التطور الديمقراطي في الاردن وآليات تفعيل مؤسسات المجتمع المدني

26/10/2005

اراء كثيرة ومتعددة باتت تثار في الاونة الاخيرة هنا وهناك حول اداء ودور وفاعلية مؤسسات المجتمع المدني في الاردن منها ما يقر بوجود دور مهم لهذه المؤسسات ومنها ما يقلل من اهمية النشاطات التي تقوم بها ويعتبرها غير كافية ومنها ما يعتقد بضرورة اقتصار عملها على الجانب المهني والتخصصي وابتعادها عن العمل السياسي ومنها بأن العمل السياسي جزء مهم من ادائها, فيما يتفق الجميع على انه لا زال عمل مؤسسات المجتمع المدني دون المستوى المطلوب او المتوقع, وانه لا زال امامها الكثير من الاعمال التي يجب ان تقوم بها خاصة ما يتعلق منها بالاسهام بفاعلية في بناء الوعي السياسي لدى المجتمع بالقضايا السياسية والعامة, اضافة الى دورها في تحسين ادارة الحكم وتعزيز المساءلة والشفافية.

وايماناً بدور الاعلام في نشر الوعي حول قضايا الديمقراطية والحكم الصالح, وباعتبار ان مؤسسات المجتمع المدني من اهم اعمدة المجتمعات الديمقراطية, فقد سعى مركز الرأي للدراسات من خلال هذه الندوة الى عرض وجهات النظر المختلفة حول الموضوع محل النقاش بهدف تلمس او الاقتراب من بعض الآليات التي يمكن من خلالها تفعيل وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني في الحياة السياسية والاجتماعية الاردنية.

ووصولا الى هذا الهدف فقد انطلقت الندوة من مجموعة من التساؤلات الأساسية والتي كان من اهمها :هل تشارك مؤسسات المجتمع المدني بفاعلية في الحياة السياسية الاردنية? ما هي التشريعات القانونية التي تحكم عمل مؤسسات المجتمع المدني? وهل تقوم هذه المؤسسات بدورها المتعلق ببناء وعي سياسي لدى المجتمع بالقضايا السياسية والعامة? وماهو مستوى تمثيلها في المؤسسات الدستورية? وما هو مدى اسهامها في رسم السياسات العامة وحماية الحقوق والتوفيق بين المصالح وايصال الخدمات الاجتماعية? ما الاسهام الذي تقدمه في مجال الاصلاح خاصة فيما يتعلق بتحسين ادارة الحكم عبر تعزيز المساءلة والشفافية ? وما مدى فاعليتها في عملية التنمية المستدامة? ثم هل هناك عوامل سياسية او تشريعية تعيق عمل مؤسسات المجتمع المدني? ما هي طبيعة العلاقة ما بين الحكومة بمؤسساتها المختلفة وهذه المؤسسات? وكيف يكمن تعزيز هذه العلاقة? ثم ما هو مستقبل مؤسسات المجتمع المدني? وبشكل عام كيف يمكن لنا تفعيل اداء مؤسسات المجتمع المدني في الحياة السياسية الاردنية? كل هذه التساؤلات وغيرها الكثير من التساؤلات التي حاولنا من خلال هذه الندوة البحث عن اجابات لها آملين في خلق قاعدة فكرية يمكن
ان تسهم اذا ما تم توظيفها على الارض في مجال حركة تطوير وتعزيز اداء وفاعلية مؤسسات المجتمع المدني في الاردن?

ادار الندوة : د.خالد الشقران

2005

الربيحات: الأولى بالمجتمع المدني ان يملأ الفضاء القائم ما بين الفرد والدولة

وفي بداية الندوة تحدث الدكتور صبري الربيحات وزير التنمية السياسية حيث قال : ان منظمات ومؤسسات المجتمع المدني وجدت بالاصل لتملأ الفضاء القائم بين الفرد والدولة, واذا اردنا ان نأخذ بأي من التعريفات المختلفة لمؤسسات المجتمع المدني واسقطناها على واقع التنظيمات والمؤسسات في مجتمعنا الاردني لوجدنا ان في المجتمع الاردني شكلين من اشكال التنظيمات, المجتمع التقليدي القبلي حيث ان هناك تقريبا 10 آلاف و452 عشيرة في هذا المجتمع و3400 هيكل من هياكل المجتمع المختلفة من جمعيات خيرية ومنظمات حقوق إنسان وتعاونيات ومنظمات نسوية وأندية... الخ, والحقيقة انه لدينا رؤى وثقافة مختلفة في نسيجها وتقبل التنوع والتعدد الا اننا نحن انتقائيون فيما نأخذه من هذه الثقافة اذ نجد احياناً منظمة مدنية تدار بعقلية قبلية, وأحيانا تجد قبيلة تدار بمزيج بين عقلية المجتمع المدني والعقلية الابوية التقليدية.

واضاف الربيحات انه على الرغم من ان المجتمع الأردني يشهد حالياً حراكاً كبيراً جداً على مختلف الصعد الا اننا اعتدنا ان نختزل وننظر بحكم علاقاتنا وفهمنا وبياناتنا التي نشكلها عن مجتمعنا والتي تكون في غالبيتها سمعية اكثر منها بحثية, بحيث اننا وفي كثير من الاحيان نتحدث ونوصف بحزم وبقطع وبالمطلق عن اشياء قد لا نبحثها ولم يتح لنا بحثها.

وقد قمنا في وزارة التنمية السياسية بمحاولة فهم البنى الهيكلية لمجتمعنا الاردني و دراسة لوظائفه, لأن التنمية السياسية هدفها وغايتها توسيع دائرة المشاركة في صناعة القرار, وعندما نتحدث عن صناعة القرار لا نتحدث عن القرارات المرتبطة بالغاء معاهدة وادي عربة او اعلان الحرب او الوقوف الى جانب افغانستان او العراق الى غيرذلك, وانما نتحدث عن صناعة القرار بدءاً من ازاحة الحاوية اذا كانت مزعجة ومروراً بالاحتجاج على مدرس في الجامعة يملي ملاحظات للطلاب مروراً بالبلدية وكيف تدفق الاموال على الجدار الاستنادي ام على مشروع تنموي وانتهاء بالاحتجاج على ازمة المواصلات او اعطاء الاقتراحات حول كيف يمكن ان نعيد صياغة علاقاتنا داخل مجتمعنا الحديث بما ينعكس بالرفاه والسعادة على انساننا, فلدينا 89 وحدة ادارية فيها حوالي 3400 هيكل من هياكل المجتمع المدني وبدأنا نتحرش بهذه الهياكل على ارض الواقع بغية الارتقاء بمستوى اداء وفاعلية هذه الهياكل.

وبين الربيحات ان المجتمع المدني ذو صبغة مبكية بمعنى انه غير متخصص في التصدي للقضايا الموجودة, ففي حين كانت حركة المجتمع المدني التي بدأت في الغرب وليدة لعنصري التحضير والتصنيع وغايتها أن تكون التنظيمات المرنة التي تستطيع ان تستجيب الى التغييرات المستجدة التي لا يمكن ان تعالجها البنى التنظيمية التقليدية لتصبح بالتالي رافداً وشريكاً وفاعلاً في الحياة العامة لتلك المجتمعات, الا انه في مجتمعاتنا ومع كل اسف لا زلنا احياناً نجد شخصاً لا يجد مكاناً له في البناء القبلي التقليدي او السياسي فيذهب ليؤسس جمعية لتصبح مشيخة صغيرة يديرها ويدير شؤونها ثم لا يقبل ان يتزحزح عن ادارتها, والدليل ان لدينا بعض الجمعيات في الاردن التي مضى على وجود رئيسها في منصبه مدة 54 عاما.

وأكد الربيحات أن هناك كثيراً من المنظمات التي تعاني من قضايا عديدة من أهمها: الثقافة التي بداخل هذه المؤسسات لا زالت غير ديمقراطية ولا يوجد تعريف للأدوار ولا يوجد انجاز ولا رقابة والى غير ذلك من الاشكاليات المختلفة, كما بدأت تظهر لدينا حركة مجتمع مدني جديدة في غرب عمان وهي الى حد ما من حيث طابعها لا علاقة لها بالبلد وتأخذ اموالا من الخارج, وتقوم بأعمال هي ليست من اولويات التنمية, كما انها تلزمنا بتعريفات عن مجتمعنا قد لا تكون موجودة فيه, وعندما نقوم بالبحث عن اصول للمشكلات المتعلقة بهذه التعريفات فإننا نكتشف انها غير موجودة وان اثارة هذه المشكلات حدث لان التعريفات بالاصل ليست نابعة من الواقع. ومع ان الاصل في المجتمع المدني انه يتعامل مع فائض الطاقة وفائض المال ينظمهم ويعيد استخدامهم في بناء المجتمع والتصدي لتحدياته, لكن مع كل اسف ان الاماكن التي فيها فائض الوقت والطاقة غير منظمة, والمناطق التي فيها فائض المال لا يزال يذهب فيها الى انشطة تقليدية مثل بناء المساجد حتى اصبح لدينا3500 مسجد اضافة الى 70 تحت البناء بتكلفة هائلة, مع ان قضايا الفقر التي نتعاطى معها قضايا كبيرة ومدهشة وقضايا التشغيل بحاجة الى عمل
وتحديات التنمية والاعمار والتشغيل كبيرة جداً, كما ان لدينا 23 جامعة فيها حوالي 200 الف طالب لديهم اوقات كبيرة فائضة, ومثل ذلك فإن انتاجية العامل الاردني ضعيفة جداً, ومع ذلك فإن هذه الموارد والطاقات لا توظف في الاتجاهات الصحيحة.

فمن حيث فائض المال هناك ارصدة كبيرة مع بعض الافراد, ولا توجه تلك الارصدة للانتاج, ولا يوجد مشاركة في قطاعات لها انعكاس على الانتاج وتعظيم الحقيقة.

وفيما يتعلق بالمشاركة السياسية قال الربيحات إن المشاركة السياسية مفهوم ملتبس وهي ليست كما يعتقد البعض, فالمشاركة لا تقتصر على النقد لاجل النقد او مجرد ان يكون الفرد مع او ضد, لكن »إما انك تتكلم بعقلية مخابراتية او تتكلم بعقلية حزبية تعيدنا الى الاربعينات« فهذه ثقافة غريبة عجيبة تستنفذ كثيرا من وقتنا إما في الدفاع أو الهجوم, والاصل اننا بحاجة الى مجتمع مدني عقلاني في خطابه وفي طرحه وتفاعلاته, ومتخصص يقسم ادواره ويستطيع ان ينشط وان يكون مؤثرا وان يقرن القول بالعمل في مختلف القضايا التي يتناولها, عندها يمكن ان يقوم بعمله في المجتمع وفق ثلاثة مسارات مهمة هي: التشريعات, والتوعية, والمبادرات.

وعن اداء مؤسسات المجتمع المدني قال الدكتور الربيحات يمكن هنا على مستوى الخطابة ان تتحدث عن اعمال وهمية وانتصارات,.. لكن في حقيقة الامر ان حركة المجتمع المدني تعكس حركة المجتمع الاردني, والمطلوب ان ننتقل جميعاً من دائرة المتفرجين الى دائرة الفعل, ويمكن في هذا المجال تصنيف القوى الفاعلة في اي مجتمع الى خمس قوى:

1- الحكومة : وهنا فإن بقية القوى الاخرى لدينا تأخذ دور المتفرج على الحكومة فيما يتعلق بالفعل السياسي.

2- القطاع الخاص: والمفروض ان يكون مشاركا وفاعلا ولكنه لازال معنياً بالمال اكثر.

3- المجتمع المدني المنظم بتنظيمات خارجة من الأطر التقليدية من الحارة والقبيلة للمشاركة, لكن اشعر ان هناك علاقة غزل مع هذه الحالة.

4- المجتمع المحلي : الاحياء والقرى والبلدات وهذه في صورتها الحالية في المجتمعات الحضارية عبارة عن نسيج عمراني اكثر من انه مجتمع بينه علاقات قادر على انفاذ أي شيء.

5- الاعلام او الاتصال حتى اكون ادق: ويكون مسؤول عن مجمل قضايا الوطن لانه هو الذي ينسج العلاقة بين القوى الفاعلة الاربع.

وبين الدكتور الربيحات ان المجتمع التقليدي يضم المؤسسة الدينية والقبيلة, ولما كانت القبيلة قادرة على انجاز ثلاث فعاليات بكفاءة وهي الصلحة الصغيرة مع العزاء والعرس, فإن الدين يستطيع ان يستوعب كل ثقافتنا ويجيرها لصالحه وصالح فعله السياسي, فالحمد لله وحسبي الله كلها يجريها لأثر سياسي نحن غير قادرين ان ننتزعها منه.

