تقرير الموقع الإلكتروني لمركز "الرأي" للدراسات حول اولويات الحكومة الجديدة


أولويات الحكومة الجديدة

إعداد: هنا المحيسن

تحرير: جعفر العقيلي

كانون ثاني 2012

نظرا لسلسلة الاحتجاجات التي شهدها الأردن، والتي تعكس اختلالات واضحة عجزت الحكومات المتعاقبة عن معالجتها، وبعد أن أصبح الإصلاح الحقيقي خياراً لا مناص منه، إصلاحاً شاملاً يعتمد أساليب غير تلك التقليدية التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة، وإنما يعترف بوجود أزمة حقيقية ويستنفر كل الطاقات لمعالجتها.

وبعد ضغط الشارع ومطالباته المتكررة بضرورة إقالة حكومة معروف البخيت وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، عهد جلالة الملك عبدالله الثاني للقاضي عون الخصاونة، تشكيل حكومة في منتصف تشرين الأول 2011، مهمتها الإصلاح السياسي، في فترة دقيقة ومفصلية من تاريخ الأردن والمنطقة.

وبخلاف مطالب الشارع، أكدت حكومة الخصاونة في بيانها الوزاري أنها ليست حكومة إنقاذ وطني، فالأردن بحسب البيان، "لم يكن بحاجة إلى حكومة كهذه"، وقد وصفت حكومة الخصاونة نفسها بأنها حكومة "ذات توجه إصلاحي" في وقت يبدو فيه أن هناك فرصة حقيقية للإصلاح، وأنها ستنتهج سياسةً قائمةً على الانفتاح على جميع الأطياف السياسية، تعزز العدالة الاجتماعية، وتعمل على إعادة ثقة الشعب بالحكومات، كما عبّرت هذه الحكومة عن قناعتها بأن هيبة الدولة "لا تُفرَض بالقوة، وإنما بالعدل والقدوة الحسنة والمصداقية".

تعهدت الحكومة في بيانها الوزاري الذي ألقاه رئيسها أمام مجلس النواب، وحاز فيه ثقة 89 نائبا من أصل 117، بأنها ستنهض بمسوؤلياتها الدستورية والأخلاقية لإيجاد حلول للمشاكل التي يواجهها الأردن، لكنها في الوقت نفسه لا تدعي أن لديها "حلولاً جاهزة وسحرية"، و"لن تنزلق لإعطاء وعود لن تستطيع الوفاء بها". كما تعهدت الحكومة بمتابعة القوانين الناظمة للحياة السياسية (الانتخاب، البلديات، الأحزاب، الهيئة المستقلة المشرفة على الانتخابات.. إلخ)، وقضايا متعلقة بمحاربة الفساد وتخفيض عجز الموازنة وتنمية المحافظات وإحياء القطاع العام وهيكلة الرواتب.

لقد لقي تكليف شخص عون الخصاونة تشكيلَ الحكومة رضا نسبياً وتوافقاً عاماً، إذ رحبت به قوى المعارضة والشارع على السواء، إلا أن تشكيلة هذه الحكومة واجهت انتقادات لأنها "لم تحمل جديداً يدعو للتفاؤل بإنجاز ما لم يتم إنجازه، أو ما ينتظره الشارع"، وهو الأمر الذي استمر يضغط مستعجلاً محاربة الفساد ومعاجة القضايا الاقتصادية رغم الوعود السابقة من الرئيس ورغم الإجماع الذي حظي به.

ما قدمته الحكومة لغاية الآن أرضى بعضاً ممن عدّوا تحويل ملفات مهمة إلى مكافحة الفساد وفتح ملفات الخصخصة وغيرها، "سابقة" و"خطوات مهمة في الاتجاه الصحيح"، في حين لم يرضَ آخرون -ومنهم جزء كبير من الشارع- عمّا تم إنجازه، وخاصة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، معتقدين أن ما أُنجز "غير كاف".

وعليه، قام مركز "الرأي" للدراسات بطرح تصويت استطلاعي عبر موقعه الإلكتروني، يتضمن سؤالاً عن مدى قناعة القارئ بأن هذه الحكومة "حكومة إنقاذ وطني"، كما طلب من القارئ على صعيد آخر، وتحت باب "قضية ورأي"، إدارج الأولويات التي يرى أن على الحكومة الجديدة مراعاتها لإنجاز الإصلاحات المطلوبة، وذلك ضمن فترة زمنية امتدت من 26 تشرين الأول 2011 حتى 30 كانون الأول 2011.

