة لما يمكن أن تؤول إليه هذه الأحداث، فبرز الإرهاب بصوره المتعددة الفكرية والمادية، وتسارعت وتيرة تجارة المخدرات، وأصبح أمن الحدود يحتاج لمزيد من الاستعداد والتدريب والتسليح والهيكلة وإعادة التنظيم للجيش والأجهزة المعنية، وكان حلم جلالته توظيف التكنولوجيا والبدء بالتصنيع العسكري واستحداث مراكز التدريب النوعية والتركيز على الاهتمام بالشباب ونوعية التعليم والشأن الصحي، مثلما كان الأردن ومن خلال مبادرات جلالة القائد الأعلى من أوائل الدول في الإقليم التي أنشأت مركزاً متخصصاً لإدارة الأزمات، وقد برزت التجربة الأردنية في هذا الشأن في الكثير من المواقف التي تم التعامل معها بتشاركية واستراتيجية تنطلق من مكان واحد وإدارة موحدة، ومن هذه التحديات ما تعرض له الأردن من عمليات إرهابية وكذلك جائحة كورونا وغيرها الكثير.
وانطلقت مبادرات كثيرة من جلالة القائد الأعلى للعالم أجمع حول أهمية التعاون والتشاور والتنسيق والعلاقات المبنية على الثقة واحترام خصوصيات الدول وكيفية تسخير كل ما يمكن من خلال تعاون الدول من أجل خدمة الإنسان، خصوصاً في ظل مثل هذه الجوائح التي ألمت بالعالم.
نبارك لجلالة قائدنا الأعلى عيد ميلاده، ونتمنى له موفور الصحة والعافية وللأردن مزيداً من التقدم والرفعة والازدهار في ظل القيادة الهاشمية المباركة.
ضرورة التقاط الرسائل الملكية والبناء عليها
د.ماهر المحروق
المدير العام لجمعية البنوك
لا نخفي أن الأداء الاقتصادي للمملكة يواجه جملة من التحديات لظروف مختلفة، فالظروف الإقليمية تنعكس على واقعنا الاقتصادي، وهذا لا يعني بأي حال أنه لا يوجد تطور اقتصادي، على العكس من ذلك، نحن اليوم إذا تحدثنا بالأرقام سنرى كم تَحقق من إنجازات تعكس مستوى النهضة الاقتصادي في الأردن.
المكانة والوضوح بالموقف والرؤى السياسية هي أساس قبول الأردن عالمياً. وهذه ميزة تمتع بها جلالة الملك في مقارباته لقضايا كثيرة منذ عام 2000 وحتى الآن، سواء ما يتعلق باجتياح العراق أو ما يتعلق بقضايا على مستوى الإقليم والمنطقة.. نحن أقرب دولة لسوريا، وفي مرحلة من المراحل كلنا نعرف حجم الآثار التي تحملناها، لكن الموقف بحد ذاته كان موقفا ذكيا ومتوازنا وملتزما بمصالح الشعب السوري وملتزما بمصالح الأردن بكل تأكيد.
هذه المواقف كلها توضح أهمية أن تكون قادرا على بناء تصور ونموذج اقتصادي واضح، في عملية التطبيق قد يكون هناك خلل في المظاهر الاقتصادية وإجراءاتها، وقد يكون ذلك بسبب الظروف.
قبل خمس سنوات التقى الملك بمجموعة من الاقتصاديين وتكلم عن البطالة وكتبت مقالة تحت عنوان «البطالة في حديث جلالة الملك». إن بعد النظر على مستوى القيادة تجاه التحديات موجود، ورغم المشاكل والتحديات وصلنا اليوم لإنجازات. على سبيل المثال حجم الإنتاج القائم بالصناعة في عام 2000 كان 3.5 مليار دينار، اليوم أصبح 18 مليار دينار، في قطاع التجارة كنا نتكلم عن إنتاج قائم 615 مليون دينار عام 2000، واليوم أصبح 4.2 مليار دينار، الصادرات كانت قيمتها 990 مليون دينار، اليوم أصبحت 5 مليار دينار، الدخل السياحي كان 512 مليون دينار ووصل قبل الجائحة الى 4.1 مليار دينار، حوالات العاملين بلغت قيمتها اليوم 3 مليار دينار، احتياطيات البنك المركزي في عام 2000 كانت 2 مليار دينار تقريبا، اليوم أصبحت 17 مليار دينار، وهذا يعبر عن وضع آمن ومستقر، نسب الأمية انخفضت من 11% الى حوالي 5% اليوم وكلنا نعرف أهمية العنصر البشري الأردني وتميزه على مستوى المنطقة.