شتيوي: مفهوم المجتمع المدني إشكالي

من جانبه قال الدكتور موسى شتيوي استاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية : اعتقد ان مفهوم المجتمع المدني إشكالي, اذ هناك بعض الادبيات التي تعتبر الالزام بالمجتمع المدني فالبعض يحسب الروابط التقليدية جزءا من المجتمع المدني والبعض يستثني حتى التنظيمات الدينية.. الخ. وبرأيي ان الصورة التي رسمت عن المجتمع المدني متشائمة الى حد ما, فلا يجوز ان تقييم المجتمع المدني بهذه القسوة, ولو عدنا الى بدايات تكون المجتمع المدني وكما قال معالي الوزير فيما يتعلق بالطبيعة التقليدية والبنى الاقتصادية وما يفرز عنها من ثقافات, الا انه في بدايات تكون الدولة كانت هناك مساهمات من منظمات المجتمع المدني اقرب الى المساهمات المدنية في بلورة الحس الوطني والمصالح الوطنية والقومية سواء من قبل الاحزاب او الجمعيات النسائية او غيرها, للتعريف في بعض حقوق بعض الفئات ومساهمات في التنمية وفي الاعمال الخيرية التي تقوم بها بعض الجمعيات البسيطة, ونطمح بأن تقوم بدور أكثر من ذلك.

وأضاف الدكتور شتيوي أن المسألة الأخرى هي أن مساهمة المجتمع المدني ليست مرتبطة فقط بالأشخاص أو بهذه المؤسسات, بل هي مرتبطة بعوامل كثيرة, واعتقد انه من بعد الانفراج الديمقراطي عام 1989 وعودة الحياة النيابية ووما نتج عنها من التشريعات والقوانين الناظمة للعمل السياسي, كان هناك ازدهار كبير في منظمات المجتمع المدني في كافة مجالاتها سواء كان في حقوق الانسان او في مجال البيئة والمرأة والمجال الثقافي وفي البحوث والدراسات. ولما كان المجتمع المدني يحتاج الى بنية اجتماعية لتحمله, فأعتقد ان التحولات التي يشهدها المجتمع الاردني منذ 15 سنة تقودنا باتجاه فاعلية اكثر خاصة مع التحولات الاقتصادية بشكل اساسي, وسيادة العامل الاقتصادي لتنظيم العلاقات الاجتماعية الذي يفرز فئات اجتماعية مختلفة.

ابو غنيمة: الديمقراطية تعني الحرية

ورأت الاستاذة هدى ابو غنيمة ان الحديث عن مؤسسات المجتمع والديمقراطية والتحولات الديمقراطية في الاردن او في العالم العربي او غيرها من الموضوعات تشبه حالة انعدام الوزن لهذه الامة جميعها في فضاء العولمة, فعن أي تحول ديمقراطي نتحدث عنه, لا سيما وان هناك تحول ديمقراطي مفروض علينا من الخارج, ومع ان الديمقراطية تعني الحرية السياسية وهي نقيض الفوضى, الا اننا في الواقع لا زلنا نعيش حالة انعدام وزن, وعندما نتحدث عن المجتمعات المدنية والمجتمع سنجد اننا نعيش ازمان متعددة في زمان واحد, ولكل انسان او لكل جماعة زمنها النفسي, واذا كنا لا نستطيع ان نتجانس نفسياً برغم كوننا في مجتمع واحد, فكيف بنا في حالة العولمة ونحن نعيش ازمة حضارية مركبة, وهذا الامر لا ينطبق على الحالة الأردنية فقط وانما على العالم كله الذي بات يعيش حالة الفوضى هذه.

وبخصوص العلاقات مع السلطات بينت الدكتورة أبو غنيمة انه منذ عقد ونحن نتحدث عن علاقة المعارضة بالسلطة والمثقف والسياسي بالسلطة, والسؤال المطروح هنا عن اية سلطة نتحدث? فهناك الآن سلطات مراكز قواها في الخارج , واذا كنا نحن الان واي سلطة في العالم العربي تقريباً في خندق واحد وموقف واحد, فإننا لا نستطيع ان نقف في وجة القوى العالمية اذا ما ارادت ان تسقط نظاماً اوتعلن نظاماً كما تشاء بدليل ما حدث في العراق سواء اتفقنا او اختلفنا مع حالة الفوضى التي كانت سائدة قبل ان يسقط نظام الرئيس صدام حسين.

واختتمت الدكتورة ابو غنيمة حديثها بالقول باعتقادي اننا نعيش الان في محنة , فكيف نُفعّل مؤسسات المجتمع المدني ونحن اصلا لا نعرف اين موقعنا في حالة انعدام الوزن . ان علينا ان نرتب اوراقنا اولاً ومن ثم نحاول بعد ذلك البحث عن السبل التي يمكن من خلالها تفعيل عمل واداء مؤسسات المجتمع المدني, وان نأخذ بالحوار الفعال شريطة ان لا تكون المصلحه الشخصية هي المرشد لكل انسان اومسؤول مهما كبر او صغر موقعه او دوره في هذا المجتمع وفي هذا الوطن, كما اننا الان نعيش ازمة امة وعلينا مسؤولية كاملة كل في موقعه سواء أكان وزيراً ام استاذاً في الجامعة ام موظفا عاديا ام مواطنين ام اعضاء في مؤسسات مجتمع مدني نحن مطالبون ان ننتج ديمقراطيتنا الخاصة بنا, وان ننتج من خلال التجربة ولسنا معنيين بأن نأخذ النظريات من الخارج فننتج من تجربتنا الخاصة بنا.

د. خمش: المجتمع المدني الاردني يضم تيارات اجتماعية وايديولوجية

وقال الدكتور مجدي الدين خمش استاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية ان المجتمع المدني الاردني موجود وهو نشيط وفعال, لكن الخلاف في الحقيقة يتركز في ان المجتمع المدني الاردني ليس مجتمعاً مدنياً واحداً وانما هو ثلاثة مجتمعات تعكس وجود تيارات اجتماعية وايديولوجية مختلفة حيث لدينا المجتمع المدني التقليدي العشائر والقبائل مجالس العشائر لها دور وفعالة, ولدينا ومجتمع مدني سلفي له طابع ديني الى حد ما ومنشغل ببعض الامور المتعلقة بالجانب الديني والهوية الدينية, اضافة الى المجتمع المدني الليبرالي الذي نحن متآلفون معه اكثر من غيره.

واضاف الدكتور خمش ان هذه الاتجاهات الثلاث تشترك مع بعضها بالوظائف الاساسية التي تقوم بها : فهي بشكل عام تتوسط ما بين الافراد الذين ينتمون لها والسلطة سواء كانت السلطة السياسية للدولة او كانت سلطة روحية او سلطة اخرى, لكن بشكل عام تتوسط بين الافراد وبين الدولة وتعمل نوعا من الانتماء السياسي وتخلق نوعا من الانتماء السياسي بالدولة, ونتحدث هنا عن المجتمع المدني التقليدي والمجتمع المدني الليبرالي اللذين تعتبر الدولة مرجعيتهما, وهناك وظيفة التدريب على الديمقراطية والمشاركة والتي تتم من خلال عمليات الترشيح والحملات الانتخابية والتكتلات,كما تقوم بوظيفة تدعيم الهوية المرجعية سواء كانت هذه الهوية والمرجعية دينية او اذا كانت وطنية اردنية او اذا كانت اثنية , واضافة الى ما سبق تقوم تلك المنظمات بدور اجتماعي مهم من خلال اسهامها في ايجاد فرص العمل للافراد خاصة الخريجين, وطرح وتطوير البرامج المختلفة المتعلقة بمكافحة الفقر والبطالة.

وفيما يتعلق بمستقبل مؤسسات المجتمع المدني قال الدكتور خمش ان علينا ان نتنبه لمحاولات الغزو التي تتعرض لها منظمات المجتمع المدني ولا اقصد هنا غزو العولمة كما يقول البعض, ذلك لان العولمة برأيي عملية مفيدة للمجتمع المدني لانها توفر لهذه المنظمات قضايا عالمية مثل البيئة والتلوث والفساد, وتوفر كثيراً من خيارات التمويل الذي تحتاجه هذه المؤسسات, وانما المقصود الغزو من المجتمع المدني السلفي الذي يحاول ان يمتد خارج محيطه ويسيطر على جزء من المجتمع المدني الليبرالي لان فيه ثقل انتخابي وفيه اصوات انتخابية في اتجاه معين, وبالتالي العمل على حشد وتجنيد هذه الأصوات لتصب في صالحه.

واختتم الدكتور خمش حديثه بالقول إن علينا أن نولي اهتماماً اكبر لثقافة العمل التطوعي, فالغريب انه ليس هناك مواد أو مساقات تدرس في جامعاتنا عن العمل التطوعي والمجتمع المدني, وحتى لا يوجد أي تدريب نظري أو عملي أو تطبيقي على التطوع, إضافة إلى إننا بحاجة إلى جهة تتابع العمليات الداخلية في الجمعيات والأحزاب والأندية لان فيها احياناً خروج على مبادىء عمل المجتمع المدني, واحياناً اخرى يوجد فيها دكتاتورية, واشير هنا الى ما ذكره معالي الوزير بخصوص استمرار وجود رئيس الجمعية او المنظمة في منصبه الامر الذي يشير الى عدم وجود تداول للسلطة, اضافة الى المشكلات المتعلقة بالهيئة الادارية وسياسات تطفيش الهيئة العامة وهندسة هيئة عامة جديدة تضمن استمرار وجود اشخاص معينيين على رأس السلطة. كما بنبغي دراسة تأثير العولمة على مؤسسات المجتمع المدني بحيادية وبموضوعية, حتى نستطيع التعرف على السلبيات والايجابيات المصاحبة لهذا التأثير, ومن ثم توظيف نتائج عمليات البحث والتمحيص هذه لخدمة تطور عمل واداء مؤسسات المجتمع المدني.

د. خلفات: هناك قيود تعطل أداء مؤسسات المجتمع المدني

من جانب آخر أكد الأستاذ فؤاد الخلفات مدير مركز الجنوب للدراسات الاستراتيجية ان هناك قيودا على المجتمع الاردني بشكل عام والمجتمع المدني بشكل خاص خلقت فراغا ما بين السلطة السياسية والمجتمع المدني, فمثلا عندما نتكلم عن الانتخابات النيابية بالصوت الواحد, وعن البلديات بالتعيين ومجالس الطلبة بالتغيير, هذه القيود التي اوجدت فراغا في المجتمع الاردني حيث استغلت جهات خارجية او غير خارجية تعبئة هذا الفراغ من خلال ايجاد ما يسمى بمؤسسات المجتمع المدني, الامر الذي جعلها في مرحلة ما لا تعمل بذاتيتها انما تعمل بفعل فاعل, ولا يكون حديثها من رأسها وانما الحديث من رأس غيرها, وعليه فكيف بمكن لنا في ظل هذا الفراغ وفي ظل وجود تلك المؤسسات غير الناضجة وغير الراشدة غير الفاعلة والموجهة ان نتحدث كما قال معالي الدكتور عن مؤسسات مجتمع مدني تملأ الفضاء ما بين الاسرة الاردنية وبين القرار السياسي ? بل ان السؤال الاهم الذي يجب ان نطرحه هو هل فعلا انها تملأ الفراغ بشكل حقيقي بحيث تنسجم العلاقة بين الاسرة الاردنية والمؤسسة السياسية , خاصة في ظل ما ذكرت عن هذه المؤسسات وكيف نشأت وكيف طورت وكيف أوهمونا انها مؤسسات تقوم على الديمقراطية وعلى الطفل وعلى المرأة..الخ.

والأمر الآخر كما بين الدكتور خلفات هو ان المجتمع الاردني وكأي مجتمع فيه ثلاثة احتكارات: الاحتكار السياسي والاحتكار الاقتصادي والاحتكار القيمي او الايماني, فالسياسيون يحتكرون القضية السياسية ولا يكاد يخرج الاطار السياسي منذ زمن بعيد وحتى الان عن نفس الوجوه, فالذين كانوا يلعبون في الاطار السياسي لا زالو هم او ابناءهم او معارفهم يقومون بنفس العمل ويتبادلوا فيما بينهم المناصب ومواقع المسؤولية ذاتها وينسحب ذلك على الاطار الاقتصادي. اما الاحتكار الثالث (الاحتكار الايماني والقيمي) والسؤال المطروح هنا لماذا ينكر اصحاب الاحتكار السياسي والاحتكار الاقتصادي على اصحاب الاحتكار الايماني والقيمي هذا الاحتكار? وحتى نوازي الموضوع نرجو ان تفك الاحتكارات الثلاثة, وماهو شكل وطبيعة العلاقة بين هذه الاحتكارات ? هل هي متأزمة ? اسئلة تحتاج الى بحث نبقيها مطروحة لفك العلاقات الشائكة في هذه القضية.

واضاف الدكتور خلفات انه بالنسبة للمؤسسات الدينية اود فقط توضيح مسألة مهمة وهي انه لا يوجد في الاسلام شيء اسمه التقاليد الاسلامية اطلاقا, وانما استعمل الناس هذا المصطلح حتى اصبح شائعا كغيره من المصطلحات الخاطئة المنتشرة في مجتمعنا من قبيل ( مؤسسات تقليدية و تقاليد اسلامية ..الخ) , ولكن الاسلام لا يقلد اي لا يحاكي, فالاسلام يقوم على الوحي والعقل فاذا لم يورد النص يوجد العقل والمؤسسات الدينية التي تقوم على هذا المبدأ هي المؤسسات الاسلامية, اما ان تبتكر لتخلق لنا مؤسسات دينية ويقال لنا انها مؤسسات دينية ونريد ان نوصفها بوصف اسلامي ثم نحاكمها ونعيب عليها هذا اختلاق سياسي اكثر منه اختلاق مجتمعي في حياة الناس.