وقد أبرزت النتائج أن أكثر من نصف المشاركين لا يعدّون هذه الحكومة "حكومة إنقاذ وطني"، في حين تركزت معظم الأولويات التي اقترحها المشاركون على الملفات الاقتصادية والسياسية وقضايا محاربة الفساد.

• التصويت الاستطلاعي: "هل تعتقد أن الحكومة الجديدة تشكل حكومة إنقاذ وطني؟".


بلغ عدد المشاركين في هذا التصويت 270 مشاركاً، أجاب منهم 156 شخصاً وبنسبة 57.8 % بـ"لا"، أي أنهم لا يعتقدون أن الحكومة الجديدة تشكل حكومة إنقاذ وطني (مما يتوافق مع تصريحات رئيسها) ، فيما أجـاب 88 شخصاً وبنسبة 32.6 % بـ"نعم"، أي بأنهم يعتقدون أن الحكومة الجديدة تشكل حكومة إنقاذ وطني. واكتفى 9.6 % من المصوّتين بالحياد، وتُظهر هذه الأرقام تشاؤماً ملحوظاً لدى المستجيبين لهذه القضية.

• قضية ورأي: "برأيك، ما أهم القضايا التي ينبغي أن تكون على رأس أولويات الحكومة الجديدة؟".


استدرج طرح هذه القضية العديد من المشاركين للحديث عن أبرز القضايا التي تعني كلاّ منهم، والتي يتأملون من الحكومة الجديدة إيلاؤها الأهمية ومعالجتها، ويمكن تلخيص هذه الآراء ضمن محاور رئيسية كالتالي:

- آراء تتناول الشأن السياسي

ركز المشاركون على ضرورة إعادة تقييم الحياة السياسية في الأردن، فالشعوب هي التي تحكم وليس الحكومات، وهذا ما يجب أن يفهمه صانع القرار، وأن يدرك أن المسؤوليات المناطة به هي حقوق للشعب، فكثيرا ما كان الأردنيون، بحسب مشاركين في "قضية ورأي"، ضحايا لصناع القرار الذين استفادوا من ميزات مواقعهم دون الالتفات إلى مصالح الشعب.

فيما عزا بعض المشاركين ضعف أداء الحكومات المتعاقبة، إلى أن الدولة الأردنية شهدت منذ تأسيسها قبل تسعة عقود عاماً تشكيل 92 حكومة، أي بمعدل حكومة في كل سنة، بل إن الفترة الأخيرة شهدت تقلّص عمر حكومات إلى أقل من ذلك، وبالتالي –والحديث للمشاركين- أصبح هناك عدم كفاءة في تنفيذ المشاريع الوطنية، ما منح فرصة لا تعوَّض لأصحاب النفوس المريضة من المسؤولين لتسيير أمور الدولة "عكس التيار"، والإخلال بواجباتهم المناطة بهم. وقد أدى هذا إلى تراجع أوضاع الدولة اقتصاديا واجتماعيا، وفقدان الحكومات بشكل خاص هيبتها، كما أدى إلى ضعف مزمن وحاد في أداء الحكومات المتعاقبة، وبالتالي فقدان ثقة المواطن بها بشكل ملحوظ.

كما طالب بعض المشاركين جلالة الملك تشكيلَ لجنة مهمتها إيصال نبض الشارع ومشاكل المواطنين له، فالديوان الملكي -بحسب رأيهم- يجب أن يكون على اتصال مباشر مع الناس.
وهناك من أشار إلى ضرورة قيام مجلس النواب بدوره الحقيقي ليقنع الناس بأن هناك من يطالب بحقوقهم، فالمواطنون "سوف ينحازون لمن يردّ لهم كرامتهم ويحسّن مستوى معيشتهم".
و أكد بعضهم أهمية تحديث القوانين، وخاصة المتعلقة بالحريات، فالديمقراطية التي تخلو من حرية الرأي والتعبير "ديمقراطية جوفاء ومشوهة".

وشدد بعضهم على أهمية تمكين القضاء، وتعيين قضاة حريصين على تطبيق القانون على كبار رجال الدولة قبل المواطنين.
وانتقد مشاركون إعادة تولية المناصب أو توريثها أو توزيعها بناء على الانتماءات العشائرية، فيما انتقد آخرون تصريحات بعض رجال الدولة بأن الأردن "دولة مدنية"، عادّين هذه التصريحات "تمس كل مسلمي الشعب الأردني"، فلا يجوز -بحسب رأيهم- نزع الإسلام عن الدولة، فالأصح لديهم أن يقال إن "الأردن دولة إسلامية مدنية".

