محمد خرّوب
kharroub@jpf.com.jo
تبدّدت الأوهام سريعاً, وليس ثمَّة حد أدنى من التفاؤل, في أن عهد ترمب سيختلف عن عهد الرئيس الصهوني/بايدن, الذي كرّر أول أمس, عند لقائه رئيس الكيان الفاشي العنصري/ إسحق هيرتزوغ, عبارته الشهيرة التي قالها (في شبابه وأثناء صعود نجمه السياسي) أمام اللوبي اليهودي الأقوى على الساحة الأميركية/«أيباك», قال بايدن: ليس مُهماً أن يكون المرء يهودياً كي يكون صهيونياً.. أنا ـ أضاف بايدن بحماسة استدعت تصفيقاً حاراً بالوقوف من جمهرة المُتصهينين واليهود.. أنا صهيوني.
ليس دعوة إلى التشاؤم, بل كبحاً لبعض التفاؤل ولو النسبي, عندما هلّل له البعض في المنطقة العربية وفي أوساط فلسطينية أيضاً, اتكاء على تصريحات ووعود «انتخابية», بذلها «المُرشح الرئاسي» في حينه دونالد ترمب, خاصة تلك التي جمعته بناخبين مُسلمين وعرباً.
دعونا والحال هذه وقد تكشفت «هويات» فريق ترمب السياسية والايديولوجية, حيث لم يتأخر الرجل في تسمية الفريق السياسي والأمني والعسكري, كما الإداري واللوجيستي الذي سيرافقه في ولايته الجديدة, بعد اعتماد الكونغرس بعض هذه الترشيحات. إذ هناك وظائف رفيعة لا تحتاج موافقة مسبقة من الكونغرس. ليس فقط استعانة ترمب بأغنى رجل في العالم/ايلون ماسك (إلى جانب رجل الأعمال/ فيفيك راماسوامي). لتسليمهما وزارة «الكفاءة الحكومية», بل خصوصاً في مَن أتى بهم ليشغلوا الوزارات, والأجهزة ذات الصلة المُباشرة بقضايا وملفات المنطقة العربية, وعلى رأسها القضية الفلسطينية, عندما روَّج البعض في المنطقة, أن الرئيس السابق ترمب رقم «45», سيختلف عن الرئيس الحالي ترمب رقم «47».
كيف سيختلف ترمب صاحب صفقة القرن واتفاقات «إبراهام» التطبيعية, (التي لم تكتمل فصولها بعد), بعد أن جاء بثلّة من اليهود والمُتصهينين بل الكاهانيين إلى مواقع على صلة مُباشرة بالقضية الفلسطينية, وأولهم الكاهاني (نسبة إلى حركة إسرائيلية يمينية مُتطرفة أسَّسها الحاخام مائير كاهانا عام 1971 في إسرائيل. عُرفت بأفكارها العُنصرية ودعوتها لطرد الفلسطينيين من الأراضي المحتلة, وإيمانها بـ«أفضلية اليهود على غيرهم». ومن أبرز أعضائها وزير الأمن القومي الفاشي/إيتمار بن غفير، الذي انضم للحركة وهو في الـ«16» من عمره. إذ سعت الحركة إلى إقامة دولة يهودية خالصة على أرض فلسطين، وشكّلت مجموعات مُسلحة للاعتداء على القرى الفلسطينية وتخريب ممتلكات الفلسطينيين، كما تبنّت عمليات قتل بحقهم. وقد نجحت الحركة في الحصول على «مقعد» في كنيست العدو، مع وصول حزب الليكود اليميني بزعامة الإرهابي/مناحيم بيغن إلى السلطة في أيار/1977, وسيطرة الخطاب المُتطرف على الساحة السياسية. وتم حظرها من الكنيست وإدراجها ضمن «قوائم الإرهاب» عام 1994, وباتت الآن حزباً يحمل اسم «العظمة اليهودية» يرأسه بن غفير, الذي يُشارك في الإئتلاف الفاشي الحاكم برئاسة مُجرم الحرب/نتنياهو).