وبالنسبة لازمة الهوية,قال الدكتور خلفات لا يجب ان ننكر ان لدينا ازمة هوية فعلا (مرة تصير اردني مرة عربي مرة اسلامي ومرة انساني وترجع بالعكس) فهل يعقل ان تكون لنا في كل لحظة وفي كل موقف عباءة نلبسها (نفسي أفهم) ما هي الهوية? وارجو ان يجيبني معالي الدكتور على هذا السؤال من خلال الدستور بمعنى ارجو ان نحدد الهوية الاردنية من خلال النص الدستوري وليس من خلال الواقع.

اما فيما يتعلق بمؤسسات المجتمع المدني, فالملاحظ انها في معظمها لدينا تقوم على النخب, فهذا قطع فترة من الزمان يشتغل امين عام وزارة او مدير عام دائرة او وزيرا وبعد خروجه من منصبه اصبح عنده انكفاء نفسي ويعالجه من خلال ايجاد مؤسسة مجتمع مدني ويصبح هو زعيمها وامينها العام, ويبدأ يفرغ مرة ثانية على المجتمع كما كان يفرغ في مؤسسة السلطة, بدليل انه لا يوجد في قيادات مؤسسات المجتمع المدني وجد ابن فلاح . والامر الاخر انه لا توجد هياكل لمؤسسات المجتمع المدني ولا توجد الا الهيكلية التقليدية (رئيس امين عام امين صندوق) وهناك وظائف اخرى في مؤسسات المجتمع المدني وظائف اجتماعية اقتصادية سياسية خدماتية ليس لها هياكل ويكتفي فقط بانتخاب هيئة إدارية.

وبالنتيجة ليس هناك مؤسسة في المجتمع المدني الا وتقوم على المال والاثرياء الذين يعملون تلك المؤسسات لغايات الانكفاءات النفسية او تمرير قضايا تجسير لقضايا السلطة او قضايا من الخارج, فهناك من يأخذ دعماً من الخارج على مرأى وسمع من الدولة.? وهناك من يقوم على امور الصحافة او المرأة, والسؤال هنا لماذا تسمح الدولة بذلك? وهل هناك تواطؤ من الدولة مع المؤسسات التي تزود باموالها من الخارج? وهل هناك اصلاً من ينظم هذه القضية في الحياة الأردنية? واعلن من هذا المنبر بأنني اتحدى ان تقوم الدولة بتوجيه الاصبع لهؤلاء الناس? ولكنهم لن يفعلوا ولا يستطيعوا فعل ذلك! فعلى الاقل لابد وان يكون هناك محددات عمل واضحة وتوجيه لمؤسسات مجتمع المدني.


واختتم الخلفات حديثه بالقول كل ما أشرت إليه يؤكد أننا لا زلنا نفتقد مقومات المجتمع المتكامل, ولا لدينا وحدة في الوعي ولا في المعاناة ولا في المصير , والدليل عند طرح أي قضية تكون ردود الافعال عليها متناقضة ولا تعبر عن عن وحدة في الوعي والمصير , وحتى عندما تتبناها مؤسسات المجتمع المدني لإنها نظر علينا بقصة فعالية التنمية المستدامة وغيرها من المصطلحات التي لا تسمن ولا تغني من جوع, وهذا يدل مجددا انه حتى عند الحديث عن عملية التنمية يكون لدينا ازمة حيث نكتشف انهم يريدون ان يكون المواطن وسيلة التنمية ولا هدفها , واعتقد هنا ان المطلوب فقط هو حل مشكلة ازمة التنمية بداية ومن ثم العمل على نقل المجتمع من مرحلة التنمية الى النمو.

الحمد: الدولة ومؤسسات المجتمع المدني يتقاسمان مسؤولية الهروب من الحقيقة


من جانبه قال الاستاذ جواد الحمد ان التطور الديمقراطي منذ عام 1989 فصاعدا خلق أجواء سياسية جديدة في المجتمع, ثم انعكست هذه الأجواء على الأوضاع الاجتماعية, ومع ذلك فإننا لا زلنا منذ عام 1989 وحتى هذا اليوم وبسبب التقدم خطوة والتراجع خطوة في محاولات مستمرة لبناء بيئة ومجتمع ديمقراطي.
واضاف الحمد إن مؤسسات المجتمع المدني في الاردن لم تحظ بالرعاية والعناية المجتمعية الكافية فلا يوجد دعم من الأثرياء والأغنياء والشركات إلا القليل, ولم تحصل المؤسسات الا على دعم لا يذكر 2-1% , وكذلك لا توجد آليات لحماية انهيار مؤسسات المجتمع المدني بالرغم من الحراك السياسي الذي تقدمه هذه المؤسسات, ناهيك عن التراجع المستمر الذي شهدته مسيرة هذه المؤسسات في (ال¯17 )عاما الماضية, كل هذه الثغرات فتحت المجال امام قصة التمويل الخارجي الاجنبي, وهنا اسمحو لي بالقول انه على كل من يقف ضد التمويل الاجنبي ان يقدم تمويل بديل, وهناك آليات وافكار طرحها بعض الناس اسهمنا في بعض منها, غير ان الدولة ومؤسسات المجتمع المدني كانت تهرب من مواجهة الحقيقة, فلا الدولة تريد ان تشتغل بجدية لاعتبارات سواء سياسية او غيرها, ولا مؤسسات المجتمع المدني تريد ان تشتغل في الموضوع, والحقيقة ان هذا التمويل اذا لم يتم ضبطه بالتأكيد سيؤثر على اجندة المجتمع المدني, وهذا طبيعي لاننا لو نظرنا الى واقع بعض أنشطة مؤسسات المجتمع المدني سنكتشف ان كثيراً منها شكلية, فيما يصرف بعضها 250 ديناراً على أنشطة لا تتعدى شكل الدردشة وشرب القهوة وغداء ولا يوجد اي شيء
ثم يكتب للمؤسسة الدولية عن عقد ندوة ولا يوجد تقرير ولا نشرة, فحقيقة هذا النمط من التمويل اوجد عندنا فسادا اجتماعيا حقيقيا.

أما النقطة الثانية المتعلقة بمؤسسات المجتمع المدني والمحافظة على الهوية الثقافية في المجتمع, فاني اعتقد انه بالرغم من كثرة مؤسسات المجتمع المدني في الاردن وكثرة المؤسسات التي ترخص لها الدولة باستمرار فإن كثيراً من هذه المؤسسات وعلى مرأى ومسمع الدولة اصبحت لا تعمل اردنيا ولا وطنيا ولا عربيا وليس لها هوية, وانما هي المانية او كندية او غربية, وحتى اللغة التي يتحدث فيها الشباب ليست اللغة العربية, والسؤال المطروح هنا من المعني بهذا الكلام? وما هي نتائجه?. الا يتسبب هذا الامر حقيقة في فقدان الهوية للمجتمع بشكل عام وعند الشباب بشكل خاص? وبالتالي يضل الطريق ويتجه الى المخدرات والجريمة او للارهاب والتطرف, اي يؤدي الى الاتجاه للفساد الاخلاقي او للتطرف الديني والمحصلة واحدة في المجتمع, مما يتسبب بالنهاية في خلل التماسك الاجتماعي والأسري.

وحول موضوع العضوية في مؤسسات المجتمع المدني قال الحمد إن الإقبال على العضوية ضعيف, وعدم الفاعلية بصراحة لا تخص هذه المؤسسات فقط في ظل غياب الحضور الفاعل للإعلام الأردني الرسمي الشعبي , فمؤسسات المجتمع المدني التي تنسجم مع أجندة الدولة والحكومة القائمة تجد الدعم والرعاية, بينما التي تعارض السياسات ولها زاوية تفكير أخرى نافذة يضيق بها الإخوة الوزراء ومن معهم من طواقم الوزارات ذرعا, وبالتالي لا يتعامل الإعلام مع تلك المؤسسات, لدرجة إن الدعوات التي توجه لحضور النقاشات والندوات وجلسات الحوار الحكومية حول هذا الموضوع لا توجه إلا إلى القليل من تلك المؤسسات, وبالتالي لا ترتبط هذه المؤسسات بصناعة القرار ليس لأنها لا تريد ذلك وانما لان الدولة لا تلقي بالاً او تعطي اولوية واهمية لهذا الموضوع.

واكد الحمد على انه يفترض ان تكون مراكز الأبحاث هي عقل التفكير في الدولة, وبين أن هناك في المملكة 49 مركز أبحاث وهو عدد قليل نسبة الى عدد السكان, ولكن السؤال المهم هنا هو : أين تصب هذه المراكز? وهل تهتم الدولة بمخرجات ونتائج هذه دراسات وابحاث أو ندوات ومؤتمرات هذه المراكز? في الحقيقة انه كانت هناك جهود محاولات بذلت لتضغط على الدولة في هذا الاتجاه وكانت هناك استجابات محدودة بلا شك, لكن هذه استجابة الدولة بقيت محدودة ولا تتعدى في احسن احوالها 30% , لذا ينبغي تعزيز فكرة الاستفادة من مؤسسات المجتمع المدني لدى الدولة وخاصة في عمليات صناعة القرار.

واختتم الحمد حديثه بالقول انه لو نظرنا الى بعض الآليات التي تستخدم في مؤسسات المجتمع المدني في الدول التي سبقتنا ديمقراطيا مثل الولايات المتحدة, اوروبا واليابان وكندا وامثالها, وقارناها بالاليات المعمول بها لدينا سنجد اننا لا يزال هناك عقلية تسود في الاطار الحكومي تعتبر هذه الاساليب اساليب تستهدف الامن الوطني, بحيث انه يكون هناك احيانا قضايا صغيرة غير ذات اهمية مثل عريضة تقدم او اعتصام من 20 شخصا يتعلق بقضية سياسية او محلية تكون في النهاية هم وطني وينبغي ان تهتم به المؤسسات فيتم توجيه الاتهامات من هذه الجهة او تلك لمن قاموا بذلك الامر باعتبار انهم يستهدفون الامن والوحدة الوطنية, ولا يجوز ان تقبل الدولة تصرفات واعتراضات بعض مؤسسات المجتمع المدني فقط لانه ليس لديها اشكالية مع الدولة وان يتم النظر الى نفس النشاط الذي قد تقوم به مؤسسات اخرى باعتباره نشاطاً محرجاً, خاصة اذا انتقدت تلك المجموعة سياسة الدولة الخارجية مع بعض الدول اوعلاقتها مع اسرائيل او موقفها من اميركا او الحرب على الارهاب , ويتم ذلك وبحجة المصلحة العليا علماً بأنه لا يوجد اتفاق واضح على تعريف محدد لمصلحة الدولة العليا في الاردن, وقد كنا قد عملنا

ندوة حول المصالح العليا للاردن فجوبهنا بضغط كبير لوقف الندوة من جهات كثيرة.. علماً بأن تناول موضوع الامن الوطني ومصلحة الدولة والاستراتيجيات للدولة يعتبر جزءاً من الحراك الداخلي الذي ينبغي لمؤسسات المجتمع المدني الإسهام فيه بهدف إيجاد أفضل الصيغ التي يمكن أن تنعكس إيجابا على مصلحة الوطن والمواطن.

المشاقبة: التنشئة والتمثيل والضبط اهم وظائف مؤسسات المجتمع المدني

وفي هذا الاطار قال الدكتور امين مشاقبة استاذ العلوم السياسية بجامعة اليرموك ان المجتمع هو عبارة عن تنظيمات غير حكومية تملأ المجال العام بين الاسرة والدولة وتنشأ بالارادة الحرة الطوعية لاصحابها من اجل قضية او مصلحة او للتعبير عن مشاعر معينة ملتزمة بقيم التراضي والتسامح والارادة السلمية ومستقلة عن السلطة السياسية عن الدولة. وتقاس هذه التنظيمات بمدى استقلاليتها عن السلطة السياسية.

ولخص الدكتور المشاقبة الادوار التي تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني حيث تقوم بدور التنشئة ودور التمثيل ودور الضبط, فمؤسسات المجتمع المدني اولاً هي مدارس للتنشئة السياسية والاجتماعية, اذ ان هناك قدراً معيناً من الثقافة السياسية او الثقافة العامة داخل المجتمع, وهي ثانيا في بعد التمثيل تتوسط العلاقة بين الفرد والدولة والتي يدخل فيها مبدأ تجميع المصالح, وهي في البعد الثالث تقوم بدور الضبط حيث تعمل على تحصن الفرد ضد سطوة الدولة وتحصن الدولة ضد الاضطرابات الاجتماعية العنيفة.

واكد المشاقبة اتفاقه مع ماذكره الدكتور مجد الدين خيري من حيث انه هناك ثلاثة مجتمعات حيث قال اعتقد انها ليست مجتمعات بقدر ما هي مؤسسات, ولدينا في الاردن نفس التصنيف: مؤسسات مجتمع تقليدية ومجتمع مدني سلفي او ديني ومؤسسات مجتمع مدني ذات اتجاه ليبرالي, واذا اخذنا ادوار هذه المؤسسات سنجد انه على الرغم من وجود ما يزيد على 34 حزباً سياسيا, 14 نقابة مهنية وجمعية مهنية 17 منظمة رقابة عمالية, و10 منظمات لحقوق الانسان وما يزيد عن 825 جمعية خيرية في الاردن, الا انها فشلت بالادوار الرئيسية التي تقوم بها, سواء كان في قضايا التنشئة او التمثيل او الضبط بشكل معين, اضافة الى ذلك فقد فقدت هذه المؤسسات ادوارها واصبحت نخبوية واصبحت وراثية في بعض المؤسسات, وفي النتيجة اصبحت تحمل اجندة ليست لها علاقة بالوطن ولا لها علاقة بمشكلات الوطن, واعطي امثلة انه عندما كنا في وزارة التنمية الاجتماعية رخصنا للكثير من الجمعيات الاردنية ضمن القوانين والدستور الاردني, وكنا نجد ان هذه المؤسسات بعد الترخيص تبدأ بالعمل باجندة اخرى او بتوجيهات اخرى او بسياسات اخرى مخالفة لرؤية الوزارة والدستور والانظمة, فمثلاً احدى المؤسسات رخصت كجمعية على الاسس الر

ئيسية لنكتشف بعد ذلك انها جمعية الحادية تدعو الى الالحاد وقد تم الغاؤها.