وذهب آخرون في انتقادهم إلى أكثر من ذلك، حين تحدثوا عن "سياسة الأمن الناعم" التي "ضيعت هيبة الدولة" على حد تعبيرهم، وأدت إلى "أن يقوم كل صاحب مطلب بمظاهرات ومظاهر شغب من إغلاق طرق وحرق وتكسير بدلاً من اللجوء إلى القضاء"، وأضافوا في هذا السياق أن أمن المواطنين "خط أحمر".

واقترح بعضهم آلية لانتخاب الحكومات رأوا أنها "الحل الجذري الذي علينا اللجوء إليه"، وتتلخص في إجراء انتخابات "نزيهة" لمجلس النواب مع زيادة المقاعد بنسبة 10 %، ثم قيام النواب بانتخاب ما نسبته 10 % من بينهم خارج المجلس، وبذلك يعود عدد أعضاء المجلس كما كان، أما الذين انتخبهم المجلس فيقوم الشعب بالتصويت عليهم، بحيث يختار الملك من بين أعلى اثنين بينهم في الأصوات لهذا المنصب، أما الشخص الثاني في ترتيب الأصوات، فيُعيَّن نائباً لرئيس الوزراء. وفي الوقت نفسه لا يحق لمجلس النواب أو للشعب حل هذه الحكومة، بينما "يحق ذلك للملك في أي وقت".

وانتقد بعض المشاركين الآلية التي نفّذت فيها الحكومة السابقة قانون العفو العام، فمن غير المعقول "أن يُحبس مواطن على ضريبة بسيطة أو نفقة أو شيك، وغيره ممن سرق الملايين سوف يحتمي بالمحكمة الدستورية"، ودعوا في الوقت نفسه إلى ما أسموه "تبييض السجون".
كما أثير موضوع السياسة الخارجية الأردنية، وأكد المهتمون بهذا الجانب، أهمية أن تكون هذه السياسة "واضحة مع الجميع، خصوصاً اتجاه إسرائيل وأميركا".

- آراء تتناول الشأن الاقتصادي

أجمع معظم المشاركين على ضرورة إيلاء الشأن الاقتصادي ما يستحقه من اهتمام، فطالب بعضهم الحكومة بوضع خطة إنقاذ للاقتصاد الوطني تكفل تخفيض المديونية العامة التي بلغت حدوداً غير مقبولة (17 مليار دينار)، وهو رقم كبير إذا ما اقترن بدولة نامية مثل الأردن. وأمِلَ هؤلاء أن تعمل الخطة المفترضة على "تقليص عجز الموازنة، وتقليل نسبة التضخم، وتخفيض العجز في الحساب الجاري في ميزان المدفوعات"، فهذه المؤشرات الاقتصادية بحاجة إلى التدخل الطارئ، كما تستعدي إعطاءها الأولوية قبل الإصلاحات الأخرى بحسب رأيهم.

وأشار آخرون إلى أن الحكومة يجب أن توجِد قنوات سريعة لدعم السلع الأساسية، بما في ذلك الوقود، للتخفيف "الجدي والصادق" على المواطن، إذ إن "تكاليف المعيشة المرهِقة والارتفاع القياسي للأسعار" جعلت الموظفين والمتقاعدين يئنّون تحت وطأة "قلة الدخل وتدني الرواتب"، ما يستوجب "تحقيق العدالة".

وأكد بعضهم أن الحكومة مطالبة بالقيام بواجبها الاجتماعي والاقتصادي لإحياء القطاع العام وتطويره، والاضطلاع بواجبها لاستغلال ما هو متوفر من موارد وإدارتها واستثمارها بشكل أفضل لإيجاد فرص عمل للشباب.
وشكا آخرون من الوضع الاقتصادي والمعيشي، ذلك أن المواطن العادي في الأردن إما موظف في الحكومة أو في القطاع الخاص، أو يمتلك عملاً حراً صغيراً. أي أنه من "المساكين الذين يعانون فقراً مالياً.. حتى أحلامه الجميلة تتحول إلى كوابيس تؤرقه في ظل الأحوال الاقتصادية السيئة". أما ما تبقى من مواطنين، فهم أصحاب الشركات المتوسطة والكبيرة ومالكو الأراضي، وهم أقل تأثراً بالظروف الاقتصادية من سواهم.