نقول: قصدنا قيام ترمب بتعيين الكاهاني/الإنجيلي المسيحي المُؤيد للصهيونية/مايك هاكابي سفيراً لواشنطن في تل أبيب, و«لا» يكفي أن يَصِفه ترمب نفسه بأنه/هاكابي: «يعشق إسرائيل وشعب إسرائيل، وشعب إسرائيل يُبادله العشق. سيعمل مايك ـ أضاف ترمب ـ بلا هوادة من أجل عودة السلام إلى الشرق الأوسط». إذ أن زعم ترمب أن هاكابي سيعمل من أجل عودة السلام إلى الشرق الأوسط, تفضحه أقوال هاكابي قبل وبعد أن كان حاكماً لولاية أركنسو. إذ لفت موقع أكسيوس الأميركي, إلى أن علاقة وثيقة تربط مايك هاكابي بنتنياهو. كما أعربَ هاكابي مِراراً وتكراراً عن دعمه للمستوطنين اليهود ودعمه فكرة ضم إسرائيل لأجزاء من الضفة الغربية المُحتلة. أما في عام 2015، فقال هاكابي: إن إسرائيل لديها ارتباط تاريخي أقوى بالضفة الغربية من ارتباط الولايات المتحدة بمانهاتن. وفي عام 2019، أعربَ/هاكابي عن اعتقاده أن لـ«إسرائيل الحق في ضم أجزاء من الضفة الغربية». في حين قال هاكابي خلال حملته الرئاسية عام/2008، إنه «لا يُوجد حقًا (شيء) اسمه فلسطيني», بل جادلَ بأن الأرض التي ستقام عليها الدولة الفلسطينية «المستقبلية», يجب أن «تُؤخذ من الدول العربية الأخرى، وليس إسرائيل». إضافة إلى ما يُعرَف عن هاكابي بأنه «الأشدّ حماساً في دعمه للمستوطنين» والأكثر استعداداً للاستنفار من أجل (دعم الجماعات اليهودية التي تُطالب بـ«تدمير الأقصى»).
ماذا عن سفيرة ترمب لدى الأمم المتحدة؟.
إنها النائبة الجمهورية عن نيويورك/إليز ستيفانيك, الصهيونية المُتحمّسة.. التي سارعتْ إلى قبول ترشيحها, والمعروفة بدعمها القوي للكيان العنصري الاستعماري. وكانت أثارت انتقادات مُتكررة ضد الأمم المتحدة, مُتهمة إياها بـ«مُعاداة السامية» بسبب مواقفها تجاه الصراع الفلسطيني/الصهيوني. إضافة إلى دعوتها في شهر تشرين الأول الماضي, إلى «إعادة تقييم كاملة» لتمويل الولايات المتحدة للأمم المتحدة, كذلك تأييدها لجهود منع تمويل (الأونروا)، بسبب تعاونها مع حركة «حماس».
ماذا عن مُرشح ترمب لقيادة «البنتاغون», وزميله الذي سيتولى الخارجية الأميركية؟.
فيما يُحذِّر الرئيس الأميركي المنتهية ولايته/ الصهيوني بايدن, من «حقبة» تغيير سياسي كبير في ظل العودة الوشيكة لترمب. وفيما يمضي الرئيس المُنتخَب قُدماً في بذل الوعود «الخُلّبية», بإنهاء الحروب في الشرق الأوسط وأوكرانيا, بعد ان تفاخر بأن يكون للولايات المتحدة «جيش قوي». (بالمناسبة الميزانية السنوية للبنتاغون هذا العام وصلت الى 850 مليار دور, ويحتمل ان تصل في عهد ترمب الى «ترليون» دولار/ (1000) مليار دولار, ويقولون لك ان واشنطن «حمامة سلام», فيما عدد قواعدها العسكرية في معظم دول العالم يُقارب 850 قاعدة).
نقول: في غمرة التصريحات المُنطلقة من واشنطن, بين رئيس أفل نجمه ولن يجد أحداً يأسف عليه عند خروجه من البيت الأبيض, بعد دورة رئاسية «يتيمة», أُجبِرَ خلالها التخلّي عن ترشّحه لولاية ثانية, بعدما تراجعت قدراتية العقلية, وبين رئيس شعبوي مُنعدم الثقافة والرصانة, لا يُؤمن بغير الصفقات الأقرب الى عقلية سمسار العقارات, ولا يستطيع أحد حتى أقرب مُعاونيه, «توقع» الخطوة التالية له في أي ملف وعلى صعيد اكثر من قضية. ما يعني ــ من بين أمور أخرى ــ اننا امام مَشهد أميركي عاصف, محمولٍ على اجواء مُتقلبة وأعاصير, قد تأخذ العالم وخصوصا منطقتنا العربية والقضية الفلسطينية, الى مرحلة أسوأ مما هي عليه منذ السابع من أكتوبر/2023 حتى الآن., ناهيك ان فترة «الشهريْن» المُتبقِّيين على تسلّم ترمب, ستكون هي الأخرى مُسربَلة بالغموض والتكهّنات المُتضاربة.