واختتم الدكتور المشاقبة بالقول ان هناك وجهات نظر متعددة بخصوص النقابات المهنية, ومشكلتها انها خرجت عن الاطار المهني لتنظيم المهنة وتعزيز واقع المنتسبين لها, بدءاً من اشكاليات الصناديق وادارة الصناديق والجباية الخاصة ونسيان موضوع المهنة وتطويرها وكثرة التشريعات والجهات التي تنظم المهنة الواحدة وقوانين النقابات التي تشكو من ازدواجية المعايير والمرجعيات, وتعدي النقابات على دور القضاء في الاردن, وتدعي النقابات بأن هذه التعديات هي جزء من آليات تفعيل عمل النقابات على اساس انها جزء من مؤسسات المجتمع المدني, والحقيقة ان هذه الاشكالات موجودة من قبل عام 1989 ولم يتم للآن ايجاد الحلول الجذرية لها, وما زالت هذه الاشكالات تصدم الحكومة مع النقابات والنقابات مع الحكومة.

د. بركات: غياب تداول السلطة داخل المؤسسات يعيق تطورها

من جانب آخر قال د. نظام بركات استاذ العلوم السياسية بجامعة اليرموك اسمحوا لي بداية وقبل ان ادخل في التفاصيل طرح السؤال التالي :هل قانون العشائر يعتبر ضمن مؤسسات المجتمع المدني? اما النقطة الثانية التي اود الحديث عنها فتتعلق بمعادلة(الفعالية) او تفعيل مؤسسات المجتمع المدني, ماذا نقصد بذلك: فعندما نتحدث عن مؤسسة ما وقدرتها على تفعيل عملها والتأثير والمساهمة في صنع السياسات او في صنع القرارات هذا سيقودنا الى مجموعة عوامل,اهمها اننا سننظر الى المجتمع المدني باعتباره هياكل تنظيمية ومؤسسات, واسمحوا لي ان نبحث في رسالته هذه المؤسسات وهياكلها التنظيمية وسلطتها في المجتمع ومدى انسجام الصلاحيات لاعضاء هذه الجمعية في اداء تلك الرسالة, وهذه هي المشكلة التنظيمية التي تواجه مؤسساتنا وتعاني منها معظم مؤسسات مجتمعنا.

وقد ينظر الى المؤسسة باعتبارها تؤدي دوراً كما قال د. امين مشاقبة, اي انها تؤدي وظيفة وبالتالي فإن تقييم دور هذه المؤسسة وفعاليتها يعتمد على مدى التزامها بالقيام بتأدية هذه الدور او الوظيفة, وهنا نتوقف امام كيفية ادائها لهذا الدور او الادوار الحقيقية التي تؤدي الى انجاز وظائفها المحددة في نظامها. اما اذا نظرنا اليها كعملية تفاعل مع مجتمعها فهنا نضطر الى تقييم هذا الدور على اساس مقارنتها مع مؤسسات اخرى مشابهة, وهل المعايير لدى تلك المؤسسة تندرج تحت عناوين لمؤسسات مشابهة, ولنخلص بالنهاية الى مجموعة عوامل من اهمها :

اولاً: هناك عوامل تتعلق بطبيعة عمل المؤسسة واساس تكوينها ومدى انسجام هذه المؤسسات مع بعضها, والسؤال هو هل هناك اساس غير معلن في تكوين هذه المؤسسة كأن تعنى بالصم والبكم على سبيل المثال وهل هذا الاساس هو وراء تكوين هذه المؤسسة, وما هدفها المعلن وغير المعلن.

ثانيا: هل تأسيس جامعة يكون بهدف تقديم العلم الى الطلاب ام هناك دور آخر لمثل هذه الجامعة.

والثالثة: هل هناك قيادة لمثل هذه المؤسسة او للحزب - مع الاعتذار من د. خلدون الناصر لان غالبية احزابنا ليس لها قيادات, وهل غياب تلك القيادات يلغي هذه الاحزاب مثلا. وهناك مؤشر آخر يتعلق بانتخاب رئيس جديد للحزب او للمؤسسة وهل سيبقى الرئيس السابق عضوا في تلك المؤسسة او الحزب ام انه يغادرها, على الارجح, انه يغادر محتجاً, ولم تسجل احزابنا ظاهرة واحدة على هذا الصعيد. لا بل ان هذا الرئيس يسعى لتشكيل حزب جديد مناكفة بحزبه السابق.

وفيما يتعلق بمشكلة تمويل مؤسسات المجتمع المدني ومصادر هذا التمويل, قال د. بركات بداية لابد من التساؤل هل هذا التمويل هو ذاتي, ام من مصادر اخرى? والحقيقة انه في موضوع التمويل لابد ان نعترف بأن النقابات المهنية وحدها هي القادرة على ذلك نظرا لاعداد مشتركيها الكبيرة وهذا ميزها عن مؤسسات المجتمع الاخرى, واذا توقفنا امام قضية التمويل الاجنبي لهذه المؤسسات وما يرتبط به من أهداف اخرى, وهناك طبيعة عمل خاصة لبعض المؤسسات تعطيها قوة دفع تميزها عن غيرها من المؤسسات, فمثلاً ان العاملين في نقابة المياه والكهرباء يختلفون عن العاملين في التعليم على سبيل المثال لان اضرابا للمعلمين لمدة شهر يختلف عن اضراب العاملين في مؤسسات الكهرباء والمياه وعمال النظافة والقطارات في الدول الاخرى التي تضطر القوات المسلحة الى تسييرها في حالة الاضرابات.

ولعل المعادلة الاهم هنا ان هناك مؤسسات مهمة تختلف في طبيعتها عن اخرى, وهنا يبرز الدور المميز لقيادة هذه المؤسسة ودائرة اتصالها وعلاقتها بالاعلام, وما هي القنوات التي تعتمدها, وهي باعتقادي ما زالت محدودة, لكن قدرة زعيم هذه المؤسسة او قائدها هي التي تعظم هذا الدور ومن هنا تلجأ تلك المؤسسات الى اختيار شخصية معروفة لقيادة المؤسسة, ولديه القدرة للاتصال مع اجهزة الحكومة والبيئة المحلية لتفعيل دور هذه المؤسسة تقدما او تراجعا, ونتكلم هنا عن البيئة والنظام السياسي والضغوط الخارجية والثقافة السياسية ومدخلات ومخرجات قد تساعد او تحد من قدرة وفعالية المؤسسة في المجتمع المدني.

عايش: مؤسسات المجتمع المدني هي (البنية التحتية للديمقراطية)

ثم تحدث الكاتب الصحفي حسني عايش الذي قال : بداية اتوجه بالحديث للدكتور صبري اربيحات عطفاً على ما ذكره حول مسألة النقد مع ان النقد ضروري واقول ان الروائي (جيمس بلدوين) كان يمجد النقد ويقول: "احب بلدي اكثر من اي بلد في العالم وانني لهذا السبب ولهذا السبب فقط احتفظ بحقي بنقده باستمرار", اقول ذلك لان المنافقين والدجالين المزيفين هم الذين يدمرون البلد ومن هنا يجب ان يفتح للنقد الباب واسعا, اما فيما يتعلق بموضوع هذه الندوة فألاحظ ان قد تم ادخال القبيلة في مؤسسات المجتمع المدني, وهنا نحتاج الى اداة لتعريف مثل هذه المؤسسات لان القبيلة ليست من مؤسسات المجتمع المدني وهي تندرج تحت اطار المجتمع القبلي (الاولى) وليس المجتمع المدني كونه قد نشأ حديثاً حيث ظهر في اواخر الحرب الباردة بعدما انتشرت الديمقراطيات في العالم, وهنا يعتبر العلماء وعلماء الاجتماع بالذات ان مؤسسات المجتمع المدني هي (البنية التحتية للديمقراطية) كون هذه الجمعيات يمكن ان تؤطر لإصول العمل الديمقراطي وهنا لا نتحدث بالسياسة.

كما انني اعتقد ان المجتمع المدني الاساسي والجوهري معناه تجمع طوعي وكل تحرك غير طوعي يخرج عن هذا الاطار, ان المؤسسات التي تبنى من فوق هي ليست مؤسسات مجتمع مدني, والاسرة والعشيرة والقبيلة لا تندرج تحت هذا الاطار, ولنكن اكثر تحديدا ونحكم العقلية والواقع تجاه هكذا مؤسسات لان النقابات المهنية والنوادي وغرف التجارة والعمال والمؤسسات الدينية كلها تدخل في مؤسسات المجتمع المدني المندرجة تحت الحركات السياسية, ومن وجهة نظري فان الاحزاب السياسية ليست من مؤسسات المجتمع المدني لانها تضطر ان تساوم وتناور مثل (حزب جبهة العمل الاسلامي) وتسعى للوصول الى السلطة.

واسمحوا لي بسؤال صريح: هل الاحزاب في الاردن هي وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني? واجيب انها ليست من مؤسسات المجتمع المدني لانها تسعى الى السلطة بينما مؤسسات المجتمع المدني تطوعية هدفها القيام بخدمات ما ونشاط ما, فقد تتشارك مع الاحزاب ببعض اهدافها وفلسفتها والاحزاب هنا هدفها الوصول الى السلطة بالاقتراع العام اذا كان النظام ديمقراطيا.

وسؤال ثان: هل وسائل الاعلام جزء من المجتمع المدني? اذا كان هدفها الربح فانها ليست من مؤسسات المجتمع المدني, اما اذا كانت تعبر عن مؤسسات المجتمع المدني فأنها تعتبر منها, اما النقطة الاخرى فهي ان مقولة المجتمع المدني جاءت الينا من الغرب ويمكن ان نقسم مراحل المجتمع المدني الى اربع مراحل: مرحلة القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين حيث كان هناك جمعيات وتجمعات خيرية, والمرحلة التي ظهرت فيها النقابات المهنية والعمالية وما شابه وازداد عددها لكنها اشتركت مع مجتمعاتها في محاربة الاستعمار, ثم جاءت مرحلة الاستقلال التي قمعت مؤسسات المجتمع المدني وقيدته وحاربته حتى عقد الثمانينيات والتسعينيات, وصدرت الاوامر لها بعدم التدخل بالسياسة او تعمل كذا ولا تعمل كذا وطالبتها بالتقيد بسياسة حكوماتها, اما المرحلة الجديدة والتي نحن بصددها فهي مرحلة انتشار مؤسسات المجتمع المدني والتي اصبحت كالفطر, ففي الاردن هناك ثمانية الاف مؤسسة وفي مصر 14 الفا والسبب في ذلك انه بعد انهيار الكتلة الشرقية وسقوط الدكتاتوريات الموجودة ونجاح مؤسسات المجتمع المدني في اسقاطها فقد قويت وانتشرت.

واضاف عايش ان هذه الرؤية تستوجب من الأنظمة العربية الوقوف معها والاستفادة منها, لأن الأنظمة العربية كانت فاشلة في كل شيء عسكريا وسياسيا واقتصاديا (حسب احد الخبراء) وناجحة في القمع, حيث انها مارست القمع على مؤسسات المجتمع المدني والاحزاب, اضافة الى كل هذا فان كثرة مؤسسات المجتمع المدني تعزى الى الضغط والدعم الخارجي, وفي هذا الاطار قال الرئيس بوش في 6 تشرين الثاني سنة 2003 ان ستين عاما من مراعاة الدكتاتوريات في العالم العربي والسكوت على انتهاكات لم توفر الأمن لها, وعليه لابد لنا من دعم مؤسسات المجتمع المدني لتكون بنية تحتية للانطلاق الديمقراطي, وقد تم بالفعل صرف 150 مليون دولار على هذه المؤسسات في كل من الاردن ومصر ولبنان ومع ذلك فقد دار الحديث عن شبهات فساد وما شابه.