وبحسب رأي المشاركين، فإن من يرتاد الفنادق والمولات هم من غير عامة الأردنيين، فالأوضاع الاقتصادية لم ولن تمكّن المواطن العادي من زيارة هذه الأماكن.
ودعا مشاركون إلى "إعادة النظر بالسياسات الضريبية القائمة حالياً"، فالأغنياء والفقراء يدفعون ضرائب مثقاربة في نِسَبها، وهو ما يعني وجود خلل في نظام الضرائب، سيقود عدم تداركه إلى "اتساع الفجوة بين طبقات المجتمع".
فيما طالب آخرون بضرورة مراجعة قانون الشيكات، فالقرار القطعي بعد أول استئناف -بحسب رأيهم- غير عادل، فـ"السجون ممتلئة بأصحاب القضايا المالية، وعددهم بحدود 12 ألف موقوف، بالإضافة لآلاف القضايا المنظورة أمام المحاكم".

ومن غير المنطقي "أن صاحب شيك معاد يُطلب للمدعي العام بجرم الاحتيال ولا يشمله العفو، في حين أن هذا العفو شمل مدمني المخدرات والسارقين والسلفيين ولم يُخرج أبناءنا التجار"، فإخراج هؤلاء الأخيرين، بحسب المشاركين، من شأنه أن "يحرك عجلة الاقتصاد".

وشدد مشاركون على أهمية تفعيل قانون "من أين لك هذا؟" وتقليص نفقات المسؤولين، إذ ينبغي إنفاق هذه الملايين على "متطلبات الشعب واحتياجاته"، بدلاً من إنفاق الملايين على رفاهية هؤلاء المسؤولين.
بينما أشار بعضهم إلى أن الولايات المتحدة مَدينة للأردن بفاتورة نتائج الحرب على العراق وارتفاع الأسعار، بالإضافة إلى الاستقرار الأمني على الحدود الشرقية والغربية، وتداعيات الوضع على الحدود الشمالية وآثاره الاقتصادية على الأردن.
وأخيراً اقترح المشاركون إجراء استفتاء شعبي يتناول ما يلي: "هل تؤيد أن يدخل الأردن في مرحلة اقتصاد منغلق على نفسه، وذلك برفض المعونات الدولية خلال 5 سنوات والعمل بالتوازي على إنشاء اقتصاد ذاتي مستقل؟.

- آراء تتناول الفساد ومحاربته:

أجمع المشاركون في القضية المطروحة على أهمية مكافحة الفساد المالي والإداري، كخطوة أولى لاستعادة هيبة الدولة، فالمحاربة الفعلية للفساد واتخاذ خطوات ملموسة بحق المفسدين سوف يكون "إجراء مقنعاً ومرْضياً" للشارع الذي يتساءل عن التقارير التي تتداولها وسائل الإعلام وتترافق مع إقرار الحكومة وهيئة مكافحة الفساد بصحة ما جاء فيها، لكنه لا يرى شيئاً ملموساً ولا يرى أحداً "خلف القضبان.

وأكد آخرون على أهمية وقف الاستهتار بمشاعر المواطن، الذي من حقه أن تصارحه الحكومات وتتعامل معه بشفافية، وأن تعي أنها ستحاسَب يوماً ما كبقية الحكومات العربية التي حوسبت، فلا يُعقل "أن يستمر التضليل والطبطبة على الفساد والمفسدين، لأن المواطن يعلم أن أحداً ليس فوق القانون".

فيما تساءل بعضهم عن دور الحكومات المتعاقبة في محاربة المحسوبيات والنفاق الاجتماعي والرسمي، وانتقد آخرون بعض السلوكات الخاطئة من قبل المواطنين، مثل إلقاء النفايات من السيارات، وعدم احترام الدَّور، والتعدّي على حقوق الناس، عادّين الأولوية هي "لإصلاح الذات قبل المطالبة بإصلاح الاخرين".

- آراء تتناول الشأن الاجتماعي

اتهمت مجموعة من المشاركين الحكومات بأنها "تتساهل مع المنحرفين اجتماعياً"، فالفساد الأخلاقي والابتعاد عن الدين -بحسب رأيهم- سوّل لجماعة من الناس "العبث والتصرف بأقدار البسطاء"، وطالبوا الحكومات أن تتقي الله في دين الدولة (الإسلام)، وزادوا أن الدين والخُلق تتم محاربتهما بشكل علني عن طريق "السماح بالخمر والمراقص"، وأن هناك "حملات مدعومة بأدوات إعلامية لتشويه الإسلام والتخويف من الملتزمين دينياً"، وأشاروا إلى أننا "بحاجة إلى ثورة يقودها الملك لصالح الشعب".

وتطرق بعض المشاركين إلى قضية التعليم بشقّيه المدرسي والجامعي، الذي "لا يسمن ولا يغني من جوع"، مؤكدين أن الوقت "قد حان لمراجعة سياسات التعليم في كل المراحل"، فهناك الكثير من المبادرات والمشاريع المعنية بتطوير التعليم، لكن المخرجات "من سيئ إلى أسوأ".