نتائج استطلاع موقع مركز الرأي للدراسات الإلكتروني حول
الحكومات النيابية
إعداد: هنا المحيسن
17/11/2011
نظراً لتصدر المشهد الاصلاحي الساحة الأردنية، وما رافق هذا المشهد من تعديلات دستورية متعلقة بقانوني الأحزاب والانتخاب، فإن الأردن بصدد ولوج مرحلة جديدة في الحياة السياسية عنوانها الإصلاح السياسي الشامل الذي يهدف إلى الوصول لحكومات نيابية.
وكان جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين أكد في خطاب العرش الذي ألقاه في افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة السادس عشر في السادس والعشرين من تشرين الأول 2011، التزامه بالركن النيابي للنظام وحرصه عليه من خلال أخذ توجهات مجلس النواب في الحسبان لدى تكليف الحكومات بدءاً من المجلس النيابي المقبل الذي سينتخب وفق قانون الانتخاب الجديد وبإشراف هيئة مستقلة لإدارة الانتخابات. وعليه، وكما أشار جلالته، فإن قضية الحكومات الحزبية أمر حتمي سيرتبط بالناخب الأردني أولاً، ثم بالأحزاب السياسية الأردنية ومدى قدرتها على تحمل المسؤوليات.
ومنذ مطالبة الشارع الأردني بتشكيل حكومات على أساس الأغلبية النيابية الحزبية، والتي ترافقت برغبة جلالة الملك -التي عبّر عنها في أكثر من مناسبة– بتشكيلها، والأردن يشهد نقاشات وحوارات مستمرة الخلافات فيها لا تكمن في جوهر الدعوة، ولكن في إمكانية التنفيذ ووقته.
مركز الرأي للدراسات، وانطلاقاً من إيمان بدوره الوطني الذي يحتم عليه المساهمة بالجهود الإصلاحية التي تشهدها الساحة الأردنية، والانفتاح على الأطياف والقوى السياسية كافة، فقد قام بطرح قضية الحكومات النيابية في موقعه الإلكتروني للنقاش خلال الفترة من 5 أيلول 2011 حتى 26 تشرين الأول 2011، وعلى محورين؛ الأول: التصويت الاستطلاعي الذي يحمل سؤالاً يتناول توقعات المستجيبين حول انتخاب مجلس نواب مؤهل لتشكيل حكومات نيابية، والثاني: قضية ورأي. ويطرح تساؤلاً حول كيفية تشكيل مجلس نواب قوي يكون في مستوى صلاحياته الدستورية وتتمخض عنه حكومات نيابية.
• التصويت الاستطلاعي: "هل تتوقع انتخاب مجلس نواب مؤهل لتشكيل حكومات نيابية؟".
بلغ عدد المشاركين في هذا الاستطلاع 366 مشاركاً، أجاب منهم 272 شخصاً وبنسبة 74.3 % بـ"لا"، أي بأنهم لا يتوقعون انتخاب مجلس نواب مؤهل لتشكيل حكومة نيابية، فيما أجاب 79 شخصا وبنسبة 21.6 % بـ"نعم"، أي بأنهم يتوقعون انتخاب مجلس نواب مؤهل لتشكيل حكومات نيابية. واكتفى 4.1 % من المصوتين بالحياد، وتظهر هذه الأرقام تشاؤما ملحوظا حيال هذه القضية، فأكثر من ثلاثة أرباع المستجيبين يحملون انطباعاً سلبياً حيال الشكل المتوقع للمجلس النيابي المقبل.
• قضية ورأي: "كيف يمكن إخراج مجلس نواب قوي يكون بحجم صلاحياته الدستورية وينتج حكومات نيابية؟".
استدرج طرح هذه القضية العديد من المشاركين للحديث عن المشكلات التي تعاني منها الحياة السياسية في الأردن، وخاصة المتعلقة بالمجلس النيابي السادس عشر وقانون الانتخاب. ويمكن تلخيص هذه الآراء بما يلي:
- ضعف أداء المجلس الحالي:
يرى بعضهم أن الأولوية ليست لتشكيل الحكومات البرلمانية حالياً، وإنما لتشكيل مجلس نواب قوي قادر على الأقل أن يدافع عن نفسه وعن حقوق الشعب، ويرجع بعضهم أسباب هذا الضعف إلى غياب دور الأحزاب في الساحة المحلية وضعف أدائها.