ونعود مرة اخرى الى سؤال اعتقد انه مهم وهو كيف تنشأ مؤسسات المجتمع المدني? واقول بالاستقلال عن السلطة والغاء كلمة "التسامح" من القاموس لأنه ليس هناك تسامح, والتسامح يجب ان يكون في الامور الشخصية, لذلك علينا استبدال كلمة السماحة بالتسامح اي القبول والاعتراف واحترام للآخر وعلى مؤسسات المجتمع المدني أن تتحالف مع كل القطاعات ذات العلاقة للوصول بالمجتمع إلى الديمقراطية, وان تكون هذه المؤسسات منابر للمواطنين لتعلم المشاركة والقيم الديمقراطية لأن هناك اصوات تقول بأن الديمقراطية مفهوم غربي يجب محاربتها وتدرجها تحت عنوان الكفر في المدارس هناك تعليم تكفيري خفي في دروس الدين التي تعلم في هذا الاتجاه, حيث يقال للطلبة انها تعاليم غربية ومع ان المنهج يتحدث عن الديمقراطية وحقوق الانسان الا ان المنهج الخفي يعاديها, وفي المراحل الثانوية فان المناهج فيها كلام اخطر من ذلك, مع ان مفهوم الديمقراطية مفهوم عربي اسلامي لاننا اسهمنا في الحضارة العالمية عبر تاريخنا الطويل في القرآن الكريم حيث قال تعالى: "ومن آياته اختلاف السنتكم وألوانكم", وهذا دليل علىان الديمقراطية جزء من تاريخنا وقد جاء في القرآن الكريم ايضاً على لسان ملكة سبأ "يا ا

يها الملأ افتوني في امري ما كنت قاطعة امرا حتى تشهدون" اليس هذا منتهى الديمقراطية. ان الديمقراطية قيم وثقافة, وهناك اناس يدعون الديمقراطية ويتحدثون بعكس ذلك ويدرسون طلبتهم بعكس ذلك وهناك من يدعي ان الديمقراطية مجرد آلية مع انها قيم وثقافة, فالمواطن الغربي لا يتصور نفسه بدون ديمقراطية لانها جزء من تكوينه الثقافي والقيمي وفي بلادنا نتحدث عنها لكننا لا نقبل بنتائجها.

د. الرشدان: ما بين التهدئة والتوتر غاب وضوح الرؤية تجاه مؤسسات المجتمع المدني

من جانبه قال د.عبدالفتاح الرشدان استاذ العلوم السياسية بجامعة مؤته انه حتى الآن لا يوجد تعريف او تحديد واضح لمفهوم مؤسسات المجتمع المدني حسبما ورد في هذه الندوة, لان وجهات النظر كانت متشعبة ومتنوعة وليس هناك اتفاق اصلاً بين مؤسسات المجتمع المدني على هذا التعريف او حتى على أطرها, هل الأطر قبلية اوتقليدية في مؤسسات المجتمع المدني وهل المؤسسة الدينية جزء من هذه المؤسسات, النقابات المهنية هل هي جزء ايضا, بالمحصلة هناك اشكالية كبيرة لتحديد تعريف هذه المؤسسات ويرتبط بمدى فعالية هذه المؤسسات وفق مجموعة التصنيفات, وبالتالي قد يكون هناك بعض انواع هذه المؤسسات التي ربما يكون لها فعالية في اطار المجتمع الاردني لتقوم بالمهام والوظائف التي تحدث عنها بعض الزملاء مثل دور التنشئة والتمثيل والضبط والشفافية والمحاسبة .. الخ, وعندما يتشعب التعريف فان فعالية هذه المؤسسات تتفاوت, ونقطة اخرى ما علاقة هذه المؤسسات في تدعيم الديمقراطية او المسار الديمقراطي في الاردن, فاذا كان هناك رئيس جمعية تطوعية قد بقي على رأس جمعيته لمدة نصف قرن فأي ديمقراطية تسهم بها مثل هذه الجمعيات.

واضاف الدكتور الرشدان انه اذا كان اهم عناوين الديمقراطية الذي هو تداول السلطة غائب وغير مفعل في الجمعيات والاحزاب والنقابات فأي اسهام يمكن ان ينتظر منها كمؤسسات المجتمع المدني في مجال تعزيز الديمقراطية, فالمطلوب تدعيم التحول الديمقراطي في المجتمع ولكن كيف? هل هو على غرار النمط الغربي وهي بالفعل فكرة غربية الاصل, وهل هذه الرؤية تكون صالحة للتطبيق في مجتمعنا الاردني لا سيما وان البعد الثقافي في اي مجتمع يؤثر تأثيرا هاما على كيفية تبلور مثل هذه المؤسسات, فما قد يصلح لمجتمع عربي آخر قد لا يصلح لمجتمعنا, فكيف بنا ونحن نتحدث عن مجتمع تجذرت فيه الديمقراطية مثل بريطانيا وفرنسا والسويد والولايات المتحدة, بينما نتحدث عن مجتمع ربما تقليدي وما زال يتحدث عن التحول الديمقراطي ولم يرس قواعد تتعلق بمعنى الديمقراطية المتجذر والشامل الذي يحدث في المجتمعات الغربية.

واكد الدكتور الرشدان ان المجتمعات العربية لم تتحدث بأدبيات مؤسسات المجتمع المدني الا في سبعينات القرن الماضي على الرغم من وجود مؤسسات او هياكل مؤسسات, والمؤشر هنا ان وزراء الشؤون الاجتماعية قد اجتمعوا في عام 1965 وبحثوا في كيفية وضع قيود تشريعية على عمل الجمعيات الخيرية وقد صدر في الاردن قانون عن وزارة الشؤون الاجتماعية في الاردن عام 1965 يحدد كيفية الترخيص لهذه الجمعيات, ثم في عام 1966 قامت مؤسسة رعاية الشباب بالاشراف على نوادي الشباب فأصبحت هناك معوقات تحول دون فعالية مؤسسات المجتمع المدني لأن هناك قيودا تشريعية تصدر عن السلطة التنفيذية في معظم اقطار العالم العربي تحدد عمل مؤسسات المجتمع المدني, واذا ربطنا هذا الواقع التشريعي مع وجود مؤسسات مجتمع مدني فاننا نتوقف امام هذه المعادلة التي تحول دون تجذر الديمقراطية او تدعيمها وهذا يؤجل او يعيق عمل مؤسسات المجتمع المدني.

واختتم الرشدان حديثه بالقول: لابد اخيراً ان نشير الى نقطه مهمة وهي عدم وضوح أساليب التعامل وآلياتها ما بين الحكومات التي اصبحت كثيرة التبدل في العقدين الاخيرين, وربما توجد حكومة لديها برامج عمل معينة وآليات وأساليب للتعامل مع مؤسسات المجتمع المدني لكن هذه الحكومة تمكث عدة اشهر وتأتي حكومة جديدة لديها آليات اخرى مختلفة قليلا او كثيرا تجاه هذه المؤسسات, وهذا ما حدث على سبيل المثال مع النقابات المهنية فحكومة تهدد واخرى تهدىء وما بين التهدئة والتوتر فان الوضوح غائب تجاه مؤسسات المجتمع المدني مما يعيق الديمقراطية ويحدد نوعية تلك المؤسسات ومدى مساهمتها في تجذير الديمقراطية وأعود مرة أخرى لأكرر على ضرورة حل المعضلة المتعلقة بترخيص هذه المؤسسات ووفق التدخلات المختلفة في عملها.

د. الفانك: من الاولى ان تكون مؤسسات المجتمع المدني ديمقراطية ولو بحدها الأدنى

من جانبه قال الزميل الدكتور فهد الفانك إنني اشارك في هذه الندوة ليس بصفتي رئيس مجلس ادارة هذه الصحيفة حتى لا يقال اننا نتحدث الى بعضنا البعض لأن هذه الندوة ستنشر في الجريدة وما ينشر هو ملك للقارئ وعليه فإن حديثنا لابد وان يكون موجه الى المجتمع الاردني وحتى الى الجهات الرسمية, ومن هنا فإننا لسنا بحاجة الى وصف ما يحدث في المجتمع المدني, بل المطلوب اقتراح حلول او بدائل, وبطبيعة الحال فالملاحظ ان المناخ السائد هنا هو اكاديمي حيث يؤكد المشاركون على التعريفات والتحليل والوصف والنقد وذكر العيوب ولعن الظلام لكن الشمعات التي اضيئت لا زالت محدودة.

واضاف الدكتور الفانك انه عندما نعرف عيوب معينة يكون هذا نصف العلاج , والمطلوب الاهم هو النصف الاخر, ايضا التعريفات كانت تدخل مؤسسات ضمن منظومة المجتمع المدني وتستثني اخرى مثل الاحزاب والقبائل والمؤسسة المدنية النقابات الجمعيات التعاونية ولم تذكر المؤسسات الاعلامية ولم تحدد ما اذا كانت ضمن هذا التعريف ام انها تدخل في تعريف آخر, وبأعتقادي ان اهم ما يمكن ان تخرج به هذه الندوة ليس فقط الوصف على اهميته والتحليل على اهميته, وانما ما يجب ان يحصل وهذا هو الموضوع الصعب , فمثلا ما هو الموقف من التمويل الخارجي لهذه المؤسسات اشير الى ذلك دون ان نعرف ما اذا كان ايجابيا ام سلبيا, وما يسمح به وما لا يسمح به, واذا سمح به فبأي شروط وهل له بديل محلي اذا الغينا التمويل الاجنبي وهذه قضية كبيرة بحاجة الى البت بها بشكل مفصل وليس فقط الاكتفاء بمجرد المرور بها مرور الكرام.

وفيما يتعلق بموضوع الموقف من النقابات المهنية قال الدكتور الفانك :ان مسألة الموقف من مؤسسات المجتمع المدني تعتبر من اهم الموضوعات التي يتوجب التركيز عليها, فعندما نقول ان في الاردن مؤسسات مجتمع مدني فعلى الفور يتبادر الى الذهن ال 14 نقابة مهنية قبل غيرها, وهنا يقفز الى الذهن سؤال جوهري هو هل نؤيد تسييس هذه النقابات? ان المنتسب الى نقابة هو ملزم في الانتساب اليها ليمارس مهنته ولا يكون لديه خيار آخر فالطبيب لا يستطيع ان يمارس مهنته الا بعد الانتساب للنقابة لأنه لا يختار الانتساب بل هو مضطر له وبذلك ادخل الى نقابة انا ضد قيادتها لكنني مضطر للانتساب اليها والالتزام بتسديد الاشتراكات.

واختتم الدكتور الفانك حديثه بالقول : ثمة موضوع آخر هو ايضا محوري في هذا اللقاء ويتمحور حول العلاقة بين مؤسسات المجتمع المدني والديمقراطية, ولعله من الاولى ان تكون مؤسسات المجتمع المدني ديمقراطية ولو بحدها الأدنى, وان تكون هذه الديمقراطية لها الزام قانوني بأن ينص على انتخابات ديمقراطية وتداول السلطة بحيث لا يجوز للشخص ان يبقى في المسؤولية لأكثر من دورتين او ثلاث دورات, فالانتخابات والتداول كشرط اساسي اذا اردناها ان تكون جزءاً اصيلاً في ممارسات وسلوك المجتمع فيجب علينا اولاً ان نحققها في مؤسسات المجتمع المدني.

د. الناصر: الحكومة لا تتعامل مع الاحزاب السياسية على انها من مؤسسات المجتمع المدني

وفي مداخلته قال الدكتور خلدون الناصر: انه في الحقيقة نحن نستفيد مما نستمع اليه واود اولاً تأييد ما قاله الاستاذ حسني عايش بتأكيده على ان الاحزاب السياسية هي ليست في منظومة مؤسسات المجتمع المدني,

واطالب مركز الرأي للدراسات بعقد ندوة خاصة للاجابة على سؤال الدكتور نظام بركات المتعلق بضرورة تغيير القيادات التقليدية للأحزاب السياسية الأردنية, واحب ان اؤكد هنا على ان كل قيادات الاحزاب السياسية منذ اواخر عام 1993 قد تغيرت وانه لا يوجد امين عام دائم.

وباعتقادي ان السؤال الاهم هو هل لدينا مجتمع مدني حقيقي بالمفهوم العلمي والعصري حتى نتحدث عن مؤسساته? لقد كنت اشرت مراراً الى ان الحكومة لا تتعامل مع الاحزاب السياسية على انها من مؤسسات المجتمع المدني, وانا آخذ على وزير التنمية السياسية اشاراته الى ان الاحزاب السياسية هي مكونة من 10400 عشيرة خصوصاً وان دولة الرئيس كان قد اشار الى مثل هذا الكلام عندما قال في انتقاد وجهه الى الاحزاب الاردنية (ان كل واحد بده يؤسس حزب بيجيب 50 واحداً من اقاربه ويؤسس حزب), وانا بدوري هنا اقول للحكومة ارجعوا الى سجلات الاحوال المدنية وتأكدوا من اسماء واعضاء الاحزاب وستعرفون ان الامر ليس كذلك وان عضوية الاحزاب لا تقوم على صلة القربى, وان اقل حزب اردني لا يقل عدد مؤسسيه او اعضائه عن سبعين شخصاً.

واضاف الدكتور الناصر انني اتفق مع الدكتورة هدى في وصفها للحالة العربية المتردية بشكل عام, فطالما ان نسبة الاحزاب الى مؤسسات المجتمع المدني في الاردن واحد بالألف من 340 وان عدد مراكز الابحاث يزيد عنها بماية وخمسة عشر, فلماذا تستكثر الحكومة وجود 34 حزباً على الساحة الأردنية, فلتجرب الحكومة ان تفتح مجالاً لهم في الانتخابات وسترى كيف ان الشعب سيزكيهم.