ما قبل عام 2000 كان الانفتاح على الاقتصاد العالمي من خلال اتفاقية الشراكة الأردنية الأوروبية، وتم اعتبار الأردن من دول حوض المتوسط نظرا لاعتبارات سياسية، وهذا يعد إنجازا لجلالة الملك الحسين. بعد عام 2000 دخلنا في نموذج اتفاقيات التجارة الحرة التي أعطت الاقتصاد الاردني وصولا لأكثر من مليار ونصف المليار مستهلك حول العالم، وهذا يشمل اتفاقيات التجارة الحرة مع كل من أوروبا وأميركا وكندا وسنغافورة والدول العربية.
الأردن هو الدولة العربية الأفضل في تطبيق اتفاقية التجارة الحرة العربية، ومصالحنا تتطلب ذلك، والسوق الاستهلاكية تتطلب ذلك، وقطاعنا الاقتصادي الإنتاجي يتطلب ذلك.
هذا كله ما كان ليتحقق لولا الوزن والدور السياسي ووضوح الرؤية السياسية والنأي بالأردن عن المشاكل الإقليمية والدولية. وهذا يحسب للاقتصاد الأردني بالإضافة للإنجاز الذي تم على المستوى الاقتصادي.
في ما يتصل بالموازنة، ركز الملك في خطاب العرش على بعدين؛ تطوير الموارد البشرية والقوى البشرية الأردنية كمصدر ومورد أساسي للاقتصاد الأردني، وإصلاح الاختلالات الهيكلية الموجودة في الاقتصاد.
كان تساؤلي في اجتماع اللجنة المالية بمجلس النواب، أن هذين البعدين الذين ذُكرا في الصفحة الأولى من مشروع قانون الموازنة، لا نلمس لهما وجودا لهما بأي صفحة أخرى من المشروع، ولا بأي مكان آخر. خطاب العرش يوجه الحكومة، وينبغي أن يُترجم بالأرقام وببرامج للنهوض بالقوى البشرية وتطويرها وجعلها ملائمة لسوق العمل، لكن هذا لم ينعكس في أي رقم من أرقام أو مشاريع قانون الموازنة العامة.
في موضوع الاستثمار والبطالة، البطالة هَمّ يؤرق الجميع، وكان واضحا باللقاء الأخير لجلالة الملك حديثه عن البطالة واهتمامه بهذا الملف، اليوم لم يعد مقبولاً بأيّ حال من الأحوال أن تبقى أرقام البطالة بالاقتصاد الأردني عند هذا المستوى.
إن ما يُبذل من جهود في هذا الموضوع على اختلاف المستويات قد لا يكون كافيا، هناك بالطبع محاولات وحلول، والحل الأمثل والأسرع هو الاستثمار لجلب مزيد من الاستثمارات كي نكون قادرين على خلق فرص عمل.
ملف الاستثمار يستحوذ على اهتمام الملك، ومن خلال الرؤية الملكية يظهر الاستثمار هو الحل لقضايا اقتصادية كثيرة. هناك 5 قوانين للاستثمار خلال 25 سنة، بمعدل قانون كل 5 سنوات، وكل مرة يكون القانون عصريا من حيث الرؤية والإطار العام. الخطأ ليس في النموذج نفسه بل بتطبيقه، وهذا لا يمنع أن نرى قصص نجاح في الاستثمار التي يتم جذبه بشكل مباشر من خلال الترويج الذي يتم من الملك شخصياً.