فالتقدم الذي يعيشه الغرب لا يقتصر على التقدم العلمي، وإنما يشمل التقدم في الحياة السياسية، وينعكس على مدى النضج السياسي والحالة الديمقراطية. فالديمقراطيات الغربية ليست وليدة الأمس، وإنما تمخضت عن سنوات طويلة من الجهد والتضحيات، وعليه فإننا نحتاج لكثير من الجهد والتضحيات لبناء حياتنا السياسية على أسس صحيحة، وجني ثمار الديمقراطية التي من أبرز ثمارها إفراز مجالس نيابية قوية قادرة على تشكيل حكومات برلمانية.
- اختيار النواب
كما يرى بعض المستجيبين أن الوصول الى تشكيل مجلس نيابي قوي لن يتم إلا باختيار نواب يحملون كفاءات عالية ويتمتعون بخبرات كافية، كما يجب أن نبدأ بتثقيف الناخب الذي عليه أن يعي كيف سيختار ممثله في البرلمان وفق أسس ومعايير يرجح فيها مصلحة الوطن.
- قانون الصوت الواحد
ويرى بعضهم الآخر أن الوصول إلى حكومة برلمانية يعد أمرا مستحيلاً في الظروف الراهنة، لأسباب عديدة أبرزها المنطق الجهوي والمناطقي المتحكم بالعملية الانتخابية، والذي رسخه ما يسمى "قانون الصوت الواحد" الذي جعل الحكومة والمناصب السياسية، وفق هؤلاء، كعكة يجري تقاسمها بناء على أسس مناطقية وعشائرية.
واقترح المشاركون نقاطاً عدة من شأنها أن تساعد في الوصول لمجلس نيابي قوي يمكن أن تتمخض عنه مستقبلاً حكومات برلمانية، منها:
- أجندة المجلس:
أكد اصحاب هذا المقترح على أهمية أن يكون هناك أجندة وخطط دائمة وواضحة ومستمرة، على غرار تلك المعمول بها في الشركات والقطاع الخاص، بحيث يتم تطوير هذه الخطط والاستراتيجيات من دورة نيابة إلى أخرى لمواكبة التطورات الداخلية والإقليمية، وتتم متابعة تنفيذها وفق آليات واضحة، وبالتالي الوصول إلى مرحلة سيعمل المجلس بها لتحقيق أهداف عامة تضمن مصلحة الوطن بعيداً عن الشخصنة والأفق الضيق.
- معايير كفاءة للنواب:
هناك من اقترح وضع معايير كفاءة وشروط ترشيح فعلية تكفل وصول أصحاب الكفاءة والخبرات إلى المجلس، ومن أبرز هذه المعايير؛ الثقافة وليس التعليم، لأن المثقف قد لا يكون حاصلا على شهادات عليا، كما أن المتعلم ليس بالضرورة أن يكون مثقفاً.
- الشباب في المجلس:
ركز بعضهم على أهمية أن يضم المجلس دماء جديدة وشابة، لأنها ستمثل ما لا يقل عن نصف المجتمع، وسيكون بذلك على دراية بمتطلبات هذه الفئة، وهناك من تجاوز هذا الاقتراح بمطلب تخصيص "كوتا" للشباب داخل المجلس على غرار الكوتات المخصصة لفئات أخرى في المجتمع لإعطائهم فرصة أكبر في دخول المجلس واستثمار طاقاتهم والتعبير عن آراءهم ضمن مؤسسة شرعية ووطنية، متمنين أن يكون الأردن سباقاً في هذا المجال.
- نزاهة الانتخابات:
أكد بعضهم أن الأهم في العملية الانتخابية هو النزاهة والتي تعدّ الضامن الوحيد كي يكون مجلس النواب ممثلا حقيقا للشعب الاردني.
- الإعلام:
ركز الكثيرون على دور الإعلام في تثقيف المواطن وتعريفه بالمرشحين وإمكانياتهم ومدى ملائمة برامجهم ورؤاهم لتطلعات الشارع.
• الحكومات البرلمانية أو النيابية
وهي تلك التي يشكلها الحزب أو الأحزاب المتآلفة وفق ثقلها النيابي، لتنفيذ برامج واضحة تتكاثف فيها جهود النواب والوزراء معاً، فتعكس الحالة السياسية السائدة في فترة زمنية معينة.