نحن والحال هذه أمام فريق لا يخُفي أيديولوجيته الصهيوــ يهودية تماما كما رئيسه الذي لا يزال يرطن بانه في مقدمة كل رؤساء الولايات المتحدة, «دعما ومساندة سياسية ودبلوماسية وخصوصا توسيعاً لمساحتها الجغرافية, ليس فقط ضم الجولان السوري المحتل لها, بل خصوصا في إعتبار القدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل, بما هي دولة «اليهود» وحدهم, ناهيك ــ وهذا ما يتوجّب علينا عدم نسيانه ــ تصريح ترمب الوقح, بانه «يُفكِّر» وهو ينظر الى مساحة إسرائيل «الصغيرة».. كيف يُمكنه مساعدتها على توسيع مساحتها؟
هنا ليس ثمة مسعى للتذاكي او دفن الرؤوس في الرمال, فتوسّع إسرائيل ــ الجغرافي/الترمبي ــ لن يكون في السودان او جنوب إفريقيا او حتى الصومال, رغم موقعها الاستراتيجي هي وجيبوتي واليمن, وهي أهداف صهيو إمبريالية مُعلنة. وما اتفاقات إبراهام التطبيعية, التي دشنها ترمب «الأول» وصهره المُستبعَد الآن عن هذه المسيرة في العام/ 2020, سوى «مَعبر» سياسي ودبلوماسي, تمهيدا لتوسّع جغرافي, يُراد منه منح مكانة الدولة المُهيمِنة, المُتقدمة تكنولوجياً والباطشة عسكريا, والمُتغلغلة استخباريا وتنسيقاً أمنياً, وخصوصا تكريسا لاندماجها في نسيج المنطقة العربية, قائدة وكاتبة لجدول أعمالها, وليس «متساوية» بين متساوين؟
وإذا كان «مُسلمو أميركا» قد اعتبروا انفسهم «أول» المَخدوعين, من «الرئيس» الذي صوّتوا له, بدلالة التعيينات التي أعلنها, للمناصب «الرفيعة» لتولّي «مسؤولية» الملفات العربية, وعلى رأسها القضية الفلسطينية, حيث جاء بمتصهينين ويهود, على نحو يتفوّقون فيه على عصابة اليهود والمُتصهينين, الذين أحاطوا بالصهيوني/بايدن كـ«السوار», مثل بلينكن (الذي قدَمَ «يهوديته» على هويته الوطنية الأميركية), ناهيك عن جيك سوليفان/ مستشاره للأمن القومي, وكُثر في البيت الأبيض والخارجية, كما البنتاغون وما يفيض بهم الكونغرس بمجلسيه.. الشيوخ والنواب, فإن المواقف المُعلنة التي تبنّاها هؤلاء, والمتطرفة في عدائها للفلسطينيين, ودعمها غير المحدود للرواية الصهيونية, لا تدفع للتشاؤم فقط, بل تُنذِر بما هو أسوأ. سواء في ما خص ضمّ الضفة الغربية «كاملة’ او مُجرد المنطقة «ج» وفق تصنيفات «اوسلو» الكارثية. ناهيك عن مشروع التهجير والتطهير العِرقِي, الجاري شمال قطاع غزة (كـَ«بروفة» سيتم تعميمها). دون تجاهل ما يحدث في القدس الشرقية وأحيائها, مثل سلوان «مدينة داود» في الرواية الصهيونية, كما الأحياء الفلسطينية خارج جدار الفصل العنصري, والمحسوبة على ما يُسمى «القدس الكبرى» مثل شعفاط ومخيمها).
ليس من الحكمة التوقّف «كثيرا» عند ما كان صرّحه «سابقا», وما رطنَ به اول من أمس/الجمعة للقناة السابعة الصهيونية التابعة لمستوطنين/«القسيس الإنجيلي» المتصهين/مايك هاكابي, الذي عيّنه ترمب سفيراً في الدولة الفاشية وقوله: «لا يمكنني أن أقول شيئا لا أؤمن به, لم أكُن على استعداد أبدا لاستخدام مصطلح «الضفة الغربية»، لا يُوجد شيء من هذا القبيل، أنا أتحدّث عن يهودا والسامرة (التسمية التوراتية للضفة المُحتلة). مُضيفاً/هاكابي: «أقول للناس إنه «لا يوجد احتلال»)، بل علينا قراءة ما كان «شريك» ايلون ماسك في وزارة «الكفاءة الحكومية».. الهندوسي الأميركي/ فيفيك راماسوامي قاله: (أتمنى أن تضع القوات الاسرائيلية, رؤوس القادة المئة الأوائل من حماس, على أوتاد وتصفّها على الحدود بين إسرائيل وغزة. كعلامة على أن ٧ أكتوبر/٢٠٢٣ لن يتكرر أبدا. الوقت حان لإسرائيل للعودة لأساسها التأسيسي. للدولة اليهودية حق مُطلق في الوجود، «هدية إلهية مُنحَت لأمة إلهية, مُكلفة بـ«مهمة إلهية»، لإسرائيل تابعَ ــ حقٌ مطلق وغير قابل للنقاش, ومسؤولية للدفاع عن نفسها لأقصى حد, بتطبيق اللغة «الوحيدة» التي يفهمها خصومها, وهي «لغة القوة». إذا أرادت إسرائيل أخيرًا التخلّي عن «أسطورة حل الدولتين»، يجب على إسرائيل «التخلّي» عن حل الدولتين.