إن الاستثمار مهم كوسيلة لمعالجة المشاكل والقضايا الاقتصادية والجوهرية. وقد شهدت الفترة الأخيرة اهتماما من لدن الملك بملف الاستثمار المحلي وملف الزراعة على الرغم من مشكلة المياه، فمن خلال جولات الملك الأخيرة وزياراته لأكثر من مزرعة نموذجية أبدى جلالته اهتمامه بقطاعين استراتيجيين خلال جائحة كورونا: قطاع الصناعة المحلي والاستثمارات المحلية والمستثمرين المحليين بمختلف القطاعات، والقطاع الزراعي.
لا بد لنا من إعادة ترتيب أولوياتنا، والتقاط الرسائل الملكية والبناء عليها لتحقيق الاستفادة المرجوة للعنصر البشري وللاقتصاد الوطني، فالجهود الملكية تؤسس القاعدة الصلبة المتينة، وعلينا كحكومة وقطاع خاص البناء عليها وتحويلها إلى واقع.
بناء اجتماعي متماسك لمواجهة التحديات
د.فاديا إبراهيم
الخبيرة الاجتماعية
يمتاز البناء الاجتماعي للمجتمع الأردني بتنوع أصوله ومنابته، ويأخذ الشكل القوي المتين الذي ما زال يحافظ على قوته وصلابته رغم كل التحولات والتحديات السياسية الداخلية والخارجية.
هذا النسيج المجتمعي الذي يضم مجموعات أصولية وعرقية مختلفة احتضن أبناء الأصول الفلسطينية على أساس الدم الواحد والمصير المشترك وبوصفهم التؤام الثقافي والاجتماعي الذي يتشابه في عاداته وتقاليده، وهو يضم كذلك الشركس والأرمن والشيشان، واستضاف أيضاً اللجوء من دول الجوار.
ولا يستطيع أحد أن يُنكر الدور الذي لعبه الهاشميون في الحفاظ على اللحمة الوطنية، فكلنا نذكر عبارة جلالة المغفور له بإذن الله الملك الحسين بن طلال (الإنسان أغلى ما نملك). الإنسان الأردني بكامل إنسانية وكرامته التي بُنيت خلال المئوية الاولى من تأسيس الدولة إنسان يتمتع بكرامته وحريته وشهامته كعربي حُرّ أصيل يحافظ على تعاليم دينه وعلى عاداته وتقاليده، وفي الوقت نفسه يجاري العالم بعلمه وتحضره وانفتاحه.
ولا ننسى رمزية الأسرة في المجتمع الأردني التي تبدأ من الأسرة الكبيرة، الأسرة الأردنية، وتنتهي بكل عائلة أردنية في المدينة والريف والمخيم، هذه الأسرة التي يُشعرنا بها جلالة الملك عبدالله الثاني في كل خطاب من خطاباته عندما يقول: (أبنائي وبناتي)، إذ يخاطبنا بدفء الأسرة وباهتمام الأب الحاني وقربه.
وفي كل مرة كان يمر فيها المجتمع الأردني بأزمة، كان أبناؤه يثبتون قوة تماسكهم وتكافلهم لمواجهة الصعاب.
هذه القوة جاءت من حق المساواة الذي كفله الدستور الأردني: «الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين»، وكذلك من غيره من الحقوق الاجتماعية والثقافية التي ضمنها الدستور.
كما كان الأردن من أوائل الدول العربية التي صادقت على أهم المواثيق والمعاهدات الدولية والعالمية التي تضمن حرية الإنسان وكرامته وتضمن حقوقه الاجتماعية كافة بما فيها المعاهدات التي وعدت بحماية الحقوق الخاصة بالمرأة والطفل.
ولا ننسى الكم الهائل من المشاريع التنموية التي تمت خلال المئوية الأولى، والتي استهدفت الإنسان الأردني وتنمية قدراته وإمكانيته بما يمكنه من القيام بأعماله على اختلاف الأصعدة بأفضل وأتم وجه من أجل تحقيق التطور الاجتماعي.
وكانت هناك العديد من المبادرات التي قادتها جلالة الملكة رانيا وكذلك سمو ولي العهد الأمير الحسين والتي كان لها الدور الأكبر في النهوض بمكانة بالمرأة ودور الشباب في السنوات الأخيرة.
ومن أجل مقاربة منهجية لمواجهات التحديات المستقبلية، نوصي بأن يخضع المجتمع الأردني الحديث للرصد والتحليل والتداول في شؤونه بالقدر الكافي لإعطائه حقه في فهمه وإدراكه من قبل أبنائه.