ففي حال حصول حزب ما على أغلبية برلمانية، يقوم هذا الحزب بتشكيل الحكومة، وفي حال عدم تحقيق أغلبية لحزب معين، تقوم مجموعة من الأحزاب بتشكيل ائتلاف لإفراز حكومة برلمانية ائتلافية.
وتتمتع الحكومة الائتلافية بميزة تبنيها رأي القاعدة الانتخابية والشارع بشكل أفضل، إذ ستضطر الأحزاب المتآلفة ضمنها إلى إيجاد صيغة توافقية متوازنة لتنفيذ سياساتها، كما وتتمتع هذه الحكومات بنوع من الاستقرار نظرا لدعمها من قبل الأغلبية النيابية.
إلا أن هناك من ينتقد مثل هذه الحكومات انطلاقا من فرضيات، أبرزها، أن الحكومة النيابية أو البرلمانية قد تكون منقسمة على نفسها ومعرضة لعدم الانسجام، نتيجة أنها تتشكل من أحزاب ذات أيديولوجيات مختلفة، وأنها ستكون محمية بشكل أو بآخر من قبل السلطة التشريعية، إذ إن أي إجراء بحقها أو بأحد اعضائها سيكون صعباً بسبب الأغلبية النيابية الداعمة لها، وسوف يتباين أداء الوزراء وفق الكفاءة، لأن اختيارهم لن يكون على أسس واضحة وخبرات محددة، على العكس من حكومات التكنوقراط التي تسهل مساءلتها ومحاسبتها لأن أحداً لن يحميها في حال لم يكن أداؤها بالمستوى المطلوب.
• تجربة سابقة يمكن البناء عليها
شهد الأردن عام 1956 أول انتخابات نيابية خاضتها الأحزاب والقوى السياسية بقوائم معلنة عن مرشحيها، نظمتها حكومة (المرحوم) إبراهيم باشا بتكليف من (المغفور له) جلالة الملك الحسين بن طلال. وفي تلك الانتخابات حصد الحزب الوطني الاشتراكي بزعامة سليمان النابلسي 11 مقعدا من أصل 40، وحصل حزب البعث العربي الاشتراكي على 3 مقاعد، والحزب الشيوعي والجبهة الوطنية على مقعدين، وحزب التحرير على مقعدين أيضاً (لم يكن الحزب محظوراً آنذاك)، بالإضافة إلى 3 نواب من أحزاب يسارية، و4 نواب من جماعة الإخوان المسلمين، وآخرين مستقلين، ليتشكل بهؤلاء جميعاً المجلس النيابي الخامس في تاريخ الأردن المعاصر.
وبعد ظهور نتائج الانتخابات وتناغما مع نبض الشارع وفكره الذي أفرز مجلس نواب أكثر من نصف أعضاءه من أحزاب عقائدية يسارية، كلف جلالة الملك الحسين بن طلال زعيم الحزب الوطني الاشتراكي سليمان النابلسي، تشكيل أول حكومة حزبية ائتلافية في عهد المملكة، وقد تألفت تلك الحكومة من 11 وزيرا كان سبعة منهم من نواب الحزب الوطني الاشتراكي، ووزير من حزب البعث العربي الاشتراكي، وآخر من حزب الجبهة الوطنية، ووزيران مستقلان.
وبهذا كانت حكومة النابلسي أول حكومة حزبية ولدت من مجلس نيابي لأغلبية حزبية.
• الحكومات النيابية والتعديلات الدستورية (2011)
ما إن اعلنت اللجنة الملكية المكلفة بمراجعة نصوص الدستور نتائج أعمالها حتى ثارت النقاشات واندلعت السجالات حولها بين القوى والنخب السياسية المختلفة، فقد حملت التعديلات في جوهرها ما يمثله دستور 1952 قبل أن تطرأ عليه أي تعديلات أضرت بالحياة السياسية في الأردن وأخلّت تحديداً بمبدأ التوازن بين السلطات، وقد لاقت هذه التعديلات ترحيبا واسعا من جمهور عريض في الشارع رأوا أنها سوف تغير وجه الأردن السياسي، خاصة بما حملته من أفكار جديدة في قانوني الأحزاب والانتخاب.
إلا أن هناك بعض القوى السياسية اعتبرت أن هذه التعديلات لم ترق الى المستوى المطلوب، وأنها وكانت دون الطموح الشعبي، مع اختلاف في مستويات النقد بين من وصفها بالقصور، وبين من رفضها كليةً. أما أبرز الانتقادات التي وجهت لهذه التعديلات فتمثل في خلوها من نص صريح وواضح يتضمن تشكيل حكومات برلمانية.