وفي حقيقة الامر اننا تركنا خلفنا قبل 14 سنة واهملنا الاجوبة على كل ما نحاول هذا اليوم البحث عن اجابة له, وكان ذلك بتركنا للميثاق الوطني الذي يقدم اجابات واضحة على كل التساؤلات التي يمكن ان تثار في هذا المجال وغيره من مجالات العمل السياسي, فحسب الاطباء فان الركض على جهاز الركض بطريقة غير صحيحة ربما يؤدي الى تجلطات في الدم وهذا هو حالنا في الوقت الحاضر, وهنا أود التأكيد على رؤيتنا كأحزاب بأنه لا يجوز بأي شكل من الأشكال او تحت اي صورة من الصور تسييس النقابات او العمل النقابي.

اما فيما يتعلق بموضوع التشريعات القانونية التي تحكم عمل مؤسسات المجتمع المدني قال الناصر انه لدينا في الاردن تشريعات كثيرة وهناك اكثر من جهة تعطي تراخيص, حيث بدأت العملية في سنة (1922) في وزارة الصحة فيما كانت هناك جمعيات تم تسجيلها قبل الاستقلال وكانت هذه الجمعيات بالاصل سياسية تحت مسميات دينية واجتماعية وغيرها.

واضاف الناصر انه بالنسبة لتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني فانه لا يجوز ان تشارك سياسياً لأنها تكون بذلك قد خالفت القوانين والدستور, اذ ان مؤسسات المجتمع المدني لا علاقة لها بالسياسة لكن ذلك لا يمنع ان يكون احد اعضاء هذه المؤسسات منتمياً لأي حزب سياسي, فصحيح ان هناك معوقات تشريعية ومعوقات سياسية لعمل مؤسسات المجتمع المدني, لكن هناك ما يشير من خلال ما نسمعه من الحكومات الى ان هناك خططاً لازالة هذه المعوقات. اما فيما يتعلق بمستقبل مؤسسات المجتمع المدني فمع انه لا يزال في ظل الوقع الحالي مغلفاً بالضبابية لكن ذلك لا يعني اننا لسنا بحاجة للتعامل معها بموضوعية ونظرة واقعية.

واختتم الناصر حديثه بالقول الاحزاب السياسية في الاردن يقع عليها ظلم كبير ونعتقد انه سيقع عليها ظلم اكثر رغم ما يقال من قبل الحكومات المتعاقبه والذ بالتأكيد استفاد وسيستفيد منه ثلاثة او اربعة احزاب قد لا يكون مستقبلاً تناغم بينها وبين الدولة الاردنية او قد يكون هناك تضارب في المصالح.

د. العدوان : تعدد الجهات التي تمنح التراخيص للمجتمع المدني

وتناول د. رائد العدوان الجانب التشريعي في واقع وعمل مؤسسات المجتمع المدني والذي قال :اود الحديث عن التشريعات القانونية التي تحكم عمل مؤسسات المجتمع المدني واريد هنا ان اتناول قانون الجمعيات والهيئات الاجتماعية الاردني رقم 33 لسنة ,1966 وهو القانون او التشريع الناظم لعمل مؤسسات المجتمع المدني وسأعقب عليه وتشريعه من خلال التحديات التي تواجه عمل مؤسسات المجتمع المدني, التحدي الأول ويكمن في الجهات التي تمنح التراخيص وكما يعلم الجميع بأن هناك أربع جهات تمنح التراخيص لمؤسسات المجتمع المدني تنحصر في وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة الداخلية ووزارة الصناعة والتجارة ووزارة الثقافة وهذا يشكل عائقاً في موضوع تشعب مرجعيات مؤسسات المجتمع المدني اذ لا يوجد لغة او طريقة واحدة للتعامل , أما العائق الثاني فيتعلق بمتطلبات التسجيل حيث أن هنالك متطلبات معقدة, والأصل انه كلما كان هناك تسهيل ويسر في عملية تسجيل مؤسسات المجتمع المدني كلما ازداد الإقبال من الناس على هذه المؤسسات, حيث تتصف عملية التسجيل بأنها معقدة وتأخذ إجراءات طويلة ومركزة في يد الوزير, إذ انه من صلاحيات الوزير حسب القانون منع تسجيل اي مؤسسة مجتمع مدني, كما أعطى الق
انون للوزير صلاحية حل أي من هذه الجمعيات أو المؤسسات, والملاحظة هنا ان القانون الفرنسي لمؤسسات المجتمع المدني لعام 1901 لم يشترط أي إجراءات لتقديم الطلب أو لتسجيل مؤسسات المجتمع المدني, وإنما فقط أن تقوم هذه المؤسسة بإعلام أو إشعار للوزارة بتأسيس الجمعية أو المؤسسة, وهناك عقوبات فردية وجماعية على مخالفة القانون فيما يتعلق بمؤسسات المجتمع المدني وقد حدد المشرع مبدأ اللجوء الى القضاء بحالة منع الوزير المختص لإنشاء أو تأسيس جمعية والقانون الأردني في هذا المجال يخاطب نمطين هما الهيئات الاجتماعية والجمعيات الخيرية.

وفيما يتعلق بتحديد مجالات النشاط قال الدكتور العدوان: لقد قيّد المشرع الاردني من مجالات نشاط مؤسسات المجتمع المدني فاقتصرها بنص القانون على تقديم الخدمة الاجتماعية بما تعنيه من تحسين لأحوال المواطنين ثقافياً أو تربوياً أو صحياً أو روحياً أو اجتماعياً أو فنياً. وخلاصة القول, ان هناك ازمة في عمل مؤسسات المجتمع المدني وسأتناولها من الجانب التشريعي حيث انه لا بد من وجود تشريع, هذا التشريع له صفات يحاول بواسطتها تجاوز الازمة عبر تحديث عمل مؤسسات المجتمع المدني, والتحديث المقصود هنا المعنى العام وليس المعنى الحرفي, أي الانتقال من العمل التقليدي إلى الحداثة في عمل مؤسسات المجتمع المدني من حيث انه لا بد من الإصلاح التشريعي المتعلق بعمل مؤسسات المجتمع المدني والتحديث التنظيمي لمؤسسات المجتمع المدني حيث انه من الملاحظ أن مصير وإدارة هذه المؤسسات يناط عادة بنخبة قليلة العدد فيما لا يكون للهيئة العامة التي تجتمع لمرة واحدة في العام أي دور في القرارات المصيرية المتعلقة بالمؤسسة.

وأخيرا, أود أن أعقب على ما ذكره معالي الوزير من أن العشائر الأردنية لها ثلاث وظائف هي القيام بالصلحة والمشاركة في الأفراح والعزاء فإنني اريد ان اضيف بعداً اخر امنياً وسياسياً وهو لجوء الحكومة الى العشائر وخاصة اثناء الازمة الاخيرة التي شهدها الاردن. وسؤالي الأخير هل الحكومة فعلاً جادة بالتعامل والانفتاح على مؤسسات المجتمع المدني خاصة وانني كنت قبل عدة اسابيع قد قرأت مناشدة من احد رؤساء الجمعيات الخيرية لدولة رئيس الوزراء يطلب فيها مقابلته من اجل بحث تشريع هام يتعلق بالحوادث على الطرق حيث انه كان قد طلب رسمياً مقابلة دولة الرئيس ومر على الطلب مدة ثلاثة شهور ولم يستدعيه احد.

تليلان: المجتمع المدني والدولة والمواطنة

وفي مداخلته تساءل الباحث والكاتب أسامة تليلان: ما الفرق بين أن تكون هذه المؤسسة مصنفة على أنها مؤسسة مجتمع مدني أم لا ومن هي الجهة المرجع المخولة بهذا التحديد, وبالتالي هل ستفقد النقابات المهنية على وجه التحديد قوتها التنظيمية إذا أخرجت من دائرة مؤسسات المجتمع المدني, وهل يحق لها لعب دور سياسي, فأين هذا الحد الفاصل ما بين كون هذه المؤسسة مؤسسة مجتمع مدني ام لا ان كانت تمارس ذات الانشطة المتوفرة في المجال العام لهذا المجتمع, اما الملاحظة الثانية فتتعلق بما طرحه البعض من ان لا علاقة لمؤسسات المجتمع المدني بالعمل السياسي بينما في اوروبا بدأت حركة التحول الديمقراطي على يد المنتديات الفكرية والثقافية والاجتماعية قبل الاحزاب السياسية فهي التي قادت هذه العملية.

واضاف تليلان انه وفيما يتعلق بموضوع الندوة عندما يكون السؤال ما العمل? فإن الامر يتطلب فعلياً ما هو ابعد من وصف الظاهرة الى البحث او محاولة البحث عن اسباب نشوء هذه الظاهرة, وهي غياب الفعل الحقيقي لمؤسسات المجتمع المدني على الرغم من انني قد تابعت كوتا المرأة بغض النظر عن قبولنا او رفضنا لها, لكن اعتقد ان مؤسسات المجتمع المدني المعنية بقطاع المرأة او النسوي عندما مارست عملها وفق الاليات المسموحة لها استطاعت ان تحقق نتائج جيدة جداً على صعيد تنظيم كوتا للمرأة ولا اقصد النتائج على صعيد استصدار القرار فقط وانما الى تغيير وعي الناس في مسألة قبول والتعامل مع هذه الكوتا على انها امر واقع, واعود الى سؤال ما العمل: الاخوة المشاركون تناولوا الظاهرة في جانبها التنظيمي والتشريعي وانا اود ان اتحدث عن جانب آخر ربما يكون مغيباً نوعاً ما, وابدأ بالقول انه عندما نتحدث عن مؤسسات المجتمع المدني فإننا نتحدث عن علاقة لها ثلاثة اطراف هي المجتمع المدني والدولة والمواطنة واعتقد ان احد التحديات يكمن في فهم المواطنة اذ يكاد ينحصر هذا الفهم بالكامل في النشاط السياسي خاصة التصويت, فعندما يناشد السياسيون المواطنين كي يمارسوا مواطنتهم فبالع
ادة يكونوا يقصدون التصويت وهذا معاكس تماماً لمفهوم المواطنة الواسع, فإن تكون مواطنا فهذا يعني ان تكون مرتبطاً اجتماعياً, وأي مجتمع قوي في تضامنه الجماعي هو مجتمع غني بالمواطنة يتعهد الناس فيه برعاية المؤسسات والعادات والاخلاق التي يقوم عليها هذا المجتمع, وتتضمن الاخلاقيات المدنية ايضا تلبية الحاجات البشرية بشكل طوعي ومباشر, لذلك يبدو ان العنصر الرئيسي للمواطنة هو تغذية التعاطف الاجتماعي الصادق بين الناس, وان الهدف الحقيقي ايضا لتجديد المواطنة هو استعادة الفرد وتقليص تفويض شؤون الحياة العامة للاخرين, ووفق هذا المفهوم فإن المواطنة تتضمن تشكيلة من الواجبات الاجتماعية يتم النهوض بها من خلال الحياة المشتركة للمجتمع المحلي, وحقيقة المواطنة وفق مفهوم النشاط السياسي هي شيء عرضي غير متصل لها علاقة فقط بيوم الانتخاب وتهدف ايضا الى تفويض اخرين للقيام بشؤون الحياة العامة لكن بعد ان يدلي المواطن بصوته يفترض ان يتنحى عن الطريق وان يترك الامر لمن يتولونه, لذلك لا غرابة ان نجد عامة الناس اليوم لديها الرغبة في الابتعاد عن مجال العمل العام.

واكد تليلان انه عدنا للمفهوم الواسع للمواطنة سنجد انها تكمن في الفكرة التي تعتبر المواطنة مشاركة فردية فاعلة في المجال الفسيح للشؤون الانسانية المعروفة باسم المجتمع المدني, فالمواطنة كنشاط داخل المجتمع المدني لا تمارس بشكل مرحلي او عرضي كما هو الحال بالنسبة للانتخابات, وانما بشكل منتظم ومتواصل وربما بطرق لا نكاد نلاحظها لكن من خلال هذه التفاعلات اليومية تكتسب مؤسسات المجتمع المدني شكلاً ومضموناً لقيمنا وصفاتنا اليومية. والحقيقة ما اود ان اقوله ان هذا الفهم الخاطئ للمواطنة او اقتصار هذا الفهم على التصويت تحديداً قد ابعد الغالبية عن الاهتمام بالعمل العام, واذا ما اسقطنا هذا الفهم على العضوية داخل مؤسسات المجتمع المدني واقتصاره على التصويت فقط لقيادات هذه المؤسسات فإن هذا الامر قد يفسر ابتعاد غالبية الاعضاء عن العمل العام للمؤسسات نفسها وأدى كذلك الى انحسار الرغبة في العضوية وغياب التنافس وروح السماحة وحتى الى استكمال غالبية المؤسسات لواحدة من أهم ركائزها الاساسية التي يفترض ان تقوم عليها.

الشوبكي: معوقات تشريعية وسياسية

من جانبه قال الزميل هادي الشوبكي لقد حاول الحضور الاقتراب من تحديد مفهوم المجتمع المدني وحتى الآن لم نصل الى تحديد دقيق لهذا المفهوم, وان هناك معوقات تشريعية وسياسية تعيق عمل مؤسسات المجتمع المدني لكن المهم هو علاقة هذه المؤسسات مع السلطة التنفيذية, فاذا لم تكن هناك نية صادقة على الالتقاء على قواسم مشتركة او قاعدة للانطلاق مع مؤسسات المجتمع المدني, فانني اعتقد باننا لن نستطيع الوصول الى مرحلة رفع سوية واداء هذه المؤسسات.