التحديات والفرص أمام الأردن
د.جواد العناني
نائب رئيس الوزراء الأسبق
حيث أن مهمتي تأطير التحديات الرئيسية التي تواجه أردننا الحبيب في العقد القادم، وأن أقدم بعض المقترحات الإطارية للتصدي لها، فلا بد من التمهيد باختصار للنقاط المنهجية التالية:
أولاً: إن عبدالله الثاني، الملك الرابع للأردن، قد رُبّي على أن يعيش زماناً وعصراً يميز عصر أبيه الراحل الحسين بن طلال، وكذلك فإن التشابه بين ملوك بني هاشم لا يعني أن ليس لكلّ منهم أسلوبه. وقد ذكر جلالة الملك عبدالله الثاني في بدايات عهده أنه ليس أباه.
ثانياً: إن زمان الملك عبدالله هو زمان معقّد أردنياً، وعربياً، ودولياً. وبفضل العولمة، وسرعة انتقال الأثر من دولة لأخرى، فإن الإدارة العامة للدولة اكتسبت تعقيداً وتداخلاً بحيث لا يمكن حلها بأي قرار، ولا يمكن لأيّ قرار أن يكون معتمداً على تخصص واحد، بل على تداخل العلوم والمنهجيات.
ثالثاً: إن الأردن واجه في عصر الملك عبدالله الثاني تحديات متتالية من دون هوادة بدءاً من عام 2008 بانهيار الاقتصاد العالمي، والربيع العربي، واللجوء العارم للأردن، وتحدي الإرهاب، وأخيراً الكورونا، والحفاظ على الأردن وتماسكه، مما أكسب الأردن ثقة عالية لدى القريب والبعيد، وأعطاه دوراً خلقياً واستراتيجياً وإنسانياً متميزاً.
إن التحدي الأول هو تجسير فجوة الثقة بين القطاعين العام (الحكومة) والخاص (أفراداً ومؤسسات) وتحويل حالة التنابز والشك بينهما إلى حالة توافق، لأن بقاء مثل هذه الحالة سيعني سعياً من القطاع الخاص إلى تحييد وساطة الحكومة، والاستهانة بمشكلاتها المالية، وبعثرة للجهد الوطني المطلوب لمواجهة التحديات المستقبلية وخلق إرادة مجتمعية للبناء وتراكم الثروة لمصلحة الأجيال القادمة، وقد ثبت بالدليل القاطع أنه مهما استقوى القطاع العام على القطاع الخاص، فإن الأخير قادر على تفكيك القطاع العام وهدم مؤسساته، وقد يسمي بعضهم هذا التحدي بـ"الإصلاح الإداري». لكن هذا المصطلح لا يكفي لشرح وتوضيح عمق هذا التحدي، ولا حجم الجهد المطلوب لتصويبه وترويضه وإعادة بنائه.
وحتى نفعل ذلك وننجح فيه، فلا بد أن نضع الإصلاح الإداري ضمن أبعاده التربوية والاجتماعية والأنثروبولوجية، وأن تبرمج بطريقة صحيحة متداخلة المعارف، ومتكاملة الخبرات.
أما التحدي الثاني فهو بناء استراتيجية اقتصادية اجتماعية لمدة عشر سنوات تكون مستوفية في أهدافها ووسائلها وطرق تنفيذها وشمولها لمكونات الأمن الشامل، وبمفهومه العريض سواء أكان عسكرياً أم اقتصادياً أم اجتماعيا، وبحيث يشعر المواطن أنه عنصر ومكون مهم في إنجاز تلك الاستراتيجية، وأنه الهدف الأساسي من ورائها. ويجب أن نعزز فيها مفاهيم المساواة، والعدالة، والحق في العيش الكريم.. المساواة في تكافؤ الفرص، والعدالة باحترام القانون وتطبيق مبدأ الكفاءة، والحق في أن ينال كل مواطن فرصة العيش الكريم. وتشمل هذه توسيع القاعدة الإنتاجية، وتنويعها، والتركيز على النوع قبل الكم، وحسن إدارة الموارد المتاحة على أسس تسمح بتراكم الثروة والخبرة والمعرفة عبر الأجيال.