من جهتها ردت الحكومة على المطالبين بالنص على تشكيل حكومات برلمانية، بأن تشكيل مثل هذه الحكومات لا يحتاج إلى نص واضح بالدستور، فقد عبّر جلالة الملك عبداله الثاني في غير مناسبة، عن أمله المستقبلي بتشكيل حكومات وفق الأغلبية البرلمانية، وسيكون الأمر تحصيل حاصل بعد نضوج الحياة الحزبية، إذ ستخوض الأحزاب الانتخابات بقوائمها التي ستفرز ممثليها، وسيكلف جلالة الملك الأحزاب الفائزة بتشكيل الحكومات حتى تنال ثقة البرلمان، وسيبقى البرلمان صاحب القرار في من سيمنحه الثقة أو سيحجبها عنه، فوجوب منح الثقة المطلقة بأغلبية نصف زائد واحد لأي حكومة يعني أنها ستحظى بأغلبية برلمانية.
وبالرغم مما سبق، صرحت مصادر حكومية مراراً أن الحديث عن حكومات برلمانية يعد أمرا سابقا لأوانه، وأننا في الأردن لم نصل إلى مرحلة تكون الأحزاب فيها مؤهلة لفرز مجلس نيابي واضح المعالم، على أمل أن يسهم القانون الجديد الخاص بالأحزاب في التأسيس لحياة حزبية ناضجة يتمخض عنها تشكيل حكومات برلمانية.
• المشهد الحزبي الراهن
الحديث هنا يقودنا للمشهد الحزبي في الأردن. ويمكن تصنيف التيارات الحزبية الرئيسة في الساحة الأردنية وفق ما يلي: تيارات إسلامية (ممثلة بحزب جبهة العمل الإسلامي وحزب الوسط الإسلامي وحركة دعاء)، تيارات يسارية (مثل حزب الوحدة الشعبية والحزب الشيوعي الأردني)، تيارات قومية (مثل حزب البعث العربي الاشتراكي)، وأحزاب وسطية (مثل "العهد" و"المستقبل").
لا بد هنا من الحديث عن العلاقة المتأزمة بين حكومات متعاقبة والحزب الأكبر في الساحة (جبهة العمل الإسلامي) ومقاطعة هذا الحزب للانتخابات النيابية في الدورات الأخيرة، وبالتالي خلو البرلمان من ممثلين لهذا الحزب. أما الأحزاب الأخرى فإنها تمر بأزمة حقيقية تتمثل في العزوف الشعبي عن الانخراط بها، وعدم قدرتها على بناء قواعد جماهيرية تمكنّها من التعبير عن حجمها الحقيقي في البرلمان، ويعود ذلك إلى غياب برامج واضحة لهذه الأحزاب، وعدم إيلائها عناية خاصة للشأنين الاقتصادي والاجتماعي، إضافة إلى العقلية العرفية التي مارستها حكومات ضد هذه الأحزاب، والقوانين التي حجمت وجودها، ابتداء من قانون البلديات السابق (الذي يعين نصف أعضاء المجلس البلدي) وانتهاء بقانون الصوت الواحد.
أما الآن، ووفق حزمة التعديلات الدستورية، وخاصة المتعلقة بقانوني الأحزاب والانتخاب، واعتماد مبدأ التمثيل النسبي، ومحاولات استقطاب جبهة العمل الأسلامي للمشاركة، فإنه من المتوقع أن تحدث انفراجة في الحياة السياسية والحزبية الأردنية، لا سيما إذا عملت هذه الأحزاب على الانفتاح بشكل أكبر والتواصل مع القواعد الشعبية وإيلاء الشأنين الاقتصادي والاجتماعي أهميتهما المفترضة، والارتباط بشراكات مجتمعية حقيقية تحقق الأمن الاجتماعي والاقتصادي وتساهم في تطور المجتمع من خلال برامج واضحة وقريبة تستقطب فئة الشباب أولا.
وفق هذا السيناريو المتوقع، وفي أحسن الأحوال، قد يتصدر المشهد في البلاد حزبان أو ثلاثة أحزاب (أو تيارات) قد تتقارب في أفكارها، من دون أن يصل هذا التقارب إلى اندماجٍ بينها، ما يعني الوصول إلى برلمان يضم تيارين أو ثلاثاً تشكل بدورها حكومة لن تكون إلا ائتلافية.