وفي معرض رده على تساؤلات وملاحظات المشاركين قال الدكتور صبري الربيحات وزير التنمية السياسية أود بداية التأكيد على انه ليس هناك وجهة نظر جاهزة ومبلورة عند الحكومة حول هذا موضوع مؤسسات المجتمع المدني, ولكن هناك اجتهادات, فلننظر الى علاقة الفرد والمجتمع مع القانون في المجتمعات النامية اذ تأخذ هذه المسألة طريقة مختلفة بان يكون القانون احيانا متقدم على المجتمع واحيانا يكون الفرد يدخل الى منظمات بعقلية سابقة عليه, وبالتالي ربما يكون هناك لدينا بعض عدم النضوج في الوعي الفردي, فلا زالت الوحدة الاساسية لمجتمعنا هي الجماعة ولذلك احيانا تجدنا نتجه الى المؤسسات بعقلية قبلية فيكون مكتب الموظف وكأنه ديوان (يا هلا وصبو قهوة واللي اجيت فيه تطلع فيه ) وغيرها من التفاصيل, وعندما نتناول مسألة التشريع نتحدث عن انتقال من حالة الفطرة الى الالتزام بقواعد يتفق عليها الناس ليتم وضعها بتشريع وقوانين مقبولة, اذا نظرنا الى المسيرة التشريعية الاردنية فلدينا اليوم حوالي ثلاثة الاف قانون تم صياغتها, منها ما تم تجميدة او ايقاف العمل به ولكن ما زال منها حوالي الف او ما يزيد ساري المفعول, واذا كان الفرد غير مدرب على استخدام هذه القوانين فقد
يخالف في سلوكه لانه لا يعرف, وبهذه الحالة يكون فيها التشريع متقدم على حالة المجتمع, فاذا اخذنا المجتمع في ضانا كمثال حيث تعود الناس هناك على علاقتهم مع الغابة وقلنا لهم لا يجوز قطع الأغصان من اشجار البطم الناشفة واذا قام حراس الغابة بناءً على ذلك باحتجاز شخص لانه قام بهذا العمل, فان ذلك سيكون تدخل في العلاقة الطبيعية التي نشأت ما بين هذا الانسان وهذا المكان تشريعي.

واضاف الدكتور الربيحات : اعتقد اننا في طريقة تفكيرنا وفي معتقداتنا وشعورنا وممارساتنا لازلنا بعيدين عن القوانين, ومع ذلك فإن هناك قواعد نتفق لا شعوريا عليها ومشتركةن فيمكن للفرد الاردني معرفة معنى احمرار الوجه ومعنى السلام مع ازاحة الوجه, لكن هناك ايضا انماط متقدمة من العلاقات لازلنا لا نفهما بشكل جيد وتحتاج الى تدريب وتطبيع وتفاعل اعمق وتحتاج الى اعادة تفكير في كثير من المسائل منها العادة والعرف والقانون والصلة بينهما والخلط الذي يتم في ممارساتنا, وما اريد ان اقول هنا اننا في وزارة التنمية السياسية على الاقل واعين ومدركين للازمة التي يمر بها المجتمع المدني ودعوناه الى حوار وقدمنا مسودة لقانون يتم النقاش حوله مع مؤسسات المجتمع المدني ولدينا تصور عن واقع المجتمع المدني في الاردن, هناك ثلاثة عشر مرجعية في الاردن لمؤسسات المجتمع المدني, ابتدأت او هذه المرجعيات بغرفة السلط سنة 1833 ونعرف كيف انشأت وتطورت الحركة فيها, والحقيقة انه لا يوجد ظلم عندما نوجه نقد ذاتي ولا تستطيع ان تضع 3450 منظمة او مؤسسة في سلة واحدة , والمطلوب ان لا ندافع بطريقة عشائرية عن المجتمع المدني, وانما علينا اذا اردنا معرفة او قياس فاعلية
المجتمع المدني الاجابة عن السؤال التالي وهو ما هو العامل الذي يجمع مجتمعنا ويخلق حالة التماسك او الترابط الموجودة لدينا هل هي القبيلة او هل هي المجتمع المدني ام هي خليط من هذا وذاك? ان الشيء الاكيد في هذا المجال اننا وبأعتبارنا مجتمع نامي لم نصل الى مرحلة المجتمع الكامل ولا الى حالة ان يكون الفرد هو الوحدة الاساسية للمجتمع الذي يقيم علاقات طوعية مع افراد اخرين حول المصالح التي تعني هذا الفرد وبالتالي تتشكل شخصية المجتمع المدني من مجموعة العضويات الفردية التي يتمتع بها في مؤسسات مختلفة.

وفيما يتعلق بالعلاقة ما بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني قال الربيحات لازالت هذه العلاقة غير محسومة فهي لا تأخذ مسارا واحدا واضحا فهي تتقلب حسب المواقف والقضايا والمتغيرات, واعتقد ان قيمنا ايضا تمر في تغيرات كغيرها من الجوانب المادية في حياتنا التي تمر في تغيرات ايضا, اما عن دور موسسات المجتمع المدني في مجتمعنا حياتنا فكما في النظام التعليمي عندنا فالنظام التعليمي لدينا تغريبي ويسرب الطاقة بدل من ان يعيدها الى مجتمعنا لذلك تدرب الطلاب في المدارس وتعلمهم على اشياء ليس لها علاقة بالبيئة المحيطة بهم فعندنا 000ر200 طالب في الجامعات يشكلون عبئاً مذهلاً على المجتمع حتى بعد تخرجهم سيبقون كذلك ولو وضعناهم في كل المؤسسات, لاني لا اعتقد انهم سيكون لهم تأثير ايجابي كبير على الناتج القومي للامام او للخلف مما يدل انه لا زالت القصة شائكة.

اما فيما يتعلق بالاحتكار التي تحدث عنها البعض فانا اعتقد ان لا يوجد احتكار الا لاستخدام القوة, بمعنى ان الدولة تحتكر استخدام القوة لضمان ضبط سير التفاعلات في المجتمع على نحو يضمن مصالح الجميع علماً بأن الفرص متاحة للجميع بالتساوي واعتقد ان الاردن بلد الفرص للجميع. وهنا اقول انه احيانا ان ذهبنا للحوار »متفلتين« على بعضنا فإننا بالتأكيد لن نصل الى نتائج تصب في مصلحة الوطن والمواطن , وعليه ينبغي على جميع المؤسسات في المجتمع المنظم ان تكون مضامين عملها في الداخل كما تكون قارماتها, فالنقابات المهنية بالاصل انتخبت لتعظم دور الامة وتحسن ادائها وترفع من شأنها وشأن العاملين فيها واذا كان عندي فائض طاقة ولم يكن هناك عوائق من جهة الاحزاب فيمكن لي ان اضع وجهة نظري السياسية كنقابات عند هذه الاحزاب لكن لا يجوز ان يكون الامر »سمك لبن تمر هندي« لانه عندئذ سيصبح هناك تداخل في عمل مؤسسات المجتمع المدني.

واشار الربيحات ان الحكومة بكل اجراءاتها وبرامجها تفترض عرضت على الشعب واخذت موافقته بمعنى انه عندما تقدم الحكومة بيانها الحكومي لمجلس الامة ويصادق عليه معنى ذلك انها حازت على ثقة الامة وليس النواب فقط. واذا كان لدى النقابات او اي اعضائها اي اعتراضات على برنامج الحكومة فعليها تذهب للنواب وتسجل اعتراضها لديهم على اعمال او برنامج الحكومة, اما ان تواجه الحكومة 000ر400ر5 مليون وجهة نظر حول اي قضية فان الرد عليها سيكون صعبا جدا.

واكد الربيحات ان هناك ارادة سياسية بالفعل للتعامل مع مؤسسات المجتمع المدني لاسيما وان هناك اولا وثيقة التكافل الاجتماعي التي قدمتها الحكومة والتي تدعو فيها الى شراكة بين القطاع الخاص والحكومة والمجتمع المدني والمجتمع المحلي, وهناك دور موجود وتريد ان يكون هذا الدور منظم ليس بصفة سلطوية لكن على الاقل نريد كأردنيين ان نعرف التحديات ونحدد الاجراءات والوسائل التي قد تساعد على التصدي لهذه التحديات ضمن الموارد المتوافرة والمتاحة, وان الحكومة معنية على الاقل بتنظيم او تيسير او تسهيل الجهود الوطنية في التصدي للتحديات, فهي جادة في ذلك بدليل اننا نجلس في الحكومة مع الاخوة في منظمات المجتمع المدني ونتناقش حول القوانين.وفي الحقيقة انني مع ان يكون عندنا حماية تنافسية لا حماية اغلاقية بمعنى مثلا انا مش عاجبني منظمة مجتمع او طريقة اي مؤسسة مجتمع فلا مانع من ان اقدم نموذجا اخر واروج لهذا النموذج حتى يكون هناك تعددية, واقول في الختام انه لدينا قضايا كثيرة يمكن الحديث فيها حول واقعنا في هذا المجال.

الآليات والتصورات المقترحة:

وفي نهاية الندوة حاول المشاركون وضع بعض التصورات والآليات التي يمكن ان تسهم في تحسين ورفع سوية أداء وفاعلية مؤسسات المجتمع المدني في الأردن, وفي هذا المجال قال د. موسى شتيوي اعتقد ان هناك ظلماً كبيراً في توصيف دور وفاعلية مؤسسات المجتمع المدني وهذا ظلم يقع على آلاف الاردنيين والاردنيات الذين بذلوا حياتهم في سبيل تطوير ونهضة وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني في الحياة الاردنية بشكل عام, فطالما ان مؤسسة او منظمة المجتمع المدني العاملة في الاردن هي مرخصة من الحكومة الاردنية فيجب ان تكون هناك شفافية مع الابتعاد عن مسائل التخوين فقط لمجرد ان تقوم مؤسسة اجنبية باعطاء او تقديم تمويل او دعم لمؤسسة محلية ولنشاط معين تحديدا, وفيما يتعلق بالجانب التشريعي والتمويلي اعتقد ان الاجندة الوطنية تحتوي على صورة راقية لمسألة التشريعات والتمويل, والرجوع الى الاخيرة سوف يحل كثير من المسائل العالقة في هذا المجال, وبالنسبة للتمويل اعتقد انه من مسؤولية الدولة الاردنية التي يجب عليها ان تساهم في دعم وتمويل مؤسسات المجتمع الاردني واقترح هنا اقامة صندوق خاص لتمويل مؤسسات المجتمع المدني التي تعمل ضمن معايير خاصة يتم تحديدها والاتفاق عليه
ا ما بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني

من جانبه قال البحث اسامة تليلان : انا انظر لتفعيل اداء مؤسسات المجتمع المدني نفسه واعتقد انه كثير من القوانين او من القضايا التشريعية المتعلقة بالمجتمع المدني لا حاجة لها اذا كان هناك قانون للمواطنة يؤطر سلوك الافراد والمؤسسات, وفي المرحلة الحالية اعتقد ان القضية مرتبطة ايضا بتعزيز ادراكنا للمواطنة كطريقة لفهم المشكلات وحلها وتشجيع لامركزية السلطة والمحاسبة والابتعاد عن مفهوم الدولة الحاضنة, واحياء البنى الوسيطة وجعلها جاذبة للسواد العام واخيرا ان تعمل السياسة العامة على حماية مؤسسات المجتمع المدني ورعايتها, وان تعمل على الاستفادة من هذه المؤسسات لتحقيق اغراض اجتماعية وسياسية حيثما امكن ذلك, لأن ذلك سينجم عنه تفويض حقيقي ليس للأفراد فحسب بل للمؤسسات وشبكات العمل المشتركة.

وفي هذا الاطار اضاف د. رائد العدوان انه بالنسبة لتفعيل اداء مؤسسات المجتمع المدني لا بد من توفر شرطين اساسيين هما: توفر ارادة سياسية صادقة للانفتاح والشراكة والتعامل مع مؤسسات المجتمع المدني

وقانون عصري وشفاف يتعامل مع مؤسسات المجتمع المدني بكل أريحية.

فيما اكد الكاتب حسني عايش ان اهم آليات التفعيل هي توسيع مجال حريات التعبير وعدم وضع قيود عليها, وترك مراقبة اعمالها والحكم عليه للقضاء, بمعنى جعل القضاء هو من يحدد المسؤولية وله حرية التدخل كلما لزم الأمر, إضافة الى التربية الديمقراطية والمشاركة والعمل الجمعي في المدارس ومختلف انواع التعليم وتدريس مواد متعلقة بمؤسسات المجتمع المدني في المدارس والجامعات, اضافة الى التخلص من سطوة الماضي الابوي, اذ ان معنى المجتمع المدني في البلدان الديمقراطية ان يكون الشعب له قوة ولكن في البلدان العربية فان القوة فقط تكون حقا حصريا للحكومات اما الشعب فليس له قوة, ايضا فإن مؤسساتنا بحاجة الى خطاب يستقطب الجماهير مثل ما استقطب الخطاب الاسلامي الجماهير, فنحتاج في هذه المرحلة الى قيادات تستقطب الجماهير بخطاب جديد, كما نريد ايضا قيادات كارزمية تثق بها الناس, اضافة الى توفر الارادة السياسية تحزم الامر وتنهي التردد والتأرجح, وان يكون الترخيص على شكل تسجيل وليس على الشكل البيروقراطي الموجود حاليا, وهنا لابد لنا من الاستفادة من تجارب الغرب وعدم الوقوع في الاخطاء التي ارتكبوها في مسيرة تطوير مجتمعاتهم, فإذا كنا نعمل الان على نقل منهج ا
لغرب لاننا نتماثل معهم في منهج الانتاج ومنهج الاستهلاك ومنهج التعليم وبالتاكيد ستواجهنا نفس المشكلات فلماذا نكررها. واسمحوا لي اخيرا ان اختلف مع الاستاذ خلدون الناصر الذي يرى بان ممارسة العمل السياسي يجب ان تكون حكرا على الاحزاب السياسية, ففي بريطانيا عندما قررت نقابة اساتذة جامعات بريطانيا مقاطعة اسرائيل لم تنتظر رأي الحكومة او رأي توني بلير رئيس الوزراء, لقد قرروا ذلك دون ان يكونوا وزراء او مسؤولين او اعضاء في احزاب وهكذا.