وإذا زرعنا مفاهيم الإنتاجية، والإتقان، واحترام القانون، وحسن الحوار، فإن الأمن الاجتماعي سيتحقق، والتراحم والتكافل بدلاً من اقتصاد الرفاه والريعية، ممّا سيدعم الولاء للوطن والدفاع عنه، والعمل من أجله.
والتحدي الثالث هو ترسيخ مبدأ الاعتماد على الذات وليس مبدأ الاكتفاء الذاتي، وذلك عن طريق تنظيم العملية الإنتاجية في كل القطاعات، بحيث يصب إنتاج كل قطاع في إنتاج القطاعات الأخرى. وبمعنى آخر، خلق الروابط الأمامية والخلفية لكل قطاع مع القطاعات الأخرى، حتى تتعاظم القيمة المضافة المحلية لكل قطاع. وهذا يحتاج إلى رسم دقيق لمصفوفة الإنتاج. وقد يكون من المفيد أن نركز على القطاعات الإنتاجية وبخاصة الزراعة، والصناعة، خاصة المعتمدة على الموارد المحلية من مواد خام، وطاقة، ومعرفة تكنولوجية. وكذلك على قطاع الخدمات في السياحة، والخدمات الصحية، والخدمات اللوجستية، وجعل الأردن مركزاً لتكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعة والبرمجة الإلكترونية، وبخاصة تعميق المحتوى العربي الذي يتفوق فيه الأردن على الآخرين.
إذا اتفقنا على وضع هذه القطاعات بروابطها الأساسية الخلفية، داخل منظومة الإنتاج، فإن عدالة التوزيع سوف تتحقق. وسيكون الأردن أكثر قدرة على الاعتماد على ذاته في إنتاج حاجاته، أو شرائها إن لم تتوفر أسباب إنتاجها من وفورات القطاعات التنافسية في الاقتصاد.
أما التحدي الرابع فهو بناء مشروع وطني متكامل قادر على التجسير بين الحداثة والتراث، والبعد الوطني والبعد القومي، والقدرة على التفاهم مع العالم، وهذه تتطلب بناء منظومة أمن وطني متكاملة تحمي الأردن من التحديات التي يسعى الآخرون للإلقاء بثقلها علينا سعياً منهم لتشتيت قدراتنا ووحدتنا الداخلية والقصور عن الدفاع عن الذات من التحديات الخارجية. وهذه تتطلب بناء قوة معلوماتية حديثة توفر الدلائل المطلوبة للتنبؤ بالمؤثرات الخارجية ورصدها، وقياس مدى تأثيرها على الداخل، ووضع الخطط الوقائية والعلاجية لآثارها. وهذه تتطلب التلاحم بين القطاعين المدني والعسكري، وتبادل التعاون والخبرة والمعرفة، وتسخير موارد كل جهة لخدمة الجهة الأخرى.
ولا يستطيع الأردن أن يتحمل مستقبلاً أعباء مواجهة التحديات الخارجية إن لم يجد الوسائل الاقتصادية والمعرفية التي تمكن من تكريس مفهوم التعاون بين هذين القطاعين.
وأخيرا، فإن التحدي الخامس هو استكمال مشروع الإصلاح السياسي في الأردن، بحيث يسمح بتقسيم الأدوار بين القطاعات، وتحصين صناعة القرار بالعلم والشواهد والإحصاءات وقياس آثارها على مختلف المناطق والجهات، وفتح باب المشاركة أمام الجميع كي يسهموا في بناء الوطن.
وهذا التحدي يتطلب وفقاً للأوراق الملكية النقاشية التحول بالمجتمع إلى مجتمع مدني يعمل بالقانون ووفق أحكامه. ولا مانع من المراجعة والنقد الذاتي بين الآونة والأخرى لتصويب المسيرة، ودعم نتائجها، وتعزيز الجوامع، وتقليل الفوارق.
هذه هي التحديات والأهداف الأساسية التي يجب أن نسعى لتحقيقها خلال السنوات العشر القادمة بدءاً من أمس وليس غداً.