من جانبه قال د. فؤاد خلفات: انا لدي ثلاث ملاحظات فيما يتعلق بالآلية وهي: اولاً: يجب تقنين العلاقة ما بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني تقنيناً حقيقياً, حيث انه من الواضح ان للمؤسسة الامنية سطوة على مؤسسات المجتمع المدني حتى اصبح لون مؤسسات المجتمع المدني لوناً واحداً ولا يسمح لأي لون آخر بأن يدخل هذه المؤسسات. والامر الثاني: اذا قلنا بأن هناك فراغاً بين السلطة وبين الناس فقد احدث هذا الفراغ نتيجة للقيود المفروضة على المجتمع, فالدولة شاركت ولا تزال تشارك في احداث وتوسيع هذا الفراغ وفي اقصاء النخب المثقفة الواعية الحقيقية عن ان تظهر على السطح حتى تستطيع ان تقيم وتنتقد اعمال الحكومة وتصححها اذا اخطأت, والحل ان تأتي بهذه النخبة وتعطيهم الفرصة حتى يعطوا البنية التحتية للعمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي في هذا البلد. اما الامر الثالث فهو سؤال موجه للدولة وارجو منها ان تعطيني كمواطن اجابة واضحة عليه, وهو ما هي استراتيجية الدولة الاردنية التي تسير على نهجها وعلى طريقتها? وما هو الاطار الاخلاقي والقيمي لهذه الدولة? ففي الحقيقة انني لا ارى اي اطار او اي استراتيجية, وايضاً اين هو العقل الراشد لهذه الدولة? فأنا ارى ان
كل قضايانا تحل بالغوغائية والفوضى واستفزاز الناس بعيداً عن العقل الراشد .. فهذا العقل الراشد البعيد عن هذه الدولة, واخيراً .. اذا كانت كل القطاعات لدينا منهارة (القطاع التعليمي والصحي والاجتماعي) فكيف نريد انتقاء قطعة معينة من المجتمع واصلاحها! انه من الاولى علينا اولاً اصلاح المجموع كله ووقف الانهيار كله عندها تلقائياً سترتقي مؤسسات المجتمع المدني.

وبين الدكتور نظام بركات ان لقضية الثقافة والتعليم دوراً كبيراً في تعزيز فكرة قبول الآخر, وهذا يجب ان يبدأ بالمجتمع ومؤسسات المجتمع المدني, والاهم من ذلك ان يبدأ بالسلطة حيث ان على السلطة ان تقبل بالآخرين والا تبقى تعتقد انها هي فقط من يملك الحقيقة, فعندما تبدأ بقبول الآخر ووجهات النظر الاخرى عندها يمكن ان يصلح المجتمع.

من جانبه قال د. مجد الدين خيري انه من المهم جداً, التركيز على آليات تفعيل المجتمع المدني واقتراحي يتركز حول ضرورة احداث تحالف صادق ما بين مؤسسات المجتمع المدني والسلطة امر مهم جداً لتدعيم نشاطات ودور مؤسسات المجتمع المدني, وادعو منظمات المجتمع المدني ان تبتعد عن المعارضة السياسية أو أن تأخذ دوراً سياسياً فلا يوجد داعٍ لأن تعمل مؤسسات المجتمع المدني في السياسة فهي تعمل في المهنة وتعمل على تطوير المهنة, فأنا مع المهننة ولست مع تسييس مؤسسات المجتمع المدني, والامر الثاني, هو ان الحكومة والدولة في علاقتها مع المجتمع المدني هي منفتحة وديمقراطية والمؤشرات على ذلك انها تدعم التنوع وتدعم المهننة وتدعم المؤسسات الشبابية, وبالتالي هذه الشراكة والتحالف الذي ادعو اليه يعتبر اساسياً, ونحتاج ايضا ان ننظر الى داخل مؤسسات المجتمع المدني نفسها, لاسيما وانه يوجد عمليات يومية داخل هذه المؤسسات غير ديمقراطية, فلذلك من المهم جداً تدعيم الديمقراطية داخل مؤسسات المجتمع المدني وهذا يعني تداول الادارة وعدم استمرارية الهيئة العامة وغير ذلك من هذه الامور المهمة.

اما د. عبدالفتاح الرشدان فقد قال: هناك صعوبة في وضع آليات معينة, ولكني اعتقد ان هناك بعدين مهمين فيما يتعلق بالآليات, البعد الاول هو البعد الثقافي الذي يتعلق بالتنشئة الاجتماعية والسياسية للمجتمع من الاسرة الى بقية مؤسسات التنشئة الاجتماعية, والبعد الثاني هو بعد حكومي تشريعي يتعلق بتجسير الفجوة ما بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني عن طريق رفع القيود التشريعية التي تضعها الحكومة دائماً في وجه مؤسسات المجتمع المدني.

من جانبه قال د. خلدون الناصر انه هناك نغمة غريبة وطارئة على الاردن, فلأول مرة نلاحظ هذه الحكومة بالذات تقول بأنه "لا تحكوا معنا مباشرة وانما احكوا مع النواب اللي انتخبتموهم" فهذه النغمة غريبة ولم تشهدها اي مرحلة من تاريخ الاردن, والحقيقة اننا في واقع الامر نتعامل حتى مع مجلس نواب تتغول عليه الحكومات فالنواب مذعورون وهذا يعني ان ثقتنا بالتمثيل الحقيقي باتت مضعضعة. ومع ذلك فإن الاردن هو بالاصل دولة مؤسسات وقانون وجميع ما نتحدث عنه منصوص عليه بالقوانين النافذة حالياً, والمطلوب هو تفعيل هذه القوانين من قبل السلطة التنفيذية, وفي حال الخلاف ان يتم اللجوء الى السلطة القضائية, لكن ما يحدث فعلاً هو عمليات تطنيش من السلطة التنفيذية وقضية تمضية وقت وترحيل ملفات وازمات من حكومة الى أخرى, والنواب بطبيعة الحال مرعوبون لا يدرسوا القوانين بشكل جيد ولا يدققوا فيها ولا يعودوا لمرجعيات مختصة بخصوص هذه القوانين.

وفي هذا المجال قالت الدكتوره هدى ابو غنيمة انه واستنادا الى ما سمعت من وجهات نظر ارى انه من المبكر ان نقيم التجربة, لأن السؤال المطروح هو منذ متى اصبح المجتمع المدني مجتمعا مدنيا? فاذا اردنا ان نفعّل عمل مؤسسات المجتمع المدني فيجب ان نبدأ بالمدارس ونعود الطلبة على المشاركة في العمل التطوعي العام, ففي الولايات المتحدة يتم توجيه الطالب منذ بداية دراسته لخدمة نهضة الولايات المتحدة, الآن نحن ولتعدد المرجعيات في الدولة فان مفهوم الدولة عند المواطن اهتز نتيجة التجزئة, فهو لا يعرف الى من ينتمي, ومؤسسات العمل المدني في واقعنا هي تعبير عن ذلك فهي عبارة عن مرجعيات مشتتة, وبالتالي فإن المواطن الذي يفتقد الى مرجعية تسنده لا يجد إلا أن ينتمي إلى أحدى هذه المؤسسات وهو في الحقيقة غير معني بالعمل الجاد لان لدى المواطن انشغالات أخرى أهمها الركض وراء قوت أولاده وبالتالي لا يمكننا القول بان لدينا مؤسسة حقيقية في عمل مؤسسات المجتمع المدني وإنما هو أشبه بمظاهره.

وحول تفعيل هذه الاليات قال جواد الحمد اقترح ان يكون اول الآليات لتفعيل مؤسسات المجتمع المدني هو الاتجاه نحو تكوين مجتمع مدني متفاعل وكامل, و الاعتراف بوجود هذه المؤسسات وادخالها في منظومة القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي واشراكها في الحراك الاجتماعي العامن اضافة الى عملها التخصصي, علماً بأن تحجيم مؤسسات المجتمع المدني تحت شعارات براقة كالمهننة وعدم التسييس يعتبر مبثابة اتباع منهج عدمي لا يصل الى نتيجة بالنهاية, والافضل من ذلك اعتماد المنهج الواقعي الذي يتعامل مع مؤسسات المجتمع المدني باعتبار ان لها دوراً حقيقياً ومهنياً والزامياً, ولو استعرضنا تفاصيل النقابات سنجد اهمية ان تكون الزامية بشكل عملي, وارى ان نقابة المهندسين الاردنية على سبيل المثال تقوم بدور مهني عملي راقٍ جدا تكاد لا تقوم بمثله اي مؤسسة هندسية عربية اخرى,. وعليه اقترح عمل الآتي:

اولا: ان هذه النقابات تمثل بشراً اي تمثل كتلة كبيرة من المجتمع لها تطلعاتها وطموحها وتدافع عن مصالحهم وتسهم في الحركة السياسية والاجتماعية للمجتمع بشكل عام, وعليه فانني اعتقد بان هذا الفصل هو فصل تعسفي ونظري يأتي في اطار الصراع ما بين السلطة والاحزاب وينبغي ان لا نقع من خلاله في مآزق تبعدنا عن الهدف الحقيقي لوجود مثل هذه المؤسسات.

ثانيا: تخفيف القيود والتدخلات في انشطة هذه المؤسسات المختلفة بالحظر والمنع والموافقات المسبقة والتفاصيل الاخرى, والاصح ان تكتفي السلطة بالعلم والمراقبة لضمان الامن والالتزام بالدستور وان هذه الانشطة لا تسهم في تفكيك المجتمع وتسعى الى الوحدة الاجتماعية فان ذلك سيوسع عضوية هذه المؤسسات وسيزيد من فاعليتها.

ثالثا: اعادة النظر في فلسفة التمويل الخاص بمؤسسات المجتمع المدني على ثلاثة اتجاهات والحقيقة ان هذه المسألة تم بحثها كثيرا في الاعلام والنقاشات والندوات والمؤتمرات وورش العمل لكن يبدو ان الاذان لا تسمع اي مقترحات, خصوصا وان الحال على ما هو عليه لم يتغير منذ عشر سنوات وهذا حديث جار باستمرار والاصل انه يجب ان نتعامل مع المشكلة بشكل جاد ولا نغمض اعيننا عن المشكلةن وارى ان الدولة اول من يغمض عينيه عن هذه المشكلة ولا يوجد لديها رغبة حقيقية بالتعامل مع المشكلة فتفعلها مع جهات وتفتعل منها مشكلة وتتغاضى عنها مع اطراف اخرى, ويكمن المحور الاول للتمويل بالتمويل الذاتي للمؤسسات وهو يلزم السماح بتلقي التبرعات المشهرة والتبرع من جهة او شخص معروف لا حرج فيه ولا يوجد مشكلة فيه لا ان يتم التساؤل بالصحافة من اين يأتي تمويل هذه المؤسسة علماً بأن هذا التمويل يكون لا يتعدى خمسة الاف دينار في السنةن ومن اين كل هذا النشاط وهذه الاموال علما بان كل نشاطها الذي قامت به خلال العام لا تتعدى تكلفته مئتي دينار, فهناك نظريات يتم اسقاطها على واقع الحال في عمل مؤسسات المجتمع وهي بطبيعة الحال اسقاط غير صحيح.

رابعا: ان نشجع حسم نسبة من الدخل القومي لصالح هذه المؤسسات ولتكن واحد من عشرة بالمئة يساهم فيها القطاع العام او الشركات الكبرى لصالح دعم مؤسسات المجتمع المدني التي يستفيد منها كلنا او جميعنا نحن وابناؤنا ونساؤنا واطفالنا مستفيدون .

اما الشق الثاني في الموضوع حسب ما ذكر الحمد فهو التمويل الخارجي سواء كان عربياً او دوليا,ً "فمؤسسات الامم المتحدة" ينبغي ان تتفق جميعا على ان تصبح مصدرا مقبولا للتمويل بتشريعات الدولة وتشريعات الاحزاب والمواقف السياسية هنا وهناك, وهذا رأيي الشخصي فالمؤسسات التابعة للامم المتحدة هذه لنا فيها حق مثل غيرنا من الامم والافراد والمؤسسات, اما بالنسبة لمؤسسات التمويل الاخرى سواء عربية او اجنبية فانا اقترح تشكيل مجلس لكل تخصص من مؤسسات المجتمع المدني يتعامل مع هذا التمويل بشفافية كاملة ومطلقة وبرقابة من ديوان المحاسبة وليس مراقبة الوزارة ليقدم التمويل لمشاريع محددة.